![]() |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 44 } الورد بأمر من الله عزوجل وبأمر من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاستغفار ، ومن الصلاة على سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم ، ومن قول { لاإله إلا الله } ، فليس لأحد أن ينكره أو يتركه . فمن أنكر فلجهله .
ومن حرم الأوراد في بدايته حرم الواردات في نهايته ، فعليك بالأوراد ولو بلغت المراد ، والذكر مع وجود الغفلة سببه قلة الذكر ، فلابد من كثرة الذكر حتى تنقل إلى الحضور ، قال تعالى { اذْكرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً } سورة الاحزاب 44 وهذا صعب وليس بسهل فلا بد من المجاهدة لقوله تعالى: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } سورة العنكبوت /69 {45} المريد الصادق يأخذ بوصية الله عزوجل ، وليس هناك أفضل وأكمل من وصية الله حيث يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا } سورة الاحزاب /41 وقُيد الذكر بالكثرة ، لأن الفائدة من الذكر لا تتحقق إلا بالكثرة ، فإذا رأيت ثقل الذكر على لسانك اتهم نفسك بالنفاق ، لأنه من أوصاف المنافقين ، لقوله تعالى فيهم : { وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } سورة النساء /142 فلابد من الاستغفار والتوبة ، حتى ــــــــــــ ص 54 ـــــــــــــــــ تقوى على ذكر الله ، وبكثرة الذكر تخفف من طبيعتك البشرية ، فلا تأخذ من الدنيا إلا بمقدار الحاجة ، وعندها قلبك لا يميل ولا يرضى إلا بمولاك . فلابد من المجاهدة وكثرة الذكر . اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ولا تجعلنا من الغافلين . { 46 } معرفة الله تبارك وتعالى ، لا تحصل إلا بعد معرفة النفس ، ومعرفة النفس لا تكون إلابعد معرفة المعرّف ، والمعرفون على قسمين كامل وناقص . فالكامل : هو من كان وارثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظاهر والباطن ، فهذا يستفاد منه . والناقص : من ورث علم الظاهر فقط فلا يصلح أن يكون معرفاً على الله تعالى . لذلك أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر رضي الله عنهما فقال ( يا ابن عمر دينَك إنما هو لحمك ودمك ، فانظر عمن تأخذ ، خذ الدين عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا ) أخرجه الحافظ ابن عدي في كنز الاعمال ورحم الله الإمام مالكاً الذي قال : ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ، ومن جمع بينهما فقد تحقق ) فلابد للوارث الذي يصلح لأن يكون معرِفاً أن يجمع علم الظاهر والباطن . { 47 } ليس كل عام وارثاً ، وإلا لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث : ـــــــــــــ ص 55 ــــــــــــــــــــ ( أن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه .... ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن ، فأتي به ، فعرفه نعمه فعرفها ، قال . فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن ، قال كذبت ، ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ) رواه مسلم والنسائي ولكن العالم الوارث هو من كان على سيرته صلى الله عليه وسلم . وهو موجود إلى قيام الساعة ، لأن الدين باق حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، والحمدلله . ولن يبقى هذا الدين بدون وارث . والوارث له شرطان : الشرط الأول : أن لايطلب أجراً على دعوته ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى : { قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى } سورة الشورى /23 وقال : { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ } سورة يونس /72 الشرط الثاني : أن يكون مستقيماً على شرع الله عزوجل ، كما استقام النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال الله تعالى : { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ } سورة هود/112 انتقل النبي صلى الله عليه وسلم ، وبقي الدين ، وإذا بقي الدين وجب أن يبقى ــــــــــــــ ص 56 ـــــــــــــــــــ من يدعو الناس إلى الله تعالى ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما انتقل حتى ترك وراثاً وخلفاء يقومون بمقامه صلى الله عليه وسلم مع فارق المقام . رضي الله عنهم وألحقنا بهم . |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 48 } المرشد في الطريقة هو :
1ً ــــ من كان خبيراً في الطريق بشهادة مورثه . 2ً ـــ من كانت عنده خبرة في إزالة العقبات من طريق السالكين كما أزالها له شيخه . 3ً ـــ من كان داعياً إلى الله عزوجل لا إلى نفسه ، لأن هذه هي مهمة مورث الوارث عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، قال تعالى : { وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا } سورة الاحزاب /46 ولا يستفيد من المرشد إلا من كان عنده التسليم التام ، بعد المرافقة والموافقة والمحبة والخدمة ، والمقصود بالخدمة خدمة الطريق ، لا الخدمة الشبحية لشخصية المرشد ، وإذا خَالَفتْ توجيهاتُ المرشدِ فكرَ المريد وعقلَه عليه أن يذاكره حتى لا يتوقف في سيره إلى الله تعالى لأن الله هو الغاية ، فيتابع توجيهه إلى النهاية ، ولا يطلب التبيين قبل أوانه وخاصة في مجال التربية والتزكية قال تعالى على لسان الخضر : { فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ــــــــــــــ ص 57 ـــــــــــــــــــــ ذِكْرًا } سورة الكهف / 70 وإحداث الذكر في أوانه { 49 } ركن ديننا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخروج جسده الشريف من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ لا يعني خروج الدين من الدنيا ، فهو باق لآخر الدنيا والحمدلله ، ولن يبقى هذا الدين بدون وراث فوراث رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودون إلى يوم القيامة لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لايضرهم من خالفهم حتى يأتي امر الله ) رواه الشيخان ونعني بالوارث : هو الذي ورث الدعوة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وورث الاستقامة عنه صلى الله عليه وسلم لأن الله عزوجل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة فقال له : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } سورة النحل / 125 وأمره بالاستقامة فقال له : { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } سورة هود / 112 فرسول الله صلى الله عليه وسلم استقام على شرع الله ، ودعا الناس إلى تلك الاستقامة ، ووراثه الكرام رضي الله عنهم استقاموا على سيرته صلى الله عليه وسلم ، وقاموا مقامه السامي مع فارق المقام . { 50 } يقول بعض العارفين بالله : ـــــــــــــــــــ ص 58 ـــــــــــــــــــــــ هناك فرق بين الشيخ الولي المرشد وبين المتمشيخ ، فإذا كان هدفُ مقصِدِهِ اتحادَ الإسلام ، ومسلكُه المحبة ، وشعاره ترك التزام النفس ، ومشربه المحوية ، وطريقه الحمية الإسلامية ، هذا يحتمل أن يكون شيخاً مرشداً . أما إذا كان يريد أن يُظهر مزيته بتنقيص غيره ، ويصور في خيال أتباعه خصومة الغير في صورة محبتهم لنفسه ، ملقياً إلى أذهانهم أن محبتهم له تستلزم خصومة الغير فهذا ليس شيخاً ، بل متمشيخ مترئس وذئب متغنم يضرب الطريقة أو الكتاب بدل الطبل ليأخذ الهدية ، هذا وأمثاله يصيدون الدنيا بالدين ، إما للذة منحوسة ، أو تهوس سفلي أو اجتهاد خاطئ ، أو ورطة وخدعة ، وهو يظن أنه يحسن ، ولا يشعر أنه قد أساء للمشايخ الكرام ، والذوات المباركة ، بفتح الباب لسوء الضن في حقهم . أجارنا الله من شرور أنفسنا . { 51 } لوازم دوام الحال بين يدي المرشد أمور خمسة : اولاً: ملازمة الشرع الشريف ظاهراً وباطناً . ثانياً: ملازمة الذكر لله عزوجل مع الحضور التام الدائم . ثالثاً: ملازمة المحبة ومحبة بلا عمل لاتدوم . رابعاً: ملازمة التسليم لأن الاعتراض سم قاتل ويخشى على صاحبه من سوء الخاتمة . خامساً: ملازمة الخدمة ــــ أعني خدمة الطريق ـــ ـــــــــــــــــ ص 59 ــــــــــــــــــ |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 52 } إذا كنت تزعم أنك محب لشيخك فانظر في قلبك ، إذا وجدته أبغض الدنيا فهذا دليل على صدقك ، وإلا فلا . وجمع المال فوق الحاجة فتوى ، والاكتفاء تقوى ، وقليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ، وصاحب التقوى يرضى بالقليل ولا يغتر بالكثير .
{ 53 } البيعة بيعتان : بيعة صورية وهمية ومحلها الشبح ، وهذه لا تنفع كبيعة عبدالله بن أُبيّ بن سلول ، وبيعة حقيقية وهذه محلها القلب . والبيعة سبب الرضا قال تعالى : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } سورة الفتح / 18 وحقيقة هذه البيعة الاتباع ظاهراً والتسليم باطًناً. وهذا الرضا ليس مقصوراً على أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يشمل كذلك من جاء بعدهم لقوله تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } سورة التوبة / 100 اللهم اجعلنا منهم آمين . فلابد من الالتزام بين العلة والمعلول ، فمن نفى الالتزام نفى البيعة ، ولابد من الصدق من المبايِع حتى يصلح دينه ودنياه . ــــــــــــــــــ ص 60 ـــــــــــــــــــــ { 54 } المريد مريدان : مريد للسير والسلوك ، ومريد للتبرك وهذا أكثرهم . فالأول يجب عليه أن يتخلق بأخلاق شيخه ، ويأتمر بأوامره ، ويجتنب نواهيه ويترك ما يهواه لما يهواه شيخه ، وهذا هو الفناء بالشيخ . والطريق ليس بالقيل والقال بل بالأعمال . الصوفية أرباب أحوال وأعمال لا أرباب دعاوي وأقوال . { 55 } الإنسان باعتقاده وأخلاقه ، ولابد من مصاحبة صاحب الاعتقاد السليم والأخلاق الحسنة حتى يسري الحال منه لصاحبه ، وحال رجل في ألف رجل خير من وعظ ألف رجل في رجل ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } سورة التوبة / 119 وهؤلاء الصادقين سيُسألون عن صدقهم يوم القيامة لقوله تعالى : { لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ } سورة الاحزاب / 8 فيُسأل ماذا أردت من هذا الصدق ؟ ولماذا صدقت ؟ { 56 } المأذون من الله ورسوله لا يميز بين نفسه وبين أفراد الطريق ولا يترفع على أحد منهم ، وكلامه كلام من أذن له ، فإذا تكلم كان كلامه مكسواً بالنور ، ولا يرى ذلك إلا من كان قلبه منوراً ونفسه مستسلمة ، وكلام غير المأذون يكون عارياً عن ذلك النور . ولا يصلح للإذن من كان فيه شائبة من حظ نفسه ، وأنا ـــــــــــــــ ص 61 ـــــــــــــــــــــ لاآمن على رضا الله عزوجل لمن خالف شيخ الطريقة إذا كان سنده متصلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم . لأن الحقيقة النبوية توجد في المرشد الكامل الصادق مع فارق المقام ومنه ينتقل سر الطريق إلى الصادقين . { 57 } للمرشد شخصيتان ، شخصية شبحية وشخصية إيمانية ، أما الشبحية فهي قابلة للموت ، وأما الشخصية الإيمانية . فإنها ليست ملكاً للمرشد إنما هي من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلا تتعلق بالشخصية الشبحية ، بل تعلق بالشخصية الإيمانية . فإذا ما متُ فلا تفعلوا بالذي يأتي من بعدي كما فعلتم معي وتقولون مات شيخي مات شيخي بل اتبعوه . |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 58 } الشيخ الذي يجب أن نتأدب معه هو من كان عالماً بالكتاب والسنة ، قائلاً بهما في ظاهره ، ومتحققاً بهما في سره ، ويراعي حدود الله عزوجل ، ولاتأخذه في الله لومة لائم ، ويوفي بعهد الله الذي أخذ عليه من أشياخه في حال حياتهم وبعد وفاتهم .
{ 59 } الإذن العام يكون أحياناً بلاء على الطريقة ، لأن الناس يجتمعون على هذا المأذون وقد يكبر بنفسه ، وهو لا يوجههم إلى الطريقة بل إلى نفسه ، حتى إذا جاء شيخ الطريقة لا يتبعوه ، فعليكم أيها المأذونون بتوجيه الناس إلى طريقهم ، وترك المخالفين ـــــــــــــ ص 62 ــــــــــــــــــــ وعدم التحدث عنهم ، وترك الحسد ، والتخلق بالأخلاق المحمدية ، ورمي الاخلاق الذميمة ، ووالله إني أستحي من الله أن أقول عن نفسي أنا شيخ أنا مرشد . فكل شئ مع الله مفقود . { 60 } لايجتمع أهل الحق الا على رجل طرح نفسه ، ولم تكن له حظوظ ، والناس كلهم لايمكن أن يكونوا مرشدين ، فلابد من رجل واحد يجتمع الناس عليه ليدلهم على الله عزوجل ، فما فات من أعمارنا من ضياع واتباع للعصبية يكفي ، فأن العمر لاعوض له ، وما حصل لنا من ذاك العمر لاقيمة له . { 61 } محبة المؤمن لنا جيدة وطيبة ، ولكن من أحبنا يجب عليه أن يعمل بالطريق ويلتزم به ، ولابد له من الالتزام بباب الطريق حتى يصل إلى الجوهرة ، وهذا هو الحب الحقيقي وكلنا محتاج إلى هذا الطريق فنحن مع الإذن لا مع الأشباح . والذي يتبع نفسه إذا وافقناه واتبعناه كانت نفسه سيدة علينا ، وهو مخالف لأمر الله عزوجل حيث يقول : { وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } سورة الكهف /28 { 62 } تطلبون منا الرضا ونحن نطلب منكم الصدق ، والصدق يستلزم الرضا ، أما الرضا فإنه لا يستلزم الصدق . وإذا كان ما في قلوبكم موافقاً لما جرى على ألسنتكم تستفيدون في ــــــــــــــ ص 63 ـــــــــــــــــــ دينكم ودنياكم ، وأما إذا كان لا قدر الله مخالفاً لما في قلوبكم فإنه يكون حجة عليكم يوم القيامة ، والله عزوجل يعامل العبد يوم القيامة على مافي قلبه من الصدق . ولا تنظروا حكم الغير على صدقكم ، لأنهم ليسوا واقفين على ما في قلوبكم ، يكفيكم علمكم بما في نفوسكم ، وربكم أعلم منكم بما فيها . |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 63 } المريد الصادق مع شيخه الواصل قد يستفيد منه في حال بعده أكثر من قربه ، والله تعالى يقول : { إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } سورة الأعراف / 19 . فالله يتولى هؤلاء الصادقين . { 64 } الانتفاع من المرشد في حال بعده يكون بشروط : 1ً ــــ الاعتقاد بأن هذا المرشد متصل برسول الله صلى الله عليه وسلم ، بالسند المتصل ، شيخاً عن شيخ . 2ً ـــ الاعتقاد بأن هذا المرشد ماجاء بنفسه ، إنما جاء بإذن شيخه عن شيخه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس داعياً لنفسه ، بل داعياً إلى الله عزوجل . 3ً ــــ الاعتقاد بأن المرشد تقي نقي على سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم . { 65 } الشيخ المتوفي لا يتصرف في الظاهر بشئ لأن تصرفه في الظاهر انقطع بموته ، ولو لم يكن كذلك لاكتفى البشر برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى وهو صلى الله عليه وسلم سيد البشر ـــــــــــــ ص 64 ـــــــــــــــــ والملائكة ولكن جاء بعده صلى الله عليه وسلم الصديق رضي الله عنه ، فمن مات شيخه وجب عليه أن يتمم سيره وسلوكه على يد شيخ حي ، ولا يجوز له أن يدعي أن شيخه في قبره يكلمه ، ومجالسة الوارث مجالسة لمورثه . { 66 } يقول تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } سورة يونس / 57 . الموعظة : هي ظاهر الشريعة ، وفيها إشارة إلى تطهير ظواهر الخلق عما لا ينبغي . وشفاء لما في الصدور : هو باطن الشريعة ، وفيه إشارة إلى تطهير النفوس من العقائد الفاسدة ، والاخلاق الذميمة ، وهذا ما نسميه طريقة . وهدى : هو الحقيقة ، وفيه إشارة إلى ظهور نور الحق في قلوب الصديقين . والرحمة : هي النبوة ، وفيها إشارة إلى أنها بالغة في الكمال والإشراق ، حيث تصير مكملة للناقصين . فالأولى : شريعة ، لإصلاح الظاهر بالتقوى والتوبة والاستقامة . والثانية : طريقة , لإصلاح الباطن بالإخلاص والصدق والطمأنينة . ــــــــــــ ص 65 ــــــــــــــــ والثالثة : حقيقة ، لإصلاح السرائر بالمراقبة والمشاهدة والمعرفة . فالمريد لا ينتقل إلى عمل الطريقة إلا إذا حقق عمل الشريعة , ولا يصل إلى الحقيقة إلا إذا جمع بين الشريعة والطريقة تحقيقاً . ولا يعتمد المريد في مثل هذه الأمور على نفسه ، بل على فضل ربه وتوفيقه فالله تعالى يقول : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ } سورة القصص / 68 ويقول : { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ } سورة الانعام / 112 وفي الحديث الشريف : ( لن يُدخلَ أحدَكم الجنة عملُه ) رواه الشيخان فالاعتماد على النفس من الشقاء والبؤس ، والاعتماد على الأعمال من عدم التحقق بالزوال , والاعتماد على الكرامة والأحوال من عدم صحبة الرجال ، والاعتماد على الله تعالى من تحقق المعرفة بالله عزوجل . اللهم حققنا بالمعرفة بك حتى نعتمد عليك يا أرحم الراحمين . { 67 } الطريق جوهرة يجب التعلق بها , ولا يجوز ان نتعلق بمن تعلق بها ولكن نحبه لتعلقه بهذه الجوهرة , ومن تمسك بالجوهرة عليه بالصدق . وباب الدخول إلى تلك الجوهرة هو شيخ الطريقة كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو باب الدخول إلى الله تعالى ، قال تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ ـــــــــ ص 66 ــــــ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ } سورة الاحزاب / 21 |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
وقال تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي } سورة آل عمران / 31. وهو ليس بغاية إنما وسيلة , والوسيلة مقبولة عند أهل السنة , وفي الحديث الشريف : ( يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضُلالاً فهداكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي , وعالة فأغناكم الله بي ) رواه الشيخان فعليكم أن تتعلقوا بالله وبرسوله وبآداب أسيادنا وبطريقة شيخنا رحمه الله , ولا تكونوا كالذين يتركون الطريق ويخرجون منه , ويذكرون اسم الشيخ رحمه الله وأقواله وهم يدْعون لأنفسهم , ولا تكونوا كالذين يتركون أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ويمدحون الشيخ رحمه الله , ولا تكونوا كالذين أخذوا بالشرك الخفي وتركوا الله تعالى , عليكم أن تكونوا عباداً لله وهذا حق الله عزوجل على عباده , فالله عزوجل يطلب منا أن نكون في مقام العبودية التي لا يوازيها شئ من حطام الدنيا , فمن تعلق بالعبودية كانت أعماله كلها في عبادة لله عزوجل , ولكن مع كل هذا فإنه يرى ـــ الذي تعلق بالعبودية ـــ عبادتَه غير لائقة بربه عزوجل , وكيف يراها لائقة وهو يشعر أن عجزه مختلط بطينته , وأن حقيقته العدم , والعدم تجاه الله تعالى لا يكون شيئاً , فمن كان أصله من العدم ـــــــــــــ ص 67 ـــــــــــــــــــــــــ كيف يستطيع أن يؤدي عبادة لائقة بربه وبخالقه وموجده ؟ ولكن مع عبادتنا ومجاهدتنا لأنفسنا نتضرع إليه تبارك وتعالى أن يوفقنا لطاعته كما يحب ويرضى , وأن يعيننا على أنفسنا وشيطاننا . وهذا هو علم التقوى , فعلينا بعد العبادة أن نستغفر ونرجع إلى فضل ربنا الذي وفقنا , ونتكل عليه لا على عبادتنا , وأن لا نرى فيها حظاً بل نرى فضل الله تبارك وتعالى قال تعالى : { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ } سورة البقرة / 134 ولنا ما نكسب من أعمالنا . الإيمان ثابت للمؤمن بفضل الله عزوجل , ولكن النفوس الفرعونية نمروذية , فلابد من ركوبها وتذليلها , وبعد ذلك مراقبتها لأنها لاتخرج عن أصلها { أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ }. { 68 } من العجائب أن نصدق القواعد ولا نعمل بها , لأن التصديق بدون عمل لا يكفي كما أن الدلالة على التجارة بدون عمل لا تغني فلابد من معرفة القواعد أولاً والعمل بها ثانياً , قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } سورة الصف / 10 . دلالة أولاً وعمل ثانياً وإلا فالحجة قائمة علينا والله تعالى يقول : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (٦٦)وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (٦٧)وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا ــــــــــــــــ ص 68 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ مُسْتَقِيماً } سورة النساء / 68 . |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 69 } الغاية من الدخول في الطريق تخليص القلب من الخلق . والذي يقطع المريد عن الطريق أمران :
1ً ـــــ المال الحرام لأنه يتغذى به وإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً . 2ً ــــــ النظر إلى النساء لأنه سهم مسموم من سهام إبليس والعياذ بالله . { 70 } بعض الناس يعبد الله عزوجل على حرف ، وهذا لعدم صحة نيته وإخلاصه أثناء الدخول في دينه ، فالواجب على العبد أن يكون صادقاً ومخلصاً في عبادته لله عزوجل . وكذلك الدخول في طريق القوم لابد فيه من الصدق والإخلاص . وإلا كشفته شواهد الامتحان وعندها ينقلب على وجهه فيخسر الدنيا والآخرة والعياذ بالله تعالى ، فالسالك الصادق لا يأمن على نفسه من إبليس ما دام حياً ، فهو على حذر منه ، وهذا الحذر لايكون إلا بكثرة الذكر لله عزوجل ، ووضع النفس تحت مراقبة الله عزوجل ، فإذا كان كذلك خرج من الغفلة ودخل في حالة الحضور مع الله عزوجل ، ومن كان في حالة حضور مع الله ، فإنه يعبد الله لله ، ويخرج من دائرة الغافلين الذين وصفهم الله عزوجل بقوله { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ـــــــــــــــــــ ص 69 ـــــــــــــــــــــــــ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } سورة الحج / 11 { 71 } غاية السلوك في طريق القوم رضي الله عنهم ، الترقي الخلقي بالمجاهدة للنفس وإحلال الأخلاق المحمودة محل الأخلاق المذمومة ، حتى يصل السالك إلى معرفة الله عزوجل ، ومادام العبد صادقاً في سلوكه في هذا الطريق فإنه يستفيد منها بإذن الله عزوجل بمقدار ما قسم الله له منها ، وأما إذا كان خائناً ــــ وهو لا يخفى على الله تبارك وتعالى ــــ فإنه لن يستفيد من هذا السلوك ، لأن الله لايحب الخائنين . والصادق في سلوكه يعرف من حركاته وسكناته . { 72 } العبادة بدون معرفة المعبود والدخولِ في مقام الإحسان ليست عبادة كاملة ، والغاية من سلوك المؤمنين في طريق القوم أن يصلوا إلى مقام الإحسان للحديث : ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) رواه مسلم ومن كان خارج طريق القوم فإنه لا يصل إلى مقام الإحسان ، لأن الوصول إليه لا يكون إلا بمجاهدة النفس ، ومخالفة الشيطان ، والإعراض عما سوى الله عزوجل ، فمن جاهد وخالف وأعرض ، هداه الله إلى سبيل معرفته ، ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 70 ـــــــــــــــــــــــــــــــ وعبد ربه من مقام الإحسان ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } سورة العنكبوت /69 فمن أسلم وجهه لله عزوجل ، وانقاد له وأطاع أمره وهو في مقام الإحسان ، فقد استمسك بالعروة الوثقى لقوله تعالى : { وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ } سورة لقمان /22 ومن استمسك بالعروة الوثقى فلا يضل ولا يشقى . من وصل إلى هذا المقام ، وصلى الصلاة المفروضة ، فإن نور القرآن ينتشر في ذرات وجوده ، كما تنتشر ذرات الكهرباء في جسد الإنسان إذا مسها بدون حاجب . ويتجلى الله عزوجل على عبده في تلك الصلاة . وعندها تحصل للمؤمن السالك لذة لا يوازيها شئ ، وتزول مشقة الطاعة عنه ، فلا يصبر بعدها عن طاعته لربه عزوجل ، اللهم اجعلنا منهم . |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 73 } كل حقيقة لا تصحبها شريعة لا عبرة بصاحبها ، وكل شريعة لا تعضدها حقيقة لا كمال لها .
{ 74 } إن صحة الطريق ليست مرتبطة بكثرة العدد ، بل بالحق ، والطريق يدور مع الحق أينما دار لأن الطريق من الدين وليس شيئاً خارجاً عن الدين نعوذ بالله تعالى ، وعليه تجري ــــــــــــــــــــ ص 71 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الأحكام الشرعية وآداب أسيادنا رضي الله عنهم ، فمن ادعى علينا شيئاً عليه أن يدعي بالشريعة لأن النقد يجب أن يكون بفهم لا عن هوى ، فمن ادعى شيئاً بغير دليل شرعي ثابت من الكتاب والسنة لا يُلتفت إليه ، كما قال ربنا عزوجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } سورة النساء /59 فالرجوع إلى شرع الله خير لنا وأحسن عاقبة . فعلينا أن لا تأخذنا في الله لومة لائم ، بل علينا أن نتمسك بطريقتنا بالصدق والإخلاص ، والصدق وحده لايكفي بل لابد من التبليغ مع الجرأة وعدم الخوف والمراعاة ، ولا يجوز أن نرجح خاطر فلان على أمر الله عزوجل لأن أمر الله مقدس وهو الأعلى فلا يقدم عليه شئ ، والطريق يمشي والصادقون متعلقون به ، والطريق أمامنا ونحن نسير خلفه ، ومن وقف على الحقيقة في الطريق لا يمكنه الانحراف ومن لم يقف على الحقيقة في الطريق لا يمكنه الاتباع ، وطلاب العلم إذا لم يفتح عليهم يكون علمهم بلاء على الطريق أحياناً ، لأن النفس لا تخرج عن طبيعتها والشيطان لا يخرج عن خبثه ، فيا طلاب العلم : استخدموا علمكم للوصول إلى الله عزوجل من خلال ــــــــــــــــــــــــ ص 72 ـــــــــــــــــــــــــ الوقوف على حقائق القرآن الكريم ، ومن خلال الوقوف على حقيقة الوراثة النبوية ، وسر الطريق يسري من القلب إلى القلب ، فإذا كان قلب الآخذ فارغاً سرى إليه سر الطريق وإن كان مغلقاً أو مملوءاً بالأغيار تحول السر إلى قلب فارغ مفتوح . |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 75 } السالكون في طريق القوم على ثلاثة أصناف :
الصنف الأول : سلكوا الطريق ، وانقادوا لأوامر الله عزوجل ، وأسلموا وجوههم لله تعالى ، ودخلوا في مقام الإحسان ، بمجاهدتهم لأنفسهم ، وإعراضهم عما سوى الله ، فطلبهم من الطريق الوصول إلى الله تعالى . الصنف الثاني : سلكوا الطريق ، وخرجوا منه لضعف إرادتهم ، ولتغلب الأهواء والشهوات ، والحظوظ عليهم ، وهم بذلك خالفوا الكتاب والسنة . الصنف الثالث : سلكوا الطريق ولم يكن مطلبهم وجه الله عزوجل ، بل أرادوا شيئاً من الطريق ــــ حب شهرة وظهور وتعالٍ على الخلق ــــ وعندما لم يحصلوا على شئ من ذلك ، أخذوا بالنقد على الطريقة وشيخ الطريقة ، وبقوا صفر اليدين والعياذ بالله تعالى مثل هؤلاء مثل الذين يعبدون الله على حرف قال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 73ـــــــــــــــــــــــــــ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } سورة الحج /11 { 76 } لا تنظر إلى الطريقة أنها غير الشريعة . بل هي جزء من الشريعة ، وهي الواسطة للوصول إلى الحقيقة ، والطريقة اسم يدل على المسمى ، والسلوك فيها يعني الالتزام بشرع الله من خلال قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ } سورة الذاريات /56 فمن ادعى الطريقة والالتزام بها بدون الالتزام بالقرآن والسنة ، واتباع العارفين الذين سلكوا الطريقة حتى وصلوا إلى الحقيقة ، فدعواه باطلة مردودة ، ويخشى عليه من الزندقة . ومن خالف الشريعة فقد ضل طريق الوصول إلى الحقيقة . عليك بالاتباع لسيد المرسلين عليه الصلاة والسلام حتى تحصل لنا جميعاً محبة الله عزوجل ، لأن محبة الله عزوجل لنا مترتبة ومربوطة ومتعلقة باتباعه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } سورة ال عمران /31 فأعلى مراتب الولاية التمسك بالكتاب والسنة ، وليس فوقها ولاية ، ومن أخرج شيخه عن الطبيعة البشرية فقد أخطأ خطأً كبيراً . { 77 } فائدة الطريق وثمرته هي التحاق المريدين الصادقين بتلك الجماعة المنورة الذين تنوروا بنور النبوة ، في عالم البرزخ بعد وفاتهم ، فمن فهم الطريق فإنه يرجح موته على خروجه من الطريق ، لأن البيعة لله ، فمن نكث في العهد فقد سقط من عناية الله عزوجل ، والمسؤولية الشرعية لا تُرفع عن المؤمن إذا دخل الطريقة بل عليه الالتزام بالمسؤوليات الشرعية الظاهرة والباطنة . |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 78 } لا يمكن العثور على شئ في طريق القوم إلا بعد السير فيه ، ولا يمكن السير الصحيح إلا بمساعدة من سلك الطريق قبله ، ولو كان يمكن السير بدون دليل لما أرسل الله خاتم الأنبياء والمرسلين ، ولما جعل النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه وراثاً بعد التحاقه بالرفيق الأعلى ، فكل وارث تنور بنوره صلى الله عليه وسلم وهو بدوره ينور الطريق لمن سلك الطريق معه ، ويكون حريصاً عليه حتى يوصله إلى المقصود ، والمقصود أن يكون عبداً لله مجرداً من كل الحظوظ . وسير بدون مجاهدة لا يكون ، ومجاهدة بدون عبادة موافقة للشرع لا تكون ومجاهدة بدون مخالفة للنفس الأمارة بالسوء وَهمٌ ، ومجاهدة بدون بذل الغالي في سبيل الله لا تكون ، وهذا لا يكون إلا بالمحبة ، ومحبة بلا طاعة لا تكون ، سواء ثقلت العبادة والطاعة على النفس أم خفت ، فلا بد من اتباع الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم حتى تحصل المحبة منه إلينا قال تعالى : { قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } سورة ال عمران /31
هذا الخطاب الإلهي كل واحد يسمعه ـــــــــــــــــــــــــ ص 75 ـــــــــــــــــــــــــــــــــ كثيراً ولكنه صار عادة عندنا ، ولم نتفكر في عظمة هذا الكلام ، وفي عظمة قائله سبحانه وتعالى ، كلنا مخاطب بهذه الآية الكريمة ، علينا أن نترك أنفسنا ونرجع إلى الله تعالى ، من تعلقنا بحظوظنا ، ونتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، علينا أن نطرح التعب ، ولا يمكن طرح التعب إلا بتذوقنا حلاوة العبادة الحاصلة من الطاعة ، نسأل الله عزوجل أن يوفقنا لذلك . { 79 } الإنسان بدون طريقة ودخول مع القوم ـــ مع سلامة الإيمان ـــــ قد يدخل الجنة . ولكنه لا يدخل الجنة بدون إيمان ، وأغلى شئ على المؤمن إيمانه المستقر في قلبه ، وكما أن أحدنا لا يحب أن يُؤذي محبوبه ، كذلك يجب على المؤمن أن لا يؤذي إيمانه ، ويتأذى الإيمان بحظوظ النفس ، وحظوظها كثيرة ، فلا تضروا إيمانكم بحظوظ أنفسكم ، ولا تكونوا ضعفاء أمام أنفسكم ، حتى يكون إيمانكم ضعيفاً ، بل قوّوا هذا الإيمان بالتمسك بالكتاب واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عندها يتولاكم الله ، قال تعالى : { وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } سورة الاعراف /196 { 80 } سلوك هذا الطريق المبارك لا يكون إلا بالمجاهدة للنفس ، وقطع شهواتها ، وقتل هواها ، بالتكاليف الشرعية . والتكاليف الشرعية فوق رقابنا كالسيف الحاد ، فإذا ما خالف العبد ـــــــــــــــــــــــــــــ ص 76 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فقد عرض نفسه لقطع رقبته بسخط ربه عزوجل عليه ، والعياذ بالله تعالى . وتلك المجاهدة وإن كان فيها مشقة على النفس ، فإنها تزول بحلاوة الطاعة والقرب من الله تعالى ، كمن تزول أتعابه في الدنيا برؤية الدراهم والدنانير في نهاية عمله . |
الساعة الآن 03:57 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |