منتدى الإحسان

منتدى الإحسان (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   المكتبة الرقمية (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=24)
-   -   تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=2413)

عبدالقادر حمود 02-26-2009 09:49 AM

تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
:extra138:

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين


:extra159:

قرأتُ لكم كتاب (تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين) للإمام محمد المرعي http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/radeya1.gif:


http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/intro.gif


بِسْم اللَّهِ الرّحمنِ الرَّحِيمْ

صَلّى اللّه على سَيّدنا مُحَمَّدٍ وعلى آله وصَحْبِه سلّم تَسْلِيما.

قال() الشَّيْخُ الفقيهُ الإمامُ العالِمُ العَلَمُ العَلاّمَةُ المدَرّسُ بَقِيَّة المُجْتَهِدين ومُفْتِي المُسْلِمين خطيب الخِلاَفَةِ العَلِيَّة وقاضي الجماعة بالحَضُرَة التونسيّة أَبو عَبْدِ الله محمد بن الشَّيخ التّاجر المَرْعِيّ الوجيه كهن الفُقَراء وعماد الضُّعَفاء أَبي الفَضْللِ قاسِم الرَّصّاع؛ كانَ اللَّهُ تعالى لَهُ في الدَّارَيْننِ وحَشَرنا وإيَّاهُ في زُنْرَة أَوْلياءِ اللَّهِ الصَّالحين:

الحَمْدُ للَّهِ الذَّي فَضّل حبِيْبَهُ بأَنْ قَرن اسْمَهُ باسْمِهِ؛ وشَرَّفَهُ على خَلْقِهِ فأَجَلَّهُ بأَنْ شَقَّ له من أَسمائه ما دَلَّ على كماللِ صِفَتِه ووَسْمِه.

فهو ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ واسِطَةُ عقد أَهْللِ العِرْفان. صَبَّرَهُ مولاهُ قائماً في المَلْككِ بِشرعه وجلاله حتّى سرى سِرُّ سِرّه في الأكوان؛ ورحم به الملكوت برحمتهِ وجَمالِه فظَهر معناهُ المُشْرِق في مجالِيه الحِسَان.

وأَشْهَدُ أن لا إله إلاّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريكَ لهُ شهادة من اعْتَرف بوحدانيّته بالدَّليل والبُرْهان. وأشْهَدُ أَنْ سَيّدنا ومولانا محمَّداً عبدُه ورسولهُ الذي خُلَقَتْ من أَجْلِه جَنَّةُ الرِّضوان. صلى الله عليه وعلى آله صلاةً نبني بها بيْتاً، نَستكِنُّ بها في الشَّدائد ونصلُ بها إلى سُكْنى الجِنان.

ورضي اللَّهُ عن أَصحابهِ الأَنّجُممِ الزّاهرة. والأنوار الفاخرة أهل الرّضا والرِّضَّوان الذين اسْتَمَدُّوا مِنْ أَنوارِه وتَنَعَّمُوا بِطيْببِ أَزْهارِه، فبلغوا إلى جنّة العِرفان، ملؤوا أفئدتهم وأَوصالهم بمحبّته، وتشرّفوا بخدمته، حتّى نطق بمناقبهم القُرآن؛ أَصّلهم مولاهم لِصُحبته، فاختارهم لحبيبه مِن بين خلقه، فكانوا أَنجماً للسائرين إلى الملك الديّان.

عمّم الله أَنوارهم على مَنْ بَعدهم، فورّثوهم ما ورّثهم نبيّهم فتحلّوا باليقين والإتقان، فخرجوا عن عالم المُلك إلى المَلكوت بمشاهدة العيان؛ ومن عالم المَلكوت إلى الجَبروتتِ بقوَّة اليقين والعِرفان. منهم لا يَرون في الوجود شيئاً سوى الملك المعبود، على بصيرةٍ منهم وتبيان. مَنَّ اللّه علينا بمحبّتهم، حتى نكرَع من نَهرهم فَيستنير منّا الجَنَان؛ وعمَر جوارحنا بخدمته وملأ جوانحنا بمحبته حتى نصل إلى الجِنان (2ب).

أمّا بَعد

: فإنّي لما رأيتُ من نفسي الاشتغال بما لا يُغني من المسَائل، ولم نحصل مع كثرة تعبها على طائل، جعلت وسيلة بيني وبين سَيّد الأَوْلِين والآخِرين، وقائد الغُرّ المُحَجَّلين، ما نرجُو به الرّضا والسُّول، وبلُوغ المأمول في الدُّنيا والدِّين.

وقد ألهمني المولى جل جلاله مِنّةً منه وفضلاً إلى شرح بعض أسماء المصطفى، وما وقع من ذلك في كتاب الشِّفا. وقد كنتُ قبل ذلك، أنظرها وأتفهّمها، وأتوسّل إلى الله العظيم في الشّدائد ببركتها.

ثم تَقَوَّى الحبّ في فَهم معناها، فعرَض لي في هٰذا الوقتتِ أن أطلبَ من الله ما نَعُدُّه ذُخراً في الحياة والمعاد، وما نتخذه عند حبيب الله ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ من الجنّة، وتذكير حُبّه في قلوب العباد، وما نرجُو به من المولى العفو والغُفران، وإن كنت كثير السيئات، قليل الزاد.

فأردت أن أشرح أسماءَهُ التي في كتاب الشِّفا، وأذكر اشتقاقها ومعناها، وأذيّل عليها بما يليقُ بمدلولها، وما تشير إليه بفحواها، وما يَصِحّ للمُرِيد أَن يتخلّق به من أسماء المُصطفى، وما ينتهي إليه مقام الكامل من أَهل الصدق والوفا.

وأذكر في هذا الكتاب بياننٍ كلّ اسممٍ رأيتُه فيه، مع ما أضيف إلى ذلك بعد كمال ما في الكتاب، وشرح ما لقحته فيه من فحَوى الخطاب والحامل لي ــــ والله أعلمُ بقصدي ــــ تَشَبُّثي بأذياللِ أسماء حبيب الرحمن، وتشبُّهي بطريق أهل الفلاح والعرفان، وإن كنت صِفراً من الطَاعات، جامعاً لقبيح الأَفعال والسّيئات، فقد ادّخرت الشفيع الأعظم عند الملك الديِّان. أقنَ الله خَوفنا، وغفر ذَنبنا، وستر عَيبنا، وبلّغنا أَملنا بحرمة أسماءِ اللّه الحسنى، وأَسماءِ حبيبه الذي خُلقت من أجله الرضوان." اهـ



فصل


"هذا الفصل أذكرُ فيه مسائل يُحتاج إليها، وفوائد يتأكّد التنبيهُ لطالب الأَسماء عليها، تصلحُ أن تكون مقدّمة بين يدي الأَسماء الكريمة، وعَوناً عليها.

وأختصرُ من الكلام ما لا يَسعُه منهم كثيرٌ من السامعين، وأقصر البسط في العبارة (3أ) فإنّ كثيراً من المُخاطبات لا تغني فيها الإشارة، وخطاب الذكيّ ليس كخطاب الغبيّ، وغالب قصدي في هذا التأليف: تعليم المبتدئين، وشرح ما أَشكل من الأَلفاظِ لأَهل البداية من السّالكين؛ فإن وقع في يَدِ أهلِ الرّمز والإشارة، والفهم الثاقب، وإدراك وجيز العبارة، فلا جَرَم أطلبُ منه طلاقه الوجه وحسن الصّفا، والإغضاءِ عن سَقطات القلم وكمال العفو والوفا.

فنقول، وباللَّه المُستعان، وعليه التّكلان: أَسماءُ رسول الله صلى الله عليه وسلم:

منها ما ورَد في الآيات القُرآنيّة؛ ومنها ما ورد في السنّة النبوية؛ ومنها ما أطلق عليه بإجماع الأُمّة المحمدية.

وقد بَيّن ذلك القاضي أبو الفَضل عياض، رحمه الله، أحْسَن بيان وشَفى الصُّدور بشفائه، وعَمَرها بِمَحبّة حَبيب الرَّحْمن.

وإذا شَرعنا ــــ إن شاء الله ــــ في شرح أسمائه عليه السلام فلا بد من ذكر ما دلّ على صِحّة التسمية له بذلك الاسم، وما دلّ عليه بالمعنى.

ونشرحُ الأَسماء التي سمّاه بها رَبّه جلّ جلاله، واشتقّها له من أسمائه الحُسنى، وأُذيّل على ما أذكر من الأَسماء بما يناسبه، ويجب على المُحِبّ التخلُّقُ به مِن مَعناه؛ أَو يقاربه. وأُطرّزُ الكلام بما يشوق من آثاره، ويحمل الصّادق في المحبّة عند ذكره إِلى اتّعاظه وادّكاره.

وأحذفُ ما فيه غُلوقٌ على أَفهام السّالكين، وأذكر بعض حكايات وآثارٍ وفوائدَ وأشعارٍ من كلام أهل الطّريق، وأَفعال الصالحين، ونطلبُ من اللَّه تعالى العَوْنَ والحِفظ من الخَطأ والزّلل في الاعتقاد، والقول، والعَمل؛ وسميته:

تذكرةَ المُحِبْين في أَسماءِ سيّد المُرسلين:


صلى الله عليه وعلى آله وأَصحابه الخِيرة المُنتخبين، وأزواجه الطّاهرات أُمّهات المؤمنين، صلاةً طيبةً دائمةً إلى يوم الدّين، وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدّين، والحمدُ لله ربّ العالمين.

(3ب) وممّا يُقَوّي رجائي، ويجيبُ ــــ إن شاءَ اللَّهُ ــــ دُعائِي ويلبّي ــــ ببركة هذا النَّبِيّ ــــ طَلِبتي، ويَصْلُح به ما فسدَ مِن نِيَّتي ويُثبني على ما قصَدْتُه من نُصرتي، ويحمل السّامعين على ما يزيدهم محبةً في سيّد المرسلين، ويشوّقُهم في صفات حبيببِ ربّ العالمين، ويُزعجهم إلى خِدمته ونُصرته في كلّ وقت وحين، ما ذكره الفقيهُ المُبارك قارىء هذا الكتاب، الذي يُرجى له من اللَّهِ التّوفيقُ والسَّدادُ والصواب:

أنّ اللَّهَ سُبحانه، أَوْقَف الأَمر في قراءته على ما أَراده بين مكانه ووقته، فعرض للقارىء في ابتداءِ قراءته في يوم الجُمعة ما مَنعه من القِراءة بعد الصَّلاة مانع من اللّه حتى كان ذلك سَبباً لِرؤيةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَتَدُلَّهُ على ما أَراد الله سُبحانه، لأنه يُريد ولا نريد، ولا يكونُ إلاّ ما يُريد." اهـ.



يتبع إن شاء الله تعالى...

عبدالقادر حمود 02-26-2009 07:21 PM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
قال القارىء سَدَّدَهُ اللَّهُ تعالى:

يقول العبد الفقير إلى مولاه، الراجي عفوه ورحماه، منصور، الشَّريفٌ لأُمِّه، بن محمد؛ عُرِفَ بسوس الأَربسي، قارىءُ البخاري بجامع الزّيتونة من تُونس المحروسة.

أنا قائمٌ ليلة السبت الخامسَ لشعبان عام أحد وثمانين وثمان مئة ثُلث اللّيل الآخِر، فكأنّي داخلٌ للجامع، وبيدي تأليفُ الشّيخ الفقيه المعتقد الصّالح أبي عبد الله محمد الرصّاع أبقى الله بركته المسمّى بــــ «تذكرة المحبيّن في أَسماءِ سيّد المُرسلين» أريد قراءته عند التّوابين، فبينما أنا بالقُرب من باب البَهْو أَحدِ أبواب البيت أُريد الدّخول فإذا برجلٍ جَذبني من خَلقي وقال لي: أَين تريد؟
فقلت: له: أُريد أَن أَقرأ هذا الكتاب
فقال لي: أَتقرؤه والنّبي ــــ صلى الله عليه وسلم جالسٌ هناك؟
وأشار إليه فالتفتُّ،. فإِذا النّبيُّ صلى الله عليه وسلم جالسٌ في صَدر المجنبة الشّرقية، حيثُ يُقْرأ كتاب التَّرغيب والترهيب، والصّحابةُ رضي الله عنهم مُحْدْقونَ به صلى الله عليه وسلم، وعَليهم ثيابٌ بيضٌ وعلى رأسه عمامة بالنّقاب، مرتدٍ بإِحرام، طرفُه على رأسِه، وطرفه الآخر على كتفِه الأَيمن.
فأتيت وأنا خَجِلٌ فأشارَ لي بيدهِ المُباركة أَن اجلس؛ فجلستُ بين يديه، فلمّا جلستُ قال صلى الله عليه وسلم: ها هنا ــــ إن شاء الله ــــ المنزل، فنظرتُ (4أ) فإذا إِبهام رجلهِ اليُمنى ظاهِرَةٌ فطأطأتُ عليها وقَبَلْتُها وتقهقرت، فلما جلست قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اِقرأ.
فقلت له: يا رسول الله ما أقرأ؟
قال: إِقرأ القرآن.
قال لي: اقرأ:
حُوْرٌ مَقْصُورَاتٌ في الخِيَام، فَبِأَيّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (الرّحمن: 74-75 )
فقرأُتها وسَكَتّ.
فقال لي: اقرأ: فقلت: وما إِقرأ؟
قال: اقرأ: {..وَالمَلائِكَةُ يَدْخُلُوْنَ عَلَيْهمْ مِنْ كُلّ بَابٍ. سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (الرعد: 23-24)
فقرأتها وسَكتّ.
فقلت له: يا رسول الله ما مَعِنى هذه الآيات؟
قال لي: أَمّا الآيتان الأُولَياننِ فَمعناهما ظاهر؛
وأَمّا الثّالثة: فَمعناها أَنّهم نعصَرُوا اللّهَ سُبْحَانَهُ وتَعالى.
فقلت له: يا رسول الله كيفَ تكونُ نُصرتهم للَّه؟ فقال: نُصرتهم لدينه، والذَّبّ عن شَريعته قولاً، وفِعْلاً، ولساناً وحُساماً؛ وهذا من نصرِ دين اللَّهِ؛ وأَشار بيدِه المُباركة إلى الكتاب المذكُور وهو في يدي، فلمّا سمعتُ منه ذلك سكت.
قال لي: اقرأ.
فشرعتُ في طالعة الكتاب، فأشار لي رجلٌ من الحاضرين: أَن استقبل القِبلة، فتأَدَّبت مع الرَّسُول عليه السّلام لئلا أُعطيه بجنبي، فانْحرَفت قليلاً، فقال صلى الله عليه وسلم؛ قال اللَّه تعالى: {...واجْعَلُوا بُيوتكمْ قِبْلَةً، وأَقِيمُوا الصَّلاةِ، وبَشِرِّ المُؤْمِنِيْنَ} (يونس: 87)
ثم قرأت طالعة الكتاب.
فقلت: يقول العبدُ الفقيرُ إلى ربّه المُعترف بتقصيره، وذنبه الخائف المُشتق من لومه وعتبه، محمّد بن قاسِم الرصّاع؛ ولم أذكر نسبته؛ فقال لي صلى الله عليه وسلم: أَين النِّسبة؟.
فقلت له: يا رسول الله ليستْ مكتوبةً هُنا.
قال: لا بُدّ من ذِكرها، وكَتْبِها.
فقرأتُ بين يديه طالعةَ الكتاب وخُطبته، فلما انتهيت إلى قول المؤلف «وسَمَّيْتُه بِتَذكرة المُحِبّين في أسماءِ سَيّد المُرْسَلين، وقرأتُ الدُّعاءَ الّذي بَعْدَهُ، فأشارَ لي الرجلُ المذكورُ بيده؛ أَن اسْكُتْ فسَكتّ.
فقام النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما قام سألتُ رجلاً من الجُلوس، مَن الّذي يُشير بيده؟.
قال: هو الزُّبير (4ب) بن العَوّام، وقال لي: هل تعرفُ الرَّجُلِ الّذي رَدَّكَ عن دُخول البيت؟
قلت: لا؛
قال لي: ذلك الشيّخ أَبُو محمّد المَرْجانِي.
وانتبهت وأَنا أبكي، وشعلتُ القِنديل فِي الحين والوَقت، ونظرتُ نسبة المؤلّف هل هي مكتوبة أَم لا، فلم أَجِدْها مكتوبةً، وباللّه ما عرفتُ قبل ذلك هي مكتوبةٌ أَم لا، وألحقتُها بَعْدَ ذلك في الكتاب.

ورؤبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صِفته المعلومة حقّ، وكلامُه صِدق. وقد قال ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ: مَن رآني فَقَدْ رآني حَقّاً، فإِنَّ الشَّيطانَ لا يَتمثَّلُ بصُورتي».

ونرجُو من اللّه سبحانه بذلك إن شاءَ اللَّهُ القَبُول، وبلوغ المَأمول وكذلكَ نرجُو لِمُحِبّهِ مولانا الإمام الملك الهُمام المُرْتَضى لإِيالةِ الإِسلام؛ كان الله له ومعه على مَرّ الَّيالي والأَيّام، وغفَر لنا وسامَحنا، ولطفَ بنا وبعبادهِ المُؤمنين بحرمة سَيّد المِرسلين http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif " اهـ.

فوائد


"الأُولى: سِرُّ تعدّد أَسمائه عليه الصلاة والسلام تعظيمُ منزلته، وبيان قدره عند رَبّه؛ لأن العَرب إذا عَظّمَتْ أَمراً في نُفوسها كَثَّرتْ من أَسمائه، ولا أَعظم عند اللَّه تَعالى من حبيبه المُصطفى، وصفيّه المجتبى؛ فَحَلَّده الله سُبحانه بصفات الكمال تعظيماً له في النُّفوس، و(تنبيهاً) للخلائق على مكانته عند المَلِك القُدُّوس. فصارت تلك الأوصاف، لكثرة إطلاقها على نَبِيّنا صلى الله عليه وسلم أَسماءً وألقاباً. وادّخر المولى ــــ جلّ جلاله ــــ لتاليها، وحافِظها في الجَنّة {عُرُباً أَتْرَاباً} (الواقعة - 37)
.
فادّخِرْ أيُّها المُحْبُّ عند الله سبحانه محبّته، ومتّعْ نَظرك ذاكراً أسماء وصِفَته، وتأدّبْ عند ذكر أَسماءِ حبيببِ اللّه بما أدّب سُبحانه به العِبَاد، وكنْ مستغرقَ القَلب، سابِحاً في بحارَ ما دَلّ عليه كُلُّ اسممٍ من كمال فضلِه عند ربّه، فليسَ لِكَرمهِ عند اللّه نَفادِ.

وصِلْ كُلّ اسمٍ بالصِلاَّةِ عَليه، سائلاً له من اللَّه الشَّرف، والوسيلةَ والدرّجة الرفيعة تَنلْ شفاعَته يومَ المَعاد." اهـ.


الفائدة الثانية:

"ينبغي لذاكرِ أسمائهِ عليه أفضلُ الصّلاة والسلام، أن يكون على أفضل حال ونظام، لأنّ الرحمةَ (5أ) نازلةٌ عند ذكره عليه السَّلام. فإنَّ الصّالحين إِذا ذُكرت أسماؤهم نزلت الرّحمةُ على الذّاكرين، ورُفع ذِكرهم في رياض الجنّة للمُحْبّين.

وسيّدُنا ومولانا محمّد ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ هو رأسُ الصّالحين، وتاجُ العارفين، فلا تغْفَل عن الدُّعاء إذا ذُكِرَ اسْمُه، وصَلٌ عليه فإنّها ساعةُ إجابة، سيّما إن كان من ذاكرِه وقارٌ وسكينةٌ وخضوعٌ إلى اللّه وإنابة.

وتذكّر قول الشيخ ولي الله تعالى أَبي سُلَيْمان الدّاراني رحمه الله، ونفَع به: إذا كانت لك حاجةٌ فابدأ فيها بالصّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ادْعُ بما شئت، ثم اختم بالصّلاة عَليه صلى الله عليه وسلم، فإنّ الله سبحانه وتعالى بكرمه يَقْبَلُ الصّلاتين. وهو أكرم من أن يدَع ما بينهما. وقد وقفتُ عليهِ حَدِيثاً كذلك.

ولعل الشيخ رحمه الله، أشار إلى أن العبد مفتقرٌ دائماً إلى مولاه، لا يخلُو من حاجةٍ إلى المفتقر إليه، إذ لا يجدُ ناصراً سواه. قال عزّ من قائل : {يا أَيُّها النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَراءُ إلى اللَّهِ} (فاطر 15)
.
فإذا كان العبدُ كذلك، فإنّه حَرِيٌّ بأنْ يكونَ في جميع أحواله ذاكراً لربّه مُصَلّياً على نبيّه، داعياً إلى اللَّهِ سُبحانه بين صلواتِه، راغباً إليه فيما يسألْه من حاجاته، بتذلّلٍ وخْضوعٍ وإنابةٍ مُوقناً في ذلك بالإجابة، واقفاً بباب الجواد الكريم، متوسلاً إليه بالشّفيع العظيم، سائلاً من فضلهِ العَمِيم، فلعلّ أرحمَ الرّاحمين، أن يَمُنّ علَينا بِحُسن القَبُول، وبلوغ المأمول.

ولذا جاءَ رضي الله عنه بــــ (إذا) الشَّرطية مكانَ (إنْ) لأنَّ الحاجة إلى الله تعالى مُحَقّقة لكلّ حادثٍ في جَمِيع الأَزْمان، والافتقار إليه هو سِمَةُ العالَم فَضْلاً عن شخص الإِنسان.

ونَزّهْ أَيُّها المحبّ أَسماءَهُ صلى الله عليه وسلم، أَنْ تحلُّ في الإِمكنة الخبيثة، وأَن تَرِدَ على القُلوب القَاسية الذّميمة، فإنّ من أَسمائه: الطَّيّب، الطّاهر؛ تنبيهاً للغافلين، وتذكيراً للعالَمِين أَن يبجّلوه، ويذكروه بمكان (5ب) طاهرٍ، ولسان صادق وقلب تقيّ حاضر.

وبالجُملة فعلى قدر المحَبّة في المَحْبُوب، يكونُ تبجيلُه وتوقيرُه والخُضوع له عند ذِكره كما لو كان حيّاً، وهو بينَ يديه حَياءً وهيبة وإجلالاً لِقَدْره، عالماً له أَنَّ حُرمته بعد مماتِه، كَحُرمته في مُدّةِ حَياته.

وربّما بلغت المَحبّةُ من المُحِب إلى أنْ صار ينزّه ذكره عن لسان الذّاكر تنزيهاً للاسم الشّريفِ عن حُلولهِ في لسانِه، وتعظيماً له أَن يكونَ هذا المحلّ من مكانه.

وربّما غَلب الحبُّ فيه ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ والتعظيم والإجلال له، ورسَخت هيبَتُهُ في القلب منشأ عنها للمحبّ أحوال.

كان عبد الله بن مَسعود ــــ رضي الله عنه، وأَرضاه ــــ من أشدّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ــــ تَعظيماً له.

قال حُذَيفَةُ رضي الله عنه: هو أقْرَبُ النّاس هدياً وسِمَةً ودلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شديدَ الخوف من اللّه تعالى، كثيرَ التّعظيم لرسوله، ولاسم رَسُوله الكريم، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

قال بعضُهم: إنّي حضرتُ عنده سنةٌ فَما سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وَرَعاً منه وحَياءً ومَهابةً لِهذا النبي الشريف، إلاّ أَنّه حَدّت ذات يوم بحديث، فجَرى على لسانه «قال رسول الله»، فَعلَده الكَرْبُ، حتّى رأَيتُ العَرَق يتحدّرُ من جبهته.

فيا أخي أين أيماننا من إيمان هؤلاء السادة العظام، وأين محبَّتُنا من مَحبّة هؤلاء الأَحبّةِ الكرام. لأمرٍ مّا قال فيهم سَيّد الأولين والآخِرين، وقائدُ الغُرّ المُحّجِلين، وأَبْلَغَ، وأَسْمَعَ، وقَطع أَوهام من يتوهّم، الوصول إلى بعض فَضائلهم بكلام تامّ أَجْمَع، وصارتْ عقيدةُ أَهل السِنّة بِذلكَ، مِلَّةً حنيفةً نظيفة: «لو أَنْفَق أحدهم مثلَ أُحُدٍ ما بلَغ مُدَّ أَحدهم ولا نَصِيْفَه»." اهـ.


يتبع إن شاء الله تعالى مع الفائدة الثالثة...

عبدالقادر حمود 03-07-2009 10:30 PM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
"الفائدة الثالثة:

من علاماتتِ محبّته عليه السّلام وتعظيمه، المبادَرةُ عند سَماع ذِكر اسمهِ أو رُؤيته بتكريمهِ، وتقبيل المكتوب الّذي اشتمل عليه اسْمُه وتوقيرُه (6أ) وتعزيرُه كما يُوَقّرُ محلَّ حلولهِ ورَسْمُه.

يُحكى أنّ رجلاً كان من بني إسرائيل في زمن موسى عليه السلام، وكان الرجلُ مُسْرِفاً على نَفْسِهِ، لم يعملْ خَيْراً قطُّ، مشهوراً بينهم بالمخالفات مستشيناً بقبيح الفِعَال والسّيئات، فَرْئِي في المنام بعد مَوتهِ على أحسننِ حالٍ وأكمله، وأحسنِ صورةٍ في كمالِ نظر ومنظر وأَجمله.

فقيل له: من أينَ لكَ هذا الزَّيْن، وهذا الحُسن والجمال وقد كنت شَيْئاً بخبائث الأَفعال، فقيراً من صَالح الأعمال؟

فقال، لأَنّي فتحتُ التَّوراةَ ذاتَ يوم فوجدتُ فيها صفة حبيب اللّه: محمّد بن عبد الله؛ فَقبّلْتُ اسْمَهُ، ووضعْتُه على رأسي، فعاملني المولى جلّ جلالُه بفضلِه، وغفرَ لي، ورَحمني لمحبْتي، إكراماً وإجلالاً لنبيّه، وحبيبه، وعبده.

فتذكّرْ أَيُّها المُحِبّ، تعظيمَ المولى ــــ جلّ جلالهُ ــــ لمقدارِ هذا النبيّ العَظيم، وما أَعدّ اللَّه سُبحانه لمن يحبُّه ويُعَظّمه، من الخَير الجَسِيم. ضاعف الله حُبّنا فيه بفضله، وأَفاضَ علينا من بَركته، وجزيل مَنّهِ ويَنْلِه." اهـ.



الفائدة الرابعة:

إذا وجدتَ اسمَهُ منبوذاً في الطُّرقات، أَو ملقًى في سِكَككِ الأَزقّات، فبادرْ فَوراً إلى نقلِه، وزوالِه، وأَنِلْهُ ذُروة العِز عندك من تعظيمه وإجلاله، لأَنّ شرفَ الاسم على قَدرِ شرفِ مُسَمّاه؛ ولا أَشرفَ مِمّن أَعلى اللَّهُ ذِكره على جميع خلقه وأسماه. وإن نالَ ذلك المكتوبَ شيء ممّا يُكرَهُ من الأَقذار، فيجبُ عليكَ غَسْلُه وتطهيرُه، وتطييبه وتنويره بما أمكن من الأَنوار.

وكثيراً ما يقعُ في هذه الأَزمان من تمكّن المَحبّة، والحمد لله في قلوبِ الإخوان، إذا رأوا المحبوبَ ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ لعلاّم الغيوب في مَنامِهم بمكان، طهّروا ذلكَ المكان، وأحْسَنُوا حاله بأتمّ إحسان، وحَملُوا المؤمنين على تعظيمه في جميعِ الأَزمان وهذا يدلُّ على حُسن الاعتقاد، وكمال المحبّة، وصدق الوداد.

ولكنْ ربّما غفَل الرّائي بجهلِه عن مقامِ المُصطفى، وما يجبُ له من كمال البِرّ والوَفا (6ب). فإنّه عليه السلام لا يُرى إلاّ على كمللِ صورة، وأحسنِ هيئة، وخيرِ مَكان.

ونصوصُ العلماء في ذلك مشهورة.

ويكونُ الرّائي عالماً بصفاتِه عارفاً بسِمَاته، وإنْ رُئي على غيرِ أَوصافِه، فذلك لنقصٍ في دين الرّائي، وأَوصافِه.

فينبغي لكَ إذا رأيتَ اسْمَهُ في مكانٍ أن تحمَيه من الآفات، وعلى قَدْرِ قوّة الحب في قلبك، يكونُ إسراعُك في مَحْو تلك السّيئات. وابْتَغِ بذلك مَحبّته، فإنّ مقامَهُ عندَ مولاه عظيم؛ واطلبْ من الله سبحانَهُ الثّوابَ في إكرامِه، فإنّ فضلَ مولانا عميم.

واستحضرْ كما رواه جعفر الصّادق عن أبيه عن الحُسَين بن علي؛ رضي الله عنهم أَجمعين، أَنَّهُ دَخلَ ذاتَ يومٍ الخلاء فوجدَ فيه كسرةً من خُبز، فأخذها وغَسلها، وناولَها لعبدِه، وقال له: ذكّرْني إذا خرجتُ وفَرغت. فَلمّا فَرغ من شُغله، قال لعبده: أين الكِسرة؟. قال العبدُ لسيّده: إني أَكَلْتُها. فقال له سيّده: أنتَ حُرٌّ لِلَّهِ تَعالى. فقل العبدُ له: يا مولاي، لأيّ شيءٍ أَعْتَقتني؟. قال السيّد: حَدَّثَتْنِي أُميّ فاطمة، عن أبيها جَدّي محمد ــــ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «مَنْ دَخل خلاءً أو مِرحاضاً، فوجدَ فيه كسرةً أو لُقمةً فغَسلها، وأحسنَ غَسْلَها وطيَّبَها، ثم أكلَها، غَفر الله له ذنوبه كُلّها». فأنْتَ أيها العبدُ مغفورٌ لك؛ فكرهتُ أن أَملكَ رَجُلاً من أهلِ الجَنّة؛ فأعتقتك.

لذلك فاقْتَدِ ــــ أيُّها الطالبُ للمحبّةِ ــــ بهذه الآثار، واقتطفْ من هذه السُّلالة الكريمة مشمُوماً من الأَزهار، فإذا كانَ هذا الكَرَمُ لمن أحْيَ ما تقومُ به الأَجسادُ والأَبدانُ، فكيفَ بِمَنْ أَحيى، وحَمى اسم مَن قامت برحمته الأرواح والأكوان، وقد قال عليه السَّلام:
«من أَحْيى سُنَّةً من سْنْتي قد أُميتت، فكأنّما أَحيانِي ومَنْ أَحْياني كانَ مَعِي في الجَنّة».

وإذا كان هذا الثّواب في إحياءِ السُّنّة إكراماً لها فكيف بِمَنْ كرَّم أسماءَهُ، وحَفِظها، وعَظّمها؟.

وربما كان بعضُ الصالحين يبتلعُ المكتوبَ الذي فيه الأسماءُ الشَّريفة كأَسمائِه تعالى، وأسماءِ رُسله ــــ عليهم السَّلام ــــ ويرون أنّ ذلك من كمال التّعظيم (7أ).

قاصداً بذلك فضلَ ثَوابِ اللَّهِ تَعالى، وإكرامه، وخيره العميم، وَأبوابُ الخير كثيرة، وقد وَسِعَها اللَّهُ تعالىُ رحمةً منه بأهل المخالفات، فمن كَرَمِه وَجُودِه، أَنْ قال جلّ جلاله:
{ إِنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ} (هود 114) " اهـ.



الفائدة الخامسة:

من كمال محبّته، وبرّه وتعظيمه، ومحبّة أَسمائه، التسميةُ بما يجوز لنا أن تسمّى به منها، وكثرة ذلك، وتوقيرُ من سُمّيَ بها والسلوك به أحسنَ المسالك، والحذرُ من نداءِ ذلك الاسم وخطابه بقبيح الكلام، تعظيماً لمن تسّمى به عليه أَفضل الصلاة والسلام.

وقد ذكر لي بعض الشُّيوخ الفُضَلاء، والجهابذة النبلاء عن بعض العَلماء من أَهل تِلمسان، المتخلّقين بالعلم، المُمتثلين لآداب الرحمن، أنه كان سمّى ولداً له باسم أبيه، وكان يَستحيي إذا عَرضت له حاجةٌ عنده أَن يناديه، كراهةَ أن يذكرَ اسم والده بلفظه، ويرى أَنّ ذلك عنده منقصةٌ لقدره، ولحظّه.

فإذا كان هذا السيّد يرى أنْ هذا الأَدب مع والده مطلوب فكيف لا يرى أنّ فعل هذا مع من تَسمّى باسم حبيب اللَّه محبوب مَرغوب؟ فالمحبَّةُ الصّادقة الفائقة إذا تحكّمت في القلوب ربّما تفطّر القلبُ منها عند سَماع ذكرِ المحبوب.

وربّما كان بعض المحبين إذا سمع نداءَ من تَسَّمى باسم الحبيب ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ لأَنْ يذكر اسمه المسمّى به، اشتقاق قلب المحبّ إليه، فتعيّنت الصَّلاةُ عليه عند ذكره، وإلاّ كانَ بخيلاً، وكان مَذْمُوماً على بُخله بها ذَمّاً طويلاً.

ولا شك أَنْ تارك الصّلاة عليه عند ذكره أبخل من مادِر ولا يصدرُ مثل ذلك قاصداً له إلاّ من جاحد.

وسنذكر مع بعض من أسمائه عليه السلام ــــ إن شاء الله تعالى ــــ ما يجوز منه التّسمية به منها، وما لا يجوزُ، وأنّ مَنْ تَسمَّى ببعض أَسمائِه حقّ له في الدّنيا والآخرة أَن يفوز." اهـ.

عبدالقادر حمود 03-07-2009 10:33 PM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
الفائدة السادسة:

كثيراً ما يصدر على ألسَنة المؤمنين من الصّلاة على سيّد المرسلين إذا سمعوا قارئاً يقول: قال محمّد بن المُنكدر، أو قال: محمد بن الحسن فيقولون (7ب) عند ذلك ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ اعتقاداً منهم من أول السَّماع أنّ مرادَ القارىء اسم المصطفى، فيبتدرون بالصلاة من قلوبٍ تدلُّ على كمال المحبّة والصَّفا.

فإذا تحقّقوا أنّ مرادَ القارىء خلافْ المراد، ربّما خَجل السامع لكونه لم يطابق الاعتقاد، فكأنّ صلاته لم يَصَنْعها محلّها، أو كأنه لم يبلغ هديُها محلّها.

وعندي أن الله ــــ سبحانه ــــ لا يضيّعُ لهذا المصلّي أَجراً، بل بِكَرَمِه وجُوده يضَعُ عَنْهُ بِصَلاتهِ إصْراً، ويُسكنه بفضله جَنّة المأوى لقول حبيبه عليه الصَّلاةُ والسَّلام: «إنّما الأَعمالُ بالنيّات وإنَّما لِكُل امرىءٍ ما نَوى»

فلنقتصر عن التّطويل، ونغتن الفضل والثّواب ممّا نويت في هذا التأليف من الربّ الجليل.

وقد شرعْتُ في بْحارٍ مع أني لا دارية لي بالعَوْم، لكنْ غلبني الحُبّ، وندب نفسي في تشبّهها بالقوَم. عن أَنس بن مالك رضي الله عنه أَنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرءُ معَ مَن أحَبّ» قال: أنا أُحبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ــــ وأبا بكر وعُمر رضي الله عنهما، وأَرجو أَن أكونَ معهم.

وأتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إن الرجل يحب الرجل على العمل من الخير، يعمل به، ولا يعمل مثله. فقال عليه الصلاة السلام: «المرء مع مَنْ أحب».

ومثل أنس رضي الله عنه وغيره من أصحابه عليه السلام يرجو أن يكون مع أصحابه لوقوفهم عند حده، واتّباع طريقه وهديه.

ومثلي وأَنظاري، لا تصدق فيه المحبة الحقيقية، لكنها نافعة ــــ إن شاء الله ــــ بمنه وفضله، موصلة إلى رضا الله، وبَذله

وذكر القشيري ــــ رحمه الله ــــ في كتابه قال: "يحكى عن بعضهم أنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وحوله جماعة من الفُقَراء، فبينا هم كذلك، إذ نزل من السماء ملكان، بيد أحدهما طست، وبيد الآخر إبريق، فوضعا الطست بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسل يده الكريمة، ثم أَمرهما حتى غَسلا أيديهما، ثم وضعا الطست بين يدي، ثم قال أَحدُهما للآخر لا تَصُبّ عليه (8أ) فإنه ليس منهم. فقلت يا رسول الله: قد ورَد عنك، أَنّك قلت: «المرءُ مع مَنْ أحب» قال: صَدق الراوي. فقلت: فأنا أُحبك، وأُحبّ هؤلاء الفقراء. فقال عليه الصلاة والسلام: صُبّ على يديه فإنّه منهم

وأنشدوا في محبتهم:




تهبُّ لنا مِنْ نحوهم نَفَحاتُ = فَتُعْرِبُ عَنَّا بالهَوى حَرَكاتُ
ونَطْرَبُ أنْ غَنّى الحَدَاةُ بذكرِكُمْ = فَلِمْ لا، وأَنَتُمْ لِلطَّرِيْق هُداةُ؟
أَأَحبابنا كيفَ الطّريقُ إليكمُ = وقد قَطعتنا عنكم الشَّهَواتُ؟



رزقنا الله محبَّتهم، ومحَّبَّة أنبيائهِ، وأعانَنا على طاعَتهِ، وعلى القيام بحقّ أَوْلِيائِه." اهـ.

عبدالقادر حمود 03-07-2009 10:35 PM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
بابٌ

في مَعْنى اسْمِه

مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَليه وسلّم وشَرّف وكَرّم ومَجّد وعظّم



"محمد اسمٌ من أسمائه عليه السّلام، ورَدت به الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وأَجمعت عليه الأمّة المحمّديّة؛ أما القرآن فقد قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} (الفتح -29)
.
وقال عَزَّ مِنْ قائل: {وَالَّذِيْنَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتتِ، وآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الحَقُّ مِنَّ ربِّهِمْ كَفِّرَ عَنْهُمْ سيئاتِهِمْ وأَصْلَحَ بالَهُمْ} (محمّد -2)
.
وقال سُبحانه: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ، ولكِنْ رَسُوْلَ اللَّهِ، وَخَاتَمَ النَّبِيِّيْنَ} (الأحزاب - 33)
.
وقال جلّ جلاله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (آل عمران -14}
.
فهذه الآيات كلها من ربّ العزة، قد صرّحت بهذا الاسم الشريف ودلّت على العناية الرّبانية به من الرَّبِّ اللَّطيف، فأسنَد الحكم بالرسالة إليه وتعيّنت عَلَمِيّته، واختصاصُه بالتّسمية في الوجود، وأُخبر الحاضرون عن معلومهم بأنّه رسولُ الإله الملك المعبُود.

وأمّا الأحاديثُ النبويّة فكثيرةٌ لا تُحْصَى، وورود هذا الاسم في الكلام النَّبوي لا يُحاطَ به، ولا يُسْتقْصى.

رَوينا من طرقٍ كثيرةٍ، في كُتببٍ مرويّةٍ من البُخاري، ومُسلم، والنَّسائي ما يَنتهي إسنادُه إلى محمّد بن جُبَير بن مُطعم، وغيره قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لي خَمْسَةُ أَسْمَاء، أنا مُحَمَّد، وأَنا أَحْمَد، وأنا المَاحِي الذي يمحُو الله بي الكُفر، وأنا الحاشِر (8ب) الذي يَحشر اللَّهُ النّاسَ على قَدمِي، وأنا العَاقِب».

وقد رُوي عنه عليه السلام أنه قال: «لي عشرة أسماء..» فذكر الخَمسة ثمّ قال «... أنا رسُول الرَّحمة، ورسولُ الرَّاحة، ورسولُ المَلاحِم، وأنا المُقْتَفِي، وأنا قُثَم».

ورُوي أَيضاً في بعض الأَحاديث «لي في القُرآن سَبعةُ أَسماء فذكَر منها محمّداً، وأَحمَد، ويس، وطه، والمدّثر، والمزَّمِّل، وعبد الله».

وسنتكلّم ــــ إن شاء اللّه ــــ على كل اسم منها في بابه. والذي يجب التنبيه عليه هنا، أنّ هذه الأَحاديث لا تَعارُضَ فيها: إمّا أن نقول: العدد لا مفهومَ له، أو يُقال: إنه عليه السلام حيث قال: «لي خمسة أسماء...» لم تكن له في ذلك الزمان إلاّ تلك الخمسة الأَسماء؛ ثم بعد ذلك أَعلمه اللَّه سبحانه بأن له أَسماءً غيرَها، وأظهر له ثانياً ما لم يظهر له أولاً من الأسماء.

وقيل معنى قوله عليه السلام: «لي خمسة أسماء...» أنها موجودة في الكتب المتقدمة، وعند أُولي العِلم من الأُمم السّابقة.

وأما إجماعُ الأُمّة المحمّديّة، فقد أجمعت الخلائقُ أنَّ هذا الاسم لم يتسمَّ به أَحدٌ غير نبيّنا ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ لا من العرب، ولا من غيرها، إلى أنْ شاعَ قبلَ وجودِه عليه السلام وقبل ميلاده، أَنّ نبيّاً يُبعث اسمُه «محمد» فَسمَّى قومٌ قليلون من العربِ أبناءَهم بذلك رجاءَ أن يكونَ أحدهم هو.

وقد، منع اللّه أن يُسَمَّى به أهل أرضهِ قبل وجودِه وسماواته، وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْث يجعلُ رِسَالاتِه، ومن تَسمَّى بذلك من العرب معدودون إما سبعة، أو ما قاربها، وهذا من حِكمة اللَّه تعالى، وكمال رحمته في كونه، حمى الخلائق أن يتسَمَّوا بهذا الاسم، قبل وجود نبيّنا محمد ــــ صلى الله عليه وسلم، حتى لا يدخلَ على ضعيف القلببِ شكٌّ، ولا يماذجَ أَحداً فيه ريب.

ومن كرامات اللّه بهِ، أنّ مَنْ تسمّى بذلك طمعاً في النبوءة، لم يَدّع نبوءة، ولم تُدَّعَ له، ولم يتشكّك في ذلك أحدٌ منهم حتى (9أ) تحقّقت الرسالة والنبوءة لمن خصَّه المولى جلّ جلالُه بكماللِ الاصطِفاء. وسَمّاه الرؤوف الرحيم، وظهر للعالم فيه مصداق قوله تعالى: { يَخْتَصُّ بِرَحْمتِهِ مَن يَشَّاءُ واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيْمِ} (آل عمران: 74)

لا إله إلاّ هو الرّبُّ الكريم.

وهذا الاسم الأكرمُ، على وزن مُفَعَّل، من الحَمْد؛ وأصْلُ فِعله حَمّدته تحميداً أي بالغتُ في حَمْدِه والثناء عليه. فإنّ الزيادةَ في المبنى تدلُّ على الزيادة في المعنى، فلفظ محمّد: اسمٌ مأخوذ من حُمِدَ، بمعنى أنه جَعله محموداً بكل لسان، مذكوراً في كل أوان، حَمِدَه الأَوّلون والآخرون، وأَثْنَتْ عليه الملائكة المقرَّبون، ونطقت عند مشاهدةِ نوره بحمده أَلْسُنُ الأكوان، وتَزَخْرَفَت بجميل ثنائه في العالم النَّضْرَةُ الحِسَان، وعجزت جَهابِذةُ البُلَغاء عن ذكر وصفِه بعد أنْ عَظَّمَ خلقَه مَنْ على الوجود بصفته وهو الواحد المنّان.

فهو ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ أَجلُّ مَنْ حَمَدَ، وأَفْضَلُ مَنْ حُمِد؛ وهو أحْمَدُ المحمودين، وأحْمَدُ الحامدين. فحقيقٌ أنْ سمّاه ربُّه محمّداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً سلاماً مؤبداً. " اهـ.


فصل



"ما ذكرته أنّ الله تعالى هو المسمَّي له محمداً ــــ صلى الله عليه وسلم وهو المقطوع به من اعتناء مولاه له، وهو المنقول في سِيره عليه السّلام.

رُوي من طريق أبي جعفر محمد بن عليّ، من طريق ابن سعد قال: أُمرت آمنة وهي حامل برسول الله صلى الله عليه وسلم ــــ أن تُسَمّيه أحمد.

وروى ابنُ إسحاق أنّها سمعت، حين حَملت به، قائلاً يقول لها: إِنك حملتتِ بسيّد هذه الأُمَّة. وفيه: إذا وضعْتِه فِسمته محمداً. فالآثارُ الكثيرة دالّة على أنّ الاسم الكريم، اختاره له ربَّه، وخصَّه بهِ وشهَره به في أرضِه، فكان اسمه فيها محمداً؛ وجعل اسمه في السماء أحمد، وجعل اسمه في البحار الماحي.

ويُروى أن آدم عليه السلام، سأل ربه عز وجل: لأيّ شيءٍ سمّيته في الأرض محمّداً وفي السماء أحمد (9ب) فأجابه ربّ العزة: لأنّ أهل المشرق والمغرب يتبعونه، ويحمدونه ويثنون عليه، فسميَّتُهُ في الأَرض محمّداً، وأهل السّماء من الملائكة قد حمدوا ربّهم، وأثنوا عليه. فكان محمد ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ أَحْمَدُهم لربة فَسُمّي في السماءِ أحمد.

وكذا وجدتُه في بعض الآثار، ومشهور الإِخبار، أن اسمه في السَّماء أحمد، وفي الأرض محمدٌ، وفي البحار الماحي، وآدم عليه السّلام سأل عن سرّ تسمية نبينا ومولانا محمّد صلى الله عليه وسلم بالأسمين الشريفين في الأرض والسَّماء.

وأجابَ ربّ العزة، جل جلاله العالمُ بخفيّات الأمور بجوابٍ شَفى به الصدور؛ ولم يسألة آدم عليه السلام عن تخصيص اسمه (الماحي في البحار)، مع أنَّ الأثر الذي يسأل عن تخصيصه به موجودٌ فيه: (في البحار).

ولعلّ آدم عليه الصَّلاة والسَّلامَ رآه أمراً بيّناً، جليّاً، وفهم معناه، وكان عنده مَرْضِيّاً، في بعض الرّوايات بقوله: «الذي يَمْحُو بي اللَّه الكفر»، وظهر لي جوابٌ ــــ فتَح اللّه به ــــ في تخصيصه بالماحي في البحار، أذكره ــــ إن شاء الله ــــ في اسمه الماحي ــــ صلى الله عليه وسلم. " اهـ.




وصاحب الاكتفا ــــ رحمه الله ــــ قال: يُروى أنّ عبد المطلب إنّما سمّاه محمّداً لرؤيا ــــ زَعموا أنّه رآها في منامه ــــ: كأنّ سلسلة من فضّةٍ خَرجت من ظهره لها طرفٌ في السَّماء، وطرفٌ في الأرض، وطرفٌ في المشرق وطرفٌ في المغرب، ثم عادت وكأَنها شَجرة على كلّ ورقة منها نُور، وإذا أهلُ المشرق والمغرب يتعلّقون بها. فقصَّها، فَفُسَّرت له لمولود من صُلْبِه يتبعُه أَهلُ المَشْرِق والمَغْرِب، ويحمده أهلُ السَّماء والأَرض، فلذا سماه محمداً، مع ما حَدَّثت به آمنة أُمَّه.

وهذا الخبر، وإن كانَ بظاهِره يُخالفُ ما ذكرناه أوّلاً فالجمع فيه قريب؛ وذلك أنَّ الألطاف الربّانيّة من ربّ الأرباب بهذا النبي من الأمر العجيب، فجرت معه خوارق العادات، ونَطقت عند بروز هذا النّور إلى الأرض الأكوانُ وظهرت، وأنْطَق اللَّهُ الملائكة، وأَنزلها (10أ) إلى الأرض اعْتناءً بحبيبه، وأظهر من أَجْله الكَرامات، فسمعت أُمّه ما حقّقت به أنه سيّد الأرض والسَّماوات، ولذا قالت لِحليمة لما قدمت به عليها، وخافت عليه أن يناله شيء لديها وأرادت رده إليها: أنَكِ خفْتتِ على ولدي من الشَّيطان، لا والله ليسَ للشيطان على ولدي سبيل، فإنّي رأيتُ عند حملي به ووضعه ما دلّني على أنه سيّد المخلوقات. فحققت أُمّه الأَمر بهذه التسمية له أنها من الله، وأَلهم ذلك ــــ سبحانه ــــ جَدّه عبد المطلب، فطابقَ ما عنده من النّظر ما سمّاه به ربّه ربّ البريّات
." اهـ



ابوعبدالله 03-08-2009 02:42 AM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
شكرا لكم اخي الحسيني لهذه الفوائد

عبدالقادر حمود 03-11-2009 04:01 PM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوعبدالله (المشاركة 15366)
شكرا لكم اخي الحسيني لهذه الفوائد


العفو سيدي ابو عبدالله مرور كريم

عبدالقادر حمود 03-11-2009 04:07 PM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
فصل



"قال خادمُ السنّةِ، وأفضلُ من نصح بعد الصحابة والتابعين هذه الأُمّة القاضي أَبو الفضل عِياضٌ رحمه الله، ونفع به: إن هذا الاسم مشتقٌ من أسمائه سُبحانه، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم محمّداً. وأَحمد بمعنى محمود؛ أي يَحْمَدُه الأَنام، وكذا وقع اسمه في زبُور داوود ــــ عليه السلام ــــ وأحمد بمعنى أكبرُ مَنْ حُمِد، وأجلَّ مَن حُمِد.

وقد أشار إلى هذا حسّان بقوله رضي الله عنه:



وَشَقَّ لهَ مِن اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ = فَذُو العَرْشِ مَحمودٌ وهذا مُحَمَّدٌ
وذكر قبل هذا كلاماً في فضل الأسماء، يصلح ذكره في باب اسمه أحمد ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ.
ولقد أبْدَع حسّان بن ثابت ــــ رضي الله عنه في هذا الثَّنَاءِ على حبيب اللّه ورسولِه، صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (فَذُو العرش محمودٌ وهذا محمَّد)؛ أَي: فخالق العرش ــــ الذي هو أعظم المخلوقات ــــ بل: خالقُ العالم بأَسره: الأَرَضِيْن والسماوات، الموصوف بكونه في ذاتِه وصفاته حَمِيْداً محموداً، القائمْ بِنفسِه، المُستغني عن خَلقه، الباقي بعد فناءِ خَلقه، مع كونِه يومَ القيامة لهم معيداً، قد شَقّ سبحانه من أسمائِه الحُسنى، ما سمَّى به تاج العارفين، وبالغ في حمده، لأنّه سيّد ما خَلق من المَحْمُودين، فيه إشارةٌ، وتنبيهٌ وإعلامٌ لأهللِ الوجود أَن يُكثروا من حَمْدِه، والثّناءِ عليه، ويُبالغوا (10ب) في الثّناء عليه، ويَبْذُلوا من أنفسهم المجهودَ ويصفوهُ بصفاتِ الكمال، وأَشرفِ المَعاني وأفضلِ الخصال، ويُجِلُّوه غاية الإجلال.



دَعْ ما ادَّعتْهُ النَّصارى في نبيهمُ = وَاحكُمْ بما شئتَ مَدْحاً فيه واحْتَكَمِ
وانّسُبْ إلى ذاتِه ما شِئتَ من شَرفٍ = وانّسُبْ إلى قَدْرِه ما شئتَ من عِظَمِ

فإنّ فضلَ رسول الله ليسَ له = حَدٌّ فَيُعرِبَ عنهُ ناطقٌ بِفمِ





وحسان بن ثابت شاعرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وناصرُه بلسانه، والباذل جهده في ذاته بأقواله وأفعاله، فكان رضي الله عنه ممَّن قَال السَّعادةَ في حمدِه المحمود عند الله، المذهبة() بأن مدح بها رسول الله، وتمثّل الصالحون والمحبّون في هذا النُّور العظيم بمدائحه حين يصفون نبيَّ اللهِ بأوصافهِ فيأتون بنتائج أفكاره وحُسْننِ ما منحه المَوْلى من مَنائحه." اهـ





"هذه عائشةُ ــــ رضي الله عنها: أُمّ المؤمنين، وحبيبةُ حبيبِ ربّ العالمين ــــ مع حِفظها لأشعار العرب وأَخبارها، وبلاغةِ جواهر ألفاظها، وصَفَتْ يوماً السّيّدَ الكامل، الفاتح الخاتم، وحَمِدَت أقواله وأفعاله، وبالغت وصفها، وبَذلت في مدحه جَهدها ثم قالت: كان والله كما قال فيه شاعرُه حسّان بن ثابت:




متى يَبْدِ في الداجي البهيم جبينُه = يَلُحْ مثلَ مصباح الدُّجا المُتَوَقّدِ



فمنْ كانَ أو مَنْ قد يكونُ كأحمدٍ = نظامٍ لَحقَ أَو نَكالٍ لِمُلْحِدِ؟





وقد مَدح رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاوب عنه العربَ، وقطع لسانهم بنورِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالغَ في نُصرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.



ومن بَديع قَصائده، ومدائحه، القصيدةُ التي جاوب بها الهاتفَ الّذي سُمِعَ بين السَّماء والأَرض، حين هاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرضٍ إلى أرض، ليبيّن لعباد اللَّه النَّفْلَ والفرض؛ قالت أسماء ــــ رضي الله عنها وعن أَبيها: لمّا خَرج رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأَبو بكر) أَتى نَفرٌ من قريش فيهم أَبو جهل، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقال: أَين أَبوك يا بنيَّةِ أبي بكر؟ قالت؛ قلت: لا أدري والله أَين أبي (11أ) قالت: فَرفع أَبو جهل يده ــــ وكان فاحشاً خبيثاً ــــ فَلَطَم خَدِّي لَطْمَةً طرحَ منها قرطي، ثم انصرفوا عَنّي.



قالت: فمضت ثلاثُ ليالٍ ما نَدري أينَ توجَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أتى هاتف على أعلى أبي قُبيْس، وذكر أبياتاً يغنُي بها، يسمعُ النّاسُ صَوْتَه ولا يَرَوْن شخصَه، وهو يقول:


جَزى اللّهُ رَبُّ النّاسِ خَيْرَ جَزائِه = رَفيقَيْنِ قالا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ


هما نَزلا بِالهَدْي واهْتَديا به = فَأَفلحَ مَنْ أَمسى رفيقَ محمّدِ
لِيَهْنىءْ بني كعبٍ مكانُ فتَاتِهم = ومَقْعَدُها للمُؤمنين مَرْصَدِ



وتُروى هذه القصيدة من طريقٍ آخر بزيادةِ بيت بعد البيت الثّالث فقال:

فما حَملْت من ناقةٍ فوق رَحْلِها = أَبرَّ وأَوفى ذِمّةً من مُحَمّدِ








فالرّفيقان المذكوران في البيت الأول هما سيّدنا ومولانا محمّد صلى الله عليه وسلم، وصاحبه وأنيسه، ورفيقه، وضجيعه، أبو بكر الصدّيق المُؤانِس له في كلّ صَعْبٍ وضيقٍ، رضي الله عنه.



ومعنى قوله «قالا خيمتي أم معبد» أي: نزلا في القيلولة عند هَجير الشمس، واستراحا عند هذه الخيمة المباركة. وهي خيمة أُم مَعبد رضي الله عنها.



وقد أَسلَمَتْ وحَسُنَ إسلامها ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها، وظهرت لها مُعجزتُه وبَركته، وذلك أنّه لمّا نَزل عندها قال لها: يا أُمّ معبد هل عندك من لبن؟



قالت: لا واللَّه، وإنَّ الغَنم لعازِبَة؛ قال صلى الله عليه وسلم: فما هذه الشّاة؟ قالت: والله ما ضَربها فحلٌ قطّ فَشأنك بها.



فدَعا بها صلى الله عليه وسلم، فمسَح ظهرها وضَرْعَها، ثم دَعا بإناءٍ فَحلب فملأَه فسقى أصْحابَهُ عَللاً بَعْدَ نَهل، ثم حَلَب فيه فوضعه عندها، وارتحل صلى الله عليه وسلم.



فجاء زوجُها عند المساء، فقال يا أمّ معبد: ما هذا اللَّبن ولا حلوبةَ في البيت، والغنَم عازبة؟.



قالت: إنّه واللَّه قد مَرَّ بنا رجلٌ ظاهرُ الوضاءة، مُتَبلّجُ الوجه، في أَشفارِه غَطف، وفي عينَيْه دَعَج، وفي صوتِه صَحِل؛ غُصنٌ (11ب) بين الغُصْنَين، لا تشنَؤُه من طُول ولا تقتحمه مِن قصرَ، كأنّ عنقه إبريق فضّة، إذا صَمت فعليه البَهاء، وإذا نطق فعليه الوَقار، له كلام كخرزاتٍ نُظِمْن، أزين أصحابه منظراً، وأحسنهم وجهاً، أصحابُه يَحُفُّوْن به، إذا أَمر ابتدَرُوا أمْرَهُ، وإذا نَهى انْتَهْوا عند نَهْيه.



فقال زوجُها: هذه والله صفةُ صاحبِ قُرَيش، ولو رأيتُه لاتّبعته. هذه رواية. وفي طريق آخر فيها زيادة.



فانظر هذه السيّدة، كيف عَمّت بركةُ المُصطفى صلى الله عليه وسلم عليها. وقدمت أَنوارُه الكريمة لديها، وكيف كانَتْ صِفَتُه عند الخَلائقِ محصوراً ندعُها في شخصه؛ ولذا قال بعلها:



هذه صِفَةُ صاحِب قُريش؛ لعلمه به؛ وأنّ هذه الصّفة لم يتصفْ أحد من المخلوقين بها.



وحُسنُه صلى الله عليه وسلم ــــ فوق ما أَثنى عليه المادحون، وقد عَجزت عن بعضٍ بديعٍ صفاته أنْ تَصِفَهُ أهل البَلاغة والواصِفُون.



فلّما سمع حَسّان رضي الله عنه مَدْحَ هذا الهاتِف، قام مُرتجلاً لشدّة حُبّه وكثرةٍ شَوقِه ارتجالَ الشّائِق الواصِف، فقال:


لقد خابَ قومٌ زالَ عَنُهم نبيُّهم = وقد سُرَّ مَن يَسْرِي إليهمْ ويَغْتدي


ترحَّلَ عنْ قومٍ فضَلّتْ عقوُلُهمْ = وحَلَّ على قومٍ بنورٍ مُجَدَّدِ
هَداهُمْ بهِ بعدَ الضَّلالةِ ربُّهمْ = وأَرْشَدهم، من يَبتغي الخيرَ يَرْشُدِ
وقد نزلتْ منهُ على أهلِ يثربٍ = ركابُ هُدْى حلّتْ عليهمْ بأسْعُدِ
نَبِيٌّ يَرى ما لا يَرى النّاسُ حَوْلَهُ = ويَتْلو كتابَ اللَّهِ في كلِّ مَسْجِدِ
وإِن قالَ في يومٍ مَقالَةَ غائبٍ = فتصديقُها في اليومِ أَوْ في ضُحى الغَدِ
لِيَهْننِ أبا بكرٍ سَعادةُ جَدّهِ = بِصُحبَتِهِ، من يُسعدِ اللَّهُ يَسْعَدِ








يتبع ..............



عبدالقادر حمود 03-31-2009 10:10 AM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
فصل



"قال بعضُ العارفين، ممّن لاحت في قلبه أَنوارُ المحبّين:

محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبةٌ على الخلائق أجمعين؛ لأَنّ النفوس مجبولةٌ على حَبِّ مَنّ أحْسَن إليها، ومائلةٌ لمن رَحِمَها وأشْفَق عليها، وقد أحْسَن صلى الله عليه وسلم إلى العالَم بأسرِه، عُلويّه وسُفليّهِ؛ أرسله الله رحمةٌ للعالمين، وبشيراً نذيراً للخلائق أجمعين.

ومَنْ أحبّ شيئاً، أحَبّ ذِكْرَ أسمائِه، ومُشَاهدتَه، وكتب عنده شمائله وصفته، ونقش في قلبه صفته وصورته.

فلمّا أَنْ كمّل مولانا ــــ جل جلاله ــــ خَلْقه وخُلُقه، ورفعه على حضرة قُدسه، واصْطَفاه على الأَخيار من خِيرَةِ خَلْقه، واسكنَ محبّته في قُلوب المخلوقات، ورحم به الأَرَضينَ والسّموات؛ فنطق بحسن الثناء عليه الساكنُ والمتحرّك، والحيوانُ السّفليّ والعُلويّ والجماد، وخلقَ الله صورةَ مَنْ كَرَّمه من الإنسان وفَضّله على سائر العِبَاد، فجَعله على صورةِ الاسممِ المكتوب ليطمئنّ بالنظرِ إلى اسمه صميمُ الفُؤاد؛ فالميم من اسمه رأسُ الإنسان، والحَاء جَناحاهُ، والميم الثّانية بَطْنُه، والدال رجلاه.

ففيه إشارةٌ إلى أنّ الخلائق المكرَمين، كرّمهم مولاهم بأن خلقهم على صوره اسم الصادق الأمين، ليشاهدوا اسمَ شرف وجودهم وشمسَ سماءِ صُعودهم في كلّ وقتٍ وحين ولتكونَ هذه الصورةُ البشريّة في صعودِ الرّفعة وغايَةِ الاحترام، والصِّدق عن جمَيع الشَّيْنِ والانخرام.

فَمَننِ استحضَرَ ذلك من أَهلِ المحبّة، حَرّم على صورة الإنسان تسخيره وتحقيره، وأوجبَ عنده توقيرَهُ وتعظيمَهُ؛ كيف لا، وهو يشاهد صورةَ اسم حبيبه في شكله، وصفةَ مَنْ وُجِدت الكائنات من أجله؛ بل ومَنْ أزال الله الحجابَ عن بصيرته، وراقب مَنْ رأى بصرُه من الصُّورة في شكلهِ، حَمَلَهُ التّعظيمُ والإجلال لصورةِ اسممِ حَبيبِ الله أن يُراقِبَها، وأن يمنعَ نَفْسَه من المُخالفات فَيُقَدَّرَها قَدْرَها، وأن يُحافِظَ على نفس هذه الصُّورة في قلبِه مخافة أَن تزول، ويطلبَ من المولى ثباتَ قلبه على دِينه ويسألَه القبول؛ فإنّ القَلْبَ إذا مُسِحَت منهُ الصُّورة المحمدية، وذَهبت منه البركةُ النّبوية امتسخت الصُّورة الظّاهرة (12ب) من الإِنسان، وذهَب عَنْهُ من مولاه الأمان، ودخل في دائرة الخِزْيِ والامتهان، ولذا جاءَت صُورةُ الكافر في جَهَنَّم على أَقْبح شكل ومَنْظر، وللنّاظر فيها اتّعاظٌ ومُعْتَبَر، فلا يُمْتَهَنُ ويخْزَى حتّى تُمْسَخَ صُورَتُهُ الظّاهرة كمَا مُسِخَت صُورَةُ قلبهِ البَاطِنَة؛ وأَمّا سكان دار النَّعيم والإِكرام ومحلّ التَبْجِيل لعبادِ اللَّهِ والاحْتِرام فَكُلُّهم على صُورة نَبِيّنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم.

فأَهْلُ الجَنّة ــــ جَعلنا اللَّهُ مِنهم ــــ كُلّهم على صُورةِ اسْمِه لإكرامِه عندَ رَبّه، فيها يُنَعَّمُون؛ وأهلُ النّار ــــ أَعاذَنا اللَّه منها ــــ تُمْسَخُ مِنهم تلكَ الصُّورةُ حَفْظاً لها من الإهانَة، فبعدَ زَوالها يُعَذَّبُون.

فتذكَّرُوا ــــ رَحِمَكُم اللَّهُ، وزادَنِي وإيّاكم حُبّاً في حَبيببِ اللَّهِ ــــ أسرار مَولانا جلَّ جلالُه في حَبِيبه. وأَظْهِرُوا حُبَّهُ بِكَثْرَةِ الصَّلاةِ عَليه يُدْخِلْكُم يَوْمَ القِيامةِ تحتَ ظِلّ عَرْشِه وظَليله.

هذا الاسمُ الكريمُ شرَفُه وبركتُه وكرمُه ورحمتُه تابعةٌ لِمُسَمّاه؛ فكَما أنّ مُسَمّاه ببركتِه ورحمتِه وشرفِه أَنارَ اللَّهُ جميعَ الكائناتتِ، فكَذلكَ اسْمُه ببركتهِ وشَرَفِه أَظهرَ اللَّهُ في العالَمِ كُلِّه البَركات.

وقد أكثَر الغَّواصُون في بحارِ مَحبْتهِ، المُشتاقون إِلى سَماع لَفْظهِ ورُؤيته، في إظهارِ ما كَمَنَ وخَفِيَ في هذا الاسممِ العَظيمِ من الأسْرارِ، وما اسْتَتر في طيِّ أَحْرُفهِ ما فيهِ للعَالَمين اعْتِبار.

فَشَمَّرُوا عن سَاقِ جِدّهم، وبالَغُوا في الغَوْصِ حَتّى خَرجُوا عن حَدّهِم، وشَرِبُوا من مَاءِ المَحبّةِ عَلى قَدْرِهم، وأَلَّفُوا التّواليفَ العَظيمةَ الشان، والرَّفيعةَ المَكانِ، ومَع هذا ما ظهرَ لهم بعد الفُتوح إِلا نُقطَةٌ من سِرّ أَسرار اسم الحَبيب، وما أُشير لَهُم إلاّ برَمْزَةٍ فَهِمَها منهمُ الفَائِقُ النُّجِيب، وما خَفِي من كُنوزِ أسرارِه لا يُحيط به إلاّ واهِبُه الخَبير الرّقيب." اهـ





عبدالقادر حمود 03-31-2009 10:11 AM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
"فمن فضائِل هذا الاسم وشَرفِه أن اللَّهَ سبحانه وتعالى خلق من أَنبيائِه مِئةَ أَلْفِ (13أ) نبيّ وأربعةً وعشرين ألف نبيِّ، وأرسل منهم إلى خلقه لبيان الطريقة، وتحقيق الحقيقة، ثلاث مئة نبيَ وأربعةَ عشر نبيياً، فكان واسطةَ عقد الرّسل والأَنبياء وإمامَهم، والذي اختاره اللَّهُ منهم، وجمَع فيه أَفعالَهم الكريمةَ وأخلاقهم.

يُروى أن أمَّهُ آمنةَ لما وضعته عليه الصلاة والسّلام رأت خوارق عوائد، واعتناءً من أهل سحابةً عظيمة، وسمعتُ صوتاً يقول حين رفَعُوه عني: أَعْطُوا محمداً أَخلاقَ الأَنبياء، واجْمَعُوها له، ومن إبراهيم حِلْمَه، ومن إسماعيل كلامَه، ومن داوود صَوته، ومن أيّوب صَبْرَه، ومن عيسى زُهده، ومن نوح شُكرَه، ومن موسى قوّته، ومن يوسف حُسْنَه، وخَذوا له من جميغ أنبياءِ الله ورُسله الكرام صفاتهم الكريمةَ، وأَخلاقَهم العظيمة.

فانظروا هذا الشّرفَ ــــ رحمكم الله ــــ هل بعده شرف؟ وتأملوا هذه الخَصِيصة من اللَّه تعالى. هل نالها أو ينالُها أحد من المخلوقين بمالٍ وتَرَف؟ بل الواهب العالم بخفيّات الأَمور عَلِمُ أنَّ عِزّه وسعوده لا يَنْعَقِدُ على الكمال إلاّ لإنسانِ عينِ الأكوان، وحبيب الكبير المُتَعال.

فلما أنْ جمعَ تعالى فيه ما افترق من صِفات الكمال، وجعله في أشرَف خَلْقِه أَكملِ كمالِ الرِّجال، وكانت صفاتُهم كلُّها كاملةً مكمّلة مانِعة، واشتركوا كلّهم في الصِّفات الحسنة الجامعة، واخْتَصِّ كلَّ واحدٍ منهم بزيادّةِ حسنةٍ فيه نيرّةٍ لامعةٍ ساطعة؛ فبلغَتْ تلكَ الصّفاتُ تمامَها، وتزخرفت ونشرت أعلامها، وسَكَنَتْ في تاج الموجودات وإمامها، وجَعل الله تعالى ذلك علامةً للمحبّين، على اجتماع تلك الصّفة في سيّد المُرسلين؛ محمّد تنبيهاً عند ذِكر اسمهِ على فضلِه عند (13ب) الغافلين؛ لأنّك إذا جَمْعتَ عدد حروفه بَعدِّ (أَبْجَد)، تَجِدُ مجموعَها ثلاث مئة وأربعة عشر على عدد المُرسلين من أنبيائِه الكرام الطّاهرين المكرّمين الأَعلام.

ففيه إشارةٌ إلى أنَّ صفات الكاملين ــــ وإنْ تَفَرَّقَتْ في أْصفيائه، ورُسله وأَنبيائه ــــ فقد جُمِعَتْ في أكمل المخلوقات من أَحبّائه." اهـ

عبدالقادر حمود 03-31-2009 10:11 AM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
فصل

ومِن فضائل اسم الحبيب http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif




" ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ أنّ العالَم العُلويَّ طرز الله بهِ محاسنه، وزيّن زواياه وأركانه، بأن كتب فيه اسمه. وسأذكر من ذلك ما تمتلىء بحبه القلوب، ويقرّب مُحِبّهُ من علاّم الغيوب.

قال كعب الأَحبار ــــ رضي الله عنه ــــ: إنّ اللَّه ــــ عزّ وجل ــــ أنزل الكتاب على آدم مُحصياً لعدد الأَنبياء، فأَقبل آدم على ولده شيث فقال له: يا بُنَيّ أنت خليفتي من بعدي، فخذها بعبادة التقوى؛ وكلّما ذكرت الله ــــ عز وجل ــــ فاذكْر إلى جنبهِ محمّداً عليه السَّلام، فإني رأيتُ اسمه مكتوباً على ساق العرشِ وأنا بينَ الرُّوح والطّين؛ ثم طُفت السَّماوات فلم أرَ فيها موضعاً إلاّ رأيت اسم محمّد ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ مكتوباً فيه، ولقد رأيت اسم محمّد مكتوباً على صُدور الحور العين، ولم أَرَ في الجنة قصراً، ولا موضعاً، ولا غرفة إلاّ رأيت اسم محمد مكتوباً فيه؛ ولقد رأيتُ وَرق سِدرة المُنتهى، وأطرافَ الحُجب، وأعينَ الملائكة، مكتُوباً عليها اسمُ محمّد؛ فَصّل عليه، وأكثرْ مِن ذكره يا شيثُ، فإنّي رأيت الملائكة تذكره في كلِّ ساعة ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ وشرَف وكرّم.

وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال: على باب الجنة مكتوب: لا لٰه إلاّ الله، محمد رسولُ الله؛ لا أُعَذِّبُ مَنْ قالَها.

فانظرْ هذا الفَخْرَ العظيم لاسم هذا النّبيّ الكريم؛ ولذا أجاد المادحُ في قوله، وذكر بعض إِكرام اللَّه إِيَّاه، ومِنَّتَهُ عليه وطَوَّلهُ، فقال:

لَبِسْتَ رداءَ الفَخْرِ في ظهرِ آدمِ = فَما تَنْتهي دَهراً إليك المفَاخِرُ
فَفخرُكَ عالٍ في السَّماءِ مَحَلَّهُ = وقَدْرُكَ في الأرضِ البسيطةِ زاهِرُ

فالعالم العلوي (14أ) لمّا أَنْ طَهّره اللَّهُ من جميع المُخَالفات، أظهر اسمَ حبيبه في جميع بقاعه، وزيَّنه باسمه الكريم، فزَان بَدّرُه، وأَشرقَ في سمائه، وأعلى عَلاه بِحُسن شكله، فتمّ عِقْدُ مخلوقاته ببديعِ نظامه.

والعالم السفلي لمّا أنْ أظهرَ الله فيه ما كمنَ في علمه من الشّقاوة والسّعادة، وكثّر من سُكّان بقاعه وأهله المخالفةَ في العبادة، فما ظهرت صورةَ الاسم الطَّاهر إلاّ في البقاعِ الظّاهرة، أظهر الله ذلكَ لِمَنْ طهر قلبه من السّادة الفاخرة.

ذكر بعض من دخل أَرض الهندِ أنّه وجَد فيها وَرْد أَحْمَرَ: مكتوبٌ عليه بالأَبيض: لا إله إلاّ الله محمّدٌ رسولُ الله.

وعن عبد الله بن صوحان قال: عَصفت بنا ريح، ونحن في لُجَجِ بحر الهند، فأرسينا في جزيرة فرأينا فيها ورداً أبيض مكتوبٌ عليه بالأَصفر براءةٌ من الرَّحمن الرحيم إلى جَنّات النَّعِيم، لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله.

ورأينا ورداً أبيضَ ذكيّ الرّائحة طيّبَ النَّسِيم وفيه مكتوبٌ بالأصفر لا إله إلاّ الله محمّدٌ رسولُ الله.

وقال بعضُ الصَّالحين: رأيت سمكةً فرأيتُ في إحْدَى شحنمتي أُذنيها (لا إلهَ إلاَّ الله)، وفي الأخرى (محمَّد رسولُ الله).

وذكر الشيخُ العالم العَلَمُ الفقيهُ أبو عبد الله محمد بن مَرْزُوق ــــ رحمه الله ــــ قال:

حدّثني جماعة من أهل قريةِ العُبّاد مَدْفِنِ وَليِّ اللَّهِ أبي مَدْيَنَ شُعيبٍ نَفع الله به، وفيهم أناسٌ من طلبةِ العلم، أَنّهم وجدوا بالموضع المذكور في سنةِ سبع وثمان مئة بطّيخةً صَفراء فيها خطوطٌ شتّى بالأبيض، ومن جُملة الخطوط مكتوب بالعربي من جهة: الله، ومن الأخرى مكتوب: أعزّ محمّد أو امحمّد، قالوا: بخطَ بين لا يعشُكّ فيه عالم يخطّ.

قال الشيخ المذكور: وحدثني أيضاً هؤلاء القوم أنهم وجدوا بالموضع المذكور في تلك السنة وفي غيرها، وَرَقةً من أوراقِ حَبّ المُلوك ــــ وهي شجرة معروفة هنالك ــــ وقد، قَرُبَ أوانُ اصفرارِها وعليها مكتوب اسم (محمد) يُقرأ كما يُقرأ في الكاغٍد.

قال الشّيخ المذكور (14ب) رحمه الله، وحدثني بعضُ الجماعة عن بعض العُلَماء بثغورِ تِلْمَسان: أنّه بسمكة مكتوبٍ على أحَدِ جَنبيها بخطّ أبيض (لا إله إلاّ الله)، وفي الجنب الآخر: (محمّد رسول الله)؛ فبادَر إليها العامِل وأَكلَها في الحِين، وابتلعها نَبَرَّكاً بالأسماء الكرام، فَرُفِعَ أمرهُ إلى السلطان، فَعزله (في الحين) لعدم مُطالعتِه بهذا الخَبر، وكتب فيه رَسْماً، وكان السّلطان إذ ذاك من أهل العلم.

قال الشيخ رحمه الله تعالى: ثم اجْتَمعتُ بالعامل المذكور واستعظمتُ هذا الخبر، فسألتُه عنه، فقال: السّمكة حقٌّ وهي زَرْقاءُ، وعلى جنبها مكتوب ( الله)، وعلى الآخر (مُحَمّد).

ولعل هذا العامل قد أظهر الله عليه بركة ما بْتَدَرَ إليه من حُصول الخير، فعجل الله ذلك بأَن خَلّصه من العمالة؛ لأنَّ الإمارة حسرةٌ ونَدامة يوم القيامة.

وذكر القاضي عياض ــــ رحمه الله ــــ في (شفائه) الذي شَفى به الغليلَ، وأَبرأ بطِيبِ طعمهِ القلبَ العليل: أنّه وُلِدَ مولودٌ في بعض البلاد، وعلى جنبه مكتوب: {لا إله إلاّ الله} وعلى الآخر {مُحْمَّد رسول الله}
.
وكذا ذكَر بعضُهم أنّه رأى ذلك الاسم مكتوباً في حبة عنب، ورأى بعضهم ذلك في فول.

وقد اعتنى بعض المحبّين بجمع ذلك، وما رأى فيه من الغَرائب، وما لاح في مخلوقات الله سبحانه من العجائب.

ولا غرابةَ في إكرام اسممِ مَنْ أَعلى المولى ذاتَهُ على جميع الذَّوات، وشَرّف أَوصافَهُ على جميع الصّفات." اهـ

عبدالقادر حمود 03-31-2009 10:12 AM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
فصل



"من آداب مَنْ عَلِمَ منزلةَ نبيّنا ومقامه عند ربّه، وأنه سُمِّيَ محمّداً لحمدِ مولاه له وثنائه عليه، وحمد عيبد حضرته العليّة، ومن اختاره لديه.

فكُنْ أَيُّها المحبّ من أكثر المحبيّن له، وليكن جلوسُكَ مع الذّاكرين له، فاحَمْد ذاتَهُ الكريمة، واذكُرْ بدائعَ حُسْنِها وجمالها ومتّعْ فكرك في تَناسُب شكلها وإعْظَامها؛ فإنَّ مَنْ رآهُ بديهةً هابه ومَنْ خالَطهُ معرفةٍ أَحبّه.

يقول ناعِتُه: لم أَرَ قبله ولا بعده مثله، إذا تكلّم رُئي النُّور يخرج من ثناياه، أَحسنُ الناس عُنقاً، إذا افترَّ ضاحكاً افترّ عن مثل سَنا البرق وعن مثل حَبِّ الغمام.

(15أ) وليُكْثِرِ المُحبُّ من ذِكره وامتداحه، ولْيُحسن الثَّناء عليه بما اشتَهر من صفاته. والأحاديث في ذلك كثيرة قطعيّة، وأنّه عليه السّلام أكملُ النّاسِ صورةً في قدّه ولونِه وطولِه، وعينيه، وصورةِ وجهه، ونَضارتِه وحَركتِه، ومشيتهِ وأسنانِه وتبسُّمهِ، وأَنّ ما من شكلٍ منه إلاّ وقد خلَقه الله تعالى على أكمل ما يكون وأتمّه.

وكان ذلك رحمةً بعباد الله في كونهم لا يُشاهدون منه ما يكرهون، بل يَزِيْدُهم فيه حُبّاً وعند رُؤيته يَفْرحُون.

ولولا أنّ مولانا جلّ جلالُه ألقى عليه مع كمال جماله البَهاءَ، لَمَا استطاع أحدٌ من الخلائق أن ينظرَ إليه، إلاّ انَخْطَفت أبصارُه من نوره وحُسنِهِ.

وما مَنَّ به المولى عليه، وما اختصَّ به لديه؛ بل ربما ماتَ ناظِرُه لأجلِ جمالِه الّذي يَسْبي العُقول، وقد تواتَر ذلك، وقُطِعَ به في المنقول، فإنّ جمال الكريم يوسفَ نَبيِّ الله بَعْضٌ من جمال حبيب الله، ومع هذا ماتت عند رؤيته لقوّة جماله خَلْقٌ مِنْ خَلْققِ الله.

ونبيُّنا ومولانا محمّد ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ على قوّة جمالة وحُسنه رحمَ الله أمتّه بأن ألقى عليه البَهاء، فثبَّتَ عقولَها، حتى نالت مِن الله بسبب محبته مأمولَها.

وتذكَّرْ ــــ رَحِمَكَ الله ــــ أخلاقَهُ الكريمة التّي كمّلها له ربّه على التّوالي نسقاً؛

فكان عليه السّلام أكملَ العالمَين خَلْقاً وخُلُقاً؛ فتذكّرْ وفورَ عقله، وذكاءَ لُبّهِ، وقوّة حواشه، وفصاحةَ لسانِه، واعتدالَ حركاتِه، وحُسْنَ شمائِله، وشرَف نسَبهِ، وكرَم بلدِه، وحلَمُه، واحتمالَهُ وعَفوَه مع قُدرته، وصبرَه على ما يكره، وجُوده وكرمه، وسخاءَه وحياءَه، وشجاعتَه وسماحتَه ونجْدته وفضيلته، وصفاءَ مودّته، وبذْلَ نصيحته وحُسن عِشرته (15ب) وآدابه، وشّفقته، ورأفته بجميع الخلائق، وحرصه على إيمانهم، ووفاءه وحسنَ عهده، وصلةَ رحمِه، وتواضُعَهُ على قَدْرِ رِفْعَتِه وعلوِّ منصبه، وعَدْلَهُ في سيرته، وأَمانته وعفّته، وصدقَ لهجته، ووقاره وصَمْتَهُ وتُؤَدَتَه، ومروءته، وحُسن هديه وزُهده في الدُّنيا وتقلَّله منها، وخوفَهُ من ربّه، وطاعتَهُ له، وشدَّة عبادته وعِلْمِه برَبّه، وشُكره وإنابته إلى رَبّه، وحُسن قيامه بحقّه، وجميل رجائه، وصدق يقينه، وتوكّله على ربّه، ومحبّتهُ فيه، وشدّة إيمانه بِغَيْبِه، وكثرة صَلاتِه وصيامهِ، وشُكره وإعطاءه من مال ربّه.

فَما مِن حُسن الأَخلاقِ صفةٌ إلاّ وقد حازَها، وتَمَّمها، وكانَ فيها أَنْهَى الخَلْققِ وأحسْنَها، وما من درجة من درَجات اليقين إلاّ كان أساسَها حبيبُ ربّ العالمين، وإمامَها إمامُ المتّقين، وفيه يجب أن يُقال، وقد قيل:



يا سيّداً عَظُمَتْ في المجد رتُبْتَهُ = وأَعجزَ الخلقَ إحسَاناً وإفْضَالا
ما بعد فقدك موجودٌ يَسَرُّ بهِ = كنتَ الحياةَ وكنتَ الأَهْلَ والمالا


عبدالقادر حمود 03-31-2009 10:15 AM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
فصل



"ومن آداب من عَلِمَ قدره http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif وتسميته http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif بهذا الاسم الكريم واتصافَه http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif بالخُلق العظيم، أنْ يتخلّق بأخلاقِه الكريمةِ، ويتشَبَّه بصفاتِه العظيمة http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif .


قالت عائشةُ رضي الله عنها: كان ــــ عليه السَّلام ــــ خلُقه القُرآن يَرْضى لرضاه، ويَسْخَطُ لِسخطه.

قال بعضُ أولياء الله تعالى: جَمَعَتْ ومنَعت في التّعبير عنت أخلاق نبيّنا وحبيبنا http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif هذه السّيدة الطّاهرة أُمُّ المؤمنين لأنَّ القُرآن كلامُ الله، جَعل الله فيه للخلائق المنافعَ الدُّنْيَويّة والأُخرويّة، وجعله نوراً يستضيء به العالِمُ، ويَهتدي به الجاهِلُ وظهوراً بهِ الكامِنُ الخامِل، وبركةً شاملةً، ورحمةً عامّةً وشفاءً لما في الصُّدور، ونَجاةً من عذابِ القُبور وهَوْلِ يوم النُّشور: وفارقاً بين الحقّ والباطل، ودامغاً للغبيّ الجاهل وواعظاً ناطقاً، ولساناً صادقاً، وآمْراً (16أ) بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ومُبَشّراً ونذيراً، ومُذَكّراً وتَذكيراً؛ إلى غير ذلك من صفاته الكريمة وخُطوبه الجَسيمة.


فأخبرتْ عائشةُ ــــ رضي الله عنها ــــ أنَّ خُلُق نبيّنا وشفيعِنا صلى الله عليه وسلم القُرآنُ العظيم، فأبلغتْ وبالغَتْ، ووصَفت هذا الحبيبَ صلى الله عليه وسلم بأنّه نورٌ يُستضاء به، وبَركةٌ شاملة، ورَحْمَةٌ عامّة، وشِفاءً لِمَا في الصُّدور، ونجاةٌ من عظائم الأُمور إلى غير ذلك من صفاتِه الكاملة، وأَوصافِه السَّنِيَّة الفاضِلَة صلى الله عليه وسلم ، ممّا لا يحيط بها إلاّ واهِبُها ومَانِحُهَا.


أيُّها المحبُّ لا تَنالُ ودُّ الصّالحين، ومَدْحَ الأَولياء العارفين، وصُحبةَ الوليّ، ونداءَ جِبريلَ بمحبّتك في السَّماء، ولا يوضع لك في الأَرضين القَبُول، إلاّ باتّباعٍ ومدحٍ وثَناءٍ وكثرةِ صلاةٍ على النَّبِيِّ الرّسول http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif.


وكثرةُ مدحه صلى الله عليه وسلم ، وذِكْرُ اسْمِه صلى الله عليه وسلم يُورث لك الكَتْبَ في ديوان المحبُوبين، ويُظهر لك أَسراراً، وخَرْقَ عَوائدَ مِن رَبّ العالمين.


ويُحكى عن الشّيخ وليّ الله، الفقيه الصالح أبي عبد الله محمد بن فاتح ــــ نفع الله به ــــ من سُكّان تَنَس، وكان ممن فُتِحَ عليه بكثرة ذكره، والصّلاة على بني الله وحبيبه صلى الله عليه وسلم ، فكان قد انخرقت له العادات، فلا يُريد أن يرفعَ شيئاً من الأحجار والجمادات إلاّ وجد فيه مكتوباً اسم سيّد الأرض والسّموات، فيجد الأَحجار والحيطان مرقومةً باسم من امتلأَ قلبُه بمحبّته صلى الله عليه وسلم ، ومرسومةً بذكر من اطمأنّ قلبه بذكره صلى الله عليه وسلم .


ويُروى أنّ العبدَ إذا تخلق بأخلاق المصطفى http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif في أقواله وأفعاله، على قدر جهده وطاقته، ووفى من نفسه لربّه، وترك الدُّنيا خلف ظهره، وعمل فيما علم بِعلمه، وأنْصَف الخلائقَ من نفسه، فأطعمَ جائعهم، وكسا عارِيَهُمْ، وعَلّم جاهلهم، وبذَلُ نُصحه لهم، وتَحمّلَ أذاهم، وتواضَع معهم، وعَدل فيما بينهم، وأَوفى وَعْدَهُم، وأنْذَرهم وبَشْرهم، وأدخَل عليهم السُّرور، وأذهبَ عنهمُ الشّرور، وحذّرهم عواقبَ الأُمور، وأحسَن إليهم، وعفا عنهم، وتَرك إذايتهم، (16ب) وسالمهم في أموالِهم وأعْراضِهم ودمائهم، وأعطاهم مالَهم. ورأى لنفسِه ما يرى لهم؛ ويبلّغُ حاجتَهُمْ ويقضي مآربهم، ويمحُو نفسَه ويترك الانتصار لها، ويهضمُهَا ويحتقر عملها ويغلب في صحّتِه خوفَها، ويُؤْثِرُ عليها؛ فإذا سلك المتخلّق الطريقَ النبويّة؛ واتَّصف بصفاتِ خير البريّة http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif جاءت الفُتوحاتُ الربّانيّة.


قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «منَ عَمِلَ بما علمَ أورَثهُ اللّهُ علمَ ما لَمْ يعلَمْ». فهذه الوراثةُ إنّما تُنال من الله تعالى بالأعمال واتّباع المصطفى ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ في الأَقوال والأفعال.


قال بعضُ الصّالحين: ما أظهرَ الله عزَّ وجلَّ في الأَرضِ وليّاً ينوع من الكرامةِ إلاّ بالاستقامة، فيكشفُ الله تَعالى أَمَرَهُ عند حَملةِ العَرْشِ والمُقَرّبين من الملائكة، ويكتبُ اسمه عند العرش، وينادي من سماء إلى سماء ألا إنّ الله عزَّ وجلَّ، أحَبّ فلاناً ورضيَهُ لولايته، واتّباعه لسنّةِ حبيبهِ فأحِبُّوه ووَالُوه، ثم يوضع له القَبُول في الأرض.


فانظرْ ببصيرتكَ لهذا المَقام النَّبَوِيّ ــــ ضاعِفَ اللَّهُ حُبّي وحُبّك في جنابه http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif ، وصَيَّرني وإيّاك من الواقفين ببابه ــــ كيف جعل الله تعالى حصولَ محّبته لأوليائه موقوفة على محبّته http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif واتباع سنته http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif ، وينتهي الأمر بالمحبّ له http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif محبّةً صادقة أن يُكْتَبَ اسُمه في ديوان المحبّة مع أحبابه.


ولذا قال عليه الصلاة والسلام: «المرءُ معَ مَنْ أحَبّ». فكما أن ذاتَ المُحِبّ مع ذات المَحْبُوب، فاسْمُه يُكتب مع اسمِ المَحْبُوب ــــ صلى الله عليه وسلم؛ فإذا قَلَّتِ الأَعمال، وانقرضَ السّالكون، وذهب المُتَّقُوْنَ، وقَلَّ بالأعمال المُحبّون، فلا تغفلْ عن كثرة ذِكر المحبوب http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif، وحبيبِ علاّم الغُيوب http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif؛ فإنّ ذكرك له http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif نافِع، ويجده المُذنبُ الذاكر له http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif شافعاً.





ذِكْرُ الحبيبِ لا يُمَلُّ أبَدا = على التّمادي أبَداً مؤبّداً
هو الحياةُ للقُلوبِ وبهِ = نحْظى ونرقى لِمقام السُّعَدا

1
2
ذِكْـرُ الحبيـبِ لا يُـمَـلُّ iiأبَــدا علـى التّمـادي أبَـداً iiمـؤبّـداً
هـو الحـيـاةُ للقُـلـوبِ iiوبــهِ نحْظى ونرقى لِمقام السُّعَدا



وإنما يتحقّقُ المحبّ ذكرَه لمحبوبه http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif، ووصولَه إلى مرغوبه http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif ، إذا فارق رُوحُه العالمَ (17أ) السُّفليّ، والتَحق بالعالَم العُلويّ، فيشاهد منزلتَه، ويعرف عند الله مكانتَه. وما دام حيّاً يخافُ على نفسِه أن لا يكونَ عند ربّه مقبُولاً، ولا يعتقد أنّه فاضلٌ بل يرى شخصَه مفضُولاً.


كان الشيخ ولي الله أبو النّجاة سالم التباسيَّ ــــ نفع الله به ــــ من أصحاب الشّيخ وليّ الله أبي الحسَن الشّاذلي ــــ أعاد الله علينا من بركته ــــ ومعلومٌ حالُهما، وذكرُهما للمحبوب http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif ، ووقوفهما عند حُدود علاَّم الغُيوب http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/azza.gif ، ومع هذا تعاهَدا فيما بينهما أنَّ المقبولَ منهما عند مولاهما يشفع في صاحبه.


فلمّا توفيَّ الشيخ ولي الله تعالى أبو النّجاة سالم، أتى إليه الشّيخ وليُّ الله أبو الحَسَن الشّاذِلي، وأرادَ غَسْلَهُ، فلمّا دخل عليه وهو ميّت قال له: يا أخي، العهد، الذي كان بيني وبينك، لا تنساه؛ فأَنطق الله تعالى وليّه الميت بِقُدرته، فتكلّم بلسانه فقال له: نعم نعم.


قال الشّيخ الشَّاذلي ــــ رحمه الله ــــ: والله ما أَردت أن أغسل منه عُضواً إلاّ ناولني إيّاه بنفسه.


فتأمل إكرام الله تعالى للمتخلّفين بكرامته كيف أورثهم باتّباعه لسنته http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif ، وهديهم بطريقته http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif دارَ كرامته، زادَنا اللَّهُ تصديقاً بكراماتِ أوليائه، وجَعلنا بِحْرمةِ نبيّه http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif في حزب أَصفيائه.


وقد أشار هنا بعضُ أرباب القُلوب بكلامٍ دقيقٍ قريبِ العهد من علاّم الغُيوب http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/azza.gif، حَذْفتُه لدقّته عن الأفهام، ولوقوع مثلي وأنظاري، في كثير من الظنون والأوهام." اهـ




عبدالقادر حمود 03-31-2009 10:17 AM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
فَصْل



"ومن آداب المحبّ لنبيّه أن يُكثر التّسمية باسْمِه، وأن يقصد بذلك البَركة في توسيع رزِقه، ويطلبَ من الله بها غُفران ذنبه.

رُوي عنه عليه السّلام: «ما مِن بيتٍ فيه اسمُ محمّد إلاّ رُزقُوا، ورُزِقَ جيرانُهم». وكذا ما كانت المَشُورة بين قومٍ وكان فيهم من تسمّى بمحمد أو أَحمد ولم يُدخلوهم في مَشُورتهم فلا خيرَ في مَشُورتهم، وإن أَدخلوهم فيها كان فيها الخيرُ والبَركة.

معنٰى هذا روي في بعض الآثار ومشهور (17ب) الأخبار، وهو إنْ لم يصحّ ورودُه ونقلُه، فالعِنايَةُ الربّانية بمقامِ نبينا ومكانتِه والحظِّ من الله تعالىٰ علىٰ احترامه تؤكِّدُه وتؤيِّدُه.

وقد، ورَد في بعض الآثار: إذا كان يومُ القيامة، نادىٰ منادٍ من قبل المولىٰ جلّ جلاله: ألا كُلّ مَن كان اسمُه باسمِ محمّد فليدخل الجَنّة إكراماً لنبيّ الله وحبيبه ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ.

ورُوِيَ في مَعْناه: يُؤتىٰ يوم القيامة برجلين أحدهما اسمه أَحمد، والآخر اسمه مُحَمّد، لم يَعْمَلا خيراً قطّ، فيقول الربّ سيروا بعبدي إلىٰ الجَنّة، فيقولان: يا رَبَّنا بأيّ شيء استَوْجَبْنا الجنة، ولا عمل لنا؟.
فيقول الربُّ جل جلاله: لأنّي آليتُ علىٰ نفسي أن لا أُعَذّب بالنّار من سُمِيّ باسمِ حبيبي محمّد إكراماً له عليه السّلام.

وروي أيضاً: ويُؤتىٰ يوم القِيامة برجلٍ اسمُه محمّد فيوقَفُ بين يَدي الله تعالىٰ، فيقول له: أَيْ عَبْدِي أما تستحي مِنّي في عِصيانك، أما استحيت من اسممٍ حبيبي محمد، تسمّيت به، وأنتَ تعصيني، وتُبارزني بالمخالفة؟.

قال: فيقعُ الحياءُ علىٰ العبد الآبق من مولاه لاتباعه هواه، ويفيضُ عرقُه، وينكسِرُ قَلبْهُ، ويَشْتَدُّ خوفُه وقَلقُه؛ فيقول المولىٰ جلّ جلاله، برحمتِه وإكرامِه لنبيّهِ: يا جبريل خُذ بيد عبدي، وادخُلْ به إلىٰ الجَنّة، فقد آليتُ علىٰ نفسي أن لا أعذّب من تَسمّى باسم حبيبي ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ.

والآثار في هذا المعنىٰ كثيرة، والإشارة إليها كافية؛ فأكِثرُوا يا أمّة محمّدٍ من أسماءٍ حبيبِ الرّحمن؛ لأَنّها بركةٌ لكم في الدنيا، ونجاةٌ لكم في الآخرة من النيران.

وتأدّبوا مع المِسَمَّىٰ باسمه، ووقّروه، واعْلَمُوا أنّ له حرمةً عند الله ومنزلةً فَلا تَنْتَهِروه، وإنْ وقع في أمر من المخالفة لسنة من تَسمّى باسمِه فارْحَمُوه، وإن كانَ صغيراً فرحبوا به، وابتهلوا بزيادة إكرامه علىٰ غيره، واقْبَلُوه؛ هٰذا شأنُ المحبّين في مَحْبُوبِهم والشّاغفين في مَشغُوفهم، يعظّمون أسماءَهم، ويستنشقونَ نسيمَهم ويقبّلون بقاعَهم، ويقولّون شوقاً لهم:



أَمُرُّ علىٰ الدِّيارِ ديارِ لَيْلٰى = أُقَبِّلُ ذا الجِدَارَ وذا الجِدَارا
وما حُبُّ الدّيارِ شَغَفْنَ قلبي = ولكن حُبُّ مَنْ سَكنَ الدّيارا



(18أ) فتعظيمك لمن سُمّي باسمِه الكريم، أو مَن انتسُب إلىٰ نسبه العظيم، إنّما هو في المعنىٰ تعظيمُ المصطفىٰ، وإكرامٌ لمن وصفه مولانا بكمال الصفح، وحُسن الوفاء." اهـ






فصل



"ومن آداب مَنْ تعلّق باسم المحبُوب أن يزيِّن به مجالسَه ويطّرز بالأَذكارِ أَسماءه ومحاسنه، فإنّها رحمةٌ من الله يَعُدّها حالاً ومآلاً، ونعمةٌ أنعم بها المولىٰ علىٰ مَنْ تخلَّق بها حُلولاً وإجلالاً.


فمن مَنَّ عليه ربُّه ومولاه بفصاحةِ لسانِه، وأَعطاهُ من حُسن البلاغة في كلامِه، جعَل طاعَته وعبادتَه أَمداحَه، وأَبلغ جدّه وجهده ومحاسنه وزيّن مدحه، فذكَر فيها أسماءه. فنعم الغنيمةُ لمن أراد السَّلامة، ونعم النَّجاةُ لمن طلبَ سُكنىٰ دار الكرامة.


والمحروم مَنْ مَنَّ مولاه عليه باللّسان، وحُسن التعبير عمّا يختلجُ له في الجّنان، فيضعُ لسانَه في أمداح ما لا يَعْنِيه، ويُفرِغ همتّه فِيما يعود عليه بالوبال في تلك الدّار ويعنيه.


فإنّه لا نافعَ له عند الله يومَ القيامةِ إلاّ مدحُه، وخدمتُه وخدمةُ أنبيائِه وأحبابه عند أهل الوُدّ والكرامة.
ومَنْ لا قُدرة له علىٰ ابتكار الكلام، وتشكيل خَرزات النِّظام، في مدحِ المُسَمَّى ببدرِ التَّمام، فلينظر في أمداح الصحابة ــــ رضي الله عنهم ــــ منظومهم ومنثورهم، كعليّ بن أبي طالب، وحَسّان ابن ثابت، وكَعب بن زهير وغيرهم، ويتصفّح أمداحَ مَنْ يَجْدَهم.


ويتأكدُ عليه إن كان من المُحبّين حفظ البُرْدَة والشّقراطيسيّة وغير ذلك مما لا يحصىٰ كثرةً وظهرت بركته، وبقي في الوجودِ رحمته.





أَمداحُ خيرِ الخَلْق أضحْتَ نعمةً= مشكورةً بينَ الأَناممِ ورحمةً
إنَّ الذي قد نالَ منها لمحةً=حازَ الأديبَ من المعالي رفعةً
تُنبيكَ عن شَرفِ القَريضِ الأَطْرَفا
فاسمعْ دلائل فضلِه بتلذُّذِ=والجأْ لجانبه العَلِي وتَعَوَّذِ
ما إنْ سرىٰ ذاك العَلا من مُنقِذ=جبريل أَيَّدَ مادح الهادي الذي
أْسرىٰ به الأَعلىٰ العظيمُ تَشرُّفا





(18ب) فهذا التّخميسُ ــــ والأَبيات ــــ العارفين بالله تعالى، وبأَخبار رسول الله http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif ــــ أعادَ الله علينا من بركاتهم، وسَقانا من كأس محبّتهم ــــ وهو من أحسننِ التّجامِس وأجلّها، ورأيتُ مكتوباً من خَطّ الشيخ وليِّ الله محمّد المزدوري ــــ رَحِمَهُ الله ونفعَ به ــــ ما نصُّه، ويُطلَب مِن المُحِبِّ حفظُه:





أَلا إِنَّني بالحمد والشكْرِ أَبْدَأُ=ومن قُوّتي ــــ والحمدُ لله ــــ أَبْرَأُ
أُداوي بذكر المُصطفىٰ سُقْمَ مُهجتي=ولا داءَ من داءِ النَّوىٰ عنه أَدرأُ
أُفِيضُ علىٰ حَرّ الحَشا بَرْدَ ذِكرِه=عَسىٰ نار أَحزاني عن القَلببِ تُطْفَأُ





ثم ذكر ــــ رحمه الله ــــ كلاماً علىٰ قَدرِ مَقامه، ودقائقَ من المَواهب تدلُّ علىٰ علُوّ مكانه فقال في آخرها:


فاذكُر حبيبَ الله بنعمهِ الّتي ذَكرهُ الله بها في القِدَم، يَسُتُرْك من بلائه المُوْدَع في خَلْقِه ومن جميع النِّقَم؛ فيا لها من نِعَمٍ مَنَّ بها العلىُّ الأَعلى على الأحرار من عبيدهِ الخَدَمِ أُولي الهِمَم؛ ثم أنشَد قصيدةً طويلةً في مدح المصطفىٰ ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ ولولا الخروج عن المقصد من هذا التّقييد لذكرت جملةً من أَولياء المحبّين في حبيببِ رَبِّ العالمين.


ورأيت منقولاً بخط الثقات، عن خَطّ الشّيخ الصالح الوليّ العالم أبي الحسن محمّد الأَنصاري البَطرنيّ ــــ قدّس الله روحَه، ونفَع به ــــ تخميساً للقصيدة المُذهبة البديعة البليغة، الوجيزة في مدحه ــــ عليه الصلاة والسلام ــــ المنيعة المنسوبة إلىٰ الشيخ الصالح وليّ الله أبي محمد عبد الله البسكريّ ــــ رحمه الله تعالى ونفع به ــــ التي يقُول في آخرها:





الحَمْدُ للَّهِ الكريممِ وهٰذِهِ =نَجَزَتْ وَظَنِّي أَنَّهُ يَرْضَاها




فسمع قائلاً يقُول في قَبْرِ المُصْطَفىٰ ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ رَضِيْناها، رضيناها.


ويُحكى أَنّه لمّا أراد السَّفر من المدينة المشرَّفة، رأىٰ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم في مَنامِه لإقامته فقال له: تُوحِشُنا يا أبا عبد الله؛ فكانت هذه الرّؤيا سَبباً لإقامته ودفنِه قريباً من تُربته، ومَدْحِه وإنشاد قصيدته." اهـ3

عبدالقادر حمود 03-31-2009 10:22 AM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
"ونذكُر ــــ إن شاء الله ــــ مِن هذا التخميس المبارك ما يليقِ
ذكرُه بكل اسم منها ــــ إن شاء الله، فقال المخَمِّسَ وأجاد ــــ لا حَرمنا الله وإيَّاهُ الثوابَ يوم المعَاد ــــ:





فشهدتُ أنّ الله خصَّ محمّداً = فغدا بأَملاككِ السّماءِ مُؤَيَّدا
وعلى لسان الأَنبياءِ مُمَجَّدا = ورأيتُ فضلَ العالمين مُحَدَّدا
وفضائل المختارِ لا تَتناهى
أمداحُه تبقى على مَرِّ الزّمَنْ = كم آيةٍ فيها لهُ مَدْحٌ حَسنْ
أعيتْ مدائِحهُ الحسانُ ذوي اللَّسَنْ = كيفَ السّبيلُ إلى تَقصّي مَدْحِ مَنْ
قال الإله لهُ؛ وحَسْبُك جاها
ما ضلَّ صاحِبُكم فخصّ وكرَّما=ويقولُ ما كذَبَ الفؤادُ لقد سَما
وكفاه ما قد قالَهُ رَبُّ السَّما=إنّ الذينَ يُبايعونك إِنّما
فيما يقول يُبايعونَ الله
شَهِدَتْ جميعْ الأنبياءِ بفضلِهِ=ولأَجل خَتْمِهمْ أَتَوْا مِنْ قَبْلِهِ
وله لواءُ الحمد خُصَّ بحملِهِ=هذا الفخارَ فهل سمعتَ بمثله
وَاهاً لِنَشْأَتِه الكريمةِ وَاها




فَجَرت ــــ والحمدُ لله ــــ بثنائه على الألسُن والأنهار، ونفحت من المحبين فوائح الأزهار، وانغرست في سويداء قلوب المحبيّن الذين لاحتْ به مِنَ الإيمان أَنَوارٌ وأشْجار، أصلها ثابت وفرعها في السماء لِتَعَلّقِها بذروَةِ سُنّةِ النبيّ المختار http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif ، وطلعت في سماء رفعتهم من أنوار محبته في كل حين وزمان شموسٌ وأقمار.


فهم يشاهدون مكان الحبيب http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif في حضرة محبته، فبِالجِنان يتنعمون، لاَهِجِين بذكره إخواناً على سُرُرٍ مُتَقابلين، لا يَمَسُّهم فيها نَصَبٌ وهُم فيها مُخَلَّدون.


فقايِسْ أيّها المُحِبُّ محبّتَك مع محبة مَن مضى من أصحابه الكرام تستقلّها، وتابِعْ أوصافَهم المرضيّة في حياته وبعد مماته، تعلَمْ أنَّكَ لم تُعْطِ محبَّتَه قدرَها، مع كونهم رضي الله عنهم باعوا نفوسهم وتركوا ديارهم وأموالهم، وآثروا ذلك في محبته، وبَذلُوا وُسْعَهُم وأنفذوا عزمَهم في اتّباع طريقته؛ ومع هذا فهم لأفعالهم مُحْتَقِرون وبتقصير أعمالهم مُعترِفون، وبعد مَماتِه ضافت عليهم (19ب) الأرضُ بما رَحُبَت لفراقهِ، فَهُمْ على ظهرها بالصُّورة، وفي بطنها بالمعنى يتردّدُون." اهـ4.




"‏ كان الصَّدُوقُ الصِّدِّيقُ المُؤانس للرّسول صلى الله عليه وسلم في كل صعبٍ وضِيق، ضجيعُه وحبيبُه أَبو بكرٍ الصِّدِّيق ــــ رضي الله عنه ــــ يرثي حبيبَه بعدَ مماتهِ ويقول:




لمّا رأيتُ حبيَبنا مُتَجَدِّلاً=ضاقَتْ عليَّ بِعَرْضِهنَّ الدَّورُ
فارتْتُ روعةَ مُستهامٍ وألهٍ=فالعظمُ منّي ما بقيتُ كَسِيرُ
أَعَتيقُ وَيْحَكَ إنَّ حِبّك قد ثوى=وبقيتَ مُنْفَرِداً وأَنْتَ حَسيرُ
يا ليتَني مِنْ قبلِ مَهْلككِ صاحبي=غُيّبْتُ في جَدَثٍ عليّ صخورُ




واتَّفَقَتِ العُلَماء على أنّه ما يُتقرّب إلى الله سبحانه بثناءِ أحدٍ مِنَ المخلوقاتِ، بأفضل من الثناء على مَنْ أنارَ الله به الأَرضين والسّموات.


ويُروى أنّه مكتوبٌ على سَاق العَرْش: مَن اشتاق إلى رحمتي رَحِمْتُه، ومن لم يسألني لم أؤيِسه، ومَنْ تقرّب إليّ بِقَدْرِ محمد صلى الله عليه وسلم غَفرتُ له ذنوبه ولو كانت مثل زَبد البحر.


روى محمّد الباهلي ــــ رحمه الله ــــ قال: دخلتُ المدينةَ حتى انتهيتُ إلى قبر النَّبِيّ ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ فإذا بأعرابي وضع بعيرَه فأناخه ثمّ دخل إلى القبر فسلّم سلاماً حسناً ثم قال: بأبي أَنت وأُميّ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم خَصّك بوحيه، وأنزل عليك كتابه، وجمعَ لك فيه علم الأوّلين والآخرين، وقال في كتابه العزيز: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاؤُوكَ، فاسْتَغْفَرُوا الله، واستَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لوَجَدُوا اللَّه تَوّاباً رَحِيْماً} (النساء:64)


، وقد أتيتُك مُقرِّاً بالذنوب، مُستشفعاً بك إلى ربك. ثم أنشأ يقول:




يا خيرَ مَنْ دُفِنَتْ في التُّربِ أعْظُمهُ=فَطابَ مِن طيبِهنَّ القَاعُ والأَكَمُ
أنتَ النبيُّ الذي تُرْجى شَفاعَتُه=عندَ الصّراطِ إذا ما زَلّتِ القَدمُ
نَفْسِي فداءٌ لقبرٍ أنتَ ساكِنةُ=فيه العَفافُ وفيه الجودُ والكرمُ


ثمّ انصرفَ. قال الرّاري: فَما شككت أَنّه راحَ مغفوراً له.


وفيما ذكرناه في هذا الاسم كفاية، نرجُو بها من الله سبحانه الإنانة، ولو ذكرنا ما يناسبه، ويتعلق به لذهبت الأعمار، وانقضت الأعصار. والله الموفق لا ربّ غيره، ولا معبود سواه.


(20أ) فأَسألُ الله المغفرةَ لمؤلِّفه وكاتِبه، وقارئه وسامعه، وشَمِلَ الجميعَ بلُطْفه ورحمته، وجعلَنا في شفاعة سيد المرسلين بِحُرْمَةِ الشّيخين الفاضِلَيْننِ أَبي بكر وعُمَر." اهـ





عبدالقادر حمود 03-31-2009 10:23 AM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
بَابٌ في ذِكر اِسْمِه أَحمد http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif وشرّفَ وكرم


أحمد: اسم من أسمائه عليه أفضل الصّلاة والسّلام، وردت به الآياتُ القرآنية، والأحاديثُ النبوية، وإجماع الأمة المحمّدية.


أما الآيات، فقد قال الله العظيم في كتابه العزيز: {وَمَبَشّراً بِرَسُولٍ يَأتي مِن بَعْدِيَ اسْمُهُ أَحْمَدُ} (الصّف:6)


وأجمعتِ الأُمَّةُ المحمديّة على أنّ المرادَ بهذه البُشرى هو سيِّدُ الخلق، وحبيبُ الحَقّ، رسول الله صلى الله عليه وسلم.


أما الأحاديثُ، فقد قدّمنا قبلُ في اسم محمد ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ قال: «لي خمسةِ أسماء...» فذكر منها محمّداً ثم أحمد.


ورُوِي عن كعب ــــ رضي الله عنه ــــ أنّ الحواريّينَ قالوا لعيسى عليه السّلام: يا رُوحَ الله هل بعدنا مِن أمّة؟ قال: نعم، أمّةُ محمّد، حكماء، أبرارٌ، أتقياء، كأنهم من الفِقه أنبياء، يرضون من الله باليسير من الرزق، ويرضى الله عنهم باليَسير من العمَل، ثم قال: يأتي مِن بعدي رسولٌ اسمُه أحمد.


وقد ورد أنّ اسمه في السّماء أحمد، وفي الأَرض محمد، وفي البحار الماحي، وفي القيامة الحاشِر، وفي الجنّة النّاسخ، وفي النّار العاقب ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ.


وأحمد مشتق من الحَمد، وهو أَفْعَل، مبالغة من الحمد. وقد قدّمنا أن محمداً «مُفَعّل» مبالغة من الحمد فهو صلى الله عليه وسلم، أجلُّ من حَمِد وأعظم من حُمِد، فهو أحمدُ المحمودين، وأحمد الحامدين؛ ولذا أعطاه ربُّه لواءَ الحمدِ يومَ القيامة، حتّى يُتِمَّ له كمالَ الحمد، ويشتهر في عَرصَات يومِ القيامة بصفةِ الحمد ــــ ولذا يبعثه الله يوم القيامة مَقاماً محموداً، كما وعده ربه سبحانه بقوله: {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمَوداً} (الإسراء: 79) ، يَحْمَدُه فيه الأَوّلون والآخرون، وسمَّى الله أمّتَه الحَامِدين لله على كل حال.


ومنه سبحانه أن يتسمّى بهذا الاسمِ الكريمِ أحدٌ من خلق الله. بل شقّه له من اسمهِ تَعظيماً لِقَدْرِه، وزيادةً في عُلوّ مَنْصِبه، وفي هذا الاسم الكريم غرائبُ وعجائبُ كما تقدّم بعضها في اسمه محمد ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ؛ ممّا يدلُّ على اعتناء الرُّبوبيّة بجاهه، وكمال وجاهته عند ربّه، ولذا سمّاه بأحمد في أهلِ سَمائه، وعند أهل حضرته. وسِرُّه، ــــ والله أعلمُ بغيبه ــــ، أنّ ملائكة الله سبحانه هم عُمّار السموات كلِّها، فَما فيها موضعُ شيرٍ إلاّ وفيه ملك لله ساجد أو راكع، ليس لهم أكل إلاّ ذكره، وليس لهم شراب إلاّ حُبّه، وليسَ لهم مخالفةٌ ولا عصيان، بل طاعة وانقيادٌ للملك الرحمن؛ جمع الله فيهم أذكار أوليائه، وتسبيحَهُم ودعاءَهُم، وعبادتهم قبولاً وفعلاً، وجَمعهم عليه فلا يَرَوْنَ إلاّ هو، ولا يَفْتُرون عن ذِكره، كَيْفَ وقد صَيّرهم مولاهم له أهلاً.


ولمّا أراد الله سبحانه أَنْ يُظْهِر لعرائسِ مملكته، ولخاصّة أَوليائه من قُدسيَّةِ نُور سِرّهِ الأَوّل، وإنسانِ عينهم الكامل المكّمل، وهو النبيُّ المصطفى الطاهر الأَمجد، سمّاه في أَهل السّموات باسمه (أحمد)؛ إظهاراً لمنزلته عند ربه، وعُلوِّ رفعته عند خالقه، فكأنّه يقول لأهل حضرته: لئن ظفرتم بالغُنم في تنزيهي وتقديسي وذكري، فلقد زاد على حمدكم حبيبي أحمدُ الّذي بالغ في حَمدي وشُكري، وفوّض أمره لأَمري فهو أفضلُ مَنْ خَلقْتُ ومَنَنْتُ عَليه بجميعِ مَحامِدي، وأَعظم من رَزقْتُه وصَيرَّتُه إكسيرَ مَحامِدي؛ فالواجبُ عليكم يا ملائكتي التسليمُ لعين نظرتي، وإظهار فضائل مَنْ أَوْدَعْتُ عندَه أَسرار شريعتي؛ فإنْ كنتم قد بالَغْتُم في طاعتي وسارَعْتُم إلى كريم خِدمتي، فخدمةُ هذا النبيّ الكريم صاحبِ الخُلُق العظيم، لم ينلها موجودٌ من أَهل الصّدق والكرامة، ولا اتَّصف بها أحدٌ من أهل الوَفاء والسّلامة إلى يوم القيامة." اهـ





"(21أ) فلو تقربت خواصُّ العباد، من الملائكة والأنبياء والزهّاد، بسجدةٍ أو ركعةٍ أو تلاوةٍ أو صلاةٍ، لكانت سجدةُ النبيّ الكريم، أو ركعة صاحب الخلق العظيم، أو تلاوة الرّسول العليم، تزيدُ على سجدة جميع العالمين أو ركعة المخلوق أجمعين من أهل السموات والأرضين؛ لِتَمامِ فضلِه عند أَحكم الحاكمين، وعُلّو قدره عند أرحم الراحمين.


وإنّما بشّر عيسى ــــ عليه أفضلُ الصلاة والسلام ــــ الخلائقَ به ــــ عليه السلام ــــ وسمّاه باسمِ أَحمد الّذي اشتهر به اسمُه عند أَهل السّموات وخصّه به ربّه عند سائر المخلوقات، إشارةً ــــ والله أعلمُ ــــ إلى أنّ عيسى عليه الصلاة والسلام، لمّا سأَله الحواريُّون ــــ كما تقدّم ــــ وقالوا له: يا روح الله هل بعدنا من أُمّة؟.

فأجاب بقوله: نعم أمّة محمّد، حكماء أبرار علماء أَتقياء ــــ كما ذكرنا ــــ.


فالّذين بعثَ الله فيهم مَن اسمه أحمدُ في أهل السّماء، فلا أفضلَ منهم عند ربِّ العرش، لفضلِ نبيّهم، ولا أقربَ منهم عند الله لقُرب حبيبهم؛ وما ذاك إلاّ أنّهم قد مَيّزوا بين الخالق والمخلوق، واعترفوا بأَنَّ الله سبحانه إلٰهٌ واحد لا شبيهَ له ولا نظير، وأنه رازق غير مرزوق؛ فكأنّه يقول لهم: يا معشَر الحواريّين إيّاكم أن تَعْتَقِدُوا في نبيَ من أنبياءِ الله أو رسولٍ من رسل الله كما اعتقدت النّصارى في عيسى، إنما أنا عبدُ الله ورسولُه، وكلمتُه وابنُ أَمَته؛ خَلْقٌ مِن خَلْقِه خَلقني سُبحانه من غير أبٍ بِقُدرته، وخلقَ أمّي وجَعلها صِدِّيقةً، تأكلُ الطّعام، وتمشي في الأَسواقِ، وصيَّرني بِقُدرته؛ لا نتحرّكُ إلاّ بإذنه.


يا معشرَ الحواريّين هذا اعتقادُ أمّةِ محمّد في سائر أَنبياء اللَّهِ أجمعين، وكذا يعتقدون في نبيّهم، مع علمهم أنه أجلُّ الحامدين، وأحمد المحمودين.


فأمَّة محمّد علماء؛ علموا ما يجب لله سبحانه، وما يَستحيل عليه، وما يجوزُ في فِعله، وعلموا ما يجبُ لنبيّه من العبوديّة، وما يستحيل عليه من الاتّصاف بصفةِ الرُّبوبيّة.


أمّةُ محمّد فقهاءُ عُلَمَاء بما يجبُ للأنبياء من كمال (21ب) العصمة وأَنَّهُم لا يعصُون؛ أبرارٌ تحققّوا أنّ أنبياء الله ورسلَه يفعلون ما يُؤمَرون، وبهذا أنطق الله تعالى الأَولياءَ من هذه الأُمّة الوارثين للأنبياء، الآخذينَ عن الأصفياء بلسان الحكمة وبيانِ ما يجب من الاعتقاد في سائر الأمّة، حتّى قال صاحب البُردة كلاماً جارياً على وفق العُقول والسُّنّة: ." اهـ





دَعْ ما ادَّعَتْهُ النّصارى في نبيّهم=واحكمْ بما شئت مَدْحاً فيهِ واحتكمِ
وانسُبْ إلى ذاتِهِ ما شئتَ من شَرفٍ=وانسُبْ إلى قَدْرِه ما شئتَ من عِظَمِ
فإنّ فضلَ رسول الله ليسَ لهُ=حَدُّ فيُعرِبَ عنهُ ناطقٌ بِفَمِ






(يتبع إن شاء الله تعالى ... )






عبدالقادر حمود 03-31-2009 10:26 AM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
فصل


"قال خادمُ السنّةِ، وأفضلُ من نصح بعد الصحابة والتابعين هذه الأُمّة القاضي أَبو الفضل عِياضٌ رحمه الله، ونفع به: إن هذا الاسم مشتقٌ من أسمائه سُبحانه، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم محمّداً. وأَحمد بمعنى محمود؛ أي يَحْمَدُه الأَنام، وكذا وقع اسمه في زبُور داوود ــــ عليه السلام ــــ وأحمد بمعنى أكبرُ مَنْ حُمِد، وأجلَّ مَن حُمِد.

وقد أشار إلى هذا حسّان بقوله رضي الله عنه:



وَشَقَّ لهَ مِن اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ = فَذُو العَرْشِ مَحمودٌ وهذا مُحَمَّدٌ




وذكر قبل هذا كلاماً في فضل الأسماء، يصلح ذكره في باب اسمه أحمد ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ.
ولقد أبْدَع حسّان بن ثابت ــــ رضي الله عنه في هذا الثَّنَاءِ على حبيب اللّه ورسولِه، صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (فَذُو العرش محمودٌ وهذا محمَّد)؛ أَي: فخالق العرش ــــ الذي هو أعظم المخلوقات ــــ بل: خالقُ العالم بأَسره: الأَرَضِيْن والسماوات، الموصوف بكونه في ذاتِه وصفاته حَمِيْداً محموداً، القائمْ بِنفسِه، المُستغني عن خَلقه، الباقي بعد فناءِ خَلقه، مع كونِه يومَ القيامة لهم معيداً، قد شَقّ سبحانه من أسمائِه الحُسنى، ما سمَّى به تاج العارفين، وبالغ في حمده، لأنّه سيّد ما خَلق من المَحْمُودين، فيه إشارةٌ، وتنبيهٌ وإعلامٌ لأهلِ الوجود أَن يُكثروا من حَمْدِه، والثّناءِ عليه، ويُبالغوا (10ب) في الثّناء عليه، ويَبْذُلوا من أنفسهم المجهودَ ويصفوهُ بصفاتِ الكمال، وأَشرفِ المَعاني وأفضلِ الخصال، ويُجِلُّوه غاية الإجلال.



دَعْ ما ادَّعتْهُ النَّصارى في نبيهمُ = وَاحكُمْ بما شئتَ مَدْحاً فيه واحْتَكَمِ
وانّسُبْ إلى ذاتِه ما شِئتَ من شَرفٍ=وانّسُبْ إلى قَدْرِه ما شئتَ من عِظَمِ
فإنّ فضلَ رسول الله ليسَ له=حَدٌّ فَيُعرِبَ عنهُ ناطقٌ بِفمِ

وحسان بن ثابت شاعرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وناصرُه بلسانه، والباذل جهده في ذاته بأقواله وأفعاله، فكان رضي الله عنه ممَّن قَال السَّعادةَ في حمدِه المحمود عند الله، المذهبة() بأن مدح بها رسول الله، وتمثّل الصالحون والمحبّون في هذا النُّور العظيم بمدائحه حين يصفون نبيَّ اللهِ بأوصافهِ فيأتون بنتائج أفكاره وحُسْنِ ما منحه المَوْلى من مَنائحه.

هذه عائشةُ ــــ رضي الله عنها: أُمّ المؤمنين، وحبيبةُ حبيبِ ربّ العالمين ــــ مع حِفظها لأشعار العرب وأَخبارها، وبلاغةِ جواهر ألفاظها، وصَفَتْ يوماً السّيد الكامل، الفاتح الخاتم، وحَمِدَت أقواله وأفعاله، وبالغت وصفها، وبَذلت في مدحه جَهدها ثم قالت: كان والله كما قال فيه شاعرُه حسّان بن ثابت:



متى يَبْدِ في الداجي البهيم جبينُه=يَلُحْ مثلَ مصباح الدُّجا المُتَوَقّدِ
فمنْ كانَ أو مَنْ قد يكونُ كأحمدٍ=نظامٍ لَحقَ أَو نَكالٍ لِمُلْحِدِ؟


وقد مَدح رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاوب عنه العربَ، وقطع لسانهم بنورِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالغَ في نُصرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن بَديع قَصائده، ومدائحه، القصيدةُ التي جاوب بها الهاتفَ الّذي سُمِعَ بين السَّماء والأَرض، حين هاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرضٍ إلى أرض، ليبيّن لعباد اللَّه النَّفْلَ والفرض؛ قالت أسماء ــــ رضي الله عنها وعن أَبيها: لمّا خَرج رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأَبو بكر) أَتى نَفرٌ من قريش فيهم أَبو جهل، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقال: أَين أَبوك يا بنيَّةِ أبي بكر؟ قالت؛ قلت: لا أدري والله أَين أبي (11أ) قالت: فَرفع أَبو جهل يده ــــ وكان فاحشاً خبيثاً ــــ فَلَطَم خَدِّي لَطْمَةً طرحَ منها قرطي، ثم انصرفوا عَنّي.

قالت: فمضت ثلاثُ ليالٍ ما نَدري أينَ توجَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أتى هاتف على أعلى أبي قُبعيْس، وذكر أبياتاً يغنُي بها، يسمعُ النّاسُ صَوْتَه ولا يَرَوْن شخصَه، وهو يقول:



جَزى اللّهُ رَبُّ النّاسِ خَيْرَ جَزائِه=رَفيقَيْنِ قالا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ
هما نَزلا بِالهَدْي واهْتَديا به=فَأَفلحَ مَنْ أَمسى رفيقَ محمّدِ
لِيَهْنىءْ بني كعبٍ مكانُ فتَاتِهم=ومَقْعَدُها للمُؤمنين مَرْصَدِ



وتُروى هذه القصيدة من طريقٍ آخر يزيادةِ يزيادةِ بيت بعد البيت الثّالث فقال:



فما حَملْت من ناقةٍ فوق رَحْلِها=أَبرَّ وأَوفى ذِمّةً من مُحَمّدِ




فالرّفيقان المذكوران في البيت الأول هما سيّدنا ومولانا محمّد صلى الله عليه وسلم، وصاحبه وأنيسه، ورفيقه، وضجيعه، أبو بكر الصدّيق المُؤانِس له في كلّ صَعْبٍ وضيقٍ، رضي الله عنه.

ومعنى قوله «قالا خيمتي أم معبد» أي: نزلا في القيلولة عند هَجير الشمس، واستراحا عند هذه الخيمة المباركة. وهي خيمة أُم مَعبد رضي الله عنها." اهـ




"وقد أَسلَمَتْ وحَسُنَ إسلامها ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها، وظهرت لها مُعجزتُه وبَركته، وذلك أنّه لمّا نَزل عندها قال لها: (يا أُمّ معبد هل عندك من لبن؟ )


قالت: لا واللَّه، وإنَّ الغَنم لعازِبَة؛ قال صلى الله عليه وسلم: (فما هذه الشّاة؟) قالت: والله ما ضَربها فحلٌ قطّ فَشأنك بها. فدَعا بها صلى الله عليه وسلم، فمسَح ظهرها وضَرْعَها، ثم دَعا بإناءٍ فَحلب فملأَه فسقى أصْحابَهُ عَللاً بَعْدَ نَهل، ثم حَلَب فيه فوضعه عندها، وارتحل صلى الله عليه وسلم.


فجاء زوجُها عند المساء، فقال يا أمّ معبد: ما هذا اللَّبن ولا حلوبةَ في البيت، والغنَم عازبة؟.


قالت: إنّه واللَّه قد مَرَّ بنا رجلٌ ظاهرُ الوضاءة، مُتَبلّجُ الوجه، في أَشفارِه غَطف، وفي عينَيْه دَعَج، وفي صوتِه صَحِل؛ غُصنٌ بين الغُصْنَين، لا تشنَؤُه من طُول ولا تقتحمه مِن قصرَ، كأنّ عنقه إبريق فضّة، إذا صَمت فعليه البَهاء، وإذا نطق فعليه الوَقار، له كلام كخرزاتٍ نُظِمْن، أزين أصحابه منظراً، وأحسنهم وجهاً، أصحابُه يَحُفُّوْن به، إذا أَمر ابتدَرُوا أمْرَهُ، وإذا نَهى انْتَهْوا عند نَهْيه.


فقال زوجُها: هذه والله صفةُ صاحببِ قُرَيش، ولو رأيتُه لاتّبعته. هذه رواية. وفي طريق آخر فيها زيادة.


فانظر هذه السيّدة، كيف عَمّت بركةُ المُصطفى صلى الله عليه وسلم عليها. وقدمت أَنوارُه الكريمة لديها، وكيف كانَتْ صِفَتُه عند الخَلائققِ محصوراً ندعُها في شخصه؛ ولذا قال بعلها: هذه صِفَةُ صاحِب قُريش؛ لعلمه به؛ وأنّ هذه الصّفة لم يتصفْ أحد من المخلوقين بها.


وحُسنُه صلى الله عليه وسلم ــــ فوق ما أَثنى عليه المادحون، وقد عَجزت عن بعضٍ بديعٍ صفاته أنْ تَصِفَهُ أهل البَلاغة والواصِفُون.


فلّما سمع حَسّان رضي الله عنه مَدْحَ هذا الهاتِف، قام مُرتجلاً لشدّة حُبّه وكثرةٍ شَوقِه ارتجالَ الشّائِق الواصِف، فقال:




لقد خابَ قومٌ زالَ عَنُهم نبيُّهم=وقد سُرَّ مَن يَسْرِي إليهمْ ويَغْتدي
ترحَّلَ عنْ قومٍ فضَلّتْ عقوُلُهمْ=وحَلَّ على قومٍ بنورٍ مُجَدَّدِ
هَداهُمْ بهِ بعدَ الضَّلالةِ ربُّهمْ=وأَرْشَدهم، من يَبتغي الخيرَ يَرْشُدِ
وقد نزلتْ منهُ على أهلِ يثربٍ=ركابُ هُدْى حلّتْ عليهمْ بأسْعُدِ
نَبِيٌّ يَرى ما لا يَرى النّاسُ حَوْلَهُ=ويَتْلو كتابَ اللَّهِ في كلِّ مَسْجِدِ
وإِن قالَ في يومٍ مَقالَةَ غائبٍ=فتصديقُها في اليومِ أَوْ في ضُحى الغَدِ
لِيَهْننِ أبا بكرٍ سَعادةُ جَدّهِ=بِصُحبَتِهِ، من يُسعدِ اللَّهُ يَسْعَدِ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع الفصل التالي..... )

عبدالقادر حمود 03-31-2009 10:29 AM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
فصل


"ما ذكرته أنّ الله تعالى هو المسمَّي له محمداً ــــ صلى الله عليه وسلم وهو المقطوع به من اعتناء مولاه له، وهو المنقول في سِيره عليه السّلام.


رُوي من طريق أبي جعفر محمد بن عليّ، من طريق ابن سعد قال: أُمرت آمنة وهي حامل برسول الله صلى الله عليه وسلم ــــ أن تُسَمّيه أحمد.


وروى ابنُ إسحاق أنّها سمعت، حين حَملت به، قائلاً يقول لها: إِنك حملتتِ بسيّد هذه الأُمَّة. وفيه: إذا وضعْتِه فِسمته محمداً. فالآثارُ الكثيرة دالّة على أنّ الاسم الكريم، اختاره له ربَّه، وخصَّه بهِ وشهَره به في أرضِه، فكان اسمه فيها محمداً؛ وجعل اسمه في السماء أحمد، وجعل اسمه في البحار الماحي.


ويُروى أن آدم عليه السلام، سأل ربه عز وجل: لأيّ شيءٍ سمّيته في الأرض محمّداً وفي السماء أحمد (9ب) فأجابه ربّ العزة: لأنّ أهل المشرق والمغرب يتبعونه، ويحمدونه ويثنون عليه، فسميَّتُهُ في الأَرض محمّداً، وأهل السّماء من الملائكة قد حمدوا ربّهم، وأثنوا عليه. فكان محمد ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ أَحْمَدُهم لربة فَسُمّي في السماءِ أحمد.


وكذا وجدتُه في بعض الآثار، ومشهور الإِخبار، أن اسمه في السَّماء أحمد، وفي الأرض محمدٌ، وفي البحار الماحي، وآدم عليه السّلام سأل عن سرّ تسمية نبينا ومولانا محمّد صلى الله عليه وسلم بالأسمين الشريفين في الأرض والسَّماء.


وأجابَ ربّ العزة، جل جلاله العالمُ بخفيّات الأمور بجوابٍ شَفى به الصدور؛ ولم يسألة آدم عليه السلام عن تخصيص اسمه (الماحي في البحار)، مع أنَّ الأثر الذي يسأل عن تخصيصه به موجودٌ فيه: (في البحار).


ولعلّ آدم عليه الصَّلاة والسَّلامَ رآه أمراً بيّناً، جليّاً، وفهم معناه، وكان عنده مَرْضِيّاً، في بعض الرّوايات بقوله: «الذي يَمْحُو بي اللَّه الكفر»، وظهر لي جوابٌ ــــ فتَح اللّه به ــــ في تخصيصه بالماحي في البحار، أذكره ــــ إن شاء الله ــــ في اسمه الماحي ــــ صلى الله عليه وسلم.


وصاحب الاكتفا ــــ رحمه الله ــــ قال:


يُروى أنّ عبد المطلب إنّما سمّاه محمّداً لرؤيا ــــ زَعموا أنّه رآها في منامه ــــ: كأنّ سلسلة من فضّةٍ خَرجت من ظهره لها طرفٌ في السَّماء، وطرفٌ في الأرض، وطرفٌ في المشرق وطرفٌ في المغرب، ثم عادت وكأَنها شَجرة على كلّ ورقة منها نُور، وإذا أهلُ المشرق والمغرب يتعلّقون بها. فقصَّها، فَفُسَّرت له لمولود من صُلْبِه يتبعُه أَهلُ المَشْرِق والمَغْرِب، ويحمده أهلُ السَّماء والأَرض، فلذا سماه محمداً، مع ما حَدَّثت به آمنة أُمَّه.


وهذا الخبر، وإن كانَ بظاهِره يُخالفُ ما ذكرناه أوّلاً فالجمع فيه قريب؛ وذٰلك أنَّ الألطاف الربّانيّة من ربّ الأرباب بهذا النبي من الأمر العجيب، فجرت معه خوارق العادات، ونَطقت عند بروز هذا النّور إلى الأرض الأكوانُ وظهرت، وأنْطَق اللَّهُ الملائكة، وأَنزلها (10أ) إلى الأرض اعْتناءً بخيبه، وأظهر من أَجْله الكَرامات، فسمعت أُمّه ما حقّقت به أنه سيّد الأرض والسَّماوات، ولذا قالت لِحليمة لما قدمت به عليها، وخافت عليه أن يناله شيء لديها وأرادت رده إليها: أنَكِ خِفْتِ على ولدي من الشَّيطان، لا والله ليسَ للشيطان على ولدي سبيل، فإنّي رأيتُ عند حملي به ووضعه ما دلّني على أنه سيّد المخلوقات. فحققت أُمّه الأَمر بهذه التسمية له أنها من الله، وأَلهم ذٰلك ــــ سبحانه ــــ جَدّه عبد المطلب، فطابقَ ما عنده من النّظر ما سمّاه به ربّه ربّ البريّات." اهـ



فصل


"قال خادمُ السنّةِ، وأفضلُ من نصح بعد الصحابة والتابعين هذه الأُمّة القاضي أَبو الفضل عِياضٌ رحمه الله، ونفع به: إن هذا الاسم مشتقٌ من أسمائه سُبحانه، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم محمّداً. وأَحمد بمعنى محمود؛ أي يَحْمَدُه الأَنام، وكذا وقع اسمه في زبُور داوود ــــ عليه السلام ــــ وأحمد بمعنى أكبرُ مَنْ حُمِد، وأجلَّ مَن حُمِد.


وقد أشار إلى هذا حسّان بقوله رضي الله عنه:




وَشَقَّ لهَ مِن اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ=فَذُو العَرْشِ مَحمودٌ وهذا مُحَمَّدٌ


وذكر قبل هذا كلاماً في فضل الأسماء، يصلح ذكره في باب اسمه أحمد ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ.
ولقد أبْدَع حسّان بن ثابت ــــ رضي الله عنه في هذا الثَّنَاءِ على حبيب اللّه ورسولِه، صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (فَذُو العرش محمودٌ وهذا محمَّد)؛ أَي: فخالق العرش ــــ الذي هو أعظم المخلوقات ــــ بل: خالقُ العالم بأَسره: الأَرَضِيْن والسماوات، الموصوف بكونه في ذاتِه وصفاته حَمِيْداً محموداً، القائمْ بِنفسِه، المُستغني عن خَلقه، الباقي بعد فناءِ خَلقه، مع كونِه يومَ القيامة لهم معيداً، قد شَقّ سبحانه من أسمائِه الحُسنى، ما سمَّى به تاج العارفين، وبالغ في حمده، لأنّه سيّد ما خَلق من المَحْمُودين، فيه إشارةٌ، وتنبيهٌ وإعلامٌ لأهلِ الوجود أَن يُكثروا من حَمْدِه، والثّناءِ عليه، ويُبالغوا (10ب) في الثّناء عليه، ويَبْذُلوا من أنفسهم المجهودَ ويصفوهُ بصفاتِ الكمال، وأَشرفِ المَعاني وأفضلِ الخصال، ويُجِلُّوه غاية الإجلال.



دَعْ ما ادَّعتْهُ النَّصارى في نبيهمُ=وَاحكُمْ بما شئتَ مَدْحاً فيه واحْتَكَمِ
وانّسُبْ إلى ذاتِه ما شِئتَ من شَرفٍ=وانّسُبْ إلى قَدْرِه ما شئتَ من عِظَمِ
فإنّ فضلَ رسول الله ليسَ له=حَدٌّ فَيُعرِبَ عنهُ ناطقٌ بِفمِ

وحسان بن ثابت شاعرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وناصرُه بلسانه، والباذل جهده في ذاته بأقواله وأفعاله، فكان رضي الله عنه ممَّن قَال السَّعادةَ في حمدِه المحمود عند الله، المذهبة بأن مدح بها رسول الله، وتمثّل الصالحون والمحبّون في هذا النُّور العظيم بمدائحه حين يصفون نبيَّ اللهِ بأوصافهِ فيأتون بنتائج أفكاره وحُسْنِ ما منحه المَوْلى من مَنائحه.


هذه عائشةُ ــــ رضي الله عنها: أُمّ المؤمنين، وحبيبةُ حبيبِ ربّ العالمين ــــ مع حِفظها لأشعار العرب وأَخبارها، وبلاغةِ جواهر ألفاظها، وصَفَتْ يوماً السّيّدَ الكامل، الفاتح الخاتم، وحَمِدَت أقواله وأفعاله، وبالغت وصفها، وبَذلت في مدحه جَهدها ثم قالت: كان والله كما قال فيه شاعرُه حسّان بن ثابت:



متى يَبْدِ في الداجي البهيم جبينُه=يَلُحْ مثلَ مصباح الدُّجا المُتَوَقّدِ
فمنْ كانَ أو مَنْ قد يكونُ كأحمدٍ=نظامٍ لَحقَ أَو نَكالٍ لِمُلْحِدِ؟



وقد مَدح رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاوب عنه العربَ، وقطع لسانهم بنورِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالغَ في نُصرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.


ومن بَديع قَصائده، ومدائحه، القصيدةُ التي جاوب بها الهاتفَ الّذي سُمِعَ بين السَّماء والأَرض، حين هاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرضٍ إلى أرض، ليبيّن لعباد اللَّه النَّفْلَ والفرض؛ قالت أسماء ــــ رضي الله عنها وعن أَبيها: لمّا خَرج رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأَبو بكر) أَتى نَفرٌ من قريش فيهم أَبو جهل، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقال: أَين أَبوك يا بنيَّةِ أبي بكر؟ قالت؛ قلت: لا أدري والله أَين أبي (11أ) قالت: فَرفع أَبو جهل يده ــــ وكان فاحشاً خبيثاً ــــ فَلَطَم خَدِّي لَطْمَةً طرحَ منها قرطي، ثم انصرفوا عَنّي.


قالت: فمضت ثلاثُ ليالٍ ما نَدري أينَ توجَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أتى هاتف على أعلى أبي قُبيْس، وذكر أبياتاً يغنُي بها، يسمعُ النّاسُ صَوْتَه ولا يَرَوْن شخصَه، وهو يقول:



جَزى اللّهُ رَبُّ النّاسِ خَيْرَ جَزائِه=رَفيقَيْننِ قالا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ
هما نَزلا بِالهَدْي واهْتَديا به=فَأَفلحَ مَنْ أَمسى رفيقَ محمّدِ
لِيَهْنىءْ بني كعبٍ مكانُ فتَاتِهم=ومَقْعَدُها للمُؤمنين مَرْصَدِ


وتُروى هذه القصيدة من طريقٍ آخر يزيادةِ بيت بعد البيت الثّالث فقال:



فما حَملْت من ناقةٍ فوق رَحْلِها=أَبرَّ وأَوفى ذِمّةً من مُحَمّدِ



فالرّفيقان المذكوران في البيت الأول هما سيّدنا ومولانا محمّد صلى الله عليه وسلم، وصاحبه وأنيسه، ورفيقه، وضجيعه، أبو بكر الصدّيق المُؤانِس له في كلّ صَعْبٍ وضيقٍ، رضي الله عنه.


ومعنى قوله «قالا خيمتي أم معبد» أي: نزلا في القيلولة عند هَجير الشمس، واستراحا عند هذه الخيمة المباركة. وهي خيمة أُم مَعبد رضي الله عنها.


وقد أَسلَمَتْ وحَسُنَ إسلامها ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها، وظهرت لها مُعجزتُه وبَركته، وذلك أنّه لمّا نَزل عندها قال لها: يا أُمّ معبد هل عندك من لبن؟ قالت: لا واللَّه، وإنَّ الغَنم لعازِبَة؛ قال صلى الله عليه وسلم: فما هذه الشّاة؟ قالت: والله ما ضَربها فحلٌ قطّ فَشأنك بها. فدَعا بها صلى الله عليه وسلم، فمسَح ظهرها وضَرْعَها، ثم دَعا بإناءٍ فَحلب فملأَه فسقى أصْحابَهُ عَللاً بَعْدَ نَهل، ثم حَلَب فيه فوضعه عندها، وارتحل صلى الله عليه وسلم.


فجاء زوجُها عند المساء، فقال يا أمّ معبد: ما هذا اللَّبن ولا حلوبةَ في البيت، والغنَم عازبة؟. قالت: إنّه واللَّه قد مَرَّ بنا رجلٌ ظاهرُ الوضاءة، مُتَبلّجُ الوجه، في أَشفارِه غَطف، وفي عينَيْه دَعَج، وفي صوتِه صَحِل؛ غُصنٌ (11ب) بين الغُصْنَين، لا تشنَؤُه من طُول ولا تقتحمه مِن قصرَ، كأنّ عنقه إبريق فضّة، إذا صَمت فعليه البَهاء، وإذا نطق فعليه الوَقار، له كلام كخرزاتٍ نُظِمْن، أزين أصحابه منظراً، وأحسنهم وجهاً، أصحابُه يَحُفُّوْن به، إذا أَمر ابتدَرُوا أمْرَهُ، وإذا نَهىٰ انْتَهْوا عند نَهْيه.


فقال زوجُها: هذه والله صفةُ صاحبِ قُرَيش، ولو رأيتُه لاتّبعته. هذه رواية. وفي طريق آخر فيها زيادة.


فانظر هذه السيّدة، كيف عَمّت بركةُ المُصطفى صلى الله عليه وسلم عليها. وقدمت أَنوارُه الكريمة لديها، وكيف كانَتْ صِفَتُه عند الخَلائقِ محصوراً ندعُها في شخصه؛ ولذا قال بعلها: هذه صِفَةُ صاحِب قُريش؛ لعلمه به؛ وأنّ هذه الصّفة لم يتصفْ أحد من المخلوقين بها.


وحُسنُه صلى الله عليه وسلم ــــ فوق ما أَثنى عليه المادحون، وقد عَجزت عن بعضٍ بديعٍ صفاته أنْ تَصِفَهُ أهل البَلاغة والواصِفُون.


فلّما سمع حَسّان رضي الله عنه مَدْحَ هذا الهاتِف، قام مُرتجلاً لشدّة حُبّه وكثرةٍ شَوقِه ارتجالَ الشّائِق الواصِف، فقال:



لقد خابَ قومٌ زالَ عَنُهم نبيُّهم=وقد سُرَّ مَن مَن يَسْرِي إليهمْ ويَغْتدي
ترحَّلَ عنْ قومٍ فضَلّتْ عقوُلُهمْ=وحَلَّ على قومٍ بنورٍ مُجَدَّدِ
هَداهُمْ بهِ بعدَ الضَّلالةِ ربُّهمْ=وأَرْشَدهم، من يَبتغي الخيرَ يَرْشُدِ
وقد نزلتْ منهُ على أهلِ يثربٍ=ركابُ هُدْى حلّتْ عليهمْ بأسْعُدِ
نَبِيٌّ يَرى ما لا يَرى النّاسُ حَوْلَهُ=ويَتْلو كتابَ اللَّهِ في كلِّ مَسْجِدِ
وإِن قالَ في يومٍ مَقالَةَ غائبٍ=فتصديقُها في اليومِ أَوْ في ضُحى الغَدِ
لِيَهْنِ أبا بكرٍ سَعادةُ جَدّهِ=بِصُحبَتِهِ، من يُسعدِ اللَّهُ يَسْعَدِ



(يتبع إن شاء الله تعالى مع فصل آخر.... )

عبدالقادر حمود 03-31-2009 10:32 AM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
1 مرفق
فضل


"قال بعضُ العارفين، ممّن لاحت في قلبه أَنوارُ المحبّين:


محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبةٌ على الخلائق أجمعين؛ لأَنّ النفوس مجبولةٌ على حَبِّ مَنّ أحْسَن إليها، ومائلةٌ لمن رَحِمَها وأشْفَق عليها، وقد أحْسَن صلى الله عليه وسلم إلى العالَم بأسرِه، عُلويّه وسُفليّهِ؛ أرسله الله رحمةٌ للعالمين، وبشيراً نذيراً للخلائق أجمعين.


ومَنْ أحبّ شيئاً، أحَبّ ذِكْرَ أسمائِه، ومُشَاهدتَه، وكتب عنده شمائله وصفته، ونفتش في قلبه صفته وصورته.


فلمّا أَنْ كمّل مولانا ــــ جل جلاله ــــ خَلْقه وخُلُقه، ورفعه على حضرة قُدسه، واصْطَفاه على الأَخيار من خِيرَةِ خَلْقه، واسكنَ محبّته في قُلوب المخلوقات، ورحم به الأَرَضينَ والسّموات؛ فنطق بحسن الثناء عليه الساكنُ والمتحرّك، والحيوانُ السّفليّ والعُلويّ والجماد، وخلقَ الله صورةَ مَنْ كَرَّمه من الإنسان وفَضّله على سائر العِبَاد، فجَعله على صورةِ الاسممِ المكتوب ليطمئنّ بالنظرِ إلى اسمه صميمُ الفُؤاد؛ فالميم من اسمه رأسُ الإنسان، والحَاء جَناحاهُ، والميم الثّانية بَطْنُه، والدال رجلاه.


ففيه إشارةٌ إلى أنّ الخلائق المكرَمين، كرّمهم مولاهم بأن خلقهم على صوره اسم الصادق الأمين، ليشاهدوا اسمَ شرف وجودهم وشمسَ سماءِ صُعودهم في كلّ وقتٍ وحين ولتكونَ هٰذه الصورةُ البشريّة في صعودِ الرّفعة وغايَةِ الاحترام، والصِّدق عن جمَيع الشَّيْنِ والانخرام.


فَمَنِ استحضَرَ ذٰلك من أَهلِ المحبّة، حَرّم على صورة الإنسان تسخيره وتحقيره، وأوجبَ عنده توقيرَهُ وتعظيمَهُ؛ كيف لا، وهو يشاهد صورةَ اسم حبيبه في شكله، وصفة مَنْ وُجِدت الكائنات من أجله؛ بل ومَنْ أزال الله الحجابَ عن بصيرته، وراقب مَنْ رأى بصرُه من الصُّورة في شكلهِ، حَمَلَهُ التّعظيمُ والإجلال لصورةِ اسمِ حَبيبِ الله أن يُراقِبَها، وأن يمنعَ نَفْسَه من المُخالفات فَيُقَدَّرَها قَدْرَها، وأن يُحافِظَ على نفس هذه الصُّورة في قلبِه مخافة أَن تزول، ويطلبَ من المولى ثباتَ قلبه على دِينه ويسألَه القبول؛ فإنّ القَلْبَ إذا مُسِحَت منهُ الصُّورة المحمدية، وذَهبت منه البركةُ النّبوية امتسخت الصُّورة الظّاهرة من الإِنسان، وذَهَب عَنْهُ من مولاه الأمان، ودخل في دائرة الخِزْيِ والامتهان، ولذا جاءَت صُورةُ الكافر في جَهَنَّم على أَقْبح شكل ومَنْظر، وللنّاظر فيها اتّعاظٌ ومُعْتَبَر، فلا يُمْتَهَنُ ويخْزَى حتّى تُمْسَخَ صُورَتُهُ الظّاهرة كمَا مُسِخَت صُورَةُ قلبهِ البَاقطِنَة؛ وأَمّا سكان دار النَّعيم والإِكرام ومحلّ التَبْجِيل لعبادِ اللَّهِ والاحْتِرام فَكُلُّهم على صُورة نَبِيّنا مُحَمّد صلى الله عليه وسلم." اهـ

عبدالقادر حمود 03-31-2009 10:32 AM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
"فأَهْلُ الجَنّة ــــ جَعلنا اللَّهُ مِنهم ــــ كُلّهم علىٰ صُورةِ اسْمِه [ http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif ] لإكرامِه عندَ رَبّه، فيها يُنَعَّمُون؛ وأهلُ النّار ــــ أَعاذَنا اللَّه منها ــــ تُمْسَخُ مِنهم تلكَ الصُّورةُ حَفْظاً لها من الإهانَة، فبعدَ زَوالها يُعَذَّبُون.


فتذكَّرُوا ــــ رَحِمَكُم اللَّهُ، وزادَنِي وإيّاكم حُبّاً في حَبيبِ اللَّهِ ــــ أسرار مَولانا جلَّ جلالُه في حَبِيبه. وأَظْهِرُوا حُبَّهُ بِكَثْرَةِ الصَّلاةِ عَليه يُدْخِلْكُم يَوْمَ القِيامةِ تحتَ ظِلّ عَرْشِه وظَليله.


هذا الاسمُ الكريمُ شرَفُه وبركتُه وكرمُه ورحمتُه تابعةٌ لِمُسَمّاه؛ فكَما أنّ مُسَمّاه ببركتِه ورحمتِه وشرفِه أَنارَ اللَّهُ جميعَ الكائناتِ، فكَذٰلكَ اسْمُه ببركتهِ وشَرَفِه أَظهرَ اللَّهُ في العالَمِ كُلِّه البَركات.


وقد أكثَر الغَّواصُون في بحارِ مَحبْتهِ، المُشتاقون إِلىٰ سَماع لَفْظهِ ورُؤيته، في إظهارِ ما كَمَنَ وخَفِيَ في هٰذا الاسممِ العَظيممِ من الأسْرارِ، وما اسْتَتر في طيِّ أَحْرُفهِ ما فيهِ للعَالَمين اعْتِبار.


فَشَمَّرُوا عن سَاققِ جِدّهم، وبالَغُوا في الغَوْصِ حَتّىٰ خَرجُوا عن حَدّهِم، وشَرِبُوا من مَاءِ المَحبّةِ عَلىٰ قَدْرِهم، وأَلَّفُوا التّواليفَ العَظيمةَ الشان، والرَّفيعةَ المَكانِ، ومَع هٰذا ما ظهرَ لهم بعد الفُتوح إِلا نُقطَةٌ من سِرّ أَسرار اسم الحَبيب، وما أُشير لَهُم إلاّ برَمْزَةٍ فَهِمَها منهمُ الفَائِقُ النُّجِيب، وما خَفِي من كُنوزِ أسرارِه لا يُحيط به إلاّ واهِبُه الخَبير الرّقيب.


فمن فضائِل هٰذا الاسم وشَرفِه أن اللَّهَ سبحانه وتعالى خلق من أَنبيائِه مِئةَ أَلْففِ (13أ) نبيّ وأربعةً وعشرين ألف نبيِّ، وأرسل منهم إلىٰ خلقه لبيان الطريقة، وتحقيق الحقيقة، ثلاث مئة نبيَ وأربعةَ عشر نبياً، فكان واسطةَ عقد الرّسل والأَنبياء وإمامَهم، والذي اختاره اللَّهُ منهم، وجمَع فيه أَفعالَهم الكريمةَ وأخلاقهم.


يُروىٰ أن أمَّهُ آمنةَ لما وضعته عليه الصلاة والسّلام رأت خوارق عوائد، واعتناءً من أهل سحابةً عظيمة، وسمعتُ صوتاً يقول حين رفَعُوه عني:

أَعْطُوا محمداً أَخلاقَ الأَنبياء، واجْمَعُوها له، ومن إبراهيم حِلْمَه، ومن إسماعيل كلامَه، ومن داوود صَوته، ومن أيّوب صَبْرَه، ومن عيسىٰ زُهده، ومن نوح شُكرَه، ومن موسىٰ قوّته، ومن يوسف حُسْنَه، وخَذوا له من جميغ أنبياءِ الله ورُسله الكرام صفاتهم الكريمةَ، وأَخلاقَهم العظيمة.


فانظروا هٰذا الشّرفَ ــــ رحمكم الله ــــ هل بعده شرف؟ وتأملوا هذه الخَصِيصة من اللَّه تعالىٰ. هل نالها أو ينالُها أحد من المخلوقين بماللٍ وتَرَف؟ بل الواهب العالم بخفيّات الأَمور عَلِمُ أنَّ عِزّه وسعوده لا يَنْعَقِدُ على الكمال إلاّ لإنسانِ عينِ الأكوان، وحبيب الكبير المُتَعال.


فلما أنْ جمعَ تعالىٰ فيه ما افترق من صِفات الكمال، وجعله في أشرَقف خَلْقِه أَكملِ كمالِ الرِّجال، وكانت صفاتُهم كلُّها كاملةً مكمّلة مانِعة، واشتركوا كلّهم في الصِّفات الحسنة الجامعة، واخْتَصِّ كلَّ واحدٍ منهم بزيادّةِ حسنةٍ فيه نيرّةٍ لامعةٍ ساطعة؛ فبلغَتْ تلكَ الصّفاتُ تمامَها، وتزخرفت ونشرت أعلامها، وسَكَنَتْ في تاج الموجودات وإمامها، وجَعل الله تعالىٰ ذلك علامةً للمحبّين، علىٰ اجتماع تلك الصّفة في سيّد المُرسلين؛ محمّد تنبيهاً عند ذِكر اسمهِ علىٰ فضلِه عند (13ب) الغافلين؛ لأنّك إذا جَمْعتَ عدد حروفه بَعدِّ (أَبْجَد)، تَجِدُ مجموعَها ثلاث مئة وأربعة عشر علىٰ عدد المُرسلين من أنبيائِه الكرام الطّاهرين المكرّمين الأَعلام.


ففيه إشارةٌ إلىٰ أنَّ صفات الكاملين ــــ وإنْ تَفَرَّقَتْ في أْصفيائه، ورُسله وأَنبيائه ــــ فقد جُمِعَتْ في أكمل المخلوقاتا من أَحبّائه." اهـ



عبدالقادر حمود 03-31-2009 10:34 AM

رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين
 
فصل


"هذا الفصل أذكرُ فيه مسائل يُحتاج إليها، وفوائد يتأكّد التنبيهُ لطالب الأَسماء عليها، تصلحُ أن تكون مقدّمة بين يدي الأَسماء الكريمة، وعَوناً عليها.


وأختصرُ من الكلام ما لا يَسعُه منهم كثيرٌ من السامعين، وأقصر البسط في العبارة (3أ) فإنّ كثيراً من المُخاصَبات لا تغني فيها الإشارة، وخطاب الذكيّ ليس كخطاب الغبيّ، وغالب قصدي في هذا التأليف: تعليم المبتدئين، وشرح ما أَشكل من الأَلفاظِ لأَهل البداية من السّالكين؛ فإن وقع في يَدِ أهلِ الرّمز والإشارة، والفهم الثاقب، وإدراك وجيز العبارة، فلا جَرَم أطلبُ منه طلاقه الوجه وحسن الصّفا، والإغضاءِ عن سَقطات القلم وكمال العفو والوفا.


فنقول، وباللَّه المُستعان، وعليه التّكلان: أَسماءُ رسول الله صلى الله عليه وسلم:


منها ما ورَد في الآيات القُرآنيّة؛ ومنها ما ورد في السنّة النبوية؛ ومنها ما أطلق عليه بإجماع الأُمّة المحمدية.


وقد بَيّن ذلك القاضي أبو الفَضل عياض، رحمه الله، أحْسَن بيان وشَفى الصُّدور بشفائه، وعَمَرها بِمَحبّة حَبيب الرَّحْمن.


وإذا شَرعنا ــــ إن شاء الله ــــ في شرح أسمائه عليه السلام فلا بد من ذكر ما دلّ على صحّة التسمية له بذلك الاسم، وما دلّ عليه بالمعنى.


ونشرحُ الأَسماء التي سمّاه بها رَبّه جلّ جلاله، واشتقّها له من أسمائه الحُسنى، وأُذيّل على ما أذكر من الأَسماء بما يناسبه، ويجب على المُحِبّ التخلُّقُ به مِن مَعناه؛ أَو يقاربه. وأُطرّزُ الكلام بما يشوق من آثاره، ويحمل الصّادق في المحبّة عند ذكره إِلى اتّعاظه وادّكاره.


وأحذفُ ما فيه غُلوقٌ على أَفهام السّالكين، وأذكر بعض حكايات وآثارٍ وفوائدَ وأشعارٍ من كلام أهل الطّريق، وأَفعال الصالحين، ونطلبُ من اللَّه تعالى العَوْنَ والحِفظ من الخَطأ والزّلل في الاعتقاد، والقول، والعَمل؛ وسميته:


تذكرةَ المُحِبْين في أَسماءِ سيّد المُرسلين:


صلى الله عليه وعلى آله وأَصحابه الخِيرة المُنتخبين، وأزواجه الطّاهرات أُمّهات المؤمنين، صلاةً طيبةً دائمةً إلى يوم الدّين، وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدّين، والحمدُ لله ربّ العالمين.


(3ب) وممّا يُقَوّي رجائي، ويجيبُ ــــ إن شاءَ اللَّهُ ــــ دُعائِي ويلبّي ــــ ببركة هذا النَّبِيّ ــــ طَلِبتي، ويَصْلُح به ما فسدَ مِن نِيَّتي ويُثبني على ما صَدْتُه من نُصرتي، ويحمل السّامعين على ما يزيدهم محبةً في سيّد المرسلين، ويشوّقُهم في صفات حبيبِ ربّ العالمين، ويُزعجهم إلى خِدمته ونُصرته في كلّ وقت وحين، ما ذكره الفقيهُ المُبارك قارىء هٰذا الكتاب، الذي يُرجى له من اللَّهِ التّوفيقُ والسَّدادُ والصواب:


أنّ اللَّهَ سُبحانه، أَوْقَف الأَمر في قراءته على ما أَراده بين مكانه ووقته، فعرض للقارىء في ابتداءِ قراءته في يوم الجُمعة ما مَنعه من القِراءة بعد الصَّلاة مانع من اللّه حتى كان ذلك سَبباً لِرؤيةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَتَدُلَّهُ على ما أَراد الله سُبحانه، لأنه يُريد ولا نريد، ولا يكونُ إلاّ ما يُريد.


قال القارىء سَدَّدَهُ اللَّهُ تعالى: يقول العبد الفقير إلى مولاه، الراجي عفوه ورحماه، منصور، الشَّريفٌ لأُمِّه، بن محمد؛ عُرِفَ بسوس الأَربسي، قارىءُ البخاري بجامع الزّيتونة من تُونس المحروسة.


أنا قائمٌ ليلة السبت الخامسَ لشعبان عام أحد وثمانين وثمان مئة ثُلث اللّيل الآخِر، فكأنّي داخلٌ للجامع، وبيدي تأليفُ الشّيخ الفقيه المعتقد الصّالح أبي عبد الله محمد الرصّاع أبقى الله بركته المسمّى بــــ «تذكرة المحبيّن في أَسماءِ سيّد المُرسلين» أريد قراءته عند التّوابين، فبينما أنا بالقُرب من باب البَهْو أَحدِ أبواب البيت أُريد الدّخول فإذا برجلٍ جَذبني من خَلقي وقال لي: أَين تريد؟

فقلت: له: أُريد أَن أَقرأ هذا الكتاب

فقال لي: أَتقرؤه والنّبي ــــ صلى الله عليه وسلم جالسٌ هناك؟

وأشار إليه فالتفتُّ،. فإِذا النّبيُّ صلى الله عليه وسلم جالسٌ في صَدر المجنبة الشّرقية، حيثُ يُقْرأ كتاب التَّرغيب والترهيب، والصّحابةُ رضي الله عنهم مُحْدْقونَ به صلى الله عليه وسلم، وعَليهم ثيابٌ بيضٌ وعلى رأسه عمامة بالنّقاب، مرتدٍ بإِحرام، طرفُه على رأسِه، وطرفه الآخر على كتفِه الأَيمن." اهـ




الساعة الآن 10:01 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى