منتديات البوحسن

منتديات البوحسن (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   رسائل ووصايا في التزكية (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=15)
-   -   الشعاعات - الشعاع الرابع عشر (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=6332)

عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:43 PM

الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 403

الشعاع الرابع عشر

"الدفاعات"
تتمة قصيرة جداً لإفادتي

أُبين لمحكمة آفيون:
ان افادتي التي قدمتها لأنظاركم ولعدالة القانون، والتي تتضمن تحري منزلى تحرياً غير قانوني بثلاث وجوه، وسوقي للاستجواب ومن ثم توقيفي واعتقالي. كل ذلك تعرّض لكرامة ثلاث محاكم ومسّ لعدالتها واحترامها، بل استخفاف بها. لأن تلك المحاكم الثلاث وهيئات الخبراء الثلاث، قد أتمت تدقيق ما ألّفته خلال عشرين سنة من مؤلفات، وماكتبته من مكاتيب، واجمعوا قرارهم على براءتنا. فاعيدت الينا كتبنا ومكاتيبنا.
وبعد البراءة، ومنذ سنوات ثلاث وانا أعيش في انزواء عن الناس، وتحت ترصد شديد بحيث لا اكتب غير رسالة واحدة لاضررفيها لبعض اصدقائي. فعلاقتي بالدنيا شبه مقطوعة، بل لم اذهب الى موطني رغم السماح.
والآن فان تجديد المسألة نفسها بما ينم عن عدم الاكتراث بالقرار العادل للمحاكم الثلاث انما هو استهانة بكرامة تلك المحاكم وحط من شرفها.
لذا لأجل الحفاظ على كرامة تلك المحاكم التي عدلت في حقي، ارجو من محكمتكم ان تبحث عن سبب آخر ومسألة اخرى لتتهموني بها غير المسائل التي هي: رسائل النور، تشكيل جمعية، تأسيس طريقة صوفية، احتمال الاخلال بالأمن والنظام.
الشعاع الرابع عشر - ص: 404
ان ذنوبي وتقصيراتي كثيرة، لذا قررت ان اعينكم بقدر ما يتعلق الأمر بمسؤوليتي، فلقد تعذبت خارج السجن عذاباً يفوق كثيراً عمّا في داخله. حتى غدا القبر او السجن موضع راحتي الآن. ولقد سئمت الحياة حقاً. كفى الإهانات والتعذيب والترصد المؤلم فيما يشبه السجن الانفرادي طوال عشرين سنة فلقد بلغ السيل الزبى، واوشك ان يمسّ غيرة الله، وعنده يا لخسارة هذه البلاد. اني اذكّركم بهذا.
ان اعظم ملجأ لنا واقواه:
(حسبنا الله ونعم الوكيل)
(حسبي الله لا إله إلاّ هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم).
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 405
"
ردّ على لاِئحة الادعاء"
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

بعد صمت دام ثمانية عشر عاماً، اضطررت الى اعادة تقديم هذه الدعوى رداً على لائحة الادعاء، رغم تقديمها الى المحكمة وتقديم صورة منها الى المراجع العليا في آنقرة.
ادناه خلاصة لدفاع قصير - هو الحقيقة عينها - قد قلته للمدعيين العامين وضابطي الشرطة الذين أتوا لتحري منزلي في "قسطموني" ثلاث مرات، وقلته ايضاً لمدير الشرطة ولثلة من افراد الشرطة - في المرة الثالثة - ولمحكمة "دنيزلي وآفيون". فليكن معلوماً لديكم ان ماقلته لهم هو:
انني اعيش معتكفاً ومنزوياَ منذ عشرين سنة. فطوال ثماني سنوات في "قسطموني" بقيت مقابل مخفرالشرطة وكذا الحال في بقية الاماكن، كنت طوال هذه الفترة تحت المراقبة والترصد الدائم. وقد تحرّوا منزلي عدة مرات، ومع ذلك لم يعثروا على اية امارة لها علاقة بالدنيا او بالسياسة. فلو كان لي شئ من التدخل بها لكانت الشرطة والعدلية تعلم به، أو علمتْ به ولكن لم تعر له بالاً، بمعنى انهم مسؤولون اكثر منى.
فما دام الامر هكذا فلِمَ تتعرضون لي الى هذا الحد دون داع اليه وبما يلحق الضرر بالبلاد والعباد. علماً انه لا يُتعرض في الدنيا كلها للمنزوين المعتكفين المنشغلين بآخرتهم.
نحن طلاب النور آلينا على انفسنا الاّ نجعل من رسائل النور اداة طيعة للتيارات السياسية، بل للكون كله. فضلاً عن ان القرآن الكريم قد منعنا بشدة من الاشتغال بالسياسة.
الشعاع الرابع عشر - ص: 406
نعم، ان مهمة رسائل النور الاساس هي: خدمة القرآن الكريم، والوقوف بصرامة وحزم في وجه الكفر المطلق الذي يودي بالحياة الابدية ويجعل من الحياة الدنيا نفسها سماً زعافاً وجحيماً لا تطاق.
ومنهجها في ذلك: هو اظهار الحقائق الايمانية الناصعة المدعمة بالادلة والبراهين القاطعة التي تلزم اشد الفلاسفة والمتزندفة تمرداً على التسليم بالايمان. لذا فليس من حقنا ان نجعل رسائل النور اداة لاي شئ كان، وذلك لأسباب:
أولاً: كي لا تحول الحقائق القرآنية التي تفوق الالماس نفاسة الى قطع الزجاج المتكسر في نظر أهل الغفلة، حيث يتوهمونها كأنها دعاية سياسية تخدم اغراضاً معينة، وكي لا نمتهن تلك المعاني القرآنية القيمة.
ثانياً: ان منهج رسائل النور الذي هو عبارة عن: الشفقة والعدل والحق والحقيقة والضمير ليمنعنا بشدة عن التدخل بالامور السياسية أو بالسلطة الحاكمة. لأنه اذا كان هناك بعض ممن ابتلوا بالالحاد واستحقوا بذلك العقاب فإن وراء كل واحد منهم عدداً من الاطفال والمرضى والشيوخ الابرياء. فاذا نزل بأحد اولئك المبتلين المستحقين للعقاب كارثة او مصيبة، فان اولئك الابرياء ايضاً سيحترقون بنارهم دون ذنب جنوه. وكذا لان حصول النتيجة المرجوة امر مشكوك فيه، لذا فقد مُنعنا بشدة عن التدخل في الشؤون الادارية بما يخل بأمن البلاد ونظامها عن طريق وسائل سياسية.
ثالثاً: في زمن عجيب كزماننا هذا، لا بد من تطبيق خمسة اسس ثابتة، حتى يمكن انقاذ البلاد وانقاذ الحياة الاجتماعية لأبنائها من الفوضى والانقسام. وهذه المبادئ هي:
1- الاحترام المتبادل
2- الشفقة والرحمة
3- الابتعاد عن الحرام
4- الحفاظ على الأمن
5- نبذ الفوضى والغوغائية، والدخول في الطاعة.
الشعاع الرابع عشر - ص: 407
والدليل على ان رسائل النور في نظرتها الى الحياة الاجتماعية قد ظلت تثبت وتحكم هذه الاسس الخمسة وتحترمها احتراماً جاداً محافظة بذلك على الحجر الاساس لأمن البلاد، هو ان رسائل النور قد استطاعت في مدى عشرين عاماً ان تجعل اكثر من مائة الف رجل اعضاء نافعين للبلاد والعباد دون ان يتأذى او يتضرر بهم احد من الناس. ولعل محافطتي "اسبارطة وقسطموني" خير شاهد وابرز دليل على صدق ما نقول.
فاذا كانت هذه هي الحقيقة. فلا شك ان اكثر اولئك الذين يتعرضون لاجزاء رسائل النور انما يخونون الوطن والأمة والسيادة الاسلامية. ويعملون - سواءً بعلم او بدون علم - لحساب الفوضوية والتطرف.
ان مائة وثلاثين رسالة من اجزاء رسائل النور التي منحت مائة وثلاثين حسنة وفائدة لهذه البلاد، لا تزيلها الاضرار الموهومة التي يتوهمها اهل الغفلة القاصرو النظر الشكاكون، من نقص وقصور في رسالتين او ثلاث. فالذي يهوّن من شأن تلك الرسائل بهذه الاوهام والشبهات ظلومٌ مبين.
أما تقصيراتي وذنوبي التي تمس شخصي الذي لا اهمية له، فاني اضطر دون رغبة مني الى القول:
ان الذي قضى حياة الاغتراب التي هي اشبه ما تكون بالسجن الانفرادي طوال اثنتين وعشرين سنة، معتكفاً ومنزوياً عن احوال الناس. والذي لم يخرج باختياره طوال هذه الفترة الى مجمع الناس في السوق وفي الجوامع الكبيرة. والذي اجري عليه اشد انواع الضيق والعنت وخالف امثاله من المنفيين فلم يراجع الحكومة ولو لمرة واحدة. ولم يقرأ جريدة ولم يستمع اليها، بل لم يكترث بها طوال هذه الفترة.
وخير شاهدعلى هذا القريبون من اصدقائه واحبّائه خلال سنتين في "قسطموني" وخلال سبع سنوات في اماكن اخرى. بل لم يعرف احداث الحرب العالمية ولا المنتصر من المغلوب، ولم يهتم بالمعاهدة والصلح، بل لم يعرف حتى من هم اطراف الحرب، ولم يتحرك فضوله لمعرفتهم، ولم يسأل عنهم ولم يستمع الى الراديو القريب منه خلال ثلاث سنوات سوى ثلاث مرات. والذي يواجه الكفر المطلق برسائل النور، ذلك الكفر الذي يفني الحياة الابدية ويزيد آلام الحياة الدنيا ويجعلها عذاباً في
الشعاع الرابع عشر - ص: 408
عذاب. والشاهد الصادق لذلك مائة الف ممن انقذوا ايمانهم برسائل النور المترشحة من فيض نور القرآن العظيم والتي تجعل الموت بحق مائة الف شخص تذكرة تسريح بدلاً من الاعدام الابدي.
ترى اي قانون يسمح بالتعرض لهذا الرجل - يقصد نفسه - وجعله في يأس من الحياة، ودفعه الى البكاء والحزن، مما يدفع مائة الف من اخوانه الى البكاء؟ بل اية مصلحة في ذلك؟.
ألا يرتكبون باسم العدالة غدراً لا مثيل له ولا نظير ؟
أفلا يكون باسم القانون خروجاً عن القانون ؟
اما اذا قلتم واحتججتم بتصرفكم هذا بما يحتج به فريق من الموظفين -ِ في هذه التحريات - وادعيتم كما يدعون، بانك وطائفة من رسائلك تخالفان نُظمنا ومبادءنا.
فالجواب:
اولاً: ليس من حق نظمكم ومبادئكم المبتدعة هذه ان تدخل معتكفات المنزوين اطلاقاً.
ثانياً: ان ردّ امرٍ ما شئ وعدم قبوله قلبياً شئ آخر. وعدم العمل به شئ اخر تماماً. وان ولاة الامور انما ينظرون الى اليد لا الى القلب. وهناك في كل قطر وفي كل مكان معارضون شديدون للحكومة لا يتدخلون في شؤون الادارة والأمن. حتى انه في عهد سيدنا عمر رَضِيَ الله عَنْهُ لم يمُسّ النصارى بشئ مع انهم كانوا ينكرون الاسلام وقوانين الشريعة.
وعلى هذا واستناداً الى مبدأ حرية الفكر والوجدان، اذا كان بعض طلاب النور يرفضون نظمكم ومبادءكم، وينتقدونها على اساس علمي نقداً بناءاً، او إن صدرت منهم اعمال وتصرفات لا تتفق وتلك المبادئ، بما في ذلك اضمار العداء لأولى الأمر، فليس من حق القانون ان يحاسبهم على ذلك بشرط واحد وهو: ان لايتدخلوا في الشؤؤن الادارية، والاّ يخلّو بالأمن والنظام.
الشعاع الرابع عشر - ص: 409
اما بالنسبة للرسائل، فقد اطلقنا على تلك الرسائل انها سرية وخاصة، وحظرنا نشرها. حتى ان احدهم قد اتى لي بنسخة واحدة من الرسالة التي سببت هذه الحادثة لمرة او مرتين طوال ثماني سنوات في "قسطموني"، وضيعناها في اليوم نفسه. وأنتم الآن تشهرونها بالقوة والإكراه، وقد اشتهرت حقاً.
ومن المعلوم أنه اذا وجد نقص يوجب الذنب في رسالة ما، فان تلك الكلمات وحدها تُحذف ويُسمح بالبقية، ولقد وجدوا خمس عشرة كلمة فقط هي مدار النقد من بين مائة رسالة من رسائل النور بعد اجراء تدقيقات عليها دامت اربعة اشهر في محكمة "اسكي شهر". ووجدوا في صفحتين فقط من بين اربعمائة صفحة من مجموعة "ذوالفقار" 1 موضع نقد بعدم تلاؤمها مع القانون المدني حيث فيهما تفسيرالآيات الكريمة الخاصة بميراث المرأة وحجابها، ذلك التفسير الذي كتب قبل ثلاثين سنة.. كل ذلك يثبت ان هدف رسائل النور ليست الدنيا، بل الناس كافة بحاجة اليها. فلا تصادر تلك المجموعة "ذوالفقار" لأجل تلكما الصفحتين. ولترفع اذنالصفحتان وتعاد لنا مجموعتنا. نعم من حقنا ان نطالب باعادتها لنا.
أما ادا خلتم الالحاد ضرباً من متطلبات السياسة وزعمتم كما يزعم البعض: انك برسائلك هذه تفسد علينا مدنيتنا وتحول دون تمتعنا بمباهج الحياة وملذاتها.
فأنا اقول: "انه لا يمكن لأي شعب أن يعيش بلا دين" وهذا دستور عام، معترف به في الدنيا كلها. ولا سيما ان كان هناك كفراً مطلقاً فانه يسبب لصاحبه عذاباً اشد ايلاماً من عذاب جهنم في الدنيا نفسها. كما اثبت ذلك بادلة وبراهين لا تقبل المناقشة في رسالة "مرشد الشباب"، تلك الرسالة المطبوعة رسمياً، اذ لو ارتد مسلم - والعياذ بالله - فانه يقع في الكفر المطلق، ولن يبقى في الكفر المشكوك فيه الذي يمهل الحياة لصاحبه الى حدٍ ما. ولا يكون كملاحدة الاجانب ايضاً. بل من حيث التمتع بملذات الحياة التي قد يتصورها، لا يكون حظه من ذلك سوى الهبوط الى مرتبة أدنى من مرتبة الحيوانات بمائة مرة التي لامعنى للماضي والمستقبل لديها. وذلك لأن موت الموجودات السابقة واللاحقة وفراقها الابدي، يترك في نفسه آلاماً مستمرة متعاقبة بسبب ضلاله.
_____________________
1 تضم هذه المجموعة الرسائل الآتية: المعجزات القرآنية والمعجزات الأحمدية ورسالة الحشر وذيولها..المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 410
أما اذا جاء الايمان ولامس بشاشة القلب وتمكّن فيه، فان اولئك الاصدقاء الذين لا يحصيهم العد سيحيون فجأةً ويقولون بلسان حالهم: نحن لم نمت.. ولم نفنَ..! وحينئدٍ تنقلب تلك الحالة الجهنمية الى لذائذ فيحاء وروضة غناء.
فما دامت الحقيقية هي هذه، فانني اذكّركم بالآتي:
لا تبارزوا رسائل النور المستندة الى القرآن الكريم فانها لا تُغلب. وإلاّ سيكون امر هذه البلاد مؤسفاً اذا ما حاول احد طمس نورها 1 وسوف تذهب الى مكان آخر، وتنور ايضاً.
ألا فلتعلموا جيداً بأنه لو كان لي من الرؤوس بعدد ما في رأسي من الشعر، وفُصل كل يوم واحد منها عن جسدي، فلن احني هذا الرأس الذي نذرته للحقائق القرآنية أمام الزندقة والكفر المطلق، ولن اتخلى بحال من الاحوال عن هذه الخدمة الايمانية النورية، ولا يسعني التخلي عنها.
لا شك انه لا ينظر الى نقائص تقع في إفادة معتكف منذ عشرين سنة، ولا يقال أنه خرج عن الصدد، ذلك لأنه يدافع عن رسائل النور، اذ ما دامت محكمة "أسكي شهر" لم تجد غير مادة أو مادتين لرسالة أورسالتين من بين مائة من الرسائل السرية الخاصة والعلنية العامة، اثناء اجراء التدقيق عليها خلال اربعة أشهر، علماً ان المادتين توجبان عقاباً خفيفاً، حتى ان المحكمة حكمت بالسجن لمدة ستة اشهر على خمسة عشر من المتهمين البالغ عددهم مائة وعشرين شخصاً، ونحن بدورنا قضينا هذا العقاب..
وما دامت جميع اجزاء رسائل النور قد اصبحت في متناول المسؤولين - قبل سنوات - واعيدت الى اصحابها بعد اجراء التدقيق عليها خلال شهور عدة..
وما دامت لم تظهر اية امارة تمس العدلية والأمن طوال ثماني سنوات في"قسطموني" رغم التحريات الدقيقة..
وما دام قد تحقق لدى هيئة التحريات الاخيرة في "قسطموني" - قبل سنوات - ان بعض الرسائل وجدت تحت اكوام الحطب، مما يوميْ الى عدم نشرها بل فقدانها..
_____________________
1 ولعل الزلازل العنيفة التي حدثت اثناء المبارزة تثبت صدق حكم: سيكون أمر هذا البلاد مؤسفاً.- المؤلف.


الشعاع الرابع عشر - ص: 411
وما دام مدير الشرطة في "قسطموني" ومسؤول العدلية قد وعداني وعداً قاطعاً باعادة الكتب المخفية لي وقبل استلامي لها ساقوني في اليوم التالي بمجرد مجيئ امر التوقيف من "اسبارطة"..
ومادامت محكمتا "دنيزلي وانقرة" قد برأتا ساحتنا واعادتا الينا جميع الرسائل..
فلا بد وبناء على هذه الحقائق الست ومن مقتضى واجب محكمة "دنيزلي" ومدعيها العام كما هو من واجب عدلية "آفيون" ومدعيها العام اخذ جميع حقوقي المهمة بنظر الاعتبار. فأنا على امل ان المدعي العام الذي يدافع عن الحقوق العامة سيدافع عن حقوقي الشخصية التي اصبحت بمثابة الحقوق العامة لمناسبة رسائل النور. بل انتظر ذلك منه.
ان سعيداً الجديد الذي انسحب من ميدان الحياة الاجتماعية منذ اثنتىن وعشرين سنة، ويجهل القوانين الحاضرة واصول الدفاع الحالية، والتي قدم مائة صحيفة من الدفاع المبرهن ببراهين لا تجرح والذي قدّمها سابقاً الى محكمتي "اسكي شهر ودنيزلي" وقاسى جزاء تقصيراته الى ذلك الوقت. ومن بعده في "قسطموني" وفي "اميرداغ" حيث قضى حياته فيما يشبه السجن المنفرد وتحت الرقابة الدائمة.. اقول ان هذا السعيد الجديد وأمره هذا، يؤثر جانب الصمت ويدع الكلام لسعيد القديم.
يقول سعيد القديم:
لما كان سعيد الجديد قد اعرض عن الدنيا ولا يتكلم مع اهلها ولا يجد مبرراً للدفاع الاّ اذا اضطر الى ذلك. الاّ ان المسألة تمس الكثيرين من الابرياء من الفلاحين واصحاب الاعمال حيث يعتقلون بمناسبة علاقتهم الواهية معنا، وتصيب اعمالهم الكساد لعجزهم عن تدارك حاجات اهليهم واطفالهم في موسم العمل هذا.. ان هذا الأمر قد مسّ وجداني مساً قوياً وابكاني من الاعماق.
لذا اقسم بالله العظيم انه لو كان باستطاعتي ان آخذ على عاتقي جميع مشاق اولئك لأخذتها، فالذنب كله يعود لي - ان كان هناك ذنب - وهم ابرياء اصلاً. فلأجل هذه الحالة المؤلمة، على الرغم من سكوت سعيد الجديد اقول:
الشعاع الرابع عشر - ص: 412
لما كان سعيد الجديد يجيب عن مائة من الاسئلة التافهة للمدعين العامين - لولايتي اسبارطة ودنيزلي وآفيون - فأنا كذلك من حقي ان أسأل ثلاثة اسئلة من وزير الداخلية التي يرأسها شكري قايا، وأسأل من وزارة العدل الحاضرة. والأسئلة هي:
السؤال الاول:
بأي قانون يجري توقيفي وتوقيف مائة وعشرين شخصاً معي، جراء مشادة كلامية لم تفض الى حادثة، جرت بين شخص اعتيادي من "اكريدر" وهو ليس من طلاب النور وبين عريف شرطة (جاويش) لمجرد ان وجد بحوزته احد مكاتيبي الاعتيادية، ومن ثم اجراء التحقيق عليه من قبل المحكمة في اربعة أشهر، ومن بعد ذلك ابراء ساحة الجميع سوى خمسة عشر شخصاً من الضعفاء المساكين، مع إلحاق ضرر مالي لأكثر من مائة شخص باكثر من ألف ليرة؟.
تُرى بأي أصل من اصول القانون يمكن جعل الامكانات والاحتمالات بدلاَ عن الوقوعات؟ وعلى وفق اي دستور يتم اضرار سبعين شخصاً من "دنيزلي" ضرراً مالياً يقدّر بالوف الليرات بعد ان كسبوا البراءة؟
السؤال الثاني:
الدستور الالهي هو(ولاتزر وازرة وزر اخرى) (الانعام :164) وان وجود رسالة صغيرة قد حظرنا نشرها، ولم احصل عليها خلال ثماني سنوات سوى مرة او مرتين، وقد كتب اصلها قبل خمس وعشرين سنة وهي التي تنقذ الايمان من الشبهات في نقاط مهمة فيها، وتنجي المرء من الوقوع في انكار الاحاديث المتشابهة.. اقول: ان حصول هذه الرسالة الصغيرة لدى رجل لا نعرفه وفي مكان بعيد عنا، ومنحها معنىً مغايراً لها، ووجدان مكتوب في "كوتاهية" و "باليكسر" ينم عن تعرض طفيف، ثم توقيفنا جراء ذلك في شهر رمضان المبارك حينها وفي هذا الجو القارس حالياً، مع كثير من الفلاحين والكسبة الابرياء، وتوقيف شخص لمجرد وجود مكتوب اعتيادي قديم لنا بحوزته، أو أخذني في جولة بسيارته، أو أبدى علاقة صداقة معنا، او لقراءته احد كتبي، وإلحاق ضرر مادي ومعنوي بهم وبالوطن وبالأمة بقدر الوف الليرات استناداً الى شبهات تافهة.. أتساءل: اي قانون من قوانين العدالة يجري كل هذا؟ وحسب اية مادة قانونية تنفذ الامور؟ اننا نطالب بمعرفة تلك القوانين لئلا نخطئ في المسير!
الشعاع الرابع عشر - ص: 413
نعم، ان حقيقة احد الاسباب التي ادت الى اعتقالنا في كل من "دنيزلي" و "آفيون" هي "الشعاع الخامس". علماً ان هذه الرسالة كتب اصلها قبل فترة دار الحكمة الاسلامية بكثير، بنية انقاذ إيمان العوام تجاه المنكرين لطائفة من احاديث نبوية شريفة لجهلهم بمراميها وتأويلاتها، حتى قالوا: لا يطيب لها العقل. ولنفرض فرضاً محالاً ان هذه الرسالة متوجهة الى الدنيا والسياسة، وكتبت في الوقت الحاضر. ولكن لانها رسالة سرية، ولم يعثر عليها عندنا لدى إجراء التحريات، وان ما اخبرت به من امور مستقبلية هي صحيحة، وانها تزيل الشبهات الواردة على الايمان، ولا تمس الأمن والنظام ولا تتعرض لأشخاص معينين، بل تبين حقيقة علمية بياناً كلياً.. اقول: لو فرضنا هذا فرضاً محالاً، فلا يشكل ايضاً ذنباً. وذلك لأنها أخذت بالسرية التامة للحيلولة دون حدوث مناقشة حولها. قبل ان تنشرها وتعلن عنها المحاكم.
ثم ان ردّ شئ ما ورفضه يخالف تماماً عدم قبوله قبولاً علمياً ويباين كلياً عدم العمل به. فتلك الرسالة لا تقبل علمياً النظام الذي سيأتي في المستقبل القريب، بل ترفضه، وهذا لا يشكل ذنباً. ولا نجد احتمال وجود ذنب بمثل هذا في قوانين العدالة في العالم كله.
حاصل الكلام: ان الكفر المطلق يبيد الحياة الابدية ويحول الحياة الدنيوية الى سّم زعاف ويمحي لذتها ومتعها.. فرسائل النور منذ ثلاثين سنة تقطع دابر هذا الكفر. وقد حازت التوفيق في دحرها المفهوم الكفري الرهيب الذي يحمله الماديون الطبيعيون، وتثبت ببراهين ساطعة دساتير سعادة هذه الامة في حياتيها، وتستند الى حقيقة القرآن السامية. فرسائل هذا شأنها لوكانت لها ألف نقص ونقص - وليست مسألة او مسألتين - تترجح حسناتها التي تفوق الالوف على نقائصها بل تذهبها. نحن ندّعي هذا ومستعدون للاثبات.
السؤال الثالث:
من المعلوم انه لو شوهدت خمس كلمات غير مستساغة قانوناً في مكتوب يحمل عشرين كلمة فان تلك الكلمات الخمس تحذف ويُسمح للاخريات. ولقد تُوهّم في خمس عشرة كلمة وهماً ظاهرياً على انها تحمل ذنباً، وذلك في محكمة "

عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:44 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 414
اسكي شهر" بعد اجراء التدقيق عليها لمدة اربعة اشهر. ولم تجد هيئة الوكلاء في مجموعة "ذوالفقار" البالغة اربعمائة صفحة ما يخالف القانون الحالي سوى صفحتين فقط، لا تلائمان القوانين الحاضرة. علماً ان الصفحتين لم تتعرضا الاّ لتفسير آيتين كريمتين كتب قبل ثلاثين سنة، وان خبراء "دنيزلي" و "آنقرة" لم يجدوا الاّ خمسة عشر سهواً في رسائل النور، التي اصبحت وسيلة لاصلاح مئات الالوف من الناس الى الآن، وحققت للبلاد والامة الفاً من المنافع..
ثم ان اخذ عائلة "جالشقان" الى التوقيف في موسم العمل هذا وفي عز الشتاء القارس مع ايّ مبدأ يتلائم من مبادئ الجمهورية؟ وايّ قانون من قوانينها يجيزه؟ علماً بان كل ما قامت به هذه العائلة هى انها قدمت خدمات بسيطة للرسائل واستنسخوها لانقاذ ايمانهم وعاونونى في غربتى في "امير داغ" اشفاقاً على شيخوختى وابتغاء لوجه الله.
وما دامت مبادئ الجمهورية لا تتعرض للملاحدة، وفقاً لمبدأ حرية الضمير والوجدان، فمن الأولى والأحق ان لاتتعرض لأولئك الذين لا علاقة لهم بالدنيا، ولا يجادلون مع اهلها، ويعملون لآخرتهم وايمانهم ووطنهم بشكل نافع. كما لا ينبغي ولا يحق لأرباب السياسة الذين بيدهم السلطة في آسيا التي تشرفت بالانبياء ان يحملوا الشعب على التخلي عن الصلاح والتقوى اللذين هما بمثابة الغذاء والعلاج من الحاجات الضرورية لهذه الامة منذ الف عام.
انه من مقتضى الانسانية الصفح عن تقصيرات ترد ضمن اسئلة من قضى عشرين سنة من عمره معتكفاً منزوياً عن الناس تلك التي يسألها بعقل سعيد القديم قبل عشرين سنة.
اننى اذكركم بالآتي لمنفعة الامة والأمن وكواجب من واجباتي الوطنية:
ان اعتقال او محاولة الاساءة الى اولئك الذين لهم علاقة واهية بنا وبرسائل النور، قد يدفع بالكثيرين ممن لهم منافع ايجابية للوطن والنظام ان يتحولوا الى أناس معادين للادارة، ويفسح المجال للفوضى والارهاب.
الشعاع الرابع عشر - ص: 415
نعم، ان عدد الذين انقذوا ايمانهم برسائل النور، واندفع بها خطرهم عن المجتمع، بل اصبحوا اعضاء نافعين ايجابيين يزيد كثيراً على مائة الف شخص. وهم يشغلون مناصب رفيعة في كل دائرة من دوائر الحكومة الجمهورية، ويمثلون مختلف طبقات الناس، وهم يعملون بتفانٍ واخلاص كاملين وعلى اتم وجه من الصدق والنفع والاستقامة.. فالانصاف يقتضي اذاً حماية هؤلاء ومساندتهم لا محاولة الاساءة إليهم.
ان فريقاً من الموظفين الرسميين الذين ضربوا صفحاً عن الانصات الى شكوانا ولم يسمحوا لنا بالكلام ويتذرعون بمختلف الحجج والادعاءات الزائفة في مضايقتنا ليحملوننا على الاعتقاد، اعتقاداً قوياً، بأنهم بتصرفهم هذا انما يفسحون المجال للفوضى في البلاد.
ثم اني اقول باسم مصلحة الحكومة:
ما دامت محكمتا "دنيزلي وانقرة" لم يتعرضا "للشعاع الخامس" بعد اجراء التدقيق عليه واعيد الينا. فمن الضروري للادارة الاّ تقحمه في امور رسمية ثانية فتجعل منه موضع نقاش.
فكما اننا قد اخفينا تلك الرسالة قبل ان تحصل عليها المحكمة وتعلن عنها. فعلى محكمة "آفيون" الاّ تجعل منها مدار سؤال وجواب. لأن تلك الرسالة قوية، لا تردّ. وقد اخبرت عن حوادث قبل وقوعها، ووقعت كما اخبرت. فضلاً عن انها لا تستهدف امور الدنيا. وكل ما في الامر أن احد معانيها الكثيرة توافق رجلاً مات وانتهى امره 1. فلقد حملني وجداني أن اذكركم لمصلحة البلاد والامة ولأجل صيانة الامن والنظام والادارة بالآتي:
لا يدفعنكم التعصب لذلك الرجل الميت الى اقحام ذلك الخبر الغيبى والمعنى الوارد في تلك الرسالة في امور رسمية فانها تفسح المجال لزيادة الاعلان عنها
* * *
_____________________
1 المقصود مصطفى كمال:- المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 416
الى السادة رئيس محكمة افيون والمدعي العام والاعضاء
اقدم لكم هنا نص الدفاع الذي كنت قد قدمته الى المراجع العدلية في "دنيزلي" والذي اشتمل على تسعة اسس.
انني - كما تعلمون - شخص قد ترك الحياة الاجتماعية ولاسيما الحياة الرسمية والسياسية التي لها نواح دقيقة. لذا فانني لا اعلم ما يجب عليّ عمله حيالها، ولا افكر في ذلك، اذ ان التفكير فيه يؤلمني ألماً شديداً، ولكني مضطر الى ان ادرج دفاعي هذا لانني تعرضت في محكمة سابقة الى اسئلة متكررة عديدة لا داعي لها من شخص لايتصف بالانصاف، وهذا الدفاع (الذي يعد بمثابة خاتمة للاجوبة التي قدمتها آنذاك) قد يخرج احياناً عن الصدد، وقد يكون فيه تكرار لالزوم له، وقد يخلو من النظام والاتساق، وقد يحوي على عبارات عنيفة يمكن ان تستغل ضدي، او جملاً تخالف بعض القوانين الجديدة التي لااعرفها، ولكن مادام هذا الدفاع يتوجه نحو الحقيقة ويستهدفها لذا يمكن التجاوز عن جوانب القصور هذه من اجل الحقيقة. ان دفاعي كان يستند الى تسعة اسس:
الاول:
مادامت حكومة الجمهورية لاتتعرض لاهل الالحاد ولاهل السفاهة وذلك تحت شعار حرية الوجدان السارية في الجمهورية، لذا فان عليها - من باب اولى - الاّ تتعرض لأهل الدين ولاهل التقوى.. ومادامت أية امة لاتستطيع العيش دون دين، خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان امم قارة اسيا لاتشبه امم اوروبا من ناحية الدين، وان الاسلام لايشبه النصرانية من زاوية الحياة الشخصية والحياة الاخروية فالمسلم الملحد لايشبه الملاحدة الآخرين. لذا اصبح هذا الدين حاجة فطرية في اعماق هذه الامة التي نورت ارجاء الدنيا منذ الف عام بدينها وبدفاعها البطولي عن تمسكها بهذا الدين تجاه جميع غارات العالم وهجومه عليه. وليس هناك اي تقدم واية مدنية تستطيع الحلول محل تعلم الصلاح والدين وحقائق الايمان في نفس هذه الامة.. لاتستطيع ان تحل محله ولا ان تنسيها اياه: اذن فان على اية حكومة تحكم امة هذا
الشعاع الرابع عشر - ص: 417
الوطن وتأخذ العدالة والأمن بنظر الاعتبار ألا تتعرض لرسائل النور، ويجب الاّ يسوقها احد الى ذلك.
الاساس الثاني:
هناك فرق كبير بين ان ترفض وترد شيئاً ما وبين الاّ تعمل بذلك الشئ. ففي كل حكومة هناك جماعة معارضة لها بشدة، فقد يكون هناك جماعة مسلمون تحت حكم مجوسي، وقد يكون هناك يهود او نصارى تحت حكم اسلامي كما في عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه ومع ذلك تصان الحرية الشخصية لمن لايخل بالامن ولايتعرض لادارة الحكومة، فالحكومات يهمها الظاهر ولاتنقب ما في داخل القلوب. علماً بان اي شخص يروم التعرض للامن وللسياسة ولادارة الدولة لابد ان يطالع الجرائد ويتتبع ما يجري في الدنيا من احداث لكي يحيط علماً بالتيارات وبالاوضاع المساعدة لها، لكي لايخطأ في تصرفه ولاتزل قدمه. اما رسائل النور فقد منعت طلابها عن هذا منعاً باتاً، حتى ان اصدقائي المقربين يعلمون بانني ومنذ خمس وعشرين سنة تركت الجرائد ولم اسأل ولم استفسر عن اية جريدة ولم يكن لدي فضول او رغبة فيها فضلا عن قراءتها. واما الآن فلا اعرف (ومنذ عشر سنوات) اي شئ عن اخبار العالم واوضاعها سوى عن هزيمة الالمان وانتصار البلاشفة.. الى هذه الدرجة منعتنى رسائل النور وابعدتني عن الحياة الاجتماعية. اذن فمن المفروض ومن الواجب ان تمنع حكمة الحكومة وقانون السياسة ودستور العدالة التعرض لي او لاخواني من امثالي، وكل من يتعرض لايفعل ذلك الاّ تحت تأثير اوهامه او احقاده او عناده.
الاساس الثالث:
لقد اضطررت الى تقديم الشرح الطويل التالي جواباً على اعتراضات خاطئة لامعنى لها ولا ضرورة لها، التي قدمها المدعي العام في المحكمة السابقة حول ماجاء في "الشعاع الخامس". ولم يكن هذا المدعي يستند الى مادة في القانون، بل الى حب وتعصب لشخص ميت.
اولاً: لقد كنا نحتفظ بـ"الشعاع الخامس" بشكل سري قبل ان تقع هذه الرسالة في يد الحكومة، ورغم التحريات التي اجريت لم تعثر الحكومة عندي على نسخة
الشعاع الرابع عشر - ص: 418
منها. ولم تكن غاية هذه الرسالة الاّ انقاذ ايمان العوام وازالة شبههم وانقاذهم من رد وانكار بعض الاحاديث المتشابهة. ولم تلتفت هذه الرسالة الى شؤون الدنيا الاّ بالدرجة الثالثة او الرابعة وكشئ عرضي. علماً بان ما اخبرته كان صحيحاً ولم تتعرض لاهل السياسة ولاهل الدنيا ولم تخاصمهم او تبارزهم، بل اكتفت بسوق الاخبار دون ان تعيّن الاشخاص او ان تسمي المسميات، بل تبين حقيقة حديث نبوي بشكل كلي وعام. ولكنهم قاموا بتطبيق هذه الحقيقة على شخص مدهش عاش في هذا العصر فانطبقت عليه تماماً، لذا فقد اظهروا اعتراضهم لانهم حسبوا ان هذه الرسالة أُلفت في هذه السنوات، علماً بان تاريخ هذه الرسالة اقدم من تاريخ انتسابي الى "دار الحكمة الاسلامية" ولكنها نسّقت فيما بعد ودخلت ضمن رسائل النور، واليكم التفاصيل:
قدمت الى استانبول قبل اربعين سنة، اي قبل عام واحد فقط من اعلان الحرية 1، وكان القائد الياباني العام آنذاك قد وجّه الى علماء الاسلام بعض الاسئلة الدينية، فتوجه علماء استانبول بهذه الاسئلة اليّ كما طرحوا عليّ اسئلة اخرى عديدة بهذه المناسبة، ومن ضمن هذه الاسئلة ماورد في احد الاحاديث الشريفة انه:
(يصبح شخص رهيب في آخر الزمان وقد كتب على جبينه: هذا كافر) فقلت:
سيتولى امر هذه الامة شخص عجيب، ويصبح وقد لبس قبعة على رأسه، ويكره الناس على لبسها. فسألوني بعد هذا الجواب:
ألا يكون من يلبسها آنذاك كافراً؟ قلت:
عندما تستقر القبعة على الرأس ستقول: لاتسجد، ولكن الايمان الموجود في الرأس سيرغم تلك القبعة على السجود ان شاء الله، وسيدخلها الاسلام.
ثم قالوا:
وسيشرب هذا الشخص ماءً وستنثقب يده، وعند ذلك سيعلم الجميع انه "السفياني"
_____________________
1 اعلان الحرية: المقصود منه الاعلان الثانى للدستور، اى المشروطية الثانية وتم ذلك سنة 1908 من قبل السلطان عبد الحميد الثانى. - المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 419
فاجبتهم:
هناك مثل يضرب للمسرف فيقال عنه: ان يده مثقوبة وكفه منخرقة، اي ان المال لايبقى في يده، بل يسيل ويضيع.
وهكذا فان ذلك الشخص المدهش والعجيب سيبتلى بالادمان على الخمر (وهو سائل) وسيمرض جراء هذا الادمان مما سيقوده الى اسرافات لاحدود لها، وسيعوّد غيره ايضاً على الاسراف.
فسأل احدهم:
عندما يموت هذا الشخص سيهتف الشيطان في منطقة "ديكيلي طاش" في استانبول للدنيا ان فلاناً قد مات.
فقلت له آنذاك:
"سيعلن هذا النبأ عن طريق البرقيات". ولكني عندما سمعت فيما بعد باختراع الراديو علمت ان جوابي القديم لم يكن تاماً.. وقلت بعد ثماني سنوات عندما كنت في دار الحكمة:
"سيتم اعلان النبأ الى العالم اجمع بوساطة الراديو".
ثم سألوا اسئلة عديدة حول سد ذي القرنين ويأجوج ومأجوج وحول دابة الارض والدجال وعن نزول عيسى عليه السلام، فاجبت عنها، حتى ان قسماً من هذه الاجوبة ادرج في بعض مؤلفاتي القديمة.
بعد مدة ارسل مصطفى كمال رسالتين بالشفرة الى صديقي تحسين بك الذي كان آنذاك والياً على مدينة "وان" يستدعيني الى "انقرة" لكي يكافئني على قيامي بنشر رسالة "الخطوات الست" 1 فذهبت اليها. فعرض عليّ تعييني في وظيفة الواعظ العام في الولايات الشرقية براتب قدره ثلاثمائة ليرة في محل الشيخ السنوسي وذلك لعدم معرفة الشيخ اللغة الكردية، وكذلك تعييني نائباً في مجلس المبعوثان
_____________________
1 في تلك الفترة كانت هناك حكومتان: حكومة الخلافة في استانبول تحت الاحتلال الانكليزي. وحكومة منشقة في انقرة برئاسة مصطفى كمال تقاتل دول الاحتلال. وكان الاستاذ النورسي في استانبول آنذاك فنشر هناك هذه الرسالة الموجهة ضد احتلال الانكليز ودحض سياستهم، وكان لها وقع كبير آنذاك. - المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 420
(المجلس النيابى) وفي رئاسة الشؤون الدينية مع عضوية في "دار الحكمة"، وكان يريد بذلك ارضائي وتعويضي عن وظيفتي السابقة، وكان السلطان رشاد قد خصص تسعة آلاف ليرة ذهبية لانشاء مدرسة الزهراء - التي كنت قد وضعت اسسها - ودار الفنون في مدينة "وان" فقرر مجلس المبعوثان زيادة هذا المبلغ الى مائة وخمسين الف ليرة ورقية حيث وقّع ثلاث وستون ومائة نائباً من بين اعضاء المجلس البالغ عددهم مائتي نائب بالموافقة على ذلك.
ولكني عندما لاحظت ان قسماً مما جاء من الاخبار في المتن الاصلي لرسالة "الشعاع الخامس" ينطبق على شخص شاهدته هناك، فقد اضطررت الى ترك تلك الوظائف المهمة، اذ اقتنعت بان من المستحيل التفاهم مع هذا الشخص او التعامل معه او الوقوف امامه، فنبذت امور الدنيا وامور السياسة والحياة الاجتماعية، وحصرت وقتي في سبيل انقاذ الايمان فقط. ولكن بعض الموظفين الطاغين والبعيدين عن الانصاف استكتبوني رسالتين او ثلاثاً من الرسائل المتوجهة الى الدنيا ثم قمت - نزولاً عند رغبة بعض الذوات - بجمع وتنظيم اصول تلك الرسائل القديمة بمناسبة الاسئلة المتعلقة بالاحاديث النبوية المتشابهة حول علامات يوم القيامة حيث اخذت هذه الرسالة اسم "الشعاع الخامس" من رسائل النور. وان ارقام رسائل النور ليست مطردة مع ترتيب او تسلسل تأليفها، فالمكتوب الثالث والثلاثون مثلاً ألّف قبل المكتوب الاول، كما ان اصل "الشعاع الخامس" هذا مع بعض اجزاء رسائل النور تم تأليفها قبل رسائل النور. على اية حال فان تعصب المدعي العام لمصطفى كمال وصداقته له - وهو يشغل مثل هذا المقام - ادّى الى اسئلة واعتراضات غير قانونية وغير ضرورية وخاطئة مما ساقني الى تقديم هذه الايضاحات الخارجة عن الصدد، وانا ابين هنا احد اقواله كمثال على كلامه المشوب بالمزاج الشخصي الخارج عن القانون.
قال: ألم تندم من قلبك بما اوردته في "الشعاع الخامس"؟ ذلك لانك قمت باهانته وتحقيره عندما قلت عنه: انه اصبح مثل قربة الماء من كثرة شربه الخمر والشراب.
وانا اقول جواباً لتعصبه الذميم والخاطئ تماماً الناشئ من صداقته له:
الشعاع الرابع عشر - ص: 421
لايمكن اسناد شرف انتصار الجيش البطل اليه وحده، ولكن تكون له حصة معينة فقط من هذا الانتصار. فمن الظلم ومن الخروج على العدالة بشكل صارخ اعطاء غنائم الجيش وامواله وارزاقه الى قائد واحد.
وكما قام ذلك المدعي العام البعيد عن الانصاف باتهامي لكوني لا احب ذلك الشخص ذا العيوب الكثيرة، الى درجة انه وضعني موضع الخائن للوطن، فانني اتهمه ايضاً بعدم حبه للجيش، ذلك لانه عندما يعطي الى صديقه ذاك كل الشرف وكل المغانم المعنوية فانه يكون بذلك قد جرد الجيش من الشرف، بينما الحقيقة هي وجوب توزيع الامور الايجابية والحسنات والافضال على الجماعة وعلى الجيش، اما الامور السلبية والتقصيرات والتخريبات فيجب توجيهها الى القيادة والى الرأس المدبر والى الممسك بزمام الامور. ذلك لان وجود اي شئ لايتحقق الا بتحقق جميع شرائط واركان الوجود، والقائد هنا شرط واحد فقط من هذه الشروط. اما انتفاء اي شئ وفساده فيكفي له عدم وجود شرط واحد او فساد ركن واحد فقط. لذا يمكن عزو ذلك الفساد الى الرأس المدبر والى الرئيس لان الحسنات والامور الجيدة تكون عادة ايجابية ووجودية. فلايمكن حصرها على من هم في رأس الدولة. بينما السيئات والتقصيرات عدمية وتخريبية ويكون الرؤساء هم المسؤولون عنها. ومادام هذا هو الحق وهو الحقيقة فكيف يمكن ان يقال لرئيس عشيرة قامت بفتوحات: "احسنت ياحسن آغا"؟ واذا غُلبت تلك العشيرة وجهت الى افرادها الاهانة والتحقير؟.. ان مثل هذا التصرف يكون مجانباً للحق تماماً ومعاكساً له.
وهكذا فان ذلك المدعي العام الذي قام باتهامي قد جانب الحق والحقيقة وجانب الصواب، ومع ذلك فهو بزعمه قد حكم باسم العدالة.
وعلى مثال خطأ هذا الشخص فقد جاءني قبيل الحرب العالمية السابقة في مدينة "وان" بعض الاشخاص المتدينين والمتقين وقالوا لي:
"هناك بعض القواد تصدر منهم اعمال ضد الدين. فاشترك معنا لاننا سنعلن العصيان عليهم".
الشعاع الرابع عشر - ص: 422
قلت لهم:
"ان تلك الاعمال اللادينية وتلك السيئات تعود الى أمثال اولئك القواد. ولايمكن ان نحمّل الجيش مسؤوليتها، ففي هذا الجيش العثماني قد يوجد مائة الفٍ من اولياء الله. وانا لا استطيع ان امتشق سيفي ضد هذا الجيش، لذا لا استطيع ان اشترك معكم". فتركني هؤلاء، وشهروا اسلحتهم، وكانت النتيجة حدوث واقعة "بتليس" 1 التي لم تحقق اي هدف. وبعد قليل اندلعت الحرب العالمية، واشترك ذلك الجيش في تلك الحرب تحت راية الدين ودخل حومة الجهاد، فارتقت منه مئات الالاف من الشهداء الى مرتبة الاولياء، فقد وقعوا بدمائهم على شهادات الولاية. وكان هذا برهاناً وتصديقاً على صحة سلوكي وصواب تصرفي في تلك الدعوى.
على اية حال.. لقد اضطررت الى الاطالة قليلاً وقد ساقتني اليها تصرفات المدعي العام العجيبة والمتسمة بالاهانة تجاهي وتجاه رسائل النور، مع ان من الواجب عند من يتكلم باسم العدالة الاّ يسمح لأية عواطف شخصية ولا لأية مؤثرات خارجية بالتأثير عليه وجرّه الى الخطأ وان كان جزئياً او الى عدم الحياد والى الحكم بانفعالات شخصية ونفسية.
الاساس الرابع:
بعد ان قامت محكمة "اسكي شهر" بتدقيق مئات الرسائل والخطابات طوال اربعة اشهر، اعطت حكماً بالسجن ستة اشهر لخمسة عشر شخصاً فقط من بين مائة وعشرين متهماً. اما بالنسبة لي فقد حكم عليّ بالسجن سنة واحدة. فمع انهم دققوا مائة رسالة (من رسائلي) فلم يجدوا فيها شيئاً سوى خمس عشرة كلمة في رسالة او في رسالتين. وصدر القرار ببراءتي في مسائل تشكيل الطرق الصوفية والجمعيات السياسية وفي موضوع القبعة، وقد قضينا مدة الحكم في السجن. وبعد ذلك وفي "قسطموني" لم يجدوا شيئاً لادانتي مع انهم تحروا وبحثوا وفتشوا كثيراً ولعدة مرات. وقبل سنوات وضعت الحكومة يدها في "اسبارطة" على جميع اجزاء رسائل
_____________________
1 عصيان قامت به العشائر الكردية المحيطة بمدينة بتليس ضد حكم الاتحاد والترقي قبيل الحرب العالمية الاولى. - المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 423
النور بلا استثناء، العلنية منها والسرية الخاصة، وبعد تدقيق هذه الرسائل لمدة ثلاثة اشهر اعادتها الى اصحابها. وبعد عدة سنوات بقيت جميع الرسائل تحت تدقيق محكمة "دنيزلي" ومحكمة "انقرة" لمدة سنتين، ثم اعيدت جميعها الينا. اذن فما دامت هذه هي الحقيقة فان القيام باتهامي واتهام رسائل النور وطلبة رسائل النور من قبل اناس يتكلمون باسم القانون ولكنهم يتصرفون بحقد ويلوموننا تحت تأثير اهواء ومشاعر شخصية وبشكل غير قانوني، لايعني اتهامنا فقط بل يعني قبل ذلك اتهام محكمة "اسكي شهر" وكذلك اتهام محكمة "قسطموني" واتهام موظفي الامن في تلك الولاية، ويعني ايضاً اتهام جهاز العدالة في "اسبارطة" وكذلك محكمة "دنيزلي" ومحكمة الجنايات الكبرى في انقرة، اي انهم يقومون باشراك كل هذه المؤسسات معنا في الذنب (ان كان لنا اي ذنب). لانه لو كان لنا اي ذنب فمعنى ذلك ان الجهات الامنية في تلك الولايات الثلاثة او الاربعة لم تستطع ان ترى شيئاً رغم مراقبتها الدقيقة، او انها رأت ولكنها اغمضت عيونها، كما ان تلك المحكمتين لم تستطيعا معرفة ذلك مع قيامهما بالفحص الدقيق طوال سنتين او انهما لم يقرآ باهتمام. اذن فان هذه الجهات تكون هي المتهمة اكثر مما نكون نحن. هذا علماً بانه لو كانت لدينا رغبة في التوجه الى الامور الدنيوية، لما كان الصوت الصادر منا مثل طنين الذباب، بل لكان صوتاً هادراً كدويّ المدافع.
اجل ان رجلاً دافع بكل شدة وصلابة دفاعاً مؤثراً ودون خوف او وجل امام المحكمة العرفية العسكرية التي انعقدت بسبب احداث 31 مارت 1، وفي مجلس المبعوثان دون ان يبالي بغضب مصطفى كمال وحدّته.. كيف يتهم هذا الشخص بانه يدير سراً خلال ثمانى عشرة سنة ودون ان يشعر به احد مؤامرات سياسية؟ ان من يقوم بمثل هذا الاتهام لاشك انه شخص مغرض. وكما امّلنا من المدعي العام لمحكمة "دنيزلي" فاننا نأمل من المدعي العام لمحكمة "افيون" ان ينقذنا من اعتراضات هؤلاء المغرضين ومن احقادهم، وان يُظهر وجه العدالة وحقيقتها.
_____________________
1 حوادث 31مارت: هي حركة تمرد في الجيش عام 1909م تسببت في اندلاعها جماعة الاتحاد والترقي واتهموا السلطان عبد الحميد باثارتها كمبرر لعزله، مع ان السلطان نفى هذا الاتهام وطلب تشكيل لجنة تتقصى الحقائق الا ان الاتحاديين رفضوا ذلك وعزلوا السلطان(المترجم).

الشعاع الرابع عشر - ص: 424
الاساس الخامس:
ان من الدساتير الاساسية لطلبة النور هو عدم التعرض قدر الامكان للسياسة ولأمور الحكومة وشؤونها واجراءاتها، ذلك لان القيام بخدمة القرآن باخلاص يكفيهم ويغنيهم عن اي شئ آخر. ثم ان الداخلين الآن ساحة السياسة مع وجود تيارات قوية سائدة لايستطيع احد منهم ان يحافظ على استقلاليته وعلى اخلاصه، لان تياراً من هذه التيارات سيجره اليه ويجعله يعمل لحسابه ويستغله في مقاصده الدنيوية، مما يؤدي الى الاخلال بقدسية عمله وخدمته. ثم ان اشد انواع الظلم مع اشد انواع الاستبداد قد اصبحا دستوراً وقانوناً من قوانين الصراع والنزاع المادي في هذا العصر، وهذا يعني ان كثيراً من الابرياء يذهبون ضحية خطأ فرد واحد، او يقع هذا الفرد مغلوباً على امره. عند ذلك يتوهم من هجر دينه من اجل دنياه او جعل دينه وسيلة لدنياه ان حقائق القرآن المقدسة - التي لاينبغي ان تستغل لاي شئ - قد تم استغلالها في ساحة الدعاية السياسية. ثم ان افراد الامة بجميع طبقاتها.. المعارضين منهم او المؤيدين، الموظفين منهم او العامة.. جميعهم لهم حصة في تلك الحقائق القرآنية وهم بحاجة اليها، لذا كان على طلبة النور ان يبقوا محايدين تماماً، وكان من الضروري لهم عدم الخوض في السياسة وفي الصراع المادي وعدم الاشتراك فيه.
الاساس السادس:
لايجوز التهجم على رسائل النور بحجة وجود قصور في شخصي او في اشخاص بعض اخواني، ذلك لان رسائل النور مرتبطة بالقرآن مباشرة، والقران مرتبط بالعرش الاعظم. اذن فمن ذا يجرأ ان يمد يده الى هناك، وان يحل تلك الحبال القوية؟ ثم ان رسائل النور لايمكن ان تكون مسؤولة عن عيوبنا وعن قصورنا الشخصي، لايمكن هذا ولايجوز ان يكون ابداً، حيث ان بركتها المادية والمعنوية وخدماتها الجليلة لهذه البلاد قد تحققت باشارات ثلاث وثلاثين آية قرآنية وبثلاث كرامات غيبية للامام علي رضى الله عنه وبالاخبار الغيبي للشيخ الكيلاني قدس سره. والا فان هذا البلد سيواجه خسائر واضراراً مادية ومعنوية لايمكن تلافيها.
وسيرتد كيد الاعداء الخفيين لرسائل النور من الملاحدة الى نحورهم وستفشل باذن الله الخطط الشيطانية التي يحوكونها والحملات التي يشنونها عليها. ذلك لان طلبة النور ليسوا مثل الآخرين، فبعون الله تعالى وعنايته لايمكن تشتيتهم ولاحملهم

عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:45 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 425
على ترك دعوتهم ولا التغلب عليهم. ولو لم يكن القرآن مانعاً عن الدفاع المادي فان طلبة النور - الذين كسبوا محبة جماهير هذه الامة وتقديرها، هذا التقدير الذي يُعد شيئاً حيوياً جداً في الامة - والذين هم متواجدون في كل مكان، لن يشتركوا في حادثة جزئية كحادثة الشيخ سعيد او حادثة (منمن) 1 اذ لو وقع عليهم - لاسمح الله - ظلم شديد الى درجة الضرورة القصوى وهوجمت رسائل النور فان الملاحدة والمنافقين الذين خدعوا الحكومة سيندمون لامحالة ندماً شديداً..
والخلاصة انه مادمنا لانتعرض لدنيا اهل الدنيا، فيجب عليهم الا يتعرضوا لآخرتنا ولا لخدماتنا الايمانية.
* * *
[ ادرج فيما يلي خاطرة قديمة وقصة دفاع لطيفة حول محكمة "اسكي شهر" بقيت مخفية حتى الآن ولم تدرج في المضابط الرسمية للمحكمة كما لم ترد في دفاعي امام تلك المحكمة ].
سألوني هناك:
- مارأيك حول النظام الجمهوري؟. فقلت لهم:
- تستطيعون ان تتأكدوا من كتاب "السيرة الذاتية" الموجود لديكم بانني كنت شخصاً متديناً ومن انصار النظام الجمهوري. وذلك قبل ان تأتوا انتم الى الدنيا.. هذا باستثناء رئيس المحكمة المتقدم في العمر. وخلاصة ذلك انني كنت آنذاك منزوياً - كحالي الآن - تحت قبة مقبرة (ضريح) خالية، فكانوا يأتون لي بالحساء، وكنت اقوم باعطاء حبات الحساء الى النمل واكتفي بغمس الخبز في سائل الحساء. سألوني عن السبب فقلت: ان امة النمل وكذلك النحل تعيش في نظام جمهوري، وانا اعطي الحبات للنمل احتراماً لنظامها الجمهوري.
ثم قالوا: انت تخالف بذلك السلف الصالح. فاجبتهم:
- لقد كان الخلفاء الراشدون خلفاء ورؤساء جمهورية في الوقت نفسه فالصديق الاكبر (رضي الله عنه) كان دون شك بمثابة رئيس جمهورية للعشرة المبشرة
_____________________
1 هي حادثة مفتعلة في الاغلب، دبّّرت من قبل حكومة مصطفى كمال اذ ادعت ظهور تمرد اسلامي انطلق من جامع في ناحية «منمن» كان يقوده شخص مختل العقل، وقد تم التنكيل باهالي تلك المدينة بقسوة، واستغلت الحادثة لضرب الشعور الاسلامي - المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 426
وللصحابة الكرام. ولكن ليس تحت عنوان او شكل فارغ، بل كل منهم رئيس جمهورية متدين يحمل معنى العدالة الحقيقية والحرية الشرعية.
اذن فيا ايها المدعي العام ويا اعضاء المحكمة! انتم تتهمونني الآن بمعاداة فكر كنت أحمله منذ خمسين سنة.
اما ان كان سؤالكم حول الجمهورية العلمانية فان ما اعلمه هو ان معنى العلمانية هو البقاء على الحياد، فكما لاتتعرض مثل هذه الحكومة للملحدين ولاهل السفاهة بحجة حرية الضمير فيجب الا تتعرض لاهل الدين ولاهل التقوى . وانني الآن لا اعلم الاوضاع السياسية والاحوال التي تعيش فيها الحكومة الجمهورية لانني قد اعتزلت الحياة الاجتماعية منذ خمس وعشرين سنة، فان كانت قد دخلت في مرحلة مرعبة ومذهلة من العمل لحساب الملاحدة وبدأت بسن القوانين التي تدين من يعمل لآخرته ولايمانه والعياذ بالله فاني اقول لكم دون خوف او خشية انه لو كان لي الف نفس لما ترددت في التضحية بها في سبيل ايماني وفي سبيل آخرتي واعملوا انتم مابدا لكم، وسيكون آخر كلامي (حسبنا الله ونعم الوكيل).
ولو قمتم باعدامي ظلماً او بسجني مع الاشغال الشاقة فانني سارد عليكم بقولي:
انني وبفضل ما كشفته رسائل النور بصورة قاطعة لن اعدم، بل اسّرح واذهب الى عالم النور والسعادة. اما انتم يا اعداءنا المتسترين والمتخفين الذين تسحقوننا لأجل الضلالة فاقول لكم بانني متهئ لكي اسلم الروح باطمئنان وبراحة قلب. لانني اعلم وارى انه سيحكم عليكم بالاعدام الابدي وبالحبس الانفرادي المؤبد، لذا فان انتقامي منكم سيكون تاماً وكاملاً. هذا ما قلته لهم.
الاساس السابع:
استناداً الى بعض التحقيقات السطحية - التي جرت في اماكن اخرى - فقد اتهمتنا محكمة "آفيون" بالسعي لانشاء جمعية سياسية.
وانا اقول جواباً على هذا:
الشعاع الرابع عشر - ص: 427
اولاً: ان جميع من صادقني يشهد بانني لم اقرأ جريدة واحدة منذ تسعة عشر عاماً ولم استمع اليها ولم أسأل عنها وفي ظرف عشرة اعوام وخمسة اشهر لم اعرف من الاخبار سوى هزيمة المانيا والخطر الشيوعي، لم اعرف اي خبر آخر ولم يكن عندي فضول او رغبة للمعرفة.. اذن فمثل هذا الشخص لايمكن ان تكون له ادنى علاقة بالسياسة ولا الجمعيات السياسية.
ثانياً: ان رسائل النور البالغ عددها مائة وثلاثين رسالة، موجودة كلها في متناول اليد وامام الانظار، وقد اقتنعت محكمة "اسكي شهر" بانه لايوجد في رسائل النور اي هدف آخر واية غاية دنيوية عدا حقائق الايمان، لذا لم تتعرض إلا لرسالة واحدة او لرسالتين. اما محكمة "دنيزلي" فلم تتعرض لاية رسالة، كما ان جهاز الامن الضخم في "قسطموني" بالرغم من قيامه بالترصد والمراقبة الدائمة طوال ثمانية اعوام لم تجد من يتهمه سوى شخصين كانا يعاونانني في شؤوني وثلاثة اشخاص آخرين باسباب واهية، وهذا حجة قاطعة بان طلاب النور لايشكلون باي حال من الاحوال جمعية سياسية. اما ان كان مفهوم الجمعية عند الادعاء العام هو جماعة ايمانية تعمل لآخرتها. فاننا نقول جواباً له: لو قمتم باطلاق تسمية الجمعية على طلاب دار الفنون - الجامعة - وعلى اصحاب كل مهنة من المهن عند ذاك يمكن اطلاق اسم الجمعية - بهذا المفهوم - علينا. اما ان كان المقصود هو جماعة تقوم بالاخلال بالامن الداخلي ببواعث دينية فاننا نرد على ذلك بان عدم تورط طلاب النور طوال عشرين سنة باية حادثة مخلة بالامن الداخلي في اي مكان، وعدم تسجيل اي شئ ضدهم في هذا الخصوص لامن قبل الحكومة ولامن قبل المحاكم، لدليل ساطع على بطلان هذه التهمة. اما ان كنتم تتوهمون ان تقوية المشاعر الدينية ستؤدي في المستقبل الى الاخلال بالامن الداخلي وان هذا هو ما تقصدونه من توجيه تهمة الجمعية الينا فاننا نقول:
اولاً: ان جميع الوعاظ (وعلى رأسهم رئاسة الشؤون الدينية) يؤدون الخدمات نفسها.
ثانياً: ان طلبة النور ليسوا بعيدين فقط عن الاضرار بالامن والاخلال بالاستقرار بل انهم يعملون بكل قواهم وبكل قناعاتهم لحفظ الامة من الفوضى والفتن ويحاولون
الشعاع الرابع عشر - ص: 428
بكل جهدهم تأمين الاستقرار والامن، والدليل على هذا هو ما جاء في الاساس الاول اعلاه.
اجل! نحن جماعة هدفنا وبرنامجنا انقاذ انفسنا اولاً ثم انقاذ امتنا من الاعدام الابدي ومن السجن البرزخي الانفرادي المؤبد ووقاية مواطنينا من حياة الفوضى والسفاهة ومحافظة انفسنا (بالحقائق القوية الفولاذية الواردة في رسائل النور) من الالحاد الذي يروم القضاء على حياتنا في الدنيا وفي الآخرة.
الاساس الثامن:
انهم يقومون بتوجيه التهم الينا استناداً الى بعض الجمل المؤثرة الواردة في رسائل النور واستناداً الى بعض التحقيقات السطحية التي جرت في بعض الاماكن، ونقول نحن جواباً على هذا:
مادامت غايتنا محصورة في الايمان وفي الآخرة وليست في الصراع والنزاع والمبارزة مع اهل الدنيا، ومادام التعرض الجزئي القليل جداً الوارد في رسالة او رسالتين لم يكن مقصوداً من قبلنا. بل ربما ارتطمنا بهم عرضاً ونحن نسير نحو هدفنا، لذا لايمكن عدّه غرضاً سياسيا. ومادامت الاحتمالات والامكانات تعد شيئاً والوقائع شيئاً آخر. ذلك لان الاتهام الموجه ليس في اننا قمنا بالاخلال بالامن بل هو "يحتمل" او من الممكن ان نخل بالامن، وهو اتهام باطل ولامعنى له، ويشبه اتهام اي شخص باقتراف جريمة قتل لان من الممكن ان يقوم بذلك. علماً ان المحاكم في "اسكي شهر" وفي "قسطموني" وفي "اسبارطة" وفي "دنيزلي" لم تستطع العثور (بالرغم من تدقيقها الشديد) على اي دليل اتهام في الاف النسخ من الرسائل والمكاتيب المتبادلة بين عشرات الالاف من الاشخاص طوال عشرين عاماً. ومع ان محكمة "اسكي شهر" لم تعثر على شئ سوى رسالة صغيرة، فاضطرت باستعمال مادة قانونية مطاطة الى إلقاء المسؤولية علينا، ومع انها تصرفت بشكل يدين كل من القى درساً دينياً الا انها مع ذلك لم تستطع الا اصدار الحكم بادانة خمسة عشر شخصاً فقط من بين مائة شخص ولمدة ستة اشهر، ولو افترضنا ان شخصاً مثلنا كان بينكم وتم القيام
الشعاع الرابع عشر - ص: 429
بتدقيق عشرين رسالة من رسائله الخاصة التي كتبها في ظرف سنة واحدة.. لو تم هذا الا يمكن العثور في هذه الرسائل على عشرين جملة تضعه في موقف حرج وفي موقف المسؤولية؟ لذا فان العجز عن العثور على عشرين جملة حقيقية تدين صاحبها من بين عشرين الف نسخة من الرسائل والمكاتيب لعشرين الف شخص طوال عشرين سنة برهان قاطع على ان الهدف المباشر لرسائل النور هو الآخرة، ولا علاقة لها بالدنيا.
الاساس التاسع:
لقد سجل في قرار الادعاء لمحكمة "آفيون" المواد التى اوردها المدعى العام المنصف لمحكمة "دنيزلى"، وحكام التحقيق غير المنصفين والسطحيين فى اماكن اخرى - وبدلالة ما عوملنا من معاملات اثناء التحقيق، والمواد هى نفسها وابرزت المكاتيب من دون تاريخ يذكر، والمراسلات التى تمت خلال عشرين او خمس عشرة سنة او عشر سنوات، فتلك المواد اجيب عنها في الاساس الثالث والسؤال الثانى فى ادعائى، والتى تدور حول الشعاع الخامس والرسائل البالغة مائة وثلاثين رسالة ومكاتيب مرت بالتدقيق في محكمة "اسكى شهر" وقضينا عقابه وشملتها قوانين العفو، وبرأت ساحتها محكمة "دنيزلى" فالآن يحاولون ان يجدوا معاذير واهية من تلك الرسائل كى تكون مواد اتهام لنا.
فيا ترى ان الذى اخضع بخطاب منه ثمانى كتائب من الجيش في حادثة 31 مارت مع انهم لم يعيروا سمعاً لشيخ الاسلام ولا لكلام العلماء. هل يمكن ان يُقنع ويستغفل طوال ثمانى سنوات امثال هؤلاء الرجال فقط؟ فهل يمكن ان يقال انه تمكن فحسب من استغفال خمس رجال فى ولاية عظيمة، ولاية قسطمونى؟
فلقد اخرجتم جميع كتبى والرسائل الخاصة والسرية منها والعلنية فى "قسطمونى" وحوادث "دنيزلى". وبعد اجراء التدقيق عليها - لمدة ثلاثة اشهر - لم يعثروا فى تلك الولاية العظيمة على غير فيضى وامين وحلمى وتوفيق وصادق.
فهؤلاء الخمسة كانوا يعاونوننى في اعمالى الشخصية، ابتغاء وجه الله. وعثروا فى ظرف ثلاث سنوات ونصف السنة فى "اميرداغ" على ثلاثة اصدقاء، وبعثوهم اليّ.
الشعاع الرابع عشر - ص: 430
فلو كنت اعمل كما ورد فى تلك التحقيقات السطحية، لكنت استطيع استغفال خمسمائة شخص لا خمسة اشخاص او عشرة، بل لكنت استطيع استغفال خمسة آلاف شخص بل خمسمائة الف.
ابيّن ماقلته فى محكمة "دنيزلى" للحقيقة ولاظهار مدى خطئهم. وادناه اورد نموذجاً او نموذجين منها:
انهم يؤاخذوننا لقيامنا بجمع آيات كريمة من القرآن الكريم تعين على التفكر فى آيات الله - في الكون - تلك التى هِى منبع رسائل النور، وذلك اتباعاً لعادة اسلامية جرت منذ عصر النبوة. وسمينا مجموعة تلك الآيات: "حزب القرآن" أيمكن ان يقال لمن يقوم بمثل هذا العمل: أنهم يحرفون الدين..
ثم انى رغم مقاساتي سنة واحدة من العقاب النازل بي حول رسالة "الحجاب" التى عثروا عليها تحت اكوام الحطب والوقود، وقد استنسخت هذه السنة ونشرت.. نراهم يريدون ادانتنا بها.
ثم اننى لما اعترضت بكلمات قاسية على ذلك الشخص المعروف الذى تولى رئاسة الحكومة بانقرة، فلم يقابلنى بشئ، بل آثر الصمت. الاّ انه بعد موته اظهرت حقيقةُ حديث شريف خطأه -كنت قد كتبته قبل اربعين سنة - فتلك الحقيقة والانتقادات التى كانت فطرية وضرورية واتخذناها سرية، وعامة غير خاصة على ذلك الشخص قد طبقها المدعى العام بحذلقة على ذلك الشخص، وجعلها مدار مسؤولية علينا.
فاين عدالة القوانين التى هى رمز الامة وتذكارها وتجل من تجليات الله سبحانه، واين خاطر شخص مات وانقطعت علاقته بالدولة.
ثم اننا جعلنا حرية الوجدان والعقيدة التى اتخذتها حكومة الجمهورية اساساً لها، مدار استناد لنا. ودافعنا عن حقوقنا بهذه المادة، ولكن اتخذتها المحكمة مدار مسؤولية وكأننا نعارض حرية الوجدان والعقيدة.
الشعاع الرابع عشر - ص: 431
وفى رسالة اخرى انتقدتُ سيئات المدنية الحاضرة وبينت نواقصها، فاسند اليّ في اوراق التحقيق شئ لم يخطر ببالى قط، وهو اظهاري بمظهر من يرفض استعمال الراديو 1 وركوب القطار والطائرة . فأكون مسؤلاً عن كونى معارضاً للرقى الحضارى الحاضر.!
فقياساً على هذه النماذج، يمكن تقدير مدى بُعد المعاملة عن العدالة. نأمل الا تهتم محكمة "آفيون" لما ورد فى اوراق التحقيق من اوهام وشبهات كما لم تهتم بها محكمة "دنيزلى" العامة ومدعيها العام المنصف.
واغرب من جميع ماذكر هو: ان الطائرة والقطار والراديو التى تعتبر من نعم الله العظيمة وينبغى ان تقابل بالشكر لله، لم تقابلها البشرية بالشكر فنزلت على رؤوسهم قنابل الطائرات.
والراديو نعمة إلهية عظيمة بحيث ينبغى ان يكون الشكر المقدم لاجله في استخدامه جهازاً حافظاً للقرآن الكريم يُسمع البشرية جمعاء. ولقد قلت فى "الكلمة العشرين" ان القرآن الكريم يخبر عن خوارق المدنية الحاضرة، وبيّنا فيها عند حديثنا عن اشارة من اشارات آية كريمة، بأن الكفار سيغلبون العالم الاسلامي بوساطة القطار. ففى الوقت الذى احث المسلمين الى مثل هذه البدائع الحضارية فقد جعلها بعض المدعىن العامين لمحاكم سابقة مدار اتهام لنا وكأننى اعارض هذه الاختراعات.
ثم ان احدهم قال: ان رسالة النور نابعة من نور القرآن الكريم، اى إلهام منه، وهى وارثة، تؤدى وظيفة الرسالة والشريعة. فاورد المدعى العام معنى خطأ فاضحاً ببيانه ما لا علاقة له اصلاً وكأن "رسالة النور رسول" وجعلوا ذلك مادة اتهام لي.
ولقد اثبتنا فى عشرين موضعاً فى الدفاع وبحجج قاطعة: اننا لانجعل الدين والقرآن ورسائل النور اداةً ووسيلة لكسب العالم اجمع، ولاينبغى ان تكون وسائل قطعاً. ولا نستبدل بحقيقة منها سلطنة الدنيا كلها. ونحن فى الواقع هكذا . وهناك الوف من الامارات على هذه الدعوى.
_____________________
1 لأجل تقديم الشكر لله تجاه نعمة الراديو، وهى نعمة الهية عظمى، فقد قلت: «ان ذلك يكون بتلاوة الراديو للقرآن الكريم كي يُسمع ذلك الصوت الندي الى العالم اجمع فيكون الهواء بذلك قارئاً للقرآن الكريم» - المؤلف.

الشعاع الرابع عشر - ص: 432
ولكن يبدو من سير الادعاء لمحكمة "آفيون" وفى قرارها المبني على تحقيقات اخرى:
اننا نبتغى الدنيا ولانسعى الاّ لحبك المؤامرات وكسب حطام الدنيا ونجعل الدين اداة لمواد خسيسة تافهة ونعمل على الحط من قيمته.. فيتهموننا على هذا الاساس.
فما دام الامر هكذا فنحن نقول بكل ما نملك :
(حسبنا الله ونعم الوكيل)

سعيد النورسى

* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 433
باسمه سبحانه
تتمة الاعتراض المقدم الى محكمة "آفيون"
ان مخاطبى فى هذا الاعتراض ليس محكمة "آفيون" ولا مدعيها العام، بل اولئك الموظفين العاملين هنا وفى دائرة التحقيقات ممن تساورهم الشكوك والاوهام والاغراض الشخصية فيتخذون مواضع ضدنا مستندين الى تحقيقات ناقصة واخباريات مختلقة استند اليها مدّعون عامون ومخبرون ومتحرون فى اماكن اخرى.

اولاً: ان اطلاق اسم الجمعية - التى لا تخطر على البال - ولا اصل لها اساساً، على طلاب رسائل النور الابرياء الذين ليس لهم اية علاقة بالسياسة. ومن ثم عدّ اولئك المساكين الداخلين في تلك الدائرة ممن ليس لهم غاية غير الايمان والآخرة، انهم ناشرو تلك الجمعية واعضاؤها الفعالون ومن منتسبيها، او جعل الذين قرأوا رسائل النور او استقرأوها او استنسخوها مذنبين ودفعهم الى المحكمة.. كل هذه الامور بُعد واضح عن العدالة.
والحجة القاطعة عليها هى:
ان الذين يقرأون مؤلفات ضارة كالسم الزعاف والتي تهاجم القرآن، كمؤلفات "الدكتور دوزى" وامثاله من الزنادقة، لايعدّون مذنبين حسب دستور حرية الفكر والحرية العلمية، بينما تعدّ ذنباً قراءة وكتابة رسائل النور التى تبين الحقائق القرآنية والايمانية وتعلّمها المحتاجين اليها حاجة ماسة والمشتاقين اليها وتوضّحها لهم وضوح الشمس الساطعة!
ثم انهم اتهمونا على بضع جمل فحسب وردت في رسائل اتخذناها رسائل سرية - لئلا تفسر تفسيراً خاطئاً وذلك قبل الاعلان عنها في المحاكم - علماً ان تلك الرسائل قد دققتها محكمة "اسكى شهر" - سوى واحدة منها- واتخذت
الشعاع الرابع عشر - ص: 434
مايستوجب الامر لها، ولم تعترض الا على مسألة أومسألتين من رسالة " الحجاب" وقد اجبت عنها في عريضتى وفى إعتراضى باجوبة قاطعة. وقلنا: "ان ما فى ايدينا نور ولا نملك صولجان السياسة" واثبتنا ذلك فى محكمة "اسكى شهر" بعشرين وجهاً.
وان محكمة "دنيزلي" قد دققت جميع الرسائل دون استثناء، ولم تعترض على اية رسالة منها.. ولكن اولئك المدعين غير المنصفين قد عمموا حكم تلك الجمل المعترض عليها التى لا تتجاوز جملتين او ثلاثاً على جميع الرسائل حتى صادروا مجموعة "ذو الفقار" البالغة اربعمائة صفحة لاجل صفحات منها فقط. وجعلوا قارئى الرسائل ومستنسخيها مذنبين، واتهمونى بأننى اعارض الحكومة واتحداها. اننى اُشهد اصدقائى القريبين منى والذين يقابلوننى اشهدهم مقسماً بالله: اننى منذ اكثر من عشر سنوات لا اعرف سوى رئيسين للجمهورية ونائباً واحداً فى البرلمان ووالي قسطمونى. فلا اعرف معرفة حقيقية احداً غيرهم من اركان الحكومة ووزرائها وقوادها وموظفيها ونوابها، وليس لى الفضول لمعرفتهم. الاّ ان شخصاً او شخصين اظهرا قبل سنة علاقة نحوى فعرفت عن طريقهما خمسة او ستة من اركان الحكومة.
فهل من الممكن لمن يريد مبارزة الحكومة الاّ يعرف من يبارز. ولايتحرك فيه الفضول لمعرفتهم، ولايهتم بمن يواجههم، أهم اعداء ام اصدقاء؟
يفهم من هذه الاحوال انهم يختلقون معاذير لا اصل لها قطعاً. فمادام الامر هكذا: فاننى اقول لاولئك الظلمة غير المنصفين ولا اخاطب هذه المحكمة:
اننى لا اعير اقل اهتمام بما تعتزمون انزاله بي من عقاب، مهما بلغت درجته من الشدة والقسوة. لاننى على عتبة باب القبر، وفى السن الخامسة والسبعين من عمرى، فهل هناك سعادة اعظم من استبدال مرتبة الشهادة بسنة او سنتين من حياة بريئة ومظلومة كهذه؟
ثم اننى موقن كل اليقين ولايخالجنى ادنى شك فى ان الموت بالنسبة لنا تسريح وتأشيرة دخول الى عالم الطمأنينة والسعادة. ولنا آلاف البراهين من رسائل النور على ذلك، وحتى ان كان الموت اعداماً ظاهرياً لنا فان مشقة ساعة من الزمان تتحول بالنسبة لنا الى سعادة ومفتاح للرحمة وفرصة عظيمة للانتقال الى عالمالبقاء والخلود.

عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:46 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 435
اما انتم يا اعداءنا المتسترين ويا اولئك الذين يضللون العدالة في سبيل ارضاء الزندقة ويتسببون في خلق الاوهام الزائفة في اذهان المسؤولين في الدولة لينشغلوا بنا دون داع او سبب.. اعلموا قطعاً، ولترتعد فرائصكم، انكم تحكمون على انفسكم بالاعدام الابدى وبالسجن الانفرادى الدائم. وان انتقامنا يؤخذ منكم اضعافاً مضاعفة، فها نحن اولاء نرى ذلك ونشفق عليكم. ولاشك ان حقيقة الموت التى ظلت تفرغ هذه المدنية مائة مرة الى المقابر، لابد ان تكون لها غاية ومطلب فوق غاية العيش والحياة. وان محاولة الخلاص من براثن ذلك الاعدام الابدى هى قضية فى مقدمة القضايا الانسانية ، بل هى من اهم الضروريات البشرية واشدها إلحاحاً.
فما دامت هذه هى الحقيقة، أفليس من دواعى العجب والغرابة ان يتهم نفر من الناس طلاب رسائل النور - الذين اهتدوا الى ذلك السر وعثروا على تلك الحقيقة - ويلصقوا اتهامات باطلة برسائل النور التى اثبتت تلك الحقيقة نفسها بالاف الحجج والبراهين؟ ان كل من له مسكة من عقل - بل حتى لو كان مجنوناً - يدرك تمام الادراك بان اولئك النفر باتهاماتهم تلك انما يضعون انفسهم موضع الاتهام امام الحقيقة والعدالة.
ان هناك ثلاث مواد توهم بوجود جمعية سياسية لا علاقة لنا بها اصلاً، هى التى خدعت هؤلاء الظلمة.
اولاها: العلاقة الوطيدة التى تربط طلابى منذ السابق، قد اوحت لهم وجود جمعية.
الثانية: ان بعضاً من طلاب رسائل النور يعملون باسلوب جماعى كما هو لدى الجماعات الاسلامية الموجودة فى كل مكان والتى تسمح بها قوانين الجمهورية ولاتتعرض لها؛ لذا ظن البعض فيهم انهم جمعية، والحال ان نية اولئك الافراد القليلين ليس تشكيل جمعية او ماشابهها، بل هى اخوة خالصة وترابط وثيق اخروي بحت.
الثالثة: ان اولئك الظلمة يعرفون انفسهم انهم قد غرقوا فى عبادة الدنيا وضلوا ضلالاً بعيداً ووجدوا بعض قوانين الحكومة منسجمة معهم، لذا يقولون مايدور فى ذهنهم: ان سعيداً ورفقاءه معارضون لنا ولقوانين الحكومة التي تساير اهواءنا، فهم اذن جمعية سياسية.
الشعاع الرابع عشر - ص: 436
وانا اقول: ايها الشقاة!
لو كانت الدنيا ابدية خالدة، ولو كان الانسان يظل فيها خالداً، ولو كانت وظائفه منحصرة فى السياسة وحدها، ربما يكون لفريتكم هذه معنى. ولكن اعلموا اننى لو دخلت العمل من باب السياسة لكنتم ترون الف جملة وجملة صيغت باسلوب التحدى السياسي، لا عشر جمل فى رسالة. ولنفرض فرضاً محالاً اننا نعمل - كما تقولون - ما وسعنا لمقاصد دنيوية وكسب متعها الرخيصة والحصول على سياستها - ذلك الفرض الذى لم يحاول الشيطان ان يقنع به احداً - فما دامت جميع وقائعنا طوال عشرين سنة لا تُبرز شيئاً لملاحقتنا، اذ الحكومة تنظر الى كسب الشخص لا الى قلبه، والمعارضون موجودون فى كل حكومة بشكل قوي. فلا شك انكم لا تستطيعون ان تجعلونا فى موضع التهمة بقوانين العدالة.
كلمتى الاخيرة:
(حسبى الله لا اله الاّ هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)

سعيد النورسي
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 437
"
حادثة غير قانونية"


بعد براءتنا من محكمة "دنيزلى" ورغم اعتزالى الناس وانسحابى الى الاعتكاف طوال ثلاث سنوات تاركاً السياسة كلياً، فان هذه الحادثة الجديدة التى افضت بنا الى سجن "آفيون" لاتمت الى القانون بشئ بل غير قانونية بعشرة وجوه:
الاول:
ان رسائل النور قد مرت بثلاث محاكم وثلاث هيئات للخبراء ومن سبع مراجع مسؤولة فى "انقرة" وعندكثير من مدققى العدلية فى ظرف سنتين.. فاتفقوا كلهم من دون استثناء على براءة جميع الرسائل وبراءة "سعيد" ومن معه من اصدقائه البالغ عددهم خمسة وسبعين شخصاً. ولم يعاقبوا حتى بجزاء يوم واحد. وعلى الرغم من هذا فان تجاوزهم على تلك الرسائل وكأنها اوراق مخلة بامن البلد، يجعل كل من يملك مسكة من الانصاف ان يدرك مدى خروج الامر عن القانون.
الثاني:
ان الذي ظل فى الانزواء والاعتكاف فى "اميرداغ" طوال ثلاث سنوات بعد البراءة، وعاش غريباً. حتى ان بابه كان يغلق من الداخل والخارج معاً ولايقبل احداً من الناس لمقابلته الاّ للضرورة القصوى، والذى تخلى حتى عن التأليف الذى كان مستمراً عليه طوال عشرين سنة، يأتى المتحرون ويكسرون قفل الباب ويداهمون غرفته اجراءاً لسياسة دنيوية!.
الشعاع الرابع عشر - ص: 438
الثالث:
انه كما قال فى المحكمة: ان من لم يهتم باخبار الحرب العالمية - بشهادة سبعين شاهداً - ولم يستفسر عنها، ومازال مستمراً على حاله ولم يقرأ اية صحيفة كانت منذ خمس وعشرين سنة ولم يستمع اليها والذى قال:
"اعوذ بالله من الشيطان والسياسة" منذ ثلاثين سنة، ونفر من السياسة بكل مالديه من قوة، وقاسى ما قاسى من العذاب طوال اثنين وعشرين عاماً.. ولم يراجع ولولمرة واحدة الدوائر الحكومية - لضمان راحته - دفعاً لجلب الانظار اليه حيث انه لا يتدخل بالامور السياسية.. فعلى الرغم من كل هذا أيوافق القانون مداهمة منزله ومعتكفه وكأنه يدير المؤامرات السياسية وشد الخناق عليه بما لم ير مثله؟.. ان من يملك وجداناً ولو بمثقال ذرة يتألم على هذا الوضع.
الرابع:
بعد تدقيق دام ستة أشهر في محكمة "اسكي شهر" تمت تبرئة رسائل النور من تهم محاولة تشكيل جمعية سياسية او تأسيس طريقة صوفية. ومع ان الرئيس الكبير 1 حرض بعض افراد وزارة العدل وموظفيها مدفوعاً الى ذلك باوهامه وبحقده الشخصي، الا ان رسائل النور بُرئت من تهمة تشكيل اية جمعية واية طريقة صوفية، هذا ماعدا رسالة "الحجاب" (التي تعد جزءاً صغيراً فقط من رسائل النور) حيث جعلوها تكأة وحجة - ليست قانونية بل بقناعة شخصية ووجدانية - مما ادى هذا الأمر الى الحكم بالسجن لمدة ستة أشهر لعدد من طلاب النور لايتجاوز عددهم عشرة طلاب من بين مائة منهم. ولما كان هؤلاء موقوفين منذ اربعة أشهر ونصف حتى موعد فحص الرسائل وتدقيقها فانهم لم يسجنوا سوى شهر ونصف الشهر.
وبعد عشر سنوات قامت محكمة "دنيزلي" ايضاً بتدقيق وتمحيص جميع ماكتب من مكاتيب ورسائل ومؤلفات في عشرين سنة تدقيقاً جيداً دام تسعة اشهر - على إثر اتهام هذه المؤلفات بالتحريض على تأسيس جمعية او طريقة صوفية، وارسلت الى
_____________________
1 المقصود مصطفى كمال. المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 439
محكمة الجزاء الكبرى في "انقرة" خمسة صناديق من هذه الكتب حيث دققت تلك الرسائل والكتب سنتين اثنتين من قبل محكمة الجزاء الكبرى في "انقرة" ومحكمة "دنيزلي". واتفقت المحكمتان بالإجماع على تبرئة هذه الرسائل والكتب من التهم الموجهة اليها كتشكيل جمعية او طريقة صوفية وما شابهها من التهم 1 واعادتها الى اصحابها كما برأت سعيداً واصدقاءه. اذن كم يكون خروجاً على القانون اتهام سعيد باعتباره "رجلاً سياسياً يسعى لتشكيل جمعية" او "رجل مؤامرات" او ماشابه ذلك، وتحريض موظفي العدالة ضده باعتباره "رجل طريقة". يعلم ذلك كل من لم يمت شعوره.
الخامس:
لما كانت "الشفقة" دستور حياتي منذ ثلاثين سنة، واساس مسلكى ومسلك رسائل النور، فانني لا اتجنب التعرض للمجرمين الذين ظلموني وحدهم بل لا استطيع حتى مقابلتهم بالدعاء عليهم، وذلك لكي لا اتسبب في الحاق الضرر باي شخص برئ. بل ان هذه الشفقة هي التي منعتني من ان اتعرض - او حتى ان ادعو - على بعض الفساق بل الظالمين اللادينيين الذين اندفعوا بحقد شديد في ظلمي، ذلك لكي لا اتسبب في ضرر مادي يلحق بالشيوخ والعجائز المساكين من امثال والد ذلك الظالم او والدته، او في الاضرار بأنفس بريئة مثل اولاده. لذا فمن اجل اربع او خمس من الانفس البريئة لا استطيع التعرض لذلك الظالم الغدّار، بل اعفو عنهم أحياناً .
وهكذا فبسرّ هذه الشفقة لا اكتفي قطعاً بعدم التعرض للحكومة وللأمن فقط، بل اوصي جميع اصدقائي بذلك الى درجة ان بعض رجال الأمن المنصفين في ولايات ثلاث قد اعترفوا ان "طلاب رسائل النور" هم رجال أمن معنويون، لانهم يحافظون
_____________________
1 ان اساس رسائل النور وهدفها هو اظهار الحقيقة القرآنية والعمل من اجل "الايمان التحقيقي "؛ لذا فقد حصلت على قرار بالتبرئة عن تهمة تشكيل طريقة صوفية من ثلاث محاكم. ثم انه ما من شخص ادعى خلال عشرين سنة ان "سعيداً أعطاني اذنا بالدخول والانتساب الى طريقة صوفية ". ثم انه لايجوز ان يكون انتساب اكثرية اجداد هذه الامة منذ الف عام الى مسلك معين سبباً في اتهامه او تحميله مسؤولية ما. ثم ان المنافقين المتسترين يلصقون اسم "الطريقة " على حقيقة الاسلام. فلا يٌتهم كل من يتصدى للدفاع عن دين هذه الأمة بأنه صاحب "طريقة ". اما تهمة الجمعية، فالذي عندنا هو اخوة اسلامية هدفها اخوة اخروية، وليست جمعية سياسية، لذا فقد اصدرت محاكم ثلاث قراراتها بالتبرئة ايضاً من هذه التهمة. - المؤلف.

الشعاع الرابع عشر - ص: 440
على الامن وعلى النظام. وهذه حقيقة يشهد عليها آلاف الشهود، ويصدقها فترة حياة تمتد عشرين سنة ومع طلاب يبلغ عددهم الالاف، لم يسجل رجال الامن اية حادثة منهم تمس الأمن. ومع وجود كل هذه البراهين فقد اقتحموا بيت هذا الضعيف وكأنه رجل ثورة ورجل مؤامرة وعاملوه دون انصاف من قبل هؤلاء الاشخاص الغلاظ وكانه سفاح ارتكب مائة جريمة (مع انهم لم يجدوا شيئاً في منزله) وقاموا بمصادرة نسخة نادرة من القرآن المعجز واللوحات الموجودة فوق رأسه وكانها اوراق ضارة.
ترى ايّ قانون يجيز مثل هذه التصرفات ضد آلاف الاشخاص المتدينين الذين حافظوا على الأمن بحُسن خلقهم؟ واية مصلحة في تحريض هؤلاء ودفعهم بالقوة للوقوف ضد الامن والنظام؟
السادس:
بفضل من الله تعالى انني رجل عرف من فيض القرآن منذ ثلاثين سنة كيف ان الشهرة المؤقتة والفانية للدنيا وجاهها المتسم بالانانية والأثرة، وعبادة الشهرة والصيت فيها، أمر لا فائدة ولاخير منه ولا معنى له، فألف حمد وشكر لله، لذا فقد حاول منذ ذلك الحين وبكل جهده الصراع مع نفسه الامارة، ومع ان اصدقاءه والذين خدموه يعلمون علم اليقين ويشهدون بأنه قام بكل ما في وسعه لكسر شوكة نفسه والتخلص من انانيته وتجنب النفاق والتصنع، وقد حاول منذ عشرين سنة معارضة كل الذين اثنوا عليه ومدحوه وتوجهوا نحو شخصه مدفوعين بحسن الظن الذي تهش له نفس كل انسان، وخالف كل الذين رأوه أهلاً لمقامات معنوية، بل فرّ منهم بكل ما يملك من قوة، وردّ حسن الظن المفرط الذي يحمله اصدقاؤه القريبون اليه وخلاّنه الخاصون الى درجة انه آلمهم وجرح شعورهم، وفي رسائله الجوابية لم يقبل أبداً مديحهم وحسن ظنهم الزائد عن الحد في حقه، إذ نسب كل الفضيلة الى رسائل النور التي هي عبارة عن تفسير للقرآن الكريم ولم ينسبها لنفسه بل حرمها من الفضائل ووجه طلاب رسائل النور للتعلق بالشخصية المعنوية لرسائل النور وَعدّ نفسه مجرد خادم عادي للقرآن الكريم، وهذا يثبت اثباتاً قاطعاً بانه لم يسع ابداً لإبراز شخصه وتحبيب نفسه بل رد ذلك.
الشعاع الرابع عشر - ص: 441
ومع ذلك فهل هناك قانون يسمح بتحميل اية مسؤولية عليه ويسمح بالهجوم على دار هذا الشخص الغريب والمريض والمنزوي في غرفته والمتقدم جداً بالعمر والذي لا حول له ولاقوة، والقيام بكسر قفل داره ودخول موظفي التفتيش الى غرفته وكأنه مجرم عتيد، وذلك لمجرد ان بعض اصدقائه البعيدين عنه مدحوه خلافاً لرغبته واثنوا عليه ثناءً يزيد عن حقه ورأوه اهلاً لمقام معنوي لما يحملونه من حسن ظن مفرط، ثم لقيام واعظ لايعرفه في مدينة "كوتاهية" بالتفوه ببعض الكلمات في حقه؟ !.
ومع انني لم ارسل اية رسالة الى تلك المدينة، الا انه تمت كتابة رسالة وضع عليها توقيع مزور لي، مما دعا الى توهم مسؤوليتي عنها، ، وكذلك وجود كتاب مؤثر لايعرف كاتبه في مدينة "باليكسر"... أهذه الأمور تسمح لهم باقتحام الدار والتفتيش فيها؟... مع انهم لم يجدوا في الدار سوى الاوراد وسوى اللوحات... اي قانون في الدنيا واية سياسة فيها تسمح بمثل هذا الهجوم؟
السابع:
في مثل هذا الوقت الذي توجد فيه كل هذه التيارات الحزبية الفوارة في الداخل وفي الخارج، اي في الوقت الذي تهيأت له فرصة الاستفادة، اي فرص كسب سياسيين عديدين الى جانبه بدلاً من افراد معدودين من اصدقائه، فانه كتب الى جميع اصدقائه قائلاً لهم: "اياكم والانجراف في التيارات او الدخول الى معترك السياسة واياكم والاخلال بالأمن" وذلك لتجنب التدخل كلياً في السياسة والاضرار باخلاصه وتجنب جلب انظار الحكومة عليه والابتعاد عن الانشغال بالدنيا.
وقد قام التيار السابق نتيجة لأوهامه بمد يد السوء والضرر اليه جراء تجنبه هذا. اما التيار الجديد فلإدعائه: "انه لا يساعدنا ولايتعاون معنا". وقد سببا له ضيقاً وكرباً شديدين ولكنه مع هذا لم يتدخل ابداً في دنيا أهل الدنيا، بل انشغل بامور آخرته الى درجة انه لم يرسل الى اخيه الموجود في قرية "نورس" رسالة واحدة طوال اثنتىن وعشرين سنة ولم يرسل لاصدقائه في تلك المحافظات عشر رسائل طوال عشرين عاماً... فاي قانون يسمح اذن بالتعرض لهذا الشخص الضعيف المنشغل بآخرته مثل هذا التعرض؟
الشعاع الرابع عشر - ص: 442
وفي الوقت الذي لايتعرض أحد ضد انتشار كتب الملاحدة، وهي كتب ضارة جداً للبلاد وللأمة وللاخلاق، ولا لمطبوعات الشيوعيين، وذلك باسم قانون الحرية. فانه تتم مصادرة اجزاء رسائل النور وكأنها اوراق ضارة وتقدم الى المحكمة. هذا مع ان ثلاث محاكم لم تجد في هذه الرسائل اي أمر مضر، فهي تدعو منذ عشرين سنة الى خير الحياة الاجتماعية لهذه البلاد ولهذه الامة وتقوية اخلاقها وترسيخ أمنها، والى تقوية الاخوة الاسلامية مع العالم الاسلامي، هذه الأخوة التي تعد ركن استناد وقوة حقيقية، والى اعادة صداقة هذا العالم الاسلامي لهذه الامة وتقويتها بصورة مؤثرة. وقد امر وزير الداخلية علماء رئاسة الشؤون الدينية بتدقيق رسائل النور بغية نقدها، وبعد ثلاثة أشهر من التدقيق لم تقم بنقدها، بل ادركت قيمتها حق الادراك وذكرت بانها "مؤلَّف ذو قيمة كبيرة" ووضعت رسائل أمثال "ذو الفقار" و"عصا موسى" في مكتبتها. كما شاهد الحجاج مجموعة رسائل "عصا موسى" في الروضة الشريفة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
فهل هناك قانون او ضمير او انصاف يسمح بمصادرة رسائل النور وجمعها وتقديمها الى المحكمة؟.
الثامن:
بعد اثنتين وعشرين سنة من النفي غير المبرر والمتسم بالضنك، وبعد ان اعيدت له الحرية فانه لم يشأ الذهاب الى بلده الذي ولد فيه حيث يوجد الالاف من أهله واحبائه، بل اختار حياة الغربة والعزلة لكي لا يقرب من الدنيا ومن معترك الحياة الاجتماعية والسياسية، وترك الصلاة في الجامع - مع وجود ثواب كبير في صلاة الجماعة - واختار الصلاة المنفردة في غرفته... اي انه شخص يميل الى تجنب ما يبديه الناس نحوه من احترام. كما ان عشرين سنة من عمره تشهد ويشهد معها الاف من الشخصيات التركية الموقرة بانه يفضل تركيّا واحداً ذا دين وتقوى على العديد من الاكراد غير الملتزمين، كما اثبت في المحكمة ان اخاً تركيا واحداً قوي الايمان مثل "الحافظ علي" يرجح على مائة كردي.
اي ان شخصاً يتجنب لقاء الناس الا لضرورة ماسة لكي يتجنب مظاهر توقيرهم واحترامهم له، ولايذهب حتى الى الجامع، وعمل بكل جهده وعبر جميع مؤلفاته -
الشعاع الرابع عشر - ص: 443
منذ اربعين سنة - على ترسيخ الاخوة الاسلامية وعلى تنمية روح المحبة بين المسلمين، وعد الامة التركية حاملة لراية القرآن ونائلة لثناء القرآن، واحب هذه الامة حباً جماً لهذا السبب، وصرف حياته من اجلها... أيجوز ان يقول والٍ سابق في كتاب رسمي غادر حاول منه نشر دعاية معينة قصد منها اخافة اصدقائه: "انه كردي وانتم اتراك، وهو شافعي وانتم حنفيون"؟ بغية محاولة القاء الرعب في قلوب الجميع وجعلهم يحذرون منه ويتجنبونه.
ثم انني اتسائل : أهناك قانون او مصلحة في محاولة اجبار شخص منزوٍ واكراهه على لبس القبعة مع انه لم يجبره احد على تغيير قيافته طوال عشرين عاماً وخلال محكمتين اثنتين؟ هذا علماً بان القبعة رفعت عن رؤوس نصف العساكر.
التاسع:
وهنا نقطة مهمة جداً وقوية 1 ولكني اسكت عنها لانها تتعلق بالسياسة.
العاشر:
وهذا ايضا لايسمح به اي قانون، ولاتوجد فيه اية مصلحة، وانما هو عبارة عن اوهام لامعنى لها وعن مبالغات تجعل من الحبة قبة، وهو تعرض وتهجم لايقره اي قانون، وهنا ايضا نسكت لئلا نمسّ السياسة التي يحظر النظر اليها حسب مسلكنا..
وهكذا فاننا نقول ونحن امام اوجه عشرة من اوجه المعاملات غير القانونية:
(حسبنا الله ونعم الوكيل)
سعيد النورسي
* * *
_____________________
1 ان وجود النصارى واليهود في الحكومات الاسلامية، وكذلك وجود المسلمين في الحكومات النصرانية والمجوسية يدل على انه لا يمكن من الناحية القانونية التعرض لاي شخص معارض لم يتعرض بسوء الى ادارة الدولة او الى أمنها بشكل فعلي لان الاحتمالات والامكانات لايمكن ان تكون مدار مسؤولية وإلا استلزم تقديم الجميع للمحاكم على اساس احتمال قيامهم باقتراف الجرائم - المؤلف.

الشعاع الرابع عشر - ص: 444
نقاط اخرى اودّ ان اعرضها
على ادارة مدينة "آفيون" ومحكمتها وشرطتها

الاولى:
ان ظهور اكثر الانبياء في الشرق وفي آسيا وظهور اغلب الحكماء في الغرب وفي اوروبا اشارة قدرية منذ الأزل على ان الدين هو السائد وهو الحاكم في آسيا، وتأتي الفلسفة في الدرجة الثانية. وبناءً على هذا الرمز القدري، فان الحاكم في آسيا ان لم يكن متديناً فعليه - في الاقل - الاّ يتعرض للعاملين في سبيل الدين، بل عليه ان يشجعهم.
الثانية:
ان القرآن الحكيم بمثابة عقل الارض وفكرها الثاقب، فلو خرج القرآن - والعياذ بالله - من هذه الارض لجنت الارض، وليس ببعيد ان تنطح رأسها الذي اصبح خالياً من العقل باحدى السيارات وتتسبب في حدوث قيامة.
أجل ان القرآن عروة وثقى وحبل الله المتين يربط ما بين العرش والفرش، وهو يقوم بحفظ الارض اكثر مما تقوم به قوة الجاذبية، ورسائل النور هي التفسير الحقيقي والتفسير القوي لهذا القرآن العظيم، وهذه الرسائل التي اظهرت تأثيرها منذ عشرين سنة في هذا العصر وفي هذا الوطن لهذه الامة تعد نعمة إلهية كبرى ومعجزة قرآنية لاتنطفئ، لذا فليس على الحكومة التعرض لها وترويع طلابها منها ليبتعدوا عنها، بل عليها حماية هذه الرسائل والتشجيع على قراءتها.
الثالثة:
بناءً على قيام أهل الايمان الآتين بتقديم حسناتهم الى ارواح الذين سبقوهم مع دعواتهم بالمغفرة لهم فقد قلت في محكمة "دنيزلي":

عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:47 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 445
لو سأل اهل الايمان - الذين يعدون بالمليارات - في يوم المحكمة الكبرى منكم وسألوا الذين يضيقون على طلاب رسائل النور (الذين يعملون على اظهار حقائق القرآن) ويحكمون عليهم بالسجن، وقالوا:
انكم كنتم في غاية التسامح مع كتب الملاحدة والشيوعيين ومنشوراتهم باسم قانون الحرية وتسامحتم مع الجمعيات التي ربت وغذت الفوضى، ولم تتعرضوا لهم ابداً، ولكنكم اردتم ان تقضوا على رسائل النور وعلى طلابها بالسجن وبشتى وسائل التضييق، مع انهم كانوا يحاولون انقاذ الوطن والامة من الالحاد ومن الفساد وانقاذ مواطنيهم من الاعدام الأبدي.. لو سألوكم هذا فماذا سيكون جوابكم؟ ونحن ايضا نوجه هذا السؤال اليكم.. لقد قلت هذا لهم، وعند ذلك قام اولئك الذوات المحترمون الذين كانوا من اهل الانصاف والعدالة باصدار قرار بتبرئتنا واظهروا عدالة جهاز العدالة.
الرابعة:
كنت انتظر ان تستدعيني "انقرة" او "آفيون" الى لجنة الشورى وتعاطي الاسئلة والاجوبة حول المسائل الكبيرة التي أخذت رسائل النور على عاتقها القيام بها.
أجل! ان رسائل النور هي اقوى وسيلة وانجع دواء لهذه الامة في هذا البلد في سبيل اعادة الاخوة الاسلامية السابقة والمحبة السابقة وحسن الظن والتعاون المعنوي بين ثلاثمائة وخمسين مليون مسلم، وفي سبيل البحث عن وسائل هذا التعاون. ونذكر ادناه امارة واضحة على ذلك:
لقد قام في هذه السنة في مكة المكرمة عالم كبير بترجمة اجزاء كبيرة من رسائل النور الى اللغة الهندية والى اللغة العربية وارسل هذه التراجم الى الهند والى الحجاز قائلاً:
"ان رسائل النور تحاول تحقيق وحدتنا واخوتنا الاسلامية التي هي اقوى سند نستند اليها، وهي بذلك ترينا ان الامة التركية هي دائماً في المقدمة من ناحية الدين والايمان".
الشعاع الرابع عشر - ص: 446
كما كنت اتوقع ان تثار اسئلة في مسائل كبيرة كالجبال الشوامخ امثال: "ما درجة خدمة رسائل النور وطلابها ضد الشيوعية التي تحولت الى حركة فوضوية في وطننا؟ وكيف يمكن صيانة هذا الوطن المبارك وحفظه من هذا السيل الجارف المخيف؟"... كنت انتظر واتوقع هذا، فاذا بي افاجأ بمسائل تافهة لا تزن جناح ذبابة، ولاتتجاوز مسائل جزئية لاتستلزم مسؤولية، نابعة من احقاد شخصية وافتراءات مقصودة تجعل من الحبة قبة... وهكذا قاسيت من هذه الشروط والظروف القاسية آلاما لم اتجرعها حتى الآن. وقد وجهت الينا الأسئلة نفسها حول المسائل التي وجهت الينا في ثلاث محاكم سابقة والتي برأتنا منها هذه المحاكم مع اضافة مسألة او مسألتين شخصيتين تافهتين واسئلة لا معنى لها.
الخامسة:
لايمكن الوقوف امام رسائل النور ومبارزتها، لانها لاتُغلب فهي تسكّت منذ عشرين سنة اكثر الفلاسفة عناداً وتعلن حقائق الايمان كالشمس في رابعة النهار. لذا فعلى الذين يحكمون هذا البلد الاستفادة من قوتها.
السادسة:
ان التهوين من شأني بأخطائى الشخصية التي لا اهمية لها واسقاطى في نظر عامة الناس بانزال الاهانات بي، لا يضرّ رسائل النور، بل يمدّها - من جهة - اذ لو سكت لساني الفاني فان ألسنة مئات الالاف من نسخ رسائل النور لن تكفّ عن النطق، ولن تسكت عن الكلام والتبليغ، كما ان الالوف من طلبتها الاوفياء الذين منحوا قوة النطق ووضوح الحجة سيديمون تلك الوظيفة النورية القدسية الكلية ان شاء الله الى يوم القيامة، كما كان شأنهم الى الآن.
السابعة:
كما ذكرنا في دفاعاتنا امام المحاكم السابقة والتي سردنا فيها حججنا، فان اعداءنا السريين ومعارضينا الرسميين وغير الرسميين الذين خدعوا الحكومة واستغفلوها واستغلوا الاوهام والمخاوف المتسلطة على بعض اركانها ووجهوا جهاز العدالة ضدنا، إما أنهم من المخدوعين بشكل سئ جداً أو من المنخدعين أو هم يعملون لصالح
الشعاع الرابع عشر - ص: 447
الفوضويين من الذين يحاولون قلب نظام الحكم بشكل غادر، أو هم من اعداء الاسلام ومن المرتدين الذين يحاربون الحقيقة القرآنية ومن الملاحدة الزنادقة.. فهؤلاء لم يترددوا ابداً عندما حاربونا من اطلاق صفة النظام على الردة التامة، ومن اطلاق صفة "المدنية" على السفاهة والتسيب الاخلاقي الرهيب، ومن اطلاق صفة "القانون" على نظام الكفر القهري المنفلت والمرتبط بالاهواء. وهكذا استطاعوا ان يضيقوا علينا تضييقاً شديداً، واستغفلوا الحكومة وخدعوها ووجهوا جهاز العدالة للانشغال بنا دون اي داعٍ، لذا فاننا نحيل هؤلاء الى قهر القهار ذي الجلال ونلتجئ الى حصن (حسبنا الله ونعم الوكيل) ليحفظنا من شرور هؤلاء.
الثامنة:
قامت روسيا في السنة الماضية بارسال العديد من الحجاج الى حج بيت الله الحرام من اجل الدعاية واظهار الروس بمظهر من يحترمون القرآن اكثر من الامم الاخرى، ولتأليب العالم الاسلامي من الناحية الدينية ضد هذه الامة المتدينة في هذا الوطن. ثم انه نظراً للانتشار الجزئي لاجزاء كبيرة من رسائل النور في مكة المكرمة وفي المدينة المنورة وفي دمشق وحلب وفي مصر،وحيازتها على تقدير العلماء وقيامها بكسر الدعاية الشيوعية، فانها اظهرت للعالم الاسلامي بان الامة التركية واخوتهم لايزالون متمسكين بدينهم وبقرآنهم، وانها بمثابة الأخ الكبير للعالم الاسلامي وبمثابة قائد مقدام في سبيل خدمة القرآن. اي ان رسائل النور بينت هذه الحقيقة في تلك المراكز والمدن الاسلامية واظهرتها. فاذا كانت الخدمات الجليلة لرسائل النور تقابل بهذه الانواع من التضييق والالام ألا ترون من الممكن ان تحتد الكرة الارضية وتغضب؟.
التاسعة:
اورد هنا تلخيصاً لاثبات مسألة معينة اوردتها في مرافعتي امام محكمة "دنيزلي":
لو فرضنا ان قائداً رهيباً وعبقرياً استطاع بذكائه ان ينسب لنفسه جميع حسنات الجيش، وان ينسب سيئاته وسلبياته الشخصية للجيش، فانه يكون بذلك قد قلل عدد الحسنات التى هى بعدد افراد الجيش الى حسنة شخص واحد، وعندما نسب
الشعاع الرابع عشر - ص: 448
سيئاته واخطاءه الى الجيش يكون قد كثّر هذه السيئات بعدد افراد الجيش، وهذا ظلم مخيف ومجانب للحقيقة، لذا فقد قلت للمدعي العام في احدى محاكماتي السابقة عندما هاجمني لكوني وجهت صفعة تأديب لذلك الشخص 1 عندما قمت قبل اربعين سنة بشرح حديث نبوي، قلت للمدعى العام: حقاً انني اقلل من شأنه بايراد اخبار من الاحاديث النبوية، إلاّ أننى اقوم في الوقت نفسه بصيانة شرف الجيش وحفظه من الاخطاء الكبيرة، واما انت فتقوم بتلويث شرف الجيش الذي يعد حامل لواء القرآن، وقائداً مقداماً للعالم الاسلامي، وتلغي حسناته لأجل صديق واحد لك. فخضع ذلك المدعى العام للانصاف، باذن الله، ونجا من الخطأ.
العاشرة:
لما كان من المفروض ان يقوم جهاز العدالة بحفظ حقيقة العدالة وحفظ حقوق جميع المراجعين له دون اي تمييز، والعمل في سبيل الحق وباسمه وحده، فاننا نرى ان الامام علياً(رضي الله عنه) في ايام خلافته يمثل امام المحكمة مع يهودي ليتحاكما. وقد شاهد احد مسؤولي العدل ان احد الموظفين احتد وغضب على سارق ظالم وهو يقطع يده فاصدر امره بعزل ذلك الموظف في الحال، وقال آسفاً: "من خلط مشاعره الذاتية باجراء العدالة فقد اقترف ظلماً كبيراً".
أجل، ان الموظف عندما يقوم بتنفيذ حكم القانون ان لم يشفق على المحكوم فليس له ان يحتد عليه، فان فعل ذلك كان ظالماً. حتى ان احد الحاكمين العادلين قال: "ان الشخص الذي يقوم بتنفيذ قصاص القتل ان احتد وغضب اثناء ذلك التنفيذ يُعد قاتلاً".
اذن فما دامت الحقيقة الخالصة والبعيدة عن الاغراض هي التي لا بد ان تسود في المحكمة، فان من الغريب ان يتعرض طلاب النور - البريئون والمحتاجون الى من يسرّي عنهم والى تجلي العدالة في حقهم - الى اهانات ومعاملات قاسية هنا، رغم صدور قرار بتبرئتنا من ثلاث محاكم، ورغم وجود امارات عديدة لاستعداد تسعين في المائة من هذه الامة للشهادة وهذا يدل على انه لايمكن صدور اي ضرر من طلاب النور،
_____________________
1 المقصود هو مصطفى كمال اتاتورك.- المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 449
بل على العكس من ذلك فانهم يقدمون فوائد جمة لهذه الامة ولهذا الوطن، ولأننا قررنا ان نتحمل كل مصيبة وكل اهانة بكل صبر، فاننا نسكت ونحيل الأمر الى الله تعالى ونقول: "لعل في هذا الامر خيراً". ولكنني خشيت ان تؤدي هذه المعاملات الموجهة الى هؤلاء الابرياء نتيجة لتبليغات مغرضة الى قدوم البلايا، لذا اضطررت الى كتابة هذا الأمر. واذا كان هناك اي تقصير او ذنب في هذه المسألة فانه يعود الي. ولم يمد لي هؤلاء المساكين يد المساعدة إلاّ بدافع من ايمانهم ومن أجل آخرتهم ضمن مرضاة الله تعالى، ومع انهم كانوا يستحقون التقدير فان القيام بمثل هذه المعاملات القاسية تجاههم قد اغضب حتى الشتاء. ومن الغريب ايضاً والمحير أنهم ساقوا اوهام تشكيل جمعية مرة اخرى، مع ان ثلاث محاكم دققت هذه الناحية واصدرت قرارها بالبراءة. ثم انه لايوجد فيما بيننا اي امر يستدعي اتهامنا بتشكيل اية جمعية، ولم تجد المحاكم ولا رجال الأمن ولا اهل الاختصاص اية امارة حول ذلك، اذ لاتوجد بيننا سوى رابطة الاخوة الأخروية مثلما يوجد ما بين المعلم وتلاميذه وما بين استاذ جامعي وبين طلابه ومابين حافظ القرآن وتلاميذه الذين يسعون لحفظ القرآن. فالذين يتهمون طلاب النور بتشكيل جمعية عليهم ان ينظروا بنفس المنظار الى جميع اهل المهن والى جميع الطلاب والى جميع الوعاظ ايضاً، لذا فقد وجدت لزاماً علي ان ادافع عن هؤلاء الذين جئ بهم الى السجن هنا نتيجة اتهامات تافهة لا اساس لها ابداً.
ولما قمت بالدفاع ثلاث مرات عن رسائل النور التي يهتم بها هذا البلد والعالم الاسلامي والتي صدرت منها فوائد مادية ومعنوية كبيرة لهذه الامة، فساقوم بالدفاع عنها مرة اخرى منطلقا من الحقيقة نفسها، وليس هناك اي سبب يمنع دفاعي هذا ولايوجد اي قانون او اية سياسة تستطيع ان تحول بيني وتمنعني عن هذا.
اجل نحن جمعية... جمعية لها منتسبون يبلغ عددهم في كل عصر ثلاثمائة وخمسين مليوناً، وفي كل يوم يُظهر كل منتسب حرمته وتوقيره الكامل لمبادئ هذه الجمعية المقدسة بادائه الصلاة خمس مرات ويظهر استعداده لخدمة هذه المبادئ، ويهبون لمساعدة بعضهم بعضاً بادعيتهم وبمكاسبهم المعنوية حسب دستورهم المقدس (انما المؤمنون اخوة) (الحجرات:10). هانحن اولاء افراد هذه الجمعية
الشعاع الرابع عشر - ص: 450
العظيمة المقدسة، وظيفتنا الخاصة ايصال حقائق الايمان القرآنية بشكلها اليقيني الى أهل الايمان، وانقاذهم وانقاذ انفسنا من الاعدام الأبدي ومن السجن البرزخي الانفرادي، ولكن لاتوجد لنا اية علاقة بالجمعيات الدنيوية والسياسية المتسمة بالالاعيب وبالاساليب الملتوية، ولاتوجد لنا اية علاقة بلعبة الجمعيات او باية جمعية سرية مع ان هذه هي التهمة الموجهة الينا على الدوام ونحن اصلا لا نتدنى ابداً اليها.
وبعد ان قامت اربع محاكم بتدقيق هذا الأمر وتمحيصه جيداً قررت اصدار قراراتها بالبراءة.
سعيد النورسي

* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 451
تتمة ومرفق للدفاع
المقدم الى ستة مراجع في "انقرة" والى محكمة "آفيون" للجنايات الكبرى

اقول واصرح لمحكمة "آفيون" بان تحملي وصبري قد نفدا وانه يجب وضع حد لهذا الأمر. فنحن منفيون منذ إثنتين وعشرين سنة دون اي سبب، وتحت الترصد الدائم وكأن حبسي المنفرد وعزلي المطلق عن العالم لايكفي، فقد قدموني للمحاكم ست مرات وادخلوني السجن ثلاث مرات دون اي مبرر قانوني (سوى مسألتين او ثلاث) بل جراء اوهام وتوقع احتمالات، لانهم لم يجدوا في مائة رسالة من رسائل النور اي مأخذ قانوني ضدنا وعاقبوا طلاب النور بغرامات مالية بلغت مئات الالاف من الليرات، وهذا ظلم وغدر لامثيل له، وستلعن الاجيال القادمة بكل شدة مسببي هذا الظلم والقائمين به، اما يوم المحكمة الكبرى فاننا نؤمن الايمان كله بان هؤلاء الظالمين سيرمون الى جهنم وفي أسفل سافلين، وهذا ما جعلنا نجد بعض التسرية، والا فانه كان في مقدورنا ان ندافع بكل قوة عن حقوقنا.
وهكذا ففي خمس عشرة سنة دخلنا ست محاكم، وتم تدقيق رسائل النور ومكاتيبنا مدة عشرين سنة، وكانت النتيجة أننا بُرٍّئنا من قبل خمس محاكم تبرئة كاملة، اما محكمة "اسكي شهر" فلم تجد ما يوجب الادانة الا بضع جمل في رسالة صغيرة هي رسالة "الحجاب" واتخذتها عذراً، واستندت الى مادة قانونية مطاطة، واصدرت حكماً بعقوبة بسيطة ضدنا، ولكننا كتبنا في "اللائحة التصحيحية" التي قدمناها رسميا الى انقرة بعد محكمة التمييز واشرنا الى امر واحد فقط كانموذج على عدم قانونية الحكم، وقلنا:
"ان آية الحجاب التي توضح عادة من العادات الاسلامية القوية الواردة في الدستور المقدس لدى ثلاثمائة وخمسين مليونا منذ الف وثلاثمائة وخمسين عاماً.. هذه الآية الكريمة تعرضت لاعتراض احد الزنادقة، ولانتقاد المدنية؛ لذا قمت
الشعاع الرابع عشر - ص: 452
بتفسيرها والدفاع عنها متبعاً اجماع ثلاثمائة وخمسين الف تفسير 1 مقتدياً في ذلك نهج اجدادنا طوال الف وثلاثمائة وخمسين عاماً. فاذا كانت هناك عدالة في الدنيا فيجب اصدار حكم بنقض العقوبة الصادرة والحكم الصادر بحق رجل قام بمثل هذا التفسير، لكي تمسح هذه اللطخة العجيبة عن جبين جهاز العدالة في هذه الحكومة الاسلامية". وعندما قدمت هذه اللائحة التصحيحية التي كتبتها الى المدعي العام هناك اصيب بالذعر وقال:
"ارجوك! لا ضرورة لكل هذا، فعقوبتك خفيفة، والفترة الباقية قليلة جداً فلا حاجة لتقديم هذه اللائحة".
ولاشك انكم على علم بانني ادرجت نماذج اخرى عجيبة من الاتهامات ضمن الاعتراضات والدفاعات التي ارسلتها اليكم والى المراجع الرسمية في انقرة على غرار هذا الانموذج، لذا فاني اطلب من محكمة "آفيون" وآمل منها باسم العدالة اعطاء الحرية الكاملة لرسائل النور التي لها بركة وخدمة تعادل خدمة جيش باكمله في سبيل مصلحة هذه الامة وهذا الوطن. والا فان دخول بعض اصدقائي الى السجن بسببي يسوقني الى اقتراف ذنب يستحق اكبر عقوبة لكي اودع مثل هذه الحياة، فقد خطر على قلبي مايلي:
بينما كان من المفروض ان تقوم الحكومة بحمايتي وبمد يد العون والمساعدة لي، لوجود مصلحة كبيرة للامة او منفعة كبيرة للوطن في هذا الأمر، فان قيامها بالتضييق علي يشير الى ان عصابة الالحاد الخفية التي تحاربني منذ اربعين سنة والبعض من افراد عصابة الشيوعيين التي التحقت بها الآن، استطاعوا احتلال اماكن مهمة في المراكز الرسمية، وهؤلاء هم الذين يقودون الحملة ضدي. اما الحكومة فهي اما تجهل هذا الأمر او انها تسمح بذلك عن علم، وهناك امارات عديدة مقلقة حول هذا الأمر.
السيد رئيس المحكمة!
لو سمحتم فانني اود ان اطرح سؤالاً يحيرني كثيراً...
_____________________
1 لعل المقصود كلّ مؤلَّف يتناول آيات كريمة بالتفسير والتوضيح.- المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 453
لماذا يقوم اهل السياسة بتجريدي من جميع حقوقي المدنية ومن حقوقي في الحرية بل ربما من حقوقي في الحياة مع انني لم اشترك في السياسة ولم ادخل معتركها؟ لقد عاملوني وكانني سفاح خضب يديه بدماء مئات الضحايا، فوضعوني في حبس منفرد ومنعزل ثلاثة اشهر ونصف، وحاولوا اثناءها التعرض لحياتي واقدموا على تسميمي احدى عشرة مرة. وعندما اراد اصدقائي الحريصون وتلاميذي الصادقون حمايتي من شر هؤلاء منعوا اتصالهم بي، بل انهم حرموني حتى من مطالعة كتبي المباركة والخالية من اي ضرر والتي أجد الأنس معها في وحدتي وشيخوختي ومرضي وغربتي.
لقد رجوت المدعي العام ان يعطيني كتاباً واحداً من كتبي، ومع انه وعد بذلك الا انه لم يفعل، فاضطررت الى البقاء وحيداً في قاعة كبيرة ومقفلة وباردة دون اي شاغل اشغل به نفسي، واوعزوا الى الموظفين والى الخدم والحراس التعامل معي بعداوة وبخشونة بدلاً من المعاملة الحسنة التي قد اجد فيها بعض السلوان وبعض التسرية. وهاكم انموذجاً صغيراً من معاملتهم هذه:
كتبت عريضة الى المدير والى المدعي العام والى رئيس المحكمة، وارسلتها الى احد اخواني لكي يكتبها بالحروف الجديدة التي اجهلها، وفعلا تمت الكتابة وقُدمت العريضة لهم. لقد عدوا هذا جرماً كبيراً صادراً مني، فقاموا بتغطية وسد جميع نوافذ غرفتي وسمّروها، ومع ان الدخان كان يؤذيني، فانهم لم يتركوا نافذة واحدة دون تغطيتها وسدها. ومع ان انظمة السجن تقضي بالا تتجاوز مدة الحبس الانفرادي خمسة عشر يوماً، فانهم حبسوني حبساً انفرادياً مدة ثلاثة أشهر ونصف، ولم يسمحوا لاي صديق بالاتصال بي. ثم انهم أروني لائحة اتهام باربعين صفحة كتبوها وهيأوها في ثلاثة أشهر، ولانني لا اعرف الحروف الجديدة ولكوني مريضاً وذا خط ردئ، فقد رجوتهم ان يبعثوا اليّ من يقرأ هذه اللائحة مع طالبين من طلابي - من الذين يفهمون لغتي لكي يقوما بكتابة اعتراضي ودفاعي - فلم يأذنوا بذلك ولم يقبلوه وقالوا:
"ليأت المحامي لكي يقرأه". ثم لم يسمحوا حتى بذلك، بل قالوا لأحد الاخوان "اكتب اللائحة بالحروف القديمة واعطها له". ولكن كتابة تلك اللائحة لايمكن ان
الشعاع الرابع عشر - ص: 454
تتم الا في ستة أو سبعة أيام. وهكذا فبدلاً من قراءة تستغرق ساعة واحدة فقد مددوا هذا العمل الى ستة او الى سبعة ايام، وذلك لكي يمنعوا اي اتصال معي، وهذا عمل استبدادي مذهل يلغي كل حقوقي في الدفاع. ولا يتعرض سفاح ارتكب مائة جريمة وحكم عليه بالاعدام الى مثل هذه المعاملة في اية بقعة من بقاع الدنيا، والحقيقة انني في ألم شديد لانني لا اعرف اي سبب لمثل هذا التعذيب. لقد قيل لي بان رئيس المحكمة شخص عادل ورحيم، لذا فقد قمت بتقديم هذه الشكوى الى مقامكم كتجربة اولى وأخيرة.
توجد اربعة اسس في لائحة الاتهام:
الاساس الاول:
وهو الادعاء بانني شخص افخر بنفسي وامجدها. وقد رددت هذا الادعاء بكل ما املك من قوة، وكانت اللجنة المختصة في محكمة "دنيزلي" قد ذكرت انه "لو ادعى سعيد انه المهدي المنتظر لقبل كل طلابه ذلك".
الاساس الثاني:
قيامه باخفاء مؤلفاته.
يجب ألاّ تُعطى معاني خاطئة من قبل الاعداء المتسترين، لأن الإخفاء لم يكن بقصد سياسي او باي قصد يضر بأمن البلاد، ولايعد وجود جهاز طبع بالحروف القديمة عذراً لهم للهجوم علينا. اما قضية الصفعة الموجهة من "رسائل النور" الى مصطفى كمال 1 فقد عرفتْ بها ست محاكم وكذلك المراجع الرسمية في "انقرة" فلم يعترضوا عليها واصدروا قرارهم بتبرئتنا واعادوا لنا جميع كتبنا ومن ضمنها
_____________________
1 اورد الادعاء العام اتهاماً نتيجة سوء فهم فيما ورد من كرامة «رسائل النور» التي تجلى بعضها كصفعات تأديبية. إذ زعموا اننا نقول ان البلايا والزلازل التي حدثت في اثناء الهجوم على طلاب النور وعلى رسائل النور انما هي صفعات من رسائل النور... حاشا ثم حاشا، نحن لم نقل ولم نكتب هذا، بل ذكرنا في مواضع عدة مع ايراد الادلة، ان "رسائل النور" بمثابة صدقات مقبولة، لذا فهي وسيلة لدفع البلايا، فعندما يتم الهجوم على «رسائل النور» تبهت الانوار وتجد المصائب الفرصة سانحة للظهور. أجل ان مئات الحوادث والوقائع وشهادة وتصديق الآلاف من طلاب النور ترينا استحالة وجود المصادفة في توافق تلك الحوادث كما أظهرنا ذلك جزئياً في المحاكم فاننا نؤمن بشكل قاطع بان هذه التوافقات دليل على قبول رسائل النور ودليل على الكرم الالهي وهو نوع من الكرامة المهداة من القرآن الكريم الى رسائل النور.- المؤلف.

عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:47 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 455
"الشعاع الخامس". ثم ان قيامي باظهار سيئاته ليس الا من اجل صيانة كرامة الجيش. اي ان عدم محبة شخص فرد ليس إلاّ من أجل كيل الثناء الى الجيش بكل حب.
الاساس الثالث:
على الرغم من وجود مائة ألف طالب من طلاب النور واحالة مائة الف نسخة من رسائل النور الى ست محاكم في ظرف عشرين سنة، فلم تسجل لدى موظفي أمن عشر ولايات اي شئ يخل بالامن او يقلق هدوء البلد. وان عدم وجود اية مادة تشير الى هذا الاخلال لا في هذه المحاكم الست ولا عند موظفي هذه الولايات العشر لهو اكبر دليل وافضل رد على التهمة العجيبة القائلة باننا نحرض على الاخلال بالأمن.
اما بخصوص لائحة الاتهام الجديدة هذه فمن العبث القيام بالرد عليها، لانه ليس الا تكراراً لتهم سابقة سبق وان تمت الاجابة عليها عدة مرات، وسبق لثلاث محاكم اصدار قراراتها بتبرئتنا منها، وهي مسائل لا أهمية لها. ولما كان اتهامنا في هذه المسائل يُعد في الحقيقة اتهاماً لمحكمة الجنايات الكبرى في "انقرة" ولمحكمة "دنيزلي" ولمحكمة " اسكي شهر" (لان هذه المحاكم برأتنا في هذه المسائل) لذا فانني أدع الاجابة عنها لهذه المحاكم.
زد على هذا فهناك مسألتان او ثلاث مسائل اخرى:
المسألة الاولى:
مع انهم اصدروا قراراً ببراءتنا وباعادة ذلك الكتاب الينا بعد تدقيق وتمحيص تامين دام سنتين في محكمة "دنيزلي" و"محكمة الجنايات الكبرى في انقرة" فانهم يلوحون بمسالة او مسألتين واردتين في رسالة "الشعاع الخامس" بخصوص قائد 1 مات وانتهى امره كمادة اتهام ضدنا. اما نحن فنقول: ان توجيه نقد صائب كلي بحق شخص مات وانتهى امره وانقطعت صلته بالحكومة لايعد في نظر القانون ذنباً.
ثم قام مقام الادعاء باستخراج تأويل متحذلق من معنى عام وكلي، وطبق هذا في حق ذلك القائد. علماً بانه مامن قانون يعد وجود معنى في رسالة خاصة وسرية يدق على افهام العامة ولايدركها سوى واحد في المائة... ما من قانون يعد ذلك ذنباً، ثم
_____________________
1 المقصود هو مصطفى كمال (المترجم)

الشعاع الرابع عشر - ص: 456
ان تلك الرسالة شرحت تأويل الاحاديث المتشابهة بشكل رائع . وعندما نكون بصدد بيان المعنى الحقيقي لحديث وانطبق هذا المعنى بحق شخص مقصر فما من قانون يعد هذا ذنباً، خاصة وان هذا البيان موجود منذ حوالي اربعين عاماً وتم تقديمه لثلاث محاكم ولمحكمتكم، وقدم مرتين خلال ثلاث سنوات الى ستة مراجع رسمية في "انقرة" ولم يتم الاعتراض على دفاعي وعلى اعتراضاتي التي قدمت فيها اجابات قطعية.
ثم ان نقد ذلك الشخص الذي كان ضمن انقلاب ادىالى مساوئ عديدة، لا ترجع اليه وحده حسنات ذلك الانقلاب، بل ترجع الى الجيش والى الحكومة، اما هو فقد تكون له حصة واحدة منها 1 فكما ان قيامنا بنقده من زاوية سيئاته لايعد ذنباً، لايجوز القول ان ذلك يعني الهجوم على حركة الانقلاب. ويا ترى اىّ ذنب واي جريرة في ان تنتقد او تضمر عدم المحبة لرجل حوّل جامع اياصوفيا الذي هو مبعث الشرف الابدي لامة بطلة، والدرة الساطعة لخدماتها وجهادها فى سبيل القرآن، وهدية تذكارية نفيسة من هدايا سيوف اجدادها البسلاء.. حوّله الى دار للاصنام وبيت للاوثان وجعل مقر المشيخة العامة ثانوية للبنات؟
المسألة الثانية حول موجبات الاتهام في لائحة الادعاء العام:
بعدما كسبنا البراءة في ثلاث محاكم، فان بياناً رائعاً لتأويل حديث شريف (في الشعاع الخامس) قبل اربعين سنة انقذ الامة. حيث ان شيخ الاسلام - للجن والانس - "زنبللي علي افندي" قد قال: "ليس هناك اي جواز في لبس القبعة، حتى لو لبست مزاحاً". كما لم يجوّز لبسها شيوخ الاسلام وعلماؤه، مماجعل عوام اهل الايمان امام خطر حين اضطروا الى لبسها 2 إذ أصبحوا امام خيارين: إما ان يتركوا دينهم، او يقوموا بحركة عصيان

_____________________
1 بعد ان استولى مصطفى كمال على مقاليد الحكم قام بسن قوانين عديدة ضد الاسلام فالغى الخلافة والغى المدارس الدينية وقلب احرف الكتابة من الاحرف العربية الى الاحرف اللاتينية، ومنع الأذان الشرعي (اذ امر ان يكون الاذان باللغة التركية) واصدر قانون الازياء واستورد القوانين السويسرية والفرنسية. . . إلخ. وهذه تعد من مساوئ نظامه، الا ان حروب الاستقلال التي شارك فيها وقاد بعضها وانتهت بالانتصار وطرد القوات الاجنبية تعد من المحاسن، ولكن هذه المحاسن شارك فيها قواد آخرون وكانت الحصة الكبيرة فيها للقواد وللضباط الصغار وللجنود البسلاء، بينما حاولت صحفه ومصادر اعلامه ان تنسب جميع هذه المحاسن اليه واهملت الاشارة الى القواد الآخرين والجيش.- المترجم.
2 وذلك بموجب قانون الازياء الذي سنّه مصطفى كمال وأجبر الناس على لبس القبعات. - المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 457
ولكن احدى فقرات رسالة "الشعاع الخامس" ذكرت انه "ستعلو القبعةُ الرؤوس وستقول: لاتسجد، ولكن الايمان الموجود في ذلك الرأس سيجبر تلك القبعة أيضاً على السجود ويجعلها ان شاء الله مسلمة" أنقذت عوام أهل الايمان من التمرد والعصيان كما انقذتهم من التخلي عن دينهم باختيارهم. فضلاً عن انه ليس هناك قانون يطالب الاشخاص المنزوين بمثل هذه الاشياء، ان ست حكومات في ظرف عشرين سنة لم تجبرني على لبس القبعة. كما ان النساء والاطفال وائمة المساجد والموظفين في دوائرهم ومعظم القرويين غير مجبرين على لبسها، وفي الآونة الاخيرة رفعت عن رؤوس الجنود. كما ان لبس الطاقية واغطية الرأس غير ممنوع في كثير من الولايات، ورغم كل هذا فقد اصبح هذا 1 عنصر اتهام ضدي وضد اخواني. فهل يوجد في العالم كله قانون او مصلحة او اصل يعد مثل هذا الاتهام (الخالي من اي معنى) ذنباً؟
الاساس الثالث المتخذ مداراً للاتهام:
وهو زعم التحريض للاخلال بالأمن في "اميرداغ". وانا اقول رداً على هذا:
اولاً:
نشير الى الاعتراض الذي قدمتُه الى هذه المحكمة والى ست مراجع رسمية في "انقرة" بعلم هذه المحكمة واذنها، وهو اعتراض لم يرد عليه، لذا فانني أقدم الاعتراض نفسه كجواب للائحة الاتهام.
ثانياً:
يشهد كل من تكلم معي في "اميرداغ" ويشهد الاهالي وموظفو الأمن بانني بعد صدور القرار ببراءتي ابتعدت بكل قوتي - وانا قابع في انزوائي - عن المشاركة في اية سياسة دنيوية، حتى انني تركت التأليف والتراسل، فلم اكتب الا فقرتين صغيرتين حول الملائكة وحول حكمة التكرار في القرآن، ولم اكن اكتب سوى مكتوب واحد فقط في الاسبوع أحث فيه على قراءة رسائل النور، حتى انني لم ابعث لاخي المفتي - الذي كان من طلابي طوال عشرين عاماً - سوى ثلاث او اربع رسائل في ظرف ثلاث سنوات، وكان يبعث اليّ ببطاقات تهنئة العيد على الدوام، وكان يقلق علي قلقاً كبيراً. اما اخي الآخر الساكن في بلدتي فلم ابعث له طوال عشرين عاماً اية
_____________________
1 اي عدم لبس القبعة - (المترجم).

الشعاع الرابع عشر - ص: 458
رسالة ابداً، ومع ذلك نرى ان لائحة الاتهام تقوم بحذلقة لامثيل لها بتكرار الاسطوانة القديمة واتهامي بالاخلال بالامن، وبالوقوف ضد الحركة الانقلابية. ونحن نقول رداً على هذا:
ان مايزيد عن عشرين الف نسخة من رسائل النور، طوال عشرين عاماً، طالعها عشرون الفا، بل مائة الف من الناس بكل شوق وبكل قبول، ومع ذلك لم تجد ست محاكم ولم يجد رجال الأمن في عشر ولايات معنية اي شئ ضدهم. وهذا يبين بانه لو كان هناك احتمال واحد فقط من ألوف الاحتمالات ضدنا فانهم يأخذون به ويتخذون هذا الاحتمال وكأنه امر واقع لامحالة، مع انه لو كان هناك احتمال واحد ضمن احتمالين او ثلاثة، ولم يظهر اي اثر له فلا يعد ذلك الاحتمال ذنباً. حتى ان واحداً بالالف من الاحتمال غير وارد، وهناك احتمال وارد لكل شخص - ومنهم المدعي العام - وهو احتمال قيامه بقتل اشخاص عديدين، او القيام بالاخلال بالأمن خدمة للشيوعيين وللفوضويين. اذن فان النظر الى مثل هذه المبالغة في الاحتمالات وكأنها اصبحت حقيقة وواقعة واستعمالها على هذا الاساس خيانة للعدالة وللقانون. ثم ان من الطبيعي وجود معارضة لكل حكومة، وان المعارضة الفكرية لاتعد جناية. فالحكومة تأخذ بالظاهر ولاتحاسب على مافي القلوب. ونحن نخشى ان يكون الاشخاص الذين يوجهون مثل هذه التهم الباطلة في حق شخص لم يصدر منه اي ضرر ضد الوطن وضد الامة، بل كانت له فوائد وخدمات كثيرة، ولم يتدخل في شؤون الحياة الاجتماعية بل واجبروه على العيش في عزلة تامة، والذي قوبلت مؤلفاته بكل تقدير في اهم المراكز الاسلامية 1 نخشى ان يكون هؤلاء الاشخاص اداة في خدمة الشيوعية وفي خدمة الفوضوية دون ان يشعروا.
_____________________
1 في الخطأ الثمانين من الأخطاء المائة التي وقع فيها المدعي العام، نراه يقول: "ان التأويل الوارد في الشعاع الخامس يُعد خطأً " وجوابي على ذلك هو: وردت في "الشعاع الخامس " الجملة التالية: "احد التأويلات -والله أعلم - هو هذا التأويل " ومعنى هذه الجملة: "ان من الممكن ان يكون هذا هو معنى هذا الحديث الشريف ". لذا فلا يمكن من الناحية المنطقية تكذيب هذه الجملة، إلاّ عند اثبات استحالتها.
ثانياً: منذ عشرين عاماً، بل منذ اربعين عاماً لم يقم أحد برد التأويلات التي اوردناها رداً منطقياً وعلمياً سواء اكانوا من معارضي أو ممن يحاولون معارضة رسائل النور، ولم يقل احد من اولئك العلماء المعارضين "ان هذه التأويلات فيها نظر "، بل صدّقوها مع الوف من علماء طلاب النور، لذا فانني احيل الى مقامكم تقدير مدى البعد عن الانصاف عندما يرد ّهذا التأويل شخص لايعرف حتى عدد السور الموجودة في القرآن الكريم.
والخلاصة: ان معنى التأويل لحديث شريف او لآية كريمة هو: انه معنى واحد محتمل من عدة معاني محتملة وممكنة. - المؤلف

الشعاع الرابع عشر - ص: 459
هناك امارات اعلم منها ان اعداءنا الخفيين يحاولون النيل من رسائل النور والتقليل من قيمتها، فينشرون وَهْم وجود فكرة المهدية - من الناحية السياسية - فيها ويدّعون ان رسائل النور وسيلة لهذه الفكرة، ويبحثون ويدققون عسى ان يعثروا على سند لهم لهذه الاوهام الباطلة. ولعل العذاب الذي اتعرض له نابع من هذه الاوهام. وانا اقول لهؤلاء الظالمين المتسترين وللذين يسمعون لهم ويعادوننا:
حاش!... ثم حاش!... انني لم اقم بمثل هذا الادعاء، ولم اتجاوز حدي ولم اجعل الحقائق الايمانية وسيلة شخصية او اداة لنيل الشهرة والمجد، وان السنوات الثلاثين الاخيرة خاصة من عمري البالغ خمسة وسبعين عاماً تشهد وتشهد رسائل النور البالغة مائة وثلاثين رسالة، ويشهد الالاف من الاشخاص الذين صادقوني حق الصداقة بهذا.
أجل!. . . ان طلاب النور يعرفون هذا كما انني سردت الحجج التي اظهرت في المحاكم انني لم أسْعَ من اجل مقام او مرتبة لشخصي او من اجل الحصول على مرتبة او مقام او شهرة معنوية او اخروية، بل سعيت بكل ما أملك من وقوة لتوفير خدمة ايمانية لاهل الايمان، وربما كنت مستعداً لا للتضحية بالمراتب الدنيوية الفانية وحدها بل - ان لزم الأمر - بالتضحية حتى بالمراتب الاخروية الباقية لحياتي في الآخرة، مع ان الجميع يسعون للحصول على هذه المراتب، ويعلم اصدقائي المقربون بانني - ان لزم الأمر - اقبل ترك الجنة والدخول الى جهنم من اجل ان اكون وسيلة لإنقاذ بعض المساكين من أهل الايمان. وقد ذكرت هذا وبرهنت عليه في المحاكم من بعض الوجوه، ولكنهم يرومون بهذا الاتهام اسناد عدم الاخلاص لخدمتي الايمانية والنورية، ويرومون كذلك التقليل من قيمة رسائل النور وحرمان الامة من حقائقها.
أيتوهم هؤلاء التعساء ان الدنيا باقية وابدية؟ ام يتوهمون ان الجميع مثلهم يستغلون الدين والايمان في مصالح دنيوية؟ ان هذا التوهم يقودهم الى الهجوم على شخص تحدى اهل الضلالة في الدنيا وضحى في سبيل خدمة الايمان بحياته الدنيوية، وهو مستعد للتضحية بحياته الاخروية ان لزم الامر في سبيل هذه الخدمة. وانه غير مستعد لان يستبدل ملك الدنيا كلها بحقيقة ايمانية واحدة، كما صرح في المحاكم، ويقودهم الى الهجوم على شخص هرب بكل قوته من السياسة ومن جميع
الشعاع الرابع عشر - ص: 460
مراتبها المادية منها وما يشمّ منها معنى السياسة سواءً أكانت من قريب او بعيد وذلك بسر الاخلاص، وتحمّل عذاباً لامثيل له طوال عشرين عاماً، ومع ذلك لم يتنزل - حسب المسلك الايماني - الى السياسة. ثم انه يعد شخصه - من جهة النفس- اقل مرتبة بكثير من طلابه، لذا فهو ينتظر دوماً دعاءهم واستغفارهم له، ومع انه يعد نفسه ضعيفاً وغير ذي أهمية، الا أن بعض اخوانه الخلص اسندوا اليه في رسائلهم الخاصة بعضاً من فضائل النور، وذلك لكونه ترجماناً للفيوضات الايمانية القوية التي استمدوها من رسائل النور، ولم يخطر ببالهم في ذلك اي معنى سياسي، بل على مجرى العادة، ذلك لان الانسان قد يخاطب شخصاً عادياً ويقول له: "انت ولي نعمتي... انت سلطاني". اي يعطون له - من زاوية حسن الظن - رتباً عالية لايستحقها، وهي اكثر الف مرة من رتبته ومن قيمته. وكما هو معلوم فان هناك عادة قديمة جارية مقبولة - لم يعترض عليها احد - فيما بين الطلاب وبين اساتذتهم وهي قيام الطلاب بمدح مبالغ فيه لاساتذتهم قياماً منهم بحق الشكر، ووجود بعض التقاريظ والمدح المبالغ فيه في خاتمة الكتب المقبولة.. فهل يعد هذا ذنباً باي وجه من الوجوه؟ صحيح ان المبالغة تعد في جانب منها مخالفة للحقيقة، ولكن شخصاً مثلي ليس له أحد، ويعاني من الغربة ما يعاني، وله اعداء كثيرون، وهناك أسباب عديدة لكي يبتعد عنه معاونوه ومساعدوه... أفيستكثر علىّ هؤلاء البعيدون عن الإنصاف ان اشدّ من الروح المعنوية لهؤلاء المساعدين والمعاونين ضد المعارضين العديدين، وان انقذهم من الابتعاد والهرب واحول دون كسر حماستهم المتجلية في مديحهم المبالغ فيه، وان احوّل هذا المديح الى رسائل النور ولا أردهم رداً كاملاً وقاطعاً؟ وهكذا يظهر مدى ابتعاد بعض الموظفين الرسميين عن الحق او عن القانون وعن الانصاف عندما يحاولون ان ينالوا من الخدمة الايمانية التي يؤديها شخص بلغ من العمر عتياً وهو على ابواب القبر، وكأن هذه الخدمة مسخرة لغرض من اعراض الدنيا.
ان آخر ما نقول : لكل مصيبة (انا لله وانا اليه راجعون).
سعيد النورسي
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 461
ملحق
لقد ورد في ختام قرار التحقيقات الاخيرة التي أجريت من قبل محكمة التحقيقات ما يأتي:
"لقد قرر مجلس الوزراء قبل اربعة أشهر منع نشر رسالة "المعجزات القرآنية" اي "الكلمة الخامسة والعشرين" ومصادرة اعدادها من السوق نظراً لورود شرح لثلاث آيات قرآنية، وهذا الشرح يعارض القانون المدني الحالي ويصادم المدنية".
وجواباً على هذا نقول:
ان رسالة "المعجزات القرآنية" موجودة الآن ضمن رسالة "ذو الفقار" هذه الرسالة يقارب عدد صفحاتها الاربعمائة صفحة، كنت قد نشرتها رداً على انتقادات المدنية الغربية للقرآن الكريم رداً قاطعاً لايمكن جرحه او الاعتراض عليه. ويشغل هذا صفحتين منها في معرض تفسير لثلاث ايات قرآنية وموجود بصورة متفرقة في ثلاث رسائل قديمة لي. الآية الاولى كانت آية الحجاب، والآية الثانية كانت حول الإرث وهي آية (فلأمّه السدس) (النساء: 11) اما الآية الثالثة فكانت ايضاً حول الإرث وهي آية (فللذكر مثل حظ الانثيين) (النساء: 176) ومع انني قمت بشرح حِكم حقائق هذه الآيات في صفحتين اثنتين وقبل عشرين عاماً (بعضها قبل ثلاثين عاماً) شرحاً ألزم الفلاسفة، إلاّ انهم توهموا وكأنها كُتبت اليوم. وبدلاً من منع رسالة"ذو الفقار" البالغة اربعمائة صفحة فقد كان في الامكان اخراج هاتين الصفحتين فقط منها، ثم اعادتها الينا، وهذا حق قانوني لنا؛ اذ لو وجدت كلمة واحدة او كلمتان ضارتان في خطاب ما، حذفت هاتان الكلمتان وسمح بنشر ذلك الخطاب، وقياساً على هذا فاننا نطالب بحقنا هذا من محكمتكم العادلة.
ولعدم وجود إمكانية مجئ احدهم عندي ليقرأ لي لائحة الاتهام البالغة اربعين صفحة والصادرة قبل شهر فقد قرأوا هذه اللائحة لي اليوم (المصادف لليوم الحادي عشر من حزيران)... قرأوا اللائحة واستمعت انا فوجدت ان الدفاع الذي كتبته قبل
الشعاع الرابع عشر - ص: 462
شهرين وكذلك تتمة هذا الدفاع وملحقه الذي كتبته قبل شهر والذي ارسلته الى مقامكم والى ست مراجع في انقرة يرد لائحة الاتهام هذه رداً قاطعاً، لذا لا اجد اي مسوغ لكتابة دفاع جديد. ولكني احب تذكير مقام الادعاء عندكم بنقطتين او ثلاث فاقول:
ان السبب الذي حدا بي الى عدم الاجابة على هذه اللائحة يعود الى انني لم أشأ ان اطعن في كرامة ثلاث محاكم عادلة اصدرت قراراتها ببراءتنا ولم أشأ ان أخونها. ذلك لان تلك المحاكم حققت بشكل دقيق جميع الاسس الواردة في لائحة الاتهام هذه ثم اصدرت قراراتها بالبراءة. ان عدم احترام هذه القرارات وعدّها وكأنها لاشئ يُعدّ تجاوزاً واعتداءً على شرف جهاز العدالة.
النقطة الثانية:
لقد حاول مقام الادعاء بحذلقة اعطاء معاني لم تخطر على بالنا لمسألتين او ثلاث من بين آلاف المسائل لاتهامنا، بينما توجد هذه المسائل في امهات رسائل النور وحازت على رضى وقبول المحققين من علماء الازهر في مصر وعلماء الشام وحلب وعلماء مكة المكرمة والمدينة المنورة وخاصة على رضى وقبول العلماء المحققين لرئاسة الشؤون الدينية، لذا فقد دهشت واستغربت عندما رأيت المدعي العام يورد بعض الردود وبعض الاعتراضات العلمية في لائحة الاتهام وكأنه عالم من علماء الدين وشيخ من شيوخه. ولنفرض جدلاً ان لي بعض الاخطاء فلا يمكن ان تعد ذنباً يحاسب عليه القانون بل مجرد خطأ علمي، هذا مع العلم ان اي عالم من الاف العلماء لم ير هذه الاخطاء التي يشير اليها المدعي العام ولم يعترض عليها. ثم ان ثلاث محاكم برأتنا وبرأت رسائل النور كلها سوى خمس عشرة كلمة واردة في "اللمعة الرابعة والعشرين" حول (الحجاب) حيث اصدرت محكمة "اسكي شهر" عقوبات خفيفة بحقي وبحق خمسة عشر بالمائة من اصدقائي. وكنت قد ذكرت في تتمة دفاعي التي قدمتها اليكم بانه لو كانت هناك عدالة على سطح الارض لما قبلت ذلك الحكم ضدي بسبب تفسيري ذاك، الذي اتبعت فيه حكم ثلاثمائة وخمسين الف تفسير. وقد حاول المدعي العام بذكائه وبمعاذير شتى اختيار بعض الجمل لكتاب ولخطابات تعود الى عشرين سنة مضت وتحويرها ضدنا. بينما اصبحت خمس او
الشعاع الرابع عشر - ص: 463
ست محاكم - وليست ثلاث محاكم فقط - من المحاكم التي برأتنا شريكة لنا في هذا الذنب او الجرم المزعوم. وانا أذَكّر مقام الادعاء العام بضرورة عدم التعرض الى كرامة تلك المحاكم العادلة.
النقطة الثالثة:
ان نقد ومعارضة رئيس مات وانتهى امره وانقطعت صلته بالحكومة لكونه سبباً في بعض السلبيات في الانقلاب لايعد ذنباً او جرماً في نظر القانون. ولم يكن انتقادنا له صريحاً، بل قام المدعي العام بحذلقته بتطبيق ما جاء في بياننا بشكل عام وكلي، على ذلك الرئيس. فما كان سراً من المعاني التي لم نوضحها اظهره هذا المدعي العام على الجميع وفضحه وركز عليه انظار الناس جميعاً. فان كان هناك ذنب في هذه المعاني فمن المفروض ان يكون المدعي العام شريكاً فيه، ذلك لانه جلب انظار الجماهير لهذه المعاني وحرضهم.
النقطة الرابعة:
على الرغم من قيام ثلاث محاكم باصدار قراراتها بتبرئتنا بشكل قاطع من تهمة تشكيل جمعية الا ان المدعي العام يحاول تكرار الاسطوانة القديمة حول الاوهام والمزاعم الخاصة بتشكيل جمعية سرية ويجهد نفسه في البحث عن اي معاذير غير حقيقية في هذا المجال. ومع ان هناك عدة جمعيات سياسية ضارة لهذه الامة ولهذا الوطن، فانه يؤذن لها ويسمح لها باداء نشاطها بينما يتم إلصاق تهمة "استغلال الدين لتحريض الناس على الاخلال بالامن" بنا، مع ان هناك الاف الشهود والاف الشواهد وقرارات ست ولايات بعدم التعرض لنا، تثبت بان الصداقة الموجودة بين طلاب النور وهى صداقة دراسة هي في صالح الامة وفي صالح الدين وهي في سبيل تأمين السعادة الدنيوية والسعادة الاخروية، وان هؤلاء الطلاب وقفوا وجاهدوا متساندين ضد جميع تيارات الإفساد سواءً أكانت من الخارج ام من الداخل، لذا فان إلصاق تهمة تشكيل جمعية سرية والاخلال بالامن مع انه لم يسجل في ظرف عشرين عاماً اي حادثة اخلال للأمن ضد اي طالب من طلاب النور الذين يتجاوز عددهم مئات الآلاف.. ان مثل هذه التهم لايحتد لها النوع الانساني وحده بل يحق
الشعاع الرابع عشر - ص: 464
لهذه الارض ايضاً ان تحتد وترد هذه التهمة... على اي حال فانني لا اجد مبرراً لإطالة الكلام، اذ ان دفاعي (الذي كتبته قبل لائحة الاتهام هذه) وتتمة دفاعي كافيتان للرد وللاجابة على المدعي العام.
الموقوف في سجن أفيون
سعيد النورسي
* * *

باسمه سبحانه
اوضح لمحكمة افيون ولرئيس محكمة الجنايات الكبرى انه:
لقد قطعت علاقتي بالدنيا لانني مفطور منذ البداية على عدم تحمل التحكم. وتبدو الحياة الآن امام عيني ثقيلة جداً الى درجة انني ارى بانني لا استطيع العيش في مثل هذه الحياة المليئة بتحكمات لامعنى ولا ضرورة لها اذ لا استطيع تحمل تحكمات ونوازع السيطرة لدى المئات من الاشخاص الرسميين خارج السجن، فقد مللت من مثل هذه الحياة. وانا اطالبكم بكل ما املك من قوة ان تعاقبوني. وبما انني لا استطيع نيل الموت فان من الضروري لي البقاء في السجن. وانتم تعلمون جيداً ان الاتهامات الباطلة التي اسندها لي مقام الادعاء غير موجودة وغير واردة اصلاً. لذا فهي لاتكفي لايقاع العقوبة بي. ولكن وجود تقصيرات كبيرة عندي تجاه الوظيفة الحقيقية هو الذى يسبب لي عقاباً معنوياً. ولو كان الاستفسار مناسباً فانني مستعد للاجابة على استفساراتكم. اجل ان ذنبي الوحيد المتأتي من تقصيراتي الكبيرة والذي لايغتفر من حيث الحقيقة، هو اننى بسبب عدم التفاتى الى الدنيا لم اعمل ما انا مكلف به من ايفاء وظيفة جليلة الشأن في سبيل الوطن والامة وفي سبيل الدين، وان عدم استطاعتي ذلك لا يشكل عذراً بالنسبة الي، وقد توصلت الآن الى هذه القناعة في سجن "آفيون" هذا.

عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:49 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 465
ان الذين يتهمون طلاب النور - الذين تنحصر علاقتهم الاخروية الخالصة برسائل النور وبمؤلفها، ويحاولون تحميلهم مسؤولية تشكيل جمعية سياسية، بعيدون كل البعد عن العدالة والحقيقة. اثبت ذلك قرار التبرئة لثلاث محاكم بثلاث جهات. فضلاً عن هذا نقول:
ان جوهر الحياة الاجتماعية الانسانية ولاسيما للامة الاسلامية واساسها هو: وجود محبة خالصة بين الاقرباء، ووجود رابطة وثيقة بين القبائل والطوائف ووجود اخوة معنوية وتعاونية نحو اخوته المؤمنين ضمن القومية الاسلامية، ووجود علاقة فداء نحو قومه وجنسه ووجود التزام قوي ورابطة قوية لاتهتز مع الحقائق القرآنية التى تنقذ حياته الابدية، ومع ناشرى هذه الحقائق، وامثالها من الروابط التي تحقق اساس الحياة الاجتماعية، وان انكارها لايؤدي الا الى قبول الخطر الأحمر الذي يتربص بنا في الشمال والذي يبذر بذور الفوضى ويحاول القضاء على الاجيال وعلى القومية ويجمّع اطفال الناس هناك ويضعهم تحت تصرفه ويحاول ازالة شعور القرابة وشعور القومية وافساد المدنية البشرية والحياة الاجتماعية افساداً تاماً، اقول انه بذلك الانكار وذلك القبول يمكن اطلاق اسم الجمعية على طلاب النور، لذا فان طلاب النور الحقيقيين يظهرون علاقاتهم المقدسة مع الحقائق القرآنية ويظهرون ارتباطهم الذي لا ينفصم مع اخوانهم في الحياة الآخرة، ولانهم يتقبلون برحابة صدر اية عقوبة تقع عليهم بسبب هذه الاخوة فانهم يعترفون بهذه الحقيقة كما هي في حضور محكمتكم العادلة، ولا يتدنون عند الدفاع عن انفسهم الى درك الحيلة والنفاق والكذب.

الموقوف
سعيد النورسي
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 466
ذيل تتمة الاعتراض
المقدم الى الادعاء العام لمحكمة آفيون
اولاً: اُبيّن للمحكمة: ان هذا الادعاء الجديد ايضاً مبني على ادعاءات قديمة لمحكمة "اسكي شهر" و"دنيزلي" ومبني على التقرير المقدم من قبل خبراء سطحيين بعد تحقيقاتهم العابرة. وقد ادعيت في محكمتكم: إن لم اثبت مائة خطأ في هذا الادعاء فانا راضٍ بانزال عقاب مائة سنة من السجن بي وها أنا الآن اُثبت دعواي. إن شئتم اقدم لكم الجدول المتضمن للاخطاء التي تزيد على المائة.
ثانياً: عندما اُرسلتْ اوراقنا وكتبنا الى آنقرة من محكمة "دنيزلي" كتبت لإخوتي - في غضون ترقبى وقلقي على صدور قرار ضدنا - الفقرة التي في ختام بعض دفاعاتي، وهي:
إذا استطاع موظفو العدالة الذين يدققون رسائل النور بهدف النقد والتقييم، أن يقووا ايمانهم وينقذوه، ثم حكموا عليّ بالاعدام، اشهدوا بانني قد تنازلت لهم عن جميع حقوقي. لاننا خدام الايمان ليس الاّ. وان المهمة الاساس لرسائل النور هي: تقوية الايمان وانقاذه. لذا نجد انفسنا ملزمين بالخدمات الايمانية، دونما تمييز بين عدوٍ وصديق، ومن غير تحيّز لأية جهة كانت.
وهكذا.. ايها السادة اعضاء المحكمة، استناداً الى هذه الحقيقة، وفي ضوئها، فقد استطاعت رسائل النور بحقائقها الناصعة وبراهينها الساطعة ان تستميل نحوها قلوب الكثيرين من اعضاء المحكمة وحملتهم على التعاطف معها. فلا يهمني بعدُ ما تريدون فعله، وما تقررون في حقي.. افعلوا ما شئتم فاني مسامحكم.. ولن اثور او اغضب عليكم إطلاقاً. و هذا هو السبب في انني تحملت أشد انواع الأذى والجور والاستبداد والتعرض والاهانات المتكررة التي اثارت اعصابي والتي لم اقابَل قبلُ بمثلها طوال حياتي كلها.. بل انني لم ادعُ على احد بالشر او السوء.
وان مجموعات رسائل النور التي بين ايديكم لهي دفاعي غير القابل للجرح او الطعن، وهي خير دليل على زيف جميع الادعاءات المثارة ضدنا.
الشعاع الرابع عشر - ص: 467
انه لمثير للعجب والحيرة: انه في الوقت الذي دقق علماء اجلاء من مصر والشام وحلب والمدينة المنورة ومكة المكرمة وعلماء من رئاسة الشؤون الدينية، مجموعات رسائل النور ولم ينتقدوا منها شيئاً، بل استحسنوها وقدروها حق قدرها. وفي الوقت الذي حملت الرسائل مائة الف من اهل الحقيقة على التصديق بها رغم الظروف الصعبة المحيطة، ورغم ما اعانيه من الاغتراب والشيخوخة وقلة النصير، وفضلاً عن الهجمات الشرسة المتلاحقة.. اقول في الوقت الذي تقدّر الرسائل هكذا، اذا بالذكى(!) الذي استجمع علينا ادعاءات واهية يتفوه بخطأ فاحش ينم عن سطحيته وسطحية نظرته للامور، اذ قال: ان القرآن الكريم عبارة عن مائة واربعين سورة!.. هذا الشخص نفسه يقيّم رسائل النور فيقول: "ان رسائل النور مع انها تحاول تفسير القرآن الكريم وتأويل الاحاديث الشريفة الاّ انها لا تحمل ماهية علمية وقيمة راقية من حيث تقديمها المعرفة الى قرائها". ألا يفهم من تنقيده هذا انه بعيد كل البعد عن القانون والحقيقة والحق والعدالة!.
و اشكو اليكم ايضاً:
لقد اسمعتمونا الادعاء العام كاملاً طوال ساعتين والذي ادمى قلوبنا لما فيه من اخطاء تربو على المائة سجّلناها في اربعين صفحة. الاّ انكم لم تفسحوا لي مجال دقيقتين من الزمان كي اجيبه في صفحة ونصف الصفحة رغم اصراري على ذلك، لذا اطالبكم باسم العدالة بقراءة اعتراضي بتمامه.
ثالثاً: ان لكل حكومة معارضين. فلا يسمح القانون بالتعرض لهم ماداموا لم يخلّوا بالنظام. أفيمكن لي ولأمثالي ممن اعرضنا عن الدنيا ونسعى للقبر أن ندع السعي للحياة الباقية على وفق المسلك الذي سلكه اجدادنا الميامين طوال الف وثلاثمائة وخمسين سنة وبهدي تربية قرآننا العظيم، وفي ضوء دساتير يقدّسها ثلاثمائة وخمسون مليوناً مؤمناً في كل عصر، ثم ننشغل بحياة دنيوية قصيرة فانية وننقاد لقوانين ودساتير غير اخلاقية للمدنية السفيهة، بل قوانين جائرة وحشية كما هي في البلشفية، وننحاز اليها تحت ضغوط اعدائنا ودسائسهم؟ فليس هناك قانون في العالم كله ولا انسان يملك ذرة من الانصاف يُكره الآخرين على قبول هذا بذاك.
الشعاع الرابع عشر - ص: 468
إلاّ اننا نقول لاؤلئك المعارضين: اننا لم نتعرض لكم فلا تتعرضوا لنا!
وهكذا بناء على هذه الحقيقة: اننا لسنا مع زعيم اصدر اوامر حسب هواه باسم القانون، لتحويل جـامع ايا صوفيا الى دار للاصنام وجعل مقر المشيخة العامة ثانوية للبنات.. لسنا معه فكراً ولا موضوعاً ولا من حيث الدافع ولا من حيث النتيجة، ولا نجد انفسنا ملزمين بقبول امرٍ كهذا.
والواقع انه بالرغم من حياة الاسر والتشرد التي عشتها خلال هذه السنوات العشرين ، والتي ذقت فيها الواناً من العذاب، وتعرضت لأقسى وأشنع اساليب الظلم والاستبداد، ومع ان هناك مئات الالوف من اخواني النوريين الاوفياء، فاننا لم نتدخل في الامور السياسية ولم تُسجّل حادثة واحدة تدل على تعرضنا للأمن او اخلالنا بالنظام.
ان ما اتعرض له في اخريات ايامي هذه، من الاهانات المتكررة والمعاملات الظالمة التي اُقابل بها، وحياة الاغتراب والتشرد التي اعيشها والتى لم أر مثلها من قبل جعلني املّّ الحياة.. انني سئمت الحرية المقيدة، تلك الحرية التي يحدها التحكم ويعقلها الجور والاستبداد. لقد رفعت اليكم طلباً لا لإطلاق سراحي وتخفيف عقابى وإبراء ساحتي، كما هو المألوف، بل لإنزال أشد العقاب بى واقساه، نعم أشده وأقساه لا أخفه وأهونه، ذلك لانه لا سبيل للتخلص من مثل هذه المعاملة العجيبة المنكرة سوى احد امرين: السجن او القبر. ان الطريق الى القبرمسدود امامى لا استطيع الحصول عليه لأن الانتحار محظور شرعاً، ثم ان الاجل سر خفى ، لا يدرك الانسان كنهه بَلَْهَ عن ان تطوله يداه، لذا فقد رضيت بالسجن الذي انا رهين اعتقاله وتجريده منذ حوالى ستة اشهر. 1 الاّ انني لم اقدم هذا الطلب في الوقت الحاضر نزولاً عند رغبة اخواني الابرياء.
رابعاً: انني خلال هذه السنوات الثلاثين من حياتي، والتي اطلقت فيها على نفسي اسم "سعيد الجديد" أدّعي فأقول: بانني قد بذلت ما وسعني الجهد لكبح جماح نفسي الامارة بالسوء، وصونها من العجب والتطلع الى الشهرة والتفاخر، بل قد جرحت اكثر من مائة مرة مشاعر طلاب النورالذين يحملون حسن ظن مفرط
_____________________
1 والحال نفسها تدوم بعد مضي سبعة عشر شهراً - المؤلف.

الشعاع الرابع عشر - ص: 469
بشخصي، يشهد على هذا ما كتبته في (رسائل النور) وحقائقها المتعلقة بشخصي، والمنصفون ممن يختلفون اليَّ بجد، والاصدقاء جميعاً. فأنا لست المالك لبضاعة النور، بل لست الاّ دلالاً ضعيفاً بسيطاً في حانوت مجوهرات القرآن.
كما انني بتصديق من اخواني المقربين، وبما شاهدوا من اماراتها العديدة، عازم على ألاّ أضحي بالمناصب الدنيوية وأمجادها الزائفة وحدها، بل لو أسند اليّ - فرضاً - مقامات معنوية عظمى، فانني اضحى بها ايضاً لخدمتي للايمان والقرآن خشية اختلاط حظوظ نفسي باخلاصي في الخدمة. وقد قمت بهذا فعلاً.
ومع ذلك فقد جعلت محكمتكم الموقرة، من مشاعر الاحترام التي ابداها نحوى بعض اخواني - نظير انتفاعهم برسائل النور كشكر معنوي من قبيل احترام زائد عن احترام المرء لابيه - مع رفضي وعدم قبولي لها، جعلتها مدار استجوابنا وكأنها مسألة سياسية وحملتم فريقاً منهم على التنكر لذلك الاحترام ، فيا عجباً ايّ ذنب واي جريرة في امتداح جاء على لسان الغير ولم يرض به هذا العاجز ولا يرى نفسه لائقاً بذلك؟
خامساً: انى اعلن لكم بصراحة تامة ان محاولة إلصاق تهمة الانتماء الى التكتلات والتجمعات والتدخل في الشؤون الداخلية، الى طلبة النور الذين لاعلاقة لهم بايّ وجه بالتحزب والتجمع والتكتلات والتيارات السياسية المختلفة، ماهي الاّ من وحي منظمة الزندقة المتسترة التي تعمل منذ اربعين سنة على هدم الاسلام ومحو الايمان، خادمة بذلك لنوع من البلشفية والتى سبّبت - هذه المنظمة - في تغذية روح التطرف والفوضى في هذه البلاد، سواء بعلم او بغير علم، واتخذت موقفاً مضاداً تجاهنا.
بيد ان ثلاث محاكم مختلفة قد اتفقت على تبرئة ساحة رسائل النور وطلبتها من تهمة الانتماء الى التكتلات، سوى محكمة واحدة، وهي محكمة "اسكى شهر" حيث حكمت عليّ بالسجن لمدة عام واحد، ولمدة ستة اشهر على خمسة عشر من اخواني من مجموع مائة وعشرين شخصا. ولعل الذي دفع محكمة "اسكي شهر" الى اتخاذ ذلك القرار يعود الى ورود فقرة كُتبت قديماً جاءت ضمن رسالة صغيرة تتعلق بمسألة واحدة وهي "الحجاب" وكان نص تلك الفقرة كما يأتي:
الشعاع الرابع عشر - ص: 470
"لقد طرق سمعنا: ان صباغ أحذية قد تعرض لزوجة رجل ذي منصب دنيوي كبير، كانت مكشوفة المفاتن، وراودها نهاراً جهاراً في قلب العاصمة "انقرة"! أليس هذا الفعل الشنيع صفعة قوية على وجوه اولئك الذين لا يعرفون معنى الحياء من اعداء العفة والحجاب؟"
واذاً فان اصطناع الاسباب الواهية والاتهامات الباطلة ضد طلبة رسائل النور الآن، إن هو الاّ بمثابة الحكم ضد تلك المحاكم الثلاث، ومحاولة لإلصاق التهمة بها ووصمها بوصمة الخيانة والعار.
سادساً: لا يمكن المبارزة مع رسائل النور.. فقد اتفقت كلمة علماء الاسلام الذين اطلعوا عليها انها تفسير قيم صادق للقرآن الكريم، اي انها تنطوى على براهين دامغة لحقائقه الناصعة وهي معجزة معنوية من معجزات القرآن في هذا العصر، وسد منيع امام الاخطار والمهالك التي تتربص بهذه البلاد وبهذه الامة من الشمال.
فالواجب يقتضي من حيث الحقوق العامة ان تعمل محكمتكم الموقرة على الترغيب في هذه الرسائل بدلاً من تخويف طلابها وترغيبهم عنها، هذا ما نعلمه، بل ننتظره منكم.
ومن المعلوم ان عدم التعرض لكتب الملاحدة وبعض الساسة المتزندقين ومجلاتهم وجرائدهم - مع ضررها الفادح للأمة والبلاد والأمن العام - تحت ستار الحرية العلمية، يدفعنا حتماً الى القول والتساؤل: ما الجانب المحظور من التحاق شاب برئ يحتاج الى العون والمساعدة الى صفوف طلبة النور، كي ينقذ ايمانه وينجو من التردى في هاوية الاخلاق الذميمة؟ أفليس من الحكمة والعدل والواجب ان تحتضن الحكومة ووزارة المعارف (التربية) هذا العمل وتشجعه وتقدره حق قدره بدلاً من ان تعمل على مكافحته وعلى ملاحقتنا دون سبب؟
كلمتي الاخيرة: نسأل الله ان يوفق الحكام الى احقاق الحق واقرار العدل.. آمين
(حسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم المصير)
الحمد لله رب العالمين.
سعيد النورسي
الشعاع الرابع عشر - ص: 471
كلمتي الأخيرة
اود ان ابيّن مايلي لهيئة المحكمة:
لقد ادركت من لائحة الاتهام ومن وضعي لمرات عديدة وطويلة في السجن الانفرادي بان شخصي هو الهدف في هذه المسألة، فقد لوحظ وجود مصلحة لتهوين شأني والنيل من شخصي. وقد زعم انني شخص ضار للادارة وللأمن وللوطن، وانني اسعى تحت ستار الدين الى مقاصد دنيوية ومن أجل نوع من السياسة، و ردّاً على هذا فانني ابيّن لكم بقطعية تامة:
من اجل هذه الاوهام ومن أجل محاولتكم محاربتي شخصياً لا تمدّوا يدكم بالاذى الى رسائل النور ولا الى طلاب النور الميامين لانهم هم الابناء المضحون في سبيل هذا الوطن وفي سبيل هذه الامة، والاّ سيلحق بهذا الوطن وبهذه الامة ضرر كبير وقد يكون ذلك سبيلاً الى خطر عليهما. واريد ان اؤكد لكم:
لقد قررت ان اقبل - في ضوء مسلكي الحالي - ايّ اذى واية اهانة وايّ عذاب وايّ عقاب موجه الى شخصي بشرط ألاّ يأتي اي ضرر الى رسائل النور والى طلابها بسببي، ففي هذا ثواب لي في الآخرة وهو وسيلة لانقاذي وخلاصي من شرور نفسي الامارة بالسوء. فبينما ابكي من ناحية فانني مسرور من ناحية اخرى. ولو لم يدخل هؤلاء الابرياء المساكين السجن معي من أجل هذه المسألة لكانت لهجتي في الدفاع شديدة جداً، وقد شاهدتم انتم ايضاً ورأيتم كيف حاول من كتب لائحة الادعاء البحث عن أسباب واهية ومعاذير باطلة فقدم جميع ما كتبته من كتب ومن خطابات سرية خاصة وغير خاصة في ظرف عشرين اوثلاثين سنة من حياتي كأننى قد كتبتها باجمعها في هذه السنة، وساق لبعضها معاني خاطئة وقدمها وكأنها لم تر ولم تدخل اية محكمة ولم يشملها اي قانون من قوانين العفو، ولم تتعرض لمرور الزمن.. كل هذا من اجل النيل مني، والحط من شأني. ومع انني ذكرت اكثر من مائة مرة باني اعترف بضآلة شاني وصغر قيمتي، ومع ان معارضي يحاولون بكل وسيلة النيل مني وتهوين امري إلا ان سبب محبة عامة الناس لي محبة اقلقت رجال السياسة يعود الى ان تقوية
الشعاع الرابع عشر - ص: 472
الايمان يحتاج في هذا الزمن وفي هذه الظروف حاجة ملحة وقطعية الى اشخاص لايضحون بالحقيقة - في موضوع الدين - من أجل اي شئ على الاطلاق ولا يجعل احدهم الدين وسيلة وآلة لاي غرض ولاي شئ، ولا يعطي لنفسه حظاً، وذلك لكي يمكن الاستفادة من ارشاداته في دروس الايمان وتحصل القناعة التامة به.
نعم، انه لم يحدث في اي ظرف من الظروف ان اشتدت الحاجة الى الخدمة مثلما بلغه في عصرنا هذا وذلك لأن الاخطار قد داهمتنا من الخارج بشدة وضراوة بالغتين. ومع اعترافي واعلاني بأن شخصي العاجز لا يكفي لسد هذه الحاجة او ملء ذلك الفراغ، فقد ذهب البعض الى الظن بان شيئاً من ذلك يمكن ان يتحقق على يدي، لا لمزية معينة في شخصي، بل لشدة الحاجة الى من يقوم بمثل هذا العمل ولعدم بروز احد بروزاً ظاهراً لتحمل تلك المسـؤولية العظمى.
ولقد تأملت منذ أمد طويل في هذه المسألة في حيرة وتعجب، اذ على الرغم من اخطائي وعيوبي الشخصية المدهشة، وعدم جدارتي للقيام بمثل هذا العمل الجليل باي وجه كان، فقد بدأت افهم الحكمة في التفات العامة وابدائهم ضرباً من مشاعر الاحترام نحوي. والحكمة هي:
ان الحقائق التي تحتوي عليها رسائل النور، والشخصية المعنوية التي يمثله كيان طلبتها، قد يمـمتا وجه تلك الحاجة شطرهما، ولا سيما في ظرف مثل ظرفنا ومثل وسطنا الحاليين، ومع ان حظي من الخدمة قد لايبلغ الواحد في الالف، فان البعض يعتقدون فيّ تجسيداً لتلك الحقيقة الخارقة وممثلاً لتلك الشخصية الامينة المخلصة فيبدون نحوى ذلك النوع من الالتفات.
والواقع ان هذا النوع من الالتفات بقدر ما هو ضارٌّ بي، ثقيل على نفسي ايضاً. حتى انني آثرت الصمت بغير حق على تلك الخسائر المعنوية، حفاظاً على الحقائق النورية وشخصيتها المعنوية. وربما يعود السبب في ذلك النوع من الالتفات الى اشارة مستقبلية للامام علي رضى الله عنه وللشيخ الكيلاني قُدس سره، ولبعض الاولياء الآخرين، بإلهام الهي الى حقيقة رسائل النور، وشخصية طلبتها المعنوية.. وما ذلك الاّ لكون تلك الرسائل مرآة صغيرة عاكسة لمعجزة القرآن المعنوية في عصرنا الحاضر.
الشعاع الرابع عشر - ص: 473
ولعل ذلك البعض قد اخذ شخصي الضعيف بنظر الاعتبار، لا لشئ الاّ لكوني خادماً لتلك الحقيقة الخارقة. ولقد اخطأت عندما لم اصرف التفاتهم الجزئي لشخصي بتأويل الى رسائل النور. والسبب في هذا يعود الى ضعفي وكثرة الاسباب التي قد تدفع مساعديّ الى الخوف. وما قبولي جزءاً مما يخصّ شخصي في الـظاهر إلاّ لإضفاء سمة الاعتماد وصبغة الثقة على اقوالي لا غير.
انني انذركم بالآتي:
لا داعي اطلاقاً للقضاء على شخصي الفاني الشارف على باب القبر. ولاداعي كذلك الى اعطاء مثل هذه الاهمية لوجودي. وانه مما يجب ان تعلموه جيداً هو ان المبارزة مع رسائل النور محاولة يائسة. انكم لن تستطيعوا مبارزتها، ولا تبارزوها. انكم لن تتغلبوا عليها. ولئن حاولتم مبارزتها، فلن تعودوا الاّ باضرار جسيمة على الامة والبلاد معاً، ولكن لن تستطيعوا تشتيت شمل طلبتها او تفكيك وحدتهم مهما حاولتم.. اذ ليس من السهل حمل احفاد وابناء اجدادنا البسلاء الذين ضحوا باكثر من خمسين مليوناً من الشهداء في سبيل الحفاظ على القرآن وحقائقه القيمة، على التنكر والنسيان لماضيهم المجيد، ولا الحيلولة دون بطولاتهم الدينية الرائعة التي كانت دوماً محط انظار العالم الاسلامي وموضع اعجابه. وحتى لو انسحبوا من الميدان فان اولئك الطلاب الاوفياء لن يتخلوا عن رسائل النور التي هي مرآة عاكسة لتلك الحقيقة ولن يرضوا - بذلك التخلي - ان يصيب الضرر الوطن والامة والأمن.
وآخر قولي:
(فان تولوا فقل حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)

* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 474
عريضة مرسلة الى مجلس الوزراء
لى رجاء مهم جداً
في خاتمة المجموعة المسماة "سراج النور" والتي تزيد عن ثلاثمائة صفحة توجد خمس عشرة صحيفة - وهي "الشعاع الخامس" -كتبت منذ زمن طويل كانت سبباً لصدور قرار من مجلس الوزراء بمصادرة تلك المجموعة وجمعها.
ان من الممكن اخراج هذا القسم الذي تُوهّم ضرره من مجموعة "سراج النور" التي ثبتت وتحققت فائدتها للجميع ولاسيما لاصحاب المصائب والبلايا وللشيوخ وللذين لديهم شكوك في نواحي الايمان، ثم السماح بماتبقى من الثلاثمائة صفحة للنشر، فباسم جميع من استفادوا من هذه المجموعة وسرّي عنهم من اصحاب المصائب والرزايا والشيوخ وباسم جميع المحتاجين الى الحقائق الايمانية نرجو من مجلس الوزراء السماح بنشرها.
وفي مجموعة "ذو الفقار" البالغة اربعمائة صفحة والتي كُتبت قبل ثلاثين سنة للرد على فلاسفة اوروبا وردت صفحتان فقط من تفسير آيتين حول الارث وحول تحجب النساء.
وورد سطر واحد حول المصارف في رسالة "اشارات الاعجاز" التي كتبت قبل ثلاثين سنة عند تناول اية (وأحل الله البيع وحرم الربا) (البقرة: 275).
وقبل ثلاثين سنة عندما كنت عضواً في "دار الحكمة" كتبت جواباً لستة اسئلة تقدم بها رئيس اساقفة الانكليكان لإنكلترا الى المشيخة الاسلامية وهناك سطر واحد فقط في هذه الاجابة لايسمح به القانون المدني الحالي.
اننا نرجو منكم اعادة مجموعة "ذو الفقار" الينا المصادرة بحجة وجود صفحتين وسطر واحد فقط فيها قيل ان القانون المدني الحالي لايسمح به، مع ان هذه الرسالة قوبلت في العالم الاسلامي باستحسان كبير واثبتت عملياً فوائدها الكبيرة لانها برهنت بشكل رائع على ثلاثة اركان ايمانية، فطلب اعادتها الينا من حقنا، ذلك لأنه

عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:49 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 475
ان وجدت خمس كلمات ممنوعة في رسالة ما تحذف تلك الكلمات ويُسمح بنشر باقي الرسالة، لذا فنحن نطلب ضمان هذا الحق القانوني المهم لنا. وباسم جميع من يخدم القرآن والايمان ويسعى الى تحقيق الامن والنظام ويخدم هذا الوطن وهذه الامة عن طريق رسائل النور نطالبكم بانقاذنا من الظلم الواقع علينا من الذين يجعلون من الحبة قبة.
ثم ان رسالة "الهجمات الست" التي كتبتها قبل ثمانية عشر عاماً في ساعة غضب وحدّة، لتعرضي الى ظلم شديد.. هذه الرسالة لم ارها منذ ذلك الوقت وابقيتها سرية خاصة ولم اسمح بنشرها، ومع انها وقعت في أيدي ثلاث واربع محاكم، الا ان هذه المحاكم اعادتها الى اصحابها.
سعيد النورسي
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 476
"
رسـالة شـكر"
باسمه سبحانه

رسالة شكر اقدمها الى هيئة الخبراء في ديوان رئاسة الشؤون الدينية، ابين فيها "ثلاث نقط" لاعينهم بها على تصحيح انتقادات جزئية وردت فى تدقيقاتهم واجيب عنها بوضوح.

النقطة الاولى:
اننى اقدم شكرى الى اولئك العلماء الافاضل بثلاث جهات. فانا ممتن لهم بصفتى الشخصية:
اولاها: قيامهم بتلخيص ثلاث عشرة رسالة من مجموعة "عصا موسى" - مما سوى رسالة "الشعاع الخامس" - تلخيصاً يبعث على التقدير والاعجاب.
ثانيتها: ردّهم لما دار عليه اتهامنا وهو: انشاء طريقة صوفية، تشكيل جمعية، والاخلال بأمن البلاد.
ثالثتها: تصديقهم لدعواى في المحكمة، وهو ما قلته امام المحكمة: اذا وجد شئ من الذنب فانه يعود لي، فطلاب النور بريئون منه، ولقد سعوا في سبيل النور انقاذاً لإيمانهم. فاولئك الخبراء ينقذون ايضاًَ طلاب النور ويبرؤن ساحتهم ويسندون الذنوب اليّ. وانا بدوري اقول لهم: ليرضَ الله عنهم. الاّ انهم جعلوا كلاً من المرحوم حسن فيضي والمرحوم الحافظ على واشخاص من امثال هذين الشهيدين ووارثيهم شركاء بذنوبي. لذا فقد اخطأوا فى هذه الجهة. لان اولئك الميامين سابقون في خدمة الايمان وليسوا شركاء في الذنوب، وهم بريئون من اخطائى وذنوبي وقد ارسلتهم العناية الالهية معينين لى رأفةً بضعفي.
النقطة الثانية:
لقد اعترض اولئك الخبراء على روايات في " الشعاع الخامس" فقالوا عن بعضها ضعيفة وعن أخرى موضوعة، وخطّأوا تأويل قسم منها. وقد كتب الادعاء العام لمحكمة
الشعاع الرابع عشر - ص: 477
"آفيون" تقريره في ضوء ذلك، بينما اثبتنا واحداً وثمانين خطأً من اخطائه في قائمة تبلغ خمس عشرة صحيفة. فليطلع الخبراء الافاضل على تلك القائمة.
نقدم ادناه نموذجاً منها:
لقد قال المدعى: جميع تأويلاته مغلوطة، والروايات إما أنها موضوعة او ضعيفة.
ونحن نقول:
ان التأويل يعنى: ان هذا المعنى ممكن مراده من هذا الحديث، اى يحتمل هذا المعنى. اما ردّ امكان واحتمال ذلك المعنى - حسب علم المنطق - فيكون باثبات محاليته. بينما شوهد ذلك المعنى عياناً، وتحقق فعلاً فردٌ من كلية الطبقة الاشارية لمعنى الحديث، لذا لا يعترض على ذلك المعنى قطعاً، لان الحديث قد اظهر بلمعة اعجاز غيبي ذلك المعنى واشهد له هذا العصر. علاوة على ذلك فقد اثبتنا في تلك القائمة اخطاء المدعي من ثلاثة وجوه.
احدها:
ان الامام احمد بن حنبل الحافظ لمليون من الاحاديث الشريفة، وكذا الامام البخارى الحافظ لخمسمائة الف حديث، لم يجرآ على نفي تلك الروايات على اطلاقها . علماً ان اثبات نفيها غير ممكن منطقياً، وان المدعي نفسه لم يطلع على جميع كتب الاحاديث النبوية، وان الاكثرية العظمى لامة الاسلام في كل عصر قد انتظروا رؤية معانِى تلك الروايات، او فرداً من كلية معانيها، بل ان تلك المعانى قريبة من تلقي الامة بالقبول، وقد برز في الواقع افراد منها بذاتهم وشوهدوا عياناً..
لذا فان انكار تلك الروايات انكاراً كلياً خطأ من عشر جهات.
الوجه الثاني:
ان الرواية الموضوعة تعنى انها ليست حديثاً مسنداً عن فلان وعن فلان. ولايعنى ان معناها خطأ. ولما كانت الامة قد تلقتها بالقبول، ولاسيما اهل الحقيقة والكشف، وقسم من اهل الحديث واهل الاجتهاد، بل انتظروا تحقيق معانيها. فلابد ان لتلك الروايات حقائق متوجهة الى العموم كما هى في الامثال المضروبة.
الشعاع الرابع عشر - ص: 478
الوجه الثالث:
انى اسأل: هل هناك مسألة او رواية لم يُعترض عليها في كتاب لعلماء مختلفين في المشارب والمذاهب. فمثلاً: ان احدى الروايات التى تذكر مجئ دجالين في الامة هى هذا الحديث الشريف:
(لن تزال الخلافة في ولدعمي - صِنْوِ أبي - العباس حتى يسلمّها الى الدجال) 1
هذا الحديث الشريف يخبر عن فتنة جنكيز خان وهولاكو، وان دجالاً سيظهر بعد خمسمائة سنة وسيهدم الخلافة.. وامثالها من الروايات الكثيرة التى تخبر عن اشخاص آخر الزمان، وعلى الرغم من ذلك فقد رفض بعض اهل المذهب الميامين او ذوو الافكار المفرطة هذه الروايات. وقالوا: انها رواية ضعيفة او موضوعة.. وعلى كل حال.
ان سبب اقتصارى على ما ذكرت مما ينبغى ان يطول هو حدوث زلزلتين هنا في الساعة التى كنت اكتب هذا الجواب، مثلما حدث اربع زلازل وقت شن الهجوم على رسائل النور وطلابها. والامر على النحو الآتى:
هو توافق حدوث زلزلتين اثناء ما كنت اعانى من ألم جراء عمليات جراحية اجراها تقرير الخبراء الذى سلّم لى مساءً فضلاً عن الحزن الذى غشانى من الانفراد وعدم اللقاء مع الآخرين.
نعم، لقد تسلمت تقرير الخبراء لرئاسة الشؤون الدينية بعد بقائى ثمانية شهور في السجن الانفرادى ومقاساتى المضايقات الشديدة، واذ انا منتظر ان يكونوا لى معينين، اذا - في الصباح - أجد انهم يعززون ادعاء المدعي، حيث ورد: "ان سعيداً قال: ان الزلازل الاربع الماضية هى من كرامات رسائل النور".
فمثلما كتبت في القائمة، اقول: ان رسائل النور من نوع الصدقة المقبولة التى تكون وسيلة لدفع المصائب، فمتى ما هوجمت تجد المصائب الفرصة سانحة امامها فتنزل، واحياناً تغضب الارض بالزلزال.
_____________________
1 انظر: كنز العمال 14/ 271 برقم 33436 ومسند الفردوس 3/ 447، مجمع الزوائد 5/186 جمع الفوائد 1/ 849

الشعاع الرابع عشر - ص: 479
فما ان عزمت على كتابة هذا، وقع زلزالان هنا 1 مما حملنى على ترك كتابة ذلك البحث، لذا ننتقل الى النقطة الثالثة:
النقطة الثالثة:
يا علماءنا المدققين المنصفين ذوى الحقيقة!
لقد دأب اهل العلم - منذ القديم - على عادة فيما بينهم، وهى وضعهم تقريظاً وثناءً - واحياناً مبالغ فيه - نهاية مؤلَّف جيد جديد. وفي الوقت الذى يبدى المؤلِّف امتنانه لاولئك المقرظين لا يُتهم حتى من قبل منافسيه انه يدّعى الاعجاب وحب الظهور. لذا فان كتابة عدد من طلاب النور الخواص الخالصين - كالمرحوم حسن فيضى والشهيد الحافظ على - تقاريظ بناء على عجزى وضعفي وغربتى وعدم وجود الاهل والاقارب وازاء هجوم اعداء كثيرين ظلمة وحثاً للمحتاجين الى النور، وعدّ تلك التقاريظ نوعاً من الغرور والاعجاب بالنفس، رغم احالتى ما يخصنى من المدح والثناء الى رسائل النور، ورغم عدم ردّى له رداً كلياً.. اقول اننى لم استطع ان اوفق بين تلقيكم ذلك المدح انه اعجاب بالنفس وبين ما تحملونه من دقة علمية وتعاون رؤوف وانصاف.. لذا فانا متألم من هذا. علماً ان اصدقائى الخالصين اصحاب التقاريظ لم تخطر ببالهم السياسة وشؤونها.
ولايقال لقولهم: ان رسائل النور في هذا الزمان يصدق عليها معنى فرد وجزئى من المعنى الاشارى الكلى، لان الزمان يصدّق ذلك. ولنفرض ان هذا الكلام مبالغ فيه كثيراً او خطأ، فهو خطأ علمى ليس إلاّ. فكل شخص يستطيع ان يكتب قناعته الشخصية. وانتم ادرى بالافكار المتباينة والقناعات المختلفة فى كتب الشريعة التى دوّنها اصحاب المذاهب الاثنى عشر ولاسيما اصحاب الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية وما يقرب من السبعين من فرق دائرة علماء الكلام واصول الدين. والحال لم يحدث مسيس الحاجة الى اتفاق علماء الدين وعدم خوضهم فى مجادلات فيما بينهم مثل هذا الزمان. فنحن مضطرون الى نبذ الاختلاف في الامور الفرعية وعدم جعلها مدار المناقشات.
* * *
_____________________
1 حدث هذا الزلزال فى 18/9/1948 ضحوة يوم الجمعة. باسم طلاب النور فى سجن آفيون
(خليل مصطفى. محمدفيضى . خسرو).

الشعاع الرابع عشر - ص: 480
ثلاثة اسئلة اوجهها للعلماء المنصفين من الخبراء
الاول:
شخص يثنى على آخر بنية خالصة، أيكون الشخص المثنى عليه مسؤولاً، ولاسيما ان كان المثنى عليه لا يرضى بالثناء بكل قوته ويحيله الى غيره؟ الاّ انه لم يوبخ ذلك الصديق الحميم لئلا ينفر منه بل اكتفى بالقول: ان هذا الثناء فوق حّدي بمائة درجة. فهل يعدّ سكوته هذا اعجاباً بالنفس وتحرياً للمصلحة الذاتية؟..
السؤال الثانى:
فى غمرة الهجوم العنيف الذى يُشن على الدين حالياً، اذا ما ابدى احد طلاب النور العاشقين للحقيقة قناعته الشخصية الخاطئة، بخطأ علمى جزئى لاضرر فيه، هل يستحق هذه الاهانة والاستخفاف؟ علماً ان هناك مسائل دينية تقدر بضخامة الشم الرواسى.
وبينما ينتظر ذلك المثنى عليه تذكيراًً شفيقاً من علماء واساتذة من امثالكم على ذلك الخطأ، أوَ يجوز عقابه من قبل العدلية؟
السؤال الثالث:
ان رسائل النور التى تصدت منذ عشرين سنة لأعتى المعارضين الذين لايحصيهم العد وانقذت ايمان مئات الالوف من الناس وآزرت ايمانهم. أيليق انتقادكم لها في مسألة او مسألتين فيها؟
انى اذكّر اولئك العلماء الافاضل:
انهم انتقدوا المقدمة التى يستهل بها بحث الثناء لأحمد فيضي، وكأننى قد اثنيت بها على نفسى، علماً ان تلك المقدمة هى ردّى لذلك الثناء ورفعه. وقد رفعت فعلاً قسماً منه وصححت القسم الآخر، ولكن لضرورة الاستعجال لم اتمكن من اكماله ، فارسلت المقدمة كاملة الى احد اخوتى، وهم بدورهم وضعوها فى موضعها من ذلك البحث الذى اتخذناه بحثاً خاصاً جداً. ولكن اثناء ارسالهم لها الى اخ آخر قبضت عليها الحكومة.
الشعاع الرابع عشر - ص: 481
فيا ترى ان تقريظاًَ علمياً وخاصاً جداً وهو بحث نابع عن قناعة وجدانية ولايتداول الاّ بين اصدقاء ليقوموا بتصحيحه تصحيحاً كاملاً هل يستحق هذا الاعتراض الشديد؟
ثم ان جمع رسائل خاصة للتهنئة والحث على العمل، والقيام بتجليدها حفاظاً عليها، فى مجلد او مجلدين، حصلت عليها الشرطة اثناء التحرى، هل يمكن استخراج الاحكام من مثل هذه الرسائل، ثم تكون محور سؤال وجواب ومن ثم محاوله الصاقها بالسياسة. أوَ يحتاج الامر الى هذا.. وما اشبه هذا الامر بمن لا يرى ثعابين مردة تهاجم القرآن لكنه في الوقت نفسه ينشغل بلسع البعوض!.. أليس الامر هكذا؟
ان ترك " سراج اوغلو" 1 الذى يعدّ الدين والتربية المحمدية سماً زعافاً، والانشغال بمجموعة "سراج النور" التي تبين الحقيقة واضحة كالشمس وهى البلسم الشافى لجراحات الانسانية جمعاء، ولا سيما الاحتجاج بوجود تأويلات لاحاديث ضعيفة في رسالة في ختامها الا يكون عوناً على مصادرتها؟
اننا مع عدم امتعاضنا من انتقاداتكم الجزئية ننتظر منكم ايها العلماء الافاضل ضماداً لجراحاتنا وتكونوا اعواناً لنا بقوة فراستكم.
الموقوف
سعيد النورسى
* * *
_____________________
1 رئيس الوزراء في ذلك الوقت.- المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 482
باسمه سبحانه
مقدمة
"
الفقرات المذكورة ادناه"

لغرض تقديم شئ من المساعدة الى محكمة التمييز الموقرة التي فسختْ لصالحنا قرار إدانتنا من قبل محكمة "آفيون" واوردت دلائل صائبة ذات حقيقة ، نشير - باختصار- الى قسم من اخطاء وردت في القرار المذكور، فندرجادناه تلك الفقرات المستلة من الرسائل الخاصة السرية، التي عدّتها المحكمة ذنباً لإدانتنا. فنبين اخطاءهم ونضع الذين ادانونا في موضع المسؤولية.
فمثلاً: لقد كتبوا في ختام القرار ما يشبه قائمة تضم جميع ذنوبي لأجل انزال اشد العقوبات بي:
" نذكر مما رفضه سعيد النورسي من مواد: إلغاء السلطنة والخلافة".
فهذا خطأ وسهو في الوقت نفسه، لان ما كتبته في لمعة " الشيوخ" هو الآتي: "لقد احزنتني وفاة سلطنة الخلافة" وقد اجبتُ عن استفسار محكمة "اسكي شهر" قبل خمس عشر سنة عن هذا جواباً ألزمهم الصمت. فالذي يعدّ خاطرة لا اهمية لها ذنباً، ومرت عليها هذه المدة المديدة، ونالت من قرار العفو والبراءة ما نالت.. أقول ان الذي يعدّها ذنباً هو الذي يكون مذنباً.
ولأجل اسناد هذا الذنب الموهوم، ذكر القرار ما اوردتُه في احدى اللمعات وفي رسالة المعجزات الاحمدية على صاحبها افضل الصلاة والسلام، الحديث الشريف الآتي:
(الخلافة بعدى ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً عضوضاً وفساداً وجبروتاً) 1
_____________________
1 صحيح: عن سفينة ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(الخلافة بعدي في امتى ثلاثون سنة، ثم ملك بعد ذلك) رواه احمد والترمذي وابو يعلى في مسنده وابن حبان في صحيحه (صحيح الجامع الصغير برقم 3336 قال المحقق: صحيح)(الفتح الرباني للساعاتي 23/10) وفي (سلسلة الاحاديث الصحيحة 4600) بعدة سياقات.

الشعاع الرابع عشر - ص: 483
وقد كتبتُ في رسالة قديمة ان هذا الحديث الشريف يبين ثلاث معجزات غيبية مستقبلية ولكن جاء في القرار كأنه ذنب اقترفته: "ان سعيداً قد قال في رسالة: سيكون فساداً وجبروتا بعد الخلافة".
يا اعضاء هيئة الخبراء السطحيين!
ان الذي يعدّ بيان اعجاز حديث شريف يخبر باشارة غيبية عن حادثة ستقع في زماننا هذا يسري دمارها في الارض كلها، وعن فساد عظيم مادي ومعنوي يدب في البشرية كافة.. اقول ان من يعدّ هذا ذنباً هو المذنب مادة ومعنى.
وكتبوا ايضاً "ومن ذنوبه: انه يعدّ المنجزات الثورية (حركات الانقلاب) بدعة وضلالة والحاداً، فيعدّ اغلاق التكايا والزوايا والمدارس الدينية، واقرار العلمانية، ووضع اسس القومية بديلاً عن مبادئ الاسلام، وفرض لبس القبعة، ورفع الحجاب، وفرض كتابة الحروف اللاتينية بديلاً عن الحروف القرآنية، واداء الاذان والاقامة باللغة التركية، وإلغاء دروس الدين في المدارس، ومنح المرأة حقوقاً في الميراث كالرجل وإلغاء تعدد الزوجات، وامثالها من الاعمال.. يعدّ كل ذلك بدعة وضلالة والحاداً.. فلا شك انه متهم بالرجعية".
يا اعضاء هيئة الخبراء العديمي الانصاف!
ان كان بمقدوركم انكار ما يأمر به القرآن الكريم الذي هو إمام سماوى مقدس لثلاثمائة مليون في كل عصر، ويضم مناهج سعاداتهم جميعاً، وهو الخزينة المقدسة الحاوية على اسرار الحياتين الدنيوية والاخروية، يأمر في كثير من آياته الكريمة بصراحة تامة بما لا يحتمل التأويل، بالحجاب وقواعد الميراث ويسمح بتعدد الزوجات، ويدعو الى ذكر الله، ويحث على تدريس علوم الدين ونشرها والحفاظ على الشعائر الدينية.. وان كان بمقدوركم إدانة جميع مجتهدي الاسلام والقضاة وشيوخ الاسلام.. وان كان بمقدوركم انكار تقادم الزمان على تلك الرسائل وقرار عدة محاكم لها بالبراءة وقوانين العفو الصادرة بحقها وانكار وجه سريتها وخصوصيتها.. وان كان بمقدوركم رفع حرية الضمير والمعتقد وحرية الفكر من البلاد ومن الحكومات.. وانكار كون مخالفة تلك الرسائل مخالفة فكرية وعلمية فحسب..
الشعاع الرابع عشر - ص: 484
اقول ان كان بمقدوركم هذا فاعتبروني مذنباً بتلك الامور. وإلاّ تكونون انتم المذنبون الرهيبون في محكمة العدالة والحق والحقيقة.
سعيد النورسي
* * *

(فقرة ادلينا بها وكتبتها المحكمة باعجاب وحيرة ضدنا مع انها ضدهم)
"وانا اقول لمحكمة وزارة العدل الموقرة!
ان ادانة من يفسّر اقدس دستور إلهي وهو الحق بعينه، ويحتكم اليه ثلاثمائة وخمسون مليوناً من المسلمين في كل عصر في حياتهم الاجتماعية، خلال الف وثلاثمائة وخمسين عاماً. هذا المفسر استند في تفسيره الى ما اتفق عليه وصدق به ثلاثمائة وخمسون الف تفسير، واقتدى بالعقائد التي دان بها اجدادنا السابقون في الف وثلاثمائة وخمسين سنة.. اقول: ان إدانة هذا المفسر قرار ظالم لابد ان ترفضه العدالة، ان كانت هناك عدالة على وجه الارض، ولابد ان تردّ هذا الحكم الصادر بحقه وتنقضه"
* * *

(فقرة كتبتها المحكمة في قرارها باعجاب وتقدير وكأنها تكون مادة ضدنا، والحال انها تدينهم)
يبحث سعيد النورسي في المكتوب السادس والعشرين عن نفسه ويقول:
"إن في اخيكم هذا الفقير ثلاث شخصيات كل منها بعيدة عن الأخرى كل البعد، بل بعداً شاسعاً جداً.
أولاها:
شخصية مؤقتة خاصة خالصة لخدمة القرآن وحده، بكوني دلالاً لخزينة القرآن الحكيم السامية. فما تقتضيه وظيفة الدعوة الى القرآن والدلالة عليه من اخلاق رفيعة

عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:50 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 485
سامية ليست لي، ولا أنا أملكها. وانما هي سجايا رفيعة يقتضيها ذلك المقام الرفيع وتلك الوظيفة الجليلة. فكل ما ترونه من اخلاق وفضائل من هذا النوع فهي ليست لي، وانما هي خاصة بذلك المقام، فلا تنظروا الي من خلالها.
الشخصية الثانية:
حينما أتوجه الى بابه تعالى واتضرع اليه، ينعم علي سبحانه شخصية خاصة في أوقات العبادة بحيث أن لتلك الشخصية آثاراً ناشئة من أساس معنى العبودية، وذلك الاساس هو معرفة الانسان تقصيرَه أمام الله وادراك فقره نحوه وعجزه أمامه والالتجاء اليه بذل وخشوع، فأرى نفسي بتلك الشخصية أشقى وأعجز وأفقر وأكثر تقصيراً امام الله من أي أحد كان من الناس، فلو اجتمعت في ذلك الوقت الدنيا برمتها في مدحي والثناء عليّ لا تستطيع أن تقنعني بأنني صالح وفاضل.
ثالثتها:
هي شخصيتي الحقيقية، أي شخصيتي الممسوخة من سعيد القديم وهي عروق ظلت من ميراث سعيد القديم. فتبدي أحياناً رغبة في الرياء وحب الجاه وتبدو فيّ اخلاق وضيعة مع المبالغة في الاقتصاد الى حدّ الخسة حيث انني لست سليل عائلة ذات جاه وحسب.
فيا أيها الاخوة!
لن أبوح بكثير من المساوئ الخفية لهذه الشخصية ومن أحوالها السيئة، لئلا انفركم عني كلياً.
وقد اظهر سبحانه وتعالى عنايته الرحيمة فيّ بحيث يسخر شخصيتي هذه التي هي كأدنى جندي، في خدمة أسرار القرآن التي هي بحكم أعلى منصب للمشيرية وأرفعها. فله الحمد والمنة الف الف مرة.
فالنفس أدنى من الكل، والوظيفة أسمى من الكل.
الحمد لله.. هذا من فضل ربي.
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 486
(هذه جملة سجّلتها المحكمة في القرار بتخوف شديد ضدنا والحال ان تلك الجملة الشديدة التي كُتبتْ قبل خمس عشرة سنة قد عدّلت الى هذه الصيغة).
"اخوتي! مراعاة لمشاعر الابرياء والشيوخ، لاتثأروا لي ممن يقتلني ظلماً، فحسبهم عذاب القبر والسقر".
ينبغي ان تحملهم هذه الفقرة الآتية على الانصاف:
"انكم ترون ان لنا خلافاً ومعارضة كلية معكم، ومعاملاتكم القاسية شاهدة على ذلك. فانتم تضحون بدينكم وآخرتكم في سبيل دنياكم. ونحن بدورنا مستعدون على الدوام للتضحية بدنيانا في سبيل ديننا، وفي سبيل آخرتنا، وهذا هو سر المعارضة التي بيننا حسب ظنكم.
ولاجرم ان التضحية ببضع سنين من حياتنا التي تمضي في ذل وهوان في ظل حكمكم القاسي قساوة الوحوش لنكسب بها شهادة خالصة في سبيل الله، تعدّ ماء كوثر لنا. ولكن استناداً الى فيض القرآن الحكيم واشاراته، اخبركم يقيناً بالآتي لترتعد فرائصكم:
انكم لن تعيشوا بعد قتلي، فان يداً قاهرة ستأخذكم من دنياكم هذه التي هي جنتكم وانتم مغرمون بها، وتطردكم عنها، وتقذف بكم فوراً الى ظلمات ابدية، وسيقتل بعدي رؤساءكم الذين تَنمرَدوا وطغوا قِتلة الدواب، ويُرسَلون اليّ، وسأمسك بخناقهم امام الحضرة الإلهية، وسآخذ حقي منهم بإلقاء العدالة الإلهية اياهم في اسفل سافلين.
ايها الشقاة الذين باعوا دينهم وآخرتهم بحطام الدنيا!
ان كنتم تريدون ان تعيشوا حقاً فلا تتعرضوا لي ولاتمسّوني بسوء، وان تعرضتم فاعلموا ان ثأري سيؤخذ منكم أضعافاً مضاعفة.
اعلموا هذا جيداً ولترتعد فرائصكم!
الشعاع الرابع عشر - ص: 487
واني آمل من رحمة الله سبحانه ان موتي سيخدم الدين اكثر من حياتي، وان وفاتي ستنفلق على رؤوسكم انفلاق القنبلة، وستشتت رؤوسكم وتبعثرها.
فان كانت لكم جرأة، فتعرضوا لي، فلئن كان لكم ما تفعلونه بي، فلتَعلمُنّ ان لكم ما تنتظرونه وتلاقونه من عقاب.
* * *
(هذه الفقرة اوردتها المحكمة لإدانتي والحال انها تتهمهم بالافراط)
يرد في الرسائل :
"دخل مصطفى كمال ديوان رئاسة الجمهورية بآنقرة وهو على اشد الغضب وقال له : "اننا دعوناك الى هنا لتقدم لنا افكاراً راقية وآراء قيمة، ولكنك ما ان أتيت كتبت اشياء حول الصلاة، فاوقعت فيما بيننا الاختلاف والتفرقة" وردّ عليه سعيد: "ان من لا يصلي خائن وحكم الخائن مردود".
ثم أبدى مصطفى كمال نوعاً من الاسترضاء له متراجعاً عن غضبه وحدته. وعلى الرغم من انه - اي سعيد - قد جرح مشاعر مصطفى كمال وخرق مبادءه الاّ ان مصطفى كمال لم يمسّه بسوء.
وانها لكرامة ساطعة لرسائل النور وقوة عظيمة خارقة لشخصها المعنوي ولطلابها الروّاد والابطال في المستقبل ان يخشى منها قواد جبابرة كما كانوا يخشون من سعيد القديم."
* * *

(فقرة ألزمت المحكمة وجعلتها مسؤولة مع انها اتخذت ضدنا في القرار)
يذكر - في الرسائل - "اننا لسنا مع زعيم اصدر حسب هواه اوامر باسم القانون ونفذها بقوة لتحويل جامع ايا صوفيا الى دار للاصنام ، وجعل مقر المشيخة العامة
الشعاع الرابع عشر - ص: 488
ثانوية للبنات، لسنا معه فكراً ولا موضوعاً، ولا من حيث الدافع ولا من حيث النتيجة والغاية. ولا نجد انفسنا ملزمين بقبول امر كهذاً".
ويكتب في عريضته المؤرخة 29/8/948
"ورد هذا الفكر الى قلبي: انه ضروري جداً لصالح الامة ولنفع البلاد ان تحافظ الحكومة عليّ حفاظاًً تاماً وتمدّ يد المعاونة اليّ. الاّ انها تضيق الخناق عليّ، مما يومئ الى ان الذين يحاربونني هم منظمة الزندقة السرية وقسم من منظمة الشيوعية الذين التحقوا بهم، هؤلاء قد قبضوا على زمام الامر في عدد من المناصب الرسمية المهمة في الدولة ، فيهاجمونني ويجابهونني. اما الحكومة فاما انها لا تعرف بهم او تسمح لهم. وياترى اي ذنب واي جريرة في ان تنتقد او تضمر عدم المحبة لرجل حوّل جامع اياصوفيا الذي هو مبعث الشرف الابدى لأمة بطلة، والدرة الساطعة لخدماتها وجهادها في سبيل القرآن، وهدية تذكارية نفيسة من هدايا سيوف اجدادها البسلاء.. حوّ له الى دار للاصنام وبيت للاوثان وجعل مقر المشيخة العامة ثانوية للبنات؟
* * *
(هذه الفقرة هي أقوى فقرة ظنت المحكمة انها تنزل العقاب بسعيد. وهو الكلام الذي اطلقه سعيد في محكمة دنيزلي تجاه اعدائه المتسترين الاّ ان المحكمة قد فهمتها خطأ بل خطأ كلياً انها فقرة ضد الدولة والحكومة تماماً واظهرتها سبباً لانزال العقاب بي.)
لقد اطلق على قسم من القوانين الحديثة للدولة التي سنّت هذه القوانين الانقلابية ووضعتها موضع التنفيذ اسم "الاستبداد الكفرى الاعتباطي" وعلى الجمهورية اسم "الاستبداد المطلق". وعلى النظام اسم "الارتداد المطلق" وعلى الشيوعية والمدنية اسم "السفاهة المطلقة"
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 489
(فقرة كتبت في قرار المحكمة باعجاب وتقدير)
ويذكر: ان لكتابة رسائل النور فوائد دنيوية واخروية كثيرة جداً، منها:
1- الجهاد المعنوي تجاه اهل الضلالة.
2- مساعدة الكاتب لاستاذه على نشر الحقائق.
3- خدمة المسلمين من حيث الايمان.
4- كسب العلم بالقلم.
5- القيام بعبادة فكرية التي تعدل ساعة منها احياناً سنة من العبادة.
6- حسن الخاتمة ودخول القبر بالايمان.
وكذا لها خمس انواع من الفوائد الدنيوية:
1 - البركة في الرزق.
2- الانشراح والسرور في القلب.
3- اليسر في العيش.
4- التوفيق في الاعمال.
5 - الاشتراك في ادعية طلاب النور جميعهم ، لكسبه فضيلة طالب العلم.
وسيدرك شباب الجامعة هذه الامور عن قريب وستحوّل الجامعة الى مدرسة نورية.
* * *
(انه لمحير ان تعدّ هذه التضحية الخالصة جرماً وذنباً)
ان احدى الخطتين اللتين حاكهما المنافقون المتسترون في جنح الظلام هي التهوين من شأني. وكأن قيمة الانوار الرفيعة لرسائل النورتسقط بهذا من عليائها.
والثانية: هي بث القلق والاضطراب في صفوف طلاب النور. وكأنهم بهذا يعيقون انتشار رسائل النور.
لا تقلقوا يا اخوتي! ان حقيقة سامية افتدتها ملايين الرؤوس فداء لها رؤوسنا نحن الضعفاء ايضاً.
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 490
(لقد اعترضوا على واحد من الاسباب التسعة الداعية الى تسمية رسائل النور بهذا الاسم. فقالوا: اننا لانرى من تسمّى باسم "نور" من بين طلابه الممتازين، وكما اجبنا عنه في الهامش فان كلاً من "نورى بنلي ونورى الساعاتي" من الممتازين في خدمة النور حاليا، بمعنى انهم لا يجدون ما ينتقدوه ولكنهم يضطرون الى التشبث بحجج جزئية تافهة)
انه يذكر في الكلمة السادسة والعشرين:
ان سبب اطلاق اسم رسائل النور على مجموع الكلمات (وهي ثلاث وثلاثون كلمة) والمكتوبات (وهي ثلاثة وثلاثون مكتوباً) واللمعات (وهي احدى وثلاثون لمعة) والشعاعات (وهى ثلاثة عشر شعاعاً) هو: ان كلمة النور قد جابهتني في كل مكان طوال حياتي، منها: قريتي اسمها: نورس.
اسم والدتي المرحومة: نورية.
اسم استاذى في الطريقة النقشبندية: سيد نور محمد.
وأحد اساتذتي في الطريقة القادرية: نور الدين.
وأحد اساتذتي في القرآن: نورى .
واكثر من يلازمني من طلابي من يسمّون باسم نور (ومن العجيب ليس بين طلاب النور الممتازين من يسمى بـنوري).
واكثر ما يوضح كتبي وينورها هو التمثيلات النورية.
واكثر ما حل مشكلاتي في الحقائق الالهية هو: اسم "النور" من الاسماء الحسنى.
ولشدة شوقى نحو القرآن وانحصار خدمتي فيه فان إمامي الخاص هو سيدنا عثمان ذو النورين رضي الله عنه.
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 491
( ان رسالة "الهجمات الست" وذيلها قد كتبت قبل عشرين سنة لمجابهة تعدٍّ ظالمٍ شديد. وهي رسالة في غاية الخصوصية والسرية، وقد مرّت بين يدي محاكم كثيرة. وكتبت في حالة سورة غضب انتابتني في اثناء الحرب العالمية الثانية. وهي اذ تبين ذلك الغضب والحدة حقاً، الاّ ان مصادرتها وكأنها قد كتبت حالياً وعدّها ذنباً وجريرة، بُعدٌ عن العدالة عظيم)
تستهل مقدمة ذيل "الهجمات الست" بالآتي:
كتب هذا الذيل (للتداول الخاص)، لتجنُّب مايرد في المستقبل من كلمات الاهانة وشعور الكراهية، اي؛ لئلا يصيب بصاق اهانتهم وجوهنا، او لمسحه عنها عندما يقال: تباً لرجال ذلك العصر العديمي الغيرة!
وكتب تقريراً ولائحة لترن آذانٌ صمّ، اذان رؤساء اوروبا المتوحشين المتسترين بقناع الانسانية.. ولينغرز في العيون المطموسة، عيون اولئك العديمي الضمير الجائرين الذين سلطوا علينا هؤلاء الظلمة الغدّارين.. وليُنزل صفعةً كالمطرقة على رؤوس عبيد المدنية الدنية التي اذاقت البشرية في هذا العصر آلاماً جهنمية حتى صرخت في كل مكان: لتعش جهنم!
لقد حدثت في الفترة الاخيرة اعتداءات شنيعة كثيرة على حقوق المؤمنين الضعفاء، من الملحدين المتخفين وراء الأستار، واخص بالذكر اعتداءهم عليّ تعدياً صارخاً، باقتحامهم مسجدي الخاص الذي عمّرته بنفسي، وكنا فيه مع ثلة من رفقائي الاعزاء، نؤدي العبادة، ونرفع الاذان والاقامة سراً. فقيل لنا: لِمَ تقيمون الصلاة باللغة العربية وترفعون الاذان سراً؟
نفد صبري في السكوت عليهم: وها أنذا لا أخاطب هؤلاء السفلة الدنيئين الذين حرموا من الضمير، وليسوا أهلاً للخطاب، بل أخاطب اولئك الرؤساء المتفرعنين في القيادة الذين يلعبون بمقدرات الأمة حسب أهواء طغيانهم. فأقول:
يا أهل الالحاد والبدعة! اني أطالبكم بالاجابة عن ستة اسئلة.
الشعاع الرابع عشر - ص: 492
السؤال الاول:
ان لكل حكومة، مهما كانت، ولكل قوم، بل حتى اولئك الذين يأكلون لحم البشر، بل حتى رئيس أية عصابة شرسة، منهجاً واصولاً ودساتير، يحكمون وفقها.
فعلى اي اساس من دساتيركم وأصولكم تتعدّون هذا التعدي الفاضح. اظهروه لنا. ام انكم تحسبون اهواء عدد من الموظفين الحقراء قانوناً؟ اذ ليس هناك قانون في العالم يسمح بالتدخل في عبادة شخصية خاصة! ولايسنّ قانون في ذلك قطعاً.
* * *

(انه ليبعث على الاسف اتخاذهم جملة او جملتين من رسالة "الاشارات السبع" ذريعة لمصادرتها وحجة علينا مع انها رسالة قديمة وخاصة وسرية وتتضمن حقيقة قوية ورصينة بحيث تستحق ان تعلن لصالح الحياة الاجتماعية على البشرية جمعاء والعالم اجمع).
ان أحمق الحمقى في الدنيا هو من ينتظر من امثال هؤلاء الملحدين السفهاء الرقي وسعادة الحياة.
ولقد قال أحد هؤلاء الحمقى، وهو يشغل منصباً مهماً: اننا تأخرنا لقولنا: الله.. الله.. بينما اوروبا تقدمت لقولها : المدفع.. البندقية!.
ان جواب امثال هؤلاء: السكوت حسب قاعدة: "جواب الاحمق السكوت" ولكننا نقول قولاً لاولئك العقلاء الشقاة الذين يتبعون بعض الحمقى:
ايها البائسون! هذه الدنيا انما هي دار ضيافة..
فما دام الموت موجوداً، وان المصير الى القبر حتماً، وان هذه الحياة ماضية راحلة، وستأتي حياة باقية خالدة، فان قيل : المدفع.. البندقية مرة واحدة فلابد من القول ألف مرة: "الله.. الله"
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 493
(ان ما يوجب الحيرة، ان جملة من "اللمعة السادسة عشرة" وهي لصالحنا، حوّلوها الى جملة ضدنا، وابدوا رغبة في مصادرة تلك الرسالة القيمة)
من اللمعة السادسة عشرة:
ان مصيبة الحرب وبلاءها، ضرر بالغ لخدمتنا القرآنية... ان القدير ذا الجلال الذي يطهّر وجه السماء الملبّد بالغيوم ويبرز الشمس الساطعة في وجه السماء اللامع خلال دقيقة واحدة، هو القادر ايضاً على ان يزيل هذه الغيوم السوداء المظلمة الفاقدة للرحمة. ويُظهر حقائق الشريعة كالشمس المنيرة بكل يسر وسهولة وبغير خسارة.
اننا نرجو هذا من رحمته الواسعة، ونسأله سبحانه الاّ يكّلفنا ذلك ثمناً غالياً. وان يمنح رؤوس الرؤساء العقل ويهب لقلوبهم الايمان. وهذا حسبنا، وحينها تتعدل الامور بنفسها وتستقيم.
ما دام الذي في ايديكم نور، وليس هراوة وصولجاناً، فالنور لايُعارَض ولايُهرَب منه، ولا ينجم من إظهاره ضرر. فلِمَ اذاً توصون اصدقاءكم بأخذ الحذر وتمنعونهم من ابراز رسائل نيّرة كثيرة للناس كافة؟.
مضمون جواب هذا السؤال باختصار هو:
ان رؤوس كثير من الرؤساء مخمورة، لايقرأون، واذا قرأوا لايفهمون، فيؤولونه الى معنى خطأ، ويعترضون ويهاجمون. لذا، وللحيلولة دون الهجوم ينبغي عدم اظهار النور لهم لحين افاقتهم واسترجاع رشدهم.
ثم ان هناك غير منصفين كثيرين، ينكرون النور، أو يغمضون اعينهم دونه، لأغراض شخصية خاصة، أو خوفاً أو طمعاً..
ولأجل هذا اوصى اخوتي ايضاً ليأخذوا حذرهم ويحتاطوا للأمر، وعليهم الاّ يعطوا الحقائق احداً من غير اهلها، والاّ يقوموا بعمل يثير اوهام اهل الدنيا وشبهاتهم عليهم.
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 494
(ان الحجاب أمر قرآني، و قد آُجيب عنه جواباً شافياً في الرسائل. علماً ان هذه الرسالة قد كتبت سابقاً وقاسينا العقاب بسببها. ولكن رغم هذا اتخذوها ذنباً اقترفناه واعتبروها حجة علينا، ثم ان بداية حقيقة جليلة وردت في رسالة "الشيوخ" و "مرشد الشباب" تلك الحقيقة القيمة النافعة للناس كلهم، جعلوها جريرة لنا ومبررا لمصادرة تلك الرسالة.. كل ذلك يدل على انهم لا يجدون ما يتذرعون به للانتقاد والجرح).
في اللمعة الرابعة والعشرين، بعد الايضاح ان الحجاب امر قرآني يقول: "ولقد طرق سمعنا: ان صباغ أحذية قد تعرض لزوجة رجل ذي منصب دنيوي كبير، كانت مكشوفة المفاتن، وراودها نهاراً جهاراً في قلب العاصمة "انقرة"! أليس هذا الفعل الشنيع صفعة قوية على وجوه اولئك الذين لا يعرفون معنى الحياء من اعداء العفة والحجاب؟"
وفي اللمعة السادسة والعشرين الخاصة بالشيوخ :
"ففي ذات يوم من الايام الاخيرة للخريف، صعدت الى قمّة قلعة انقرة، التي اصابها الكبر والبلى اكثر مني، فتمثّلت تلك القلعة امامي كأنها حوادث تأريخية متحجرة، واعتراني حزن شديد وأسى عميق من شيب السنة في موسم الخريف، ومن شيبي انا، ومن هرم القلعة، ومن شيخوخة الدولة العثمانية العلية، ومن وفاة سلطنة الخلافة. فاضطرتني تلك الحالة الى النظر من ذروة تلك القلعة المرتفعة الى اودية الماضي وشواهق المستقبل.
فالماضي أوحشني بدلاً من ان يسلّيني ويمنحني النور.
والمستقبل تراءى لي على صورة مقبرة كبرى مظلمة لي ولأمثالي وللجيل القابل، فأدهشني عوضاً من ان يؤنسني.
ثم نظرت الى زمني الحاضر، فبدا ذلك اليوم لنظري الحسير ونظرتي التأريخية على شكل نعش لجنازة جسمي المضطرب كالمذبوح بين الموت والحياة.
* * *

عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:51 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 495
(كان عليهم ان يقدّروا هذه الجملة حق قدرها الا انهم انتقدوها واتخذوها حجة علينا.)
يذكر: "لقد صرفت كثيراً من مرتّبي الذي كنت قد قبضته وانا في دار الحكمة الاسلامية وادخرت قليلاً منه لاداء فريضة الحج. وقد كفتني تلك النقود القليلة ببركة القناعة والاقتصاد، فلم يرق مني ماء الوجه. ومازالت بقية من تلك النقود المباركة موجودة."
ثم في اللمعة الثانية والعشرين بعد ان يشير الى انها رسالة سرية خاصة لاخوته الصادقين الخالصين يقول:
"الاشارة الاولى: لِمَ يتدخل أهل الدنيا بامور آخرتك كلما وجدوا لهم فرصة، مع انك لا تتدخل في شؤون دنياهم؟.. ان الذي يجيب عن هذا السؤال هو حكومة محافظة اسبارطة واهالىها."
* * *
(ان الذين يتوهمون هذا الامل الخالص والرغبة النزيهة النابعة من الشفقة الايمانية والذي يوجب الاعجاب، يتوهمونه ذنباً نقترفه، لا شك انهم هم المذنبون)
في رسالة موقعة باسم سعيد يُذكر: "ترى ما حكمة تراكض الاطفال الابرياء الذين تتراوح اعمارهم من السابعة الى العاشرة لمجرد ملاحظتهم اياى وانا اتجول في العربة الحصانية، ثم التفافهم حول يدى ؟ كنت احار امام هذا المنظر، ولكن اذا بخاطر يخطر الى قلبي فأدركت ان هؤلاء الاطفال الابرياء يستشعرون بحس قبل الوقوع انهم سينالون السعادة برسائل النور وسينجون من مهالك معنوية ستحيط بهم"

* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 496
(ان عدّ هذه الفقرة الآتية ذنباً ظلم وخارج عن الانصاف تلك التي كانت في البداية دفاعاً لي وعدت في النهاية تمنياً ورغبة)
يذكر: "ان قسماً من الايات الكريمة والاحاديث الشريفة يشيران معاً الى حقيقة نورانية في هذا العصر، ويظهران المجدد الاكبر الذي سيأتى في آخر الزمان، و ان اهم وظيفة من وظائفه الثلاث الجليلة هي انقاذ الايمان. ويذكر أن إحياء الشريعة وإقامة الخلافة وماشابهها من الوظائف العظيمة الشاملة لدائرة واسعة جداً، لا ضرر من عدم ذكرهما، حيث انه يكون وسيلة لانتقاد المعارضين وهجوم السياسيين، لذا يرفع بعض الجمل ويعدّلها وسيعيدها الى اخوته المدققين.
وفي رسالة موقعه باسم سعيد النورسي:
بينما سترت الآيتان الكريمتان: (انا فتحنا لك فتحاً مبيناً) (الفتح: 1) و (وينصرك الله نصراً عزيزاً) (الفتح: 3) الموجودتان على الباب الخارجي لبناية الوزارة الحربية المتحولة الى الجامعة بالمرمر، فان ابرازهما: مثال على السماح لاستعمال الخط القرآني، ووسيلة لما تقصده رسائل النور من استعمال الخط القرآني واشارة الى تحول الجامعة الى مدرسة نورية.
* * *
(ان ما بيّنوه من نقد حول ايضاحي للحقيقة الواردة في رسالة تكبيرات الحجاج، جوابه المسكت المقنع هو الهامش الذي وضعه "خسرو")
يقول في رسالة موقعة باسم سعيد النورسي، ومعنونة بتكبيرات الحجاج:
ان قسماً من طلاب النور الذين لهم اهمية، يظنون بك، انك الشخص الذي سيأتي في آخر الزمان من آل البيت. ويصرّون على ظنهم هذا ولكنك ترفض باصرار ايضاً ما يدور في اذهانهم، و تتحرز منه وتتجنبه. وهذا في ذاته تناقض وتضاد. نريد حلّه.
الشعاع الرابع عشر - ص: 497
ثم يردف إزاء سؤالهم هذا قوله:
"ان الشخص المعنوى الذي يمثل مهدي الرسول المنتظر له ثلاث وظائف. وأهم تلك الوظائف هي انقاذ الايمان، ثم احياء الشعائر الاسلامية باسم الخلافة المحمدية، ويسعى ذلك الشخص لإنجاز هذه المهمة نظراً لتعطل كثير من احكام القرآن وقوانين الشريعة المحمدية.
هذا وان طلاب النور يرون ان الوظيفة الاولى كلياً في عهدة رسائل النور. اما الوظيفتان التاليتان فهما بالنسبة للأولى ثانوية وثالثية. لذا يتلقون الشخص المعنوي لرسائل النور انه نوع من المهدي حقاً، ويعطى ذلك الاسم احياناً الى هذا الضعيف العاجز الذى يعتقد قسم منهم انه يمثل ذلك الشخص المعنوي. حتى ان قسماً من الاولياء يرون في كراماتهم الغيبية ان رسائل النور هي مهدي آخرالزمان ومرشده. وهم يقولون: ان هذا الأمر يفهم بالتحقيق والتأويل. ولكن هناك إلتباس في نقطتين، لا بد من التأويل.
الأولى:
ان الوظيفتين الاخيرتين ، رغم انهما ليستا بأهمية الوظيفة الاولى من زاوية الحقيقة، الاّ ان الخلافة المحمدية والاتحاد الاسلامي هما لدى عامة الناس واهل السياسة ولاسيما في افكار هذا العصر، أنهما اهم من الوظيفة الاولى بألف مرة.
وعلى الرغم من ان الله يبعث في كل عصر مهدياً ومرشداً، وقد بعث فعلاً، إلاّ انهم لم يحرزوا لقب المهدى الاكبر لآخر الزمان حيث انهم ادّوا في جهة من الجهات وظيفة واحدة من تلك الوظائف الثلاث.
الثانية:
ان ذلك الشخص العظيم الذي سيظهر في آخر الزمان هو من آل البيت، واني وان كنت بمثابة ولد معنوي لسيدنا علي رضي الله عنه حيث تلقيت منه درس الحقيقة، وأن آل محمد شامل لطلاب النور الحقيقيين في معنى من معانيه، واعدّ من هذه الجهة من آل البيت، الاّ انه ليس في مسلك النور اظهار الشخصيات وابراز الانانية، ولا الرغبة في نيل مقامات شخصية رفيعة، ولاالحصول على السمعة والصيت، بل حتى
الشعاع الرابع عشر - ص: 498
لو اُعطيتُ مقامات اخروية فانى ارى نفسي مضطراً للتخلي عنها لكيلا اخلّ بالاخلاص في النور...
وهذا يعني انه يجيب بما يشمّ منه موافقته الجزئية للموضوع اذ ليس فيه ردّ حاسم ورفض جاد لهذه المسألة، المهدية. 1
* * *

(ان الحوادث المذكورة في هذه الفقرة واقعة فعلاً وبصورة عجيبة محيرة، فان حدوث الزلزلة عقب ثلاث دقائق من قولي: "لا تحزنوني ان الارض تغضب عليكم" كان المفروض عليهم أن يأخذوا المسألة بجد ويستحسنوا الموقف، وذلك بمقتضى الشفقة، حيث انها ليست موضع انتقاد واعتراض)
"بعد مرور عشر ساعات على أخذ إفادته التي دامت اربع ساعات وهو يعاني الضيق، دبّ الحريق في دائرة المعارف، حتى كأنها في الوقت نفسه. مما أظهر أن رسائل النور وسيلة لدفع البلايا بحيث لو هوجمت وجدت البلايا لها منفذاً فتنزل."
وفي الرسالة المرقمة مائة وواحد واربعين:
بعد أخذ افادته التي دامت اربع ساعات ونصف الساعة، يذكر حوادث الحريق التي نشبت في دائرة المعارف في "انقرة" وفي كراج السيارات وفي معمل في "ازمير" وفي عمارة كبيرة في "اطنه".. ثم يذكر قوله: "لاتحرموني من الرسائل، والاّ تكون خسارة جسيمة لي ولهذا الوطن، فالارض تحتد وتغضب بالزلزلة." وبعد قولته هذه بثلاث دقائق وقعت الزلزلة ودامت ثلاث ثواني، واظهرت غضب الارض، وشبت النار في دائرة المعارف، في وقت الهجوم على رسائل النور وطلابها، وقد ثبت هذا فعلاً لدى المحكمة أن حدوث الزلازل ونشوب الحريق تلازم وقت الهجوم على رسائل النور. فهذه الحوادث لايمكن أن تكون مصادفة.
لقد اصبحت رسائل النور وسيلة لدفع كثير من البلايا في هذه البلاد، فهناك وقائع كثيرة جداً على هذا.
_____________________
1 ايتها الهيئة غير المنصفة: كيف يكون اذن الردّ الحاسم؟ باسم طلاب النور.. خسرو.

الشعاع الرابع عشر - ص: 499
وفي الرسالة المرقمة مائة وسبع واربعين يذكر:
ان الشتاء قد غضب غضباً شديداً، في الوقت الذي شُنّ الهجوم علينا وقد اظهر غضب الهواء وحدّته بالعواصف والبرد الشديد، انه متى ما توقفت الهجمات على الرسائل وطلابها، فان ابتهاج طلاب النوريبدّل تلك العواصف القاسية الى ايام ربيع بهيجة.
ان الحريق الذي دبّ في دائرة المعارف صفعة قوية.
* * *
(ان الحالة التي يجب أن تُبارك، لا ينظر إليها نظر الاعتراض)
سألوني في هذه المرة في المحكمة ضمن اسئلة لا معنى لها، قائلين: بِمَ تعيش؟ فقلت: ببركة الاقتصاد. ان من كان في اسبارطة ويعيش في شهر رمضان على رغيف واحد، وكيلو من اللبن وكيلو من الرز، لايتنازل للدنياكلها لأجل العيش ، ولايضطر الى قبول الهدايا.
* * *
(قد ساق الثناء الساطع لـ "زبير" 1 ودفاعه الذي قرأه امام المحكمة الى التقدير والاستحسان باذن الله بحيث ادرجوه باعجاب في القرار)
ان ماكتبه زبير في احدى الملازم المطبوعة بالآلة الطابعة والمعنونة بـ (شبابنا يطلب علماً واخلاقاً راقية تعلّم الحق والحقيقة) جاء في صفحتها العاشرة: "ان رسائل النور
_____________________
1 (1920 -1971) ولد في احدى اقضية ولاية (قونيا)، عيّن موظفاً في دائرة البرق بعد اكماله الدراسة المتوسطة. ثم نذر نفسه لخدمة الايمان والقرآن من خلال نشر رسائل النور. كان مثالاً للاخلاص والمثابرة حتى اصبح اقرب تلاميذ الاستاذ اليه، تولى ادارة طلاب النور بعد وفاته، له مذكرات خاصة في محاسبة النفس وتقوية الارادة. رحمه الله رحمة واسعة.-المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 500
التي تنقذ مسلمي القرن العشرين والبشرية عامة من ظلمات الافكار الباطلة القاتمة ليست من بنات افكار المؤلف نفسه بل إلهام قذفه رب العالمين الى قلب المؤلف، فهي رسائل راقية قيمة نفيسة".
وجاء في الصفحة الثانية عشرة:
"اذا ما قيل لطالب يخدم في مجال رسائل النور: استنسخ هذه الكتب بدلاً عن رسائل النور، اعطيك ثروة "فورد" وغناه. لأجابهم قبل ان يرفع طرف قلمه من كتابة رسائل النور: لا اقبل حتى لو أعطيتم لى ثروة الدنيا كلها وسلطنتها".
وفي الصفحة الخامسة عشرة:
"ان كانت درجة ارتباطنا لنزيهي الفكر من المؤلفين مائة درجة فان درجة ارتباطنا لشخصية عظيمة كبديع الزمان الذي يرشدنا الى سعادة الدنيا والاخرة بلايين البلايين بل بغير نهاية".
وفي الصفحة الثانية عشرة:
"ان الشخص المعنوي لرسائل النور قد شخّص امراض هذا العصر الاجتماعية والروحية والدينية، وعرض لانسان هذا العصر بعناية الله مايداويه من العلل الاجتماعية المزمنة بادوية نابعة من حقائق القرآن".
وفي الصفحة الرابعة والاربعين:
"قال بديع الزمان: من يقرأ هذه الرسائل لسنة كاملة يمكن ان يكون عالماً جليلاً في هذا الزمان . نعم انه كذلك."
وفي الصفحة الرابعة والخمسين:
"ان الحكام الذين قرأوا رسائل النور لا يُتوقع صدور قرارات غير صائبة منهم."
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 501
الى رئاسة محكمة التمييز
في جلسة محكمة التمييز التي راجعناها لإبطال القرار الجائر الذي اصدرته محكمة "افيون" في حقنا لم يدعوا لي فرصة للكلام، بل تلوا علينا اتهاماً ثالثاً شديد اللهجة، ولم يسمحوا لأحد ان يساعدني في الكتابة، وفضلاً عن رداءة خطي في الكتابة فقد كنت مريضاً، وهذه الشكوى التي كتبتها وانا مريض اقدمها الى مقامكم (الذي انصفني مرتين انصافاً تاماً) كلائحة تمييز.

* * *
باسمه سبحانه
هذه عريضة الى محكمة الحشر الكبرى، وشكوى الى المقام الالهي، ولتسمعها محكمة التمييز في الوقت الحالي والاجيال الآتية في المستقبل ولتسمعها اساتذة دار الفنون (الجامعة) وطلابها المثقفون، فمن مئات المصائب والبلايا التي واجهتها طوال ثلاث وعشرين سنة اخترت عشراً منها لعرضها على عدالة المقام الالهي ذي الجلال الحاكم المطلق مشتكيا اليه:
الاولى:
مع انني شخص مقصر، فقد نذرت كل حياتي في سبيل سعادة هذه الامة وفي سبيل انقاذ ايمانها، ولقد سعيت بكل جهدى للعمل برسائل النور لكي اضحي بنفسي فى سبيل حقيقة أفتدتها ألوف الانفس، وهي الحقيقة القرآنية واستطعت بتوفيق من الله تعالى وفضل منه ان اتحمل شتى ضروب التعذيب، فلم اتقهقر ولم انسحب.
اسوق مثالاً واحداً من التصرفات الغادرة والظالمة التي واجهتها في سجن "افيون" وفي محكمتها:
مع انهم اسمعوني واسمعوا طلاب النور الابرياء (الذين كانوا ينتظرون السلوان من عدالة المحكمة) ثلاث مرات لائحة الاتهام المليئة بالافتراءات وكانت قراءة اللائحة
الشعاع الرابع عشر - ص: 502
تستغرق كل مرة ساعتين في الأقل، الا انهم لم يسمحوا لي بالكلام وبالرد الا لمدة دقيقة واحدة او دقيقتين، مع انني رجوت منهم ان يسمحوا لي بالدفاع عن حقوقنا لمدة خمس او عشر دقائق.
ومع انني أُبقيت معزولاً لمدة عشرين شهراً في سجن انفرادي، الا انهم لم يأذنوا لأحد بزيارتي ورؤيتي الا لصديقين او ثلاثة ولمدة ثلاث واربع ساعات فقط، وقد ساعدتني هذه الزيارة مساعدة جزئية جداً في كتابة دفاعي. ثم منعوا هؤلاء ايضاً، وعاملوهم معاملة قاسية وعاقبوهم. واجبرونا على سماع لائحة الاتهام للمدعي العام البالغة خمس عشرة صحيفة والتي ملأها بالاكاذيب المغرضة وبالأفتراءات وبسوء الفهم.
حتى انني احصيت فيها واحداً وثمانين خطأً، ولم يسمحوا لي بالكلام وبالرد، ولو سمحوا لي بذلك لقلت لهم.
انتم تنكرون دينكم وتهينون أجدادكم - بوصفهم بانهم كانوا على ضلالة - وتنكرون نبيكم صلى الله عليه وسلم ولاتقبلون بقوانين قرآنكم الكريم، بينما لا تتعرضون لليهود ولا للنصارى ولا للمجوس، ولا للمنافقين المرتدين من الفوضويين من انصار البلشفية، وذلك تحت شعار حرية الفكر وحرية الوجدان. وان الحكومة البريطانية التي نعلم مدى تعصبها للنصرانية ومدى جبروتها، تسمح للملايين من المسلمين الموجودين تحت حكمها بقراءة القرآن في كل وقت واخذ دروس منه، هذه الدروس التي ترّد كل العقائد الباطلة وكل الدساتير الكافرة للانكليز. ثم ان المعارضين لكل حكومة يستطيعون ابداء آرائهم علناً ويستطيعون نشر هذه الافكار، ولاتتعرض لهم محاكم هذه الحكومات. اما انا فقد تم تدقيق اربعين سنة من حياتي وتدقيق مائة وثلاثين كتاباً من كتبي وجميع مكاتيبى ورسائلي حتى السرية منها في محكمة "اسبارطة" وفي محكمة "دنيزلي" وفي محكمة جزاء "انقرة" وكذلك في رئاسة الشؤون الدينية، كما قامت محكمة التمييز بهذا التدقيق مرتين - وربما ثلاث مرات - وبقيت رسائل النور بكل نسخها الخاصة منها وغير الخاصة في يدها مدة حوالى ثلاث سنوات، ومع ذلك لم يجدوا فيها أي شئ يستوجب عقوبة مهما كانت صغيرة. وانا اتساءل ماهو الذنب الذي اقترفناه لكي تقوموا باصدار عقوبة قاسية في حقنا وسجننا سجناً انفرادياً
الشعاع الرابع عشر - ص: 503
وانا بهذه الدرجة من الضعف وفي هذا الوضع القاسي من الظلم والقهر، واي قانون او مصلحة او وجدان يرضى بهذا؟ مع ان رسائل النور - التي تجدون مجموعتها كاملة بين ايديكم - اصبحت مرشداً قوياً وقويماً لاكثر من مائتى الف طالب من طلاب النور الحقيقيين المستعدين للتضحية، فخدمت بذلك أمن البلد واستقراره. ثم ان دفاعي الذي قدمته والذي بلغ اربعمائة صفحة اثبت براءتنا بشكل قاطع لايقبل الشك، لذا ستسأل هذه الاسئلة منكم امام المحكمة الكبرى يوم الحشر دون ريب.
الثانية:
لقد عدّوا تفسيري للايات القرآنية الصريحة حول الحجاب والارث وذكر الله وتعدد الزوجات، وقيامي برد الاعتراضات المثارة ضدها من قبل المدنية الغربية الحالية رداً مفحماً.. عدّوا ذلك احدى التهم الموجهة اليّ. واكرر هنا الفقرة التي اوردتها قبل خمسة عشر عاماً في محكمة "اسكى شهر" ثم في محكمة التمييز في "انقرة" وستكون هذه الفقرة شكواي في محكمة الحشر الكبرى وتنبيهاً وايقاظاً للجماعات المثقفة للاجيال القادمة وستكون هي مع رسالة "الحجة الزهراء" بمثابة لائحة تمييز، كما انني اكرر هذه الفقرة للمدعي العام الذي لم يترك لي فرصة للكلام والذي اثبتّ ثمانين خطأ ورد في لائحته الاتهامية التي ملأها بالمغالطات واعرضها مرة اخرى على هيئة المحكمة التي اصدرت حكما عليّ بسنتين من الحبس الانفرادي الشديد وبسنتين من النفي والاقامة الجبرية:
انني اقول لمحكمة وزارة العدل:
ان ادانة من يفسر اقدس دستور الهي وهو الحق بعينه، ويحتكم اليه ثلاثمائة وخمسون مليوناً من المسلمين في كل عصر في حياتهم الاجتماعية، خلال الف وثلاثمائة وخمسين عاماً. هذا المفسر استند في تفسيره الى ما اتفق عليه وصدق به ثلاثمائة وخمسون الف مفسر، واقتدى بالعقائد التي دان بها اجدادنا السابقون في الف وثلاثمائة وخمسين سنة.. اقول: ان إدانة هذا المفسر قرار ظالم لابد ان ترفضه العدالة، ان كانت هناك عدالة على وجه الارض، ولابد ان ترد ذلك الحكم الصادر بحقه وتنقضه. ولتسمع هذا الآذان الصماء لعصرنا الحالي.
الشعاع الرابع عشر - ص: 504
ألا يعني إدانة شخص ترك السياسة واعتزل الحياة الاجتماعية ولايؤمن من الناحية الفكرية العلمية ببعض القوانين الأجنبية التي قُبلت في هذا البلد بمقتضى ظروف معينة، لقيامه بتفسير هذه الآيات انكاراً منهم للاسلام وخيانة لمليار من اجدادنا الابطال المتدينين واتهاماً لملايين التفاسير القرآنية.
الثالثة:
من الأسباب التي ذكروها لتبرير الحكم علي هي القيام باخلال الامن والاستقرار؛ وعلة هذا انهم قاموا بتفسير خاطئ لمعنى بعض الجمل الواردة في خطابات شخصية ورسائل خاصة لاتتجاوز الخمسين جملة، مع ان رسائل النور تحوي اكثر من مائة الف كلمة وجملة، ونظروا الى احتمال واهٍ وبعيد جداً لايتجاوز واحداً في المائة بل واحداً من الف، وعدوا هذا الاحتمال البعيد واقعاً ويريدون به عقابنا.
وانا اُشهد الذين يعرفون الثلاثين او الاربعين سنة الاخيرة من حياتي والالاف من طلبة النور الاصفياء فاقول:
عندما بدأ القائد العام للجيش الانكليزي الذي احتل استانبول ببذر بذور الخلاف بين المسلمين حتى خدع شيخ الاسلام وبعض العلماء الآخرين وجعل احدهم يهاجم الآخر، ووسع الخلاف بين جماعة الاتحاديين 1 وجماعة "الائتلاف" لكي يهئ الجو لانتصار اليونانيين واندحار الحركة الملية الوطنية. قمت آنذاك بتأليف كتابي "الخطوات الست" ضد الانكليز وضد اليونانيين، وقام السيد "أشرف اديب" 2 بطبعه ونشره، مما ساعد على إبطال مفعول الخطة الجهنمية لذلك القائد، فالذى لم يحفل بتهديد القائد الانكليزي باعدامه ولم يهرب الى انقرة مع ان حكومة انقرة 3
_____________________
1 جماعة الاتحاديين: هم جماعة الاتحاد والترقي الذين هرب قادتهم الى الخارج بعد اندحار الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى امام قوات الحلفاء. اما جماعة "الائتلاف " فهم جماعة سياسية ظهرت بُعَيد انتهاء الحرب وكانوا خصوماً للاتحاديين. (المترجم).
2 وهو من المجاهدين المسلمين آنذاك، ورأس تحرير مجلة "سبيل الرشاد " الاسلامية.(المترجم).
3 كانت هناك آنذاك حكومتان: حكومة الخلافة في استانبول واقعة تحت سيطرة واحتلال دول الحلفاء (وعلى رأسها انكلترة) وحكومة وطنية في انقرة (على رأسها مصطفى كمال)، ولم يكن مصطفى كمال قد أسفر عن وجهه الحقيقي المعادي للاسلام آنذاك. (المترجم).


عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:52 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 505
استدعته تقديراً منهم لنضاله، وفي روسيا لم يحفل بقرار الاعدام الذي اصدره القائد الروسي، واستطاع في حوادث 31 مارت بخطبة واحدة تهدئة ثماني كتائب هائجة من الجيش وجلبها الى الطاعة. وعندما قال له باشوات المحكمة العسكرية العرفية 1: "انت ايضاً رجعي فقد طالبت بحكم الشريعة" لم يحفل بتهديدهم ادنى احتفاء بل اجابهم: "اذا كانت المشروطية عندكم تعني استبداد فئة معينة فليشهد الثقلان انني رجعي، وانا مستعد للتضحية بروحي في سبيل مسألة واحدة فقط من مسائل الشريعة" مما أذهل الضباط الكبار. وبينما كان يتوقع حكم الاعدام اصدروا قرارهم بتبرئته وتخلية سبيله. ولم يشكرهم على قرارهم هذا، بل هتف وهو في طريقه للخروج "لتعش جهنم للظالمين". وفي ديوان الرئاسة في انقرة -كما ادرج في قرار لمحكمة افيون - عندما قال له مصطفى كمال في غضب:
"لقد دعوناك هنا لكي نستأنس بارائك السديدة، فاذا بك تكتب اموراً حول الصلاة فبذرت الخلاف فيما بيننا" 2 فأجابه امام ما يقرب من خمسين نائباً:
"ان اكبر مسألة بعد مسألة الايمان هي الصلاة. ومن لايصلي يعدّ خائناً وحكم الخائن مردود".
فاضطر ذلك القائد الصارم الى كظم غيظه والى اعطاء بعض الترضية له، ثم انه لم يسجل رجال أمن الحكومة في ست ولايات اية حادثة تخل بالامن لطلبة النور مع انهم يعدّون بمئات الالاف سوى حادثة صغيرة تتعلق بقيام احد الطلبة الصغار بدفاع شرعي. ولم يسمع احد ان طالباً من طلاب النور دخل السجن بسبب جرم او جناية، وما دخل السجن الاّ وأصلح المسجونين. ومع ان مئات الالاف من نسخ رسائل النور منتشرة في ارجاء البلد فلم يشاهد احد ضرراً لها، بل لم يجدوا منها سوى النفع طوال ثلاث وعشرين سنة. واصدرت ثلاث محاكم لثلاث حكومات احكامها
_____________________
1 وهي المحكمة العسكرية العرفية التي عقدت برئاسة خورشيد باشا المعروف بقسوته، والتي انعقدت بعد حوادث 31مارت المذكورة اعلاه واصدرت قرارات عديدة بالاعدام وكان الاستاذ النورسي ضمن المتهمين المقدمين الى المحكمة - (المترجم).
2 عندما وصل الاستاذ النورسي الى «انقرة» وجد ان كثيراً من نواب المجلس الوطني لايصلون، فالقى عليهم خطبة بليغة استهلها بقوله: «ايها المبعوثون انكم لمبعوثون ليوم عظيم» وكانت النتيجة ان ستين نائباً عادوا الى الصلاة، وقام المجلس بتوسعة المصلى الموجود في البناية. - (المترجم).

الشعاع الرابع عشر - ص: 506
بالبراءة، كما ان مئات الالاف من الطلبة يشهدون ويصدقون باقوالهم وبافعالهم على قيمة رسائل النور. ثم أيجوز ان يتهم شخص منزوٍ ومنعزل وكبير السن وفقير ويرى نفسه على حافة القبر وترك بكل قوته وقناعته الاشياء الفانية، فلا يهتم باية رتبة دنيوية بل هو في شغل شاغل بما يكفّر عن تقصيراته السابقة وبامور تنفع حياته الخالدة، وهو لشدة شفقته ولرغبته في تجنيب الابرياء والشيوخ اية اضرار تلحق بهم فانه يتجنب الدعاء على ظالميه ومعذبيه.. أيجوز ان يُتهم مثل هذا الشخص ويقال بحقه: ان هذا الشيخ المنزوي يحاول الاخلال بالأمن ويفسد الاستقرار، وغايته هي المؤامرات الدنيوية وهي القصد من اتصالاته ومكاتيبه، لذا فهو مذنب؟. ان من يقول هذا بحقه ويحكمون عليه في ظل ظروف قاسية لاشك انهم مذنبون، ومذنبون جداً، وسيدفعون ثمن هذا في المحكمة الكبرى يوم الحشر.
مثل هذا الرجل الذي هدّأ ثماني كتائب عسكرية واجبرها على الانقياد للنظام بخطبة واحدة واستطاع قبل اربعين سنة بمقالة واحدة ان يجعل الالاف من الناس ينحازون اليه ويكونون انصاره، ولم يحن رأسه امام ثلاثة قواد جبارين - المذكورين سابقاً - ولم يخش منهم ولم يتملق لهم وقال امام المحاكم: ألا فلتعلموا جيداً بانه لو كان لى من الرؤوس بعدد ما في رأسى من شعر وفصل كل يوم واحد منها عن جسدى فلن احني هذا الرأس الذى نذرته للحقائق القرآنية امام الزندقة والكفر المطلق، فلن اخون الوطن والامة والاسلام. فهل يجوز بعد هذا ان يقال لمثل هذا الشخص الذي لم يكن له علاقة مع أحد في مدينة "امير داغ" الا مع بضعة من اصدقاء الآخرة اضافة الى ثلاث من الذين كانوا يقومون بشؤون خدمته... أيجوز ان يقال:
ان سعيداً هذا عمل سراً في "امير داغ" كي يخل بالأمن، فقد سمم أفكار بعض افراد الشعب هناك، فقام عشرون شخصاً هناك بمدحه وكتابة مكاتيب خاصة له، مما يبرهن على انه يعمل سراً ضد النظام الثوري للحكومة؟ واستناداً الى هذه التهمة فقد اتبعت سياسة عدائية ضده وحكم عليه بالحبس الشديد لمدة سنتين حيث وضع في سجن انفرادي وفي عزلة تامة، ولم يسمحوا له بالكلام والدفاع عن نفسه في المحكمة.
الشعاع الرابع عشر - ص: 507
لأجل كل هذا فانني احيل هؤلاء الذين عذبوني وابتعدوا هذا الابتعادعن العدالة وعن الانصاف الى ضمائرهم.
وهل يعقل وهل من الممكن ان يقوم مثل هذا الشخص الذي نال توجّه الناس اليه اكثر مما يستحقه والذي حمل الالوف على الطاعة والانقياد بخطبة واحدة، وجعل الالاف من الناس ينضمون الى جمعية الاتحاد المحمدي بمقالة واحدة منه، واستمع الى خطبته خمسون الف شخص في جامع اياصوفيا بكل تقدير .. هل يعقل وهل يمكن ان يقوم مثل هذا الشخص بعمل سري طوال ثلاث سنوات في مدينة "اميرداغ" ثم لا يوفق الاّ في اقناع بضعة اشخاص ويترك امور الآخرة وينغمس في مؤامرات السياسة فيملأ قبره - القريب منه - بالظلمات بدلاً من النور؟ أيمكن هذا؟ ان الشيطان نفسه لايمكن ان يقنع بهذا أحداً.
الرابعة:
لقد ابرزوا عدم قيامي بلبس القبعة كسبب مهم لإدانتي ولم يسمحوا لي بالكلام، وقد كنت ناوياً ان اقول لهم:
لقد بقيت في مدينة "قسطموني" مدة ثلاثة أشهر موقوفاً في مركز الشرطة هناك ولم يقل لي أحد: "عليك ان تضع القبعة على رأسك". وفي ثلاث محاكم لم اضع قبعة على رأسي ولم احسر عن رأسي في جلسات هذه المحاكم، ولم يتعرض أحد لي. صحيح ان بعض الظالمين الذين لم يكن لديهم نصيب من الدين اتخذوها حجة وتعرضوا لي بشكل غير رسمي بالاذى طوال ثلاث وعشرين سنة وضيقوا عليّ كثيراً وآذوني. وان الاطفال والنساء واكثر القرويين والموظفين في الدوائر الرسمية والذين يلبسون غطاء الرأس، غير مضطرين الى لبس القبعة، اذ لا فائدة او مصلحة مادية في ذلك، اذن فان شخصاً منزوياً مثلي قاسى عشرين عاما ًَ بسبب عدم لبس القبعة والافتراءات، علماً بان جميع المجتهدين وجميع شيوخ الاسلام منعوا لبسها، والآن يعودون الى ايذائي وعقوبتي دون اي وجه حق، فكما لايتعرض احد الى الذين يشربون الخمر جهاراً نهاراً في شهر رمضان ولايصلون باسم الحرية الشخصية، لذا
الشعاع الرابع عشر - ص: 508
فان الذي يتهمني من اجل قيافتي مراراً وتكراراً بهذا العناد وبهذه الشدة سوف يسألون عن هذا عندما يشاهدون الحبس الانفرادي الابدي في القبر ويحضرون الى المحكمة الكبرى .
الخامسة:
ان رسائل النور التي حازت على قبول مائة الف من أهل الايمان والتي قدمت طوال عشرين عاماً منافع عديدة - خالصة من اية شائبة من الضرر- للامة وللوطن تُصادر لأتفه الاسباب: فمثلا صودرت مجموعة (ذو الفقار - المعجزات الأحمدية) - التي انقذت ايمان مائة الف شخص - لورود تفسير صحيح ومحقّ لآيتين كريمتين في صفحتين فقط من مجموع صفحاتها البالغة اربعمائة صفحة مع ان هذه المجموعة تعرضت لمرور الوقت، وصدرت خلاله قوانين عفو عديدة، فهل يجوز مصادرة تلك المجموعة القيمة النافعة من اجل صفحتين فقط؟ والآن تتم مصادرة رسائل اخرى قيمة بسبب كلمة او كلمتين - يعطون لها معاني خاطئة - ضمن الف كلمة. وكل من سمع لائحة الادعاء الثالثة هذه والقرار الذي نشرناه يتأكد مما نقول.
اما نحن فاننا نقول لكل مصيبة نراها:
(انا لله وانا اليه راجعون) و (حسبنا الله ونعم الوكيل).
السادسة:
انني اقول للذين يتهمون المترجم المسكين لرسائل النور(اي نفسه) بسبب قيام بعض طلبة النور بثناء مبالغ فيه وحسن ظن مفرط بارسال رسائل تشجيع وتهنئة وتقدير وشكر بعد ان استفادوا استفادة كبرى من البراهين الايمانية التي لاتتزعزع واكتسابهم العلوم الايمانية بدرجة علم اليقين... اقول لهم:
انني شخص ضعيف وعاجز ومنفي ونصف امي، وعندما كانوا يثيرون الناس ضدي بدعاياتهم ويخوفونهم مني، كنت كلما أجد دواء لادوائى من أدوية القرآن الكريم ومن حقائقه الايمانية الرفيعة كتبت تلك الحقائق القيمة ايماناً منى انها ستكون علاجاً شافياً لابناء الامة والوطن، ولما كان خطي رديئاً جداً فقد كنت بحاجة ماسة الى معاونين، فيسّرت العناية الالهية لي معاونين خاصين وصادقين وثابتين.
الشعاع الرابع عشر - ص: 509
ومن الطبيعي انني لا استطيع ان ارد بشكل قاطع حسن ظنهم ومدحهم المخلص، او ان اوبخهم على هذا فأجرح مشاعرهم، فمثل هذا التصرف يخالف الانوار المستلهمة من خزينة القرآن الكريم ويعاديها ويهوّن منها. لذا فلكي لايبتعد عني هؤلاء المعاونون من ذوي الاقلام الالماسية والقلوب الشجاعة فانني كنت احول مديحهم لشخصي العاجز المفلس الى رسائل النور التي هي صاحبة الحق في هذا المديح لانها تعكس المعجزة المعنوية للقرآن الكريم، واحيلها الى الشخصية المعنوية لطلاب النور. وعندما كنت اقول لهم: "انكم تعطون لي حصة تزيد على حصتي بمائة مرة" كنت اوذي مشاعرهم الى حد ما. فهل هناك مادة قانونية تضع شخصاً في موقع الاتهام واللوم لأن افراداً آخرين يمدحونه بالرغم من انه كاره لهذا المديح؟ أتوجد مثل هذه المادة القانونية لكي يمكن تبرير قيام موظف رسمي اتهامي باسم القانون؟
هذا مع العلم انه ذكر في الصفحة رقم (54) من القرار المنشور للائحة الاتهام ضدنا قولي:
"ان ذلك الشخص العظيم الذي سيظهر في آخر الزمان سيكون من نسل آل البيت، اما نحن معشر طلاب النور فيمكن ان نعد من آل البيت من الناحية المعنوية فقط. ثم انه لايوجد في مسلك النور مكان للانانية او لتبجيل شخص او الرغبة في مقامات دنيوية، او التطلع نحو الجاه والشهرة أبداً. بل انني ارى نفسي مضطراً حتى لترك المقامات الاخروية - ان اعطيت لي- كي لا أخل بالاخلاص الموجود في المسلك النوري". . .
كما ورد في الصفحة (22) وفي الصفحة (23) من قرار اللائحة هذه العبارات: "معرفة الانسان تقصيره امام الله وادراك فقره نحوه وعجزه امامه والالتجاء اليه بذل وخشوع، فارى نفسى بتلك الشخصية اشقى واعجز وافقر واكثر تقصيراً امام الله من اى احد كان من الناس، فلو اجتمعت الدنيا فى مدحى والثناء علىّ لا تستطيع ان تقنعني باننى صالح وفاضل.... لن ابوح بكثير من مساوئ شخصيتى الثالثة ومن احوالها السيئة لئلا انفركم عنى كلياً. فالفضل الالهى هو الذى يسخر شخصيتى التى
الشعاع الرابع عشر - ص: 510
هى كأدنى جندى، فى خدمة اسرار القرآن التى هى بحكم اعلى منصب للمشيرية وارفعها. فالنفس ادنى من الكل والوظيفة اسمى من الكل، فألف شكر وشكر لله سبحانه".
ومع ان اللائحة اقتبست العبارات اعلاه من كلامنا وادرجتها في متنها، الا ان الذين يريدون وضعي في موضع المذنب لمجرد قيام بعض الاشخاص بمدحي ووصفي باننى مرشد عظيم ومهدى - بانني هديتهم بالمعنى الوارد في رسائل النور- لاشك انهم يستحقون نيل جزاءهم على ما اقترفوه من ذنوب كبيرة.
السابعة:
قامت محكمة "دنيزلي" ومحكمة الجنايات الكبرى في "انقرة"، ومحاكم التمييز باصدار قراراتها بالاجماع على تبرئتنا وعلى تبرئة رسائل النور باجمعها، حيث اعادت هذه الرسائل وكذلك جميع خطاباتنا الينا، ومع انهم قالوا انه "حتى على فرض وقوع خطأ في قرار التبرئة لمحكمة "دنيزلي" فما دامت محكمة التمييز قامت بتبرئتكم، فان قرار التبرئة اصبح قطعياً وثابتاً ولا يمكن سوقكم الى المحكمة مرة اخرى".ومع انني قضيت ثلاث سنوات في مدينة "اميرداغ" منزوياً لا أتصل الا مع بضع ممن يقومون بشؤون خدمتي بشكل متناوب (وكانوا يعملون كمساعدي خياط) ولا اتحدث مع أحد الا مع بعض المتدينين في حالات نادرة وضرورية ولمدة بضع دقائق فقط، وسوى ارسال رسالة واحدة فقط في الاسبوع من اجل التشجيع على قراءة رسائل النور (حتى انني لم ارسل الى شقيقي المفتي الا ثلاث رسائل طوال ثلاث سنوات)، بل تركت التأليف الذي كنت عاكفاً عليه منذ ثلاثين سنة سوى تأليف نكتتين اثنتين بعشرين صفحة تناولت موضوعين مهمين ومفيدين جداً لاهل الايمان ولاهل القرآن وهما "حكمة التكرار في القرآن" و "بعض المسائل حول الملائكة"... لم اؤلف عداهما ولكني وافقت على ضم الرسائل التي برأتها المحاكم وجعلها بشكل مجلدات، وعندما قامت المحكمة بارجاع خمسمائة نسخة من رسالة "الآية الكبرى" التي كانت مطبوعة بالاحرف القديمة، فقد اعطيت موافقتي لاخواني
الشعاع الرابع عشر - ص: 511
باستنساخها بوساطة جهاز الاستنساخ - لعلمي بان القانون لايمنع ذلك بصورة رسمية - وذلك لكي يستفيد العالم الاسلامي منها، وانشغلت فقط بتصحيحها ولم انشغل ابداً بالسياسة، حتى انني فضلت البقاء في غربة أليمة ولم ارجع الى بلدتي -كما فعل جميع المنفيين الآخرين - رغم صدور الاذن الرسمي بذلك لكي لا انشغل بالدنيا وبالسياسة.
اذن فان القيام بتوجيه هذا الاتهام الثالث المحتوي على امور باطلة وكاذبة وعلى تفسيرات خاطئة ومحاولة ادانة مثل هذا الرجل يحتوي على معنيين مذهلين - سوف لن اقولهما الآن - وقد اثبتت المدة الأخيرة البالغة عشرين شهراً هذا الأمر. وانا اقول: حسبهم القبر وسقر، واحيل امري الى المحكمة الكبرى يوم القيامة.
الثامنة:
بعد ان بقيت رسالة "الشعاع الخامس" سنتين لدى محكمة "دنيزلي" ومحكمة "انقرة" اعيدت الينا. وبعد ان صدر القرار بتبرئتها سمحت بنشرها - مع دفاعي في تلك المحكمة - في آخر مجموعة "سراج النور". صحيح انني كنت احتفظ بها كرسالة خاصة ليست معروضة على الناس، ولكن ما دامت المحكمة شهرت بها واعلنتها ثم اعادتها الينا بعد براءتها، فقلت بانه لاضرر إذن من نشرها، لذا اذنت لهم بنشرها. وكان اصل هذه الرسالة قد كتب قبل حوالى اربعين سنة حول تأويلات احاديث متشابهة كانت قد انتشرت بين الناس منذ القديم، ومع ان عدداً من علماء الحديث ضعّفوا قسماً من هذه الأحاديث، الا انني قمت بكتابة هذه الرسالة انقاذاً لاهل الايمان من الشبهات لان المعاني الظاهرة لهذه الاحاديث كانت تتسبب في اعتراضات كثيرة عليها، الا ان قسماً من تأويلاتها الخارقة ظهرت امام الاعين، لذا اضطررنا الى اخفاء هذه الرسالة وجعلها رسالة سرية خاصة لكي لا تُفسر تفسيراً خاطئاً، وبعد ان قامت عدة محاكم بتدقيقها وتشهيرها ثم إعادتها الينا، الا انها عادت مرة اخرى الى اتخاذها سبباً في ادانتنا، لذا فاننا نحيل مدى ابتعاد هذا العمل
الشعاع الرابع عشر - ص: 512
عن العدالة وعن الحق وعن الانصاف الى ضمائر هؤلاء الذين يريدون ادانتنا بسبب من قناعاتنا الوجدانية، كما نحيل شكوانا هذه الى المحكمة الالهية الكبرى ونقول: (حسبنا الله ونعم الوكيل)
التاسعة:
وهذه نقطة مهمة جداً ولكننا نمسك عن ذكرها لئلا نغضب الذين حكموا علينا، وذلك لاجل قيامهم بقراءة رسائل النور.
العاشرة:
وهذه نقطة قوية ومهمة ولكننا نمسك ايضاً عن ذكرها حاليا لكي لا تدفعهم الى الاستياء والامتعاض.
سعيد النورسي
الموقوف في السجن الانفرادي
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 513
عريضة مقدمة الى مجلس الوزراء
هذا قسم من العريضة المقدمة الى مجلس الوزراء قبل خمسة عشر عاماً واثناء محكمة "اسكي شهر":
يا أهل الحل والعقد!
لقد تعرضت لظلم يندر وجوده في الدنيا. ولما كان السكوت على هذا الظلم يعدّ استهانة بالحق وعدم احترام له فقد اضطررت الى افشاء حقيقة مهمة جداً، فأقول:
إما ان تقوموا باعدامي وببيان ذنبي الذي استلزم حكماً مقداره مائة سنة وسنة ضمن دائرة القانون واطاره، أو برهنوا على انني مجنون وفاقد للعقل، أو اعطوا لرسائلنا ولنا ولاصدقائنا الحرية الكاملة وحاسبوا الذين تسببوا في ايقاع الاذى بنا.
اجل! لابد ان يكون لكل حكومة قانون واحد، واصول واحدة، حيث تُعطى العقوبات على اساس ذلك القانون، فاذا لم يكن في قوانين الحكومة الجمهورية مايبرر ايقاع الاذى الشديد بي وباصدقائي فان من المفروض ومن الواجب تقديم الترضية الضرورية والتقدير والمكافأة لنا مع اعطائنا كامل الحرية، ذلك لانه لو كانت خدمتي القرآنية تعدّ عملاً عدائياً موجهاً ضد الحكومة فانه يلزم اصدار حكم عليّ بالسجن لمدة مائة سنة وسنة او بالاعدام، وكذلك اصدار عقوبات قاسية على الذين ارتبطوا معي في هذه الخدمة بشكل جدي بدلاً من الحكم عليّ بسنة واحدة وعلى اصدقائى بستة اشهر. فان لم تكن خدماتنا هذه موجهة ضد الحكومة، فعليها ان تقابلنا بالتقدير والمكافأة بدلاً من العقاب والسجن والأذى والاتهام. ذلك لان مائة وعشرين رسالة، اصبحت ترجماناً لهذه الخدمة، واستطاعت ان تتحدى فلاسفة اوروبا وان تهدم كل اسسهم الفكرية وتجعلها اثراً بعد عين.
لاشك ان هذه الخدمة الفعالة والمؤثرة ستؤدي إما الى نتيجة مخيفة ، او الى ثمرة علمية راقية ونافعة جداً، لذا لايمكن اصدار قرار بحبسي سنة واحدة وكأننا نلعب
الشعاع الرابع عشر - ص: 514
لعب الاطفال من اجل ذر الرماد على العيون واستغفال العامة والتستر على مؤامرات الظالمين ضدنا، ذلك لان امثالي اما ان يصعدوا على المشنقة بكل فخر ويعدموا ، واما ان يكونوا احراراً في الموقع الذي يستحقونه.
اجل!.. ان اللص الماهر الذي يستطيع ان يسرق الماسات بقيمة آلاف الليرات. ان قام هذا اللص بسرقة قطع زجاجية بقيمة عدة قروش وتم الحكم عليه بنفس الحكم من سرقة الماسات الثمينة، فانه مامن لص او ذي عقل وشعور يفعل ذلك. لان امثال هذا اللص يكون ذكياً وحاذقاً ولايتورط في عمل في غاية الحمق والبلاهة.
ايها السادة:
لنفرض انني كنت مثل ذلك اللص حسب ماتتوهمون، فلماذا اختار ناحية بائسة من نواحي مدينة "اسبارطة" حيث بقيت منزوياً فيها مدة تسع سنوات. اذن فبدلاً من توجيه افكار بضعة من الافراد المخلصين (الذين تم الحكم عليهم احكاماً خفيفة) نحو معاداة الحكومة والقاء نفسي ورسائل النور - التي هي غاية حياتي وهدفها- الى الخطر فقد كان من الافضل لي البقاء في موقع كبير في "انقرة" او في "استانبول" - كما كنت في السابق - وتوجيه الالاف من الناس نحو الغاية التي ابتغيها، عند ذلك كنت استطيع ان اتدخل وان اشارك في امور الدنيا بعزة تليق بمسلكي بدلاً من التعرض لمثل هذه العقوبة التافهة والذليلة.
ولاجل ان ابين مدى الخطأ الذي يقع فيه الذين يريدون دفعي الى رتبة واطئة لا نفع فيها ولا اهمية لها، فانني اقول مضطراً مذكراً ببعض انانيتي وريائي السابقبن وليس من اجل الفخر والمدح:
ان الذين تيسرت لهم رؤية دفاعي الذي طبع تحت عنوان "شهادة مدرستين للمصيبة" يشهدون انه استطاع بخطبة واحدة جلب ثماني كتائب من الجنود الى الطاعة في احداث 31 مارت، وكما كتبت الجرائد آنذاك استطاع بمقالة واحدة في زمن حرب الاستقلال باسم "الخطوات الست" ان يحول رأى العلماء في استانبول ضد الانكليز، مما كان له اثر ايجابي كبير في الحركة الملية (الوطنية) وفي جامع اياصوفيا استمع الالاف الى خطبته، وفي مجلس المبعوثان (المجلس النيابي) في انقرة

عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:53 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 515
استقبل بتصفيق حار وقام مائة وثلاث وستون نائباً بالموافقة على تخصيص مائة وخمسين ألف ليرة لمدرسة دار الفنون (الجامعة)، وعندما دعا الى الصلاة قابل حدة رئيس الجمهورية في ديوان الرئاسة وردّ عليه دون خوف او وجل وعندما كان في "دار الحكمة الاسلامية" رأت حكومة الاتحاد والترقى بالاجماع انه اوفق شخص لتبليغ الحكمة الاسلامية الى حكماء اوروبا بشكل مؤثر. اما كتابه "اشارات الاعجاز" الذي ألفه في جبهات القتال - والذي تمت مصادرته الآن - فقد اعجب به القائد العام انور باشا اعجاباً كبيراً الى درجة انه هرع الى استقباله بكل احترام - وهذا ما لم يفعله مع أحد - وقرر اعطاء الورق اللازم لطبع هذا الكتاب لكي تكون له حصة من شرف تلك الهدية ومن ثوابها، هدية الحرب كما ذُكر جهاد مؤلف الكتاب في الحرب بكل خير وبكل تقدير.. فمثل هذا الرجل لايستطيع ان يسكت على معاملته بهذه الصورة وكأنه تورط في جرائم تافهة كسرقة بغلة او خطف بنت او نشل جيب، لانه لو سكت لكان هذا وصمة له ولعزته العلمية القدسية ولخدماته وللالوف المؤلفة من اصدقائه الغالين، لانكم عندما تعاقبونه بحبسه سنة واحدة فكأنكم تعاملونه معاملة سارق نعجة او خروف. فبعد قيامكم بوضعه دون اي سبب تحت الاقامة الجبرية وتحت المراقبة مدة عشر سنوات مليئة بالمضايقات وبالالام، وبعد هذا التعذيب تقومون الآن بحبسه سنة واحدة وبابقائه تحت الاقامة الجبرية سنة اخرى. وبدلاً من معاناته من تحكم وتجبر شرطي عادي او رجل بوليس سري عادي - وهو الذي لم يتحمل تحكم السلطان - فانه من الافضل والاولى له ان يُشنق. ولو ان مثل هذا الرجل اراد التدخل في امور الدنيا ورغب في ذلك، وكانت وظيفته ومهمته المقدسة تسمح له بذلك، اذن لاستطاع ان يقود امراً اعظم بعشرات المرات من حادثة "منمن" ومن ثورة "الشيخ سعيد" اي لاسمعكم صوتاً راعداً كدوي المدافع وليس طنيناً كطنين اجنحة الذباب!
اجل!.. انني اعرض امام انظار الحكومة الجمهورية بان ما اتعرض له حالياً من مصائب ومن بلايا هو نتيجة لمؤامرات ولدعايات منظمة بلشفية سرية، فهناك جو من الدعايات العامة الشاملة التي لم يشاهد لها مثيل في السابق وجو من الخوف ومن
الشعاع الرابع عشر - ص: 516
الارهاب، والدليل على هذا هو انه مامن احد من اصدقائي - الذين يبلغ عددهم مائة الف - استطاع ان يبعث لي رسالة واحدة منذ ستة أشهر ولم يستطع ان يرسل لي تحية او سلاماً. واصحاب المؤامرات هذه الذين يحاولون خداع الحكومة واستغفالها استطاعوا بتقاريرهم السرية ترتيب تحقيقات واستجوابات وتحريات في كل مكان بدءً من الولايات الشرقية للبلد الى الولاياتالغربية.
ان الخطة التي كان المتآمرون يحيكونها رتبت وكأن هناك حادثة مهمة اعاقب عليها - مع الالاف من الاشخاص مثلي - عقاباً قاسياً، ولكنها انتهت في الأخير الى عقوبة تافهة جداً يمكن ان تفرض على اي شخص اعتيادي قام بحادثة سرقة تافهة، اذ اعطيت عقوبة سجن لمدة ستة اشهر لـخمسة عشر من الناس الابرياء من بين مائة وخمسة عشر شخصاً. فهل هناك شخص يملك شعوراً وعقلاً يقوم بوخز اسد كبير في ذيله وخزة خفيفة بسيف قاطع حاد يحمله في يده فيثيره ضده؟ ذلك لانه لو كان يريد حفظ نفسه من ذلك الأسد او لو كان يريد قتاله لاستعمل ذلك السيف القاطع في موضع آخر من ذلك الوحش.
ان قيامكم باصدار عقوبة خفيفة ضدي يدل على انكم تتوهمون انني مثل هذا الرجل. ولو انني كنت شخصاً يتصرف مثل هذا التصرف البعيد عن العقل وعن الشعور فلماذا ملأتم هذا البلد بطوله وعرضه بجو من الخوف؟ وما الداعي لكل هذه الدعايات التي تستهدف جلب عداء الراي العام ضدي؟ لقد كان من المفروض ان تتعاملوا معي كتعاملكم مع مجنون عادي فترسلوني الى مستشفى المجاذيب.
اما لو كنت شخصاً مهماً كاهمية التدابير التي تتخذونها ضدي فليس من العقل ومن المنطق وخز ذلك الأسد او ذلك الوحش في ذيله واثارته للهجوم عليه، بل عليه ان يحافظ قدر الامكان على نفسه منه. وهكذا فأنني فضلت حياة الأنزواء منذ عشر سنوات باختياري وتحملت من الالام والمضايقات مالا يتحمله انسان. ولم أتدخل في اي شأن من شؤون الحكومة ولم ارغب في ذلك اصلاً، ذلك لان مهمتي المقدسة تمنعني من هذا.
الشعاع الرابع عشر - ص: 517
يا أهل الحل والعقد!
هل من الممكن لمن استطاع قبل خمس وعشرين سنة - بشهادة جرائد ذلك الوقت - ان يكسب الى جانب افكاره ثلاثين الف شخص بمقالة واحدة كتبها، وجلب نحوه انظار واهتمام جيش الحركة 1.واجاب بست كلمات على اسئلة كبير قساوسة انكلترة الذي اراد الاجابة عليها بستمائة كلمة، والذي كان يخطب في بداية عهد الحرية 2 كاي سياسي متمرس... هل من الممكن الا يوجد في مائة وعشرين رسالة من رسائل هذا الشخص سوى خمس عشرة كلمة تتعلق بالسياسة وبامور الدنيا؟ أيمكن لاي عقل ان يقتنع بان مثل هذا الرجل يسلك طريق السياسة وله اهداف دنيوية؟ لانه لو كان يهتم بالسياسة وبالتعرض للحكومة لظهر ذلك صراحةً او ايماءً في مائة موضع من مواضع كتاب واحد فقط. ولو كانت غايته توجيه النقد السياسي أما كان بامكانه ان يجد ما ينقده غير موضوع الحجاب وغير موضوع الميراث وهما من المواضيع ومن الدساتير الموجودة منذ السابق؟
ان اي شخص يملك فكراً سياسياً معيناً يستطيع ان يجد مئات الالاف من المواضيع التي ينتقدها لنظام هذه الحكومة التي قامت بانقلاب كبير ولايقتصر على موضوعين معلومين فقط. فهل يمكن حصر الانقلاب الذي قامت به الحكومة الجمهورية على مسألتين صغيرتين فقط؟ ومع انني لم اقصد توجيه اي انتقاد لها فقد التقطوا كلمتين او ثلاثاً وردت في كتاب او كتابين كتبتهما سابقاً وادّعوا بانني اهاجم نظام الحكومة واهاجم انقلابها. وانا اسألكم الآن: هل يعقل اشغال البلد بطوله وعرضه ونشر جو من الخوف فيه لمجرد تناولي لمسألة علمية لاتتطلب اصدار اية عقوبة من جرائها مهما كانت صغيرة؟
ان القيام باصدار عقوبة خفيفة وتافهة في حقي وفي حق بضعة اشخاص من أصدقائي ونشر دعايات مكثفة وشديدة ضدنا في عموم البلد، واشاعة جو من
_____________________
1 جيش الحركة هو الجيش الذي وجهه الاتحاديون من مدينة «سلانيك» حيث كانت مركز قوتهم بقيادة «محمود شوكت باشا» لقمع العصيان الذي حدث في 31 مارت واعادة سلطة الاتحاديين -المترجم
2 عهد الحرية: وهو الفترة الاولى لتولي جمعية الاتحاد والترقي الحكم بعد عزل السلطان عبد الحميد، وهذه التسمية اصبحت متداولة ومعروفة وان كانت خاطئة حيث انهم اسسوا نظاماً حزبياً دكتاتورياً (المترجم).

الشعاع الرابع عشر - ص: 518
الخوف والارهاب بين الناس لكي ينفروهم منا ويبغضونا في اعينهم، وجلب وزير الداخلية "شكري قايا" قوة كبيرة الى مدينة "إسبارطة" لتقوم بمهمة يستطيع القيام بها جندي واحد - وهي القيام بالقاء القبض علي وسجني - وقيام رئيس الوزراء عصمت (اينونو) بزيارة الولايات الشرقية بهذه المناسبة، وكذلك منعي من الحديث والتكلم شهرين كاملين في السجن وعدم السماح لاي أحد بالسؤال عن حالي او ارسال تحية لي وانا وحيد في هذه الغربة..كل هذا يشير الى وضع غريب جداً لامعنى له ولاحكمة فيه لاتليق بأية حكومة في الدنيا - علما بان مصدركلمة "الحكومة" هو تناول الامور بالحكمة - وليس فقط بحكومة الجمهورية التي من المفروض انها تراعي القوانين وتحترمها.
انني اريد حفظ حقوقي في اطار القانون. كما اتهم كل من يخالف القانون ويدوس عليه باسم القانون بانه يرتكب جناية، ولاشك ان قوانين الحكومة الجمهورية ترفض اعمال هؤلاء الجناة، وآمل ان تعاد لي حقوقي.
سعيد النورسي
* * *

ملاحظة:
المكتوب السادس عشر (من المكتوبات) مع ذيله يعدّ دفاعاً عن الاستاذ النورسى وعن رسائل النور، ولهذا ادرجه الاستاذ النورسي هنا ضمن الشعاع الرابع عشر هذا، فمن شاء فليراجعه فى موضعه من "المكتوبات". - المترجم.

* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 519
رسائل من السجن
باسمه سبحانه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائماً.
أيها الاخوة الاعزاء الأوفياء!
لقد رأيت انوار سلوان ثلاثة، أبينها في نقاط ثلاث للذين ابتلوا بالسجن ومن يقوم بنظارتهم ورعايتهم ومن يعينهم في أعمالهم وارزاقهم.
النقطة الأولى:
ان كل يوم من أيام العمر التي تمضي في السجن، يمكن ان يُكسِب المرء ثواب عبادة عشرة أيام، ويمكن ان يحوّل ساعاته الفانية - من حيث النتيجة - الى ساعات باقية خالدة.. بل يمكن ان يكون قضاء بضع سنين في السجن وسيلة نجاة من سجن أبدي لملايين السنين.
فهذا الربح العظيم مشروط لأهل الإيمان باداء الفرائض والتوبة الى الله من الذنوب والمعاصي التي دفعته الى السجن، والتوجه اليه تعالى بالشكر صابراً محتسباً. علماً ان السجن نفسه يحول بينه وبين كثير من الذنوب.
النقطة الثانية:
ان زوال الألم لذةٌ، كما ان زوال اللذة ألمٌ.
نعم! ان كل من يفكر في الأيام التي قضاها بالهناء والفرح يشعر في روحه بحسرة وأسف عليها، حتى ينطلق لسانه بكلمات الحسرات: اواه.. آه.. بينما اذا تفكر في الأيام التي مرت بالمصائب والبلايا فانه يشعر في روحه وقلبه بفرح وبهجة من زوالها حتى ينطلق لسانه بـ: الحمدلله والشكر له، فقد ولّت البلايا تاركة ثوابها. فينشرح صدره ويرتاح.
الشعاع الرابع عشر - ص: 520
أي أن ألماً موقتاً لساعة من الزمان يترك لذة معنوية في الروح، بينما لذة موقتة لساعة من الزمان تترك ألماً معنوياً في الروح، خلافاً لذلك.
فما دامت الحقيقة هذه، وساعات المصائب التي ولّت مع آلامها أصبحت في عداد المعدوم، وان أيام البلايا لم تأت بعدُ، فهي ايضاً في حكم المعدوم.. وانه لا ألم من غير شئ.. ولا يرد من العدم ألمٌ.. فمن البلاهة اذن اظهار الجزع ونفاد الصبر الآن، من ساعات آلامٍ ولّت، ومن آلامٍ لم تأتِ بعدُ، علماً انها جميعاً في عداد المعدوم. ومن الحماقة أيضاً اظهار الشكوى من الله وترك النفس الأمارة المقصّرة من المحاسبة، ومن بعد ذلك قضاء الوقت بالحسرات والزفرات. أوَليس من يفعل هذا أشد بلاهة ممن يداوم على الأكل والشرب طوال اليوم خشية أن يجوع أو يعطش بعد أيام؟
نعم! ان الانسان اِن لم يشتت قوة صبره يميناً وشمالاً - الى الماضي والمستقبل - وسدّدها الى اليوم الذي هو فيه، فانها كافية لتحل له حبال المضايقات.
حتى انني أذكر - ولا أشكو - ان ما مرّ عليّ في هذه المدرسة اليوسفية الثالثة في غضون أيام قلائل من المضايقات المادية والمعنوية لم أرها طوال حياتي، ولا سيما حرماني من القيام بخدمة النور مع ما فيّ من أمراض. وبينما كان قلبي وروحي يعتصران معاً من الضيق واليأس اذا بالعناية الإلهية تمدني بالحقيقة السابقة، فانشرح صدري ايّما انشراح وولت تلك المضايقات فرضيت بالسجن وآلامه والمرض وأوجاعه. اذ َمن كان مثلي على شفير القبر يعدّ ربحاً عظيماً له أن تتحول ساعة من ساعاته التي يمكن ان تمر بغفلة الى عشر ساعات من العبادة... فشكرت الله كثيراً.
النقطة الثالثة:
ان القيام بمعاونة المسجونين بشفقة ورأفة واعطاءهم ارزاقهم التي يحتاجون اليها وضماد جراحاتهم المعنوية ببلسم التسلي والعزاء، مع انه عمل بسيط الاّ أنه يحمل في طياته ثواباً جزيلاً وأجراً عظيماً. حيث أن تسليم ارزاقهم التي تُرسل اليهم من الخارج يكون بحكم صَدقة، وتكتب في سجل حسنات كل مَن قام بهذا العمل، سواءاً الذين أتوا بها من الخارج أو الحراس أو المراقبون الذين عاونوهم، ولا سيما ان كان
الشعاع الرابع عشر - ص: 521
المسجون شيخاً كبيراً أو مريضاً أو غريباً عن بلده أو فقيراً معدماً، فان ثواب تلك الصدقة المعنوية يزداد كثيراً.
وهذا الربح العظيم مشروط باداء الفرائض من الصلوات لتصبح تلك الخدمة لوجه الله.. مع شرط آخر هو ان تكون الخدمة مقرونة بالشفقة والرحمة والمحبة من دون ان يحمّل شيئاً من المنة.
* * *

(حاشية صغيرة لرسالة "مرشد الشباب" )
باسمه سبحانه
ان المسجونين هم في امسّ الحاجة الى ما في "رسائل النور" من سلوان حقيقي وعزاء خالص. ولا سيما أولئك الشبان الذين تلقوا صفعات التأديب ولطمات التأنيب بنزواتهم واهوائهم. فقضوا نضارة عمرهم في السجن، فحاجة هؤلاء الى النور كحاجتهم الى الخبز.
ان عروق الشباب تنبض لهوى المشاعر، وتستجيب لها اكثر مما تستجيب للعقل وترضخ له. وسَورات الهوى - كما هو معلوم - لا تبصر العقبى، فتفضل درهماً من لذة حاضرة عاجلة على طنٍ من لذة آجلة، فيُقدم الشاب بدافع الهوى على قتل انسان برئ للتلذذ بدقيقة واحدة من لذة الانتقام، ثم يقاسي من جرائها ثمانية آلاف ساعة من آلام السجن.. والشاب ينساق الى التمتع لساعة واحدة في اللهو والعبث - في قضية تخص الشرف - ثم يتجرع من ورائها آلام ألوف الأيام من سجن وخوف وتوجس من العدو المتربص به.. وهكذا تضيع منه سعادة العمر بين قلق واضطراب وخوف وآلام.
وعلى غرار هذا يقع الشباب المساكين في ورطات ومشاكل عويصة كثيرة حتى تحوّل ألطف أيام حياتهم واحلاها الى أمرّ الايام وأقساها، وفي حالة يرثى لهم ولاسيما بعد ان هبت عواصف هوجاء من الشمال تحمل فتناً مدمرة لهذا العصر؛ اذ
الشعاع الرابع عشر - ص: 522
تستبيح لهوى الشباب الذي لا يرى العقبى أعراضَ النساء والعذارى الفاتنات وتدفعهم الى الاختلاط الماجن البذئ، فضلاً عن إباحتها أموال الأغنياء لفقراء سفهاء.
ان فرائص البشرية كلها لترتعد أمام هذه الجرائم المنكرة التي تُرتكب بحقها.
فعلى الشباب المسلم في هذا العصر العصيب ان يشمّروا عن سواعد الجد لينقذوا الموقف، ويسلّوا السيوف الالماسية لحجج "رسائل النور" وبراهينها الدامغة - التي في رسالة "الثمرة" و"مرشد الشباب" وامثالهما - ويدافعوا عن أنفسهم، ويصدّوا هذا الهجوم الكاسح الذي شُنّ عليهم من جهتين.. والاّ فسيضيع مستقبل الشباب في العالم، وتذهب حياته السعيدة، ويفقد تنعّمه في الآخرة، فتنقلب كلها الى آلامٍ وعذاب؛ اذ سيكون نزيل المستشفيات، بما كَسبت يداه من اسراف وسفاهة.. ونزيل السجون، بطيشه وغيّه.. وسيبكي أيام شيخوخته بكاءً مراً ويزفر زفرات ملؤها الحسرات والآلام.
ولكن اذا ما صان نفسه بتربية القرآن، ووقاها بحقائق "رسائل النور" فسيكون شاباً رائداً حقاً، وانساناً كاملاً، ومسلماً صادقاً سعيداً، وسلطاناً على سائر المخلوقات.
نعم، ان الشاب اذا دفع ساعة واحدة من اربع وعشرين ساعة من يومه في السجن الى اقامة الفرائض، وتاب عن سيئاته ومعاصيه التي دفَعَتْه الى السجن، وتجنب الخطايا والذنوب مثلما يجنّبه السجن اِياها.. فانه سيعود بفوائد جمة الى حياته والى مستقبله والى بلاده والى أمته والى احبّائه واقاربه، فضلاً عن انه يكسب شباباً خالداً في النعيم المقيم بدلاً من هذا الذي لا يدوم خمس عشرة سنة.
هذه الحقيقة يبشرّ بها ويخبر عنها عن يقين جازم جميع الكتب السماوية وفي مقدمتها القرآن الكريم.
نعم! اذا ما شكر الشاب على نعمة الشباب - ذلك العهد الجميل الطيب - بالاستقامة على الصراط السوي، واداء العبادات، فان تلك النعمة المهداة تزداد ولا تنقص، وتبقى من دون زوال، وتصبح أكثر متعة وبهجة.. واِلاّ فانها تكون بلاء
الشعاع الرابع عشر - ص: 523
ومصيبة مؤلمة ومغمورة بالغم والحزن والمضايقات المزعجة حتى تذهب هباء فيكون عهد الشباب وبالاً على نفسه وأقاربه وعلى بلاده وأمته.
هذا وان كل ساعة من ساعات المسجون الذي حكم عليه ظلماً تكون كعبادة يومٍ كامل له، ان كان مؤدياً للفرائض، ويكون السجن بحقه موضع انزواء واعتزال من الناس كما كان الزهاد والعباد ينزوون في الكهوف والمغارات ويتفرغون للعبادة. أي يمكن ان يكون هو مثل اولئك الزهاد.
وستكون كل ساعة من ساعاته ان كان فقيراً ومريضاً وشيخاً متعلقاً قلبه بحقائق الايمان وقد أناب الى الله وادّى الفرائض، في حكم عبادة عشرين ساعة له، ويتحول السجن بحقه مدرسة تربوية ارشادية، وموضع تحابب ومكان تعاطف، حيث يقضي أيامه مع زملائه في راحة فضلاً عن راحته وتوجه الانظار اليه بالرحمة، بل لعله يفضل بقاءه في السجن على حريته في الخارج التي تنثال اليه الذنوب والخطايا من كل جانب، ويأنس بما يتلقى من دروس التربية والتزكية فيه. وحينما يغادره لا يغادره قاتلاً ولا حريصاً على أخذ الثأر، وانما يخرج رجلاً صالحاً تائباً الى الله، قد غنم تجارب حياتية غزيرة. فيصبح عضواً نافعاً للبلاد والعباد، حتى حدا الامر بجماعة كانوا معنا في سجن "دنيزلي" الى القول، بعدما أخذوا دروساً ايمانية في سمو الاخلاق ولو لفترة وجيزة من رسائل النور:
"لو تلقى هؤلاء دروس الايمان من رسائل النور في خمسة اسابيع، فانه اجدى لاصلاحهم من القائهم الى السجن خمس عشرة سنة".
فما دام الموت لا يفنى من الوجود، والأجل مستور عنا بستار الغيب، ويمكنه ان يحلّ بنا في كل وقت.. وان القبر لا يُغلق بابه.. وان البشرية تغيب وراءه قافلة اِثر قافلة.. وان الموت نفسه بحق المؤمنين ما هو الاّ تذكرة تسريح واعفاء من الاعدام الأبدي - كما وضّح ذلك بالحقيقة القرآنية - وانه بحق الضالين السفهاء اعدام أبدي كما يشاهدونه أمامهم؛ اذ هو فراق أبدي عن جميع أحبتهم وأقاربهم بل الموجودات قاطبة.. فلابد ولا شك بان أسعد انسان هو مَن يشكر ربه صابراً محتسباً في سجنه مستغلاً وقته أفضل استغلال، ساعياً لخدمة القرآن والإيمان مسترشداً برسائل النور.
الشعاع الرابع عشر - ص: 524
ايها الانسان المبتلى بالملذات والمتع!
لقد علمتُ يقيناً طوال خمس وسبعين سنة من العمر، وبالوف التجارب التي كسبتها في حياتي، ومثلها من الحوادث التي مرت عليّ أن الذوق الحقيقي، واللذة التي لا يشوبها ألم، والفرح الذي لا يكدّره حزن، والسعادة التامة في الحياة انما هي في الايمان، وفي نطاق حقائقه ليس الاّ. ومن دونه فان لذةً دنيوية واحدة تحمل آلاماً كثيرة كثيرة. واذ تقدم اليك الدنيا لذة بقدر ما في حبة عنب تصفعك بعشر صفعات مؤلمات، سالبةً لذة الحياة ومتاعها.
أيها المساكين المبتلون بمصيبة السجن!
ما دامت دنياكم حزينة باكية، وان حياتكم قد تعكرت بالآلام والمصائب، فابذلوا ما في وسعكم كيلا تبكي آخرتكم، ولتفرح وتحلو وتسعد حياتكم الأبدية. فاغتنموا يا اخوتي هذه الفرصة، اذ كما ان مرابطة ساعة واحدة أمام العدو ضمن ظروف شاقة يمكن ان تتحول الى سنة من العبادة، فان كل ساعة من ساعاتكم التي تقاسونها في السجن تتحول الى ساعات كثيرة هناك اذا ما أديتم الفرائض، وعندها تتحول المشقات والمصاعب الى رحمات وغفران.
سعيد النورسي
* * *


عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:53 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
لا اعزيكم بل اهنئكم ، اذ مادام القدر الالهى قد ساقنا الى هذه المدرسة اليوسفية الثالثة لحكمة اقتضاه ، وانه سيطعمنا قسماً من ارزاقنا هنا، وقد دعتنا ارزاقنا الى هنا. ومادامت تجاربنا القاطعة قد علّمتنا - لحد الان - ان العناية الالهية لطيفة بنا وقد جعلتنا ننال سر الآية الكريمة (وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) (البقرة: 216). وان اخواننا الحديثى العهد في المدرسة اليوسفية هم احوج الناس الى السلوان الذي تورثه رسائل النور وان العاملين في دوائر العدل هم اشد حاجة من الموظفين
الشعاع الرابع عشر - ص: 525
الاخرين الى القواعد و الدساتير السامية التي تتضمنها رسائل النور، وان اجزاء رسائل النور تؤدى لكم مهمتكم خارج السجن وبكثرة كاثرة وان فتوحاتها لا تتوقف ، وان كل ساعة فانية هنا في السجن تصبح بمثابة ساعات من العبادة الباقية. ينبغي لنا - وفق النقاط المذكورة - ان نتجمل بالصبر والثبات شاكرين خالقنا مستبشرين ازاء هذه الحادثة.
اعيد اليكم الرسائل الصغيرة المسلية كلها، والتي كتبناها في سجن "دنيزلي".
نسأل الله ان تسليكم ايضاً تلك الفقرات المشحونة بالحقائق.
* * *

اخوتى الاعزاء الاوفياء!
اولاً : حمداً لله بما لا يحد من الحمد لله. لقد ظهر في الساحة روّاد معنويون من المفتيين والوعاظ والائمة والعلماء ، الذين هم الاصحاب الحقيقيون لرسائل النور ، حيث كان الشباب والمعلمون والطلاب هم طلبة النور الغيارى لحد الآن.
فألف ألف تهنئة وبارك الله فيكم يا ادهم وابراهيم وعلي عثمان.. فلقد بيّضتم وجوه اهل المدارس الشرعية، وحولتم إحجامهم وترددهم الى شجاعة و اقدام.
ثانياً: ما ينبغي ان يتأسف ويندم اولئك الذين ولّدوا هذه الحادثة من جراء فعالياتهم وانفعالاتهم الخالصة لله. لان سجن "دنيزلي" قد بارك الذين لم يأخذوا الحذر في اعمالهم من حيث النتيجة حيث التعب قليل والفائدة المعنوية عظيمة جداً. نسأل الله الاّ تكون هذه المدرسة اليوسفية الثالثة قاصرة عن التي قبلها.
ثالثاً: علينا الشكر لله على ظروفنا العصيبة هذه في السجن وذلك لما فيها من زيادة الثواب حسب المشقة. ونسعى في الوقت نفسه لأداء وظيفتنا التي هي خدمة الايمان باخلاص. اما التوفيق في اعمالنا او الحصول على نتائج خيّرة فيها فموكولة الى الله سبحانه وتعالى ولا نتدخل فيها، بل نظل صابرين شاكرين لله ازاء هذه المعتكفات قائلين: خير الامور احمزها.
الشعاع الرابع عشر - ص: 526
وعلينا ان نعلم ان هذه الحادثة ما هي الاّ علامة على قبول اعمالنا، وهي وثيقة وامارة على اجتيازنا الامتحان في جهادنا المقدس.
* * *
الى السيد مدير السجن والهيئة الادارية:
طلب بسيط لا اهمية له ظاهراً إلا ان له اهمية قصوى بالنسبة لى:
ان حياتى التى مضت في السجن الانفرادى والتجريد المطلق وعمرى الذى ناهز الخامسة والسبعين قد اوهنا جسدى بحيث اصبح لا يطيق اللقاحات ضد الامراض وقد اجري علي قبل مدة مديدة اللقاح، ودام جراحه طوال عشرين سنة، حتى اصبح بمثابة سم ملازم. يعرف ذلك الطبيبان الصديقان في "اميرداغ". وقبل اربع سنوات اجروا علي اللقاح مع المحكومين في سجن "دنيزلي" فلازمت الفراش عشرين يوماً، علماً بانه لم يلحق الضرر بأي منهم، وقد كفانى حفظ الله وعنايته فلم اضطر الى الذهاب الى المستشفى.
بمعنى ان جسدى لا يتحمل اللقاح قطعاً، فضلاً عن ان عذرى شديد اذ قد بلغت من العمر الخامسة والسبعين ونحل جسمى وربما لا يتحمل سوى لقاح طفل في العاشر من العمر. فضلا عن اننى اقضى حياتى منفرداً في تجريد مطلق ولا اختلط مع احد من الناس. وقبل شهرين ارسل الوالى طبيبين الى "اميرداغ" وكشفوا علي كشفاً كاملاً ولم يجدوا اي مرض سارٍ إلاّ الضعف الشديد والتشنج الظهرى. فحالتى هذه لا تحملنى قطعاً على اجراء التلقيح وارجوكم رجاءاً حاراً لا ترسلونى الى المستشفى فلا تلجؤنى الى البقاء تحت تحكم الاطباء ومن لا اعرفهم، فانى لا استطيع البقاء في هذا الوضع ولم اطقه طوال حياتى. ولاسيما في هذه السنوات العشرين التى قضيتها في التجريد المطلق.
وعلى الرغم من اننى بدأت اجد الراحة في دخولى القبر في هذه الفترة إلا اننى فضلت السجن حالياً على القبر لما وجدت من معاملة انسانية في هذا السجن ولكىلا امس مشاعر الهيئة الادارية، فضلاً عن القيام ببث العزاء والسلوان في قلوب المسجونين.
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 527
اخوتى الاعزاء الاوفياء!
اولاً: لا تتألموا - يا اخوتى - على الاهانات والأذى التي ينزلونها بشخصى بالذات، لانهم لا يستطيعون ان يجدوا نقصاً في رسائل النور، فينشغلون بشخصي الاعتيادي المقصّر كثيراً . فأنا راضٍ عن هذا الوضع. بل لو اجد الوفاً من الاهانات والتحقير والآلام والبلايا الشخصية لاجل سلامة رسائل النور وظهور قيمتها لشكرت الله شكراً مكللاً بالفخر، وذلك مقتضى ما تعلمته من درس النور. لذا لا تتألموا عليّ من هذه الناحية.
ثانياً: ان هذا التعدى السافر الواسع النطاق والهجوم الشديد الظالم، قد خف حالياً من العشرين الى الواحد فلقد جمعوا بضع اشخاصٍ بدلاً من الوف الخواص - من طلاب النور - وجمعوا عدداً محدوداً من اخوة جدد بدلاً من مئات الالوف من المهتمين بالرسائل المرتبطين بها. وبمعنى ان المصيبة قد تحولت الى أخف حالاتها بالعناية الالهية.
ثالثاً: لا تقلقوا يا اخوتي ولا تيأسوا فإن الوالى السابق الذي كان يحيك المؤامرات ويدبر الدسائس ضدنا طوال سنتين قد ولّى بفضل العناية الالهية.
ولربما قد خفف وزير الداخلية الهجوم علينا لسببين: انه من بلدتي. وان اجداده اهل دين حقاً.
رابعاً: لقد اثبتت تجارب كثيرة وحوادث عديدة، بما يورث القناعة التامة؛ ان الارض تهتز والسماء تبكى ببكاء رسائل النور وحزنها. ولقد شاهدنا هذا مراراً بأم أعيننا واثبتناه كذلك في المحكمة.
واعتقد ان توافق ابتهاج الصيف - في بدايته - في هذه السنة بانتشار رسائل النور سراً وتبسمها باستنساخها بالرونيو، وتطابق حدّة الشتاء وغضبه وبكائه بالقلق على مصادرة الرسائل والتحريات الكثيرة في كل مكان وتوقف نشاطها، ماهو الاّ امارة قوية على ان رسائل النور معجزة كبرى ساطعة لحقائق القرآن العظيم تتجلى في هذا العصر. حيث الارض والسماء ذات علاقة معها.
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 528
اخوتى الاعزاء الاوفياء!
لقد خطر لى اليوم فجأة ان اهنئ القادمين الى هذه المدرسة بدلاً من تقديم التعازي لهم - بمناسة قضية رسائل النور - بسوقٍ من القدر الالهى والرزق المقسوم فيها، لان كل واحد من الاكثرية ينقذ الى حدٍ ما ما في عشرين سنة او ثلاثين سنة بل مائة سنة من الاتعاب والمشاق، بديلاً عن الف من اخواننا الابرياء.
وكذا فان دوام عملكم في سبيل الايمان بوساطة رسائل النور، يعني ان كل واحد منكم يؤدى عملاً كبيراً في وقت قليل، نظير ما ينجزه البعض في عشرسنوات من اعمال تنجز في مائة سنة.
وكذا فان الداخلين في هذه المجاهدة المرهقة، والحاضرين هذا الامتحان الجارى في هذه المدرسة اليوسفية الحديثة، واخذهم حظهم فعلاً من نتائجه القيمة الكلية، وملاقاتهم بيسر اخوتهم الخالصين المخلصين المشتاقين الى رؤيتهم وتبادلهم ابحاث درس ممتع لذيذ، وكذا عدم دوام اوقات الراحة في الدنيا بل ذهابها هباءاً منثوراً. اقول: ان الذين يكسبون مغانم عظيمة الى هذا الحد، وبمثل هذه الاتعاب القليلة يستحقون التهنئة حقاً.
اخوتى !
ان هذا الهجوم الواسع الذي شُن علينا، انما هو لصد فتوحات رسائل النور وغزوها القلوب. الاّ انهم ادركوا انهم كلما تعرضوا لرسائل النور ازدادت سطوعاً وكسبت اهمية اكثر وتوسعت دائرة الدروس. فلا تُغلب رسائل النور. الاّ انها تنضوي تحت ستار "سراً تنورت" ولأجل هذا بدّلوا خطتهم، فلا يتعرضون للانوار ظاهراً. وحيث اننا تحت العناية الالهية فعلينا الشكر العظيم لربنا الجليل مع التجمل بكمال الصبر .

* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 529
باسمه سبحانه
اخوتى الاعزاء الاوفياء!
لقد آن أوان بيان حالتين غريبتين من احوالي:
اولاها:
اُخطر الى قلبي: ان في عدم لقائنا - في سجن التجريد المطلق - لقاءاً حراً باخوتى الذين احبهم اكثر من روحي ، فيه مصلحة وعناية إلهية. ذلك لأن كثيراً من اخواننا في الآخرة ممن كان يصرف خمسين ليرة للمجئ الى "اميرداغ" لأجل لقاء يدوم خمسين دقيقة واحياناً عشر دقائق واحياناً يرجع خائباً دون لقاء.. كانوا يلقون انفسهم الى هذه المدرسة اليوسفية بحجة بسيطة.
فلوكان وقتى الضيق وحالتى الروحية النابعة من الانزواء يسمحان بذلك فان الخدمة النورية ما كانت لتسمح بالمجالسة التامة والمحاورة الكاملة مع اولئك الاصحاب الاوفياء .
ثانيتها:
لقد شاهد المجاهدون في جبهات متعددة من الحرب عالماً جليلاً فاضلاً. وذكروا له مشاهدتهم، فقال: ان بعض الاولياء قد ظهروا بمظهرى وادّوا بدلاً منى في موضعى انا اعمالاً لأجل اكسابي ثواباً وليستفيد اهل الايمان من دروسي.
ومثل هذا تماماً، فقد شاهدوني في جوامع "دنيزلي" وانا نزيل سجنها ، حتى ابلغوا ذلك الى الجهات المسؤولة والى المدير والحرّاس، وقال بعضهم في قلق واضطراب.. من يفتح له باب السجن! فالامر نفسه يحدث هنا تماماً.
والحال انه بدلاً من اسناد حادثة جزئية خارقة الى شخصي المقصر جداً فان رسالة "ختم التصديق الغيبي" تثبت خوارق لرسائل النور وتبينها كاسبةً ثقة اهل الايمان برسائل النور اكثر بكثير من تلك الحادثة بمائة مرة بل بألف مرة. فضلاً عن تصديق ابطال النور باحوالهم الخارقة وكتاباتهم الرائعة لمقبولية رسائل النور.
سعيد النورسى
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 530
اخوتى الاعزاء الاوفياء!
لا تقلقوا علىّ، فاننى سعيد ومحظوظ لأنى معكم في بناية واحدة، فانا راضٍ ومسرور. ان وظيفتنا الحالية، ارسال نسخة من "الدفاع" الى "اسبارطة". وان امكن كتابة عشرين نسخة منه بالآلة الطابعة بالحروف القديمة والحروف الجديدة، كى يبرز الى المدعى العام هناك وتعطى نسخة منه الى محامينا، ونسخة اخرى الى المدير كى يسلمه هو الى وكيل دعوانا. وليرسل الى المسؤولين في "انقرة" بالحروف الجديدة والقديمة كما كان في "دنيزلى".
وان امكن تهيئة خمسة نسخ للدوائر المسؤولة لان رسائل النور المصادرة قد ارسلت بالحروف القديمة الى تلك الدوائر ولاسيما الى هيئة ديوان رئاسة الشؤون الدينية واعيدت الى هنا.
ثم ابلغوا وكيلنا السيد احمد، انه عند طبعه الدفاع بالآلة الطابعة عليه ان يلاحظ بدقة صحة العبارات والكلمات. لان افادتى لاتشبه افادات الاخرين فان خطأ في حرف واحد واحياناً في نقطة واحدة يغير المسألة، ويفسد المعنى. وكذا اعيدوا آلتي الطابعة بالحروف القديمة والجديدة ان لم يسمحوا بهما. وكذا لا تضجروا يا اخوتى ولاتقلقوا ولا تيأسوا فان العناية الالهية ستسعفنا سريعاً بمضمون الآية الكريمة: (ان مع العسر يسراً) (الشرح: 6).
* * *
اخوتى الاعزاء الاوفياء!
ان رسائل النور تواجهكم وتقابلكم بدلاً مني ، فهي ترشد وتعلّم تعليماً جيداً اخواننا الجدد المشتاقين لدروس النور. ولقد ثبت بالتجارب: ان الانشغال برسائل النور سواءً قراءتها او استقراءها او كتابتها يورث الفرح للقلب والراحة للروح والبركة في الرزق والصحة للجسد.
وقد انعم الله عليكم حالياً بطلاً من ابطال النور وهو "خسرو" وستكون المدرسة اليوسفية ايضاً موضع دراسة مباركة لمدرسة الزهراء ان شاء الله. اننى كنت الى الآن اُخفي خسرو ولا اظهره الى اهل الدنيا، الاّ ان المجموعات التي نشرت قد اظهرته
الشعاع الرابع عشر - ص: 531
اظهاراً لا لبس فيه لأهل الدنيا، فلم يبق شئ للاخفاء. ولهذا اظهرت بضعاً من خدماته الى بعض الاخوة الخواص. وسوف نبين - انا وهو - الحقيقة ان لزم الامر بعينها ولا نخفى شيئاً.
ولكن الان يواجهنا شخصان عنيدان رهيبان من بين الذين يستمعون الى الحقيقة، وقد ظهر انهما يعملان لصالح الزندقة والشيوعية - احدهما معروف في "اميرداغ" والآخر معروف هنا - وهما يحاولان نشر الشبهات ضدنا بمنتهى المكر والدسيسة وذلك لقذف الرعب في قلوب الموظفين.
لذا علينا الأخذ بالحذر الشديد وعدم ابداء القلق وانتظار العناية الالهية بالتوكل لتمدنا.
* * *

يا اخوتي في الدين ويا زملائي في السجن!.
لقد اُخطر لقلبي ان أبين لكم حقيقة مهمة، تنقذكم باذن الله من عذاب الدنيا والآخرة وهي كما أوضحها بمثال:
ان أحداً قد قتل شقيق شخص آخر أو أحد أقربائه. فهذا القتل الناجم من لذة غرور الانتقام التي لا تستغرق دقيقة واحدة تورثه مقاساة ملايين الدقائق من ضيق القلب وآلام السجن. وفي الوقت نفسه يظل اقرباء المقتول أيضاً في قلق دائم وتحين الفرص لأخذ الثأر، كلما فكروا بالقاتل ورأوا ذويه. فتضيع منهم لذة العمر ومتعة الحياة بما يكابدون من عذاب الخوف والقلق والحقد والغضب.
ولا علاج لهذا الأمر ولا دواء له الاّ الصلح والمصالحة بينهما، ذلك الذي يأمر به القرآن الكريم، ويدعو اليه الحق والحقيقة، وفيه مصلحة الطرفين، وتقتضيه الانسانية، ويحث عليه الاسلام.
نعم، ان المصلحة والحقيقة في الصلح، والصلح خير؛ لأن الأجل واحد لا يتغير، فذلك المقتول على كل حال ما كان ليظل على قيد الحياة ما دام أجله قد جاء. اما
الشعاع الرابع عشر - ص: 532
ذلك القاتل فقد أصبح وسيلة لذلك القضاء الإلهي، فإن لم يحل بينهما الصلحُ فسيظلان يعانيان الخوف وعذاب الانتقام مدة مديدة؛ لذا يأمر الاسلام بعدم هجر المسلم أخاه فوق ثلاثة أيام. فان لم يكن ذلك القتل قد نجم من عداء أصيل ومن حقد دفين، وكان أحد المنافقين سبباً في اشعال نار الفتنة، فيلزم الصلح فوراً، لأنه لولا الصلح لعظمت تلك المصيبة الجزئية ودامت، بينما اذا ما تصالح الطرفان وتاب القاتل عن ذنبه، واستمر على الدعاء للمقتول، فان الطرفين يكسبان الكثير، حيث يدب الحب والتآلف بينهما، فيصفح هذا عن عدوه ويعفو عنه واجداً أمامه اخوة اتقياء أبراراً بدلاً من شقيق واحد راحل، ويستسلمان معاً لقضاء الله وقدره، ولا سيما الذين استمعوا الى دروس النور، فهم مدعوون لهجر كل ما يفسد بين اثنين، اذ الأخوة التي تربطهم ضمن نطاق النور، والمصلحة العامة، وراحة البال وسلامة الصدر التي يستوجبها الإيمان.. تقتضي كلها نبذ الخلافات واحلال الوفاق والوئام. ولقد حصل هذا فعلاً بين مسجونين يعادي بعضهم بعضاً في سجن "دنيزلي" فاصبحوا بفضل الله أخوة متحابين بعد ان تلقوا دروساً من رسائل النور، بل غدوا سبباً من أسباب براءتنا، حتى لم يجد الملحدون والسفهاء من الناس بداً أمام هذا التحابب الاخروي، فقالوا مضطرين: ما شاء الله.. بارك الله!! وهكذا انشرحت صدور السجناء جميعاًوتنفسوا الصعداء بفضل الله. اذ إني أرى هنا مدى الظلم الواقع على المسجونين، حيث يشدد الخناق على مائة منهم بجريرة شخص واحد، حتى انهم لا يخرجون معه الى فناء السجن في أوقات الراحة.. ألا ان المؤمن الغيور لا تسعه شهامته ان يؤذي المؤمن قط، فكيف يسبب له الأذى لمنفعته الجزئية الخاصة، فلابد ان يسارع الى التوبة والإنابة الى الله حالما يشعر بخطئه وتسبّبه في أذى المؤمن.
* * *
باسمه سبحانه
اخوتى الاعزاء الاوفياء!
انى اهنئ رسائل النور واهنئكم واهنئ نفسى بالبشارات القيمة التى زفها خسرو وحفظي والسيد من "بارطن".
الشعاع الرابع عشر - ص: 533
نعم ان الذين سافروا الى الحج في هذه السنة مثلما وجدوا علماء اجلاء في مكة المكرمة يسعون الى ترجمة مجموعات من رسائل النور الى العربية والهندية، كذلك وجدوا المدينة المنورة قبلتها ورضيت عنها بحيث وضعوها في الروضة المطهرة لدى الحجرة الشريفة للقبر النبوى المبارك صلى الله عليه وسلم. بمعنى ان تلك الرسائل قد نالت القبول النبوى ودخلت ضمن رضى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
فلقد زارت رسائل النور تلك الاماكن المقدسة بدلاً عنا كما هى نيتنا وكما ابلغنا المسافرون الى الحج.
وان فائدة اخرى من الفوائد الكثيرة جداً لما ينشره ابطال النور من هذه المجموعات المصححة انهم انقذونى من مهمة التصحيح والقلق عليه واصبحوا بمثابة مائة مصححٍ بما اوجدوا من المصادر المصححة، فشكراً لله بما لا يتناهى من الحمد والشكر.
أسأل الله تعالى ان يكتب ألف حسنة في سجل حسناتهم لكل حرف من حروف تلك المجموعات. آمين. آمين. آمين.
* * *
رؤيا لطيفة ذات بشارة ظهر تأويلها
اتانى "على" الذى يعاوننى في الامور وقال: لقد رأيت فيما يرى النائم انك وخسرو قد قبّلتما يد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. واذا بى استلم رسالة تتضمن ان مجموعة "عصا موسى" المكتوبة بخط خسرو قد شاهدها الحجاج في الروضة المطهرة. بمعنى ان تلك المجموعة قد قبّلت اليد المعنوية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ونالت رضاه.
* * *
باسمه سبحانه
اخوتي الاعزاء الاوفياء وزملائى فى السجن!
اولاً: لا تقلقوا من عدم مواجهة بعضنا البعض الآخر، فنحن نتواجه معنى في كل وقت. فان قرأتم اية رسالة تحصلون عليها او تستمعون اليها، فانكم تشاهدونني وتتحاورون معي خلال تلك الرسالة بصفة خادم القرآن العظيم بدلاً من شخصي
الشعاع الرابع عشر - ص: 534
الاعتيادي. علماً انني كذلك اواجهكم خيالاً في جميع ادعيتي وفي كتاباتكم وعلاقاتكم. وحيث اننا معاً ونعمل ضمن دائرة واحدة، فكأننا نتواجه دائماً.
ثانياً: نقول للقادمين الجدد من طلاب رسائل النور في هذه المدرسة اليوسفية الحديثة:
لقد ثبت بحجج قوية وباشارات قرانية اوقفت الخبراء والجأتهم الى الاستسلام: "ان طلاب النور الصادقين ستختم حياتهم بالحسنى ويدخلون القبر بالايمان.. وان كل طالب - حسب درجته - يكون شريكاً لمكاسب جميع اخوانه المعنوية ولأدعيتهم، وذلك بفيض انوار الاشتراك المعنوى النورى، كأنه يؤدى العبادة ويستغفر بألف لسان".
فهاتان الفائدتان والنتيجتان المهمتان، وفي هذا الزمان العجيب تزيلان جميع الصعاب والمشقات. وهكذا تربح رسائل النور طلابها هذين الربحين العظيمين بثمن زهيد جداً.
* * *
باسمه سبحانه
اخوتى الاعزاء الاوفياء!
ان الدفاعات المرفوعة في محكمة "افيون" تتضمن حقائق جليلة ذات علاقة بنا وبرسائل النور وبهذه البلاد وبالعالم الاسلامي. فلا بد ان تستنسخ منها ما يقرب من عشر نسخ بالحروف الجديدة لترسل الى الدوائر العليا في "آنقرة". ان وظيفتنا الآن هي تبليغ تلك الحقائق الى اركان الحكومة والى دوائر العدل والى الامة، ولا اهتم قطعاً لو ابرأوا ساحتنا او عاقبونا. ولربما هذه الوظيفة هي احدى الحكم المقدّرة بالقدر الالهي فساقنا الى هذه المدرسة. أسرعوا على قدر الامكان في استنساخها بآلة الرونيو، فنحن مضطرون الى ابلاغها تلك الدوائر العليا حتى لو اخلو سبيلنا اليوم. فلا يغرركم احد بتأخيرها،كفى التأخير والتأجيل، وليكن هذا الدفاع مسك الختام لدفاعات قدّمت طوال خمس عشرة سنة ازاء مسألة واحدة وتجاه الظلم القاسى والعذاب الاليم الذي لا نظير له والحجج التافهة المختلقة.

عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:54 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 535
فما دمنا قد حصلنا على صلاحية استنساخ دفاعاتنا بالرونيو حسب القانون، ومن المحاكم السابقة، فلا يستطيع احد ان يمنعنا من استعمال حقنا هذا قانوناً. وان لم تجدوا حلاً للامر رسمياً فليستنسخ محامينا في الخارج حوالي خمس نسخ وليكن اميناً على الحفاظ على سلامتها وصحتها.
سعيد النورسي
* * *
اخوتي المسجونين الاعزاء الجدد والقدامى!
لقد بت على قناعة تامة من ان العناية الإلهية هي التي ألقت بنا الى ههنا وذلك لأجلكم أنتم، أي ان مجيئنا الى هنا انما هو لبث السلوان والعزاء الذي تحمله رسائل النور اليكم.. وتخفيف مضايقات السجن عنكم بحقائق الإيمان.. وصونكم من كثير من بلايا الدنيا ولأوائها.. وانتشال حياتكم المليئة بالأحزان والهموم من العبثية وعدم الجدوى.. وانقاذ آخرتكم من ان تكون كدنياكم حزينة باكية.
فما دامت الحقيقة هي هذه، فعليكم ان تكونوا اخوة متحابين كطلاب النور وكأولئك الذين كانوا معنا في سجن "دنيزلي".
فها أنتم اولاء ترون الحراس الذين يحرصون على القيام بخدماتكم يعانون الكثير من المشقات في التفتيش، بل حتى انهم يفتشون طعامكم لئلا تكون فيه آلة جارحة، ليحولوا دون تجاوز بعضكم على بعض، وكأنكم وحوش مفترسة يقضي الواحد على الآخر ليقتله، فضلاً عن انكم لا تستمتعون بالفرص التي تتاح لكم للتفسح والراحة خوفاً من نشوب العراك فيما بينكم.
ألا فقولوا مع هؤلاء الأخوة حديثي العهد بالسجن الذين يحملون مثلكم بطولة فطرية وشهامة وغيرة.
قولوا أمام الهيئة ببطولة معنوية عظيمة في هذا الوقت:
"ليست الآلات الجارحة البسيطة وحدها، بل لو سلمتم الى أيدينا أسلحة نارية ايضاً فلا نتعدى على أصدقائنا وأحبابنا هؤلاء الذين نكبوا معنا، حتى لو كان بيننا
الشعاع الرابع عشر - ص: 536
عداء أصيل سابق. فقد عفونا عنهم جميعاً، وسنبذل ما في وسعنا الاّ نجرح شعورهم ونكسر خاطرهم، هذا هو قرارنا الذي اتخذناه بارشاد القرآن الكريم وبأمر اخوة الإسلام وبمقتضى مصلحتنا جميعاً".
وهكذا تحوّلون هذا السجن الى مدرسة طيبة مباركة.
* * *

اخوتى الاعزاء الاوفياء:
ان الذين هم في سياسة واحدة او مهنة واحدة، ، او وظيفة واحدة او في خدمة تتعلق بالحياة الاجتماعية او لهم نوع من تجارة خاصة..كل طائفة من طوائف اهل الدنيا هؤلاء لهم اجتماع عام يخصهم يتذاكرون فيه امورهم. كذلك طلاب النور العاملين في الخدمة المقدسة للايمان التحقيقي فان مجيئهم الى الاجتماع العام في هذه المدرسة اليوسفية بأمر القدر الالهي وباقتضاء العناية الربانية وسوقها. لا شك انه يحمل فوائد معنوية جليلة جداً وسينعمون بتلك الفوائد والنتائج القيمة ان شاء الله وان كل واحد من اركان طلاب النور سيكون بمثابة حرف الف، حيث ان(حرف ألف) قيمتها واحدة ان كانت بمفردها ولكنها مع اخواتها، اي ثلاث ألفات معاً متكاتفة ومتواجهة باحوالها تصبح قيمتها الفاً ومائة وواحداً، وكذلك سيكون ثواب ذلك الاخ المنخرط في هذا الاجتماع وقيمته وخدمته السامية الفاً باذن الله.
* * *

باسمه سبحانه
اخوتى الاعزاء الاوفياء!
ان سبب سدّهم اليوم نوافذي ودقّها بالمسامير هو عزلي عن المسجونين وقطع تبادل السلام والتحيات فيما بيننا، الاّ انهم ابدوا حجة تافهة ظاهرية اخرى، فلا تقلقوا. بل ان انشغالهم بشخصي الذي لا اهمية له، وانصرافهم عن شد الخناق على رسائل
الشعاع الرابع عشر - ص: 537
النور وطلابها، وانزالهم الاهانات والعذاب بي، وايلامي قلباً وحقيقةً مع عدم تعرضهم لرسائل النور يجعلني في رضىً عن هذا الوضع بل اشكر ربي صابراً فلا اضطرب ولا اقلق ابداً وانتم كذلك لا تتألموا. فاني على قناعة من ان صرف اعدائنا المتسترين انظار الموظفين في السجن اليّ فيه عناية إلهية وخير من حيث سلامة ومصلحة رسائل النور وطلابها.
فعلى بعض الاخوة الاّ يحتدّوا ولا يتفوّهوا بكلام جارح يمسّ شعورهم، وليأخذوا حذرهم في حركاتهم وسكناتهم، دون ابداء القلق والاضطراب. ولا يفتحوا الموضوع عن هذه المسألة أمام كل أحد، لان هناك جواسيس يحرّفون كلام اخوتنا السذج والجدد الذين لم يتعلموا بعدُ أخذ الحذر ويصرفوا كلامهم الى معاني مغايرة ويستهولوا الامور التافهة، ويخبرون المسؤولين بها. ان وضعنا الحاضر كله جدّ لا هزل فيه. ومع هذا فلا تضطربوا قطعاً واعلموا اننا تحت رعاية العناية الالهية وقد عزمنا على مجابهة جميع المشقات بالصبر الجميل بل بالشكر العظيم لله. فنحن مكلفون بالشكر لأن درهماً من التعب والمشقة يورث طناً من الثواب والرحمة.
سعيد النورسي
* * *

باسمه سبحانه
اخوتى الاعزاء الاوفياء!
لقد اودعت جميع اعمال الدفاع الى طلاب النور الاركان الذين قدموا والذين سيقدمون الى هنا وذلك بناء على سببين مهمين وباخطار قوى، فاضطررت الى هذا الامر قلباً. اودعها بخاصة الى كل من خسرو، رأفت، طاهر، فيضى، صبرى.
السبب الاول: لقد علمت قطعاً من دائرة التحقيق، ومن امارات عديدة، انهم يحاولون احداث مشكلات ضدى، بكل ما لديهم من قوة، والتهرب من ظهورى وغلبتى عليهم فكراً، ولهم في ذلك إشعار رسمي. فكأنني اذا تكلمت بشئ فسأبين
الشعاع الرابع عشر - ص: 538
قدرة علمية وقابلية سياسية بحيث ألزم المحاكم الحجة واُسكت السياسيين، لاجل ذلك يمنعوني عن الكلام بمعاذير واهية. حتى انني اثناء التحقيق اجبت عن احد الاسئلة قائلاً: لا اتذكر. فتعجب الحاكم وحار في الامر وقال: كيف ينسى شخص مثلك يملك ذكاءً وعلماً فوق المعتاد؟
نعم! انهم يعتقدون ان رفعة شأن رسائل النور وتحقيقاتها العلمية الدقيقة من بنات افكارى. ومن هنا يأخذهم العجب والحيرة، فلا يريدونني ان اتكلم مع أحد، وكأن كل من يقابلني ويواجهني سيكون مباشرة طالباً غيوراً من طلاب النور! ولهذا يمنعونني من المقابلة والمواجهة مع اي احد كان. حتى ان رئيس الشؤون الدينية قال: "كل من يقابله ينجذب اليه، ان جاذبيته قوية".
بمعنى ان مصلحتنا تقتضي ان اودع شؤوني اليكم الآن. وما لديكم من دفاعاتي القديمة والجديدة تشترك بدلاً عني في مشاوراتكم بعضكم مع بعض، فهي كافية لهذا الامر.
السبب الثاني: اُجّل الى وقت آخر بمشيئة الله.
اما الاشارة القصيرة الى الإخطار المعنوي فهي: ان الذي جعلني اترك السياسة وقراءة الجرائد وامثالها من الامور الفانية خلال خمسة وعشرين عاماً ومنعني من الاشتغال بها هو واجب اُخروى جليل جداً، مع حالة روحية ذات اثر فعال. فهذان السببان ايضاً يمنعانني كلياً عن الاشتغال بهذه المسألة بتفرعاتها الدقيقة. فانتم تؤدون ايضاً مهمتى بالاستشارة احياناً مع موكلَيكم الاثنين.
* * *

اخوتى الاعزاء الاوفياء!
لقد ورد الآن في الصلاة الى القلب الآتي:
انه بناء على حسن الظن المفرط الذي يحمله الاخوة الاعزاء ينتظرون منك درساً وارشاداً لهم، وهمّة ومدداً مادياً ومعنوياً. فمثلما وكّلت الاخوة الخواص في امورك
الشعاع الرابع عشر - ص: 539
الدنيوية واودعتها الى الشورى فيما بين الاركان، وحسناً فعلت. كذلك بتوكيلك الشخص المعنوى للخواص الخالصين في اعمالك الاخروية والقرآنية والايمانية والعلمية فانهم يؤدون تلك الوظيفة مع وظيفتهم وعلى افضل وجه واكمله. وهم فعلاً يؤدونها الآن وعلى الدوام.
مثلاً: ان كان الذي يواجهك ويسترشد بنصيحة ودرس منك موقتاً بمقدار درهم، فانه يستطيع ان يأخذ مائة درهم من النصيحة والدرس والارشاد من جزء من اجزاء رسائل النور فضلاً عن انه يصاحبها وينتصح منها بدلاً منك. ثم ان الخواص من طلاب النور يؤدون وظيفتك هذه كل وقت. ونسأل الله ان يكون شخصهم المعنوي المالك لمقام رفيع والدعاء المقبول ظهيراً لهم واستاذاً ومعيناً. هكذا ورد الإخطار فأورث السلوان الروحي وزف لها البشرى والراحة.
* * *

اخوتى الاعزاء الاوفياء:
ان وقوع حادثتى الانفجار في غضون اليومين الماضين من دون ان يكون هناك سبب ظاهرى، لاتشبهان المصادفة وتنمان عن مغزى عميق.
اولاها: انفجار المدفأة الحديدية القوية الموجودة في ردهتى فجأة واحدثت صوتاً قوياً حطمت القطعة الفولاذية التى تحتها، فهلع منها الخياط حمدى، واوقعنا في حيرة علماً انها تتحمل حرارة الفحم الحجرى في عزّ الشتاء.
ثانيتها: تهشم القدح الموضوع على مشربة الماء تهشماً عجيباً في ردهة "فيضى" من دون سبب ظاهرى وذلك في اليوم التالى لانفجار المدفأة.
والذى يرد الى الخاطر ان القنابل الموضوعة لتنفجر علينا قد فجرتها نسخ الدفاع المرسلة الى دواوين المسؤولين الستة في "انقرة"، وان مدفأة الغضب التى تستعر لتحرقنا بنارها قد تحطمت دون ان يلحق بنا الضرر.
الشعاع الرابع عشر - ص: 540
ولعل تلك المدفأة المباركة التى كانت انيسة نافعة وتستمع الى آهاتى وتضرعاتى تخبرنى قائلةً: لاحاجة الي وسترحل من هذا السجن.
* * *
اخوتى الاعزاء الصديقين!
انتابني اليوم قلق وحزن لأجلكم باخطار معنوى ورد الى القلب. فلقد حزنت لاحوال اخواننا الذين يرغبون في الخروج حالاً من السجن من جراء قلقهم على هموم العيش. وفي الدقيقة التي فكرت في هذا، وردت خاطرة ميمونة الى القلب مع حقيقة وبشرى هي:
ستحل الشهور الثلاثة المباركة جداً الحاملة لأثوبة عظيمة بعد خمسة ايام فالعبادات مثابة فيها باضعافها. اذ الحسنة ان كانت بعشر امثالها في سائر الاوقات ففي شهر رجب تتجاوز مائة حسنة وفي شهر شعبان تزيد على ثلاثمائة حسنة، وفي شهر رمضان المبارك ترتفع الى الألف حسنة، وفي ليالى الجمع فيه الى الآلاف، وفي ليلة القدر تصبح ثلاثين الف حسنة. نعم، ان الشهور الثلاثة سوق اخروية سامية رفيعة للتجارة، بحيث تُكسب المرء هذه الارباح والفوائد الاخروية الكثيرة جداً.. وهي مشهر عظيم ومعرض ممتاز لاهل الحقيقة والعبادة.. وهي التي تضمن عمراً لاهل الايمان بثمانين سنة خلال ثلاثة شهور.. فقضاء هذه الشهور الثلاثة في المدرسة اليوسفية التي تكسب ربحاً بعشرة امثالها. لا شك انه ربح كبير وفوز عظيم. فمهماكانت المشقات فهي عين الرحمة.
فكما ان الامر هكذا من حيث العبادة. فهي كذلك من حيث الخدمة النورية والعمل لنشر رسائل النور، اذ تتضاعف الخدمات الى خمسة اضعافها باعتبار النوعية ان لم تكن باعتبار الكمية، لان القادمين والمغادرين لدار الضيافة هذه (السجن) يصبحون وسائط لنشر دروس النور، وقد ينفع احياناً اخلاص شخص واحد بمقدار عشرين شخص. ثم انه لا اهمية ان كان هناك شئ من المشقات والمضايقات ازاء انتشار سر الاخلاص في رسائل النور بين صفوف المسجونين الذين هم احوج الناس الى ما في الرسائل من سلوان ولاسيما ممن تسرى في عروقهم بطولات سياسية.
الشعاع الرابع عشر - ص: 541
اما من حيث هموم العيش، فمن المعلوم ان هذه الشهور هي سوق الآخرة وقد دخل بعضكم هذا السجن بدلاً عن الكثيرين من الطلاب، بل ان بعضكم قد دخله بدلاً عن الالف. فلا شك ان ستكون لهم مساعدات وامدادات لاعمالكم الخارجية.
هكذا وردت الخاطرة وفرحتُ بها فرحاً تاماً وعلمت ان البقاء هنا الى العيد نعمة إلهية عظيمة.
سعيد النورسي
* * *
الى رئاسة الوزارة ووزارة العدل
ووزارة الداخلية 1
ان جميع رجال الدولة يعرفوني عن كثب، ولاسيما اولئك الذين عاصروا الظروف الجسام التي مرت على البلاد منذ اعلان الحرية (الدستور) واثناء الحرب العالمية الاولى، وخلال غزو الحلفاء للبلاد ودخولهم استانبول، وما اعقبته من احداث لحين تشكل الحكومة الوطنية، وفترة اعلان الجمهورية.. فالذين يحيطون علماً بتلك الظروف ممن يتولون الآن مناصب في الدولة يعرفونني معرفة جيدة.. ومع هذا فاسمحوا لي ان اعرض مشاهد من حياتي امامكم عرضاً سريعاً.
"ولدتُ في قرية "نورس" التابعة لولاية "بتليس"، وطوال فترة حياة التلمذة وتحصيل العلوم دخلت في مناقشات علمية حادة مع كل من قابلته من العلماء، كنت اتغلب عليهم بفضل العناية الربانية. حتى بلغتُ استانبول. وهناك في جوها المشوب بآفة الشهرة والصيت لم انقطع عن مناظراتي العلمية. الا ان وشاية الحاسدين والخصماء، ادت بي ان اساق الى مستشفى المجاذيب بأمر السلطان عبدالحميد - رحمه الله رحمة واسعة - ثم استقطبت نظر حكومة الاتحاد والترقي، بناء على خدماتي اثناء إعلان الدستور وحادثة 31/مارت. طرحت عليهم مشروع بناء جامعة في مدينة "وان" باسم "مدرسة الزهراء" على غرار الأزهر الشريف.. حتى انني
_____________________
1 كتب هذه العريضة محامو الاستاذ وبأذنه وارسلت الى الدوائر العليا المذكورة (صونغور).

الشعاع الرابع عشر - ص: 542
وضعت حجرها الاساس بنفسي، ولكن ما ان اندلعت الحرب العالمية الاولى حتى شكلت من طلابي والمتطوعين "فرق الأنصار" وتوليت قيادتهم، فخضنا معارك ضارية في جبهة القفقاس مع الروس المعتدين في "بتليس".. وقعت اسيراً بيدهم، الا ان العناية الربانية انجتني من الأسر. واتيت استانبول. وعينتُ فيها عضوا في دار الحكمة الاسلامية، وبادرت الى مجاهدة الغزاة المحتلين لاستانبول في تلك الظروف الحرجة، وبكل ما وهبني الله من طاقة.. الى أن انتهت حروب الاستقلال وتشكلت الحكومة الوطنية في انقرة، فنظرت من جديد - تثميناً لخدماتي تلك - الى مشروع تأسيس الجامعة في "وان".
الى هنا كانت حياتي طافحة بخدمة البلاد، وفق ما كنت احمله من فكرة خدمة الدين عن طريق السياسة. ولكن بعد هذه الفترة وليّت وجهي كلياً عن الدنيا، وقبرت "سعيداً القديم" - حسب اصطلاحي - واصبحت سعيداً جديداً يعيش كلياً للآخرة، فانسللت من حياة المجتمع ونفضت يدي عن كل ما يخصهم فاعتزلت الناس تماماً واعتكفت في "تل يوشع" في استانبول ومن ثم في مغارات في جبال "وان وبتليس". بت في مجاهدة مستديمة مع روحي ووجداني. انفردت الى عالمي الروحي رافعاً شعار "اعوذ بالله من الشيطان والسياسة" صرفت كل همي ووقتي الى تدبّر معاني القرآن الكريم. وبدأت اعيش حياة "سعيد الجديد".. اخذتني الاقدار نفياً من مدينة الى اخرى.. وفي هذه الاثناء تولدت من صميم قلبي معاني جليلة نابعة من فيوضات القرآن الكريم.. أمليتها على مَن حولي من الاشخاص، تلك الرسائل التي اطلقت عليها "رسائل النور" انها انبعثت حقاً من نور القرآن الكريم. لذا نبع هذا الاسم من صميم وجداني، فانا على قناعة تامة ويقين جازم بان هذه الرسائل ليست مما مضغته افكاري وانما إلهام إلهي افاضه الله سبحانه على قلبي من نور القرآن الكريم، فباركت كل من استنسخها، لأنني على يقين ان لا سبيل الى حفظ ايمان الآخرين غير هذه السبيل فلا تمنع تلك الفيوضات عن المحتاجين اليها. وهكذا تلقفتها الايدي الامينة بالاستنساخ والنشر، فايقنت ان هذا تسخير رباني وسوق إلهي لحفظ ايمان المسلمين فلا يستطيع أحد ان يمنع ذلك التسخير والسوق الإلهي، فاستشعرت بضرورة تشجيع كل مَن يعمل في هذه السبيل امتثالاً بما يأمرني به ديني. فهذه
الشعاع الرابع عشر - ص: 543
الرسائل التي تربو على المائة والثلاثين رسالة لا تبحث بحثاً مقصوداً عن امور الدنيا والسياسة، وانما تخص كلياً امور الآخر ة والايمان. وعلى الرغم من كل هذا فقد اصبحت الشغل الشاغل للانتهازيين والمتصيدين في الماء العكر حتى اوقفتني السلطات في كل من "اسكي شهر" و "قسطموني" و "دنيزلي".. واجرت المحاكم تدقيقات علمية على الرسائل. قام بها خبراء متخصصون، الا ان الحقيقة - بفضل الله سبحانه - كانت تتجلى بنصاعتها دوماً، وتتبوأ العدالة مكانتها اللائقة بها.بيد ان هؤلاء المتربصين للفرص المتصيدين في الماء العكر لم يسأموا ابداً، بل سببوا في اعتقالي في هذه المرة، وأتوا بى الى "آفيون" يسندون الي التهم الآتية وانا رهن التوقيف للاستجواب:
1- انك قد شكلت جمعية سياسية.
2- انك تنشر افكاراً تعادى النظام.
3- انك تستهدف غاية سياسية.
والاسباب الموجبة لهذه الاتهامات ودلائلها هي بضع عشرة جملة في عدد من رسائلي.
ايها الوزير المحترم!
"آتوني جملة لا يمكن تأويلها، وانا احكم بها عليكم بالاعدام" قالها نابليون. ترى اية جملة يتفوّه بها الانسان لا تكون سبباً للتأويلات والجرم والذنب؟ ولاسيما من كان مثلى بالغا الخمس والسبعين من العمر وقد تخلى عن امور الدنيا ونفض يده عنها كلياً وحصر حياته كلها للآخرة. فلا بد ان تكون كتابات مثل هذا الشخص حرة طليقة، لأنها مقرونة بحسن النية وحسن الظن، فليس فيها تردد ولا تحرّج. لذا فان تحرى الجرم والتنقيب عن التهمة بالتدقيق تحت سطور هذه الكتابات، ظلم واضح فاضح لا غير.
وبناء على هذا فان رسائل النور البالغة ثلاثين ومائة رسالة، لا تتضمن قصداً ما يتعلق بامور الدنيا قط، بل كلها تتعلق بالآخرة والايمان ، فلا غرو انها مقتبسة من
الشعاع الرابع عشر - ص: 544
فيض نور القرآن الكريم، وليس فيها اية غاية وقصد دنيوي ولا سياسي قط. فما من محكمة تناولت امور هذه الرسائل الاّ وقررت تبرئتها بالقناعة نفسها. ولهذا فان إشغال المحاكم بما ليس ضرورياً لها ولا يلزمها وعزل اهل العمل المؤمنين الابرياء عن اعمالهم واشغالهم أمر مؤسف بحق البلاد والعباد.
نعم! ان سعيداً القديم الذي بذل كل حياته في سبيل اسعاد هذه الامة ونشر الأمن والسعادة في ربوع البلاد، وانسحب انسحاباً كلياً عن الدنيا بأسرها وكفّ يده عن امورها كلياً، أيمكن له ان يشتغل بالسياسة بعد ان اصبح سعيداً جديداً وبلغ من العمر الخامسة والسبعين؟ اعتقد انكم مقتنعون كذلك بهذا قناعة تامة.

لي غاية واحدة وهي:
انني في هذا الوقت الذي اتقرب فيه الى القبر.. وفي هذا الوطن الذي هو بلاد اسلامية، نسمع نعيق ابوام البلاشفة.. هذا النعيق يهدد اسس الايمان في العالم الاسلامي، ويشدّ الشعب ولاسيما الشباب اليه، بعد سلب الايمان منهم.
انني بكل ما أملك من وجود، اُجاهد هؤلاء، وادعو المسلمين وبخاصة الشباب الى الايمان، فانا في جهاد دائم مع هذه المجموعة الملحدة. وسأمثلُ ان شاء الله في ديوان حضوره سبحانه وانا رافع راية هذا الجهاد. وكل عملي ينحصر في هذا. واخشى ما اخشاه ان يكون الذين يحولون بيني وبين غايتي هذه هم بلاشفة ايضاً.
فغايتي المقدسة هي التكاتف والتساند والترابط مع كل من يجاهد اعداء الايمان هؤلاء. اعطوني حريتي واطلقوا يديّ كي اعمل بالتكاتف مع القوى المجاهدة في سبيل اعلان التوحيد وترسيخ الايمان في هذه البلاد واصلاح الشباب المتسمم بالشيوعية.
الموقوف
سعيد النورسي
* * *

عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:56 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 545
باسمه سبحانه
اخوتي الاعزاء الصدّيقين!
ان انجع علاج في هذه الدنيا، ولا سيما في هذا الزمان، وبخاصة للمبتلين بالمصائب، ولطلاب النور الذين انتابهم ضجر شديد ويأس قاتم هو:
تسلية أحدهم الآخر، وادخال السرور في قلبه، وامداد قوته المعنوية وضماد جراحات الضيق والحزن والسأم، وتلطيف قلبه المغموم، كأخ حقيقي مضح. اذ الأخوة الحقة والاخروية التي تربطكم لا تتحمل التحيز والاغاظة.
فانا اعتمد عليكم كلياً واستند اليكم، وانتم على علم بقراري وعزمي بانني عازم على ان اضحي مسروراً لأجلكم أنتم بروحي، لا براحتي وحيثيتي وشرفي وحدها، بل قد تشاهدون هذا مني فعلاً، حتى انني اقسم لكم: انه منذ ثمانية أيام يتألم قلبي من عذاب شديد، من جراء حادثة تافهة سببت دلالاً ظاهرياً بين ركنين من أركان النور وإحزان احدهما الآخر بدلاً من السلوان. فاستصرختْ روحي وقلبي وعقلي معاً، وبكت قائلة:
"اواه! اواه! الغوث الغوث يا أرحم الراحمين، احفظنا واجرنا من شياطين الجن والانس، واملأ قلوب اخواني بالوفاء التام والمحبة الخالصة والاخوة الصادقة والشفقة الكاملة".
فيا اخوتي الثابتين الصلبين صلابة الحديد! اعينوني في مهمتي! فان قضيتنا في منتهى الدقة والحساسية، فلقد سلمت الى شخصكم المعنوي جميع مهماتي، لشدة ثقتي واطمئناني بكم، فعليكم اذن ان تسعوا - ما وسعكم - لإمدادي وعوني، فعلى الرغم من ان الحادثة تافهة جزئية، فان وقوع شعرة، مهما كانت صغيرة في عيننا تؤلم، وفي ساعتنا توقفها. ان هذه الحادثة الجزئية تعد كبيرة حيث اخبرت عنها الانفجارات الثلاثة المادية والمشاهدات الثلاث المعنوية.
سعيد النورسي
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 546
اخوتى الاعزاء الاوفياء!
ان انفجار مدفأتي وتهشم اقداح فيضي وخسرو ينبئان عن وقوع مصيبة ستحل بنا.
نعم انه ينبغى التساند الحقيقى والترابط الصادق الذى هو اقوى مرتكز ونقطة استناد لنا مع غض النظر عن اخطاء بعضنا البعض وعدم الاستياء من خسرو الذى هو بطل النور والممثل لشخصه المعنوى وفي موقعى انا.
وقد كنت اشعر قبل بضعة ايام ضيقاً شديداً في صدرى واقول في قلق: "لقد وجد اعداؤنا وسيلة للتغلب علينا" ..
حذار..! حذار..! حذار..! اعملوا فوراً على رأب الصدع في ترابطكم الوثيق الفولاذى.. اقسم بالله ان هذه الحادثة - ولاسيما في هذه الفترة - تلحق الضرر بالعمل للقرآن وخدمة الايمان اكثر من دخولنا السجن.
سعيد النورسى
* * *
باسمه سبحانه
اخوتي الاعزاء الصديقين!
ان "ليلة المعراج" بمثابة "ليلة قدر" ثانية. فكسب الثواب بالعمل المتواصل - كلما امكن - يرتفع في هذه الليلة من الواحد الى الألف. وكذا بالسر الكامن في الاشتراك المعنوي ستؤدون عبادات وتدعون دعوات في هذه الليلة المباركة، ولا سيما في هذا المعكتف المثاب عليه كثيراً، باربعين الف لسان كبعض الملائكة المسبحة باربعين الف لسان. ومن ثم تشكرون ربكم بعبادات هذه الليلة، ازاء عدم تضررنا بواحد من الف من الاضرار التي كانت تلحق بنا نتيجة العاصفة المقبلة.
اننا نبارك اخذكم الحذر التام، ونبشركم في الوقت نفسه ان العناية الربانية قد تجلت بحقنا تجلياً واضحاً.
سعيد النورسي
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 547
اخوتي الاعزاء الصديقين!
اولاً: ابارك ليلتكم، ليلة المعراج، بكل ما املك من روح وجسد.
ثانياً: ان دعوانا منذ عشرين سنة هي أن طلاب النور لا يتعرضون - ما امكن - لنظام البلاد ولا يمسّون أمنها بسوء. الاّ ان قضية سجننا هذه يمكن ان تعد أمارة قوية وحجة على جرح دعوانا تلك، حيث ان الذين يهاجموننا يزعمون اننا نخلّ بأمن البلاد ونظامها اولاً. الاّ ان العناية الالهية قد ظهرت بشكل خارق بكرامة اخلاصكم ووفائكم، اذ قد خفت شدة المصيبة من المائة الى الواحد وغدت القبة حبة بفضله تعالى. والاّ فان الذين يستهولون الامور ويجعلون الحبة قبة بحقنا يستغلون هذه الفرصة لبث الافتراءات ضدنا وربما يحملون الناس على تصديقها.
ثالثاً: لا تفكروا فيّ ولا تقلقوا عليّ ابداً. فان وجودي معكم في بناية واحدة يزيل كل صعابي ومشقاتي ومضايقاتي.. وحقاً ان اجتماعنا هنا له اهمية عظيمة من جهات شتى، وفوائد جمة لخدمة الايمان حتى أن ارسال تلك الحقائق المهمة التي تتضمنها "تتمة الاعتراض" الى الدوائر العليا الست هذه المرة وجلبها انظارهم واجرائها حكمها فيهم - الى حدّ ما - ازال جميع مشقاتنا واتعابنا.
رابعاً: ان الانشغال برسائل النور - حسب الإمكان - يزيل الضجر والضيق، ويمكن ان يعدّ خمسة انواع من العبادة.
خامساً: لقد خفت المصيبة السابقة من شدتها من المائة الى الواحد بفضل دروس رسائل النور، والاّ لكانت تصبح - من حيث الظرف الدقيق زماناً ومكاناً - الحبة قباباً كثيرة، اي هي بمثابة إلقاء الشرارة في البارود. حتى ان فريقاً من الموظفين الرسميين قالوا: "ان الذين استمعوا الى دروس النور لم يتدخلوا في الامر" فلو كان الجميع يستمعون اليها لما حدث شيئ قط.
فلا تفسحوا يا اخوتي المجال - قدر المستطاع - الى الثنائية والتفرقة، لئلا يضاف شئ آخر الى ضيق السجن وضجره. وليكن المسجونون ايضاً اخوة متحابين كطلاب النور ولا يهجرنّ بعضهم بعضاً.
سعيد النورسي
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 548
اخواني الاوفياء المخلصين!
لقد تحتم علينا بدرجة الوجوب استعمال دساتير لمعة الاخلاص وسر الاخلاص الحقيقي فيما بيننا وتجاه بعضنا البعض الاخر، ما استطعنا الى ذلك سبيلاً، وبكل ما نملك من قوة. اذ علمت بخبر يقيني انه قد عُيّن ثلاثة اشخاص، منذ ثلاثة شهور، ليلقوا الفتور فيما بين الاخوة الاوفياء هنا بإلقاء اختلاف الافكار والمشارب فيما بينهم، مستغلين تثبيط الاقوياء، وبث الشبهات والاوهام والخوف في قلوب الرقيقين منهم، القليلي الصبر والتحمل، لجعلهم يتخلون عن القيام بخدمة النور ليمددوا مدة محاكمتنا دون سبب.
فحذار.. حذار! واياكم ان تهتز تلك المحبة الصميمية الصادقة التي ربطت قلوبكم، اذ ان اهتزازاً طفيفاً في الاخوة والمحبة بقدر ذرة واحدة تضرنا ايّما ضرر. لان بعض علماء الدين في "دنيزلي" قد ابتعدوا عنا بسبب تزعزع طفيف ونحن نضحي بأرواحنا رخيصة في سبيل اخوتنا ان استوجب الامر، وهذا ما تقتضيه خدمتنا القرآنية والايمانية. لذا فلا يضجرنّ احد من الآخر مما يسببه توتر الاعصاب الناجم عن الضيق الشديد ومن اي سبب اخر، بل ليسعَ كل منكم بزيادة محبته لاخيه وزيادة صميميته واخلاصه له وليحمّل نفسه التقصير بكمال التواضع والتسليم، والا سوف نتضرر عظيم الضرر، اذ تصبح الحبة الصغيرة قبة عظيمة تستعصى على الاصلاح. اختصر الكلام هنا محيلاً الموضوع الى فراستكم.
* * *
اخوتي الاعزاء الصديقين!
بناء على اخطار معنوي مهم، إن لكم مهمة او مهمتين نوريتين، تلك هي السعي بكل ما اوتيتم من قوة بدروس رسائل النور، لئلا يحدث بين المسجونين المبتلين المساكين في هذه المدرسة اليوسفية الثالثة، الانحياز الى جهة والانشقاق حيث أن مفسدين خطرين يتربصون تحت الستار ليستغلوا الاختلاف والاغراض الشخصية والحقد والعناد.
فما دام معظم اصحابنا في السجن يحملون روح البطولة والتضحية بروحه لأجل بلاده وامته واحبته ان استوجب الأمر، فلاشك ان الواجب على اولئك الرجال
الشعاع الرابع عشر - ص: 549
الشهمين أن يضحّوا بعنادهم واغراضهم الشخصية وعداواتهم لأجل سلامة الامة وراحة المسجونين والنجاة من إفساد المتسترين الذين يعملون بخفاء لصالح الفوضى والارهاب ويلقحون افكار الناس بالشيوعية، فيضحون بتلك العداوة التي لا فائدة فيها قطعاً بل فيها ضرر كبير ولاسيما في هذا الوقت العجيب.
وإلاّ ، اي بخلاف هذا سيكون الأمر - في هذا الوقت العصيب - كمن يُلقي الشرارة في البارود وسيلحق الضرر بمائة سجين ضعفاء وبطلاب النور الابرياء، وبولاية آفيون هذه، بل ربما يكون وسيلة لطرف اصابع منظمة اجنبية دخلت البلاد.
وحيث أننا قد دخلنا السجن لاجل اولئك بالقدر الالهي، بل قسم منا لا يريد مغادرة السجن، لاستدامة سعادتهم وراحتهم المعنوية، ونحن مستعدون للتضحية براحتنا وهنائنا في سبيل راحة الآخرين من اخواننا، وتحمل كل ضيق وضجر بالصبر الجميل، فلابد ان اخواننا الجدد اولئك ايضاً يصبحون كمسجوني سجن "دنيزلي"، فلا يضجر بعضهم من بعض ولا يهجره ولا يسأم منه ويستاء، بل عليهم وهذا ضروري ان يتصالحوا فيما بينهم اخواناً متحابين تلطيفاً لمشاعر اخواننا ولأجل حرمة شهر شعبان وشهر رمضان المبارك.
وبدورنا نحن جميعاً وانا كذلك نعدّهم ضمن دائرة طلاب النور حتى انهم قد دخلوا ضمن دعواتنا.
سعيد النورسي
* * *
اخواني الاعزاء الصادقين.
أولاً: ان في تأجيل موعد محاكمتنا وحضور اخواننا الذين أخلوا منها هنا يوم المحاكمة، فيه خير كثير .. والخير فيما اختاره الله.
نعم! لما كانت قضية (رسائل النور) تهم العالم الاسلامي كله وبخاصة هذا البلد، لذا تستدعي امثال هذه الاجتماعات الصاخبة المثيرة الجالبة لأنظار الناس عامة الى حقائق (رسائل النور). وهكذا تلقى (رسائل النور) دروسها الرائعة وبصراحة
الشعاع الرابع عشر - ص: 550
تامة على الاصدقاء والاعداء، حتى أظهرت أخفى أسرارها الى أعدى أعدائها دون احجام ولاتردد، في مثل هذه الاجتماعات التي هي فوق حسباننا وخارج حذرنا وخلاف اخفائنا للرسائل وتضادد تهوين معارضينا لشأنها، فضلاً عن انها خارج طوقنا وارادتنا.
فمادامت الحقيقة هذه، فينبغي لنا ان نعدّ مضايقاتنا التي نعانيها هنا وهي جزئية وقليلة جداً، علاجاً مراً، نتناوله بالصبر والشكر، قائلين: كل حال يزول.
ثانياً: لقد كتبتُ لمدير هذه المدرسة اليوسفية:
عندما كنت اسيراً في روسيا قامت الثورة البلشفية أول ما قامت من السجون، كما ان الثورة الفرنسية قد اندلعت من السجون ايضاً وحملها اولئك المسجونون المذكورون في التاريخ باسم الفوضويين. لذا نحن طلاب النور قد سعينا في كل مرة في سجن "اسكي شهر ودنيزلي"، وكذلك هنا "في آفيون" قدر المستطاع لاصلاح المسجونين، وقد تكلل ذلك السعي الجميل في "اسكي شهر ودنيزلي" بالثمرات الطيبة وستثمر هنا ان شاء الله فوائد اكثر. حتى انه في هذا الوقت الدقيق والمكان الحرج مضت تلك الزوبعة 1 وخفت شدتها من المائة الى الواحد بفضل دروس النور. اذ لولا ذلك لكانت التيارات الخارجة المفسدة تتمنى الفرص لتستغل الاختلافات وامثال هذه الحوادث. ولكانت تلقي الشرارة في البارود وتشب الحريق..
سعيد النورسي
* * *
باسمه سبحانه
اخوتي الاعزاء الصدّيقين الثابتين في خدمة القرآن، يامن لا يتهربون منا من الضيق!
احزنتني نفسي الآن في التفكير لأجلكم، جراء ضيق مادي ومعنوي، ولكن.. اذا بخاطر يرد الى القلب وهو: لو تحملتم عشرة اضعاف هذه المشقات والمتاعب وبصورة اخرى لكانت زهيدة في سبيل لقاء احدٍ من الاخوة هنا لقاء عن قرب.
_____________________
1 المقصود العصيان الذى دب فى صفوف المسجونين فى سجن "آفيون" ولم يشترك فيه طلاب النور قط. - المؤلف.

الشعاع الرابع عشر - ص: 551
ثم من الضرورة بمكان ان يكون لطلاب النور كل بضع سنين اجتماعاً يجتمعون فيه دفعة واحدة، كما كان اهل الحقيقة سابقاً يجتمعون مرة او مرتين كل سنة ويديمون فيه مسامراتهم ومحاوراتهم على وفق مشرب رسائل النور المكلل بالتقوى والرياضة الروحية، ومسلكها المتسم بإلقاء الدروس الى الناس كافة والى المحتاجين خاصة بل حتى الى المعارضين، ولإجل انطاق الشخص المعنوي في دائرتها، فالمدرسة اليوسفية هذه افضل مكان لطلاب النور وملائم جداً لهذه الاغراض، بحيث تهون امامه المشقات حتى لو كانت الف مشقة وضيق.
ان اجتناب بعض اخوتنا الضعفاء وانسحابهم من ميدان العمل للنور لسآمتهم في سجوننا السابقة كان خسارة جسيمة لحقت بهم، بينما لم يلحق اي ضرر كان برسائل النور وطلابها، بل انضم بدلاً منهم من هو اكثر ثباتاً واخلاصاً منهم.
وحيث ان امتحان الدنيا عابر ويمضي بسرعة، ويسلّم لنا ثوابه وثمراته، فعلينا الاطمئنان الى العناية الالهية شاكرين ربنا من خلال الصبر.
سعيد النورسي
* * *
باسمه سبحانه
اخوتي الاعزاء الصدّيقين!
اولاً: عندما تسلمون القطعتين الاخيرتين الى رئيس المحكمة، بوساطة شخص فاضل تختارونه ليطلع عليها اطلاعاً غير رسمي، ليكن ذلك بعد طبعهما بالحروف الجديدة او بالحروف القديمة، وقدّموا معهما اليه مذكرة اخرى اكتبوا فيها:
ان سعيداً يقدم لكم شكره الجزيل ويقول: لقد فتح الحراس الشبابيك الاّ ان المدعي العام لا يسمح لأي واحد من اخوتي بالمجئ الىّ. وانه يرجو منكم رجاءً حاراً ان تعيدوا اليه المصحف الشريف المحجوز في المحكمة والمكتوب بخط نفيس معجز كي يتلو فيه هذه الشهور المباركة، علماً انه قد ارسلت ثلاثة اجزاء من ذلك المصحف الى
الشعاع الرابع عشر - ص: 552
رئاسة الشؤون الدينية ليسعوا في طبعه بالصورة. وعلاوة على ذلك يرجو منكم ان تسلموا اليه احدى المجموعات التي سلّمت الى المحكمة، كي تكون له مدار تسلٍ في تجريده المطلق وضيقه الشديد وليأنس بمطالعتها ويصاحبها في عزلته هذه عن الناس. علماً ان تلك المجموعات قد مرت على ثلاث محاكم او اربع دون ان يعترضوا عليها. فضلاً عن تقدير الكثير من علماء مكة المكرمة والمدينة المنورة والشام وحلب وكبار علماء الازهر بمصر، بل اعجابهم بها من دون ان ينتقدوا منها ولا يعترضوا عليها وذلك بشهادة الحجاج القادمين.
سعيد النورسي
* * *
اخوتى الاعزاء الاوفياء!
ان لدى "فيضى" نسختين من "الحزب النورى" فان لم تكونوا بحاجة اليهما فلترسلا اليّ، او ليكتب "محمد فيضى" نسخة اخرى. فضلاً عن اننا بحاجة الى رسالة رمضان والآية الكبرى المطبوعة.
اصلحوا فوراً الجفاء الموجود فيما بينكم.
حذار.. حذار من هذا.. لان انحرافاً ولو طفيفاً جداً يلحق بدائرة النور ضرراً ايما ضرر، فلا تنفعلوا بالاحاسيس الناشئة من الضيق، فلقد اشار انفجار مدفأتى الى هذه الحادثة.
* * *
اخوتي الاعزاءالصدّيقين: خسرو ومحمد فيضي وصبري!
كنت آمل ان اودع اليكم - بكل ثقتي وقناعتي - الحفاظ على سلامة رسائل النور ثم ادخل القبر سليم القلب. وكنت اعتقد انه لا يمكن ان يحول شئ - مهما كان - بين بعضكم البعض الآخر. والآن هناك اشعار رسمي موضوع بخطة رهيبة لإحداث جفوة بين اركان طلاب النور.
ولما كنتم مستعدين للتضحية - اذا استوجب الامر - بحياتكم لأجل الآخرين،
الشعاع الرابع عشر - ص: 553
بمقتضى وفائكم الخالص وترابطكم الوثيق برسائل النور، فلاشك بل ويحتم عليكم ان تضحوا بمشاعركم الجزئية العابرة التي لا اهمية لها في سبيل الاخرين. اذ بخلاف ذلك ستلحق بنا بلا شك - في هذه الفترة - اضرار جسيمة، كما ان هناك احتمال الافتراق عن دائرة النور.. اقول ذلك وانا ارتعد من هذا المصير.
ولقد انتابني ضيق شديد منذ ثلاثة ايام لم أر مثله قط وهزني هزاً عنيفاً، وعلمت الآن قطعاً ان تدللاً من بعضكم على البعض الآخر وإن كان طفيفاً - كشعرة في العين - يقع وقوع القنبلة في حياتنا النورية.
حتى انني ابلغكم هذا ايضاً: لقد بُذلتْ جهودٌ مضنية لإظهارنا ذا علاقة مع الزوبعة السابقة، فيحاولون الآن إلقاء الجفاء - ولو قليلاً - فيما بينكم.
انني قررتُ ألاّ انظر الى تقصير ايٍ منكم رغم انني اقاسي - في سبيل الحفاظ على مشاعركم - المتاعب والمضايقات اكثر منكم بعشر مرات، فأطلب منكم باسم استاذنا الشخص المعنوي لطلاب النور، ترك الانانية وعدم الأخذ بها محقّاً كان المرء ام غير محق.
وان كانت هناك اصابع خفية تلعب في ذلك المكان العجيب، لوجودكم معاً، فليذهب احدكم الى ردهة "طاهري".
سعيد النورسي
* * *

اخوتي الاعزاء الصديقين ويا زملاء الدراسة في هذه المدرسة اليوسفية!
ان الليلة القادمة هي ليلة النصف من شعبان، وهي بمثابة نواة سامية لسنة كاملة ونوع من برنامج للمقدرات البشرية، لذا تكتسب هذه الليلة قدسية من ليلة القدر. فمثلما الحسنات تتضاعف الى ثلاثين الف ضعف في ليلة القدر، يرتفع العمل الصالح وكل حرف من الحروف القرآنية في ليلة النصف من شعبان الى عشرين الف ثواب.
فلئن كانت الحسنة بعشرة امثالها في سائر الاوقات، ففي الشهور الثلاثة ترتفع الى
الشعاع الرابع عشر - ص: 554
المائة والى الالف، وفي هذه الليالي المشهورة ترتفع الى عشرة آلاف، وعشرين الف، وثلاثين الف من الحسنات. فهذه الليالي المباركة تعدل عبادة خمسين سنة، لذا فالانشغال - قدر المستطاع - بتلاوة القرآن الكريم والاستغفار والصلوات على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة ربح عظيم جداً.
سعيد النورسي
* * *
باسمه سبحانه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائماً
سلّمكم الله في الدارين
نبارك لكم ليلة النصف من شعبان بكل قلوبنا وارواحنا، تلك الليلة التي يمكن ان يغنم فيها اهل الايمان عمراً معنوياً يعدل خمسين سنة من العبادة. فكل طالب مخلص خالص للنور في هذه الليلة كأنه يعبد ربه ويستغفره باربعين الف لسان كبعض الملائكة المسبحين بأربعين ألف لسان.. هكذا نأمل من رحمته تعالى باطمئنان تام وبسر الاشتراك المعنوي وبفيض التساند المعنوي.
سعيد النورسي
* * *
باسمه سبحانه
أولاً: لقد اعترض البعض في الادعاء على مسألة من "الشعاع الخامس" تتعلق بالدجال، متأثرين في اعتراضهم هذا بادعاءات بعض أصحاب الأهواء والبدع من العلماء، الذين ينكرون مجئ الدجال او حتى عدد من الدجالين في الاسلام. ولعلّ الحديث النبوي التالي يعتبر خير دليل على دحض تلك المزاعم.
فقد ورد في الحديث الصحيح:
الشعاع الرابع عشر - ص: 555
(لن تزال الخلافة في ولد عمي - صِنْوِأبي - العباس حتى يسلمها الى الدجال) وهذا الحديث الشريف فضلاً عن أنه يعتبر معجزة رائعة من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنه يدل دلالة صريحة على أن الخلافة العباسية ستظهر وتستمر مدة طويلة بما يقرب خمسمائة سنة ثم تدمر على يد دجال من الدجالين الثلاثة من أمثال جنكيز وهولاكو ويتولى حكومة دجالية في العالم الاسلامي، أي انه يدل دلالة ظاهرة على أن العالم الاسلامي سيُفْتَتَن بثلاثة من الدجالين طبقاً للاحاديث المختلفة الواردة.
على أن الخبر الغيبي الوارد في هذا الحديث ينطوي على معجزتين قطعيتين من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم.
احداها: أن الخلافة العباسية ستقوم فيما بعد وتدوم خمسمائة عام.
ثانيها: أن هذه الخلافة ستنقرض على يد دجال ظالم طاغ من أمثال جنكيز وهولاكو.
فيا عجباً! هل يمكن لصاحب الشريعة الذي أخبر في كتب الاحاديث عن أشياء جزئية تعود الى شعائر الاسلام والقرآن ألاّ ينبئ عن الأحداث العجيبة التي في زماننا هذا؟.. وهل يمكن ألاّ يشار الى تلاميذ رسائل النور الذين نذروا أنفسهم لخدمة القرآن خدمة مخلصة، وبشكل رائع وواسع، لا سيما في زمن عجيب كزماننا هذا، وفي ظروف صعبة وشديدة كظروفنا.. تلك الخدمات التي يعترف بها الأعداء والأصدقاء؟

سعيد النورسي
* * *

عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:56 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 556
باسمه سبحانه
الى الرائد النوري العزيز وخادم القرآن أخي رأفت بك!
هذه نكتة من نكات الآية الجليلة:
(وَضُرِبَتْ عليهم الذِّلَةُ والْمسْكَنَةُ) (البقرة: 61)
إن اليهود لما أفرطوا في حب الحياة والتكالب على الدنيا استحقوا أن يتلقَوا صفعة الذل والمسكنة في كل عصر وكل مكان. الا ان الامر بالنسبة لقضية فلسطين هذه يختلف بعض الشئ. فقد حلّ محل حب الحياة والتكالب على الدنيا الذي هو جبلّة اليهود وديدنهم على مر العصور شعور قومي وديني؛ حيث بدأوا يحسون أن فلسطين هي مقبرة بني اسرائيل وأن الأنبياء السابقين كانوا من قومهم. وبالنظر الى شعورهم القومي والديني هذا فانهم لم يتلقوا صفعة تأديب بسرعة هذه المرة . وإلا فكيف يكون باستطاعة ثلة قليلة من الناس أن تعيش وسط ذلك الجمع الهائل من العرب الذين يطوقونها من كل صوب دون أن يتلقوا صفعة سريعة وتضرب عليهم الذلة والمسكنة.
* * *
سؤال :
هل هناك آية كريمة تدل على كروية الارض، وفي أية سورة من سور القرآن الكريم. فان شبهة تجول في فكري حول تسويتها او كرويتها، وحيث أن اراضي كل حكومة تحدها البحار فما الذي يحافظ على اطراف هذه البحار الواسعة؟.
الملا علي من اميرداغ
الجواب:
لقد حلّت رسائل النور هذه المسألة وما شابهها من المسائل. علماً ان علماء الاسلام قد قبلوا بكروية الارض، وانها لا تخالف الدين. ولا يدل ورود السطح في الآية الكريمة على عدم كرويتها.
هذا وان استقبال القبلة شرط في الصلاة لدى المجتهدين، والشرط يسري فى
الشعاع الرابع عشر - ص: 557
جميع الاركان، لذا يلزم استقبال القبلة في الركوع والسجود، وهذا انما يمكن بكروية الارض. والقبلة شرعاً عمود نوراني يصعد من فوق الكعبة الى العرش وتمتد من اسفلها الى الفرش. فاستقبال القبلة في اركان الصلاة انما يكون بكروية الارض وبكون القبلة عموداً نورانياً كما ذكرنا.
سعيد النورسي
* * *
باسمه سبحانه
(وَاِنْ مِنْ شَيءٍ اِلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدِهِ)
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخوتي الاعزاء الصديقين!
نبارك من كل قلوبنا وارواحنا حلول شهر رمضان المبارك ونسأله تعالى ان يجعل ليلة القدر لكم خيراً من ألف شهر. آمين.. ويقبلها سبحانه منكم في حكم ثمانين سنة من العمر المقضي بالعبادة.. آمين.
ثانياً: انني اعتقد ان بقاءنا هنا الى العيد فيه خير كثير وفوائد جمة. اذ لو اُفرج عنا لحُرمنا من خيرات هذه المدرسة اليوسفية، فضلاً عن اننا سننشغل بامور دنيوية في هذا الشهر المبارك شهر رمضان الذي هو شهر اُخروي بحت، وهذا مما يخل بحياتنا المعنوية.
اذن فالخير فيما اختاره الله، وستكون ان شاء الله افراح كثيرة وخيرات اكثر. لقد علمتم ايضاً يا اخوتي في المحكمة انهم لا يستطيعون وجدان شئ علينا حتى بقوانينهم انفسهم، لذا يتشبثون بامور جزئية جداً لاتمسُ القانون بشئ ولو بقدر جناح بعوضة فينقبون في مكاتب جزئية وامور جزئية خاصة جداً، حيث لا يجدون من المسائل النورية العظيمة وسيلة تكون سبباً للتعرض لنا.
ثم ان لنا مصلحة اخرى وهي انهم ينشغلون بشخصي الذي لا اهمية له فيهوّنون من شأني بدلا من انشغالهم بطلاب النور الكثيرين ورسائل النور الواسعة الانتشار. فلا يسمح القدر الالهي لهم بالتعرض لطلاب النور ورسائل النور، بل يشغلهم
الشعاع الرابع عشر - ص: 558
بشخصي فحسب، وانا بدوري ابيّن لكم ولجميع اصحابي واصدقائي:
انني ارضـى بجميع المشقات الآتية على شخصي وبكل سرور وامتنان وبكل ما املك من روح وجسد بل حتى بنفسي الامارة، في سبيل سلامة رسائل النور وسلامتكم انتم. فكما ان الجنة ليست رخيصة فان جهنم كذلك ليست زائدة عن الحاجة.
ولما كانت الدنيا ومشقاتها فانية وماضية عابرة بسرعة، فان المظالم التي ينزلها بنا اعداؤنا المتسترون سننتقم منهم ونأخذ ثأرنا بأضعاف اضعافها بل بمائة ضعف، وذلك في المحكمة الكبرى وجزء منها في الدنيا.
فنحن بدلاً من الحقد والغضب عليهم نأسف على حالهم.
فما دامت الحقيقة هي هذه، فعلينا التوكل على الله والاستسلام لما تجري به المقادير الالهية والعناية الالهية التي تحمينا، من دون ان يساورنا القلق. مع اخذ الحذر، والتحلي بالصبر الجميل والشكر الجزيل، وشدّ اواصر المحبة ووشائج الالفة والمسامرة المباركة مع اخوتنا هنا في الايام المباركة لهذا الشهر المبارك شهر رمضان، وقضائه في جوّ من الاخوة الخالصة والسلوان الجميل والترابط الوثيق، والانشغال بالاوراد في هذا الشهر الذي يرفع الثواب الى الالف، ومحاولة عدم الاكتراث بهذه المضايقات الجزئية العابرة الفانية بل الانهماك بدروسنا العلمية، وذلك حظ عظيم يؤتيه الله من يشاء.
هذا وان دروس النور المؤثرة تأثيراً جيداً في هذا الامتحان العسير واستقراءها حتى للمعارضين فتوحات نورية لها اهميتها وقيمتها.
حاشية: ان انكار بعض اخواننا كونه طالباً من طلاب النور دون ما حاجة الى ذلك ولاسيما (...) وسترهم لخدماتهم النورية الجليلة السابقة من دون ضرورة، رغم انه عمل سئ . الاّ ان خدماتهم السابقة تدعونا الى الصفح عنهم وعدم الاستياء منهم.
سعيد النورسي
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 559
باسمه سبحانه
(وَاِنْ مِنْ شَيءٍ اِلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدِهِ)
اخوتي الاعزاء الصدّيقين!
اولاً: ان الليالي المقبلة تكسب المرء ثمانين ونيفاً من سني العمر الملئ بالعبادة، واحتمال وقوع ليلة القدر فيها وارد حسب ماورد في الحديث الصحيح (تحرّوا ليلة القدر في العشر الاواخر من رمضان) 1 فعلينا اذن السعي لاغتنام هذه الفرصة الثمينة فهي سعادة عظمى ولاسيما في مثل هذه الاماكن المثابة عليها.
ثانياً: بمضمون (من آمن بالقدر أمِنَ من الكدر) وكذا حسب القاعدة الحكيمة (خذوا من كل شئٍ احسنه) وكذا قوله تعالى (الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه اولئك الذين هَداهُم الله واولئك هم اولوا الالباب) (الزمر: 18).
فحسب هذه الآية الجليلة والقواعد السابقة علينا ان ننظر الى الجهة الحسنة من كل شئ والوجه الجميل المبشر منه لكي لا تنشغل قلوبنا بما لا يعني من الحالات القبيحة العابرة التي لا حاجة لنا اليها، بل هي مضرة تورث الضيق والانقباض. ولقد ذُكر في "الكلمة الثامنة": رجلان يدخل احدهما الحديقة بينما يغادرها الآخر. فالمحظوظ السعيد هو الذي ينظر الى الازاهير وما شابهها من الاشياء الجميلة في الحديقة، فينشرح ويرتاح ويهنأ، بينما الآخر الشقي يحصر نظره في الامور القذرة الفاسدة لعجزه عن التنظيف، فينتابه الغثيان ويتضايق بدلاً من ان ينسرّ في الحديقة، ويتركها هكذا...
هذا وان صفحات الحياة الاجتماعية البشرية الحالية ولاسيما المدرسة اليوسفية هي بمثابة حديقة، فيها اشياء قبيحة وحسنة معاً وفيها امور محزنة ومفرحة جنباً الى جنب. فالكيّس من اشغل نفسه بالامور الجميلة من دون ان يعبأ بالقبيحة والفاسدة منها. فيشكر ربه وينسرّ في موضع الشكوى والقلق.
سعيد النورسي
* * *

_____________________
1 انظر صحيح البخارى - كتاب فضل ليلة القدر - 3، مسلم - كتاب الصيام باب فضل ليلة القدر برقم 1165 - 1167.

الشعاع الرابع عشر - ص: 560
اخوتي الاعزاء الصادقين الثابتين!
ابارككم بكل روحي وقلبي، فلقد ضمدتم جرحنا بسرعة. وانا بدوري فرحت تمام الفرح وانسررت الليلة بالشفاء. ومن المعلوم ان "مدرسة الزهراء" تتوسع وتزود الاذهان والقلوب بسر الاخلاص الحقيقي والتضحية الجادة وترك الانانية والتواضع التام وذلك ضمن دائرة النور، وتقوم بنشر هذه الامور في الاوساط. فلابد اذن الاّ يفسد تلك الدروس القوية والعلاقة الاخوية المتينة ما يتولد من المشاعر والاحاسيس من امور عابرة في منتهى الجزئية ولا الدّلّ فيما بينكم. ان لمعة "الاخلاص" خير ناصح في هذا المجال.
وقد وضعتْ في الوقت الحاضر خطة رهيبة لضربنا وتشتيت رسائل النور وزعزعة الراوبط بين طلابها، وذلك بالقاء الجفاء بين الطلاب وإحداث السآمة فيما بينهم وايجاد الفرقة من حيث اختلاف المشرب والفكر...
سعيد النورسي
* * *
اخي العزيز السيد رأفت!
بحرمة القرآن العظيم، وبحق ارتباطكم القرآني، وبشرف خدماتكم العظيمة في مسلك النور طوال عشرين سنة.. ارفعوا ما بينكم من هجر وسخط، فهو رهيب رغم كونه شيئاً جزئياً - ظاهراً - الاّ انه أليم فجيع بالنسبة لاوضاعنا الحالية الدقيقة. فهو عون عظيم للمنافقين المتسترين الذين يسعون لإبادتنا وافنائنا. تخلوا يا اخوتي عن استياء بعضكم عن بعض، الشبيه بإلقاء الشرارة في البارود، واحملوا الآخرين عن التخلي عنها. اذ بخلاف ذلك هناك احتمال قوي أن يلحق الضرر بنا وبالخدمة القرآنية والايمانية بالارطال بسبب حق جزئي شخصي لا يعادل درهماً.
واني اطمئنكم مقسماً بالله أنه اذا أهانني احدكم أشد إهانة واشنع تحقير، وحطّ من كرامة شخصيتي كلياً، ولم يتخلّ - في الوقت نفسه - عن الخدمة القرآنية والايمانية والنورية، فانني اصفح عنه واتنازل له عن حقي، واُصالحه، واسعى لعدم الاستياء منه.
الشعاع الرابع عشر - ص: 561
فما دمتم تعلمون ان اعداءنا يستغلون جفاءً جزئياً فيما بين الاخوة، تصالحوا فوراً. وتخلوا عن التدلل الذي لا معنى له، بل فيه ضرر بليغ. وإلاّ سيكون ضرراً جسيماً لخدمتنا الايمانية.
ولما كانت العناية الالهية قد وهبت لنا الكثيرين بدل الضائعين المفارقين لنا، فستسعفنا وتمدّنا باذن الله.
سعيد النورسي
* * *
باسمه سبحانه
اخوتي الاعزاء الصديقين!
لا تقلقوا! فنحن في ظل العناية الالهية وتحت رعايتها. ان المشقات الظاهرة تحمل رحمات كثيرة. لقد ارغموا الخبراء على ان يهوّنوا جزءاً من الرسائل.. لا شك ان قلوب الخبراء قد أصبحت من "النوريين".
سعيد النورسي
* * *
باسمه سبحانه
اخوتي الاعزاء الصديقين الثابتين الذين لا ينال منهم القلق والاضطراب ولا يتركون الآخرة بالعودة الى الدنيا الفانية!
لا تحزنوا من بقائنا هنا مدة اخرى لرغبتهم في توسيع دائرة قضيتنا، بل كونوا راضين شاكرين كما انا راضٍ شاكر، اذ العمر لا يتوقف بل يحث الخطى نحو الزوال، وينال البقاء بثمراته الاخروية في مثل هذه المعتكفات، فضلاً عن ان دائرة دروس رسائل النور تتوسع. فمثلاً: اضطر علماء هيئة الخبراء الى قراءة "سراج النور" بامعان، علماً ان هناك احتمال ورود نقيصة لخدمتنا الايمانية ـــ بجهة أو جهتين - فيما اذا اُفرج عنا في هذه الفترة.
الشعاع الرابع عشر - ص: 562
انني لا ارغب في مغادرة السجن بالرغم من انني اقاسي المضايقات اكثر منكم بكثير. وانتم كذلك اجهدوا - حسب المستطاع - على الصبر والتحمل والتعود على نمط الحياة هنا مع الاشتغال باستنساخ رسائل النور ودراستها لتجدوا السلوان والسرور.
سعيد النورسي
* * *
اخوتي الاعزاء الصديقين!
اولاً: ربما كان عدد منا يسافر لاداء فريضة الحج في هذه السنة لو كان السفر اليه حراً مسموحاً. نسأل الله تعالى أن يقبل نياتنا هذه وكأننا سافرنا الى الحج فعلاً، ويمنح خدمتنا الايمانية والنورية ثواباً عظيماً كثواب الحج ونحن نعاني هذه الاحوال المليئة بالمضايقات والمشقات.
ثانياً: ان رسائل النور تفسير قيم وحقيقي للقرآن الكريم. لقد كررنا هذا الكلام. وخطر الآن للقلب بيان حقيقة وذلك لعدم وضوح معناه الحقيقى.
التفسير نوعان:
الاول: التفاسير المعروفة التى تبين وتوضح وتثبت معانى عبارات القرآن الكريم وجمله وكلماته.
القسم الثانى من التفسير: هو ايضاح وبيان واثبات الحقائق الايمانية للقرآن الكريم، اثباتاً مدعماً بالحجج الرصينة والبراهين الواضحة. ولهذا القسم اهمية كبيرة جداً.
اما التفاسير المعروفة والمتداولة فانها تتناول هذا النوع الأخير من التفسير تناولاً مجملاً احياناً. إلاّ ان رسائل النور إتخذت هذا القسم اساساً لها مباشرة. فهي تفسير معنوي للقرآن الكريم بحيث تلزم اعتى الفلاسفة وتسكتهم.
سعيد النورسي
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 563
باسمه سبحانه
اخوتي الاعزاء الصديقين!
ترى هل نحن ورسائل النور اكثر إضراراً في الاوساط، بحيث يكتب كل محرر للصحف ما يشاء ويعقد كل صنف اجتماعاً دون مداخلة احد؟ والحال اذا انعدمت التربية الدينية فلا تكون لدى المسلمين وسيلة للادارة سوى الاستبداد المطلق والرشوة التي لا تحدها حدود، اذ كما لا يتهود المسلم - التارك لدينه - حقاً ولا يتنصّرحقاً بل يكون ملحداً ويضل ضلالاً بعيداً، كذلك لا يكون شيوعياً قط بل فوضوياً ارهابياً، وعندئذٍ لا يمكن ادارته الاّ بالاستبداد المطلق.
اما نحن طلاب النور فاننا نسعى لمعاونة الادارة واقرار الأمن والنظام واحراز السعادة للامة والوطن. والذين يجابهوننا هم ارهابيون ملحدون اعداء الامة والوطن. فالأولى للحكومة بل الالزم لها أن تسعى لحمايتنا ومعاونتنا لا التعرض لنا والتعدي علينا.
سعيد النورسي
* * *
باسمه سبحانه
اخوتي الاعزاء الصديقين!
اولاً: ان الافراج عن كل من رأفت وأدهم وأفراد عائلة جالشقان وبرهان وامثالهم من طلاب النور الناشرين، يدل على أن انتشار رسائل النور ليس محظوراً، فلا تتعرض لها المحكمة.
ثم انه علامة على الاقرار بعدم وجود تحزب وتشكيل جمعية.
ثم ان اطالة مدة قضيتنا وجلبهم الانظار الى رسائل النور في ميدان واسع انما هي بمثابة دعوة عامة لقراءتها، واعلان رسمي لها يثير لدى السامعين المشتاقين الرغبة في قراءتها.. وهي وسيلة لكسبنا نحن واهل الايمان المنافع العظيمة التي تفوق مشقاتنا
الشعاع الرابع عشر - ص: 564
بمائة درجة.. وهي اشارة الى تأثير مثل هذا الدرس الايماني النزيه في اوسع دائرة في الارض - كالقنبلة الذرية - ان شاء الله ازاء هجوم كلي شامل قاسٍ شرس تشنه جيوش الضلالة الرهيبة في هذا الزمان.
سعيد النورسي
* * *

باسمه سبحانه
اخوتى الاعزاء الاوفياء: رأفت، محمد فيضى، صبرى!
لقد تلقيت اخطاراً قلبياً فارجوكم رجاءاً خالصاً لأجل رسائل النور، وبركة هذا العيد المبارك، ولأجل حقوق الاخوة السابقة فيما بيننا: اسعوا ايها الاخوة الثلاثة لضماد جرحنا الجديد الغائر. لان اعداءنا ينفذون خطتىن اثنتين علينا:
اولاها: التهوين من شأنى.
ثانيتها: بث الجفاء فيما بيننا، بنشر روح الانتقاد والاعتراض والاستياء فيما بينكم ولاسيما مع خسرو.
انى اعلن لكم: لو كان لخسرو الف تقصير وخطأ فانى اخاف من الكلام عليه. لان الكلام عليه خيانة عظيمة في الوقت الحاضر. حيث يعنى الكلام على رسائل النور مباشرة، وعليّ بالذات، ويكون لصالح الذين استضعفونا. فهو خيانة عظيمة الى حد فجّرت مدفأتى. وانى على قناعة من التعذيب الذى يذيقوننى اياه مؤخراً ناتج من انحلال الترابط فيما بينكم، والذى ليس له مغزى قط، بل فيه ضرر كبير. ان اصابع رهيبة تتدخل هنا في السجن ولاسيما في الردهة السادسة. لاتدفعونى يا اخوتى الى البكاء والحزن في عيدنا هذا. تصالحوا فوراً صلحاً قلبياً.
سعيد النورسى
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 565
اخوتي الاعزاء الصديقين!
كنت اريد ان يخلوا سبيل اثنين او ثلاثاً من اخواننا اليوم، الاّ ان العناية الالهية قد أخرّتهم لفوائد يحصلون عليها. بل ان بقاءنا في وضعنا هذا بما يقرب من عشرين يوماً ضروري، بل ضروري جداً لأن وجودنا معاً في هذا العيد ضروري لنا ولرسائل النور ولخدمتنا وراحتنا المادية والمعنوية، ولنأخذ حظنا كاملاً من أدعية الحجاج، ولنجاة رسائل النور المرسلة الى "آنقرة" من المصادرة، ولتزايد عدد الذين يشفقون على كوننا مظلومين فينسلكوا في مسلك النور، وليكون حجة على اننا لا نستجير بخونة الوطن والامة بالرضى عن الاخطاء العظيمة التي ترتكب حالياً.
سعيد النورسي
* * *

اخوتي الاعزاء الاوفياء!
السجن هو أفضل مكان لنا في هذه الفترة الطافحة بالشبهات والاوهام والاضطرابات والقلاقل. وان رسائل النور ستكسب لنا ولهم الافراج باذن الله. اذ ما دامت رسائل النور تستقرئ نفسها بشكل لا مثيل له والى هذه الدرجة الواسعة خلال هذه الظروف الصعبة المحيطة، وازاء معارضين كثيرين جداً، وتدفع طلابها الى انواع شتى من العمل للاسلام في السجن، ولا تفسح المجال الى تذللهم بفضل العناية الإلهية.. فنحن اذن مكلفون باداء الشكر لله بدل الشكوى، والاطمئنان الى هذا.
فان تحملي جميع الشدائد والمضايقات الشديدة نابع من هذه القناعة والاطمئنان. فلا أتدخل في مشيئة الله.
سعيد النورسي
* * *

عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:57 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 566
باسمه سبحانه
اخوتى الاعزاء الاوفياء!
ان احدى النسختين، لي، والاخرى للمدير. صححوا اخطاء النسخة الاخرى على نسختي المكتوبة بخطى.
وعندما كنت اطالع رسالة "الآية الكبرى" هذه المرة، وجدت انها ذات قيمة عالية ولاسيما المقام الثانى والمحاورة المعنوية في الختام. وقد استفدت منها اىما استفادة.
فلاجل ان تستفيدوا، ليقرأها احدكم وليستمع اليها الآخر، وليتولى اثنان من اخواننا المطالعة اثناء التصحيح ولايظلوا عاطلين عن العمل.
ثانيا: "الكلمة العاشرة" الخاصة بى والمكاتيب الموجودة هنا وغيرها يجب الاّ تضيع، ولاتبقى معطلة عن القراءة. فلقد عهدت نظارتها ومراقبتها الى "جيلان". 1
سعيد النورسى
* * *
باسمه سبحانه
اخوتي الاعزاء الصديقين الثابتين!
اولاً: ان تأجيل قضيتنا فيه خير، والخير فيما اختاره الله. فقد كان قلبي يرغب في هذا التأخير. واطلاق حرية رسائل النور يستدعيه كذلك. وستوفقون - بهذا التأخير - ان شاء الله الى بث السلوان فيما بينكم، والى تقوية الروح المعنوية، والى مذاكرة علمية واقامة جلسات طيبة، والى كتابة رسائل النور ومطالعتها والى ازالة نقطة الزحمة وتحويلها الى رحمة. والى تبديل هذه الساعات الفانية الى ساعات خالدة باقية.
ثانياً: ان تهانينا بالعيد قد جرت في المنزل المؤقت للمحكمة، لذا فانا ارسل اليكم حلاوة العيد وهي ماء زمزم، اتى به رائد مدينة قونية "الاخ زبير" وعسل قرية
_____________________
1 من مواليد اميرداغ التابعة لولاية آفيون سنة 1933. لازم الاستاذ النورسى وهو في الحادية عشرة من عمره. انتقل الى رحمة الله سنة 1963 اثر حادثة سيارة - المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 567
"نورس" الذي له مغزى عظيم عندي. ضعوا الماء في وعاء العسل ورجوه جيداً ثم صبوا فيه ماء زمزم، واشربوه هنيئاً مريئاً.
سعيد النورسي
* * *
باسمه سبحانه
اخواني الأعزاء الصديقين!
لقد طُرح عليّ سؤال ذو مغزى هام، من مصدر هام جداً. فقد سألوني مايلي:
على الرغم من انكم لستم جمعية؛ وذلك بشهادة ثلاث محاكم أصدرت حكمها بالبراءة بهذا الصدد؛ وبعد أن أخذت ست ولايات على عاتقها مهمة الرصد والتجسس طوال عشرين عاماً، وتبيّن لها في النهاية ان لاعلاقة لكم بتلك التهمة، وانها مختلقة من اساسها.. على الرغم من ذلك كله، فان العلاقة التي تربط (طلاب النور) بعضهم ببعض لايوجد لها نظير في اي جمعية او هيئة.. فهلا تفضلتم بايضاح هذه المسألة وحل تلك المعضلة؟ فأجبتهم قائلاً:
نعم، ان (طلاب النور) ليسوا جمعية او شبه جمعية، ولن يكونوا.. خاصة وانهم يربأون بأنفسهم عن ان ينتموا الى ذلك النوع من الجمعيات التي تتشكل لأغراض شخصية او جماعية، مستهدفة كسب المنافع السياسية او الدنيوية - ايجابية كانت تلك المنافع ام سلبية - بيد ان ابناء وبنات واحفاد ابطال هذا الوطن القدامى من فدائيي الاسلام، الذين قدّموا ملايين الارواح - بكمال المسرّة والرضى - في سبيل نيل مرتبة الشهادة، لابد انهم قد ورثوا حظاً من روح تلك التضحية والفداء حتى أظهروا تلك العلاقة الخارقة التي دفعت اخاهم هذا العاجز الضعيف الى القول امام محكمة "دنيزلي":
"ان الحقيقة التي افتدتها ملايين الابطال برؤوسهم، فداء لها رؤوسنا ايضاً".
قال هذه الجملة باسمهم، وأسكت المحكمة، تاركاً إياها في حيرة وتقدير وذهول.
بمعنى ان في طلاب النور فدائيين حقيقيين خالصين مخلصين لله لا يريدون إلاّ
الشعاع الرابع عشر - ص: 568
وجهه ونيل رضاه والحياة الآخرة. فلم يجد الماسونيون والشيوعيون واهل الضلالة والافساد والزندقة والالحاد والطاشناق 1 وامثالهم من المنظمات الخطرة، وسيلة لدحر اولئك النوريين فغرروا بالحكومة ودوائر العدلية بوساطة قوانين مطاطة بغية تشتيتهم وكسر شوكتهم.. ألا حبطت اعمالهم! فلا ينالون شيئا منهم باذن الله بل سيكونون وسيلة لزيادة عدد الابطال المضحين للنور والايمان.
سعيد النورسى
* * *
اخواني الاعزاء الصديقين!
سأذكر لكم ماجرى من محاورة قبل أربعين سنة، شبيهة بالتي جرت أمس:
كانت علاقة طلاب "سعيد القديم" وطيدة جداً مع استاذهم حتى بلغت مرتبة التضحية والفداء. لذا كان "سعيد القديم" يتمكن من التصدي للفعاليات الكثيرة التي كانت تقوم بها عصابات الأرمن وفدائيو الطاشناق في حوالي مدينة (وان) و (بتليس) بل كان يوقفهم عند حدّهم الى درجة ما.
وحينما وجد لطلابه بنادق الماوزر وتحولت مدرسته الى مايشبه المعسكر - اذ الكتب كانت جنباً الى جنب مع البنادق - حضر قائد عسكري برتبة فريق وشاهد هذا المنظر.. وقال: "هذه ليست مدرسة دينية بل ثكنة عسكرية" وأمر قائلاً: "اجمعوا بنادقه" لما ساورته الشكوك من جراء حادثة (بتليس). فحصلوا منا خمس عشرة بندقية، وبعد حوالي شهرين اندلعت الحرب العالمية الاولى، فاسترجعت بنادقي منهم.. وعلى كل حال..
ولمناسبة هذه المواقف والاحوال سألوني:
ان عصابات الأرمن التي تملك فدائيين رهيبين تخشاكم، حتى انها تجنبت الاحتكاك معكم وتفرقوا بعيداً عنكم لما اعتزلتم الناس في جبل "أرك" في "وان". ترى ما القوة التي فيكم حتى يكون الأمر هكذا؟.
_____________________
1 منظمة فدائية استهدفت تشكيل دولة ارمنية داخل الاراضي العثمانية، من ابرز رجالها "انترانيك". المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 569
فكنت أجيبهم:
ان فدائيي الأرمن الذين يقومون بهذه البطولات الخارقة، انما يقومون بها في سبيل الحصول على حياة دنيوية فانية، ولأجل كسب مصلحة مؤقتة لقومية صغيرة، وللحفاظ على سلامتها.. ونحن اذ نجابه هؤلاء، فان الطلاب الذين يسعون في سبيل الحصول على حياة باقية خالدة، ولاجل كسب مصالح ايجابية لامة الاسلام السامية العظيمة وهم الذين ايقنوا بان الأجل واحد لايتغير. فما لاشك فيه ان هؤلاء الطلاب لايتخلفون عن اولئك الفدائيين. بل اذا لزم الامر يفدون بحياتهم وبأجلهم المحتوم، بعمر لايعدو بضع سنوات ظاهرية، في سبيل الفوز بملايين السنوات من العمر الخالد، وفي سبيل الحفاظ على سلامة مليارات من الناس المؤمنين الأتقياء.. يفدونها دون تردد، وبكل فخر واعتزاز.
* * *
اخواني الاعزاء ذوي الشفقة والوفاء!
لقد اشتد عليّ منذ يومين أثر الرشحة (الزكام) سواء في رأسي وفي اعصابي. ففي مثل هذه الحالات اشعر بحاجة الى الانس بالاصدقاء والتسلي بلقائهم ولكن ضايقتني وحشة الانفراد والتجريد العجيب مضايقة شديدة، فورد الى القلب شكوى على هذه الصورة.
لِمَ هذا التعذيب؟ وما فائدته لخدمتنا في سبيل القرآن والايمان؟
وفجأة اُخطر للقلب صباح هذا اليوم، الآتي:
ان دخولكم هذا الامتحان القاسي، وتمييزكم الدقيق في المحك مرات عدة ليخلص الذهب عن النحاس، واختباركم من كل جانب وناحية بتجارب ظالمة لمعرفة مدى بقاء حظوظ نفوسكم الامارة ودسائسها ومن ثم تمحيصكم بثلاث ممحصات، كان ضرورياً جداً لخدمتكم التي هي خالصة لوجه الحق والحقيقة، لذا سمح القدر الالهي والعناية الربانية به، لان الاعلان عن هذه الخدمة السامية، في ميدان امتحان كهذا، تجاه معارضين عنيدين ظلمة يتشبثون بأتفه حجة.. جعل الناس يفهمون: ان هذه الخدمة القرآنية نابعة من الحق والحقيقة مباشرة، ولا تداخلها حيلة ولا خداع ولا أنانية
الشعاع الرابع عشر - ص: 570
ولا غرور، ولا غرض شخصي ولا منافع دنيوية واخروية، اذ ما كان عوام المؤمنين يثقون بها لولا هذا الامتحان، حيث كان لسان حالهم يقول: ربما يقولون ليغرروا بنا ويخدعوننا. ويرتاب خواص المؤمنين ويقولون: ربما يعملون هكذا وصولاً الى مقامات معينة، وكسباً لثقة الناس بهم ونيلاً للاعجاب، كما يفعله بعض أهل المقامات المعنوية. وعندئذ لا يثقون بالخدمة. ولكن بعد الابتلاء، اضطر حتى اعتى عنيد مرتاب الى التسليم بالامر. لذا ان كانت مشقتكم واحدة فان ربحكم ألف ان شاء الله.
سعيد النورسي
* * *
باسمه سبحانه
اخوتي الاعزاء الصديقين!
ان اعلان الحادثة التي وقعت اثناء أسري في روسيا 1 في الجريدة، قد زيّد من توجه الناس واقبالهم رغم شدة المنع والسعي لتجنيب الناس عنّا. وقد قال رئيس الحراس: ان ثلاثة اشخاص رسميين قد قالوا أمس في فناء السجن وهم من المؤيدين لإنزال الاهانات بنا ولاسيما بي: عندما يظهر سعيد من النافذة يتجمع الناس وينظرون اليه. فعليه الاّ يقف امام النافذة، والاّ بدّلوا ردهته الى اخرى.
اخوتى! لا تهتموا! فلقد قررت أن أتحمل المضايقات مهما كانت. وستتبدل - ان شاء الله - الى افراح ومسرات ببركة دعواتكم.
ان اصل تلك الحادثة صحيح. ولكن لم افصّل في بيانها لعدم وجود شاهد لي في الحادثة. الاّ انني لم اكن اعلم ان مفرزة من الجنود قد أتوا لإعدامي، وعلمت ذلك بعدئذٍ. ولم اعرف ايضاً ما قاله القائد الروسي من كلام لإرضائي. فالنقيب المسلم الذي كان حاضراً في اثناء الحادثة والذي أخبر "الجريدة" بها، قد فهم اذن ما قاله القائد الروسي مكرراً :"معذرة".
_____________________
1 المقصود عدم قيام الاستاذ النورسي للقائد الروسي - المترجم

الشعاع الرابع عشر - ص: 571
اخوتي! انني كلما انشغلت برسائل النور تضاءلت المضايقات وخفّت، بمعنى ان وظيفتنا هي الانشغال برسائل النور وعدم الاهتمام بالامور العابرة، مع التحلي بالصبر والتجمل بالشكر.
سعيد النورسي
* * *
سجية تحير العقول لبديع الزمان
(هذا المقال نشر في مجلة "اهل السنة" الصادرة باستانبول في 15 تشرين الاول 1948 بقلم صاحبها المحامي).
عندما جُرحت واُسرتُ في موضع "بتليس" في الحرب العالمية الاولى، وقع بديع الزمان ايضاً في اليوم نفسه أسيراً. فاُرسل الى اكبر معسكر للاسرى في سيبريا، واُرسلتُ الى جزيرة "نانكون" التابعة "لباكو".
ففي يوم من الايام عندما يزور نيقولا نيقولافيج المعسكر المذكور للتفتيش - يقوم له الاسرى احتراماً - وعندما يمر من امام بديع الزمان لا يحرك ساكناً ولا يهتم به، مما يلفت نظر القائد العام، فيرجع ويمر من امامه بحجة اخرى، فلا يكترث به ايضاً . وفي المرة الثالثة يقف امامه، وتجري بينهما المحاورة الآتية بوساطة مترجم:
- أما عرفني؟
- نعم لقد عرفته انه نيقولا نيقولافيج، خال القيصر والقائد العام لجبهة القفقاس.
- فِلمَ اذن قَصَد الاهانة؟
- كلا! معذرة. انني لم استهن به. وانما فعلت ما تأمرني به عقيدتي.
- وما ذا تأمر العقيدة؟
- انني عالم مسلم احمل في قلبي الايمان، فالذي يحمل الايمان في قلبه أفضل ممن لا يحمله. فلو انني قد قمت له احتراماً لكنت اذن قليل الاحترام لعقيدتي. ولهذا لم اقم له.
الشعاع الرابع عشر - ص: 572
- اذن فهو باطلاقه صفة عدم الايمان عليّ يكون قد أهانني وأهان جيشي وأهان امتي والقيصر فليشكّل حالاً محكمة عسكرية للنظر في استجوابه.
وتتشكل محكمة عسكرية بناء على هذا الأمر، ويأتي الضباط الاتراك والالمان والنمساويون للالحاح على بديع الزمان بالاعتذار من القائد الروسي وطلب العفو منه إلاّ انه أجابهم بالآتي: "انني راغب في الرحيل الى دار الآخرة والمثول بين يدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم . فانا بحاجة الى جواز سفر فحسب للآخرة. ولا استطيع ان اعمل بما يخالف ايماني..."
وتجاه هذا الكلام يؤثر الجميع الصمت منتظرين النتيجة.
وتنهي المحكمة اعمالها باصدار قرار الاعدام بموجب مادة إهانة القيصر والجيش الروسي. وتحضر مفرزة يقودها ضابط روسي لأخذه الى ساحة الاعدام. ويقوم بديع الزمان الى الضابط الروسي قائلاً له بابتهاج: اسمحوا لي خمس عشرة دقيقة فقط لاؤدي واجبي.
فيقوم الى الوضوء واثناء ادائه الصلاة، يحضر نيقولا نيقولافيج ويخاطبه:
- ـ ارجو منك المعذرة. كنت اظن انكم قمتم بعملكم هذا قصد إهانتي، فاتخذت الاجراءات القانونية بحقكم، ولكن الآن ادركت انكم تستلهمون هذا العمل من ايمانكم، وتنفذون ما تأمركم به عقيدتكم. لذا ابطلت قرار الحكم بحقكم. انكم تستحقون كل تقدير واعجاب لصلاحكم وتقواكم. ارجو المعذرة فقد ازعجتكم. واكرر رجائي مراراً: ارجو المعذرة.
ان هذه العزة الدينية،وهذه السجية الرفيعة التي هي قدوة حسنة للمسلمين جميعاً أخبر عنها احد اصحابه في معسكر الأسر، وهو برتبة نقيب، وكان شاهد عيان للحادثة.
وانا ما ان عرفت هذا حتى اغرورقت عيناي بالدموع دون اختيار مني. 1
عبد الرحيم زابسو
* * *
_____________________
1 على الرغم من ان استاذنا لم يأمرنا بأدخال هذه الفقرة التى كتبتها الجريدة فانها أدرجت هنا لانها تتضمن عبراً غالية وتستجيش المشاعر وتثير الاهتمام. (خسرو)

الشعاع الرابع عشر - ص: 573
اخوتي!
لانقطاع شهيتي عن الطعام، ولتضرري من الهدية، ارسلت اليكم ما وقع لي من حصة الطعام وهي: ثلاث قطع من الدهن، وسلة من العنب، وكيس من التفاح، وعلبتان من الشاي والسكر. فقد كنت عازماً على ارسال شئ ما هدية لكم، ولكن علمت انه لديكم منه ايضاً. وقد قبلته لئلا تسخط عليّ مدرسة الزهراء قائلة: لم يأكل من هديتي! بيعوا هذه المواد الى المحتاجين باثمان رخيصة والى المستحقين لأنني ساشتري باثمانها البيض واللبن والخبز، كي تكون هدية مباركة حقاً وشفاءً لي وللشارين ولمدرسة الزهراء وشُعبها وليكن "خسرو" المشرف على البيع، ويتولى "جيلان" و"حفظي" أمر البيع.
سعيد النورسي
* * *
اخوتي الاعزاء الصديقين!
اولاً: لمناسبة ما نشر في الجريدة حول حادثة اسري، اُخطر الى قلبي الآن:
ان قائداً جباراً للروس قد تخلّى عن حدته وهدّأ غضبه ازاء ما ابديته من عزة الايمان، فاعتذر. ولكن الموظفين الرسميين الذين يرون صلابة الايمان لدروس رسائل النور القوية الخالصة والتي تفوق مائة درجة على الصلابة التي ابداها شخصي، اقول: إن لم تلن قلوبهم، واصروا على عنادهم، فلا يطهرهم اذاً الاّ نار جهنم. لأن هذا العمر القصير المحدود لا يسعه هذا الجرم العظيم. حيث ان الدهن لا يمكن اكله اذا فسد، بخلاف اللبن والحليب، نسأله تعالى ان تكون رسائل النور قد انقذت الكثيرين منهم قبل أن يفسدوا.
سعيد النورسي
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 574
باسمه سبحانه
اخوتي الاعزاء الصديقين!
اولاً: لقد أخطر الى قلبي بيان معاملة محيرة وذات عبرة وقعت خلال اسري لمرتين (في روسيا وهنا):
كنا في قوصتورما، في روسيا، مع تسعين من ضباطنا الاسرى في ردهة واحدة، وكنت اُلقي عليهم احياناً الدرس. وذات يوم حضر القائد الروسي وشاهد الموقف وقال: ان هذا الكردي قائد المتطوعين قد ذبح كثيراً من جنودنا، ويأتي الآن ويلقى دروساً سياسية هنا، لا يمكن هذا، امنعه قطعاً.
ولكن بعد يومين قال: يبدو ان دروسكم غير سياسية، بل دينية واخلاقية. استمر عليها فسمح بالقاء الدرس.
وفي اسري الثاني:
منعت "العدلية" ان يحضر عندي احد اخوتي الخواص الذي استمع الى دروسي طوال عشرين سنة، ويحسن إلقاء الدرس افضل مني. ومنعت كذلك ان يأتيني من يعاونني في اموري الضرورية الخاصة كيلا يأخذ درساً مني.
والحال ان رسائل النور لا تدع حاجة الى تلقي الدروس من غيرها، فضلاً عن أنه لم يبق لنا درس غيرها، وليس لنا سر يخفى... وعلى كل حال فقد حال شئ عن ذكر هذه المسألة الطويلة.
سعيد النورسي
* * *
باسمه سبحانه
اخوتي الاعزاء الصديقين!
تُعرض لي حالة روحية مهمة لمرتين اوثلاث، وهي حالة شبيهة بالتي دفعتني لأنزوي في جبل يوشع باستانبول قبل ثلاثين سنة وجعلتني أنسلّ من الحياة
الشعاع الرابع عشر - ص: 575
الاجتماعية البراقة لدار الحكمة الاسلامية، بل لم اسمح حتى ببقاء المرحوم عبدالرحمن معي، وهو الطالب الاول لرسائل النور وبطلها الرائد، كي ينجز بعض اعمالي الضرورية.
تلك الحالة التي هي انقلاب روحي اظهر ماهية سعيد الجديد.
والآن بدأت عندي تباشير شبيهة بتلك الحالة، واعتقد انها اشارة الى ظهور سعيد الثالث الذي يكون تاركاً للدنيا كلياً.
بمعنى ان رسائل النور وطلابها الغيارى سيؤدون مهماتي بدلاً عني، فلم يعد هناك حاجة اليّ. ومن المعلوم ان كل جزء من الاجزاء الجامعة لرسائل النور، وكل طالب من طلابها الثابتين يدرّس ويرشد افضل مني واتم.
سعيد النورسي
* * *
باسمه سبحانه
اولاً : انني اخال بناء على بعض الامارات، ان رسالة "مرشد الشباب" تعطى لها اهمية اكثر من المجموعات الاخرى لرسائل النور. فاعتقد ان ما فيها من "نكتة توحيدية في لفظ هو" قد قصمت ظهر اعدائنا الزنادقة وشتتت طاغوت الطبيعة التي يستندون اليها. فلم يعد لشئ ما ان يخفيه بعد أن كان التراب الكثيف يخفيه الى حدٍ ما. الاّ ان بعد ظهور تلك النكتة التوحيدية لا يمكن اخفاؤه في الهواء الرقيق الشفاف. بمعنى لا يستطيع ان يخفى نفسه في اية جهة كانت، ليغرروا العدلية بالكفر العنادي والتمرد الارتدادي. وستصرف رسائل النور باذن الله انظار العدلية الى صالحها، وستفشل هذا الهجوم وتجعله بائراً.
ثانياً: ان ما نُشر في هذه الفترة، سواء في مجلة "اهل السنة" او الجريدة المحلية هنا وكذا المقابلة الصحفية التي اجراها "زبير" بحرارة، اصبح بمثابة اعلان جيد للاشتغال برسائل النور. اقرأوا - بدلاً منى - الابحاث التي تخصنا وتروق لي، واعلموني بها.
سعيد النورسي
* * *

عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:58 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 576
باسمه سبحانه
اخوتي الاعزاء الصديقين محمد ومصطفى وابراهيم وجيلان!
اولاً: لقد شاهدتكم أمس وانتم الاربعة في جلسة اخوية لطيفة. فسررت بها كثيراً وشكرت الله عليها. واستمعت اليها بفرح وسرور وكأنني معكم في الجلسة. ولكن شاهدت فجأة ان هناك في جهتيكم مَن يسترق السمع اليكم، ودام الاستماع نصف ساعة من الزمان. فقلقت وقلت في قلبي: ربما بينهم جاسوس يغيّر معاني الكلام فيجعل من الحبة قبة حيث كانوا يلقون السمع باهتمام. ولا يتلفت اليهم الاخوة المتكلمون لعدم اهتمامهم بالحذر ولمتعة الجلسة والمؤانسة التي فيها. فكتبت اليكم جواباً بهذا الشأن.
والحمدلله فقد علمت ان الكلام ما كان فيه ضرر، ومع هذا فالاخذ بالحذر ضروري في هذه الفترة الحرجة.
ثانياً: لقد علمت من رسالة "الملاحق" الحاملة لحسن ظن مفرط بحقي، بما يفوق حدّى مائة درجة، انه سيكون نظير المرحوم "حسن فيضي" الذي هو رائد طلاب النور في "دنيزلي" وسيظهر في "آفيون" باذن الله من امثال حسن فيضي الكثيرون. فلا تكون "آفيون" قاصرة عن "دنيزلي" وعندها تتبدل مشقاتنا مسرات ورحمات.
سعيد النورسي
* * *
اخوتي!
ما كنت اهتم بالجرائد، الاّ ان نشر مجلة "اهل السنة" و "سبيل الرشاد" مقالات لصالحنا، حيّرت بلاشك الاعداء الزنادقة والحاسدين. وقد اثار اهتمامي احتمال محاولة هؤلاء لإسكات اولئك الاصدقاء!
سعيد النورسي
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 577
باسمه سبحانه
سلوان ذو حقيقة يزيل مصائبي المضجرة
الاول: تحوّل المشقات الى رحمات ومسرات.
الثاني: الانشراح النابع من الرضى والتسليم لعدالة القدر الإلهي.
الثالث: السرور الناشئ من رعاية العناية الإلهية الخاصة بطلاب النور.
الرابع: اللذة الناشئة من زوال المصيبة التي هي عابرة.
الخامس: الأثوبة العظيمة.
السادس: عدم التدخل في مشيئة الله.
السابع: حصول أخف الجراحات واقل المشقات عند أشد الهجوم شراسة.
الثامن: تضاؤل المصيبة بدرجات كثيرة بالنسبة للمبتلين الآخرين.
التاسع: الفرح المنبعث من تأثير الاعلانات الرفيعة عن الانتهاء من الامتحان العسير في خدمة النور والايمان.
فهذه المسرات المعنوية التسع، علاج لذيذ ومرهم لطيف الى حدّ لا يمكن تعريفه لتهدئة آلامنا الشديدة.
سعيد النورسي
* * *

باسمه سبحانه
اولاً: انه لعناية إلهية انني لم اتمكن من سماع ما قاله المدعي العام من افتراءات. وإلاّ كنت اجيبه بكلام قاس.
وما قلته في المحكمة: سأحيلك الى المحكمة. اعني به: احيلك الى المحكمة الكبرى لظلمك ايانا، والى محكمة دنيوية لتصرفك غير القانوني.
الشعاع الرابع عشر - ص: 578
وقصدي من: ليس لي محام. ان لنا جميعاً محامياً لمسألتنا الكلية التي تخصنا معاً. اما الهجوم عليّ شخصياً فانا المتكفل بالاجابة عنه..
ابلغوا هذا احمد حكمت.
ثانياً: ان دفاعاتنا السابقة كافية لدحض افتراءات المدعي العام.
ثالثاً: لقد كتب اليّ كل من مصطفى عثمان وجيلان، ان ما قيل في المحكمة لا يؤدي الى تأثير سئ في وسط دائرة النور، ولا يعكر صفو القلوب قطعاً. ووجدت البطل الرائد طاهري قد تلقى الأمر هكذا ايضاً.
رابعاً: اظن ان الكفر والضلالة لانهما يهجمان علينا بشكل منظم مستندَين الى منظمات ومؤسسات، فان القدر الالهي يعذبنا بظلمهم الشنيع المستند الى المنظمات، بمعنى ان اتحاد اهل الايمان فيما بينهم في الوقت الحاضر أمر ضروري. ونحن لجهلنا بتلك الحقيقة نتلقى صفعة تأديب عادلة من القدر الالهي.
سعيد النورسي
* * *
اخوتي الاعزاء الصديقين!
اولاً: ان افضل مكان لنا هو السجن في زمن حكم وزارة مستبدة تمنع الحج وتهدر ماء زمزم وتحظره، وتسمح بانزال اشد الظلم بنا، ولا تكترث بمصادرة "ذو الفقار" و "سراج النور" وترفع درجة الموظفين الذين يتولون تعذيبنا قصداً، وبلا سند قانوني، ولا تلقي السمع الى اصواتنا المرتفعة ولا الى بكائنا، بكاء المظلومين المنطلق من مساكننا بلسان الحال. ان افضل مكان لنا في فترة حكم هذه الوزارة هو السجن. إلاّ انه اذا نُقلنا الى سجن آخر فستحل السلامة كلياً.
ثانياً: كما انهم حملوا ابعد الناس عنا بالاكراه على قراءة اخص الرسائل سرية. كذلك يدفعوننا دفعاً وباصرار لنشكل جمعية. لأن الاخوة الاسلامية الموجودة في اتحاد جماعة اهل الايمان قد نمت لدى طلاب النور نمواً خالصاً طاهراً مكللاً بالتضحية الجادة والفداء التام الذي ورثوها من اجدادنا الأوائل الملايين الابطال الذين ضحوا
الشعاع الرابع عشر - ص: 579
بكمال الشوق ارواحهم في سبيل حقيقة، فارتبط النوريون بتلك الحقيقة ارتباطاً وثيقاً بحيث لا يدع حاجة لحد الآن الى تشكيل منظمات، سياسية كانت ام رسمية علنية كانت أم سرية.
اذاً فهناك حاجة في الوقت الحاضر بحيث يسلط القدر الالهي اولئك علينا، فهم يقترفون الظلم باسناد جمعية موهومة. والقدر الالهي يقول لنا: لِمَ لم تكوّنوا باخلاص تام وبتساند تام حزب الله الحقيقيين؟ فصفعنا صفعة تأديب بايديهم. وقد عدل.
سعيد النورسي
* * *

باسمه سبحانه
اخوتي الاعزاء الصديقين!
اولاً: لا أجدكم بحاجة الى السلوان، يكفي انكم تشدون الروح المعنوية بعضكم لبعض. وتكفيني كذلك اللوحة التي تقابلني!
وقد علم ان هذا الهجوم الاخير ما كان الاّ ظلماً وعملاً غير قانوني وترهيباً لم ينجم الاّ من اوهام وضعف.
فقد كانت اوضاع الناس وموقف افراد الأمن بمثابة اعتراض على ذلك الهجوم العابث.
ثانياً: هل تكفي دفاعاتي لما تُسند الينا من اتهامات؟ وهل المحامون و"زبير" يسعون في الأمر؟ ألديهم شئ من القلق؟ عليهم الاّ يقلقوا قطعا!
ان المواد التي يتهموننا بها، توجب اتهام جميع من يحمل الاخوة الايمانية، حتى جماعات المصلين لجميع الائمة، وطلاب جميع المعلمين والاساتذة. بمعنى انهم وجدوا انفسهم امام معارضين اقوياء فهجموا علينا هذا الهجوم بوضع الامكانات بدل الوقوعات.
الشعاع الرابع عشر - ص: 580
ثالثاً: ان قناعتى الشخصية هي اننا يجب أن نبقى في السجن حتى الربيع. اذ من المعلوم ان الامور تتوقف في الشتاء. وستمدنا العناية الالهية ان شاء الله.
سعيد النورسي
* * *
اخوتي الاعزاء الصديقين!
اولاً: الأخذ بالحذر والحيطة مع الاستشارة والثبات امور ضرورية.
ثانياً: لقد سلمت اعمالي هنا الى زبير وجيلان، حيث اُخطر لي اخطاراً معنوياً ان زبير بديل ابن اخي المرحوم عبد الرحمن، وجيلان بديل ابن اخي الاخر المرحوم فؤاد.
* * *
ان الاعتداء والهجوم في هذه المرة قد شن في دائرة واسعة جداً.
فقد هاجم علينا كل من رئيس الحكومة والوزراء، هاجموا وفق خطة مرسومة بنيت على اوهام رهيبة. فحسب ما تلقيته من خبر وبامارات كثيرة، ان الاخباريات الكاذبة للمنافقين المتخفين، وبدسائسهم الماكرة لفّقوا ان لنا علاقة قوية وارتباطاً وثيقاً بالمنظمة الداعية الى إحياء الخلافة الاسلامية، وبالجمعية السرية للطريقة النقشبندية. بل اظهرونا اننا في مقدمتهم ورائديهم. حتى ساقوا الحكومة الى اضطراب وقلق كبير، مبينين المجموعات الكبيرة لرسائل النور المجلدة في استانبول والمرسلة الى العالم الاسلامي وكسبها الرضى والقبول هناك، دليلاً على نشاط النوريين. فقذفوا في روع الحكومة الخوف والهلع واثاروا عرق الغيرة والحسد لدى بعض العلماء الرسميين وهيجوا الاوهام والشكوك لدى الموظفين حتى جعلوهم ضدنا. وقد حسبوا ان هناك وثائق كثيرة وامارات عديدة تديننا، واعتقدوا كأن سعيداً الجديد لا يتحمل الاوضاع كما كان سعيد القديم، فيخل بالنظام. ولكن الحمد لله بما لا يتناهى من الحمد والشكر، فلقد خفف وطء تلك المصيبة من الألف الى الواحد، فهم لم يستطيعوا ان يعثروا على اية علاقة كانت مع المنظمات والجميعات فهي غير موجودة اصلاً، فكيف يجدونها؟ ولهذا اضطر المدعي العام الى اختلاق الاكاذيب والافتراءات واسناد امور جزئية تافهة غير ذات مسؤولية الينا.
الشعاع الرابع عشر - ص: 581
فما دامت الحقيقة هي هذه، فقد نجونا اذاً نحن ورسائل النور من تسع وتسعين بالمائة من المصيبة، لذا ينبغي لنا انتظار رعاية العناية الالهية وترقبها بالشكر والصبر والتضرع لتتجلى علينا تجلياً كاملاً . فعلينا اذن الشكر بل الف شكر وليس الشكوى وان نمدّ يد العون الى القادمين والمغادرين لهذه المدرسة اليوسفية وتسليتهم بدروس النور.
سعيد النورسي
* * *
باسمه سبحانه
اخي العزيز الصدّيق!
لقد علمت باخطار شديد، انك واحمد فيضي قد سلكتما سلوكاً خارج مسلك النور الذي هو عدم المجابهة والمبارزة وعدم الانهماك مع اهل الدنيا (السلطة الحاكمة) وعدم الدخول في امور السياسة، والدفاع فقط عند الاضطرار القاطع، فما ادليتما به وقرأتماه من فقرات في المحكمة من امور كثيرة، ومضرة كانت تنم عن المجابهة والمبارزة وباسلوب سياسي، وقد ألحق اضراراً كثيرة لرسائل النور حتى ولّدت انزال العقاب بنا جميعاً والى تشديد الخناق عليّ. فأنا لا اسخط عليك ولا على احمد فيضي، ولكن كان يجب اراءته لي اولاً، لقد اعطي لكما ذلك الوضع (الدفاع) كقضاء إلهي مادي، وعليكم العمل مثلي لأجل ترميمه. والألزم لفيضي ترك الدفاع السياسي بكل ما يملك من قوة، والتوجه الكلي الى رسائل النور كطاهري ولينشغل مع الطلاب الجدد.
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 582
دفاع طلاب النور

(هذه دفاعات رفعها طلاب رسائل النور في محكمة افيون سنة 1948. فقد حوكموا اولاً واشيع عن احكام الاعدام لبث الخوف في النفوس الاّ انها انتهت باعادة الرسائل.)
ان العلاقات الخاصة الصافية التي تربط طلاب النور بالرسائل وبمترجمها (اي الاستاذ)، والتي لايرجون منها الاّ الثواب في الآخرة.. أقول؛ ان الذين يحاولون ان يوصموا هذه العلاقة الخالصة بانها علاقات دنيوية اوسياسية، بغية ادانة الطلاب امام المحاكم، بعيدون كل البعد عن الحقيقة والعدالة، فضلاً عن ان اتفاق ثلاث محاكم على تبرئة ساحتهم من تلك التهمة تيهتهم.
زد على هذا نقول:
انه لايمكن الصاق تهمة الانتماء الى التنظيمات والجمعيات السياسية الى طلاب النور الاّ بأمرين:
الاول: انكار الروابط الاساس التي تبنى عليها الحياة الاجتماعية الانسانية، ولاسيما الأمة الاسلامية وهي المحبة الصادقة بين الأقارب، والعلاقة الوثيقة بين القبائل والطوائف، والاخوة المعاونة معنوياً ضمن الملية الاسلامية، والآصرة القوية المتسمة بالتضحية والفداء مع ابناء جنسه وقومه، والرابطة التي لاتنفصم، والالتزام اتهام بحقائق القرآن وناشريها تلك التي تنقذ حياته الأبدية. وامثالها من الروابط التي تشد ابناء المجتمع وتحقق الحياة الاجتماعية السليمة.
الشعاع الرابع عشر - ص: 583
الثاني: بقبول الخطر الاحمر القادم من الشمال الذي ينشر بذور الفوضى والارهاب، والذي يفني وشائج النسل والقوم فيقطع روابط الابوة والبنوة مزيلاً علاقات القرابة والقوم، ويفتح الطريق الى افساد الحضارة البشرية والمجتمع الانساني افساداً كلياً.
وبهذين الأمرين وحدهما يمكن الصاق تهمة الانتماء الى الجمعيات والتنظيمات الى طلاب النور، ولاجل هذا يظهر طلاب النور، دون تردد، علاقاتهم التي لاتتزعزع بحقائق القرآن، وباخوتهم الاخروية، فيبينون حقيقة حالهم امام محكمتكم العادلة، من دون ان يتنازلوا الى الدفاع عن انفسهم بالحيل والاكاذيب والتملق.
سعيد النورسى
الشعاع الرابع عشر - ص: 584
دفاع خسرو
الى محكمة "آفيون" للجنايات الكبرى:
لقد وجّه المدعي العام تهمتين لي، احداهما اتهام عام وكلي، والاخرى اتهام خاص. الاتهام العام هو سعيي في سبيل رسائل النور واشتراكي في الجرم الموهوم المسند الى استاذي.
اما الاتهام الخاص فهو حول امور شخصية وخاصة بحياتي التي تتسم بطابع الانزواء ولاتشكل في الحقيقة اي ذنب او جرم، لانها مسائل جزئية ولا أهمية لها.
وانا اقول رداً على اتهام مقام الادعاء حول اشتراكي في الجرم الموهوم لاستاذي وحول بذلي الخدمات في سبيل رسائل النور:
انني اشترك في مسلك استاذي بل اشترك معه واساعده بكل روحي وقلبي في الجرم الموهوم المسند اليه في موضوع رسائل النور التي تؤدي خدمات مقدسة للعالم الاسلامي، ولاسيما لهذا الوطن ولهذه الامة وسأظل احمد الله تعالى واشكره حتى آخر عمري لتوفيقه اياي لهذه الخدمة الايمانية.
هيئة المحكمة الموقرة!
ان ابلغ دليل للنجاح الذي رأيناه جراء خدمتنا لرسائل النور هو انه بينما كان خطي في كتابة حروف القرآن رديئاً جداً ، الاّ انه قد تحسن تحسناً يفوق قدرتي وامكانياتي، حيث استطعت كتابة ثلاث نسخ رائعة لامثيل لها من القرآن الكريم، احداها بين ايديكم.
الدليل الثاني:
هو انني وُفقت الى كتابة ما يقارب ستمائة رسالة من رسائل النور التي حققت منافع كبيرة جداً لهذا الوطن ولهذه الامة وللدين وللاخلاق الحسنة منذ عشرين عاماً. حتى ان اصدقائي يعلمون بانني وفقت الى كتابة اربع عشرة رسالة في مدة قصيرة بلغت شهراً واحداً. وانا ارى انه من الفضول القيام بالدفاع عن النقاط التي توهمها
الشعاع الرابع عشر - ص: 585
مقام الادعاء جرماً لي في خدمتي لاستاذي وهو يؤدي مهمته المقدسة، لانني اصادق واوافق بكل ما املك من قوة على كل ماجاء في الدفاع الذي كتبه استاذي، وفي تتمة دفاعه واعدّه دفاعاً لي واقدمه الى محكمتكم السامية على هذا الاساس.
هيئة المحكمة الموقرة!
ان استاذي - الموجود حالياً في محكمتكم - بمؤلفاته المباركة حول الايمان وحقائق القرآن وبرسائله النورانية لم يقصد اية بغية دنيوية ولا اي قصد سياسي، فانا واصدقائي إذ نؤيد استاذنا ونبارك له خدماته المقدسة التي قدمها لهذا الوطن ولهذه الامة فاننا نقول بانه حتى الوطنيين في حكومة "الاتحاد والترقي" أيدوا هذا، فنراهم يخصصون تسعة عشر آلاف ليرة ذهبية لأجل تمكينه من بناء مدرسته المسماة "مدرسة الزهراء" في مدينة (وان) وقد اعجب حتى محبو الوطن بوطنية استاذنا وبحميته الملية وبخدماته العلمية وايدوها، لذا نرى ان مائة وستين نائباً من مجموع مائتي نائب يوقعون بالموافقة على تخصيص مائة وخمسين الف ليرة لدار الفنون(الجامعة).
انني اود ان اعرض على محكمتكم الموقرة وان اعلن بانني فخور جداً بالخدمة التي اديتُها لرسائل النور، بكوني مستنسخاً لها طوال عشرين عاماً، هذه الخدمة التي عدها مقام الادعاء جرماً وذنباً لي، ذلك لان استاذي - بارك الله فيه - عمل طوال حياته لاداء خدمة مقدسة اراد فيها وضع اللبنات لسعادة هذا الوطن وهذه الامة، وهذا هو السبب في ان اكثر حساده واعدائه ضراوة والذين كانوا يسعون لإدانته في المحاكم لم يستطيعوا التعرض لكلماته الشديدة والمؤثرة ولم يكن امامهم سوى التسليم بما يقول.
الموقوف
خسرو آلتن باشاق
* * *

عبدالقادر حمود 04-06-2011 03:59 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 586
دفاع طاهري
الى محكمة "آفيون" للجنايات الكبرى:
لقد تم تبليغي من قبل مقام الادعاء العام لمحكمة "آفيون" بان التهمة الموجهة لي ولاستاذي بديع الزمان سعيد النورسي ولاصدقائي الآخرين هي استغلال الشعور الديني لتحريض الشعب للاخلال بامن الدولة، وان هذا هو سبب تقديمي للمحكمة.
لقد اجبت عن جميع الاسئلة التي وجهت اليّ (سواء في محكمة صلح "إسبارطة" ام في دائرة التحقيق في "آفيون") اجابات صحيحة. ولقد قامت محكمة "دنيزلي" باعادة جميع كتبنا المصادرة وذلك بعد ان اصدرت قرارها بتبرئتنا، ولم تعاقبنا. لاننا - مع اخوتنا الآخرين من طلبة استاذي بديع الزمان - كنا نقرأ ونستنسخ رسائل النور ونتراسل بيننا، مع انني قمت قبل ست سنوات - ودون إذن من استاذي - بطبع خمسمائة نسخة من رسالة "الشعاع السابع" لبديع الزمان في مطبعة في استانبول بالاحرف القديمة. فقد قامت محكمة "دنيزلي" بقرارها المؤرخ في 20/7/1945 باعادة جميع هذه الكتب بصناديقها الينا، وعند ذلك تم توزيع هذه الرسائل - مقابل ثمن طبعها - على طلاب النور الذين كانوا في شوق اليها.
وهكذا، واستناداً الى الحكم الذي اكتسب صورة قطعية بقرار التمييز الذي صدر عن هذه المحكمة الموقرة، فقد قمت قبل سنتين بجلب الاوراق وجهاز الإستنساخ "رونيو" من استانبول الى "اسبارطة".
وقد قام اخي "خسرو آلتن باشاق" بكتابة مجموعتين من المجموعات الثلاثة الموجودة بين ايديكم. اما المجموعة الثالثة فقد قمت انا بكتابتها. قمنا اولاً بطبع مجموعة "ذو الفقار" و"المعجزات القرآنية" و "المعجزات الأحمدية" وبعنا بعضها واشترينا من هذا المبلغ الاوراق اللازمة لمجموعة "عصا موسى" وتم طبعها، ثم اشترينا الاوراق لمجموعة "سراج النور" وطبعناها. وقد استغرق هذا مدة سنة واحدة. وعندما قمت بنقل ثلاثين مجموعة الى "اكريدر" قبضوا علي وسلموني الى الجهات العدلية في "اكريدر" ولم تمض مدة طويلة حتى دوهم بيت "خسرو آلتن باشاق" من قبل الجهات العدلية لمدينة "اسبارطة" حيث صودر جهاز "الرونيو" ومجموعات رسائل
الشعاع الرابع عشر - ص: 587
النور وقدّمنا الى المحكمة قبل سنة، وفي النتيجة أُصدر علينا - خسرو وانا وصديق آخر معنا - الحكم بالحبس لمدة شهر واحد لقيامنا دون اذن رسمي بطبع كتب دينية غير ممنوعة. فقمنا بتمييز هذا القرار، وقبل ان تظهر نتيجة التمييز جئ بي الى سجن "آفيون".
وهكذا يراد في محكمتكم الموقرة ايقاع العقوبة بي لانني قدمت هذه الخدمة لديني ولاخواني في الدين، وذلك للمسائل الواردة في رسالة "الشعاع الخامس" - التي كانت المحكمة قد اعادتها لنا - والتي تحتوي على شرح لبعض الاحاديث الشريفة، كما ان المدعي العام لمحكمة "افيون" اتهمني واتهم مؤلف الرسالة و "خسرو آلتن باشاق" مع ست واربعين طالباً من طلاب النور بـالاخلال بأمن البلاد وبكتابة هذه الرسائل وقراءتها مطالباً بايقاع العقوبة بنا.
وكمواطن حقيقي في هذا الوطن فانني ساتكلم في حضوركم دون ان احيد عن الحقيقة وأقول:
انني طالب منذ عدة سنوات لاستاذي سعيد النورسي الذي اكنّ له احتراماً كبيراً، فقد ربانا برسائله وهذب اخلاقنا الدينية ورقّاها، ومع اننا ننظر اليه بصفة "مجدد" الا انه يرفض هذا ويردنا. وانا اشهد عن يقين بانه لا توجد عنده ولا في رسائله ولا عند طلابه اية محاولة للقيام باخلال أمن البلاد، ولاسيما ان احد الاتهامات الموجهة الينا كان بخصوص اثمان الكتب، وعندما اطلعت محكمة "اسبارطة" على الحقيقة في هذا الخصوص عن قرب لم تصدر بحقنا اية عقوبة، ذلك لاننا لانحتاج في معيشتنا الى اثمان هذه الكتب ابداً ولانعتاش عليها. ونحب ان نقول لمحكمتكم الموقرة بانها مقابل اثمان جهاز الاستنساخ "الرونيو" واثمان الورق والحبر.
ان جهودنا هذه و خدمتنا النابعة من نيات صافية وفي سبيل الله تعالى لايمكن ان تشكل ذنباً او جرماً، لذا نطلب من محكمتكم الموقرة ومن ضمائركم الحية اعادة رسائل النور الينا.
الموقوف
طاهري
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 588
دفاع زبير:
هيئة محكمة "آفيون" للجنايات الكبرى!
انني متهم بتهمة تشكيل جمعية سرية وبالاخلال بأمن الدولة، ولانكم سوف تقتنعون بما ساعرضه عليكم ادناه اقتناعاً كاملاً بانني لم اقترف مثل هذا الجرم فانني ارد هذه التهمة منذ الآن.
اجل! انني طالب من طلاب النور... اقول هذا واعلنه بكل سرور وقناعة لان انكار هذا الأمر يتناقض تماماً مع دروس الفضيلة التي لقنتني اياها رسائل النور، لذا فلست مستعداً لاقتراف هذا الجرم، ان الشخص الذي يقرأ رسائل النور على الدوام لايمكن ان يخفي قراءته هذه، بل على العكس من ذلك فانه يفتخر بهذه ويعلنها دون تردد او خشية، ذلك لان رسائل النور لاتحتوي على اية جملة بل على اية كلمة توجب الخشية او التردد.
كنت قد حاولت بيان قيمة رسائل النور في كراسة تتألف من اربعين الى خمسين صفحة.. لا اقول بانني مدحتها.. ذلك لانني لست قادراً على ايفاء جزء صغير من رسائل النور حقها فكيف بكل هذه الرسائل؟
ذلك لان هذه الرسائل تفسير حقيقي للقرآن الكريم الذي هو عقل الكون وشمسه التي نورت واضاءت طريق البشرية وهدتها وارشدتها منذ مايزيد على الف وثلاثمائة سنة. وكما ذكرت، فان وجدتم موضعاً اياً كان حول الجمعية السرية في المؤلفات التي حاولت بيان قيمتها، يمكنكم ايقاع العقوبة بى لكوني آنذاك مروجاً لمؤلفات ضارة. ولكن رسائل النور هذه التي أُلفت بشكل رائع وغير مسبوق والتي حازت على رضى وتأييد الشخصيات العلمية والتي تملك قدرة اصلاح مجتمع فاسد وتملك قابلية ارشاد انسان القرن العشرين وانقاذه من الضلالة ومن المادية ومن الالحاد ومن عبادة الطبيعة ومن حياة السفاهة ومن ظلمة الافكار الدامسة التي تفضى اليها هذه المادية، وتفتح - الرسائل بفيض من القرآن الحكيم ونور منه - ابواب السعادة الأبدية والسلامة الابدية للبشرية. فاذا لم يكن في كليات رسائل النور أي موضوع يؤيد
الشعاع الرابع عشر - ص: 589
التهم المسندة اليها، فان صدور اي عقاب ضدي يعد تناقضاً مع اسس العدالة، وهذا - حسب قناعتنا - هو ماستراه محكمتكم وستقبله.
لقد قيل في اثناء استجوابي: يقال أنك من طلبة رسائل النور؟ اقول: انني لا اجد في نفسي لياقة لكي اكون طالباً لاستاذ عبقري مثل بديع الزمان سعيد النورسي. فان قبل هو هذا فأنني سأقول بكل فخر: أجل!... انني من طلاب رسائل النور.
كثيراً ما تعرض مؤلف رسائل النور - استاذي الذي لامثيل له بديع الزمان سعيد النورسي - الى افتراءات من قبل اعدائه الخفيين وسيق الى المحاكم، ولكنه بُرئ من قبل جميع هذه المحاكم، وقد قامت هيئة مؤلفة من الاساتذة ومن علماء الاسلام بتدقيق كل سطر بعناية في المجموعة الكاملة لرسائل النور، واعترفوا في تقاريرهم بان هذه الرسائل مؤلفة عن علم كبير وانها تفسير حقيقي للقرآن الحكيم. فاذا كانت هذه هي الحقيقة فلماذا يساق الى المحكمة مرة اخرى؟... ساقول لكم قناعتي التامة حول هذا الأمر:
ان الذين يقرأون رسائل النور، ولاسيما من الشباب الواعي يكتسبون ايماناً قوياً. فيصبح متديناً تديناً لايهتز ولايتوانى عن اية تضحية، ويكون محباً لوطنه. وعندما يوجد ايمان صلد في اي موضع كان فلا يكون هناك مجال للسفاهة وللسقوط الاخلاقي الذي يكون نتيجة طبيعية لبعض الايدولوجيات الضارة. وكلما زاد عدد المتسلحين بهذا الايمان القوي ضاق المجال امام توسع الماسونية والشيوعية. ان رسائل النور تقوم - استناداً الى آيات القرآن الكريم - بالبرهنة على مدى زيف الفلسفة المادية التي يستند اليها الشيوعيون وذلك ببراهين وحجج قوية وتبرهن مدى بعدها عن الحق وعن الحقيقة ببراهين عقلية وفكرية ومنطقية فتنير بذلك اذهان الذين سقطوا في ظلمة هذه الفكرة الفاسدة وتنقذهم. وتقوم باثبات وجود الله للماديين الذين لايؤمنون الا بما يشاهدونه باعينهم بادلة قوية يستحيل انكارها او الاعتراض عليها.
ان هذه الرسائل تستقرئ نفسها على طلاب الثانوية وعلى طلاب الجامعة بما تتمتع به من اسلوب أخاذ وأصيل ومن ادب راقٍ.
الشعاع الرابع عشر - ص: 590
ولهذا فقد ادرك الشيوعيون والماسونيون ان رسائل النور تشكل عائقاً قوياً امام افكارهم السامة، لذا فانهم يتوسلون الى مختلف الافتراءات والدسائس لكي يزيلوا رسائل النور ويمنعوا قراءتها لانها مستند قوي ومنبع ثر للايمان لكونها تفسيراً حقيقياً للقرآن الكريم. ومع انه لم تظهر هناك اية امارة على ما اسندوه الى رسائل النور كذباً، فانهم مستمرون على هجومهم.
ويظهر من هذا انهم يرومون اخافتنا وإبعادنا عن رسائل النور ومن جهة اخرى كي يقدموا لنا كتبهم المسمومة. وهكذا يستطيعون محو الايمان وازالته من امتنا ومن شبابنا لكي يتم الانهيار الاخلاقي. فيضمنوا بذلك سقوط الحكومة سقوطاً ذاتياً ويسلموا وطننا وامتنا الى دولة اجنبية، فهذا هو أملهم. وانا اود ان اعلن في حضور محكمتكم بكل صراحة ودون اي تردد: ليعلم هؤلاء جيداً بل ليرتجفوا خوفاً، ذلك لاننا لن نخشى ألاعيبهم ولانخشاهم، لاننا رأينا الحق والحقيقة وتعلمناها من رسائل النور وآمنا بها.
ان الشباب التركي يقظ غير نائم، وهذه الامة التركية المسلمة لايمكن ان تكون خاضعة تحت حكم دولة اخرى. ان الشباب المسلم الفدائي - استناداً الى قوة ايمانه اليقيني - لايمكن ان يسمح ببيع وطنه. ان الامة التركية المتدينة البطلة والشباب التركي المؤمن لايمكن ان يجبنا او يخافا. لذا فاننا نقرأ رسائل النور وسنداوم على قراءتها لانها تسمو بنا الى اعلى مستوى من الخلق الانساني والى اعلى مراتبها، ولانها تعلمنا - نحن الشباب - الدين الذي هو سبب رقينا في جميع المجالات، ولانها تبث فينا محبة الوطن ومحبة الامة وتربينا على القيم الدينية التي تجعلنا نضحي بكل مانملك في سبيلهما. وكما ذكرت سابقاً فانني استفدت فائدة كبيرة من رسائل النور مع انني قرأت جزءً يسيراً منها، ولو كنت املك ثروة لصرفتها في نشر المجموعة الكاملة لهذه الرسائل التي تحقق فوائد كثيرة جداً للوطن وللامة وللانسانية جمعاء، ذلك لانني على اتم استعداد للتضحية بكل ما املك في سبيل ديني وفي سبيل السعادة الابدية لوطني ولامتي وفي سبيل سلامتهما.
كنت احس فراغاً كبيراً في نفسي ، في روحي، وبينما كنت ابحث عن كتاب لأقرأه وجدت رسائل النور التي ما ان قرأتها حتى علمت بانني لن استطيع بعد
الشعاع الرابع عشر - ص: 591
مفارقتها، اذ احسست بانها هي التي تسد هذه الحاجة القلبية لدي، لانني وجدت فيها البراهين والادلة العقلية والايمانية المنقذة من الشبه العلمية والايمانية وتخلصت بذلك من القلق ومن الضيق الذي كانت الشبهات تحدثه وتولده فيّ. وادركت من هذه الحقائق ان رسائل النور كتبت لانسان هذا العصر.
لكي يملك الانسان المزايا السامية كالادب الجم والتربية الراقية فان عليه ان يملك ايماناً قوياً، ولما كانت رسائل النور تعرض الحقائق الايمانية بادلة غاية في القوة وبامثلة واضحة. فقد أحسست ان ايماني يقوى كلما قرأتها، وهذا انقذني من السقوط في هوة الضلالة، وانقذني من العدول عن ديني الجامع لكل جوانب الحق والحقيقة - وهما اسس ارقى مدنية - وانقذني من ان اكون لقمة سائغة يلتهمها الوحش الأحمر. لذا فهى تنقذ قراءها من كثير من المصائب المادية والمعنوية وتعطي لهم علماً يفوق العلم الذي يملكه خريج الجامعة، وتبث فيهم حب الاسلام وحب الوطن والامة وتعلمهم اطاعة الله والعمل الجاد والنشاط والرحمة. فأيما قارئ لها لايتخلى عنها ولايغادرها مهما كان الثمن ولايمكن اخراج مثل هذه المشاعر الخالصة نحو رسائل النور من احترام وتوقير من قلب اي شخص مهما كان.
توصف رسائل النور من قبل مقام الادعاء العام بانها مؤلفات ضارة؛ وانا احتج بشدة على هذه الفرية التي لايقول بها من كان له نصيب من ضمير ووجدان.
ويذكر الادعاء بانني كنت اشجع على قراءة رسائل النور... اجل!... هذا صحيح. ولكن قلوب جميع المثقفين دميت من الافتراء الآخر، بل بكتْ بحرقة وقشعريرة حتى اصطكت اسنانهم من فرط الإفتراء.
ان القرن العشرين هو القرن الذي تسود فيه الافكار المدللة عليها بالبراهين، اذ لا يلتفت احد الى اي شئ ولايمكن الايمان بأي شئ دون دليل ودون برهان، لذا نطلب من مقام الادعاء اثبات ان رسائل النور كتب ضارة.
من بين المقاصد والغايات مايشيعه الاعداء الخفيون من افتراءات هو كسر التساند والرابطة فيما بيننا، النابعة من مشاعر الحب والاحترام والتراحم للاخوة التي تربط بين قراء رسائل النور الذين ارتبطوا بروابط الاسلام من اجل خدمة القرآن فقط وليس من
الشعاع الرابع عشر - ص: 592
اجل اي هدف آخر... اذا كانت هذه هي غايتهم.. فهم واهمون وعبثاً يحاولون. وانا - باعتباري اكثر قراء رسائل النور عامية واقلهم فهماً وفي الصفوف الخلفية منهم - اقول جواباً لهؤلاء:
لو كان احدنا في الشرق والآخر في الغرب.. لو كان احدنا في الشمال والآخر في الجنوب.. لو كان احدنا في الآخرة والآخر في الدنيا فاننا جميعاً معاً، ولو اجتمعت قوى الكون لما استطاعت ان تبعدنا عن استاذنا سعيد النورسي ولا عن رسائل النور ولا ان تفرق فيما بيننا.
ذلك لاننا نخدم القرآن، وسنظل نخدمه، ولاننا نؤمن بحقيقة الآخرة. فانه مامن قوة تستطيع قلع هذه المحبة وهذا التساند المعنوي فيما بيننا، ذلك لان المسلمين جميعاً سيجتمعون في دار السعادة الابدية.
دعوني اذكر لكم - ان سمحتم - الحقيقة المهمة التالية باسم أمن وسلامة وطننا وامتنا:
ان من ضمن الخطط السرية للشيوعيين هو تحريض الشعب ضد الحكومة، بجانب التقارير المزيفة الكاذبة التي تقدم للمسؤولين في الحكومة لايداع بديع الزمان سعيد النورسي في السجن واظهار ان مؤلفاته ضارة، فان هناك محاولات لترويج دعايات كاذبة لايصدق بها اي فرد من افراد الشعب.
ولان هذه الامة مقتنعة تماماً ومنذ سنوات عديدة ان بديع الزمان سعيد النورسي عبقري نادر من عباقرة الاسلام في هذا العصر، وان له شخصية فذة من جميع الاوجه، فان من المستحيل على اية دعاية ان تقضي على هذه القناعة الصحيحة او ان تفسدها.
انني احمد الله سبحانه وتعالى واثني عليه بما يسر لي بلطفه الاستفادة من مؤلفات استاذ كبير، وانا مدين من كل قلبي ومن كل كياني لهذا الاستاذ. حيث انني اخذت دروساً قيمة حول الايمان وحول الاسلام. وانا اتقبل بكل رحابة صدر البقاء في السجن سنوات عديدة من أجل هذا الاستاذ الفاضل الذي قضى سنوات عديدة وشاقة وهو يكتب ويؤلف لكي ينقذ شبابنا من ان يكون طعمة للشيوعية وان يكون السجن الانفرادي الابدي مصيره.
الشعاع الرابع عشر - ص: 593
منذ عشرين عاماً تقوم رسائل النور - التي هي تفسير للقرآن الكريم - باعطاء دروس الايمان والاسلام والفضيلة الى ملايين الافراد، وتقيهم من الالحاد، فلو حكم علي بالاعدام في سبيل هذه الرسائل لاسرعت الى المشنقة وانا اهتف: الله...الله... يارسول الله.
ان رسائل النور التي تصون شبابنا من الوقوع في احضان الشيوعية والخروج من دينه والسقوط في مهاوي البلايا والمصائب التي تؤدي به الى خيانة الوطن التي لاعقاب لها الا الاعدام رمياً بالرصاص... انني مستعد ان يحكم علي بالاعدام رمياً بالرصاص من أجل رسائل النور هذه وان ابرز صدري لتلك الرصاصات دون خوف او تردد، ولو قطعوني بالخناجر ارباً ارباً في سبيل استاذي بديع الزمان لدعوت الله ان يجعل دمائي المتناثرة حوالي تكتب: "رسائل النور... رسائل النور".
هيئة المحكمة الموقرة!
ان قراءة رسائل النور وتحصيل العلم فيها شئ مبتكر وأصيل في الحقيقة ولايوجد ما يشابهه؛ ذلك لان اي تحصيل علمي آخر تكون الغاية من الاستمرار فيه هي المنفعة المادية أو الحصول على موقع ما. اي ان الدوام لهذه الدروس لا تكون عن رغبة بل في الغالب للحصول على منافع مادية او على شهرة. اما رسائل النور فتشبه جامعة حرة غير منظمة، والذين يداومون في هذه الجامعة بقراءة رسائل النور لا يبتغون اي هدف دنيوي بل يبتغون خدمة الايمان والقرآن فقط لاغير.
ومع هذا فان رسائل النور التي هي مؤلف علمي وايماني جاد، تُقرأ بكل شوق وبكل لهفة، وتقرأ بمتعة وسرور كبيرين الى درجة ان قراءها الصادقين يحسون برغبة لقراءتها مرات عديدة. وان الذين استنسخوا رسائل النور وقرأوها عندما سيقوا الى المحاكم واصبحت حياتهم في خطر، فانهم اعترفوا بقراءتهم لها وبعزمهم على دوام قراءتها، ولو ايقنوا ان قرار الاعدام سيصدر بحقهم لما تزحزحوا عن موقفهم الثابت هذا. وهذه الخاصية الموجودة في رسائل النور ضمن صفاتها الخارقة للعادة لابد انها تجعلكم تتساءلون:
الشعاع الرابع عشر - ص: 594
"أ أرواح هؤلاء المعترفين رخيصة عليهم الى هذا الحد؟".
اذن فهناك حقيقة سامية في رسائل النور وفي بديع الزمان، ولابد من عدم وجود امور ضارة في هذه المؤلفات، لانهم لم ينكروا قراءتها.
ان طلاب المدارس يدرسون دروسهم لوجود قوة تفرض عليهم النظام والدراسة، اما بديع الزمان فلم يجبر احداً على قراءة رسائل النور، ولكن هناك مئات الآلاف من القراء اكثرهم لم يشاهدوه ولكنهم متعلقون به برابطة قوية لاتنفصم وارتضوا لانفسهم ان يكونوا طلبة لرسائل النور وان يتلقوا دروسهم عنها.
ان مثل هذا النظام الرائع وغير الاعتيادي للتدريس لم يشاهد لا في التأريخ القديم ولا في التاريخ المعاصر ولم يُشاهد في اية جامعة.
قال لي السيد المدعي: "ان الاحترام الذي تبديه نحو بديع الزمان لاتبديه نحو المفسرين الآخرين".
وهذا صحيح.. فان الاحترام والتوقير يتناسب مع درجة الكمال، والمنة والشكر يتناسب مع مقدار الفائدة المستحصلة، فان عظم الفائدة المستحصلة من مؤلفات بديع الزمان لانراه في غيرها.
ان الماسونيين والشيوعيين يحاولون الاّ نعرف والاّ يعرف شبابنا خاصة بديع الزمان الذي يعد من اكبر المؤلفين والمفكرين المسلمين في القرن العشرين. ولكن الشباب التركي المسلم والامة الاسلامية وشبابها الواعين عرفوا هذا الاستاذ الرائد واستفادوا منه وجعلوا غيرهم ايضاً يستفيدون منه.
وهذا هو السبب في ان الارتباط القوي نحو بديع الزمان والثقة به لايمكن ان تهتز او تنفصم.
ولكون رسائل النور تقوم بتفسير آيات القرآن الحكيم بمهارة فائقة وبلغتنا التركية دون ان تفقد هذه الايات خصوصيتها التي تعد اكبر معجزة لها، فان جميع طبقات الشعب رجالاً ونساءً، موظفين واصحاب حرف، علماء وفلاسفة يستطيعون قراءتها والاستفادة منها. ومن جراء الفوائد التي يرونها فيها -كل حسب استعداده - يزداد
الشعاع الرابع عشر - ص: 595
تعلقهم بها. فالجميع يقرأونها.. طلاب الثانوية وطلاب الجامعة واساتذة الجامعة والفلاسفة، وفضلاً عن استفادة هذه الطبقة المثقفة فانهم يتفقون ويجمعون على روعة بيان التأليف واسلوبه في رسائل النور فيزداد شوقهم لقراءة المجموعة الكاملة لهذه الرسائل.
ان جميع من تعرّف حديثاً على بديع الزمان وعلى رسائل النور من اصحاب الادراك السليم يأسفون على عدم معرفتهم لها في السابق، ولكي يعوّضوا عن المدة التي فقدوها وتأخروا فيها، نراهم يستغلون الفرص المناسبة - وان كانت خمس دقائق - ليقرأوا رسائل النور باستمرار. ولم تشاهد مثل هذه الرغبة الشديدة ومثل هذا التعلق الشديد بمؤلفات اي عالم اجتماعي او عالم نفسي او فيلسوف، إذ لايستفيد من هؤلاء سوى الاشخاص المتعلمين. فعندما يطالع طالب في مدرسة متوسطة، او امرأة تعرف القراءة كتاباً لفيلسوف ما، فانهم قد لايستفيدون منه، ولكن الجميع -كل حسب قابلياته - يستفيدون من رسائل النور. لذا فان هناك امة كاملة تنتظر بلهفة قراركم بتبرئة بديع الزمان وطلاب النور. ولو لم يقم سعيد النورسي بتلقين طلابه دروساً في الصبر والتحمل لدى اوقات المحن والشدائد - مثلما جمع طلابه عندما كان قائداً للحامية الفدائية في اثناء الحرب - فان الافاً من طلاب النور كانوا سيضربون خيامهم على تلول مدينة "آفيون" ينتظرون فيها قرار البراءة من محكمة الجنايات الكبرى في "آفيون".
لم يستطع احد حتى الآن اثبات: ان نشاط سعيد النورسي ونشاط طلاب النور يدخل من الناحية القانونية في اطار نشاط جمعية سرية. فلماذا لا يمكن اثبات ذلك؟ أفيعجز شخص يُعدّ رجل قانون مختص ارتقى حتى وصل الى مقام الادعاء العام عن اثبات ذلك قانونياً؟ كلا... انه ليس عاجزاً عن ذلك ابداً. ولكن نظراً لعدم وجود تشكيلة لجمعية سرية فانه لايكون بوسع احد ان يثبت وجود مثل هذه الجمعية.
لقد قال المدعي العام في البداية: "طلاب النور ليسوا جمعية" فكان رأيه هذا وحكمه صائباً وضمن الاطار القانوني، ولكنه عاد بعد قليل - ولا احد يدري لماذا - وقال: "انهم جمعية"... وهذا تناقض، ولاشك انه راي له لاحكم. ونحن على يقين بان هيئة المحكمة تدرك هذه الحقيقة ادراكاً تاماً وانها ستقرر انه "لاتوجد جمعية سرية تؤلف بينهم".

عبدالقادر حمود 04-06-2011 04:00 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 596
ايها الحكام المحترمون !
لو كان من عادة القلب ان تتقطع في موقف الحزن والاسى لكان من المفروض ان يتمزق القلب الى عدد ذراته اسىً ولوعة امام خبرٍ عن شاب سقط فى هاوية الإلحاد.
وهكذا فان قرار التبرئة الذي سيصدر عنكم سيكون وسيلة فعالة لانقاذ شباب الاسلام والعالم الاسلامي من هذه الآفة الرهيبة، وهذا هو احد الاسباب التي تربطني برباط لاينفصم مع بديع الزمان ومع مؤلفاته.
ان القرار الذي ستصدرونه لتبرئة رسائل النور والسماح بتداولها سينقذ الشباب التركي والمسلمين من مصيبة الالحاد، ذلك لان رسائل النور التي هي خزينة الحقائق السامية ستُعرف وستشتهر في يوم من الايام في جميع انحاء الدنيا دون شك. وعلى هذا الاساس فسوف تكونون محط تقدير الانسانية جمعاء، وستكون الاجيال الحالية واجيال المستقبل شاكرة لكم لقراركم بالبراءة، وستذكركم هذه الاجيال بكل تقدير كلما قرأت رسائل النور واستفادت من فيضها العظيم.
وعندما اقول لكم بكل اخلاص هذه الكلمات فارجو ان لايذهبن بكم الظن الى انني انافق او اتملق.. أبداً ومطلقاً... ذلك لانني لا اخشى من احد ولا ارهب احداً في المحكمة التي تحاكم بديع الزمان.
ولكني ارجو منكم ان تسمحوا لي ببيان قصير:
ان استمر المدعي في كيل هذه التهم الشنيعة بحق رسائل النور وبحق مؤلفها وقرائها مع انها - رسائل النور - تعد علاجاً مؤثراً ضد الشيوعية وضد الماسونية في هذا الوطن المبارك، واذا لم يتخل عن اتهاماته الخاطئة تماماً وسائر انفعالاته الشخصية وعواطفه الذاتية فانه يكون بذلك عوناً للماسونية وللشيوعية وعوناً لترعرعهما وانتشارهما.
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 597
جزء من اللائحة المقدمة الى محكمة التمييز
ان رسائل النور تقوم - عن طريق البرهنة - بتقوية الايمان المتضعضع للذين تؤثر فيهم شبهات تبثها منشورات منظمات الالحاد.
ان سراً دقيقاً من اسرار تعلق الشباب وتمسكهم برسائل النور وكأن بهم مس من كهرباء هو الآتى:
لقد قام بديع الزمان سعيد النورسي منذ سنوات عديدة بانكار ذات وتضحيات لامثيل لها وفي زمن شيخوخته ومرضه - اي في مرحلة يحتاج فيها الى الرعاية والى الاهتمام - وبصبر وتحمل لايوصفان امام جميع انواع الاضطهاد والتعذيب من قبل اعدائه المتسترين من الماسونيين والشيوعيين ومن الذين انخدعوا بهم. وعلم بثاقب بصره وادرك بملاحظته الواقعية المؤامرات المدهشة الخفية، والدسائس المرعبة والخطط المحاكة ضد الايمان وعرف كيف يحبط هذه الخطط بمؤلفاته الايمانية.
لكن أليس من المحزن، وأليس من المؤلم ان يقاسي هذا الرائد الاسلامي وهذه الشخصية الكبيرة الفذة من عذاب السجون منذ خمسة وعشرين عاماً ومن الحبس الانفرادي التام وان يحاول القضاء عليه؟
ولكن وان قاسى مؤلف رسائل النور وعوقب نتيجة للاوهام الناشئة من اهانات الشيوعيين ودسائسهم فان الاقبال المتزايد على قراءة رسائل النور بكل شوق سوف يدوم ويستمر.
ان اول دليل واكبره هو ان الشباب الذي قرأ رسالة "عصا موسى" التي استنسخت بالاحرف الجديدة، بدأوا بتعلم القراءة باحرف القرآن لكي يستطيعوا قراءة الرسائل الاخرى، وهكذا هدموا سداً كبيراً وهو الجهل بخط القرآن الكريم، هذا الجهل الذي كان مانعاً وعائقاً امام تعلم الكثير من العلوم، واجبارهم على قراءة كثير من الكتب التي كتبت لابعاد الناس عن الدين والايمان. وحينما يقبل شباب اية امة على القرآن وعلى العلوم التي تتنور منه، ويتجهز بهذه العلوم ويتسلح بها فمعنى ذلك ان تلك الامة بدأت تسير في طريق الرقي والتقدم. ان الشباب الظامئة ارواحهم الى
الشعاع الرابع عشر - ص: 598
الايمان والى الاسلام قد بدأوا بملء ارواحهم بفيوضات رسائل النور التي هي تفسير للقرآن الكريم، وبذلك فان الشباب الذي سيملك ايماناً يقينياً وعن علم سيجاهدون الالحاد والشيوعية، ولن يسمحوا ابداً ببيع اوطانهم الى اعداء الاسلام. لذلك فان استطاع الشيوعيون ان يفنوا ويقضوا على الورق وعلى الحبر لقام شباب مثلي او شيوخ بفداء انفسهم لأجل نشر رسائل النور التي هي خزانة الحقائق، حتى وان اضطروا الى ان يعملوا من جلودهم ورقاً ومن دمائهم حبراً.
نعم، نعم، نعم.. الف مرة نعم.
يقول المدعي العام ضمن اتهاماته: "لقد قام سعيد النورسي بتسميم افكار شباب الجامعة بمؤلفاته". ونحن نقول رداً على هذا:
"لو كانت رسائل النور سماً، فاننا في حاجة الى اطنان من هذا السم واذا كان يعرف مكاناً يكثر فيه هذا السم فليرسله الينا على جناح السرعة" .
وعندما نتعرض - نحن طلاب النور- الى ظلم الظالمين ونحن نؤدي خدماتنا في سبيل الايمان والاسلام فاننا نفضل ان نسلم الروح في السجون وعلى اعواد المشانق وليس على فراش الراحة. لاننا نعدّ الموت ظلماً في السجون - بسبب خدمتنا القرآنية - فضلاً إلهيا كبيراً، ونفضل هذا الموت على العيش في حياة ظاهرها الحرية وباطنها وحقيقتها استبداد مطلق.

الموقوف في سجن آفيون
زبير كوندوز آلب
من ولاية قونية
ملاحظة:
بعد ارسال هذا الدفاع ولائحة الدفاع المقدمة الى محكمة التمييز، ارسلت رئاسة محكمة التمييز برقية طلبت فيها اطلاق سراح "زبير" من السجن فوراً.
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 599
دفاع مصطفى صونغور 1
الى محكمة "آفيون" للجنايات الكبرى:
طلب مقام الادعاء ايقاع العقوبة بي أيضاً بتهمة انتسابي لجمعية النوريين وقيامي بتحريض الشعب ضد الحكومة.
اولاً: لاتوجد جمعية باسم جمعية النوريين، ولست منتسباً لاية جمعية من هذا القبيل. انني منتسب الى جمعية الاسلام المقدسة والعظيمة.. الجمعية الالهية والنورانية التي تبشر الانسانية جمعاء بالسعادة الابدية وبالسلامة الابدية والتي وضعها منذ اكثر من الف وثلاثمائة وخمسين سنة فخر الكائنات محمد صلى الله عليه وسلم والتي لها ثلاثمائة وخمسين مليون منتسب في كل عصر. وقد عقدت العزم - بحمد الله - بكل قوتي على اطاعة اوامره المقدسة.
اما رسائل النور التي اعتبر المدعي تتلمذي عليها ذنباً وجرماً، فقد علمتني وظائفي الدينية والايمانية، وعلمتني ان الاسلام اسمى واقدس دين وانه السبيل الوحيد لسعادة البشرية، وعلمتني ان القرآن هو الامر الالهي النازل من رب العالمين سبحانه وتعالى، الحاضر الناظر في كل مكان، وان الوجود باجمعه بدءً من الذرات وانتهاء بالنجوم وبالشموس هو تحت قدرته وتحت ادارته الازلية، وعلمتني ان القرآن معجزة إلهية يحيط نظره بكل الحوادث منذ الازل الى الأبد، وانه اسمى من جميع الكتب، وكتاب معجز من اربعين وجهاً، وكلام ازلي يبشر البشرية جمعاء بالسعادة الأبدية فيجعل المشتاقين اليه يشعرون بعظم المنة عليهم. وان الرسول صلى الله عليه وسلم المرسل من قبل رب العالمين كان بكل احواله اكمل الناس جميعاً واصدقهم واسماهم في نواحي الكمال، وانه قدم للناس جميعاً -بنور الاسلام- اكبر بشرى واقدس سلوان، وانه ادار بسلطنته المعنوية خمس نوع البشر منذ اربعة عشر قرناً، ويُكتب في دفتر حسناته جميع ما كسبته امته من حسنات منذ الف وثلاثمائة ونيف من السنين، وانه سبب خلق الكائنات، وانه حبيب الله. وعلمتني ان الاخرة والجنة وجهنم حق وحقيقة، وذلك ببراهين وحجج باهرة مستقاة من القرآن المعجز.
_____________________
1 ولد في قضاء "افلانى" التابعة لولاية "زنغولدق" سنة 1929 وهو الذى لازم الاستاذ النورسى في الحل والترحال وتتلمذ عليه حتى بلغ « الفناء في رسائل النور» كما قال عنه الاستاذ. واودع اليه والى اخوة افاضل امانة ادارة طلاب النور - امّد الله في عمره وبارك فيه - المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 600
اما رسائل النور فانها بكلماتها وجملها تشهد انها فيض من نور القرآن الكريم ونور محمد صلى الله عليه وسلم. وذلك بانتسابها للقرآن الكريم وكونها تفسيراً خاصاً له، وبهذا الاعتبار فهى سماوية وعرشية..
وهكذا فان رسائل النور - المتهمة بانها تحرض الناس ضد الحكومة - بكل اجزائها (كالكلمات واللمعات والشعاعات والمكتوبات) انما تعطي دروساً حول الحقائق الالهية وحول الدساتير الاسلامية وحول الاسرار القرآنية. فكيف اذن يعد جرماً او ذنباً قراءة رسائل النور وهي مؤلفات تعد في الذروة من ناحية تدريسها وتلقينها للاخلاق الفاضلة والحقائق الايمانية؟ وهل يعد جرماً او ذنباً القيام باستنساخ هذه الرسائل التي تهدي الينا السعادة الأبدية او جعل اخ مؤمن يستفيد منها من الناحية الايمانية؟ أيعد هذا تحريضاً للناس ضد الحكومة؟ وهل زيارة مؤلف مثل هذه الرسائل المباركة الذي بلغ الذروة في الايمان وفي الاخلاق وفي الفضيلة، او تكوين اخوة في سبيل القرآن الكريم مع طلاب النور المجهزين بالايمان الراسخ وبالعقيدة التي لاتتزعزع والذين اخذوا على انفسهم حفظ شرف الاسلام وحقائق القرآن فى هذا العصر والذين لاهدف لهم سوى اكتساب رضى الله... أيعد هذا تشكيل جمعية؟ اي ضمير نقي واي ضمير عادل يستطيع اصدار عقوبة على هذا؟
ايها الحكام المحترمون!
ان رسائل النور بجميع اجزائها اعتباراً من "الكلمات" و"اللمعات" وانتهاءً بـ "الشعاعات" التي اقر بها كبار العلماء والتي تهب مرتبة ايمانية عالية وشوقاً اسلامياً كبيراً لمن يقرأها ليست الا تفسيراً نورانيا للقرآن ذي البيان المعجز ، وكل جزء من اجزائها شمس تزيل الامراض المعنوية وتبدد الظلمات المعنوية. اما استاذنا مؤلف رسائل النور فقد امضى حياته كلها في سبيل الايمان وفي سبيل القرآن وتحمّل في هذا السبيل جميع انواع الاذى والمصاعب، وحاول بنشره هذه الحقائق القرآنية في هذا العصر انقاذ ابناء هذا الوطن المبارك من الهجوم الشرس للشيوعية ولكل انواع الالحاد، وان الصفحة البيضاء لحياته الخالية من أي نقص تشهد بانه موظف ومؤهل للقيام حالياً بهذه المهمة المقدسة فهو - حاشاه - لم يلقّنا دروساً غير اخلاقية، ولا دروساً في فن
الشعاع الرابع عشر - ص: 601
التخريب، بل لقننا دروساً في انقاذ الايمان، وهذا ربما يشكل اكبر غاية واهم هدف للبشرية على سطح الارض، ان قيامه منذ مايقرب من خمس وعشرين سنة بمحاولة انقاذ ايمان مئات الالاف من الناس برسائل النور، ولاسيما من امثالي من المساكين الذين لم نكن نعرف شيئاً عن الاسلام واعطاءنا دروساً في الايمان الذي هو السعادة القصوى والغاية من الحياة يعد دون شك فضلا إلهياً. ونحن نقول للذين يقلبون الحقائق فينكرون قيامه بهذه الخدمة المقدسة ويرونه خطراً على الحياة الاجتماعية:
إن كان ذنباً وجرماً قيامه بانقاذ الناس من آفات رهيبة كالتردي الاخلاقي والالحاد وعدم الايمان، وارشاد الناس الى الايمان والى السير في الطريق الذي رسمه الله تعالى والدعوة الى اطاعة اوامر الدين واسعاد الناس بالسعادة الدائمية للاسلام.. ان كان هذا ذنباً وجرماً فانتم تستطيعون آنذاك القول بانه ضار للحياة الاجتماعية. والاّ فان هذا الادعاء اكبر فرية وهو جريمة لاتغتفر.
ان رسائل النور لاتستهدف الدنيا، بل تستهدف السعادة الاخروية الدائمة وتستهدف نيل رضى الله الباقي الازلي الرحيم ذي الجلال الذي لايشكل الحسن والجمال في الدنيا الا ظلاً خافتاً لجماله ولاتشكل لطائف الجنة جميعاً الا لمعة من محبته سبحانه. فما دام مثل هذا الهدف الالهي المقدس ومثل هذا الهدف السامي موجوداً، فانني ابرئ رسائل النور وانزهها الف مرة من الوقوع في امور سفلية ومحرمة تؤدي الى نتيجة كتحريض الناس ضد الحكومة. ونحن نلوذ بحمى الله تعالى من شرور هؤلاء الذين لايريدون منا ان نتعلم امور ديننا ولا ان نخدم ايماننا فيفترون علينا مثل هذه الافتراءات لكي يقضوا علينا.
ايها الحكام المحترمون
لايمكن ابداً اطفاء نور رسائل النور. واكبر دليل على هذا هو انه رغم المحاولات التي جرت منذ خمس وعشرين سنة للقضاء عليها، فانها - على العكس من ذلك - انتشرت وسطعت اكثر، ذلك لان صاحبها ومولاها هو الله ذو الجلال الذي بيده مقاليدكل شيء منذ الازل الى الابد، ولان حقائقها هي الحقائق القرآنية التي تكفل الله تعالى بحفظها والعناية بها. وستبقى انوارها تتشعشع على الدوام ان شاء الله.
الشعاع الرابع عشر - ص: 602
ايها الحكام المحترمون!
ان كان جرماً قراءة رسائل النور واستنساخها التي تعلمنا الايمان والاسلام بكل شوق وبكل حب، والتي لاهدف لها سوى مرضاة الله تعالى والتي هي تفسير نوراني للقرآن المعجز البيان فى هذا العصر، وان كان اعطاء هذه الرسائل - المشتملة على الحقائق الايمانية - الى اخوة مؤمنين جرماً، وان كانت الرابطة الدينية والاخوة الاسلامية التي تجمع المؤمنين في سبيل مرضاة الله وفي طريق القرآن والايمان والتي تعد من الاوامر القدسية للدين.. ان كانت هذه الرابطة في نظركم تعتبر تشكيل جمعية، فان من دواعي سعادتي ان اكون منتسباً لمثل هذه الجمعية، وهي سعادة اكبر من جميع المكافآت ومن جميع الاوسمة، وانني احمد الله تعالى حمداً لاحد له لما منّ على مسكين مثلي بفضله وبلطفه هذه السعادة الكبيرة عندما جعلني طالباً من طلبة رسائل النور. وليس لي في الختام سوى القول:
(حسبنا الله ونعم الوكيل)
(حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)
المعلم
مصطفى صونغور
* * *

لائحة دفاع مصطفى صونغور في محكمة التمييز
1- لقد عدّت محكمة الجنايات الكبرى قيامي بقراءة رسائل النور واستنساخها واعطاءها الى احد الاخوة المؤمنين المحتاجين ليستفيد منها، ذنباً. وجرماً لانني قمت - حسب الادعاء - بتحريض الشعب ضد الحكومة. علماً بانني سبق وان قلت في دفاعي جواباً على هذا الاتهام:
ان رسائل النور التي تعدونها تحرض الناس ضد الحكومة ليست في الواقع الا تفسيراً حقيقياً للقرآن الكريم، فهي - بكل أجزائها - تعطي دروساً في الحقائق
الشعاع الرابع عشر - ص: 603
الايمانية، وتهب لكل من يقرأها او يستنسخها سعادة كبرى. ولم يكن من هدفها ابداً امور دنيوية سافلة وفانية كتحريض الناس ضد الحكومة والتي هي من اعمال اصحاب الفتن واعمال الساقطين، بل هدفها هو نيل رضى الله وهو اسمى مرتبة للسعادة والحبور. وانني افتخر لكوني خادماً عاجزاً وطالباً من طلاب رسائل النور التي اكسبتني عند قراءتها واستنساخها أحلى نعمة واكبر فضيلة وهي نعمة الايمان وفضيلته. ومع انني ذكرت ان تتلمذي على رسائل النور يعد اكبر فضل الهي، وانني احمد الله تعالى واشكره شكراً دائماً اذ احسن بي هذه النعمة التي اسبغها على شخص فقير ومسكين مثلي، ومع ذلك فقد تم اصدار حكم بعقوبتي لانهم عدّوا ارتباطي بالايمان وبالاسلام جرماً دون ان يستندوا الى اي قانون والى اي دليل فخالفوا الحق والحقيقة مخالفة تامة وصريحة.
2- اننى اشهد انه عندما كنت أدرس في معهد "كول كوي" في "قسطموني" فان بعض المعلمين كانوا يلقنوننا دروساً إلحادية ويقولون لنا ان محمداً صلى الله عليه وسلم - حاشاه - هو الذي كتب القرآن الكريم، وان الاسلام في حكم الملغي، وان المدنية تسير في طريق التقدم، لذا فان من الخطأ الكبير ومن الرجعية اتباع القرآن الكريم، حتى ان احد المعلمين قال لنا في احد الايام:
"ان المسلمين يقضون حياتهم في ألم وفي عذاب دائم لانهم يصلون ويذكرون الآخرة. وان جواً من الكآبة يسود جوامع الاسلام على الدوام، بينما يقضي النصارى حياتهم في نشوة دائمة وفي جو من الموسيقى واللهو".
لقد كانوا يحاولون ان يقطعوا كل مايربط بين قلوبنا وبين الايمان والاسلام من روابط، وان يُحلّوا فيها بدلاً منهما الكفر والالحاد. وهكذا فبينما كنت محقوناً بمثل هذه الافكار المسمومة ومعرضاً لاغتيال ايماني بهذه الدروس الالحادية الضارة الى درجة انني انسقت في تيار هذه الافكار وبدأت انشرها حوالي والعياذ بالله، اذا بي اقرأ بعض رسائل النور التي تستمد نورها من القرآن الكريم والتي تعرض حقائق الايمان وحقائق الاسلام ببراهين ساطعة وادلة خارقة وتبرهن على ان الدين الاسلامي كان دائماً وسيلة لسعادة الانسان ولسلامته وانه شمس معنوية لن تنطفئ ولايمكن اطفاء نورها، واذا بهذه الرسائل تطرد كل الافكار المسمومة وتنشر في قلبي الايمان، وفي
الشعاع الرابع عشر - ص: 604
ظل هذا الفرح الغامر والسعادة اللانهائية عرضت حالي على الاستاذ بديع الزمان مؤلف هذه الرسائل والشخص المشفق الوفي والرائد الحقيقي وكيف انني نجوت من حياة الغفلة والضلالة ورسوت على شاطئ الايمان والنور، وكيف ان رسائل النور التي تكسبنا الايمان الحقيقي تعد شمس الهداية لجميع الناس في هذا العصر ووسيلة سعادة لهم. وانه بقيامه بتأليف هذه الرسائل ووضع نفسه في مثل هذه المهمة المقدسة انما يقوم بخدمة ايمانية عظمى، وانه بذلك يُعدّ نعمة إلهية كبيرة للبشرية جمعاء ولاسيما لاهل الايمان، واعلنت له عن أسفي الشديد وعن ألمي البالغ وعن نفوري الشديد لما تقدم به بعض العصابات الخفية من اتباع الدجال السفياني من اعتداءات شنيعة على القرآن وعلى الاسلام وكيف انهم -كما ذكرت آنفا - يزيّنون الالحاد لابناء هذه الامة الاسلامية البطلة ويحاولون هدم الاسس الاسلامية الالهية المقدسة التي ترتبط بها الملايين من الناس ويسعون الى هدم سعادتهم الابدية. وابديت له اسفي البالغ ونفوري الشديد من هؤلاء المجانين الذين يصفقون لهؤلاء المفسدين ويهللون لتخريباتهم الظالمة والدنيئة. وخاطبت أصدقائي في الدراسة الذين داخلهم الشك قائلاً: هلموا لنتخلص من اهواء النفس هذه، ولنركع امام حقائق القرآن، ولنسرع الى مدرسة النور المرشدة في هذا العصر الى طريق السعادة ولنترك اكاذيب هؤلاء السفهاء الكذابين ... هذه الاكاذيب التي سمعناها اشهراً وسنين وصفقنا لها والتي قدموها لنا وكأنها هي الحقيقة نفسها ولنجعل بديع الزمان سعيد النورسي استاذاً لنا ونتمسك بدروسه بكل قلوبنا لكي نخرج من الظلمات الى النور.. أليس هذا الخطاب نابعاً من الفرحة التي استمدها من ايمانه ومن حب القرآن والاسلام والتمسك والاعتصام بهما ومن الحب الكبير الذي يُكنّه لأمته ومن الرغبة في ان يكتسب كل شخص ايماناً حقيقياً لكي ينال السعادة اللانهائية؟.
فهل الانتساب الى الله والنظر الى الاسلام كأسمى دين وكمنبع للفضيلة وبشارة للسعادة واعلان ذلك يُعدّ جرماً؟
في هذا الزمان بدأ هجوم هدام ومدمر على الاسلام وعلى القرآن من جميع الجهات وبدأت الافتراءات تكال للقرآن وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم ومحاولة النيل من تلك الذات السامية الرفيعة، فى حين تسمح بالكتب التى تنفث سموم الالحاد والانسلاخ من الدين والاخلاق، وتكال المدح والثناء لشقاة من اعداء للاسلام تافهين عصاة لله
الشعاع الرابع عشر - ص: 605
وتذكر أعمالهم غير المشروعة المبتدعة بالاعجاب والتقدير، ويهمل سمو القرآن وعلوه ورفعة شأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأحقيتهما، علماً ان رسائل النور تبين وجود الله تعالى وتبين ان موجودات هذا الكون باجمعها تشهد على وحدانية خالقها وانه واجب الوجود وان الانسان بما جهزه الله من عقل وفكر افضل مرآة لاسماء الله الحسنى، لذا يُعدّ سلطاناً على سائر المخلوقات، ولو انتسب الانسان الى الله وصان نفسه من الضلالة ومن السفاهة ومن كبائر الآثام لاستحق مرتبة ضيف كريم في اعلى عليين وتنعم بنعيم الجنة الخالدة الابدية، اما إن كفر بخالقه ووقع في الضلالة وفي الغفلة واشرك به وعصاه فانه يكون أضل من الحيوان ويستحق مرتبة اسفل سافلين في عذاب خالد في جهنم، وان القرآن كلام الله الذي لاتتغير احكامه ولاتتبدل اوامره وان الاسلام يأخذ بأيدينا الى افضل مدنية، وان السعادة الحقيقية والدائمة لايمكن ان تتحقق للبشرية الا باتباع اوامر القرآن والانتساب اليه.. هذه هي الامور التي اوضحتها رسائل النور وبرهنت عليها بشكل قاطع، ومن هنا تستمد رسائل النور مكانتها السامية لانها تقتبس من معجزات القرآن ومن النور الالهي.. فهل الايمان بهذا ونشره والاعلان عنه يُعدّ جرماً؟
والغريب ان قراءة الروايات والاساطير التي تكتب لإلهاب الشهوات الفانية غير المشروعة ونشر الكتب التي تضر بسلامة الامة وسلامة الوطن، والتي تهاجم الاسلام، ومن ثم مدح هذه الكتب وتقريظها والثناء عليها.. كل هذا مسموح به ولايعد ذنباً، ولكن قيامنا بقراءة واستنساخ رسائل النور التي تعرّفنا بشمس الاسلام - التي اهتدت بها مئات الملايين من الناس ووجدت فيها السعادة الحقيقية - وتدعو اليها وتعرفنا بها وتبشر بالحقائق الايمانية ومدح هذه الرسائل والثناء عليها - مع اننا عاجزون عن ايفاء حقها من الثناء - يعدّ ذنباً وجرماً. فهل هناك إنسان يحمل في قلبه ذرة من الايمان وذرة من الحرص على سلامة هذا البلد وهذه الامة يستطيع ان يعد هذا ذنباً؟!

حكام الجزاء المحترمون!
ان هذه الدعوى المعروضة على مقامكم الرفيع هي في الحقيقة دعوى الايمان والقرآن، ودعوى السعادة الابدية والخلاص لملايين الناس. ان جميع الانبياء والرسل عليهم السلام وعلى رأسهم رسولنا الاكرم صلى الله عليه وسلموجميع الاولياء واهل الحقيقة وجميع

عبدالقادر حمود 04-06-2011 04:02 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 606
اجدادنا المؤمنين الذين رحلوا الى الدار الآخرة لهم علاقة من الناحية المعنوية بهذه الدعوى العظيمة. وانتم اليوم تملكون في ايديكم فرصة اكتساب محبة اولئك الملايين من اهل الحقيقة ودعاءهم وشفاعتهم. وان الحقيقة السامية المسماة بـ "رسائل النور" امامكم. فهل المراتب والمقامات الدنيوية الفانية والسفلية هي غايتها؟ ام ان غايتها هي نيل رضى الله تعالى الذي هو السعادة العظمى والفرحة الكبرى والهناء التي مابعدها هناء؟ أوَتحفز كلماتها الانسان الى الاخلاق الرديئة والهابطة ام تجهزهم بالايمان وتجملهم بالفضيلة وبالاخلاق السامية؟ انتم تجدون رسائل النور امامكم وهى منبثقة من الاعجاز المعنوي للقرآن المبين الذى هو نور الهي. فما دام اكتساب الايمان، والانتقال بهذا الايمان في الدنيا الى سعادة الدار الآخرة اهم غاية للانسان، ومادامترسائل النور تقدم - بفيض من القرآن - الحقائق الايمانية وتقرب مئات الالاف من قرائها ومستنسخيها الى هذا الهدف، فلا مناص امام عدالتكم السامية وحبكم للحقيقة إلاّ فهم الوجه القرآني، والوجه الحقيقي لرسائل النور وتقدير قيمتها الحقيقية، ومعرفة ان طلاب النور لايسعون الا لنيل رضى الله تعالى وانه لاهدف لهم سواه .
حكام الجزاء المحترمون!
ان استاذنا العزيز بديع الزمان الذي ارتقى الى اعلى مرتبة للفضيلة وللاخلاق الكريمة يحاول بكل مايملك من شفقة ورحمة وحنان انقاذ الانسان من الظلام الفكري الدامس ومن السجن الابدي، وهو الذي تحمّل جميع صنوف الالم والعذاب في سبيل المهمة الملقاة على عاتقه لنشر الحقائق القرآنية... استاذنا هذا يُرمى في السجون دون وجه حق وخلافاً للعدالة مع كونه مريضاً وشيخاً كبيراً ووحيداً دون اهل، مع ان غايته تنحصر فقط في انقاذ ايمان الناس بما يملكه من علم كبير وذكاء خارق وايمان رفيع وعبودية كبيرة. وان قلب الانسان ليتفطر ألماً مما قاساه هذا الشيخ المبارك المحب لخير الانسانية في سجن "آفيون" من البرد القارس ومن الالام الكبيرة والمضايقات العديدة مع انه في الخامسة والسبعين من العمر، لذا فاننا ننتظر من عدالتكم السامية المرتبطة بالحقائق ومن حبكم وتعلقكم بحب الانسانية تجلي الشفقة والرحمة للعدالة.
مصطفى صونغور
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 607
دفاع محمد فيضي 1
الى محكمة "آفيون" للجنايات الكبرى:
لقد عد المدعي العام كوني سكرتيراً لاستاذي سعيد النورسي ومتعلقا تعلقاً شديداً به وبرسائل النور وقيامي بخدمة كبيرة في هذا المجال.. لقد عدّ ذلك تهمة تستوجب مساءلتي. وانا اقول ازاء هذا بانني اقبل هذه التهمة بكل ما اوتيت من قوة وانني أفتخر بها، ذلك لانني فطرتُ على حب العلم والشوق اليه، والدليل على ذلك انه عندما قاموا بتفتيش منزلي في حادثة "دنيزلي" وجدوا فيه خمسمائة وثمانين من الكتب العلمية والعربية وسجلوها رسمياً، ومع انني شخص فقير وفي مقتبل العمر ومعرفتي باللغة العربية لاتزال ناقصة، فان عشقي للعلم ورغبتي الشديدة في التعلم هي التي دفعتني الى اقتناء هذه الكتب المتنوعة التي لاتوجد عند واحد بالالف من الناس.
فطرتي العلمية هذه كانت تدفعني للبحث عن استاذ وعن مرشد حقيقي وحمداً لله حمداً لانهاية له، اذ دلني على بُغيَتي عن قرب، فيما كنت احسبه بعيداً. اجل ان حياة استاذي سعيد النورسي تشهد ان غايته الوحيدة هي الشوق العلمي واستحصال العلوم الاسلامية. وقد تأكدت من مشاهدتي ومن قراءتي لتاريخ حياته - وهو كتاب مطبوع - ومن المعلومات التي استقيتها من طلابه القدماء ان رغبتي الفطرية في العلم موجودة لدى استاذي بشكل خارق للعادة الى درجة انه ما زال يحتفظ بصفة طالب العلم - خلافا لجميع العلماء المتخرجين من المدارس الاسلامية القديمة - مما جعله قادراً على تحمل جميع البلايا والمصائب. ولان اهل السياسة لم يفهموا الاحوال العجيبة لاستاذي فقد سعوا لربط هذه الاحوال بنوع من السياسة التي لاعلاقة له بها، حتى انهم ألقوه في غياهب السجون. ولكن الله تعالى جعل هذا العشق العلمي الموجود لديه مفتاحاً للحقائق القرآنية، فظهرت رسائل النور التي اذهلت جميع العلماء والفلاسفة. في هذه الاثناء وجدت استاذي في مدينة "قسطموني" بجانبي انا الذي كنت ابحث عنه طوال حياتي بما فطرتُ عليه من حب العلم، وانا اعد هذا إحساناً الهياً سأظل اشكر الله تعالى عليه حتى آخر عمري.
_____________________
1 ولد في "قسطمونى " سنة 1912. لازم الاستاذ النورسى طوال ست سنوات فيها. وسجن معه في سجن "دنيزلي " سنة 1943 وفي "آفيون " سنة 1948. انتقل الى رحمة الله سنة 1989.- المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 608
ولكي يحتفظ استاذي بعزة العلم ومكانته فانه لايقبل - ولم يكن يقبل في السابق ايضاً - الصدقات والهدايا وماشابههما، ويمنع طلابه من ذلك ايضاً. ولم يحن رأسه لأحد. ومن اوضاعه غير الاعتيادية انه لم يرض في الحرب وهو في الخط الامامي من جبهة القتال الدخول الى الخندق حفاظاً على العزة العلمية، وانه وقف امام ثلاثة من القواد المرعبين 1 موقف الاستاذ المحافظ على عزته العلمية دون ان يبالي بغضبهم، بل اسكتهم. ولما كنت اعلم ان استاذي هذا حافظ على شرف هذه الامة وهذا الوطن وعلى شرف علماء الامة التركية وضحى في سبيل ذلك بكل شئ فقد قبلته استاذاً حقيقياً لي، ولو افترضنا فرضاً محالاً وقلنا ان له مائة نقيصة، لكان علينا ان ننظر نظرة التسامح اليها، وألا نعترض عليه.
ولقد قدّره الوطنيون - باسم الوطن وباسم الامة - في عهد المشروطية وكذلك الحال في العهد الجمهوري. ومثال تقديرهم لخدمات الاستاذ الجليلة للعلم هو: قيام حكومة الاتحاد والترقي بتخصيص تسعة عشر الف ليرة ذهبية لمدرسة استاذي "مدرسة الزهراء" في مدينة "وان" والتى ارادها ان تكون نظيرة "الازهر"، ومع ان اساسها أرسي الا ان بدء الحرب العالمية الاولى ادى الى تأجيل بنائها، وقبل اربع وعشرين سنة قامت الحكومة الجمهورية - بعد موافقة وتأييد مائة وستين نائباً - بتخصيص مائة وخمسين الف ليرة لبناء دار فنون الاستاذ (مدرسة الزهراء)، وقيام هذا الاستاذ الكريم وحده بمحاولة انشاء جامعة كجامعة الازهر التي تعاون في انشائها الاف العلماء، واقترابه جداً من تحقيق هذا الهدف يحتم على جميع الوطنيين وعلى جميع محبي الامة مع جميع علماء الدين تقدير هذا الاستاذ والثناء عليه، ولاننا قد ظفرنا بمثل هذا الاستاذ، فنحن مستعدون لتحمل جميع المشاق والمصاعب.
انني أكنّ لعلاّمة الزمان هذا اخلص آيات التقدير والاحترام لانه استطاع بفيوضاته العلمية وبحقائق آثاره السامية التي تناهز المائة والثلاثين كتاباً مساعدتي في المضي في طريق العلم والايمان وسأظل احمل له هذا التقدير الى الابد ان شاء الله.
ومع ان التحريات استمرت لمدة اشهر لإثبات التهمة الموجهة اليّ من قبل الادعاء العام حول "استغلال الدين والمشاعر الدينية لغرض انشاء جمعية سرية مخلة بامن الدولة" الا ان هذه التحقيقات لم تسفر عن شئ، ذلك لان مثل هذه الجمعية لاوجود
_____________________
1 المقصود: القائد خورشيد باشا في المحكمة، ومصطفى كمال، والقائد الروسي نيقولا نيقولافيج - المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 609
لها، ولاتوجد لنا اية علاقة باية جمعية. ان علاقتنا الوحيدة هي مع رسائل النور التي دخلت في امتحان صعب في مواجهة قوانين الحكومة الجمهورية، ولكنها حصلت على البراءة من قبل المحاكم ذات الصلاحية، وعلى الاحترام والتوقير من قبل الهيئات المتخصصة، وهذه العلاقة لاتعدّ خيانة للوطن وللامة بل هي علاقة علمية نافعة للوطن وللامة. ولايوجد اي هدف واية نية اخرى خارج هذا، وبناء على ذلك ولكون موضوع براءتنا واخلاصنا ظاهراً تماماً فاننا نطالب محكمتكم العادلة السامية باصدار قرار براءتنا مثلما فعلت محكمة "دنيزلي" فتحقق بذلك تجلي العدالة.
محمد فيضي باموقجي
الموقوف في سجن آفيون
من قسطموني
* * *
دفاع أحمد فيضي 1
الى محكمة "آفيون" للجنايات الكبرى:
ايها الحكام المحترمون! أليس من حق المؤمن ومن واجبه الالتقاء بعالم ديني وقراءة كتبه المتعلقة بحقائق الدين واستنساخ هذه الكتب والاسراع الى نجدة اخوانه في الدين في سبيل خدمة دينه وقرآنه ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟ وهل هناك اية مادة قانونية تمنعنا من اداء هذه الخدمة الدينية؟ وهل يعد ذنباً قيام بعض الجهات بنقد التيارات الكافرة والتيارات غير الاخلاقية؟ نحن طبقة متدينة من الشعب لاشائبة فيها ولاعلاقة لها مع السياسة ولا مع ادارة الدولة.
ان حمل حسن ظن تجاه شخص ما وتقديره يُعدّ قناعة شخصية، ونحن نعتقد بان بديع الزمان أكبر عالم ديني في زماننا هذا، ونراه رجل حق وحقيقة قام بايضاح حقائق الدين دون اي نفاق او تملق لأحد. اما اطلاقنا عليه صفة المجاهد فنابع من خدماته الدينية ودفاعه ضد التيارات الهدامة للايمان وللاخلاق التي تهدد بلدنا

_____________________
1 هو من احدى أقضية "اسبارطة" سجن مع الاستاذ النورسى في "آفيون"وعرف بدفاعاته القوية، وتوفي في سنة 1972 عن اربع وسبعين سنة من العمر رحمه الله رحمة واسعة. - المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 610
مستنداً في ذلك الى الحقائق القرآنية الراسخة. وليس بمقدور احد ان يؤاخذنا على قناعاتنا الوجدانية. ونحن في بلد يسمح بحرية العقيدة، لذا فنحن غير مضطرين الى اعطاء الحساب لأحد.
اما بخصوص موضوع الاشخاص الذين سيظهرون في آخر الزمان حسب ماورد في الحديث النبوي فاقول:
اننا لم نخترع هذه المواضيع من عندنا، ذلك لانها موجودة في الدين فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في بعض احاديثه بان عمر الامة المحمدية لن تزيد كثيراً عن الالف وخمسمائة سنة. وهذه الاحاديث تصف كثيراً من الحوادث التاريخية المهمة في حياة الامة المحمدية وفي حياة الدنيا باسرها، وذلك تحت عنوان "علامات القيامة". وهي تنبه الامة المحمدية وتحذرها من شرورها، وتقول بان الذين يقعون في هذه الشرور عن غفلة او عن جهل سيقعون في الشقاوة وفي الهلاك الأبدي، وهناك ادلة دينية لاحد لها حول هذه الامور. نحن اناس آمنا بالله وبرسوله وبالقرآن. اذن فاستناداً الى هذا الايمان واستناداً الى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم أفلا نعمل على خلاص انفسنا من الهلاك الأبدي؟ أفلا نبصر مايجري حوالينا؟ ألا نشرح هذا استناداً الى الحقائق الدينية ونتساءل: "أجاء هذا الزمان الخطر؟ أنحن هذا الجيل المشرف على هذه المهالك والمخاطر؟ أنتجاهل البراهين الساطعة الموجودة أمامنا ونتجاهل الحقائق الثابتة والحقائق العلمية التي تثبت لنا الوجود الإلهي ونترك ديننا وننساق وراء التيار الذي يعد الالحاد من اكبر اركان المدنية الاوروبية؟.. وان فعلنا ذلك فمن ينقذنا من الهلاك الأبدي؟ أنتجاهل هذا ولانفكر فيه؟ أيمكن لمن يعتقد بانه لايوجد شئ فوق القرآن وفوق الحقائق القرآنية ان يرمي بنفسه الى الهلاك الأبدي خوفاً من عقوبات فانية؟ وهل يمكن ان يهتم ببعض القيم الفانية؟ وهل يتخلى عن وظيفته في ايفاء الخدمة لله ولرسوله ولدينه؟.. هذه هي في الحقيقة العوامل الحقيقية التي تربطنا ببديع الزمان، فهل هناك منبع ديني آخر نزيل به عطش ارواحنا الى حاجتها الازلية؟
يوصينا المدعي العام المحترم بقراءة الكتب العربية والعلمية التي تزخر بها المكتبات والتي لاتتماشى مع روح عصرنا الحالي. وقد لايعجب المدعي العام المحترم - ومن يفكرون مثله - بالخزينة العلمية المتمثلة بمجموعة رسائل النور وبالحقائق العالية
الشعاع الرابع عشر - ص: 611
والسامية التي تحويها هذه الرسائل. قد لاتعجبه هذه الرسائل وقد ينتقدها. وهذا شئ راجع اليه وهو حر في ذلك. ولكنه لايستطيع التدخل في حبنا او تفضيلنا لهذا الكتاب او ذاك، فنحن نحب رسائل النور ونرى انها كتاب دين حقيقي لا نفاق فيه وانها تفسير للقرآن الكريم. ان مقاييس التفضيل والترجيح مسألة تقدير وجداني وقلبي لايستطيع احد ان يتدخل فيه. أجل اننا نعتقد بان مؤلف رسائل النور يعطي درس الحقيقة نفسها، وان انكار المدعي العام لهذا وعدم قبوله لايضعف اعتقادنا هذا ولايهزه، ونحن لانتقبل رسائل النور من اجل كرامتها الكونية بل من اجل ظهور الكرامة العلمية الكاملة التي تتحدى الاوساط العلمية في دروس النور. ومع ان تحصيل مؤلفها العلمي لم يتجاوز ثلاثة أشهر. فانه يفيض علماً وينشر هذا العلم، وهو يستخدم في خوارق علمه وفي اكثر المسائل العلمية تعقيداً منطقاً عالياً حير اكبر المفكرين واذهلهم، ويستخدم اسلوباً جذاباً رائعاً ومشوقاً فياضاً بالحرارة نابضاً بالعشق وبالعواطف الجياشة وذلك بلغة تعلمها بعد منتصف عمره، حتى لتبدو كتاباته وكأنها بحر ايمان وخزينة توحيد ومحيط حكمة، فهل تستطيعون أن تدلونا على بديع زمان ثانٍ؟ انتم تستكثرون علينا ان نعد تمثال الفضيلة هذا استاذاً لنا وهو الذي لم يلتفت الى بريق جميع الظواهر الفانية ولم يسمح لنفسه التنزل الى اية منافع مهما كبرت ولا الى الامور التي تلوث الانسان مهما كانت نداءات هذه الامور قوية، ولم ينتظر او يتوسل من احد شيئاً ولم يقبل ما عرض عليه، واعطى افضل مثال للعفة وللنزاهة، وصبر على جميع انواع المكاره والمضايقات ونذر نفسه لاظهار الحقيقة واظهار الانوار القرآنية والمعارف المحمدية.
اما أمام آلام البلد والامة فقد كان قلبه الرحيم يبكي الماً وشفقة. وعلى الرغم من كل انواع الغدر والاهانة التي تعرض لها فانه لم يتخل عن ايفاء وظيفته لإسعاد من حواليه، فعلى الرغم من شيخوخته ومن بؤسه فانه بذل جهوداً مضنية وناضل بكل قوة في سبيل الله تعالى لانقاذ الناس من غيابة الجهل ومن لجة الالحاد. وفي هذا الوقت الذي ضاعت فيه المقاييس الاخلاقية فاننا نراه - بجانب كرامته العلمية المذكورة اعلاه- مثالاً للتضحية والايثار ومثالاً للاستقامة وللنزاهة وانموذجاً يحتذى للكمال ومحراباً للفضيلة. أترون هذا إفراطاً منا؟
الشعاع الرابع عشر - ص: 612
اذن فان هذه هي نظرتنا نحو بديع الزمان ونحو مؤلفاته، فهل ارتباطنا به الناشئ عن ايماننا، وهل اشتراكنا مع آيات القرآن الكريم ومع الاحاديث النبوية الشريفة في تقبيح الكفر والانحدار الاخلاقي يجعلنا ملوثين باوضار السياسة الفانية؟ وهل يمكن اطلاق صفة الإفساد على اعمال اصلاح نفوس بريئة لقسم من ابناء هذا البلد الذين لم تتيسر لهم منذ خمسة وعشرين عاماً تعلم حقائق الدين؟ وهل انقاذهم من الهلاك الابدي وابلاغهم عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم وعن القرآن افساد لهم؟
ايها الحكام المحترمون!
نحن لسنا ارباب السياسة ابداً، لاننا نرى ان السياسة تحمل الاف البلايا والمخاطر والمسؤوليات لامثالنا ممن هم خارج مسلك السياسة. ونحن اصلا لانعير اي اهتمام بالمظاهر الفانية، لاننا لاننظر الى الدنيا الا من وجهها الخيّر المؤدي الى رضى الله، لذا فاننا نعترض بشدة على اتهامنا بالجري وراء السياسة ومعارضة الدولة. ولو كان هذا هو قصدنا وهدفنا اذن لكانت هناك اقل ظاهرة وعلامة على هذا في ظرف هذه السنوات البالغة خمساً وعشرين سنة. اجل نحن نحمل صفة معارضة، ولكنها معارضة ضد السقوط الاخلاقي وضد الالحاد، وهذه المعارضة ناشئة عن اشتراكنا - بالضرورة - مع القرآن الكريم في شدة توبيخه وصرامة بيانه في هذه المواضيع. فاذا لم يكن بياننا للاسباب الموجبة التي شرحناها والنابعة عن الاخلاص وعن النية الصافية وعن الحقيقة كافياً لاقناعكم فاصدروا اي عقاب ترغبون فيه بحقنا، ولكن لاتنسوا ابداً ان سيدنا عيسى (عليه السلام) الذي ينتسب اليه الآن ستمائة مليون نصرانى قد حكم عليه من قبل رجال الحكم في ذلك العهد بالاعدام كأي لص عادي مع ان قلبه كان يخفق لسعادة الانسانية ولتبليغ الامانة الملقاة على عاتقه.
ان كلامنا الحر هذا يدفعكم لاصدار عقوبة ضدنا ولكننا سنستقبل هذه العقوبة وهذا الحكم بكل فخر، وكل ماسنفعله هو ان نرفع يد الضراعة الى قاضي الحاجات هاتفين : (حسبنا الله ونعم الوكيل)
احمد فيضي قول
من ناحية اورتاقلار
الموقوف في سجن افيون
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 613
دفاع جيلان
الى محكمة "آفيون" للجنايات الكبرى:
ان مقام الادعاء العام الذي استهول الامر وجعل من الحبة قبة خصني بحصة كبيرة من التهم المزعومة الموجهة الى رسائل النور وقدمني بصورة رجل سياسي خطر ورجل تآمر لانني قمت بخدمة استاذي ورسائل النور، تلك الخدمة التي افتخر بها في الحقيقة، وانا اقول رداً على هذا:
انني على علاقة وثيقة باستاذي بديع الزمان الذي استفدت فائدة كبيرة من قراءة كتبه الدينية والايمانية والاخلاقية الى درجة انني مستعد بتضحية نفسي وحياتي رخيصة في هذه السبيل. ولكن هذه العلاقة لم تكن -كما زعم المدعي العام- علاقة ضارة بالوطن وبالامة، ولاكانت في سبيل تحريض الشعب ضد الدولة، بل هي علاقة وثقى لا تنفصم ابداً لانها من اجل انقاذ انفسنا من الاعدام الابدي للقبر - الذى لايمكن لأحد ان يجد منه مهرباً - وانقاذ ايمان امثالي من اخواني في الدين في هذا الزمن الخطر وتزكية اخلاقهم وجعلهم اعضاءً نافعين لهذا الوطن ولهذه الامة.
انني من القريبين اليه، فقد خدمته على فترات متقطعة اربع سنوات وانا فخور بذلك. وطوال هذه المدة لم اشاهد منه الا الفضيلة الخالصة، ولم اسمع منه كلمة واحدة حول كونه مهدياً او مجدداً. ان مئات الالاف من رسائل النور ومئات الالاف من طلبة النور الذين انقذوا ايمانهم بقراءتها يشهدون على كمال تواضعه. فاستاذي المبارك هذا يرى نفسه طالباً من طلبة النور ويقدم نفسه على هذا الاساس.
من اليسير ملاحظة ومشاهدة ذلك بسهولة من قراءة الرسائل الموجودة بين ايديكم ولاسيما رسالة "الاخلاص" الموجودة ضمن مجموعة "عصا موسى" اذ يقول فيها: "ان الحقائق الباقية هي كالشمس وكالألماس، لا تبنى على الاشخاص ولايمكن لاشخاص فانين ان يتملّكوها" وهو يكرر هذا في كثير من رسائله وخطاباته. وليس من شأن العقل السليم ان يحكم انه يدّعى الفخر والتباهى بنفسه او انه مهدى ومجدد. واذا ما قرأتم الرسائل والمكاتيب بدقة وبانصاف لعلمتم ولتأكدتم انه علاّمة
الشعاع الرابع عشر - ص: 614
زمانه هذا الذي قلما يجود الدهر بمثله في العلم بالدين ولم يقابل بنظيره كمنقذ للايمان منذ عصور، فهو ذو عطاء وبركة للوطن والامة تفوق مايقدمه جيش كامل من المنافع وبخاصة فى عصر انتقلت الينا الشرارات الحمراء للبلشفية تريد إلتهام بلادنا.
فيا اسفى اننى لم احظ بالتتلمذ على يديه وعلى هذه المؤلفات القيمة منذ نعومة اظفارى.
هيئة المحكمة الموقرة!.
لقد شاهدت في نفسي منافع جليلة لاتعد ولاتحصى من قراءة رسائل النور، لذا قمت بطبع رسالة "مرشد الشباب" في مدينة "اسكي شهر" وباذن رسمي، وذلك لكي يستفيد امثالي من ابناء هذا الوطن، اي قمت بخدمة وطنية سامية وانا ارغب أن اسألكم:
لقد قمت وانا الشخص الفقير لرحمة الله تعالى بطبع رسائل النور التي تعد تفسيراً حقيقياً للقرآن الكريم لا يُجريح و لا يُطعن فيه ، اي قمت بخدمة ايمانية. فهل من الحق وهل من العدل ان اقابل بمثل هذه المعاملة الخشنة في الوقت الذي كان من المفروض ومن الضروري ان اقابل بالتقدير؟.
انني اطلب من محكمتكم العادلة ان تصدر حكمها باعطاء الحرية لنشر رسائل النور التي هي غذاء ارواحنا وسبب نجاتنا ومفتاح سعادتنا الابدية، واذا كان قسم مما ذكرته وعددته اعلاه يعدّ في نظركم ذنباً او جرماً فانني اود ان ابين لكم بانني ساتقبل بصدر رحب اية عقوبة تصدرونها مهما كانت شديدة.
جيلان جالشقان
من اميرداغ
الموقوف في سجن آفيون
* * *

عبدالقادر حمود 04-06-2011 04:02 PM

رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر
 

الشعاع الرابع عشر - ص: 615
دفاع مصطفى عثمان 1
الى محكمة "آفيون" للجنايات الكبرى:
رداً على التهمة الموجهه الي حول اشتراكي بفعاليات بديع الزمان سعيد النورسي المزعومة في تشكيل جمعية سرية واستغلال المشاعر الدينية للاخلال بأمن الدولة وقيامه ضد النظام القائم اقول مايلي:
1- اجل لقد قمت - مثل طلاب النور- بالحصول على رسائل النور وقراءتها لكي اتعلم الاخلاق القرآنية التي هي شعار التربية المدنية والدينية اللائقة بالشرف التاريخي لامتنا التركية المسلمة، واحفظ ديني وايماني من تأثير الايديولوجيات الاجنبية واكون عضواً نافعاً لوطني وامتي. لقد حل الفساد والرذيلة محل الاخلاق التي عرف به اجدادنا الذين سجلوا مآثرهم في التاريخ، وبدأ هذا الفساد يستشري وينتشر ويفسد الحياة الاجتماعية الى درجة ان اصحاب الخلق السئ انفسهم اصبحوا يتقززون من مثل هذا السقوط الاخلاقي المنتشر، الذي اقلق الرأي العام واصبح حديث المجالس في كل بيت وحديث الصحف والمجلات التي تعد لسان الرأي العام والمعبر عنه، ثم ان هذه الاحوال المؤلمة في انتشار سريع وقد أخذ طابع البلاء العام... في مثل هذه المرحلة استطاعت رسائل النور ان تنقذني من السقوط الأخلاقي مثلما أنقذت جميع قرائها المسلمين. لقد اعطيت هذه الرسائل لمن طلبها مني باصرار - بعد ان عرف انني قرأتها - وذلك لكي يستفيدوا من تهذيبها للاخلاق، وبعملي هذا ساعدت على انقاذ كثير من الافراد الذين كانوا على وشك الانحدار الاخلاقي وعلى وشك ان يكونوا اعضاء مضرين بالوطن والامة. فاستطاعت رسائل النور بتعليماتها وبتلقيناتها انقاذ هؤلاء وجعلهم افراداً مفيدين للبشرية وتحصنهم أمام الوباء الشيوعي الأحمر الذي بدأ ينتشر في بلدنا والذي بدأ العالم يرتجف منه رعباً، اذن فان بديع الزمان يُعدّ مجاهداً معنوياً يستحق التقدير والتبجيل. اما السلاح النوراني والفعال لهذا الجهاد فهو رسائل النور التي استطاعت في ظرف عشرين سنة ان تحوّل عشرين الفاً من الأفراد - وربما اكثر- الى افراد مفيدين للوطن وللأمة، فكيف يكون حثي
_____________________
1 تعرّف على الاستاذ النورسى في قسطمونى وتتلمذ عليه ولازمه في السجن، توفي سنة 1991 عن اربع وثمانين سنة من العمر ، رحمه الله رحمة واسعة - المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 616
على قراءة الرسائل ذنباً، وكيف يكون تأليف رسائل النور تهمة في حق مؤلفها؟... اسأل هذا من ضمائركم.
2- اما ما ادعاه المدعي العام حول كون ذلك الحديث "موضوعاً" فهو حكم غير علمي، لان ذلك الحديث "صحيح" ووارد في كتب الاحاديث وعلماء الحديث يقبلونه. ففي عهد المشروطية- اي قبل عهد الحرية -تقدم اليابانيون والكنيسة الانجليزية الانكليكانية باسئلة الى علماء ذلك العهد، فتقدم علماء استانبول بهذه الاسئلة الى بديع الزمان الذي ادرج تأويل هذا الحديث ضمن الرسالة التى اصبح اسمها الآن "الشعاع الخامس". وان قبول هؤلاء العلماء الاعلام بهذه الاجوبة وعدم اعتراضهم عليها يدل على صحة الحديث.
وليس هذا الجزء فقط من رسائل النور، بل ان جميع الحقائق الواردة فيها وجميع دروسها، قوية جداً بحيث لايستطيع عالم اسلامي حقيقي الاعتراض عليها، لذا نرى ان جميع العلماء الحقيقيين في هذا البلد - ومنذ عهد المشروطية - وعلى رأسهم رئاسة الشؤون الدينية اضطروا الى تقدير هذه الرسائل وتوقيرها. لذا لايمكن ان تُطمس حقائقها وبراهينها القوية من قبل فرد او فردين ممن لانصيب لهم من العلم الحقيقي، ولايملكون من العلم الا اسمه. بل سيكون هذا امراً مضحكاً. ان رسائل النور تقرأ بكل تقدير في جميع ارجاء الوطن ومن قبل كافة طبقات الشعب لانقاذ حياتهم الابدية وايمانهم ولان منافعها المادية والمعنوية ظاهرة وجليلة، لذلك فان آلافاً من المواطنين الذين استفادوا واعجبوا بحقائق القرآن وحقائق الايمان يحملون عاطفة العرفان بالجميل والامتنان العميق لمؤلف هذه الرسائل.. فهل قيام بعض هؤلاء بكتابة رسائل الى المؤلف - انطلاقاً من العرفان بجميله - وفهم الحديث الشريف الذى هو موضوع الاتهام استناداً الى الحقائق التى لايمكن ان ترد، والنظر اليه وكأنه قد تحقق فى هذا الوطن بناء على بعض الافعال والآثار... وبيان تمنياتهم بألاّ يقع وطننا في احضان الفوضى وفي احضان هذا الخطر الأحمر، تعد خيانة للنظام القائم؟ وهل هي نقد للانقلاب؟ ومع ان هذا العالم المبجل دخل عدة محاكم بسبب هذه الافتراءات وصدرت قراراتها بتبرئته، الا انه لايزال متهماً بنفس التهم السابقة ويسجن في سجن انفرادي ويقدم للمحاكمة، مع انه شخص منزوٍ ومتقدم في العمر وشخص وحيد، اما
الشعاع الرابع عشر - ص: 617
نحن فقد عدت مساعينا العلمية ومحاولاتنا لانقاذ ايماننا دليلاً على اننا نحاول الاخلال بامن الدولة، ونحن نتساءل من محكمتكم: اي وجدان وضمير عادل يستطيع اصدار مثل هذا القرار؟. ندع ذلك لضمائركم..
3- ولنأت الى سبب التهمة الاخرى القائلة باننا "نحمل صور بديع الزمان وكأنها صور مقدسة ونجمع خطاباته، ونرسل له الرسائل" لنقول رداً على هذا:
ان من حقي -كاي فرد آخر- ان ابعث له الرسائل وبطاقات التهنئة وان اصادق محبيه وان احمل صورته.. ليس فقط صورته البسيطة، بل لو زينت صورته باطار من الجواهر او الذهب لكان شيئاً زهيداً بجانب ما اسداه اليّ هذا العلامة الكبير من فضل، فقد انقذ حياتي المعنوية والابدية من الاعدام، وجعلني اتذوق السعادة في حياتي المادية، واصبح بمؤلفاته وسيلة لانقاذ إيمان الاف الافراد الآخرين مثلي. هذا من حقي، ولا اظن انه يشكل ذنباً، وفي الختام اقول:
ان رجال الامن في ولايتين وفي اقضية عدة يشهدون بان طلبة النور - الذين انقذوا انفسهم من الاخلاق السفيهة بقراءة رسائل النور وانقذوا غيرهم كذلك - قد خدموا طوال سنين عديدة هذا الوطن وهذه الامة خدمة جليلة لايستطيع ايفاءها الالاف من رجال الامن، لذا فانهم بدلاً من ان يروا التقدير والمديح، فقد اسئ فهمهم وعوملوا وكأنهم عملاء للاجانب، فقد اعتقلنا وقدمنا للمحاكم وتعطلت مصالحنا واشغالنا، وتُركت عوائلنا واطفالنا في وضع بائس، فأية ديمقراطية ترضى لعوائلنا هذا الوضع المفجع ولاطفالنا البكاء، وضمير اي حاكم عادل يرضى بهذا؟.. اسأل هذا من محكمتكم ومن ضمائركم.
لذا فانني اسأل باسم محكمتكم المحترمة وباسم الامة التركية المجيدة وباسم مجلسه العادل الذي تعملون في ظله ان تصدروا قراركم بحرية نشر رسائل النور التي لايمكن ابداً انكار فوائدها ومنافعها الجمة وان تصدروا قراركم ايضاً ببرائتنا.
مصطفى عثمان
من صفرانبولو
الموقوف في سجن أفيون
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 618
دفاع حفظي بيرام 1
الى محكمة "آفيون" للجنايات الكبرى
ان التهم الموجهة الي هي قيامي بقراءة مؤلفات العالم الاسلامي بديع الزمان المتهم باستغلال المشاعر الدينية للاخلال بأمن الدولة، علماً بان هذه المؤلفات قيمة وذات نفع كبير للامة وللبلد. وهي تعطي دروساً مفيدة جداً عن الحقائق القرآنية والايمانية. وكذلك قيامي باعطاء بعض هذه المؤلفات الى عدد من اصدقائي - نزولاً عند طلبهم - بعد ان اكتشفت مدى استفادتي منها من الناحية الدينية والاخلاقية، وذلك اتباعاً لشعارنا في السعي لنيل الثواب والأجر بنشر هذه التربية الدينية والاخلاقية، وكذلك قيام بعض معارفي بارسال رسائل صداقة او رسائل علمية الى عنواني. هذه هي المعاذير التي تم الاستناد اليها لجعلي في الذنب مع الموما اليه.
انني اعترض على ايراد هذه المسائل كسبب للاتهام:
1- انني لا اعتقد ان قيامي بقراءة رسائل النور بقصد التعلم وللحفاظ على ديني وايماني، ولاقيامي باعطاء هذه الرسائل الى بعضهم بقصد التعلم ذنباً او جريمة، ذلك لان هذه الرسائل مرت من محاكم عديدة وبرئت من قبلها وأعيدت الى مؤلفها، وهي رسائل حازت على تقدير وعلماء البلدان الاسلامية وعلماء بلادنا، وهي لاتحتوي على افكار فاسدة كما زعم المدعي العام، فكل رسالة من هذه الرسائل تفسير مهم للقرآن الكريم من بدايتها وحتى نهايتها، وهي تدعو الناس الى السمو الخلقي والى الفضيلة وتعطي دروساً اسلامية وتربية دينية بشكل مؤثر فتكون سبباً لحفظ الامم من السقوط في الهاوية، لذا فهي ليست كتباً مفيدة لهذه الامة ولهذا البلد وحده، بل هي ايضاً مفيدة للانسانية جميعها من الناحية المعنوية. ذلك لانه ما من احد سجل حادثة ضارة للوطن او للامة او ضد ادارة الدولة اشترك فيها طالب من طلاب النور في اي مكان ابداً، ولم يسجل رجال الامن والشرطة اية حادثة من هذا
_____________________
1 وهو الذى وهب ابنه "حسـنىَ" منذ صباه ليخدم ويتتلمذ علـيه فكان مثالاً للـــوفاء والاخلاص.. - المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 619
القبيل ضدهم. ثم لاتوجد هناك جمعية سرية لكي تكون قراءة رسائل النور قراءة سرية، ذلك لان طلاب النور لاعلاقة لهم باية جمعية، علمية كانت ام سياسية. ظاهرة كانت ام سرية، حتى ان بديع الزمان ومعه العديد من طلاب النور قدموا الى محكمة الجنايات الكبرى في "دنيزلي" قبل عدة سنوات وبنفس هذه التهم، وقامت المحكمة ببحث دقيق وتحقيق عميق ثم اضطرت الى اصدار قرارها بتبرئة الجميع وتبرئة رسائل النور كذلك.
ولا ادري كيف تعد قراءة مؤلفات مؤلف صدر القرار بتبرئته وتبرئة كتبه. . كيف يعد ذلك دليلاً على جرم كبير مثل جرم الاخلال بامن الدولة والسعي ضد النظام القائم، وكيف تكون سبباً للاتهام؟ وماهي درجة العدالة في هذا الأمر؟ أحيل هذا السؤل الى ضمائركم.
2- ثم هناك رسالة اخرى ارسلت الي وانا في السجن من قضاء "بايزيد" من شخص لا اعرفه، واصبحت هذه الرسالة سبباً لاتهامي. انني لم ار هذه الرسالة، ولا ادري محتوياتها، فان كانت احدى رسائل النور فاني اقبل بها. اسألوا عنها لكي اجيبكم عن اتهامي هذا. وقد ورد في كلمة المدعي العام شئ حول المهدوية. ولم اسمع هذا الا منه. اما استاذي فهو برئ من هذه الادعاءات. فهذا الأمر لم يرد لافي حديثه ولا في رسائله، وقد اعتاد في كل مناسبة التنبيه على طلابه بضرورة ابتعادهم عن تعظيمه او ابداء احترام مفرط او اعطاء رتبة عالية له. ونحن على يقين بانه افضل علماء عصره وانه برئ من حب الشهرة ومن حب الجاه، فهو عالم أصيل.
السجين
حفظي بيرام
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 620
دفاع مصطفى آجت 1
الى محكمة آفيون الكبرى للجنايات:
اجيب عن الاتهام الموهوم الذي اتهم به الادعاء العام استاذي بديع الزمان:
ان خدماتي لإستاذي ولرسائل النور ليست الاّ قطرة من بحر اللطف والاحسان الذي قوبلتُ به. فأنا لست نادماً قطعاً بهذا الانتساب. فكما يُضحّى بقطع زجاجية في سبيل كسب خزينة الالماس الثمينة جداً . فإنني مستعد في كل وقت لأضحي بحياتي في سبيل رسائل النور التي هي وسيلة لانقاذ حياتي الابدية. فلقد تحققت منافع اخروية ودنيوية لرسائل النور، لذا فان التخلي عن تلك المنافع الجليلة وابداء الفتور تجاه رسائل النور وإستاذي المحترم، لئلا يصيب الحياة الدنيوية المضطربة القصيرة ضرر من سجن تافه ومضايقات لا تلبث ان تزول.. انني اعدّ هذا التخلي اهانة عظيمة لاستاذي علاّمة الزمان، ولغايته الوحيدة الجليلة التي هي خدمة الايمان والقرآن. فانا لا اريد قطعاً ان اخالف اوامره ولا ان احيد عن إذنه.
هيئة الحكام المحترمين!
لِمَ تستهولون كوني طالباً - مع فقري - لعالم عـظيم يجاهد البلشفية التي تحاول بث سمومها في وطننا العزيز. ان هذا بلا شك يثبت ان الثروة التي يمتلكها النور تفوق كثيراً ثروة الدنيا باسرها، فاطلقوا يد أستاذي ورسائل النور كي ينقذ ملايين الشباب من الامة التركية، ليصبحوا ابناء نافعين للبلاد.
نعم ان حاجتنا نحن شباب الامة التركية الى رسائل النور اكثر بكثير من حاجة المختنق الى الهواء العليل، ومن حاجة من يعيش في الظلام الدامس الى النور الواضح، ومن حاجة الجائع العطشان التائه في الصحراء الى الماء السلسبيل والغذاء النافع، بل من حاجة الغريق الى النجاة.
_____________________
1 (1924 - 1992) من "امير داغ" التابعة لـ "آفيون"سجن سنة 1948 و سنة 1961 لنشاطه في خدمة النور، عمل مدة طويلة خطاطاً في ديوان رئاسة الشؤون الدينية.- المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 621
انه لا يتلاءم مع شرف العدالة اهدار وافناء حياة بديع الزمان الذي كسب حسن ظننا المفرط وتوجهنا نحوه وارتباطنا الوثيق به، وإفناء ضعفاء اصبحوا طلاباً له بنية خالصة.
الموقوف في السجن
مصطفى آجت من اميرداغ
* * *
دفاع خليل جاليشقان 1
الى محكمة "افيون" للجنايات الكبرى:
هيئة المحكمة الموقرة!
في لائحة الاتهام التي قدمها المدعي العام عدّ خدمتي لاستاذي كذنب كبير اقترفته. ان استاذي الذي قدم الى بلدتنا ضيفاً سنة 1944م وهو مقيم فيها منذ اربع سنوات.. ان استاذي هذا قد ترك ومنذ اربعين سنة كل لذائذ الحياة ومتاعها وراحتها ونذر نفسه لخدمة الايمان والاسلام، ولاسيما لانقاذ السعادة الابدية للمسلمين في وطننا، ولوضع سد امام الافكار الضارة لدين هذه الامة التركية المسلمة كالافكار البلشفية التي لها اضرار مادية ومعنوية بليغة والافكار الضارة الاخرى للوطن وللامة وذلك بوساطة الدروس الايمانية والاخلاقية لرسائل النور التي اعترف بفضلها جميع العلماء. فهل قيامي - وانا فخور بذلك - بخدمة استاذي بين حين وآخر طوال ثلاث سنوات يعد ذنباً؟ ثم انهم يرون ان تركي لمهنتي كخياط في سبيل هذه الخدمة ذنباً كذلك. ولئن ضحيت بحياتي في سبيل استاذي وفي سبيل رسائل النور - التي ارشدتنا الى الحق والى الحقيقة والتي هي تفسير حقيقي للقرآن الكريم - فهل أعدّ مذنباً وخائناً للوطن؟... أسأل هذا منكم.
_____________________
1 عائلة جالشقان قدمت خدمات جليلة لرسائل النور، ولازموا خدمة الاستاذ النورسى عند اقامته الجبرية في اميرداغ ومنهم خليل جاليشقان ووالده «عثمان» من السابقين في خدمة النور. توفي سنة 1965 عن خمس وثلاثين من العمر. رحمة الله رحمة واسعة المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 622
رئيس المحكمة الموقر!
لقد قرأت بعض رسائل النور واستنسخت بعضها. وبدأت بحمد الله تعالى حمداً كبيراً بالاستفادة من هذه الرسائل، اذ كان قلبي منذ البداية متعلقاً تعلقاً كبيراً بالعلم ومشتاقاًًًً له. ومع انني مرتبط بهذه الرسائل عن قرب الا انني لم اجد فيها لاتحريضاً للشعب ضد الحكومة ولادعوة لتأسيس جمعية سرية تقوم باخلال الأمن ولم اسمع من استاذي اي شئ حول دعوى المهدوية او دعوى التجديد ولا اي تحريض ضد الامن. ان الهدف الوحيد والخدمة الوحيدة لرسائل النور ولاستاذنا ولنا نحن طلبة النور هي ايفاء خدمة مقدسة للاسلام ولاسيما ايفاء خدمة مقدسة للامة التركية المسلمة من ناحية الايمان والاخلاق. لذا فمن الضروري ومن الواجب عدم التعرض لرسائل النور ولطلابها من جراء خدماتهم هذه. هذا هو هدفنا، وهذه هي غايتنا وليس شيئاً آخر، وان ايفاءنا هذه الوظائف هو في سبيل الحصول على رضى الله تعالى. ومن الطبيعي اننا لايمكن ان نؤدي هذه المهمة المقدسة في سبيل الدنيا وفي سبيل متاعها ومنافعها، ولانتنزل اصلاً لهذا. ان طلبة النور الطاهرين لايشغل قلوبهم اهداف وغايات دنيوية، لان قلوبهم مشغولة بالايمان وبامور الآخرة، لذا فانه لم يخطر ببالنا ابداً ما أتهمنا به المدعي العام من القيام بتشكيل جمعية سرية، ولانتحمل مثل هذا الاتهام.
هيئة المحكمة الموقرة!
اننا نعتقد بانكم اقتنعتم بماهية اهدافنا وغايتنا نحن طلاب النور واقتنعتم بعدم وجود اية علاقة لنا بالتهم التي اوردها المدعي العام، لذا فاننا نطلب من محكمتكم الموقرة ومن ضمائركم ان تعيدوا لنا كتبنا وتسمحوا بكونها حرة وتصدروا قراركم ببراءتنا.
خليل جالشقان
من اميرداغ
الموقوف في سجن افيون
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 623
دفاع مصطفى كول 1
الى محكمة "آفيون" للجنايات الكبرى:
انني لست عضواً في جمعية سرية، كما ان استاذي بديع الزمان لم يشكل مثل هذه الجمعية، اذ قام على الدوام باعطائنا دروساً حول الحقائق القرآنية وحظر علينا وبشدة ان تكون لنا اية علاقة بالسياسة. انني فقط طالب للاستاذ الكبير سعيد النورسي، وانا متعلق به وبرسائل النور من اعماق قلبي وروحي وانا مستعد لاية عقوبة في سبيل رسائل النور وفي سبيل استاذي. لقد انقذ استاذي برسائل النور ايماني وحياتي الاخروية، فغايته تنحصر في انقاذ جميع المسلمين وجميع مواطنينا من الالحاد لكي ينالوا السعادة الابدية. لقد ظهر بوضوح في جميع المحاكم بانه لاتوجد لنا اية علاقة باي هدف سياسي، ومع ان هذه هي الحقيقة فلا نزال نقدم للمحاكم من دون سبب ومن دون وجه حق، ، ونحن نفهم من هذا انهم يريدون تحطيم وحدتنا وتساندنا، مع ان تساندنا وتعاوننا لا يهدف اية غاية دنيوية او سياسية. وكل ما في الأمر اننا نوقر استاذنا توقيراً كبيراً، لان كل من يقرأ رسائل النور يكتسب ايماناً قوياً واسلاماً قوياً وخلقاً وكمالاً عاليين.
ونحن لانملك الا ان نكنّ لاستاذنا حباً شديداً، وانا مرتبط بمثل هذا الاستاذ وبمثل طلاب رسائل النور هؤلاء بكل جوارحي، ولايمكن لهذا الارتباط ان ينفصم او ينقطع وان شنقت. اننا مع جميع اخواني ابرياء، ونحن نطالب وبكل قوتنا بحرية رسائل النور، وانا اطالب بتبرئة استاذنا الكبير وتبرئة اخواني الابرياء من طلبة النور وتبرئتي كذلك.
مصطفى كول
من اسبارطه
* * *
_____________________
1 هو من الكتاب الاوائل لرسائل النور ومن مواليد قرية "ساو" التابعة لولاية "اسبارطة" ولد سنة 1899، تعرّف بالاستاذ النورسى سنة 1942. انتقل الى رحمة الله سنة 1985.- المترجم.


الشعاع الرابع عشر - ص: 624
دفاع ابراهيم فاقازلي 1
الى محكمة "آفيون" للجنايات الكبرى:
ايها الحكام المحترمون!
ان التهمة الموجهة الينا باطلة اولاً، وتتعلق بالدنيا، فهي سياسية. ولاشك انكم - ايها الحكام المحترمون - قد عرفتم من نظرتكم الاولى لنا باننا لسنا من الذين يعملون في ميدان السياسة، ولو قام المئات من ذوي الصلاحية بتوكيد هذه التهمة السمجة والغريبة عنا، ولو كان عقلي اكبر بمئات المرات من عقلي الحالي لكان التأثير المعنوي الذي تركته لدي رسائل النور ومؤلفه الموقر كافياً لي لكي اهجر لذة السياسة الموقتة والفانية واهرب بكل كياني ووجودي الى الطريق المؤدي الى الآخرة والى الطريق المؤدي الى النجاة من جهنم. ان علاقتنا سواءً أكانت مع مؤلف رسائل النور المبجل واحترامنا له او قراءتنا لرسائل النور واستنساخها او علاقتنا وارتباطنا مع طلاب النور. . هذه العلاقات كلها علاقات اخروية، وقد اقرت محكمة "دنيزلي" للجنايات الكبرى ومحكمة التمييز العليا هذا الأمر وصادقت عليه. وان الافكار التي استلهمناها من رسائل النور تدعونا بالاّ نفرط في هذه العلاقة النورانية وألاّ نستبدلها باي عرض دنيوي ومادي. وسيبقى ايماننا هذا معنا حتى آخر لحظة من اعمارنا.
هيئة المحكمة الموقرة!
ما دمنا قد جُمعنا ها هنا بسبب هذه التهمة المذهلة، فانني ارى ان ضميري وحبي لبلدي يحتمان علي ان ابين لكم هذه الحقيقة المهمة. لقد شاهدت في اوساطنا وفي البيئة التي اعيش فيها مدى الاصلاحات الكبيرة التي انجزتها رسائل النور، وشاهد الناس هذا كذلك، ففي اثناء ما يزيد عن عشر سنوات عرف العديد من الافراد - وانا منهم - الطريق الى بيوتهم والاهتمام بعوائلهم، وتركوا الأمور الشائنة وعرفوا طعم السعادة العائلية. وآباء هؤلاء وامهاتهم يرفعون الآن ايديهم بالدعاء لمن كان السبب
_____________________
1 من مواليد سنة 1910 في ناحية "طاينو بولو" . زار الاستاذ في "قسطمونى" سنة 1941 خدم الايمان عن طريق رسائل النور ومازال على عهده في جهاده الايمانى - المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 625
لمثل هذا التحول، وتستطيعون ان تسمعوا المزيد حول هذا الامر من اهالي ولايتنا وما يجاورها. وعندما دخلت رسائل النور الى سجن "دنيزلي" كان تأثيرها في المسجونين ايجابياً جداً، ولايزال هذا التأثير الايجابي احاديث الناس. وكذلك عندما دخلت الى سجن "افيون" رأيت كل سجين اتحدث معه يدعو لطلاب النور بالخير ويذكر لي الفرق الكبير بين احوالهم السابقة واحوالهم الحالية. . هذه حقائق ملموسة وموجودة امام جميع الانظار. والحقيقة انني استغرب جداً كيف يمكن ان يقال انني اشتغل في ساحة السياسة لمجرد انني قمت بارسال خطابات محبة الى مؤلف رسائل النور المحترم؟ هذه الرسائل التي كانت مفيدة لي ولجميع ابناء جنسي من الناحية الاخلاقية والاجتماعية ومن ناحية الحياة الاخروية لكونها تفسيراً حقيقياً للقرآن الكريم، او لانني قمت بارسال رسائل محبة إسلامية ورسائل سلوان الى بعض مواطني!... وانا اقول وسط هذه الدهشة والاستغراب بانه لايمكن ان يكون هذا العمل موضع تهمة او ذنب. والاحتمال الوارد هنا هو ان اعداء القرآن الكريم - وبالتالي رسائل النور- المتخفين هم الذين نفثوا الاوهام والظنون والخوف منا، في نفوس موظفي جهاز العدل وجهاز الامن لكي يلقوا بنا في غياهب السجون، ولكن سيعرف الحكام المحترمون هذه الحقائق دون شك وسيضعون ايديهم على ضمائرهم لكي يصدروا قراراتهم العادلة التي له ثواب كبير عند الله تعالى.
وسيجعلون الامة التركية المسلمة التي تنتظر هذه القرارات بكل اهتمام في جميع ارجاء هذا الوطن. . ممتنة وشاكرة لهم.
ابراهيم فاقازلي
الموقوف في سجن افيون
* * *


الساعة الآن 11:40 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى