منتديات البوحسن

منتديات البوحسن (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   المواضيع الاسلامية (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=7)
-   -   الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=3424)

هيثم السليمان 06-07-2009 11:44 PM

الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني
 
الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني
بسم الله الرحمن الرحيم

انتشرت مقولة خطيرة بين الأوساط النقديّة الأدبيّة والتاريخيّة للعصرين المملوكي والعثماني ؛ مفادها أنّ هذين العصرين هما عصرا تخلّف وانحطاط , هذه المقولة بدأت مع المستشرقين الذين كادوا للدّين وأخذوا بتشويهه , وتشويه تاريخه ، وعلومه , وآدابه , فقد درسوه دراسة وافرة متعمّقة , وأظهروا له عناية فائقة ؛ الأمر الذي جعل كثيراً من الباحثين العرب الذين تقمّصوا آراء أساتذتهم الغربيّين يردّدون كلامهم دون دراسة وتمحيص , ممّا ساعد على انتشار هذه المقولة المغلوطة .
فنحن لو تأمّلنا نتاج هذين العصرين لوجدنا دُرَرَاً لا يأتي الزّمان بمثلها ؛ في العلوم , والتاريخ , والطب , والأدب ... , وجميع فروع الحياة .
فأبرز علماء المسلمين الموسوعيّين ظهروا في هذين العصرين ؛ من مثل النويري صاحب كتاب ( نهاية الأرب ) , والقلقشندي صاحب ( صبح الأعشى في صناعة الإنشا ) , والأبشيهي صاحب ( المستطرف في كلّ فنّ مستظرف ) , وابن منظور صاحب ( لسان العرب ) , والزبيدي صاحب ( تاج العروس في شرح القاموس ) , وابن أبي أصيبعة صاحب ( عيون الأنباء في طبقات الأطباء ) , وابن خلكّان صاحب ( وفيّات الأعيان ) , وعماد الدّين القزويني صاحب ( عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات ) , ولسان الدّين الخطيب صاحب ( الإحاطة في أخبار غرناطة ) , وغيرهم كثير ...
كما برز كبار علماء المسلمين وأدبائهم من مثل : ابن حجر العسقلاني , والحافظ السيوطي , والسّخاوي , والبوصيري , وصفي الدّين الحلّي , والشاب الظريف , وعبد الغني النابلسي , وغيرهم ...
والسبب في وسم العصرين بهذه السمة , كما أرى , طمس المعالم الحضاريّة لهما , وإبعاد تهمة تأثّر الحضارة الغربيّة بهما , فالدّارس لهذه الفترة يلاحظ أنّها بداية انطلاق النهضة الغربيّة , وهذه النهضة تدين بانطلاقتها للحضارة العربيّة , لذلك أرادوا إبعاد حقيقة تأثّرهم بالحضارة العربيّة الإسلاميّة باتهامهم لهذين العصرين بالتخلّف والانحطاط , فكيف يتأثرون بأناسٍ متخلفين ( كما زعموا ) ؟
وأسأل الله أن يوفقني أن أكتب بحثاً مفصّلاً عن هذين العصرين , وأظهر مميّزاتهما , وتأثيرهما بالحضارة الغربيّة .
لكنّني سأسلّط الضوء هنا على بعض أنواع الشعر العربي التي ظهرت في هذين العصرين , والتي تعدّ بحقّ إبداعاً في عالم الشعر العربي ؛ على عكس ما يروّجه بعض الدّارسين من أنّ الشعر في هذين العصرين كان متكلّفاً يعتمد الصنعة , ويبتعد عن الإبداع والأصالة .
فأنا أرى أنّ وصول الشعراء إلى هذه الأنواع الجديدة يدلُّ على رفاهيّة وصلوا إليها في الشعر , فبعد أن وصلوا إلى ذروة في الشعر التقليدي أخذوا في البحث عن ألوانٍ جديدة مبتكرة , فأبدعوا فنوناً مستحدثة لم يعرفها السابقون .
ومع ذلك فنحن لا ننكر أنّ هناك كثير من الشعر الرديء والمستهجن في هذين العصرين , لكن يجب علينا ألا نطلق أحكاماً عامّةً دون دراسة , فالفنون الشعريّة الجديدة لا يستطيع أيّ شاعر أن يكتب بها إلا إذا كانت لديه ملكة شعريّة فذّة , وخيال متوقّد , فهي بحاجة إلى دراية واسعة بفنون الشعر واللغة والبلاغة ليستطيع الشاعر أن يبدع فيها .
ومن هذه الفنون :
أولاً : التأريخ الشعري :
اختلف مؤرّخو الأدب العربي في توقيت العصر الذي ابتُدع فيه التأريخ بالشعر اختلافاً كبيراً , فالأمير حيدر الشهابي ادّعى أنّ عبد الرحمن البهلول النحلاوي ـ وهو أحد أبناء القرن الثاني عشر الهجري ( الثامن عشر الميلادي ) ـ أوّل من اخترعه حيث قال : " وهو الذي اخترع فنَّ التاريخ على حساب الجمل , لأنّنا لم نجد تأريخاً على هذا الحساب قبل عهده "
أمّا الأب لويس شيخو فقد كتب مقالاً ضافياً في هذا الصّدد , وذكر فيه " أنّ حساب الجمل في الأدب العربي , ظلّ العرب يعرفونه حتّى أوائل العهود الإسلاميّة , فاستبدلوا به الأرقام الهنديّة , ثمَّ إنّهم ركّبوا حروف الجمل تركيباً له معناه اللغوي , إلى جانب دلالته التأريخيّة الحسابيّة , وسمّوه " التاريخ الحرفي " , وعرّفوه بأنّه : ما دَلَّ على ابتداء زمن بطريق جمل حروف معدودة , أو ما في معناها " .
أمّا الأبياري فقد زعم أنّه رأى في التواريخ ما يقضي أنّه كان مستعملاً في الجاهليّة الأولى عند شعرائها , ولكنّه لم يبرهن على ما ذهب إليه بدليل .
واتفق مصطفى صادق الرّافعي مع الأب لويس شيخو بأنّ أقدم ما وصل إلينا من هذا القبيل قول ابن الشَّبيب في الإمام المستنجد بالله ؛ وهو الخليفة الثاني والثلاثون من خلفاء العبّاسيّين :
أصبحت " لبّ " بني العبّاس كلّهم = إن عددت بحروف الجمل الخلفا
أراد ابن الشّبيب أن يقول : إنّ المستنجد هو الثاني والثلاثون من الخلفاء العبّاسيّين , وإنّ هذا العدد متضمّن في جمل "لبّ " ثمَّ انتشر هذا الفنُّ وشاع بين الشعراء , ولا سيّما في القرون المتأخّرة , وتقرّرت شروطه , وتعيّنت أنواعه , حتّى إنّه لم يجرِ في الأزمنة المتأخرة أمر ذو بال دون أن ينظم له بعض الشعراء تأريخاً . (1)
وتعتمد هذه الطريقة على حساب التاريخ تبعاً لترتيب الحروف الهجائيّة العربيّة , وهي : أبجد هوّز حطّي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ .
فكلّ حرف له قيمة عدديّة يمثلها كالتالي :
أ = 1 , ب = 2 , ج = 3 , د = 4 , هـ = 5 , و = 6 , ز = 7 , ح = 8 , ط = 9 , ي = 10 , ك = 20 , ل = 30 , م = 40 , ن = 50 , س = 60 , ع = 70 , ف = 80 , ص = 90 , ق = 100 , ر = 200 , ش = 300 , ت = 400 , ث = 500 , خ = 600 , ذ = 700 , ض = 800 , ظ = 900 , غ = 1000 .
لكن هناك شروط يجب توافرها في هذا الفنّ :
منها أن يتقدّم على ألفاظه كلمة " أرّخ " , أو " أرّخوا " , أو ما يدلّ على التاريخ , وإذا تصرف الشاعر في تقديم أو تأخير أو زيادة بعد لفظة " التاريخ " أشار إليه لئلا يستغلق على القارئ , كقول بعضهم في تأريخ بستان :
يهنيك تاريخٌ أتى ضبطه = ( بستان بسط باهر زاخر )
فلم يحسب في التاريخ قوله : " أتى ضبطه " .
وقال شاعر آخر :
( فتحنا العراق ) وذا اللفظ من = رشاقته جاء تاريخه
فقد قدّم كلمات التاريخ على ألفاظ البيت , ودلَّ على الألفاظ التي قصد بها التأريخ .
ومن شروط هذا الفنّ ألا يكون في بيتين , بل في بيت واحد , ويستحسن أن يقع في عجز البيت أو في قسم من العجز .
ومنها أنّ الحروف تحسب على صورتها دون مراعاة لفظها , فتحسب مثلاً ألف كلمة " فتى " ياء , وتاء التأنيث المنقّطة تاء , وغير المنقّطة هاء , ولا يحسب المشدّد إلا حرفاً واحداً , والهمزة التي لا كرسي لها لا تحسب شيئاً , ويحسبون ألف الإطلاق ألفاً , وهلمَّ جرا . (2)

وهذه بعض الأمثلة :
الأديب ماميه الانقشاري يؤرّخ تاريخ موت سلطان الروم السلطان سليم ابن السلطان سليمان :
فارق الملك سليم المجتبى = وغدا ضيفاً على باب الكريم
وغدا في الشهداء تاريخه = رحمة الله على حي سليم
ولماميه الانقشاري تاريخ ابتداء سلطنة سليم نصيف هو " تولّى سليم الملك بعد سليمان", وتولّى بعده ولده السلطان مراد, ولنامية الانقشاري في تاريخ ذلك :
بالبخت فوق التخت أصبح جالساً = ملك به رحم الإله عباده
وبه سرير الملك سرّ فأرّخوا = حاز الزمان من السرور مراده
فيكون تاريخ تولّيه ( حاز الزمان من السرور مراده ) = 982 هـ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني : بكري شيخ أمين , دار الآفاق ، بيروت ـ لبنان ، ط1 1979م , ص 166-167 .
2- مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني : بكري شيخ أمين , دار الآفاق ، بيروت ـ لبنان ، ط1 1979م , ص 170-171 .

هيثم السليمان 06-07-2009 11:52 PM

رد: الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني
 
ثانياً : التشجير :
التشجير في اللغة ضرب من ضروب التصنيف , يقوم على تفريع كلمة من معنى كلمة أخرى , وهكذا دواليك في استطراد وتسلسل .
وقد ذكر السيوطي المشجّر في كتابه ( المزهر ) , وذكر أنّ أئمة اللغة سمّوه بشجر الدّر , ونقل لأبي الطيب اللغوي قوله في " كتاب شجر الدّر " : " هذا كتاب مداخلة الكلام للمعاني المختلفة سميّناه " كتاب شجر الدّر " لأنّا ترجمنا كلّ باب منه بشجرة , وجعلنا لها فروعاً , فكلّ شجرة مئة كلمة , أصلها كلمة واحدة , وكلّ فرع عشر كلمات الخ ... ثمّ مثّل على ذلك بشجرة لفظ ( عين ) فقال : " شجرة العين : العين : عين الوجه , والوجه : القصد , والقصد : الكسر , والكسر : جانب الخباء , والخباء : مصدر خابأت الرّجل أي خبّأت له خبأ , والخبء : السحاب , والسحاب : اسم عِمامة كانت للنّبيّ , والنّبيّ : التل العالي ... الخ . (1)
أمّا التشجير في الأدب فهو نوع من النظم يجعل في تفرّعه على أمثال الشجرة , وسمّي مشجّراً لاشتجار بعض كلماته ببعض , أي تداخلها , وكلّ ما تداخل بعض أجزائه في بعض فقد تشاجر .
وذلك أن ينظم البيت الذي هو جذع القصيدة , ثمّ يفرّع على كلّ كلمة منه تتمّة له من نفس القافية التي نظم بها , وهكذا من جهتيه اليمنى و اليسرى , حتّى يخرج منه مثل الشجرة .
وإنّما يشترط فيه أن تكون القطع المكملة كلّها من بحر البيت الذي هو جذع القصيدة , وأن تكون القوافي على رويّ قافيته أيضاً . (2)
وهذه بعض الأمثلة على التشجير :

http://www.islamup.com/uploads/image...08219ef31a.jpg

http://www.islamup.com/uploads/image...10af863679.jpg

http://www.islamup.com/uploads/thumb...3c5556a683.jpg

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- المزهر في علوم اللغة وأنواعها , السيوطي , تح : جاد المولى والبجاوي , 1/454.
2- تاريخ آداب العرب ؛ مصطفى صادق الرافعي ، دار صادر , 3/445 .

هيثم السليمان 06-08-2009 12:05 AM

رد: الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني
 
ثالثاً : ذات القوافي :


ابتدع هذه التسمية مصطفى صادق الرّافعي , وقد وردت في خزانة الأدب لابن حجة الحموي باسم " التشريع " , وسمّاها ابن أبي الإصبع " التوأم " , وهي تعني أن يبني الشاعر بيته على وزنين من أوزان القريض وقافيتين , فإذا أسقط جزءاً أو جزأين صار ذلك البيت من وزن آخر غير الأول كقول الحريري :

يا خاطب الدّنيا الدنيّة إنّها = شَرَك الرّدى وقرارة الأكدار
دارٌ متى ما أضحكتْ في يومها = أبكتْ غداً تبّاً لها من دار
وتنتقل بالإسقاط إلى ثامن الكامل فتصير :

يا خاطب الدّنيا الدنـ = ـيّة إنّها شَرَك الرّدى
دار متى ما أضحكتْ = في يومها أبكتْ غدا
وقد سُبق الحريري في ذلك , فنجد للأخطل :

وإذا الرّياح مع العشيّ تناوحت = هدج الرّئال يكبّهنّ شمالا
ألفيتنا نقري العبيط لضيفنا = قبل العيال ونقتل الأبطالا
ونجد الأبيات بعد الإسقاط على الصورة التالية :

وإذا الرّياح مع العشيّ = تناوحت هدج الرّئال
ألفيتنا نقري العبيط = لضيفنا قبيل العيال
وأوسع البحور في هذا النوع الرّجز , فهو يقع تاماً ومجزوءاً ومشطوراً ومنهوكاً , فيمكن أن يعمل للبيت منه أربع قواف ٍ ، من ذلك قول أبي عبد الله محمّد بن جابر الضرير الأندلسي :
يرنو بطرفٍ فاترٍ مهما رنا = فهو المنى , لا أنتهي عن حبّه
يهفو بغصن ناضر , حلو الجنى = يشفي الضّنى , لا صب لي عن قربه
لو كان يوماً زائري , زال العنا = يحلو لنا , في الحبّ أن نُسْمَى به
أنزلته في ناظري لمّا دنا = قد سَرَّنا , إذ لم يَحُلْ عن صبّه
فإذا أسقطنا القافية الأولى أصبح مجزوءاً :

يرنو بطرفٍ فاترٍ = مهما رنا فهو المنى
يهفو بغصن ناضر = حلو الجنى يشفي الضّنى
لو كان يوماً زائري = زال العنا يحلو لنا
أنزلته في ناظري = لمّا دنا قد سَرَّنا
وإذا أسقطنا القافيتين أصبح مشطوراً :

يرنو بطرفٍ فاترٍ مهمـــا رنــا
يهفو بغصن ناضر حلو الجنى
لو كان يوماً زائري زال العنا
أنزلته في ناظري لمّا دنـــــا

وإذا أسقطنا القوافي الثلاث أصبح منهوكاً :

يرنو بطرفٍ فاتـــرِ
يهفو بغصن ناضرِ
لو كان يوماً زائري
أنزلته في ناظـــري

هيثم السليمان 06-08-2009 12:13 AM

رد: الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني
 
رابعاَ : القوافي المشتركة والملوّنة :

وهي أن تأتي قوافي الأبيات كلمة واحدة يختلف معناها من بيت لآخر .
يقول الرافعي : أوّل ما جاء من الشعر في ذلك ثلاثة أبيات للخليل وهي
:

يا ويح قلبي من دواعي الهوى = إنْ رَحَلَ الجيران عند الغروب
أتْبَعْتُهم طرفي وقد أزمعوا = ودمع عينيَّ كفيض الغروب
بانوا وفيهم طفلة حرّة = تفترّ عن مثل أقاحي الغروب
فلفظ " الغروب " الأولى يعني غروب الشمس , والثاني جمع غَرْب ؛ وهو الدّلو العظيمة المملوءة , والثالث جمع غَرْب ؛ وهو الوهاد المنخفضة .
وفي تاج العروس للشيخ يوسف بن عمران الحلبيَّ قصيدة مطلعها :
لِحاظٌ دونها غُولُ العَجُوزِ = وشَكَّتْ ضِعْفَ أَضعافِ العَجُوزِ
لِحاظُ رَشاً لها أَشْراكُ جَفْنٍ = فكَم قَنَصَت مِثالي من عَجُوزِ
وكَم أَصْمَتْ ولم تعرِف مُحِبّاً = كما الكُسَعِيُّ في رَمْيِ العَجُوزِ
وكمْ فتَكَتْ بقلبي ناظِراه = كما فتكَتْ بشاةٍ من عَجُوزِ
وكم أَطفَى لَمَاهُ العَذْبُ قَلْباً= أَضَرَّ به اللَّهيبُ من العَجُوزِ
وكم خَبَلٍ شَفَاهُ اللهُ منه = كذا جِلْدُ العَجُوزِ شِفَا العَجُوزِ
إذا ما زارَ نَمَّ عليه عَرْفٌ = وقد تَحْلُو الحَبائِبُ بالعَجُوزِ
رَشَفْت من المَراشِف منه ظَلْماً = أَلَذَّ جَنىً وأَحْلَى من عَجُوزِ
وجَدْتُ الثَّغْرَ عندَ الصُّبْحِ منه = شَذاهُ دُونَه نَشْرُ العَجُوزِ
أَجُرُّ ذُيولَ كِبْرٍ إنْ سَقانِي = براحَتِهِ العَجُوزَ على العَجُوزِ
برُوحِي مَنْ أُتاجِرُ في هَواه = فَأُدْعَى بينَ قَومِي بالعَجُوزِ
مُقِيمٌ لَمْ أَحُلْ في الحَيِّ عنه = إذا غَيري دَعَوْه بالعَجُوزِ
جَرَى حُبِّيه مجرى الروح منّي = كجَرْيِ الماءِ في رُطَبِ العَجُوز
وأَخرَسَ حُبّه منّي لِسانِي = وقد أَلْقَى المَفاصِلَ في العَجُوزِ
وصَيَّرَنِي الهَوَى من فَرْطِ سُقْمِي = شَبيهَ السِّلْكِ في سَمِّ العَجُوز
عَذُولِي لا تَلُمْنِي في هَواه = فلستُ بسامِعٍ نَبْحَ العَجُوزِ
تَرُومُ سُلُوَّهُ منِّي بجهْدٍ = سُلُوِّي دُونَ شَيْبُ العَجُوزِ
كلامُكَ باردٌ من غَير مَعنىً = يُحَاكِي بَرْدَ أَيّام العَجُوز
يَطوفُ القلْبُ حَولَ ضِياهُ حُبّاً = كما قد طافَ حَجٌّ بالعَجُوزِ
لهُ من فوقِ رُمْحِ القَدِّ صُدْغٌ = نَضيرٌ مثلُ خافقَةِ العَجُوزِ
وخَصْرٌ لم يزَلْ يُدعى سَقيماً = وعن حَملِ الرَّوادِفِ بالعَجوز
بلَحْظِي قد وَزَنْت البُوصَ منه = كما البيضاءُ تُوزَنُ بالعَجُوز
كأَنَّ عِذارَهُ والخَدَّ منه = عَجُوزٌ قد تَوارَتْ من عَجُوزِ
فهذا جَنَّتي لاشَكّ فيه = وهذا نارُه نارُ العَجُوزِ
تَراهُ فوقَ وَرْدِ الخَدِّ منه = عَجُوزاً قد حَكَى شَكْلَ العَجُوز
على كُلِّ القُلوبِ لهُ عَجُوزٌ = كذا الأَحباب تَحْلُو بالعَجُوزِ
دُمُوعِي في هَواهُ كنِيلِ مِصْرٍ = وأَنفاسِي كأَنْفاسِ العَجُوز
يَهُزُّ من القَوامِ اللَّدْنِ رُمْحاً = ومن جَفْنَيْه يَسْطُو بالعَجُوزِ
ويَكْسِرُ جَفْنَه إنْ رامَ حَرْباً = كّذاكَ السَّهمُ يفْعَلُ في العَجُوز
رَمَى عن قوسِ حاجِبِه فُؤادِي = بنَبْلٍ دُونها نَبْلُ العَجُوزِ
أَيا ظَبْياً له الأَحْشا كِناسٌ = ومَرْعَىً لا النَّضيرُ من العَجُوزِ
تُعَذِّبُني بأَنواع التَّجافِي = ومِثلِي لا يُجَازَى بالعَجُوز
فقُرْبُكَ دُونَ وَصْلِكَ لي مُضِرٌّ = كذا أَكلُ العَجُوز بلا عَجُوزِ
وهَيْفا من بناتِ الرُّومِ رُودٍ = بعَرْفِ وِصالِها مَحْضُ العَجُوزِ
تَضُرُّ بها المَناطِق إنْ تَثَنَّتْ = ويُوهِي جِسْمَها مَسُّ العَجُوزِ
عُتُوّاً في الهَوَى قَذَفَت فُؤادِي = فمَنْ شامَ العَجُوزَ من العَجُوزِ
وتُصْمِي القَلْبَ إنْ طَرَفَتْ بطَرْفٍ = بلا وَتَرٍ وسَهْمٍ من عَجُوزِ
كأَنَّ الشُّهْبَ في الزَّرْقا دِلاصٌ = وبَدْرُ سَمائِها نَفسُ العَجُوزِ
وشَمْسُ الأُفْقِ طَلْعَةُ مَنْ أَرانا = عَطاءَ البَحْرِ منه في العَجُوز
تَوَدّ يَسَارَه سُحْبُ الغَوادِي = وفَيْضُ يَمِينِه فَيْضُ العَجُوزِ
أَجلُّ قُضاةِ أَهلِ الأَرضِ فَضْلاً = وأَقْلاهُمْ إلى حُبِّ العَجُوزِ
كمال الدِّين لَيْثٌ في اقْتِناصِ الْـ = ـمَحامِد والسِّوَى دونَ العَجُوزِ
إذا ضَنَّ الغَمامُ على عُفاةٍ = سَقاهُمْ كَفُّه مَحْضَ العَجُوزِ
وكَمْ وضَعَ العَجُوزَ على عَجُوزٍ = وكم هَيّا عَجُوزاً في عَجُوزِ
وكَمْ أَرْوَى عُفاةً من نَداهُ = وأَشْبَعَ مَنْ شَكا فَرْطَ العَجُوزِ
إذا ما لاطَمَتْ أَمْواجُ أَمواجُ بَحْرٍ = فلم تَرْوَ الظُّماةُ من العَجُوز
أَهالي كلّ مِصْرٍ عنه تثْنِي = كذا كُلُّ الأَهالي من عَجُوزِ
مَدَى الأَيّامِ مُبْتَسِماً تَراهُ = وقد يَهَبُ العَجُوزَ من العَجُوزِ
تَرَدَّى بالتُّقَى طِفلاً وكَهْلاً = وشَيْخاً من هَواهُ في العَجُوزِ
وطابَ ثَناؤُهُ أَصلاً وفَرْعاً = كما قد طابَ عَرْفٌ من عَجُوزِ
إذا ضَلَّتْ أُناسٌ عن هُداها = فيَهْدِيها إلى أَهْدَى عَجُوزِ
ويَقْظانَ الفُؤادِ تَراهُ دَهْراً = إذا أَخَذَ السِّوَى فَرْطُ العَجُوزِ
وأَعظَمَ ماجِدٍ لُوِيَت عليه الـ = ـخَناصِرُ بالفضائل في العَجُوزِ
أَيا مَولىً سَما في الفضلِ حتّى = تَمَنَّتْ مثلَه شُهُبُ العَجُوزِ
إذا طاشَتْ حُلومُ ذَوِي عُقولٍ = فحِلْمُكَ دُونَه طَوْدُ العَجُوزِ
فكَمْ قد جاءَ مُمْتَحِنٌ إليكُم = فأُرْغمَ منه مُرتَفِعُ العَجُوزِ
إلى كَرَمٍ فإنْ سابَقْتَ قَوْماً = سَبقْتَهمُ على أَجْرَى عَجُوزِ
ففَضْلُكَ ليسَ يُحْصِيه مَديحٌ = كما لم يُحْصَ أَعْدادُ العَجُوزِ
مكانَتُكُم على هامِ الثُّرَيّا = ومَنْ يَقلاكَ راضٍ بالعجوز
رَكِبْتَ إلى المَعالي طِرْفَ عَزْمٍ = حَماهُ الله من شَيْنِ العَجُوزِ
ومعانيها حسب الترتيب ( مع ذكر معنى المكرّرة في البيت الواحد ) : المنية , الإبرة , الأَسَد , حِمار الوَحْش , الذئب , الخمر , الضَّبُع , الكَلَب , النَّميمة , ضَرْبٌ من التَّمر جيِّدٌ , المسك , الخمر , المَلك , التَّاجِر , المُسافِر , النَّخْلَة , الرَّعشة , الإبرة , الكلب , الغُراب , الأَيّام السبعة , الكعبة شرَّفها الله تعالى , الراية , مبالغة في العاجز , الصنْجة , الشّمس , دارَة الشَّمس , جهنَّم , المسك , العقرب , التحكم , النَّار , السيف , الحرب , الكنانة , النَّبات , المعاقبة , النَّبْت , السَّمْن , العافية , الثَّوب , النَّار , السِّنور , القوس , التُّرْس , الكَفّ , البحر , الدُّنيا , الثعلب , الذهب , القِدر , المنصب الذي توضع عليه , الناقة , الصفحة , الجوع , الركيَّة , القرية , الألف , البقر , الآخرة , المسك وإن تقدّم فبعيد , الطريق , السَّنَة , الشمس , السماء , الأَرض , الأَنف , الفرس , الرمل , الصومعة , العَرَج .

ولا يخفى التّكلف الواضح في القصيدة .

هيثم السليمان 06-08-2009 12:28 AM

رد: الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني
 
خامساً : الطّرد والعكس :


ونعني به أن ينظم الشاعر قصيدة , فتقرأ على وجوه متعدّدة, دون أن يكون وراء ذلك معانٍ جديدة _ في أغلب الأحيان .
ويبدو أنّ القدماء لم يعرفوا هذا الصنيع , وإذا كان قد ورد شيء من ذلك في كلامهم فهو عفوي غير متكلّف , كما ورد في القرآن الكريم { ربَّك فكبّر } فإذا ما قرئت في العكس جاءت من جديد { ربَّك فكبّر } .
ويبدو أنّ صفي الدّين الحلّي أوّل من ابتدع هذا الضرب , ففي ديوانه هذه الأبيات :

ليت شعري , لك علم = من سقامي , يا شفائي
لك علم , من زفيري = ونحولي , وضنائي
من سقامي , ونحولي = داوني إذ , أنت دائي
يا شفائي , وضنائي = أنت دائي , ودوائي
نلاحظ أنّ الأبيات تقرأ طولاً فتؤدّي معنى , وتقرأ عرضاً فتؤدّي المعنى ذاته .
ويمكننا تقسيم ألوان الطّرد والعكس إلى عدّة أقسام :

1- المخلّعات :

وتعني باللغة المتفككات , وكأنّ كلمة ( المخلّعات ) تحوي إشارة إلى ما في القصيدة من تفكّك , أو ما يمكن أن يصيبها من انحلال .
وأوّل مخلّعة في الشعر ظهرت في الأندلس على يد الوزير لسان الدّين محمّد بن عبد الله السليماني , وهذه صورة أبياتها الاثني عشر , ويمكن أن تقرأ على 460 وجهاً طرداً وعكساً .

داءٌ ثَوى , بِفُؤادِ شَفَّهُ السَقمُ = بمَهجتي ، مِن دَواعي الهَمِّ وَالكَمدِ
بِأَضلُعي ، لهَبٌ تَذكو شرارَتُهُ = مِنَ الضَنى , في مَحَلِّ الرَوحِ من جَسَدِي
يَومَ النَوى , حلَّ في قَلبي لَهُ أَلَمُ = وَحرَقَتي ، وَبلائي فيهِ بِالرَصَدِ
تَوَجُّعي , مِن جوىً شَبَّت شَرارَتُهُ = مَعَ العَنا , قَد رَثا لي فيهِ ذو الحَسَدِ
جلَّ الهَوى , مُلبِسي وَجداً بِهِ عَدَمُ = لِمحنتي , مَن رَشا بِالحُسنِ مُنفَرِدِ
تَتَّبِعُي , وَجهُ مَن تَزهو نَضارَتُهُ = إذا انثنى , قاتلي عمداً بلا قَوَدِ
مُصلي الجَوى , مولَعٌ بِالهَجرِ مُنتَقِمٌ = ما حيلَتي , قَد كَوى قَلبي مَعَ الكَبِدِ
بمَصرَعي , مُعتَدٍ تَحلو مَرارَتُهُ = يا قَومَنا , آخذاً نَحوَ الردى بِيَدي
هَدَّ القُوى , حُسنه كَالبَدرِ مُبتَسِمٌ = لِفِتنَتي , موهِنٌ عِندَ النَوى جَلَدي
مُروّعي , قَمَرٌ تَسبي إِشارَتُهُ = إِذا رَنا , ساطِعُ الأَنوارِ في البَلَدِ
قَلبي كَوى , ملِكَ بِالحُسنِ مَحَتكُم = لِقصَّتي , وَهوَ سُؤلي وَهوَ مُعتَمِدي
مَودّعي , سارَ لا شَطَّت زِيارَتُهُ = لِمّا جَنى , مورثي وجداً مع الأبدِ

http://www.islamup.com/uploads/thumb...f1948b85fe.jpg

هذه المزاوجة في ترتيب القوافي هي التي سمحت بفصلها , ومكّنت من أن يكون منها قصائد عدّة .
ولاشكّ أنّ هذا التفكّك في أجزاء القصيدة هو علّة تركّب القصائد الكثيرة من القصيدة الواحدة , ولقد قرأنا أنّ شاعراً عمل قصيدة , واشتغل بإحصاء الوجوه التي تُنظر بها فبلغت في عينه مليون وجه , وذاك علم من الأرقام في قفر من الكلام . (1)

2- ما لا يستحيل بالانعكاس :


سمّاه ابن حجّة الحموي بهذه التسمية , وذكر أنّ جماعة سمّوه ( بالمقلوب ) , أو ( بالمستوي ) , ودعاه السكاكي بـ ( مقلوب الكلّ ) , وعرّفه الحريري في مقاماته بـ ( ما لا يستحيل بالانعكاس ) .
وهو أن يكون عكس البيت , أو عكس شطره كطرده , وهذا النوع ـ كما زعم ابن حجّة ـ غايته أن يكون رقيق الألفاظ , سهل التركيب , منسجماً في حالتي النثر والنظم .
جاء منه في القرآن الكريم : { كلٌّ في فلك } , و { ربّك فكبّر } , ومن الكلام الذي رقَّ لفظه ( أرضُ خضرا ) , وأورد الحريري في مقاماته ( ساكب كاس ) , وزاد في العدّة ( كبر رجاء أجر ربّك ) , و ( لذ بكلّ مؤمل إذا لم ّوملك بذل ) .
ولقد نجح بعضهم في استنباط بعض جمل طريفة , وأوردها صاحب خزانة الأدب , ومنها ( سور حماه بربّها محروس ) , وحادثة العماد مشهورة ؛ عندما رآه شخص فقال له : " دام علا العماد " , وهي تقرأ عكساً , فأجابه العماد : " سر فلا كبا بك الفرس " وهي أيضاً تقرأ عكساً .
ومن المنظوم الرائق قول القاضي الأرَّجاني : (2)
مودّته تدوم لكلّ هول = وهل كلٌّ مودّته تدوم
ولقد أولع المتأخّرون بهذه الصنعة فجاء أحدهم بقصيدة كلّها على هذه الشاكلة , ومن أبياتها : (3)
قمر يفرط عمداً مشرق = رشّ ماء دمع طرف يرمق
قد حلا كاذب وعد تابع = لعباً تدعو بذاك الحدق
قبس يدعو سناه إن جفا = فجناه أنس وعد يسبق
قرفي إلف نداها قلبه = بلقاها دنف لا يفرق

3- الطرد مدح والعكس هجاء :

وهو نوعان ؛ الأول عكسٌ في الحروف , والثاني عكسٌ في الكلمات كاملة .
مثال النوع الأول :
أ – الطرد مديح :
باهي المراحم لابسٌ = كريماً قدير مُسْند
بابٌ لكلّ مؤمّلٍ = غُنْمٌ لَعَمْرك مُرْفد
ب – العكس هجاء ( في جميع الحروف ) :
دَنسٌ , مريد , قامر = كسب المحارم لا يهاب
دَفِرٌ , مِكَرٌّ , مُعْلَم = نَغْلٌ , مُؤمل كلّ باب
ومثال النوع الثاني :
أ – الطرد مديح :
حَلموا , فما ساءت لهم شيمٌ = سمحوا , فما شحّت لهم مِنَنُ
سَلموا , فما زلّت لهم قدم = رَشدوا , فما ضلّت لهم سُنن
ب – العكس هجاء ( في الكلمات كاملة ) :
مِننٌ لهم شحّت , فما سمحوا = شِيم لهم ساءت , فما حلموا
سنن لهم ضلّت , فما رشدوا = قدمٌ لهم زلّت , فما سلموا

4- الطرد الأفقي مدح والشاقولي هجاء :

من ذلك قول أحد الشعراء : (4)
إذا أتيت نوفل بن دارم = أمير مخزوم وسيف هاشم
وجدته أظلم كلّ ظالم = على الدّنانير أو الدّراهم
وأبخل الأعراب والأعاجم = بعرضه وسرِّه المكاتم
لا يستحي من لوم كلّ لائم = إذا قضى بالحقّ في الجرائم
ولا يراعي جانب المكارم = في جانب الحقّ وعدل الحاكم
يقرع من يأتيه سِنّ نادم = إنْ لم يكن من قدم بقادم
هذه الأبيات إذا قرئت على وضعها الأفقي أدّت شيئاً من معاني المديح لذلك الرّجل المدعو ( نوفل بن دارم ) , وإذا حذف الشطر الثاني من كلّ بيت , وأحلّ محلّه الشطر الأول من البيت الذي يليه انقلبت هجاء , وكانت الصورة التالية :
إذا أتيت نوفل بن دارم = وجدته أظلم كلّ ظالم
وأبخل الأعراب والأعاجم = لا يستحي من لوم كلّ لائم
ولا يراعي جانب المكارم = يقرع من يأتيه سِنّ نادم

5- أشعار التبادل والمتواليات :
لقلبي , حبيب , مليحٌ , ظريف = بديعٌ , جميل , رشيقٌ , لطيف
هذا البيت يقرأ على أربعين ألف بيت من الشّعر وثلاثمئة وعشرين بيتاً ( 40,320 ) , وذلك أنّ أجزاءه ثمانية , يمكن أن ينطق بكلّ جزء من أجزائه مع الجزء الآخر , فتنتقل كلّ كلمة ثمانية انتقالات , فالجزءان الأوّلان ( لقلبي حبيب ) يتصوّر منهما صورتان بالتقديم والتأخير , ثمّ خذ الجزء الثالث ( مليح ) فيحدث منه مع الأوّلين ست صور وهي : (1) لقلبي حبيب مليح , (2) لقلبي مليح حبيب , (3) حبيب لقلبي مليح , (4) حبيب مليح لقلبي , (5) مليح لقلبي حبيب , ( 6) مليح حبيب لقلبي .
والذي لاحظناه أنّ له ثلاثة أحوال : تقديم , وتأخير , وتوسّط لكلّ كلمة , فإذا ضربنا أحواله في الحالين يكون ستة .
ثمّ خذ الجزء الرابع , وله أربعة أحوال , فاضربها في الصورة المتقدّمة وهي الستّة التي قبلها تكون أربعة وعشرين .
ثمّ خذ الجزء الخامس تجد له خمسة أحوال , فاضربها في الصور المتقدّمة وهي أربعة وعشرون تكون مئة وعشرين .
ثمّ خذ الجزء السادس تجد له ستّة أحوال , فاضربها في مئة وعشرين تكون سبعمئة وعشرين .
ثمّ خذ الجزء السابع تجد له سبعة أحوال , فاضربها في سبعمئة وعشرين تكون خمسة آلاف وأربعين .
ثمّ خذ الجزء الثامن تجد له ثمانية أحوال , فاضربها في خمسة آلاف وأربعين تكون أربعين ألفاً وثلاثمئة وعشرين بيتاً .
ولاشكّ أنّه كلّما زادت كلمات البيت زادت المتوالية , وواضح أنّ كلّ لفظ يجب أن يكون وزنه العروضي كوزن باقي الكلمات .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


1- تاريخ آداب العرب ؛ مصطفى صادق الرافعي ، دار صادر , 3/290 .
2- خزانة الأدب وغاية الأرب ؛ ابن حجّة الحموي , دار صادر 237.
3-مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني : بكري شيخ أمين , دار الآفاق ، بيروت ـ لبنان ، ط1 1979م , ص 200 .
4-مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني : بكري شيخ أمين , دار الآفاق ، بيروت ـ لبنان ، ط1 1979م , ص 203 .

هيثم السليمان 06-08-2009 12:40 AM

رد: الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني
 
خامساً : محبوك الطّرفين :


يراد بهذا اللون نوع من المنظوم تكون كلّ أبيات القصيدة أو القطعة مبتدَأة ومختتمة بحرف واحد من حروف المعجم .
يذكر الرافعي أنّ أوّل من جاء بشيء من ذلك هو أبو بكر محمّد بن دُرَيْد , وقد نظم ابن دريد قطعاً مربعة على عدد حروف الحروف لم يلتزم فيها مجرى واحداً , بل جعل كلّ قطعة منها مستقلّة عن سائرها بالوزن , كما هي مستقلّة في الرويّ , وأوّلها قوله في حرف الألف :

أَبقَيتَ لي سَقَماً يُمازِجُ عَبرَتي = مَن ذا يلذُّ مَعَ السَقامِ بَقاءَ
أَشمَتَّ بي الأَعداءَ حينَ هَجَرتَني = حاشاكَ مِمّا يُشمِتُ الأَعداءَ
أَبكَيتَني حَين ظَنَنتَ بِأَنَّني = سَيصيرُ عُمري ما حَييتُ بُكاءَ
أُخفي وَأُعلِنُ بِاِضطِرارٍ أنَّني = لا أَستَطيعُ لِما أُجِنُّ خَفاءَ
ثمّ كثر نظم الشعراء لهذا النوع من الشعر , ومنهم عليّ بن محمّد الأندلسي , وصفيّ الدّين الحلّي , والألبيري , ولمحمّد بن العفيف الإيجي الحسني مسدّسة في المديح النبوي مطلعها :

اللهَ أحمدُ ( أحمداً ) إذ يبرأ = أوضى وضيء نوره يتلألأ
أنواره كلَّ العوالم تملأ = أكوانه لولاه لم تك تنشأ

سادساً : الشعر الهندسي :

هذه التسمية مبتدعة , لم يقل بها أحد من القدماء أو المعاصرين , ولكنّا نراها ـ مع الدكتور عانوتي ـ متّفقة مع شكل الشعر الذي نسعى إلى دراسته . (1)
وهذا النوع من الشعر يأخذ شكل الدائرة , والمثلث , والمربع , والمخمّس , والمَعِين , وغيرها من الأشكال الهندسيّة ...
وليس لدينا معلومات دقيقة عن أوّل من ابتكر هذا النوع من الشعر , ومهما يكن فقد وجد هذا النوع على صنوفه المعروفة لدينا اليوم ...
فالدائرة لها مركز , وفي هذا المركز حرف من الحروف , ومن هذا الحرف يبتدئ البيت , وإلى هذا الحرف ينتهي البيت , فهو إذن من ألوان الشعر المحبوك من طرفيه .
والدّوائر على أنواع ؛ منها : الدائرة المركّبة , ومنها : الدّائرة البسيطة .
وشعر الدّائرة المركّبة يتطلّب رسم دائرة أصلية كبرى , وحولها على المحيط دوائر صغيرة , وعلى حواف هذه الدّائرة الكبيرة والصغيرة يمرُّ البيت ابتداء وانتهاء ؛ ليعود من جديد منطلقاً من المركز إلى الدّائرة الصغيرة الثانية , ثمّ ينتهي إلى الكبيرة في مركزها .
ويختلف عدد الأبيات باختلاف عدد الدّوائر , فكلّما كثرت الدّوائر طالت القصيدة , والعكس صحيح .
وهذه أبيات دائرة : (2)

عشقت نوراً من مقامك يسطع = وعيني غدت من فرط عشقك تدمع
عمدت على تقديم مدحي لمن غدا = أبا الندِّ يا من له الخلق تضرع
عرضت لمن حاز الشفاعة والعلى = وقلت أغث دمعي من النّار تلذع
عذلت فؤادي من محبّة غيركم = وفرغته من كلّ نفس تولّع
علوتَ بما أعطيت من رافع السما = مقاماً فغثني من هموم تفجع
عجفت ولم يُبْقِ الهوى لي من قوى = فاشفع وغثني من كروب تفزع
عزفت حياتي من محبّتك التي = بها تذهب الأكدار منّا وتقشع

http://www.islamup.com/uploads/thumb...b8c3bcfa76.jpg

ومن تأمّل هذه الدّائرة المركّبة تبدو لنا الملاحظات التالية :
1- كلّ بيت يبتدئ بحرف العين وبه ينتهي .
2- نهاية كلّ بيت معكوسة في مطلع الذي بعده .
3- عكس بداية البيت الأول تتّفق وقافية الأخير .
4- هذه القصيدة تصلح أن تكون دائرة سباعيّة .
وهاتان دائرتان مركبتان أكثر تعقيداً من الدّائرة المركّبة السابقة , يقال إنّ ابن الإفرنجيّة نظمهما في المديح :


http://www.islamup.com/uploads/thumb...f84aa0acd0.jpg

http://www.islamup.com/uploads/thumb...37bd035f6e.jpg

وهذه أمثلة الأشكال البسيطة :
وتلاحظ أنّ الأبيات الثلاثة التالية أمكن رسمها في دائرة في مثلث متساوي الأضلاع , والأبيات هي :

دمع عيني سائل في حبِّ من = إنْ رأته العين لم تخشَ رمد
دمرّ الله أناساً قد طغَوا = وبغَوا ما لم ينالوا من الرّمد
دشر العصيان ثمّ اتّبع رضى = رافع السبع الشداد بلا عمد

http://www.islamup.com/uploads/thumb...e1eb49b84b.jpg

وهذه الأبيات ترسم مربّعاً ودائرة , وأبياتها هي :

عشق المسكين هذا ذنبه = قصّة الشكوى إليكم قد رفع
عفّر المسكين خدّاً في الثرى = يرتجي وصلاً وباللطف قنع
عنق المحبوب غيري ولثم = صاح لما بارق الثغر فرع
عرف الهجر حبيبي عامداً = وتثنّى عند ما دلّ قشع

http://www.islamup.com/uploads/thumb...23698a13cf.jpg

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


1-مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني : بكري شيخ أمين , دار الآفاق ، بيروت ـ لبنان ، ط1 1979م , ص 209
2-مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني : بكري شيخ أمين , دار الآفاق ، بيروت ـ لبنان ، ط1 1979م , ص 210

هيثم السليمان 06-08-2009 12:52 AM

رد: الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني
 
سابعاً : ألوان أخرى من البديع :

1 – القصيدة المهملة ( الخالية جميع حروفها من النقط ) :


الحمد لله الصمد = حال السرور والكمد
الله لا إله إلا اللـ = ـه مولاك الصمد
أوّل كلّ أوّل = أصل الأصول والعمد
الواسع الآلاء والآ = راء علماً والمدد
الحَوْل والطَوْل له = لا درع إلا ما سَرَد
كلٌّ سواه هالك = لا عُدَدٌ ولا عَدد

2 – القصيدة المعجمة ( كلّ حروفها منقّطة ) :


بين جنبيَّ شقّة خشُنت = في قضيضٍ تُبيتني خَشِنِ
قِضْتُ جفني بيقظة ثبتَت = غبّ بينٍ فبتُّ في غَبَنِ
بي شقيق يغيب غيبة ذي = ضَعَنٍ بيّنٍ تجنّبني
شيخ فن , فتي شنشنة = شبَّ في بيت نخبة فبُنِي
يتّقي زينَ جنّة جُنيت = يتّقي شين ضنّةٍ بغني

3 – إهمال كلمة و إعجام أخرى :


لا تفي العهد فتشفيني ولا = تنجز الوعد فتشفي العللا
تقتضي أحكام بغي , طالما = نفّذت أحكامها بين الملا

4 – إهمال حرف وإعجام آخر :

ونديم بات عندي = ليلة منه غليل
خاف من صنع جميل = قلت لي صبر جميل
قرّة لي ميل قلب = منك يا غصناً يميل
سيّدي رقّ لذلّي = سيّدي عبد ذليل

5 – النثر شعر :


كتب المعريّ : ( أصلحك الله وأبقاك , لقد كان من الواجب أن تأتينا اليوم إلى منزلنا الخالي , لكي يحدث لي أنسك , يا زين الأخلاء فما مثلك من غيّر عهداً أو غفل ) .
وهذه الكلمات تخرج من بحر الرجز المجزوء .


6 – كلّ كلمة تبدأ بعين :


على عهد علوى عِلّتي عنَّ علمها = عسى علمت عذري عفت عن عقوبتي

7 – ظاء في كلّ كلمة :

ظنت عظيمة ظلمنا من حظّها = فظللت أوقظها لتكظم غيظها
وظعنت أنظر في الظلام وظلّه = ظمآن أنتظر الظهور لوعظها
ظهري وظفري ثمّ عظمي في لظى = لأظاهرنَّ لحظها ولحفظها
لفظي شواظ أو كشمس ظهيرة = ظفر لدى غلظ القلوب وفظّها

8 – النون في كلّ كلمة :


نزّه لسانك عن نفاق منافق = وانصح فإنَّ الدّين نصح نصيح
وتجنّب المنّ المنكّد للندى = وأعن بنيلك من أعانك وامنن

9– الشعر ذو الحروف المقطّعة :


إذا زار داري زَوْرَ وَدودٍ = أودُّ وأورده وِردَ وُدي

10 – الشعر ذو الحروف الموصولة :

سل متلفي عطفاً عسى يتعطّف = فلقد قسا قلباً فلا يتلطّف

هذه بعض الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني , والتي تظهر تطوّر الشعر في تلك الحقبة , ومدى الترف المعرفي الذي وصلوا إليه , مع عدم إنكارنا لكثير من الشعر الغثّ الذي ظهر في تلك المرحلة .


الساعة الآن 10:32 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى