منتديات البوحسن - من أسرار لغة القرآن

من أسرار لغة القرآن
د .رشاد سالم

من فرائد القرآن الكريم “فزع” في قوله تعالى: “ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير” (سبأ: 23) .

أي كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة بها رب العزة في إطلاق الإذن، فهذه الكلمة مناسبة للمعنى مناسبة فائقة، لا يكاد الفكر يقع على مثلها .

ومن ذلك قوله تعالى: “يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور” (غافر: 19)، فإن فيه “خائنة” وهي سهلة مستعملة، كثيرة الجريان على ألسن الناس، ولكن على انفرادها، فلما أضيفت إلى “الأعين” حصل لها من غرابة التركيب ما حصل لها في النفوس، بحيث لا يمكن الاتيان بمثلها، ولا يكاد يقع شيء من فصيح الكلام شبهها، وقد ذهب الزمخشري فيها إلى وجه لطيف، فقال: الخائنة صفج للنظرة، أو مصدر بمعنى الخيانة، كالعافية بمعنى المعافاة، والمراد استراق النظر إلى ما لا يحل كما يفعل أهل الريب، ولا يحسن أن يراد الخائنة من الأعين لأن قوله: “وما تخفي الصدور” لا يساعد عليه .

وعقب ابن المنير الاسكندري عليه بقوله: “إنما لم يساعد عليه، لأن خائنة الأعين على هذا التقدير معناها الأعين الخائنة، وإنما يقابل الأعين الصدور، لا ما يخفيه الصدور بخلاف التأويل الأول، فإن المراد به نظرات الأعين فيطابق خفيات الصدور” .

والأمثلة كثيرة لا تكاد تحصى عداً، وإنما أشير إلى هذه الكلمات لوضوح المراد فيها، وإلا فإن ألفاظ القرآن الكريم كلها فرائد، لأن الفاظه وإن كانت من العربية، فإنه - سبحانه - أنزلها بنظمه المعجز منزلة رفيعة تخرج بها عن أنفسها في نظم آخر