![]() |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 131 } من حمل أخلاق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو السيد ، لذا لا تقل للمخالف ( سيدي ) والأخلاق الحسنة هي من جنود القلب ، بها يقوى الإيمان ، كما أن الأخلاق السيئة من جنود النفس ــــــــــــــــــ ص 104 ـــــــــــــــــــــــــــ بها تقوى النفس ، فوجب على السالك أن يقوّي جنود قلبه على جنود نفسه . وقلبك بين جنبيك وهو مهيأ لنظر الله عزوجل ، فحافظ عليه حتى لايقع فيه خلافُ رضاه ، فكنم حارساً على باب قلبك . وكذلك نفسك التي تنبت منها الشرور فخالفها ولا تتبع هواها سواء في الطاعة أو في الشهوات الدنيوية أو الأخروية لأن من خلقك يقوم بلوازمك كلها في العوالم ، فإذا سجنت نفسك تحت مراقبة الله وأقللت لها شهواتها عند ذلك تقوى جنود القلب على جنود النفس ولا تتغلب نفسك عليك . فعليك أن تتمسك بقلبك ، وقلبك لا يرضى إلا بمولاك ، ولا تعطي الفرصة لنفسك حتى تستولي على قلبك ، وهذا لا يكون إلا : ـــ بالتهجد لقوله تعالى : {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } سورة الذاريات /17 ـــ وقراءة القرآن الكريم لقوله تعالى : { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } سورة المزمل / 4 ـــ وذكر كلمة التوحيد لقوله تعالى : { وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً } سورة الاحزاب / 70 ـــ وبقلة الكلام للحديث الشريف : ( كف عليك هذا ) أخرجه الترمذي ـــ وبقلة الطعام للحديث الشريف : ( ما ملأ آدمي وعاء شراً ــــــــــــــــــــــــــ ص 105 ــــــــــــــــــــــ من بطنه ) رواه الترمذي ـــ وبالخفاء لقوله صلى الله عليه وسلم : ( رب أشعث أغبر ... ) رواه الترمذي ومن عرف عدوه بالعداوة الأبدية ، فإنه يخالفه بالمخالفة الإستمراية حتى لا يُخدع . { 132 } واجب على كل مؤمن أن يحافظ على قلبه ، لأنه محل نظر ربه عزوجل ، وأن يلزم قلبه ذكره ، والحضور معه تبارك وتعالى ، حتى لا يتمكن الشيطان من الدخول فيه ، وإلقاء الوسوسة ، وكذلك يجب أن نضيق مجاريه فينا ، وذلك بالجوع ، لأنه إذا أكثر العبد من الطعام والشراب ، وقلة الذكر لله ، فإنه يقوي شيطانه على قلبه وروحه ويكون قلبه محطة لتنزل الشياطين عليه والعياذ بالله تعالى ، عندها يسوف الإنسان ويسول ، وهذا من الصفات الناقصة ، وخاصة إذا كان التسويف في العبادة والذكر والتوبة وفعل الطاعات ، وترك المنكرات . { 133 } من عرف الله في الدنيا حق المعرفة فإنه يستريح بالموت ، لأنه يكون مع الله تعالى وحيداً بقلبه وقالبه ، أما الجاهل بربه والعياذ بالله تعالى فإن موته يكون بلاء عليه لأن القبر يكون سجناً عليه . ــــــــــــــــــــــ ص 106 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العارف بالله تعالى في الدنيا يكون قلبه مع الله تعالى وقالبه مع الخالق ، أما الجاهل بالله تعالى فإنه في الدنيا مع الناس بقلبه وقالبه وهذا هو الخسران المبين . فعلينا أن نكثر من حضور مجالس الذكر لأنها رياض الجنة قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ، قالوا : وما رياض الجنة يا رسول الله ؟ قال : حلق الذكر ) أخرجه الترمذي فكثرة الذكر سبب لمعرفة الله تعالى ، والاختلاط مع المؤمنين في مجالس الذكر مطلوب لأنه يقوي الاعتقاد والسلوك وخاصة لأهل الغفلة ومن عنده شكوك . وأثقل شئ على نفوس السالكين ثلاثة : 1ً ـــ ذكر الاسم المفرد بقلب حاضر وهذا لأهل الخلوة ، وذكر كلمة التوحيد ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ) لبقية السالكين . 2ً ـــ تلاوة جزء من القرآن الكريم في كل يوم . 3ً ـــ دوام التهجد والبقاء في مصلاه ذاكراً الله تعالى إلى صلاة الضحى . والله تعالى طلب من عبده أن يصل إليه بالعبودية حتى يعرفه حق المعرفة ، بل يريد منه أن لا يتعلق بالمعرفة ليكون عبداً خالصاً لله عزوجل . { 134 } من تعلق باسماء الله عزوجل وبصفاته ، فإنه يرمي الأخلاق الذميمة ويتحلى بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده يكون ـــــــــــــــــــــ ص 107 ــــــــــــــــــــــــــــ بشراً في الظاهر ، وملكاً في الباطن ، ومن لم يتعلق بأسماء الله وبصفاته فهو أبله أحمق . { 135 } الكشف كشفان ، كشف رباني حقيقي ، وكشف مادي متعلق بالدنيا . أما الكشف الرباني : فثمرته عبودية لله عزوجل مع المشاهدة . وأما الكشف المادي : فتعلق بالكشف والكرامات وخوارق العادات . وعلى المؤمن الصادق أن يتحقق بالعبودية لله عزوجل ، ويعلو بهمته حتى يصل إلى مقصوده ، وقصده العبودية لله تعالى ، فهذا لا يكون إلا بكثرة الذكر لله مع التمسك بالشريعة والقيام بما كُلف به . أما من تعلق بالكشف المادي فهذا يخشى عليه أن يشتغل به عن العبودية ، وقد ينقلب عليه ويكون استدراجاً له والعياذ بالله تعالى ، لأنه من تعلق بهذا الكشف ، كان كمن تعلق بالزراعة والصناعة والتجارة ، وبذلك التعلق ينسى عبوديته لله تعالى . { 136 } قيمة الإنسان بروحه لا بجسده ، وجسم الإنسان مَرْكَب لروحه ، فكن مراقباً لروحك التي دخلت جسدك وهي عارفة بالله مؤمنة ، مقرة بالربوبية لخالقها يوم خلقها وأشهدها على الحقيقة كما قال تعالى : { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ ـــــــــــــــــــــــ ص 108 ــــــــــــــــــــــ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } سورة الأعراف / 172 وفي الحديث الشريف : ( كل مولود يولد على الفطرة ) رواه الشيخان حتى تخرج من ذلك الجسد وترجع إلى موطنها الأصلي في جوار ربها ، بدون تلوث ، وتلوثها من شؤم النفوس والعياذ بالله تعالى ، والعاقل الذي تنور عقله من نور قلبه هو الذي يحافظ على طهارة هذه الروح وقداستها ، بل يغذيها بكثرة الذكر حتى لا تنسى موطنها ، وتبقى لها الصلة مع ذلك العالم الذي أُخِذَ فيه العهد منها ، وربما تذْكُر ذلك العهد إذا خفّت جنود النفس وأُضعفت . أما اتباع الهوى والعياذ بالله فإنه ينسي الروح تلك الحقيقة حتى تكفر بالله تبارك وتعالى ، وتخرج من الجسد وهي كافرة . نسأل الله أن يحفظنا من شر أنفسنا . آمين . { 137 } كن صاحب جد ، حتى تكون لمن بعدك قدوة صالحة ، ولا تكن من أهل الهزل واللهو واللعب ، لأن هذا ليس من شأن الكمل من الرجال ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لستُ من دَدٍ ، ولا الدًدُ مني ) رواه البخاري في الادب والبيهقي في شعب الايمان أي لست من أهل اللعب واللهو ، ولا هما مني واحذر المداهنة ، فإنها تذهب بالدين والعياذ بالله . { 138 } نور الله جل جلاله لائح غير زائل البتة ، والأرواح ــــــــــــــــــــ ص 109 ـــــــــــــــــــــــــ البشرية لا تكون محرومة تلك الأنوار إلا بسبب الحجاب ، وذلك الحجاب ليس إلا الاشتغال بغير الله عزوجل ، فبمقدار ما يزول الحجاب ، يكون التجلي . فالأمر متوقف على طلب العبد ، فإذا لم يطلب العبد لا يُعطى شيئاُ ، وبعضهم لا يطلب ربه لأنه تمسك بنفسه ، واجتمع شيطانه مع نفسه ، فهذا الصنف لا يترقى . { 139 } من قرأ كتاب أعماله في الدنيا قبل الأخرة ، تاب ورجع واستغفر الله تعالى من كل مخالفة وشكر الله عزوجل على ما كان موافقاً لرضاه . فإنه ينقلب يوم القيامة بوجه أبيض يقول تعالى : { وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } سورة آل عمران / 107 وأما من أهمل قراءة كتابه ، ومحاسبة نفسه فإنه سيندم عندما يسمع يوم القيامة قول الله تعالى : { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } سورة الإسراء / 14 { 140 } أسباب قسوة القلب : المعاصي ، وقلة الذكر ، والتعلق بالدنيا ، وكثرة الضحك ، والغفلة ، ومن كانت غفلته عن الله أكثر فهو من جهنم أقرب والعياذ بالله من ذلك ، فلابد من المجاهدة . وليس المعول عليه كثرة العمل ، وإنما المعول عليه قبوله عند الله عزوجل ، وهذا القبول غائب عن الانسان كلياً ـــــــــــــــــــــــ ص 110 ــــــــــــــــــــــــــــ |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 141 } الخلاف قائم بين الناس من قديم ، ورفع الخلاف يصعب بسبب حياة النفوس الأمارة بالسوء ، وهل يستطيع أحد أن يرفع هذا الخلاف ؟ علينا أن نقوي جانب الحق ، وأن نكون في نصرته ، وأن لا تكون العصبية قائمة بيننا ، لأن العصبية من طبيعة النفوس الخبيثة ، فإذا وجد الخلاف نأخذ بوصية ربنا عزوجل حيث يقول : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 9 إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } سورة الحجرات / 10
والإصلاح يكون بنصرة الحق ، يُعطي المظلوم حقه ، ويؤخذ على يد الظالم ، هذا هو الإصلاح ، أما العصبية فهي إفساد والعياذ بالله تعالى . { 142 } حب أكثر الناس لبعظهم البعض معلول ، وكذلك بغضهم لبعضهم البعض ، الحب والبغض يجب أن لايكونا تبعاً للنفوس ، لأن النفوس أمارة بالسوء ، بل يجب أن يكون الحب والبغض في الله ، وميزان ذلك شرع الله عزوجل ،وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والله عزوجل لاينظر إلى كثرة العمل ، ولا إلى ظاهره ــــــــــــــــــــــــ ص 111 ــــــــــــــــــــ فحسب بل ينظر إلى لب العمل ، فالله تعالى ينظر إلى لب حبك وبغضك إن وجد فيه الصدق والإخلاص وأنه لله ، قبله ، وإلا فلا . { 143 } من أحب أن يطيعه الناس جميعاً فهو أحمق ، لذلك ترى أهل الحق والحقيقة ينصحون من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يبغضون من خالفهم ، بل يحولون أمرهم إلى الله عزوجل ، ويدعون لهم بظهر الغيب ، تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو لقومه فيقول : ( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ) رواه الطبراني كيف يحقدون عليهم ويبغضونهم ؟ وهم يعلمون أن البغض إذا وجد في القلب فإنه يذهب بالإيمان لقوله صلى الله عليه وسلم : ( دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء ، والبغضة هي الحالقة ، لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين ) رواه الترمذي وأحمد فمن تغلب على حظوظ نفسه ، فأخلاقه مرضية عند الله عزوجل . { 144 } كن محافظاً على محبة المؤمنين لك ، لأن هذا مرغوب فيه وإياك والغرور ، فالله عزوجل خلقك وجعلك خادماً للمؤمنين ، واحذر أن تفكر في نفسك أنك سيد وأنك مقصود ، بل تفكر بأنك خادم ، والخادم لايكون مخدوماً ، وعلى كل حال لولا وجود المؤمنين لما وجدت منك خدمة ، كيف تكون خادماً ـــــــــــــــــــــــ ص 112 ــــــــــــــــــــــــــ بدون مخدوم ، فحافظ على محبة من أحبك ، لأن محبة المؤمن للمؤمن ليست خالية من الإكرام الإلهي ، واحذر أن تهجم على من تهجّم عليك بالشدة ، عليك بالسكوت ، وفوض أمرك إلى الله عزوجل ، واحذر أن تؤذي أحداً { 145 } إذا خالفك أحد من إخوانك ، فلا تصد عنه بوجهك ، عامله كما تحب أن تعامل ، كم خالفت الله عزوجل ؟ وهو ما صدَّ عنك قال تعالى :{ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ } سورة الشورى / 25 وكم خالفت النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وهو يشفع لك صلى الله عليه وسلم باستغفاره لك في قبره الشريف ، عليك أن تستحي من الله عزوجل ، ومن رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا تصد بوجهك عن أخيك المؤمن ، وإن خالفك الرأي ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ماانتقم لنفسه قط ، ماذا تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إذا قال لك هذا من أمتي ، فلم صددت عنه ؟ { 146 } إنزال الناس منازلَهم ، على جهتين : الأولى : من حيث المراتب الدنيوية . الثانية : من حيث الإيمان ، وهذا أهم ، انظر في قوله تبارك وتعالى : { عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءهُ الأعْمَى } سورة عبس / 1 ــــــــــــــــــــــــ ص 113 ــــــــــــــــــــــ |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 147 } من أراد أن يتكلم بشئ ، أو يفعل شيئاً ، عليه أن يفكر في رضا الله عزوجل عن هذا القول أو الفعل ، لا عن رضا الناس ، لأنه إن رضي واحد ، غضب الآخر ، ولكن إن فوض أمره إلى الله عزوجل وفكر في رضاه فإنه يستريح ، ويخرج من مراقبة الناس .
{ 148 } الإنسان على ثلاثة أصناف في حديثه : الأول : يتكلم مع الخلق ولا يراقب إلا الله عزوجل ، ولا ينظر إلا للشرع الشريف ظاهراً وباطناً وهذا يكون على قدم سيدنا عمر رضي الله عنه ( ماترك الحق صاحباً لعمر ) . الثاني : يتكلم مع الخلق ويمتنع عن الكذب ، ولكن امتناعه عن الكذب ليس لله إنما لعزته ، فيستحي أن يُعرف أنه كذاب ، وهذا كأبي سفيان عندما كان مشركاً ، وسأله هرقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( والله لولا أن يأثروا عني كذباً لكذبت عن محمد ) فهذا صدق ولكن ليس لله إنما لعزته . الثالث : يتكلم مع الخلق وهو يكذب ولا يبالي ، فلا يراقب الله ولا يستحي منه ولا يخشاه ، وهذا ضرره يسري لغيره لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت ) رواه البخاري { 149 } صاحب الإيمان عليه أن يستحي من الله عزوجل ، ــــــــــــــــــــــــ ص 114 ـــــــــــــــــــــــــــــ وأن لايتكلم كلاماً يجري على لسانه والله عزوجل مطلع على قلبه ويرى فيه خلاف ما يقول ، عليكم أن تعملوا بمستلزمات الإيمان ، من آمن بالله أنه سميع بصير ، عليه ان تستوي سريرته مع علانيته ، حتى لا يسمع الله منه قولاً ، ويرى في قلبه خلاف ما يقول ، لأن من قال خلاف ما يعتقد فقد اتصف بصفة من صفات المنافقين والعياذ بالله تعالى . وهذا لا يليق بالمؤمن . { 150 } مخالطة الناس لا تخلو من أحد أمرين : 1ً ـــ المداهنة : وهي حرام 2ً ـــ النصيحة : وهي تحتاج إلى صبر ، لأن من نصح هوجم وأوذي من قبل المنصوح إن كانت نفسه لا تقبل الحق ، فلابد من الصبر والمصابرة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( المسلم الذي يخالط الناس ويصبرُ على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم ) أخرجه الترمذي ولقوله تعالى : { يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ } سورة لقمان / 17 فكن ناصحاً في مخالطتك للناس ولا تكن مداهناً لتأكل دنياك بدينك . { 151 } الحق لا يقاس بالرجال بل العكس ، والطريق لا يعرف بالرجال بل العكس . والمجالس التي تقام ليست مجالس ـــــــــــــــــــــــ ص 115 ـــــــــــــــــــــــ أشخاص ، وإنما مجالس الطريق فيجب الحضور فيها جميعاً ، ولا يجوز أن نبرر لأنفسنا غيابها ، لأنها مجالس يباهي الله بها ملائكته والناس يتركون هذه المجالس اشتغالاً منهم في الدنيا والله تعالى يقول : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } سورة هود /6 { 152 } لاتترك الادب مع غير المتأدبين ، لأن هذا شأن المخلصين في أدبهم . اصنع المعروف في أهله وفي غير أهله فإن صادف المعروف أهله فهم أهل المعروف وإن لم يصادف المعروف أهله فأنت أهل المعروف . { 153 } انظر لإخوانك بإيمانك لا بنفسك ، وعاملهم بمقتضى الإيمان ، لا بما تمليه عليك نفسك الأمارة بالسوء ، فاحذر نفسك لأنها عدوة لك وهي تحاول أن تبرر لك كل أخطائها وتصرفاتها ، فلا تصدقها ، وانظر إلى ما يرضي الله عزوجل عنك ، ورضاه عنك في مخالفتك نفسك . { 154 } لابد للمؤمن أن يكون عاقلاً ، فلو رضي الناس جميعاً عنه ولم يرضَ عنه ربه تبارك وتعالى ، هل ينفعه ذلك ؟ فعلى المؤمن أن يتمسك بالله حتى تتم عبوديته لله تعالى ، وتلك العبودية لا تكون إلا بالاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه صلى الله عليه وسلم حقق العبودية لله عزوجل كما أراد ـــــــــــــــــــــــــ ص 116 ــــــــــــــــــــــ الله تعالى ، لذا أمرنا باتباعه فقال : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } سورة آل عمران / 31 والمؤمن إذا لم يجرِ أحكام الشرع على جوارحه الظاهرة والباطنة فهذا دليل على فساده ، وأنه خارج عن العبودية الحقيقية لله عزوجل . { 155 } خط الطريق يقوي خط القرابة ، أما خط القرابة فلا يقوي خط الطريق ، إذا ذهب الطريق لا تذهب القرابة ولكن ماذا ينفع . فالاعتبار بالوصل لا بالأصل لأن الأصل من الجرم والوصل من القرب . { 156 } إذا ظُلمت خذ بوصية الله عزوجل حيث يقول : { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } سورة البقرة / 153 ويقول : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } سورة الزمر /10 فلابد من الصبر لأن هذا الظلم ابتلاء من الله تعالى في الدنيا للظالم والمظلوم ، فالأول أخذ حظه من الظلم وهو ظلمات يوم القيامة ، والثاني أحذ حظه من الصبر ، فإذا كان إيمانه قوياً علم أنه لاتوجد ذرة في الكون تتحرك إلا بقضاء وقدر فهو ينظر بقلبه وبعين بصيرته إلى الله تعالى ، فيرى فعل الله وعظمته وقدرته اعظم من فعل الناس وليسوا أكثر من حجر ، وكل ـــــــــــــــــــــــــ ص 117 ـــــــــــــــــــــ ذلك امتحان قال تعالى : { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} سورة إبراهيم / 42 نسأل الله الثبات والسلامة ونرجوا الله تعالى أن يعاملنا بفضله لا بعدله . فإذا ما ظُلمت فاصبر ولا يدفعنك ذلك لأن تخرج عن دينك من داخلك . |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 157 } من عاملك معاملة وفي نظرك أنه قد اساء إليك ، فاعرض معاملته على الشرع الشريف ، فإن كانت موافقة للشرع وكرهتها ، فاعلم أنك تكره الحق ، وهذا من نفسك ومن الشيطان ، وواجبك أن تقبل منه ولو نفرت نفسك منه ، هذا النفور لايضر ، ويجب عليك أن تقابله بالسيئة ، والقلوب بيد الله عزوجل .
{ 158 } المؤمنون مأمورون بحسن الظن تجاه بعضهم البعض ، وسوء الظن ببعضهم البعض حرام لقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } سورة الحجرات / 12 والمؤمن الممدوح والمثنى عليه عليه أن لا ينحرف ولا يغتر ، وأن يكتفي بعلم الله فيه ، وبما يعلم هو من نفسه ، ولئنْ كان المؤمنون مأمورين بحسن الظن ببعضهم البعض ، لكن ليسوا بمأمورين بحسن الظن بأنفسهم قال تعالى : { لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ ــــــــــــــــــــــــــ ص 118 ــــــــــــــــــــــــ عَذَابٌ أَلِيمٌ } سورة آل عمران / 188 فصاحب الإيمان الكامل يستحي من الله تعالى أن يتكلم خلاف ما يوجد في قلبه ، لأنه يعلم أن الله تعالى مطلع على قلبه وهو مراقبه ، والناس يراقبون ظاهره ، فلابد من استواء السريرة مع العلانية ، ولا تتركوا رضا الرحمن من أجل خلق الرحمن . { 159 } كن مع الله صادقاً ، ومع الناس منصفاً ، ومع العلماء متواضعاً ، ومع الجهال ساكتاً ، ومع الفقر سخياً ، ومع الأطفال شفوقاً ، ومع النفس مخالفاً ، ومع الشيخ خادماً ، ومع الوالدين باراً ، ومع الإخوان متعاوناً ، واجعل جواب الأحمق السكوت . وكن مع طريقتك مخلصاً وداعياً ، ولابد لمن أراد نقل الطريق للغير من اربعة أشياء : 1ً ـــ العلم 2ً ـــ العبادة 3ً ـــ الإخلاص 4ً ـــ الأخلاق { 160 } بركة الجماعة تجعل الضعيف قوياً ، والقوي أقوى ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( يد الله مع الجماعة ) رواه الترمذي والنفس تسول لصاحبها أن يترك مجالس الأحباب والطريقة ، فليكن الإنسان على حذر من نفسه ، لأنها لا تريد له الخير . ومن صفاتها الحقد والحسد على من خالفها ، فإذا خالفك أحد ، فانظر إلى مخالفته ، إن كانت مخالفته للشرع فعليك بالنصح له باللين ، وإن كانت مخالفته لنفسك ، فاعلم أنه ـــــــــــــــــــــــــــ ص 119 ـــــــــــــــــــــــــــــ على الحق ونفسك الأمارة بالسوء لا تقبل ذلك ، فلا يليق بك أن توافقها ، بل عليك باتباع الحق . وأقبح القبائح الرضا عن النفس ، لأنه من رضي عنها لايحاربها ، والله نهانا عن اتباعها ، ومن أحيا نفسه بنفسه فهو ميت ، ومن مات عن نفسه فهو حي . ومصيبتنا كلها بسبب حياة أنفسنا بانفسنا . وتعلق عقولنا بأنفسنا ، حتى أصبحت نفوسنا دستوراً لنا ، عوضاً عن القانون الإلهي . اعرضوا أموركم كلها على الشرع الشريف ، تسعدوا في الدارين . { 161 } من فرح بالمدح وتأثر بالذم ماعرف نفسه ، بأنه كان عدماً ، ومن كان عدماً سابقاً ، فهو عدم لاحقاً ، والمؤمن يفرح بمدح المؤمنين له ليس من أجل نفسه إنما من أجلهم لأنهم سيؤجرون على حسن ظنهم ومدحهم لأخيهم . { 162 } إذا مُدحتَ ، راقب نفسك وحاسبها ، فإن كان ما يقولون حقاً ، فاحمد الله عزوجل على تلك النعمة ، واعلم أنها ليست منك إنما من الله عزوجل لقوله تعالى : { وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱلله } سورة النحل / 53 إذا عرفت هذا فإنك لاتغتر بمدحهم إياك ، ولكن تفرح بهم لأنهم سيؤجرون على حسن ظنهم ومدحهم لأخيهم المؤمن ، وإن لم يكن فيك ما يقولون استغفر الله عزوجل ، وسل الله أن يوفقك لمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم . ـــــــــــــــــــــــ ص 120 ــــــــــــــــــــــــــــــــ { 163 } مصيبة الإنسان أنه يراقب الناس ، ويبحث عن نقائصهم ، ويخفي كمالاتهم ، ولا يطلع على نقائصه ، ويحاول أن يظهر كمالاته ، وهذا كله مخالف للشريعة ، علينا أن ننظر في أنفسنا وما يظهر منها ، هل هي موافقة للشرع أم لا؟ ثم ننظر إلى عباداتنا هل هي لائقة بربنا عزوجل أم لا ؟ نفرح بما ينسب إلينا من الفضائل مع عدم وجودها فينا ، ونسينا قول الله عزوجل : {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } سورة آل عمران /188 على الإنسان أن يكتفي بعلم الله عزوجل فيه ، ومراقبته له حيث يقول : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } سورة النساء / 1 { 164 } ثبت عندي عجزي وعجز الخلق جميعاً ، ومن وقف على عجزه وعجز الخلق باليقين القلبي لابالكلام عرف قدرة ربه تبارك وتعالى وأنه فعّال لما يريد ، عندها يسقط الخلق جميعاً من عينه ويتعلق بالخالق جل وعلا ، ويستريح من جميع الأمور . |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 165 } لولا الخالق لما وجد المخلوق ، ولولا المخلوق ما عُرِفَ الخالق . خلق الله الخلق من أجل أن يُعرف الخالق ، وكل مخلوقٌ موجود بفعل الله وعلمه ، فلا تقف مع الخلق بل انتقل إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 121 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الأفعال ومن الأفعال إلى الصفات . { 166 } نحن قوم لا نتكلف المفقود ولا نبخل بالموجود ، واجتماعنا ليس من أجل الطعام ، ولكن اجتماعنا على ذكر الله تعالى وذكر الله تعالى محله القلب ، فانظر إلى نيتك إذا اجتمعت مع إخوانك ، وفي الحديث : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) رواه الشيخان فواحد يأتي لبطنه وآخر يأتي لقلبه ، وفلاحك يوم القيامة بسلامة قلبك كما قال تعالى : { يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } سورة الشعراء / 89 وكيف يكون القلب سليماً إذا لم يتغذ بذكر الله عزوجل ، فكونوا حريصين على مجالس الذكر وليكن همَّكم تخليص قلوبكم من وسوسة الشيطان وتسويلات النفوس الأمارة بالسوء بكثرة الذكر لله عزوجل مع الحضور التام الدائم ، اللهم وفقنا لذلك . آمين . { 167 } المؤمنون بالنسبة للغفلة على نوعين : الأول : مؤمن بصفات الله عزوجل ، وهو يحاول أن يعبد ويتقرب ولكن لعجزه قد يقع في الغفلة ومخالفة الشريعة ، وهو يعلم أن عبادته غير لائقة بربه ، هذا يرجى له القبول قال تعالى : { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 122 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ } سورة التوبة / 102 يحاول هذا الصنف الحضور مع الله ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، وإذا حصلت معه الغفلة بدون اختياره لضعفه وتاب فتوبته مقبولة بوعد الله عزوجل ، وتلك التوبة لا تدل على خلاصه من هذه الغفلة فعليه أن يرجع عن هذا الاختلاط ، ويقوي جنود قلبه وروحه على جنود نفسه وشيطانه حتى يخرج عن هذا ويبقى معه لّمة ، ونرجو الله أن يذهب عنه بالكلية . الثاني : مؤمن بصفات الله عزوجل ، ولكنه انغمس في الدنيا كلياً والعياذ بالله تعالى ، ويقبل الله توبته إن تاب ، وذلك بخروجه من غفلته التي كانت بسبب انغماسه في الدنيا . والفارق كبير بين الغفلتين . وأما الذين فوق هذين الصنفين ، فقد وصفهم الله في القرآن الكريم بقوله تعالى : { وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } سورة التوبة /100 والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، ووالله عمل الواحد من هؤلاء يوازي عمل الثقلين . وانظر إلى خواتيم هاتين الأيتين كم هو ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 123 ــــــــــــــــــــــــــــــــ الفارق كبير بينهما ، الأولى ختمت بقوله تعالى : { إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } والثانية ختمت بقوله تعالى : { ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظيمُ } وكذلك الفارق كبير بين أهل الإحسان وبين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، اللهم اجعلنا من أهل الإحسان بفضلك وإحسانك وتجاوز عن تقصيرنا . آمين . |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 168 } لا تفتخر بسلام أهل المراتب الدنيوية عليك ، لأنك قد تغتر بذلك فيذهب عزك الحقيقي من حيث لاتشعر ، وعزنا الحقيقي بالإسلام ، ونحن ننظر إلى الناس من خلال استقامتهم ، لا من حيث مراتُبهم الدنيوية . فمن لم يكن مستقيماً ننصحه ، فإن استجاب فبها ونعمت ، وإلا ندعه وبيننا وبينه الله تعالى .
{ 169 } هذه الدنيا كالسفينة لابد يوماً أن ننزل منها إلى القبر ، وعلامة الصادق في حبه لله عزوجل أن يكون لقاء ربه عزوجل عنده أفضل من الدنيا بما فيها ، ويرجح هذا اللقاء على حياته ، نرجو الله عزوجل أن ينفعنا والمسلمين وخصوصاً أهل الطريق الشاذلي رضي الله عنهم . ووالله إني أرجو وأتمنى أن يتوجه كل الناس إلى الله عزوجل ، ولو أنهم في ذهابهم يمرون على رأسي وظهري وبطني المهم هو وصولهم إلى الله عزوجل ، ولكن ماذا أفعل ؟ الأوصاف المذمومة قد تعلق بها أكثر الناس ولا يمكن لهم بوجودها أن يذوقوا حلاوة الإيمان ولا يشعروا بأنوار رسول الله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 124 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم ، ولا بأنوار الطريقة وأنوار الوارث . وشر تلك الأوصاف المذمومة التعلق بالنفس الأمارة التي لا تخرج من طبيعتها ـــ من الخبث والمكر والخداع والكذب والتسويل والتسويف ـــ فاجعلوا همكم معرفة الله عزوجل حتى تستريحوا بقلوبكم ، أما راحة الجسد فاتركوها حتى تدخلوا قبوركم . انظروا فيمن أراد السفر في الدنيا فإنه لا يطلب الراحة ولا يجدها حتى يصل إلى وطنه ، فهو يتحمل المشاق والمصاعب في سفره وأمله متعلق بوصوله ، وكذلك نحن علينا أن نبذل كل جهدنا في الطاعات حتى نصل إلى وطننا قال تعالى : { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } سورة المزمل / 20 { 170 } من دخل في الدنيا وجب عليه أن يصبر على أذى أهلها ، ولكن ليس على حساب دينه لأن دينه ليس ملكاً له . { 171 } الله عزوجل خلقنا ونحن لا نعرفه ، واللهِ هذا عجيب ، والأعجب من ذلك أنّا لا نسعى إلى معرفته بسبب اشتغالنا في الدنيا ليلاً ونهاراً ، وقلة ذكرنا ، والله ِ هذا عار علينا ، واستعمال الشئ في غير ما خلق له جرم ، وقلبنا خلق لمعرفة ربنا عزوجل لا لحب الدنيا . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 125 ــــــــــــــــــــــــــــ |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 172 } خير المال ما استعملته في الحلال ، وأنت للمال إذا أمسكته فإذا أنفقته فهو لك ، وأحلُّ المال ما أتاك من غير مسألة . والواحد من الخلق يتفكر في الدنيا حتى لا يكون محتاجاً لأحد من الناس فيعمل ليلاً ونهاراً حتى لايكون فقيراً ، وهذا الصنف كثير ، أما من يتفكر في آخرته حتى لايكون فقيراً فيها هؤلاء قلة في الناس ، مع أن الدنيا مضمونة لأهلها كل حسب ما قدر الله له من الرزق ، وأما الآخرة فليست بمضمونة لأحد إلا لمن ضمن الله لهم حسن الخاتمة كالانبياء والمبشرين بالجنة وهؤلاء كانوا يعملون عمل الخائف من ربه تبارك وتعالى . فكل الذين دخلوا في الولاية لله عزوجل دخلوا من باب مخالفتهم لأنفسهم لأن كل خبث مصدره من النفس الأمارة ، فلابد من معرفة خفاياها ومحاسبتها في الأنفاس حتى لا نُخدَع .
{ 173 } إنفاق المال المحبوب صعب على النفس ، كأنه يقطع قطعة من الجسم ، لأن الله تعالى يقول : { وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا } سورة الفجر / 20 ومن هنا رتب الحق تبارك وتعالى دخول الجنة على بذل المال المحبوب فقال : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } سورة آل عمران / 92 فلو لم يكن المال محبوباً ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 126 ـــــــــــــــــــــــــــــ لكان الإنفاق يسيراً وسهلاً ، وهذا هو الابتلاء الذي يميز بين الصادق والكاذب ، فأنفق المال المحبوب لمحبوب أكبر . { 174 } اشتغالنا في الدنيا ليس فيه ضرر . ولكن تعلق القلب بالدنيا هو الضرر ، وإذا كان الواحد يزعم أنه يعمل لأولاده فلينظر : إن كان أولاده صلحاء فالله عزوجل هو يتولاهم قال تعالى : { وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } سورة الأعراف /196 فأين ولايتك من ولايته ؟ وإن كانوا أشقياء لا قدر الله فلمَ تكون سبباً في عونهم في الشقاء ؟ فهم يعذبون بسبب عصيانهم وأنت تتعذب بسبب اشتغالك في الدنيا عن ذكر الله عزوجل قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } سورة المنافقون /9 لذا أقول : رزقك ورزقهم على الله تعالى ، فخذ بالسبب ولا يكن ذلك على حساب دينك ، واعلم : أن نقصان الدنيا في يد المرء لايضر بدينه ، لأنه قد يكون خيراً له . أما نقصان الدين فإنه يضر بالإيمان وهذا يكون من الغفلة التي هي مفتاح جهنم والعياذ بالله تعالى . { 175 } العقل يتفكر في شؤون الدنيا من أهل ومال وولد ، ــــــــــــــــــــــ ص 127 ـــــــــــــــــــــــــــ ولكن إذا نُوِّر بنور القلب فإنه ينتقل بواسطته إلى التفكر بالآخرة ، ويقول أنا أسعى آخذاً بالسبب وأتوكل على الله لأنه هو الرزاق ، لذا ترى هذا الصنف من الناس يأخذون بالسبب وقلوبهم متعلقة بالله عزوجل ، قال تعالى : { رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ } سورة النور / 27 وأما صاحب القلب غير المنور فإنه يضيِّع نفسه وعمره ولا يحصِّل إلا ما قسم الله له وقدر ، فالرزق مقسوم وهو لايحتاج إلى حرص لأن الحرص لا يزيد في الرزق فضلاً عن التأثر والحزن ، كما أن الزهد لا ينقص من الرزق شيئاً ، فما قسمه الله وأعطاه للعبد لا يزيله ولا ينقصه حسد الناس ونقدهم ، فالواجب على العبد أن يلتفت إلى من بيده الخير كله وهو على كل شئ قدير قال تعالى : { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } سورة آل عمران / 26 وأن يهتم بامور الآخرة لأنها ليست بمضمونة له قال تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } سورة ق / 37 { 176 } مصيبة المؤمن جهالته ، ولجهالته انغمس في الدنيا ، وتلك الجهالة تزول بواسطة العلماء ما داموا متحرزين من الدنيا ومن حظوظهم وشهود أنفسهم ، ولكن إذا توجهوا إلى الدنيا وحظوظهم وشهود أنفسهم من خلال تعليمهم فكيف يخلصون غيرهم من الدنيا التي وقعوا فيها ؟ وأعظم الجهل وأشده أن يكون الإنسان جاهلاً بالله وبأسمائه وصفاته . |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 177 } السفر سفران ، سفر في الدنيا وسفر من الدنيا ، والسفر في الدنيا لابد له من زاد ، وزاده الطعام والشراب والمال والمركب ، والسفر من الدنيا لابد له من زاد ، وزاده معرفة الله جل جلاله ومحبته وطاعته ، وحتى تكون الطاعة مقبولة عند الله عزوجل لابد لها من ركنين : الأول : أن تكون موافقة للشريعة في ظاهرها . الثاني : أن تكون خالصة من الشرك الخفي في باطنها . وأما المعرفة فهي نوعان : الأولى : معرفة صفات الله عزوجل . الثانية : معرفة ذات الله عزوجل . أما معرفة صفات الله عزوجل فهي حظ القلب في الدارين ، ومعرفة الذات تكون حظ الروح في الآخرة ، وهاتان المعرفتان لا تحصلان إلا بالعلمين ، علم الظاهر وعلم الباطن ، وفي الحديث الشريف : ( العلم علمان علم باللسان وذلك حجة الله تعالى على ــــــــــــــــــــــــــــ ص 129 ــــــــــــــــــــــــــــــ خلقه وعلم بالجنان فذلك العلم النافع ) رواه الحافظ ابوبكر الخطيب والمعرفة تحصل بكشف حجاب النفس عن مرآة القلب . { 178 } الكثير يطلب الزيادة من الدنيا ، ونحن نترك الدنيا بما فيها لمن بعدنا ، فما جمعناه إما أن يكون وبالاً علينا والعياذ بالله ، وإما أن يكون وبالاً على من بعدنا بسبب معصية الله عزوجل فيه ، فلنكن على حذر من فتنتها . { 179 } اتركوا هذه الغفلة التي انغمس فيها أكثر الناس مع وجود إيمانهم ، والله لو أمكن لي أن يبلغ صوتي من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب لقلت للخلق جميعاً : من لم يعرف الله لاشئ له ولو جمع حطام الدنيا ، ومن عرف الله لايضيع شئ منه . إلهي ماذا فقد من وجدك وماذا وجد من فقدك ؟ { 180 } العلوم الكونية ليست فرضاً على كل مكلف ، بل فرض كفاية ، علموا أولادكم علوم التوحيد ، وعلوم الصلاة ، وعلوم الأخلاق . والشهادات الكونية ليست ركناً من أركان الإسلام ، والرزق مقيد بالرزاق وهو الكفيل له ، وليست الشهادات كفيلة بأرزاقكم ، لاتقطعوا زمام الشريعة بسيف الشهوة ، فتصبح حياتكم حياة شقاء وتعب ، عافانا الله وإياكم . { 181 } الحكمة من تكرار الأكل أن تكرر الطاعات ، فلا ــــــــــــــــــــــــــــ ص 130 ــــــــــــــــــــــــــــــــــ بد لمن يأكل تكراراً أن يجاهد في العبادات تكراراً ، حتى يمتاز عن الحيوانات ، فكما أن الطعام غذاء للجسد فكذلك العبادات غذاء للروح ، والأكل بلا طاعات يقوي الجسد ويميت القلب والروح ، وربنا تبارك وتعالى أمر بأكل الطيبات ــ أي الحلال ــ لفائدتين : الأولى : أن يكون أكلنا بالأمر لا بالطبع ، حتى نمتاز عن الحيوانات ، ونخرج من حجاب ظلمة الطبع بنور الشرع إلى العبادة . الثانية : حتى يثيبنا ربنا تبارك وتعالى باتباع الأمر بالأكل . { 182 } يتخلص المريد من صفاته الذميمة باربعة أمور : 1ً - بالتسليم ظاهراً للشرع وتطبيقه على الجوارح . 2ً - بالتسليم باطناً لأخلاق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . 3ً- بالتمسك بالطريق المتصل إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسند المتصل . 4ً- بمخالفة الهوى ومحاربة الشيطان . حين ذاك يضع الله بفضله وكرمه ورحمته حارساً في قلب ذلك المريد ، فإذا تحرك تحرك بالله ، وإذا تكلم تكلم بالله بالحكمة قال تعالى : { وَمَنْ يُؤْتَى الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } سورة البقرة / 269 وإذا خاصم خاصم بالله . ـــــــــــــــــــــــ ص 131 ــــــــــــــــــــــــــ |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 183 } لاتكن ممن باع حظه في الآخرة بشهوة ساعة ، فتخرب مستقبلك في الآخرة بارتكاب الشهوات ، لأن تلك الشهوات والمعاصي تنزع عن الإنسان نعم الله ، وتخرب مستقبله في الآخرة .
{ 184 } الطعام مصيبة على المؤمن من جانب ، وطاعة من جانب آخر ، فإن كان يتقوى به على معصية الله فهو مصيبة في حقه ، وإن كان يتقوى به على طاعة الله فهو طاعة ، وإن كان يأكل بالأمر فإنه يأخذ منه بمقدار الكفاية بدون زيادة ولا نقصان بعد تحريه عن الحلال ، وزهدِه بما في أيدي الناس ، ولابد للإنسان أن يتفكر ، فما كان له فسيصل إليه ، وما كان لغيره فلن يصل إليه ، فعليه أن لايذل نفسه لأحد من المخلوقات لأن الذي أوجده من العدم قال : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } سورة هود / 6 أين العقول ؟ لذا وجب علينا أن نتمسك بأذيال من يعرف الله حتى يوصلنا إلى الله تعالى ويقف بنا على هذا . { 185 } لاتكن ممن يُمنع من الطعام ، وكن ممن يحرض على الطعام ، لأن الأول ما منع من الطعام إلا لوجود الشره منه ، والشره من طبيعة الحنازير ، وما حرض الآخر على الطعام إلا لانشغاله بما هو أهم ، والفارق بين من يأكل بشره ومن يأكل ــــــــــــــــــــــــــــــــ 132 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بالأمر كبير ، ومن أكل بالأمر رزق الحكمة . { 186 } لو ينظر الإنسان إلى أصل خلقته لذاب كل ما يتعلق به من أوصافه سواء أكانت تلك الأوصاف موافقة لغرضه أو مخالفة، لأن النظر يقوي إيمانه . فأصل خِلقته أغرب وأعجب من صفاته التي يتعلق بها ، فمن نظر إلى أصله لا يمكنه إلا أن يوافق الشرع الشريف ويبتعد عما لايرضاه الشرع . والإنسان لكثرة توغله في الغفلة ينسى أصله الذي خلق منه وبالتالي يتعلق بأوصافه ، وهذه الأوصاف لا تزكيه إلا إذا وافق الشرع الشريف وهذا هو حق التكليف . وكيف يتعلق المريد بعلمه أو عمله أو عقله أو قوته ؟ كل هذا لضعف إيمانه ، عليه مهما أوتي من أوصاف وصفات أن ينظر كيف يُفعل به لا أن يقول ماذا أفعل ؟ ولذا قال ربنا جل جلاله : { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } سورة الاحقاف / 9 هذا هو حق العبودية ، فربنا تبارك وتعالى أمرنا أن نكون عباداً له وطالما أنه تبارك وتعالى خاطب الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بقوله : { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } سورة الاحقاف / 9 حتى يسلَّم له ، فنحن أولى بالتسليم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم مؤيد بروح القدس عليه السلام . ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 133 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
{ 187 } كل المخالفات الشرعية بسبب الغفلة عن الله عزوجل ، لذا وجب علينا أن نعبد الله بالمشاهدة ، كما في الحديث الشريف : ( أن تعبد الله كأنك تراه ) رواه مسلم
فإن لم تصل إلى هذا المقام ، فاعلم أنك في مقام : ( فإنه يراك ) رواه مسلم كما في قوله تعالى : { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأنَّ اللهَ يَرَى } سورة العلق / 14 هل هناك شك في مراقبة الله لنا ؟ فعلينا أن نستحي من الله تعالى من أن نضع الشئ في غير ما خلق له ، وقلبنا خلق لمعرفة الله عزوجل ولمحبته ، لا لمحبة الدنيا التي من مظاهرها حب إقبال الخلق علينا ، وحب النساء ، وحب المال ، وحب الجاه ، وحب الظهور ، نعوذ بالله من هذه الأوصاف الذميمة . { 188 } تعلق الإنسان بماديته ونفسه يبعده عن ربه عزوجل وعن كتابه ، وعن رسوله ، وينزل به إلى منزلة بهيمية شيطانية فرعونية نمروذية فإذا به يقول : أنا أكون وغيري لايكون ، أنا أكون سلطاناً شيخاً ، أنا أكون مخدوماً ، وهكذا يكون شيطاناً في صورة إنسان والعياذ بالله تعالى ، أما شأن الخاضع المخبت لأمر الله عزوجل فإنه يستحي أن ينسب إلى نفسه شيئاً فهو قد سلك طريق الصالحين ، طريق أولياء الله ، طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 134 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ { 189 } إذا طلبت نفسك الشراب والطعام والراحة ، فأعطها بقدر ما تقوم به وتقوى على طاعة الله عزوجل . ولا تسترسل معها في كل مطلب ، بل أعطها بمقدار ما سمح لك الشرع الشريف ، وإلا تسقط من رتبة الإنسانية إلى رتبة بهيمية والعياذ بالله . { 190 } اتباع الهوى من أخطر الأمور على المريد ، وأشده أن يؤيد هواه بالحجة الشرعية ، أما الفتور في العبادة فمن طبيعة الإنسان لذلك نوع الله تعالى لنا العبادة ، فإذا أصابك فتور في ذكر الاسم المفرد ارجع إلى كلمة التوحيد ، وإذا أصابك فتور في ذكر كلمة التوحيد ارجع إلى الصلوات الشريفة ، فإذا تعب القلب فغير العبادة . واعلم أن الفتور لا يدفع إلى المعصية بل يحولك إلى سنة ثانية . وهذا الانتقال من عبادة إلى عبادة بسبب التعب إنما هو لأهل الطريق . { 191 } حق على المؤمنين أن يسكتوا أمام أصحاب الهوى الذين يؤيدون هواهم بالحجج الشرعية ، ولا يجادلوهم لأنهم جعلوا إلههم هواهم قال تعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْم } سورة الجاثية / 23 وكل واحد يدافع عن إلهه ، وعلمنا بجانب علم الله تعالى لا شئ ، فمن اعتمد على علمه فإنه يذهب بالكلية ـــــــــــــــــــــــــــــــ ص 135 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ويكون سخرية بين الناس لأنه سوف يتخبط في ظلمات جهله . فليس هناك نفوسٌ أطهر من نفوس الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأن نفوسهم متعلقة بالوحي المنزل من الله تعالى ، وليس هناك بعدهم أطهر من نفوس من اتبع رسول صلى الله عليه وسلم لأن نورهم مستمد من نوره صلى الله عليه وسلم . أما من تعلق بهواه والعياذ بالله تعالى فإنه يريد أن يلعب بالناس من خلال دينهم . |
الساعة الآن 09:40 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |