منتديات البوحسن

منتديات البوحسن (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   المواضيع الاسلامية (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=7)
-   -   فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 33 (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=9244)

عبد القادر الأسود 02-07-2015 08:34 PM

فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 33
 
وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)
قولُه ـ تعالى شأنُهُ: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} هذا جوابٌ لقولِهِمُ الشنيعِ: {اللَّهُمَّ إنْ كانَ هذا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَماءِ} الآية السابقة، وبيانٌ لسبَبِ إِمْهالهم، وعدَمِ إجابَةِ دُعائِهم السابقِ الذي قَصَدوا بِهِ ما قصدوا. فما كَانَ مِنْ سُنَّةِ اللهِ تعالى، وَلاَ مِنْ مُقْتَضَى رَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ ورَّسُولُه فِيهِمْ، لأنََّه سبحانه، إِنَّمَا أَرْسَلَ محمَّداً ـ صلى اللهُ عليه وسَلَّمَ، رَحْمَةً وَنِعْمَةً، لا عَذاباً وَنَقْمَةً، وقد جَرَتْ سُنَّتَهُ ـ جَلَّ وعلا، في الأُمَمِ السَالِفَةِ أَلاَّ يُعَذِّبَ المُكَذِّبِينَ إلاَّ بَعْدَ أنْ يُخْرِجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهِرِهِمْ المرسلين، أفضلُ الصلاةِ وأكملُ التسليم عليهم أجمعين.
وقد حَمَلَ غَيرُ واحدٍ العذابَ المذكورَ هنا على عَذابِ الاسْتِئصالِ لأنَّ غيرَهُ من العذابِ قد حلَّ بهم والنبيُّ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، بينَ أظهُرهم، كعذاب القحط، فعُلِمَ أَنَّ المقصودَ بالعذاب هنا هو الاستئصالُ الذي حلَّ بالأممِ الكافرةِ مِنْ قَبْلُ، والقرينةُ عليهِ تَأْكيدُ النَفْيِ بلامِ الجحودِ في "لِيُعَذِِّبَهُمْ" الذي يَصْرِفُ نفيَ العَذابِ إلى أَعْظَمِهِ، فالمُرادُ إخبارُهم بأنَّ اسْتِئْصالَهم، والنبيُّ بين أَظْهُرِهم خارجٌ عَنِ عادتِهِ تَعالى، وغيرُ مُسْتَقيمٍ في حِكْمَتِهِ وحُكْمِهِ.
قولُهُ: {وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} قِيلَ فِي مَعْنى: "وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" إِنَّ المُشْرِكِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالبَيْتِ الحَرَامِ وَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ لبَّيْكَ، وَيَقُولُونَ: غُفْرانَكَ اللَّهُمَّ. ورَوَى الطبري: كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، بِمَكَّةَ فَأَنْزَلَ اللهُ: "وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ" ثُمَّ خَرَجَ رَسُولَ اللهِ إلَى المَدِينَةِ، فَأَنْزَلَ تَعَالَى قَوْلَهُ: "وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" فَكَانَ قَدْ بَقِيَ فَي مَكَّةَ جَمَاعَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَسْتَغْفِرُونَ اللهَ، فَلَمَّا خَرَجُوا أَنْزَلَ اللهُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ الله وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام} فَأَذِنَ اللهُ لِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، بِفَتْحِ مَكَّةَ. والمقصودُ مِنَ الآيةِ: بَيانُ ما كانَ الموجِبَ لإمْهالِ اللهِ تعالى لهم، والتَوَقُّفِ عن إجابةِ دعائهم، وهُو وُجودُهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، بينهم، أوْ وجودُ مَنْ يَسْتَغْفِرُ فيهم، فقد بقي في مكَّةَ مسلمون يكتمون إيمانهم ولم يستطيعوا الهجرة إلى المدينة لضَعفهم.
قال بعضُ السَلَفِ ـ رضيَ اللهُ عَنْهم: قد كانَ لَنا أَمانانِ مِنَ العذابِ: النَبِيُّ، والاسْتِغْفارُ، فلمَّا ماتَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، ذَهَبَ الأَمانُ الأوَّلُ وبَقيَ لنا الآخَرُ. فقد أَخْرَجَ الطبريُّ، وأَبو الشَيْخِ، والطَبَرانيُّ، وابْنُ مَردويْه، والحاكِمُ، وابْنُ عَساكِرَ، عِنْ الصحابيِّ الجليلِ أَبي مُوسى الأشعريّ ـ رضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّهُ قالَ: إنَّهُ قدْ كانَ فيكمْ أَمانان، مَضى أَحَدُهما وبَقِيَ الآخَرُ: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" فأمَّا رَسولُ اللهُ ـ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فَقَدْ مَضَى لِسَبيلِهِ، وأَمَّا الاسْتِغْفارُ فَهُوَ كائنٌ إلى يَومِ القِيامَةِ. ورُويَ مثلُ ذلك عن ابنِ عباسٍ وغيره من الصحابة والتابعينَ ـ رضوانُ اللهِ تعالى عليهم أجمعين.
وعَنْ قَتادة وأَبي زيدٍ، واختارَهُ ابْنُ جَريرٍ الطبريًّ. أنَّ معنى "وهم يستغفرون" نَفْيُ الاسْتِغْفارِ عَنهم، أيْ: ولو كانوا ممَّن يُؤمِنُ ويَسْتَغْفِرُ مِنَ الكُفْرِ لَمَا عذَّبهم، وهو كقولِهِ تَعالى في سورة هود ـ عليه السلامُ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} الآية: 114. ولكنَّهم لا يُؤمنون لا يَسْتغفرونَ ولا يُتوقَّعُ ذلك مِنْهم بحسبِ علم الله علاّمِ الغيوبِ.
قيلَ: لقد نَزَلَت هذه الآيةُ بمكةَ: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" إلى قولِه: {يعلمون}، وقيلَ نَزَلَتْ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ حِكايةً عَمَّا حَصَلَ فيها. وقال ابْنُ أَبْزي: نزلَ قولُهُ: "وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ" بمكَّةَ إثْرَ قولهم: {أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} الأنْفال: 32. ونَزَلَ قولُهُ: "وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" الأنفال: 33. عِنْدَ خُروجِ رَسولِ اللهِ ـ صَلى اللهُ عليهِ وسَلَّم، إلى المدينةِ، وقد بَقيَ بمكَّةَ مُؤمنون يَسْتَغْفرون. ونَزَلَ قولُه: {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ} الأنفال: 34. بعدَ وقعةِ بَدْرٍ.
قولُهُ تَعالى: {لِيُعَذِّبَهُمْ} اللامُ لامُ الجُحودِ. وأَتى بِخَبَرِ "كان" الأُولى على خِلافِ ما أَتى بِهِ في الثانِيَةِ، فإنَّهُ: إمَّا أَنْ يَكونَ مَحْذوفاً وهُوَ الإِرادَةُ، كَما يقدِّرُهُ البَصْرِيُّون، أيْ: ما كانَ اللهُ مُريداً لِتَعْذيبِهِم، وانْتِفاءُ إرادةِ العَذابِ أَبْلَغُ مِنْ نَفْيِ العَذابِ، وإمَّا أَنَّهُ أَكَّدَهُ باللاّمِ عَلى رَأيِ الكُوفِيِّين لأنَّ كَيْنُونَتَهُ فِيهِمْ أَبْلَغُ مِنِ اسْتِغْفارِهِمْ فَشَتَّانَ بَينَ وُجودِهِ ـ عليه الصلاةُ والسَّلامُ، فيهم وبينَ اسْتِغْفارِهم.
وقولُهُ: {وَأَنتَ فِيهِمْ} حالٌ، وكذلك {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} والظاهرُ أَنَّ الضمائرَ كلَّها عائدةً على الكُفَّارِ، وقيلَ: الضميرُ في "يُعَذِّبهم" و "مُعَذِّبهم" للكفَّارِ، والضميرُ مِنْ قولِهِ "وهم" للمُؤمنين.
قرَأَ الجُمْهورُ {لِيُعِّذِّبهم} بكَسْرِ اللامِ. وقَرَأَ أَبو السمَّالِ بِفَتْحِها. ونقلَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ أَبي زَيْدٍ أنَّه سمعَ مِنَ العَرَبِ مَنْ يَقولُ: "لَيعذبهم" بِفَتْحِ اللامِ، وهو خلافُ المشهورُ. ورَوى ابْنُ مجاهد عَنْ أَبي زَيْدٍ عَنْ بَعْضِ العَرَبِ فَتْحَ كلِّ لامٍ إلاَِّ في: {الحمْدُ لله}. ورَوى عبدُ الوارِثِ عَنْ أَبي عَمْرٍو ابْنِ العَلاءِ فَتْحَ لامِ الأَمرِ مِنْ قولِهِ تَعالى في سُورَةِ عَبَسَ: {فَلْيَنظُرِ الإنسانُ إلى طَعَامِهِ} الآية: 24.


الساعة الآن 04:27 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى