منتديات البوحسن

منتديات البوحسن (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   المكتبة الاسلامية (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=24)
-   -   كتاب الوصايا للشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي رضي الله عنه (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=158)

عبدالقادر حمود 08-13-2008 11:39 AM

كتاب الوصايا للشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي رضي الله عنه
 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على نعمه التي لا تحصى، وعطائه الذي لا يستقصى، أحمده كما ينبغي لجلاله، وكريم عطائه، وعظيم سلطانه،

وصلاة الله وسلامه ورحمته وبركاته على نبيه المصطفى وآله وصحبه

اللهم يا عماد من لا عماد له ، ويا ذخر من لا ذخر له ، ويا حرز من لا حرز له ، ويا ناصر من لا ناصر له
ويا مؤيد قلوب العارفين ، ويا مستراح مذاهب المتوكلين ، ويا شاهد مجالس الخائفين
ويا مقيل عثرة العاثرين ، يا أرحم الراحمين



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أحبابي وسادتي في الله قرأت لكم هذا الكتاب وهو كتاب فريد من نوعه وهو جامع وصايا السيد الحبيب لشيخ مشايخ الصوفية وإمام أئمة الطرائق الإسلامية العارف بالله فريد عصره ووحيد زمانه الشيخ الأكبر مولانا محي الدين ابن عربي رضي الله عنه وسوف يقوم الفقير رزق البابلي بما يقدر له الله أن ينقله لكم وأسأل الله المولى القدير أن ينتفع به كل من قرأه وتدبر ما فيه وجزاكم الله عنا كل خير


كتاب الوصايا للشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي رضي الله عنه


وصية: حكمية ينتفع بها المريد السالك والواصل ومن وقف عليها إن شاء الله تعالى








وصى الإله وأوصت رسلـه فلـذا
كان التأسي بهم من أفضـل العمـل
لولا الوصية كان الخلق فـي عمـه
وبالوصية دار الملـك فـي الـدول
فاعمل عليها ولا تهمـل طريقتهـا
إن الوصيـة حكـم الله فـي الأزل
ذكرت قوما بما أوصـى الإلـه بـه
وليس أحداث أمر في الوصية لـي
فلم يكن غير ما قالوه أو شرعـوا
من السلوك بهم في أقـوم السبـل
فهدي أحمد عيـن الديـن أجمعـه
وملة المصطفى مـن أنـور الملـل
لم تطمس العين بل أعطتـه قوتهـا
حتى يقيم الذي فيـه مـن الميـل
وخـذ بسـرك عـنـه مـراكـزه
علوا إلى القمر العالي إلـى زحـل
ومنه للقدم الكرسي ثم إلى العـرش
الميحـط إلـى الأشكـال والمـثـل
إلى الطبيعة للنفس النزيهة للعقـل
المقـيـد بـالأعـراض والعـلـل
إلى العماء الذي مـا فوقـه نفـس
منه إلى المنزل المنعـوت بـالأزل
وانظر إلى الجبل الراسي على الجبل
وقـد رآه فلـم يبـرح ولـم يـزل
لولا العلو الذي في السفل ما سفلت
وجوهنـا تطلـب المرئـي بالمقـل
لذلكـم شـرع الله السجـود لـنـا
فنشهد الحق في علو وفـي سفـل
هذي وصيتنـا إن كنـت ذا نظـر
فإنها حيلـة مـن أحسـن الحيـل
ترى بهـا كـل معلـوم بصورتـه
على حقيقة ما هو لا علـى البـدل
فإن دعاك إلى عيـن وليـس لـه
سواك مجلى فـلا تبـرح ولا تـزل
فإن دعاك إلـى عيـن تُسـر بهـا
فلا تجبه وكـن منـه علـى وجـل
أنـا إنـاث لمـا فيـنـا يـولـده
فلنحمد الله ما في الكون من رجـل
إن الرجال الذيـن العـرف عينهـم
هم الإناث وهم نفسي وهـم أملـي



فمن ذلك
[وصية: قال الله تعالى في الوصية العامة(( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تفرقوا فيه )) فأمر الحق بإقامة الدين وهو شرع الوقت في كل زمان وملة وأن مجتمع عليه ولا يتفرق فيه فإن يد الله مع الجماعة وإنما يأكل الذئب القاصية وهي البعيدة التي شردت وانفردت عما هي الجماعة عليه وحكمة ذلك أن الله لا يعقل إلهاً إلا من حيث أسماؤه الحسنى لا من حيث هو معرى عن هذه الأسماء الحسنى فلا بد من توحيد عينه وكثرة أسمائه وبالمجموع هو الإله فيد الله وهي القوة مع الجماعة أوصى حكيم أولاده عند موته وكانوا جماعة فقال لهم ائتوني بعصي فجمعها وقال هلم اكسروها وهي مجموعة فلم يقدروا على ذلك ثم فرقا فقال لهم خذوا واحدة واحدة فاكسروها فقال لهم هكذا أنتم بعدي لن تغلبوا ما اجتمعتم فإذا تفرقتم تمكن منكم عدوكم فأبادكم وكذلك القائمون بالدين إذا اجتمعوا على إقامة الدين ولم يتفرقوا فيه لم يقهرهم عدو وكذلك الإنسان في نفسه إذا اجتمع في نفسه على إقامة دين الله لم يتفرقوا فيه ولم يقهرهم عدو وكذلك الإنسان في نفسه إذا اجتمع في نفسه على إقامة دين الله لم يغلبه شيطان من الإنس ولا من الجن بما يوسوس به إليه مع مساعدة الإيمان والملك بلمته له



يتبع بعون الله تعالى

عبدالقادر حمود 08-13-2008 11:41 AM

[وصية:

إذا عصيت الله تعالى بموضع فلا تبرح من ذلك الموضع حتى تعمل فيه طاعة وتقيم فيه عبادة فكما يشهد عليك أن استشهد يشهد لك وحينئذ تنتزح عنه وكذلك ثوبك إن عصيت الله فيه فكن كما ذكر به لك اعبد الله فيه وكذلك ما يفارقك منك من قص شارب وحلق عانة وقص أظافر وتسريح شعر وتنقية وسخ لا يفارقك شيء من ذلك من بدنك إلا وأنت على طهارة وذكر الله عز وجل فإنه يسأله عنك كيف تركك وأقل عبادة تقدر عليها عند هذا كله إن تدعوا لله أن يتوب عليك عن أمره تعالى حتى تكون مؤدياً واجباً في امتثالك أمر الله وهو قوله وقال ربكم إدعوني أستجب لكم فأمرك أن تدعوه ثم قال هذه الآية " إن الذين يستكبرون عن عبادتي " يعني هنا بالعبادة الدعاء أي من يستكبر عن الذلة إلي والمسكنة فإن الدعاء سماه عبادة والعبادة ذلة وخضوع ومسكنة سيدخلون جهنم داحرين أي أذلاء فإذا فعلوا ما أمروا به جازاهم الله بدخول الجنة اعزاء ولقد دخلت يوم الحمام لغسيل طرا على سحرًا فلقيت فيه نجم الدين أبا المعالي ابن اللهيب وكان صاحبي فاستدعى بالحلاق يحلق رأسه فصحت به يا أبا المعالي فقال لي من فوره قبل أن أتكلم أني على طهارة قد فهمت عنك فتعجبت من حضوره وسرعة فهمه ومراعاته للموطن وقرأئن الأحوال وما يعرفه مني في ذلك فقلت له بارك الله فيك والله ما صحت بك إلا لتكون على طهارة وذكر عند مفارقة شعرك فدعا لي ثم حلق رأسه ومثل هذا قد أغفله الناس بل يقولون إذا عصيت الله في موضع فتحول عنه لأنهم يخافون عليك أن تذكرك البقعة بالمعصية فتستحليها فتزيد ذنباً إلى ذنب فما ذكروا ذلك إلا شفقة ولكن فاتهم علم كبير فأطع الله فيه حينئذ تتحول عنه فتجمع بين ما قالوه وبين ما وأصيتك به وكلما ذكرت خطيئة أتيتها فتب عنها عقب ذكرك إياها واستغفر الله منها و اذكر الله عندها بحسب ما كانت تلك المعصية فإن رسول الله صلى عليه وسلم يقول اتبع السيئة الحسنة تمحها وقال تعالى " إن الحسنات يذهبن السيئات " ولكن يكون لك ميزان في ذلك تعرف به مناسبات السيئات والحسنات التي تزنها .]



[وصية:

حسن الظن بربك على كل حال ولا تنسى الظن به فإنك لا تدري هل انت على آخر أنفاسك في كل نفس يخرج منك فتموت فتلقى الله على حسن ظن به لا على سوء ظن فإنك لا تدري لعل الله يقبضك في ذلك النفس الخارج إليه ودع عنك ما قال من قال بسوء الظن في حياتك وحسن الظن بالله عند موتك وهذا عند العلماء بالله مجهول فإنهم مع الله بأنفاسهم وفيه من الفائدة والعلم بالله أنك وفيت في ذلك الحق حقه فإن من حق الله عليك الإيمان بقوله ((وننشئكم فيما لا تعلمون)) فلعل الله ينشئك في النفس الذي تظن أنه يأتيك نشأة الموت والانقلاب إليه وأنت على سوء ظن بربك فتلقاه على ذلك وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربه أنه عز وجل يقول (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيراً ) وما خص وقتاً من وقت واجعل ظنك بالله علماً بأنه يعفو ويغفر ويتجاوز وليكن داعيك الإلهي إلى هذا الظن قوله تعالى ((يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله )) فنهاك أن تقنط وما نهاك عنه يجب عليك الإنتهاء عنه ثم اخبر وخبره صدق لا يدخله نسخ فإنه لو دخله نسخ لكان كذباً والكذب على الله محال فقال ((إن الله يغفر الذنوب جميعاً)) وما خص ذنباً من ذنب وأكدها بقوله ((جميعاً)) ثم تمم فقال ((إنه هو)) فجاء بالضمير الذي يعود عليه(( الغفور الرحيم)) من كونه سبقت رحمته غضبه وكذل قال (( الذين أسرفوا )) ولم يعين إسرافاً من إسراف وجاء بالاسم الناقص الذي يعمم كل مسرف ثم أضاف العباد إليه لأنهم عباده كما قال الحق عن العبد الصالح عيسى عليه السلام أنه قال(( إن تعذبهم فإنهم عبادك ))فأضافهم إليه تعالى وكفى شرفاً شرف الإضافة إلى الله تعالى .]

[وصية:

عليكم بذكر الله في السر والعلن وفي أنفسكم وفي الملأ فإن الله يقول ((فاذكروني اذكركم)) فجعل جواب الذكر من العبد الذكر من الله وأي ضراء على العبد أضر من الذنب وكان يقول صلى الله عليه وسلم في حال الضراء "الحمد لله علىكل حال" وفي حال السراء "الحمد لله المنعم المفضل " فإنك إذا أشعرت قلبك ذكر الله دائماً في كل حال لا بد أن يستنير قلبك بنور الذكر فيرزقك ذلك النور الكشف فإنه بالنور يقع الكشف للأشياء وإذا جاء الكشف جاء الحياء يصبحه دليلك على ذلك استحياؤك من جارك وممن ترى له حقاً وقدراً ولا شك أن الإيمان يعطيك تعظيم الحق عندك وكلامنا إنما هو مع المؤمنين ووصيتنا إنما هي لكل مسلم مؤمن بالله وبما جاء من عنده والله يقول في الخبر المأثور الصحيح عنه الحديث وفيه" وأنا معه -يعني مع العبد- حين يذكرني أن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملاء ذكرته في ملاء خير منهم" وقال تعالى ((والذاكرين الله كثيراً والذاكرات)) وأكبر الذكر ذكر الله على كل حال .]


يتبع بعون الله تعالى0000

عبدالقادر حمود 08-13-2008 11:41 AM

[وصية:

ثابر على اتيان جميع القرب جهد الإستطاعة في كل زمان وحال بما يخاطبك به الحق بلسان ذلك الزمان ولسان ذلك الحال فإنك إن كنت مؤمناً فلن تخلص لك معصية أبداً من غير أن تخالطها فإنك مؤمن بها أنها معصية فإن أضفت إلى هذا التخليط استغفاراً وتوبة فطاعة على طاعة وقربة إلى قربة فيقوى جزء الطاعة التي خلط به العمل السيء ، والإيمان من أقوى القرب وأعظمها عند الله فإنه الأساس الذي إتبنى عليه جميع القرب ومن الإيمان حكمك على الله بما حكم به على نفسه في الخبر الذي صح عنه تعالى الذي ذكر فيه (( وأن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً وإن أتاني يمشي أيتته هرولة)) وسبب هذا التضعيف من الله والأقل من العبد والأضعف فإن العبد لا بد له أن يتثبت من أجل النية بالقربة إلى الله في الفعل وأنه مأمور بأن يزن أفعاله بميزان الشرع فلا بد من التنبط فيه وإن أسرع ووصف بالسرعة فإنما سرعته في إقامة الميزان في فعله ذلك لأني نفس الفعل فإن إقامة الميزان به تصح المعاملة وقرب الله لا يحتاج إلى ميزان فإن ميزان الحق الموضوع الذي بيده هو الميزان الذي وزنت أنت به ذلك الفعل الذي تطلب به القربة إلى الله فلا بد من هذا نعته أن يكون في قربه منك أقوى وأكثر من قربك منه فوصف نفسه بأنه يقرب منك في قربك منه ضعف ما قربت منه مثلاً يمثل لأنك على الصورة خلقت وأقل خلافة لك خلافتك على ذاتك فأنت خليفته في أرض بدنك ورعيتك جوارحك وقواك الظاهرة والباطنة فعين قربه منك قربك منه وزيادة وهي ما قال من الذراع والباع ولهرولة والشبر إلى الشبر ذراع والذراع إلى الذراع باع والمشي إذا ضاعفته هرولة فهو في الأول الذي هو قربك منه وهو في الآخر الذي هو قر به منك فهو الأول و الآخر وهذا هو القرب المناسب فإ ن القرب الإلهي من جميع الخلق غير هذا وهو قوله (( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)) فما أريد هنا ذلك القرب وإنما أريد القرب الذي هو جزاء قرب العبد من الله وليس للعبد قرب من الله إلا بالإيمان بما جاء من عند الله بعد الإيمان بالله وبالمبلغ عن الله تعالى \" .]

[وصية:

الزم نفسك الحديث يعمل الخير وإن لم تفعل ومهما حدثت نفسك بشر فاعزم على ترك ذلك لله إلى أن يغلبك القدر السابق والقضاء اللاحق فإن الله إذا لم يقض لعليك باتيان ذلك الشر الذي حدثت به نفسك كتبه لك حسنة وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل إنه يقول(( إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها)) وكلمة ما هنا ظرفية فكل زمان يمر عليه في الحديث يعمل هذه الحسنة وإن لم يعملها فإن ا لله يكتبها له حسنة واحدة في كل زمان يصحبه الحديث بها فيه بلغت تلك الأزمنة من العدد ما بلغت فله بكل زمان حديث حسنة ولهذا قال ((ما لم يعملها )) ثم قال تعالى ((فإذا عملها فأنا أكتبها له بعشرة أمثالها ))ومن هنا فرض العشر فيما سقت السماء إن علمت فإن كانت من الحسنات المتعدية التي لها بقاء فإن الأجر يتجدد عليها ما بقيت إلى يوم القيامة كالصدقة الجارية مثل الأوقاف والعلم الذي يبثه في الناس والسنة الحسنة وأمثال ذلك ثم تمم نعمه على عباده فقال تعالى(( وإذا تحدث بأن يعمل سيئته فأنا أغفرها له ما لم يعملها )) وكلمة ما هنا ظرفية كما كانت في الحسنة سواء والحكم كالحكم في الحديث والجزاء بالغاً ما بلغ ثم قال (( فإذا عملها فإما أكتبها له يمثلها)) فجعل العدل في السيئة والفضل في الحسنة وهو قوله ((للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ))وفهو الفضل وهو ما زاد على المثل ثم أخبر تعالى عن الملائكة أنها تقول بحكم الأصل عليها الذي نطقها في حق أبينا آدم بقولهم (( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)) فما ذكروا إلا مساويئنا وما تعرضت للحسن من ذلك فإن الملأ الأعلى تغلب عليه الغيرة على جناب الله أن يهتضم وعملت من هذه النشأة العنصرية أنها لا بد أن تخالف بها لما هي عليه من حقيقتها وذلك عندها بالذوق من ذاتها وإنما هي في نأتنا اظهر ولولا إن الملائكة في نشأتها على صورة نشأتنا ما ذكر الله عنهم أنهم يختصمون والخصام ما يكون إلا مع الأضداد وما ذكر الله عن الملائكة في حقنا أنهم يقولون ذاك عبدك يريد أن يعمل حسنة فإنظر قوة هذا الأصل ما أحكمه لمن نظر
ومن هنا تعلم فضل الإنسان إذا ذكر خبراً في أحد وسكت عن شره أين تكون درجته مع القصد الجميل من الملائكة فيما ذكروه ولكن نبهتك على ما نهتك عليه من ذلك لتعرف نشأتهم وما جبلوا عليه فكل يعمل على شاكلته كما قال تعالى وأخبر أن الملائكة تقول ذاك عبدك فلان يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به قال ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة أنه إنما تركها من جرائي أي من أجلي فالملائكة المذكورة هنا هم الذي قال الله لنا فيهم إن عليكم لحافظين كراماً كاتبين فالمرتبة والتولية أعطتهم أن يتكلموا بما تكلموا به فلهم كتابة الحسن من غير تعريف بما يقدم الله إليهم به في ذلك ويتكلمون في السيئة لما يعلمونه من فضل الله وتجاوزه ولولا ما تكلموا في ذلك ماعرفنا ما هو الأمر فيه عند الله مثل ما يقولونه في مجالس الذكر في الشخص الذي يأتيها إلى حاجته لا لأجل الذكر فأطلق الله للجميع المغفرة وقال هم القوم لا يشقى جليسهم فلولا سؤالهم وتعريفهم بهم ما عرفنا حكم لله فيهم فكلامهم عليهم السلام تعليم ورحمة وأن كان ظاهره كما يسبق إلى الإفهام القاصرة مع الأصل الذي نبهناك عليه وقد قال الله في الحسنة والسيئة من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وأغفر بعد الجزاء ليقوم وقبل الجزاء لقوم آخرين فلا بد من المغفرة لكل مسرف على نفسه وإن لم يتب فمن تحقق بهذه الوصية: عرف النسبة بين النشأة الإنسانية والملائكة وأن الأصل واحد كما أن ربنا واحد وله الأسماء المتقابلة فكان الوجود على صورة الأسماء .]


يتبع بعون الله تعالى0000

عبدالقادر حمود 08-13-2008 11:42 AM

وصية:

ثابر على كلمة الإسلام وهي قولك لا إله إلا الله فإنها أفضل الأذكار بما تحوي عليه من زيادة علم وقال صلى الله عليه وسلم ( أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله ) فهي كلمة جمعت بين النفي والإثبات والقسمة منحصرة فلا يعرف ما تحوي عليه هذه الكلمة إلا من عرف وزنها وما تزن كما ورد في الخبر الذي نذكره في الدلالة عليها فاعلم أنها كلمة توحيد والتوحيد لا يماثله شيء إذ لو ماثله شيء ما كان واحداً ولكان اثنين فصاعد فما ثم ما يزنه فإنه ما يزنه إلا المعادل والمماثل وما ثم مماثل ولا معادل فذلك هو المانع الذي منع لا إله إلا الله أن تدخل الميزان فإن العامة من العلماء يرون أن الشرك الذي هو يقابل التوحيد لا يصح وجود القول به من العبد مع وجود التوحيد فالإنسان إما مشرك وإما موحد فلا يزن التوحيد إلا الشرك فلا يجتمعان في ميزان وعندنا إنما لم يدخل في الميزان لما ورد في الخبر لمن فهمه واعتبره وهو خبر صحيح عن الله يقول الله ( لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع وعامرهن غيري في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهم لا إله إلا الله ) فما ذكر السماوات والأرض لأن الميزان ليس له موضع ما تحت مقعر فلك الكواكب الثابتة من السدرة المنتهى التي تنتهي إليها أعمال العباد ولهذه الأعمال وضع الميزان فلا تتعدى الميزان الموضع الذي لا يتعدّاه الأعمال ثم قال ( وعامرهنّ غيري) وما لها عامر إلا الله فالخبير تكفيه الإشارة وفي لسان العموم من علماء الرسوم يعني بالغير الشريك الذي أثبته المشرك لو كان له اشتراك في الخلق لكانت لا إله إلا الله تميل به في الميزان لأن لا إله إلا الله الأقوى على كل حال لكون المشرك يرجح جانب الله تعالى على جانب الذي أشرك به فقال بهم فيهم أنهم قالوا (( ما نعبدهم إلا لقربونا إلى الله زلفى )) فإذا رفع ميزان الوجود لا ميزان التوحيد دخلت لا إله إلا الله فيه وقد تدخل في ميزان توحيد العظمة وهو توحيد المشركين فتزنه لا إله إلا الله ويميل به فإنه إذا لم يكن العامر غير الله فلا تميل وعينه ما ذكره إنما هو الله قال أين تميل وما ثم إلا واحد في الكفتين وأما صاحب السجلات فما مالت الكفة إلا بالبطاقة لأنها هي التي حواها الميزان من كون لا إله إلا الله يلفظ بها قائلها فكتبها الملك فهي لا إله إلا الله المكتوبة المخلوقة في النطق ولو وضعت لكل أحد ما دخل النار من تلفظ بتوحيد وإنما أراد الله أن يرى فضلها أهل الموقف في صاحب السجلات ولا يراها ولا توضع إلا بعد دخول من شاء الله من الموحدين النار فإذا لم يبق في الموقف موحد قد قضى الله عليه أن يدخل النار ثم بعد ذلك يخرج بالشفاعة أو بالعناية الإلهية عند ذلك يؤتي بصاحب السجلات ولم يبق في الموقف إلا من يدخل الجنة ممن لا حظ له في النار وهو آخر من يوزن له من الخلق فإن لا إله إلا الله له البدء والختام وقد يكون عين بدئها ختامها كصاحب السجلات ثم اعلم أن الله ما وضع في العموم من القوة ما يقابل به كل ضد وهذا لا يتفطن له كل عارف من أهل الله إلا الأنبياء الذين شرعوا للناس ما شرعوا ولا شك أنه قال صلى الله عليه وسلم ( أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله ) وقد قال ما أشارت إلى فضله من ادعى الخصوص من الذكر بكلمة الله الله وهو هو ولا شك أنه من جملة الأقوال التي لا إله إلا الله أفضل منها عند العلماء بالله
فعليك يا ولي بالذكر الثابت في العموم فإنه الذكرالأقوى وله النور الأضوي والمكانة الزلفى ولا يشعر بذلك إلا من لزمه وعمل به حتى أحكمه فإن الله ما وسع رحمته إلا للشمول وبلوغ المأمول وما من أحد إلا وهو يطلب النجاة وإن جهل طريقها فمن نفى بلا إله عينه أثبت بإلا الله كونه فتنفي عينك حكماً لا علماً وتوجب كون الحق حكماً وعلماً والإله من له جميع الأسماء وليست إلا لعين واحدة وهي مسمى الله عامر السماوات والأرض الذي بيده ميزان الرفع والخفض فعليك بلزوم هذا الذكر الذي قرن الله به وبالعلم به السعادة فعم 0



[B][وصية:

- وإياك ومعاداة أهل لا إله إلا الله فإن لها من الله الولاية العامة فهم أولياء الله وإن أخطئوا وجاءوا بتراب الأرض خطايا لا يشركون بالله لقيهم الله بمثلها مغفرة ومن ثبتت ولايته فقد حرمت محاربته ومن حارب الله فقد ذكر الله جزاءه في الدنيا والآخرة وكل من لم يطلعك الله على عداوته لله فلا تتخذه عدوّاً وأقل أحوالك إذا جهلته أن تهمل أمره فإذا تحققت أنه عدوّ لله وليس إلا المشرك فتبرأ منه كما فعل إبراهيم الخليل عليه السلام في حق أبيه آزر وقال الله عز وجل (( فلما تبين له أنه عدوّ لله تبرأ منه )) هذا ميزانك يقول الله تعالى ((لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم)) كما فعل إبراهيم الخليل (( أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم)) ومتى لا تعلم ذلك فلا تعاد عباد الله بالإمكان ولا بما ظهر على اللسان والذي ينبغي لك أن تكره فعله لا عينه والعدو لله إنما تكره عينه ففرق بين من نكره عينه وهو عدو الله وبين من تكره فعله وهو المؤمن أو من تجهل خاتمته ممن ليس بمسلم في الوقت واحذر قوله تعالى في الصحيح ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) فإنه إذا جهل أمره وعاداه فما وفى حق الحق في خلقه فإنه ما يدري علم الله فيه وما بينه الله له حتى يتبرأ منه ويتخذه عدوّاً وإذا علم حاله الظاهر وإن كان عدو الله في نفس الأمر وأنت لا تعلم فواله لإقامة حق الله ولا تعاده فإن الاسم الإلهي الظاهر يخاصمك عند الله فلا تجعل عليك حجة فتهلك فإن لله الحجة البالغة فعامل عباد الله بالشفقة والرحمة كما أن الله يرزقهم على كفرهم وشركهم مع علمه بهم وما رزقهم إلا لعلمه لأن الذي هم فيه ما هم فيه بهم بل وهم فيه بهم لما قد ذكرناه بلسان العموم فإن الله خالق كل شيء وكفرهم وشركهم مخلوق فيهم وبلسان الخصوص ما ظهر حكم في موجود إلا بما هو عليه في حال العدم في ثبوته الذي علمه الله منه فلله الحجة البالغة على كل أحد مهما وقع نزاع ومحاجة فيسلم الأمر إليه واعلم أنك ما كنت عليه وعم برحمتك وشفقتك جميع الحيوان والمخلوقين ولا تقل هذا نبات وجماد ما عندهم خبر نعم عندهم أخبار أنت ما عندك خبر فاترك الوجود على ما هو عليه وارحمه برحمة موجده في وجوده ولا تنظر فيه من حيث ما يقام فيه في الوقت حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين فيتعين عليك عند ذلك أن تتخذهم أعداء لأمر الله لك بذلك حيث نهاك أن تتخذ عدوّه ولياً تلقى إليه بالمودّة فإن اضطرك ضعف يقين إلى مداراتهم فدارهم من غير أن تلقى إليهم بمودة ولكن مسالمة لدفع الشر عنك ففوّض الأمر إليه واعتمد في كل حال عليه إلى أن تلقاه -

عبدالقادر حمود 08-13-2008 11:42 AM

وصية: -

وعليك بملازمة ما افترضه الله عليك على الوجه الذي أمرك أن تقوم فيه فإذا أكملت نشأة فرائضك وإكمالها فرض عليك حينئذ تتفرّغ ما بين الفرضين لنوافل الخيرات كانت ما كانت ولا تحقر شيئاً من عملك فإن الله ما احتقره حين خلقه وأوجده فإن الله ما كلفك بأمر إلا وله بذلك الأمر اعتناء وعناية حتى كلفك به مع كونك في الرتبة أعظم عنده فإنك محل لوجود ما كلفك به إذ كان التكليف لا يتعلق إلا بأفعال المكلفين فيتعلق بالمكلف من حيث فعله لا من حيث عينه واعلم أنك إذا ثابرت على أداء الفرائض فإنك تقرّبت إلى الله بأحب الأمور المقرّبة إليه وإذا كنت صاحب هذه الصفة كنت سمع الحق وبصره فلا يسمع إلا بك ولا يبصر إلا بك فيد الحق يدك ((إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم وأيديهم من حيث يد الله هي فوق أيديهم )) من حيث ما هي أيديهم فإنها المبايعة اسم فاعل والفاعل هو الله فأيديهم يد الله فبأيديهم بايع تعالى وهم المبايعون والأسباب كلها يد الحق التي لها اقتدار على إيجاد المسببات وهذه هي المحبة العظمى التي ما ورد فيها نص جلي كما ورد في النوافل فإن للمثابرة على النوافل حباً إلهياً منصوصاً عليه يكون الحق سمع العبد وبصره كما كان الأمر بالعكس في حب أداء الفرائض ففي الفرض عبودية الاضطرار وهي الأصلية وفي الفرع وهو النفل عبودية الاختيار فالحق فيها سمعك وبصرك ويسمى نفلاً لأنه زائد كما أنك بالأصالة زائد في الوجود إذ كان الله ولا أنت ثم كنت فزاد الوجود الحادث فأنت نفل في وجود الحق فلا بد لك من عمل يسمى نفلاً هو أصلك ولا بد من عمل يسمى فرضاً وهو أصل الوجود وهو وجود الحق ففي أداء الفرض أنت له وفي النفل أنت لك وحبه إياك من حيث ما أنت له أعظم وأشد من حبه إياك من حيث ما أنت لك وقد ورد في الخبر الصحيح عن الله تعالى ( ما تقرّب إلي عبد بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه وما يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحببته فكنت سمعه الذي به يسمع وبصره الذي به يبصره ويده التي يبطش ورجله التي بها يمشي ولئن سألني لأعطيته ولئن استعاذ بي لأعيذته وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته) فانظر إلى ما تنتجه محبة الله فثابر على أداء ما يصح به وجود هذه المحبة الإلهية ولا يصح نفل إلا بعد تكملة الفرض وفي النفل عينه فروض ونوافل فبما فيه من الفروض تكمل الفرائض ورد في الصحيح أنه يقول تعالى ( انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها) فإن كانت تامة كتبت له تامة وإن كان انتقص منها شيئاً قال (انظروا هل لعبدي من تطوّع ) فإن كان له من تطوع قال الله ( أكملوا لعبدي فريضته من تطوّعه ) ثم تؤخذ الأعمال على ذلكم وليست النوافل إلا ما لها أصل في الفرائض وما لا أصل له في فرض فذلك إنشاء عيادة مستقلة يسميها علماء الرسوم بدعة فإن الله تعالى قال (( ورهبانية ابتدعوها )) وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة حسنة والذي سنها لها أجرها من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ولما لم يكن في قوّة النفل أن يسد مسد الفرض جعل في نفس النفل فروضاً لتجبر الفرائض بالفرائض كصلاة النافلة بحكم الأصل ثم أنها تشتمل على فرائض من ذكر وركوع وسجود مع كونها في الأصل نافلة وهذه الأقوال والأفعال فرائض فيها - .]



وصية: -

وعليك بمراعاة أقوالك كما تراعي أعمالك فإن أقوالك من جملة عملك ولهذا قال بعض العلماء من عد كلامه من عمله قل كلامه واعلم أن الله راعى أقوال عباده وأن الله عند لسان كل قائل فما نهاك الله عنه أن تتلفظ به فلا تتلفظ به وإن لم تعتقده فإن الله سائلك عنه روينا أن الملك لا يكتب على العبد ما يعمله حتى يتكلم به قال تعالى (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )) يريد الملك الذي يحصي عليك أقوالك يقول تعالى (( ان عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون)) وأقوالك من أفعالك انظر في قوله تعالى (( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات )) فنهاك عن القول فإنه كذب الله من قال مثل هذا القول فإن الله قال فيهم أنهم أحياء ألا ترى إلى قوله تعالى حيث يقول (( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم )) وقال (( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول )) وقال ((لا خير في كثير من نجواهم )) وهو القول فإذا تكلمت فتكلم بميزان ما شرع الله لك أن تتكلم به وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يمزح ولا يقول إلا حقاً ) فعليك بقول الحق الذي يرضي الله فإن النميمة حق والغيبة حق وهي لا ترضى إلا حقاً فعليك بقول الحق الذي يرضي الله فما كل حق يقال يرضي الله فإن النميمة حق والغيبة حق وهي لا ترضي الله وقد نهيت أن تغتاب وأن تنم بأحد ومن مراعاة الله الأقوال ما رويناه في صحيح مسلم عن الله تعالى لما مطرت السماء قال عز وجل ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فمن قال مطرنا بنوء كذا وكذا فهو كافر بي مؤمن بالكوكب وأما من مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب) فراعى أقوال القائلين وكان أبو هريرة يقول إذا مطرت السماء مطرنا بنوء الفتح ثم يتلو قوله تعالى (( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها )) ولو كنت تعتقد أن الله هو الذي وضع الأسباب ونصبها وأجرى العادة عندنا بأنه يفعل الأشياء عندها لا بها ومع هذا كله لا تقل ما نهاك الله عنه أن تقوله وتتلفظ به فإنه كما نهاك عن أمور نهاك عن القول وإن كان حقاً وانظر ما أحكم قول الله عز وجلّ في قوله( مؤمن بي كافر بالكوكب وكافر بي مؤمن بالكوكب) فإنه مهما قال بفضل الله فقد ستر الكوكب حيث لم ينطق باسمه ومن قال بالكوكب فقد ستر الله وإن اعتقد أنه الفاعل منزل المطر ولكن لم يتلفظ باسمه فجاء تعالى بلفظ الكفر الذي هو الستر فإياك والاستمطار بالأنواء أن تتلفظ به فأحرى أن تعتقده فإن اعتقادك إن كنت مؤمناً أن الله نصبها أدلة عادية وكل دليل عادي يجوز خرق العادة فيه فاحذر من غوائل العادات لا تصرفنك عن حدود الله التي لا حدّ لك فلا تتعداها فإن الله ما حدها حتى راعاها وذلك في كل شيء ورد في الخبر الصحيح ( أن الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيهوى بها في النار سبعين خريفاً وأن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيرفع بها في عليين) فلا تنطق إلا بما يرضي الله لا بما يسخط الله عليك وذلك لا يتمكن لك إلا بمعرفة ما حده لك في نطقك وهذا باب أغفله الناس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ) وقال الحكيم ( لا شيء أحق بسجن من لسان ) وقد جعله الله خلف بابين الشفتين والأسنان ومع هذا يكثر الفضول ويفتح الأبواب - .]


يتبع بعون الله0000


عبدالقادر حمود 08-13-2008 11:43 AM

وصية: -

وإياك أن تصوّر صورة بيدك من شأنها أن يكون لها روح فإن ذلك يهوّنه الناس على أنفسهم وهو عند الله عظيم فالمصوّرون أشد الناش عذاباً يوم القيامة يقال للمصوّر يوم القيامة أحي ما خلقت أو انفخ فيها روحاً وليس بنافخ وقد ورد في الصحيح عن الله تعالى أنه قال( ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة ) وإن العبد إذا راعى هذا القدر وتركه لما ورد عن الله فيه ولم يزاحم الربوبية في تصوير شيء لا من الحيوان ولا من غيره فإنه يطلع على حياة كل صورة في العالم فيراه كله حيواناً ناطقاً يسبح بحمد الله وإذا سامح نفسه في تصوير النبات وما ليس له روح في الشاهد في نظر البصر في المعتاد فلا يطلع على مثل هذا الكشف أبداً فإنه في نفس الأمر لكل صورة من العالم روح أخذ الله بأبصارنا عن إدراك حياة ما يقول عنه أنه ليس بحيوان وفي الآخرة يتكشف الأمر في العموم ولهذا سماها بالدار الحيوان فما ترى فيها شيئاً إلا حياً ناطقاً بخلاف حالك في الدنيا كما روى في الصحيح أن الحصى سبح في كف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل الناس خرق العادة في تسبيح الحصى وأخطأوا وإنما خرق العادة في سمع السامعين ذلك فإنه لم يزل مسبحاً كما أخبر الله إلا أن يسبح بتسبيح خاص أو هيئة في النقط خاصة لم يكن الحصى قبل ذلك يسبح به ولا على تلك الكيفية فحينئذ يكون خرق العادة في الحصى لا في سمع السامع والذي في سمع السامع كونه سمع نطق من لم تجر العادة أن يسمعه - .]



[وصية: -


وعليك يا أخي بعيادة المرضى لما فيها من الاعتبار والذكرى فإن الله خلق الإنسان من ضعف فينبهك النظر إليه في عيادتك على أصلك لتفتقر إلى الله في قوّة يقويك بها على طاعته وأن الله عند عبده إذا مرض ألا ترى إلى المريض ما له استغاثة إلا بالله ولا ذكر إلا الله فلا يزال الحق بلسانه منطوقاً به وفي قلبه التجاء إليه فالمريض لا يزال مع الله أي مريض كان ولو تطيب وتناول الأسباب المعتادة لوجود الشفاء عندها ومع ذلك فلا يغفل عن الله وذلك لحضور الله عنده وأن الله يوم القيامة يقول ( يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده أما أنك لو عدته لوجدتني عنده) الحديث وهو صحيح فقوله ( لوجدتني عنده ) هو ذكر المريض ربه في سرّه و علانيته وكذلك إذا استطعمك أحد من خلق الله أو استسقاك فأطعمه واسقه إذا كنت واجداً لذلك فإنه لو لم يكن لك من الشرف والمنزلة إلا أن هذا المستطعم والمستسقي قد أنزلك منزلة الحق الذي يطعم عباده ويسقيهم وهذا نظر قل من يعتبره انظر إلى السائل إذا سأل ويرفع صوته يقول بالله أعطني فما نطقه الله إلا اسمه في هذه الحال وما رفع صوته إلا ليسمعك أنت حتى تعطيه فقد سماك بالاسم الله والتجأ إليك برفع الصوت التجاءه إلى الله ومن أنزلك منزلة سيده فينبغي لك أن لا تحرمه وتبادر إلى إعطائه ما سألك فيه فإن في هذا الحديث الذي سقناه آنفاً في مرض العبد أن الله يقول ( يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعني قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلاناً استطعمك قلم تطعمه أما لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلاناً استسقاك فلم تسقه أما لو سقيته لوجدت ذلك عندي ) خرّج هذا الحديث مسلم عن محمد بن حاتم عن بهز عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله نفسه في هذا الخبر منزلة عبده فالعبد الحاضر مع الله الذاكر الله في كل حال في مثل هذه الحال يرى الحق أنه الذي استطعمه واستسقاه فيبادر لما طلب الحق منه فإنه لا يدري يوم القيامة لعله يقام في حال هذا الشخص الذي استطعمه واستسقاه من الحاجة فيكافئه الله على ذلك وهو قوله ( لوجدت ذلك عندي ) أي تلك الطعمة والشربة كنت أرفعها وأربيها حتى تجيء يوم القيامة فأردها عليك أحسن وأطيب وأعظم مما كانت فإن لم تكن لك همة أن ترى هذا الذي استسقاك قد أنزلك منزلة من بيده قضاء حاجته إذ جعلك الله خليفة عنه فلا أقل أن تقضي حاجة هذا السائل بنية التجارة طلباً للربح وتضاعف الحسنة فكيف إذا وقفت على مثل هذا الخبر ورأيت أن الله هو الذي سألك ما أنت مستخلف فيه فإن الكل لله وقد أمرك بالإنفاق مما استخلفك فيه فقال ((وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه )) وعظم الأجر فيه إذا أنفقت فلا ترد سائلاً ولو بكلمة طيبة والقه طلق الوجه مسروراً به فإنك إنما تلقى الله وكان الحسين أو الحسن عليهما السلام إذا سأله السائل سارع إليه بالعطاء ويقول أهلاً والله وسهلاً بحامل زادي إلى الآخرة لأنه رآه قد حمل عنه فكان له مثل الراحلة لأن الإنسان إذا أنعم الله عليه نعمة ولم يحمل فضلها غيره فإنه يأتي بها يوم القيامة وهو حاملها حتى يسأل عنها فلهذا كان الحسن يقول أن السائل حامل زاده إلى الآخرة فيرفع عنه مؤنة الحمل - .]



يتبع بعون الله تعالى 0000


عبدالقادر حمود 08-13-2008 11:43 AM

وصية:

وإياكم ومظالم العباد فإن الظلم ظلمات يوم القيامة وظلم العباد أن تمنعهم حقوقهم التي أوجب الله عليك أداءها إليهم وقد يكون ذلك بالحال فيما تراه عليه من الاضطرارات وأنت قادر واجد لسد خلته ودفع ضرورته فيتعين عليك أن تعلم أن له بحاله حقاً في مالك فإن الله ما أطلعك عليه إلا لتدفع إليه حقه وإلا فأنت مسؤول فإن لم يكن لك قدرة بما تسد خلته فاعلم أن الله ما أطلعك على حاله سدى فاعلم أنه يريد منك أن تعينه بكلمة طيبة عند من تعلم أنه يسد خلته فإن لم تعمل فلا أقل من دعوة تدعو له ولا يكون هذا إلا بعد بذل المجهود واليأس حتى لا يبقى عندك إلا الدعاء ومهما غفلت عن هذا القدر فأنت جملة من ظلم صاحب هذا الحال كله إن مات ذلك المحتاج من تلك الحاجة فإن لم يمت وسد خلته غيرك من المؤمنين فقد أسقط أخوك عنك هذه المطالبة من حيث لا يشعر فإن المؤمن أخو المؤمن لا يسلمه وإن لم ينو المعطي ذلك ولكن هكذا هو في نفس الأمر وكذا يقبله الله فإذا أعطيت أنت سائلاً بالحال ضرورته فأنوِ في ذلك أن تنوب عن أخيك المؤمن الأوّل الذي حرمه وتجعل ذلك منه إيثاراً لجنابك عليه بذلك الخير الذي أبقاه من أجلك حتى تصيبه إذ لو أعطاه اقتنع بما أعطاه ولم تكن تجد أنت ذلك الخير فبهذه النية عطاء العارفين أصحاب الضرورات السائلين بأحوالهم وأقوالهم (( وأما السائل فلا تنهر)) وسواء كان ذلك في القوت المحسوس أو المعنوي فإن العلم من هذا الباب والإفادة فإن الضال يطلب الهداية والجائع إلا طعام والعاري يطلب الكسوة التي تقيه برد الهواء وحره وتستر عورته والجاني العالم بأنك قادر على مؤاخذته يطلب منك العفو عن جنايته فأهد الجيران وأطعم الجائع واسق الظمآن واكسِ العريان واعلم أنك فقير لما يفتقر إليك فيه والله غني عن العالمين ومع هذا يجيب دعاءهم ويقضي حوائجهم ويسألهم أن يسألوه في دفع المضار عنهم وأيضاً المنافع إليهم فأنت أولى أن تعامل عباد الله بمثل هذا لحاجتك إلى الله في هذه الأمور خرج مسلم في الصحيح عن عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام الدارمي عن مروان بن محمد الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال (( يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستسكوني أكسكم يا عبادي أنتم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم )) والحق تعالى يعطيكم هذا كله من غير سؤال منك إياه فيه ولكن مع هذا أمرك أن تسأله فيعطيك إجابة لسؤالك ليريك عنايته بك حيث قبل سؤالك وهذه منزلة أخرى زائدة على ما أعطاك وإذا كان سؤالك عن أمره وقد علم منك أنك تسأله ولا بد من ضرورة أصل ما خلقت عليه من الحاجة والسؤال لتكون في سؤالك مؤدياً أمراً واجباً فتجزي جزاء من امتثل أمر الله فنزيد خيراً خير فما أمرك إلا رحمة بك وإيصال خير إليك ولينبهك على أن حاجتك إليه لا إلى غيره فإنه ما خلقك إلا لعبادته أي لتذلّ له فالذي أوصيك به الوقوف عند أوامر الحق ونواهيه والفهم عنه في ذلك حتى تكون من العلماء بما أراده الحق منك في أمره ونهيه إياك ومن لم يسأل ربه فقد بخله هذا في حق العموم فإن فرّطت فيما أوصيتك به فلا تلومن إلا نفسك فإنك إن كنت جاهلاً فقد علمتك وإن كنت ناسياً فلا فقد نبهتك وذكرتك فإن كنت مؤمنً فإن الذكرى تنفعك فإني قد امتثلت أمر الله بما ذكرتك به وانتفاعك بالذكرى شاهد لك بالإيمان قال الله عز وجلّ في حقي وفي حقك (( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين )) فإن لم تنفعك الذكرى فإنهم نفسك في إيمانك فإن الله صادق وقد أخبر بأن الذكرى تنفع المؤمنين ومن تمام هذا الخبر الإلهي الذي أوردناه بعد قوله (( أغفر لكم )) إن قال (( عبادي أنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني )) ومعلوم أنه سبحانه لا يتضرر ولا ينتفع فإن الغنيّ عن العالمين ولكن لما أنزل نفسه منزلة عبده فيما ذكرناه من الاستطعام نبهنا بالعجز عن بلوغ الغاية في ضر العباد له أو في نفعهم فمن المحال بلوغ الغاية في ذلك ولكون الله قد قال في حق قوم أنه ما تبعوا ما اسخط وهو في الظاهر ضر ونزه نفسه عن ذلك وكذبك من فعل فعلاً يرضى الله به ويفرحه كالتائب في فرح الله بتوبة عبده فكان هذا الخبر كالدواء لما يطرأ من المرض من ذلك في بعض النفس الضعيفة في العلم بالله التي لا علم لها بما يعطيه قوله (( ليس كمثله شيء )) ثم من تمام هذا الخبر قوله (( يا عبادي لو أن أولكم وأخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك من ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وأخركم أنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيءً يا عبادي لو أن أولكم وأخركم أنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل في البحر)) وهذا كله دواء لما ذكرناه من أمراض النفوس الضعيفة فاستعمل يا ولى هذه الأدوية يقول الله (( إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)) ومن سأل عن حاجة فقد ذل ومن ذل لغير الله فقد ضل وظلم ولم يسلك بها طريق هداها (( وهذه وصيتي إياك فالزمها ونصيحتي فاعلمها ومازال الله تعالى يوصي عباده في كتابه وعلى ألسنة رسله فكل من أوصاك بما في استعماله سعادتك فهو رسول من الله إليك فاشكره عند ربك ))

عبدالقادر حمود 08-13-2008 11:45 AM

وصية: -

إذا رأيت عالماً لم يستعمله علمه فاستعمل أنت علمك في أدبك معه حتى توفى العالم حقه من حيث ما هو عالم ولا تحجب عن ذلك بحالة السيء فإن له عند الله درجة علمه فإن الإنسان يحشر يوم القيامة مع من أحب ومن تأدب مع صفة إلهية كسبها يوم القيامة وحشر فيها وعليك بالقيام بكل ما تعلم أن الله يحبه منك فتبادر إليه فإنك إذا تحليت به على طريق التحبب إلى الله تعالى أحبك وإذا أحبك أسعدك بالعلم به وبتجليه وبدار كرامته فينعمك في بلائك والذي يحبه تعالى أمور كثيرة اذكر منها ما تيسر على جهة الوصية: والنصيحة فمن ذلك التجمل لله فإنه عبادة مستقلة ولاسيما في عبادة الصلاة فإنك مأمور به قال الله تعالى (( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد)) وقال في معرض الإنكار (( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الأيام لقوم يعلمون)) وأكثر من هذا البيان في مثل هذا في القرآن فلا يكون ولا فرق بين زينة الله وزينة الحياة الدنيا إلا بالقصد والنية وغنما عين الزينة هي ما هي أمر آخر فالنية روح الأمور وإنما لا امرئ ما نوى فالهجرة من حيث ما كانت هجرة واحدة العين فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه وكذلك ورد في الصحيح في بيعة الإمام في الثلاثة الذي لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم وفيه ( ورجل بايع إماماً يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفي وإن لم يعطه منها لم يف ) فالأعمال بالنيات وهي أحد أركان بيت الإسلام وورد في الصحيح في مسلم إن رجالا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا رسول الله إني أحب أن يكون نعلي حسناً وثوبي حسناً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله جميل يحب الجمال ) وقال ( إن الله أولى من يتجمل له ) ومن هذا الباب
كون الله تعالى لم يبعث إليه جبريل في أكثر نزوله عليه إلا في صورة حية وكان أجمل أهل زمانه وبلغ من أثر جماله في الخلق أنه لما قدم المدينة واستقبله الناس ما رأته امرأة حالم إلا ألقت ما في بطنها فكأن الحق يقول يبشر نبيه صلى الله عليه وسلم بإنزال جبريل عليه في صورة حية ( يا محمد ما بيني وبينك إلا صورة الجمال ) يخبره تعالى بما له في نفسه سبحانه بالحل فمن فإنه التجمل لله كما قلناه فقد فاته من الله هذا الحب الخاص المعين وإذا فاته هذا الحب الخاص المعين وإذا فاته هذا الحب الخاص المعين فإنه من الله ما ينتجه من علم وتجمل وكرامة في دار السعادة ومنزلة في كثيب الرؤية وشهود معنوي علمي روحي في هذه الدار الدنيا في سلوكه ومشاهده ولكن كما قلنا ينوى بذلك التجمل لله لا للزينة والفجر بعرض الدنيا والزهو والعجب والبطر على غيره 0
ومن ذلك الرجوع إلى الله
عند الفتنة فإن الله يحب كل مفتن تواب كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل ((هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً )) والبلاء والفتنة بمعنى واحد وليس إلا الاختبار لما هو الإنسان عليه من الدعوى ( إن هي إلا فتنتك ) أي اختبارك ( تضل بها من تشاء ) أي تحيره (وتهدى بها من تشاء ) أي تبين له طريقة نجاته فيها
(وأعظم الفتن) النساء والمال والولد والجاه هذه الأربعة إذا ابتلى الله بها عبداً أو بواحد منها وقام مقام الحق في نصبها له ورجع إلى الله فيها ولم يقف معها من حيث عينها وأخذها نعمة ألهية أنعم الله عليه بها ردته إليه تعالى وأقامته في مقام الشكر وحقه الذي هو رؤية النعمة منه تعالى كما ذكر ماجه في سننه عن رسول الله صلى الله علي وسلم أنه قال (( أوحى الله لموسى عليه السلام فقال له يا موسى اشكرلي حق الشكر قال موسى يا رب وما حق الشكر قال له يا موسى إذا رأيت النعمة مني فذلك حق الشكر )) ولما غفر الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذ نبه وما تأخر وبشره ذلك بقوله تعالى (( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر )) قام حتى تورمت قدماه شكر الله تعالى على ذلك فما فتر ولا جنح إلى الراحة ولما قيل له في ذلك وسئل في الرفق بنفسه قال صلى الله عليه وسلم ( أفلا أكون عبداً شكورا ً) وذلك لما سمع الله يقول ((بل الله فاعبد وكن من الشاكرين )) فإن لم يقم في مقام شكر المنعم فإنه من الله هذا الحب الخاص بهذا المقام الذي لا يناله من الله إلى الشكور فإن الله يقول وقليل من عبادي الشكور وإذا فاته فإنه ماله منا لعلم بالله والتجلي والنعيم الخاص به في دار الكرامة وكشيب الرؤية يوم الزور إلا عظم فإنه لكل حب إلهي من صفة خاصة علم وتجل ونعيم ومنزلة لا بد من ذلك يمتاز بها صاحب تلك الصفة من غيره
(فأما فتنة النساء) فصورة رجوعه إلى الله في محبتهم ب يرى أن الكل أحب بعضه وحن إليه فما أحب سوى نفسه لأن المرأة في الأصل خلقت من الرجل من ضلعه القصرى فينزلها من نفسه منزلة الصورة التي خلق الله الإنسان الكامل عليها وهي صورة الحق فجعلها الحق مجلي له وإذا كان الشيء مجلي للناظر فلا يرى الناظر في تلك الصورة إلا نفسه فإذا رأى في هذه المرأة نفسه أشتد حبه فيها وميله إليها لأنها صورته وقد تبين لك أن صورته صورة الحق التي أوجده عليها فما رأس غلا الحق ولكن بشهوة حب والتذاذ وصلة يفنى فيها فناء حق بحب صدق وقابلها بذاته مقابلة المثلية ولذلك فنى فيها فما من جزء فيه إلا وهو فيها والمحبة قد سرت في جميع أجزائه فتلعق كله بها فلذلك فنى في مثله الفناء الكلي بخلاف حبه غير مثله فاتحد بمحبوبه إلى أن قال
أنا من أهوى ومن أهوى أنا
وقال الآخرون في هذا المقام أنا الله فإذا احببت شخصاً مثلك هذا الحب ردك إلى الله شهودك فيه هذا الرد فأنت ممن أحبه الله وكانت هذه الفتنة فتنة أعطتك المهداة0

عبدالقادر حمود 08-13-2008 11:45 AM

وأما ما الطريقة الأخرى في حب النساء فإنهن محال الانفعال والتكوين لظهور أعيان الأمثال فيك كل نوع ولا شكل أن الله ما أحب أعيان العالم في حال العالم في حال عدم العالم إلا لكون تلك الأعيان محل الانفعال فلما توجه عيها من كونه مريد أقال لها كن فكانت فظهر ملكه بها في الوجود وأعطت تلك الأعيان لله حقه في ألوهيته فكان إلهاً فعبدته تعالى بجميع الأسماء بالحال سواء علمت تلك الأسماء أو لم تعلمها فما بقي اسم لله إلا والعبد قد قام فيه بصورته وحاله وإن لم يعلم نتيجة ذلك الاسم وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه بأسماء الله ( أو استأثرت به في علم غيبك أو علمته أحداً من خلقك ) يعنى من أسمائه أن يعرف عينه حتى يفصله من غيره علماً فإن كثيراً من الأمور في الإنسان بالصورة والحال ولا يعلم بها ويعلم الله منه أن ذلك فيه فإذا أحب المرأة لما ذكرناه فقد رده حبها إلى الله تعالى فكانت نعمة الفتنة في حقه فأحبه الله برجعته إليه تعالى في حبه إياها0
وأما تعلقه بامرأة خاصة في ذلك دون غيرها وإن كانت هذه الحقائق التي ذكرناها سارية في كل امرأة فذلك لمناسبة روحانية بين هذين الشخصين في أصل النشأة والمزاج الطبيعي والنظر الروحي فمنه ما يجرى إلى أجل مسمى ومنه ما يجري إلى غير أجل بل أجله الموت والتعلق لا يزول كحب النبي صلى الله عليه وسلم عائشة فإنه كان يحبها أكثر من حبه جميع نسائه وحبه أبا بكر أيضاً وهو أبوها فهذه المناسبات الثواني هي التي تعين الأشخاص والسبب الأول هو م ذكرناه ولذلك الحب المطلق والسماع المطلق والرؤية المطلقة التي يكون عليها بعض عباد الله ما تختص بشخص في العالم دون شخص فكل حاضر عنده له محبوب وبه مشغول ومع هذا لا بد من ميل خاص لبعض الأشخاص لمناسبة خاصة مع هذا الإطلاق لا بد من ذلك فإن نشأة العالم تعطي في آحاده هذا الأبد من تقييد والكامل من يجمع بين التقييد والإطلاق فالإطلاق مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم ( حبب إلى من دنياكم ثلاث - النساء ) وما خص امرأة من امرأة ومثل التقييد ما روى من حبه عائشة أكثر من سائر نسائه لنسبة إلهية وحانية قيدته بها دون غيرها مع كون يحب النساء فهذا قد ذكر يا من الركن الواحد ما فيه كفاية لمن فهم 0
وأما الركن الثاني
في بيت الفتن وهو الجاه المعبر عنه بالرياسة يقول فيه الطائفة التي لا علم لها منهم ( آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرياسة ) فالعارفون من أصحاب هذا القول ما يقولون ذلك على ما تفهمه العامة من أهل الطريق منهم وإنما ذلك على ما نبينه من مقصود الكمل من أهل الله بذلك وذلك أن في نفس الإنسان أموراً كثيرة خبأها الله فيه (( وهو الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون )) أي ما ظهر منكم وما خفى مما لا تعلمونه منكم فيك فلا يزال الحق يخرج لعبده من نفسه مما أخفاه فيها ما لم يكن يعرف أن ذلك في نفسه كالشخص الذي يرى منه الطبيب من المرض ما لا يعرفه العليل من نفسه كذلك ما خبأه الله في نفوس الخلق ألا تراه يقول صلى الله عليه وسلم ( من عرف نفسه عرف ربه ) وما كل أحد يعرف نفسه مع أن نفسه عينه لا غير ذلك فلا يزال الحق يخرج للإنسان من نفسه ما خبأه فيها فيشهد فيعلم من نفسه عند ذلك ما لم يكن بعلمه قبل ذلك فقالت الطائفة الكثيرة ( آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرياسة ) فيظهر لهم إذا خرج فيحبون الرياسة بحب غير حب العامة لها فإنهم يحبونها من كونهم على ما قال الله فيهم إنه سمعهم وبصرهم وذكر جميع قواهم وأعضاءهم فإذا كانوا بهذه المثابة فما الحب أحبوا الرياسة إلا بالله إذاً لتقدم لله على العالم فإنهم عبيده وما كان الرئيس غلا بالمرؤوس وجودا وتقديراً فحبه للمرؤوس أشد الحب لأنه المثبت له الرياسة فلا أحب من الملك في ملكه لأن ملكه المثبت له كونه ملكاً فهاذ معنى ( آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرياسة ) لهم فيرونه ويشهدونه ذوقاً لا أنه يخرج من قلوبهم فلا يحبون الرياسة فإنهم إن لم يحبوها فما حصل لهم العلم بها ذوقاً وهي الصورة التي خلقهم الله عليها في قوله صلى الله عليه وسلم ( إن الله خلق آدم على صورته ) في بعض تأويلات هذا الخبر ومحتملاته فأعلم ذلك
والجاه إمضاء الكلمة ولا أمضى كلمة من قوله (( إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون )) فاعظم الجاه من كان جاهه بالله فيرى هذا العبد مع بقاء عينه فيعلم عند ذلك أنه المثل الذي لا يماثل فإنه بعد رب والله عز وجل رب لا عبد فله الجمعية وللحق الإنفراد0
( وأما الركن الثالث ) وهو المال وما سمي المال بهذا الاسم إلا لكونه يمال إليه طبعاً فاختبر الله به عباده حيث جعل تيسير بعض الأمور بوجوده وعلق القلوب بمحبة صاحب المال وتعظيمه ولو كان بخيلاً فإن العيون تنظر غليه بعين التعظيم لتوهم النفوس باستغنائه عنهم لما عنده من المال وربما يكون صاحب المال أشد الناس فقراً إليهم في نفسه ولا يجد في نفسه غلا كتفاء ولا القناعة بما عنده فهو يطلب الزيادة مما بيده ولما رأى العالم ميل القلوب إلى رب المال لأجل المال أحبوا المال فطلب العارفون وجهاً إلهياً يحبون به المال إذ ولا بد من حبه وهنا موضع الفتنة والابتلاء التي لها الضلالة والمهداة 0
فأما العارفون فنظروا إلى أمور إلهية منها قوله تعالى (( وأقرضوا الله قرضاً حسناً )) فما خاطب إلا أصحاب الجد فاحبوا المال ليكونوا من أهل هذا الخطاب فيلتذوا بسماعه حيث كانوا فإذا أقرضوه أو أن الصدق تقع بيد الرحمن فحصل لهم بالمال وإعطائه مناولة الحق منهم ذلك فكانت لهم وصلة المناولة وقد شرف الله آدم بقوله ( لما خلقت بيدي ) فمن يعطيه عن سؤاله القرض أنتم في الالتذاذ بالشرف ممن خلقه بيده فلولا المال ما سمعوا ولا كانوا أهلاً لهذا الخطاب الإلهي ولا حصل لهم بالقرض هذا التناول الرباني فإن ذلك يعمم الوصلة مع الله فاختبرهم الله بالمال ثم اختبرهم بالسؤال منه وأنزل الحق نفسه منزلة السائلين من عباده أهل الحاجة أهل الثروة منهم والمال بقوله في الحديث المتقدم في هذا الباب ( يا عبدي استطعمتك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني ) فكان لهم بهذا النظر حب المال فتنة مهداة إلى مثل هذا 0وأما فتنة الولد فلكونه سرّ أبيه وقطعة من كبده وألصق الأشياء به فحبه حب الشيء نفسه ولا شيء أحب إلى الشيء من نفسه فاختبره الله بنفسه في صورة خارجة عنه سماه ولدا ليرى هل يحجبه النظر إليه عما كلفه الحق من إقامة الحقوق عليه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق ابنته فاطمة ومكانتها من قلبه المكانة التي لا تجهل ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت قطعت يدها ) وجلد عمر بن الخطاب انبه في الزنا فمات ونفسه بذاك طيبة وجاد بأعز بنفسه والمرأة في إقامة الحد عليهما الذي في إتلاف نفوسهما وقال في توبتهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأي توبة أعظم من أن جادت بنفسها والجود بإقامة الحق المكروه على الولد عظم في البلاء يقول الله في موت الولد في حق الولد ما لعبدي إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا عندي جزاء إلا الجنة فمن أحكم هذه الأركان التي هي من أعظم الفتن وأكبر المحن وآثر جناب الحق ورعاه فيها فذلك الرجل الذي لا أعظم منه في جنسه ومن وصيتي إياك - أنك لا تنام إلا على وتر لأن الإنسان إذا نام قبض الله روحه إليه في الصورة التي يرى نفسه فيها إن رأى رؤيا فإن شاء ردها إليه إن كان لم ينقض عمره وإن شاء أمسكها إن كان قد جاء أجله فالاحتياط أن الإنسان الحازم لا ينام إلا على وتر فإذا نام على وتر نام على حالة وعمل بحبه الله ورد في الخير الصحيح ( إن الله وتر يحب الوتر) فما أحب إلا نفسه وأي عناية وقرب أعظم من أن أنزلك منزلة نفسه في حبه إياك إذا كنت من أهل الوتر في جميع أفعالك التي تطلب العدد والكمية وقد أمرك الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فقال ( أوتروا يا أهل القرآن ) وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته وكذلك إذا اكتحلت فاكتحل وترا في كل عين واحدة أو ثلاثة فإن كل عين عضو مستقل بنفسه وكذلك إذا طعمت فلا تنزع يدك إلا عن وتر وكذلك شربك الماء في حسواتك إياه أجعله وترا وإذاً أخذك الفواق اشرب من الماس سبع حسوات فإنه ينقطع عنك هذا جربته بنفسي وإذا تنفست في شربك فتنفس ثلاث مرات وأزل القدح عن فيك عند التنفس هكذا أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أهنأ وأمرأ وأروى وإذا تكلمت بالكلمة لتفهم السامع فأعدها عليه ثلاث مرات وتراً وحتى تفهم عنك فهكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني ما أوصيك إلا بما جرت السنة الإلهية عليه وهذا هو عين الإتباع الذي أمرك الله تعالى به في القرآن فقال (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )) فهذه محبة الجزاء وأما محبته الأولى التي ليست جزاء فهي المحبة التي وفقك بها للإتباع فبك قد جعله الله بني حبين إلهيين حب منة وحب جزاء فصارت المحبة بينك وبني الله وتراحب المنة وهو الذي أعطاك التوفيق للإتباع وحبك إياه وحبه إياك جزاء من كونك اتبعت ما شرعه لك (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )) وبهذه الآية ثبتت عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لو لم يكن معصوماً ما صح التأسي به فنحن نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع حركاته وسكناته وأفعاله وأحواله وأقواله ما لم ينه عن شيء من ذ لك على التعيين في كتاب أو سنة مثل نكاح الهبة خالصة لك من دون المؤمنين ومثل وجوب قيام الليل عليه والنجد فهو صلى الله عليه وسلم يقومه ونحن نقومه تأسياً وندباً فاشتركا في القيام يقول أبو هريرة ( أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث ) فاوتر في وصيته وفيها ( أن لا أنام إلا على وتر) ورد في الحديث الصحيح ( إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ) فإن الله وتر يحب الوتر وقد تقدم في هذا الكتاب في باب سؤالات الترمذي الحكيم وهو آخر أبواب فصل المعارف في حب الله التوابين والمتطهرين والشاكرين والصابرين والمحسنين وغيرهم مما ورد أن الله يحب إتيانه كما وردت أشياء لا يحبها الله قد ذكرناها في هذا الكتاب فأغنى عن إعادتها .

يتبع بعون الله تعالى 0000

عبدالقادر حمود 08-13-2008 11:46 AM

وصية:
عليك بمراقبة الله عز وجل فيما أخذ منك وفيما أعطاك فإنه تعالى ما اخذ منك إلا لتصبر فيحبك فإنه يحب الصابرين وإذا أحبك عاملك معاملة المحب محبوبه فكان لك حيث تريد إذا اقتضت إرادتك مصلحتك وإذا لم تقتض إرادتك مصلحتك فعل بحبه إياك معك ما تقتضيه المصلحة في حقك وإن كنت تكره في الحال فعله معك فإنك تحمد بعد ذلك عاقبة أمرك فإن الله غير منهم في مصالح عبده إذا أحبه فميزانك في حبه إياك أن تنظر إلى ما رزقك من الصبر على ما أخذه منك ورزأك فيه من مال أو أهل أو ما كان مما يعز عليك فراقه وما من شيء يزول عنك من المألوفات إلا ولك عوض منه عند الله إلا الله كما قال بعضهم








1
لـكـل شــيء إذا فـارقـتــه عــوض
ولـيـس لـلـه إن فـارقـت مـن عـوض


فإنه لا مثل له وكذلك إذا أعطاك وأنعم عليك ومن جملة ما أنعم به عليك وأعطاك الصبر على ما أخذه منك فأعطاك لتشكر كما أخذ منك لتصبر فإنه تعلى يحب الشاكرين وإذا أحبك حب الشاكرين عفر لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رجل رأى غصن شوك في طريق الناس فنحاه فشكر الله فعله فغفر له ( إن الإيمان بضع وسبعون شعبة أدناها إماطة الأذى عن الطريق) وهو ما ذكرناه وأرفعها ( قول لا إله إلا الله ) فالمؤمن الموفق يبحث عن شعب الإيمان فيأتيها كلها وبحثه عن ذلك من جملة شعب الإيمان فذلك هو المؤمن الذي حاز الصفة وملأ يديه من الخير وما شكرك الله بسبب أمر أتيته مما شرع لك الإتيان به إلا لتزيد من أعمال البرّ كما أنك إذا شكرته على ما أنعم به عليك زادك من نعمه لقوله (( لئن شكرتم لأزيدنكم )) ووصف نفسه بأنه يشكر عباده فهو الشكور فزاده كما زادك لشكرك ومع هذا فإن اعتقد أن كل شيء عنده بمقدار وكل شيء في الدنيا يجري إلى أجل مسمى عند الله فما ثم شيء في العالم إلا وهو لله فإن أخذه منك فما أخذه إلا إليه وإن أعطاك فما أعطاك إلا منه فالأمر كله منه وإليه كفى بك إذا علمت أن الأمر على ما أعلمتك أن تكون مع الله تشهده في جميع أحوالك من أخذ وعطاء فإنك لن تخلو في نفسك من أخذ وعطاء في كل نفس أول ذلك أنفاسك التي بها حياتك فيأخذ منك نفسك الخارج بما خرج من ذكر بقلب أو لسان فإن كان خيراً ضاعف لك أجره وإن كان غير ذلك فمن كرمه وعفوه يغفر لك ذلك ويعطيك نفسك الداخل بما شاءه وهو وارد وقتك فإن ورد بخير فهو نعمة من الله فقابلها بالشكر إن كان غير ذلك مما لا يرضى الله فاسأله المغفرة والتجاوز والتوبة فإنه ما قضى بالذنوب على عباده إلا ليستغفروه فيغفر لهم ويتوبوا إليه فيتوب عليهم وورد في الحديث ( لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون ويتوبون فيغفر الله لهم ويتوب عليهم ) حتى لا يتعطل حكم من الأحكام الالهية في الدنيا وورد في الصحيح عن رسول الله صلى عليه وسلم أنه قال ( إن لله ما أخذوا له ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ) فإذا انتهى أجله انقضى وجاء غيره وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا معرفا أياً بما هو الأمر عليه لنسلم الأمر إليه فنرزق درجة التسليم والتفويض مع بذلك المجهود فيما يحب منا أن نرجع إليه فيه بحسب الحال إن كان في المخالفة فبالتوبة والاستغفار وفي الموافقة بالشكر وطلب الإقامة على طاعة الله وطاعة رسوله ونجد عزاءً في نفوسنا بمعرفتنا أن كل شيء عند الله في الدنيا يجرى إلى أجل مسمى وللصابرين حمد يخصهم وهو الحمد لله على كل حال وللشاكرين حمد يخصهم وهو الحمد لله المنعم المفضل كذا كان يحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في حالة السراء والضراء والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في حالة السراء والضراء والتأسي برسوله الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أولى من أن تنبسط حمداً آخر فإنه لا أعلى مما وضعه العالم لمكمل الذي شهد الله له بالعلم به وأكرمه برسالته واختصاصه وأمرنا بالإقتداء به وإتباعه فلا تحدث أمراً ما استطعت فإنك إذا سننت سنة لم يجئ مثلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حسنة فإن لك أجرها وأجر من علم بها وإذا تركت تسنينها اتباعاً لكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنها فإن أجرك في اتباعك ذلك أغنى ترك التسنين أعظم من أجرك من حيث ما سننت بكثير فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره كثرة التكليف على أمته وكان يكره لهم أن يسألوا في أشياء مخافة أن ينزل عليهم في ذلك ما لا يطيقونه إلا بمشقة ومن سن فقد كلف وكان النبي صلى الله عليه وسلم أولى بذلك ولكن تركه تخفيفاً فلهذا قلنا الإتباع في الترك أعظم أجراً من التسنين فأجعل بالك لما ذكرته لك ولقد بلغني عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه ما أكل البطيخ فقيل له في ذلك فقال ما بلغني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكله فلما لم تبلغ إليه الكيفية في ذلك تركه وبمثل هذا تقدم علماء هذه الأمة على سائر علماء الأمم هكذا وإلا فهذا الإمام علم وتحقق معنى قوله تعال عن نبيه صلى الله عليه وسلم (( فاتبعوني يحببكم الله )) وقوله (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )) والاشتغال بما سن من قول وفعل وحال أكثر من أن نحيط به فكيف أن نتفرغ لنسن فلا نكلف الأمة أكثر مما ورد .]


يتبع بعون الله تعالى


عبدالقادر حمود 08-13-2008 11:46 AM

نتابع كتاب الوصايا للشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي رضي الله عنه



[وصية:

عليك بأداء الأوجب من حق الله وهو أن لا تشرك به شيءً من الشرك الخفي الذي هو الاعتماد على الأسباب الموضوعة ولا ركون إليها بالقلب والطمأنينة بها وهي سكون القلب إليها وعندها فإن ذلك من أعظم رزية دينية في المؤمن وهو قوله والله أعلم من باب الإشارة (( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )) يعني والله أعلم به هذا الشرك الخفي الذي يكون معه الإيمان بوجود الله والنقص في الإيمان بتوحيد الله في الأفعال لافي الألوهة فإن ذلك هو الشرك الجلي الذي يناقض الإيمان بتوحيد الله في الألوهه بوجود الله ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال ( أتدرون ما حق الله على العباد أن يعبدوه لا يشركوا به شيئاً ) فأتى بلفظة شيء وشيء نكرة فدخل فيه الشرك الجلي والخفي ثم قال ( أتدرون ما حقهم على الله إذا فعلوا ذلك أن لا يعذبهم ) فاجعل بالك من قوله ( أن لا يعذبهم ) فإنهم لم يشركوا بالله شيئاً لم يتعلق لهم خاطر إلا بالله إذ لم يكن لهم توجه إلا إلى الله وإذا أشركوا بالله الشرك الناقض للإسلام أو الشكر الخفي الذي هو النظر إلى الأسباب المعتادة فإن الله قد عذبهم بالاعتماد عليها لأنها معرضة للفقد ففي حال وجودها يتعذبون بتوهم فقدها وبما ينقص منها وإذا فقدوها تعذبوا بقدها فهم معذبون على كل حال في وجود الأسباب وفقدها وإذا لم يشركوا بالله شيءً من الأسباب استراحوا ولم يبالوا بفقدها ولا بوجودها فإن الذي اعتمدوا عليه وهو الله قادر على إتيان الأمور من حيث لا يحتسبون كما قال تعالى (( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب )) وله قال في ذلك بعضهم نظماً وهو




1

2
ومن يتق الله يجعل لـه
كما قال من أمره مخرجا
يرزقه من غير حسبانه
وإن ضاق أمر به فرجا



فمن علامة التحقق بالتقوى أن يأتي رزقه من حيث لا يحتسب وإذا أتاه من حيث يحتسب فما تحقق بالتقوى ولا اعتمد على الله فإن معنى التقوى في بعض وجوهه أن نتخذ الله وقاية من تأثير الأسباب في قلبك باعتمادك عليها والإنسان أبصر بنفسه وهو يعلم من نفسه بمن هو أوثق وبما تسكن إليه نفسه ولا يقول إن الله أمرني بالسعي على العيال وأوجب علي النفقة عليهم فلا بد من الكد في الأسباب التي جرت العادة أن يرزقهم الله عندها فهذا لا يناقض ما قلناه فنحن إنما نهيناك عن الاعتماد عليه بقلبك والسكون عندها ما قلنا لك لا تعمل بها ولقد نمت عند تقييدي هذا الوجه ثم رجعت إلى نفسي وأنا أنشد بيتين لم أكن أعرفهما قبل ذلك وهما






1

2
لا تعتمد إلا على الله
فكل أمـر بيـد لله
وهذه الأسباب حجابه
فلا تكن إلا مـع الله



فانظر في نفسك فإن وجدت أن القلب سكن إليها فاتهم إيمانك وأعلم أنك لست ذلك الرجل وإن وجدت قلبك ساكناً مع الله واستوى عندك حالة فقد السبب وحالة وجوده ولكن مع الفقد يكون ذلك فاعلم أنك ذلك الرجل الذي آمن ولم يشرك بالله شيءً وأنك من القليل فإن رزقك من حيث لا تحتسب فذلك بشرى من الله إنك من المتقين ومن سر هذه الآية أن الله وأن رزقك من السبب المعتاد الذي في خزانتك وتحت حكمك تصريفك ولا بد مما بيدك ومن الحاصل عندك فما رزقك إلا من حيث لا تحتسب وإن أكلت وارتزقت من ذلك الذي بيدك فاعلم ذلك فإنه معنى دقيق ولا يشعر به إلا أهل المراقبة الإلهية الذين يراقبون بواطنهم وقلوبهم فإن الوقاية ليست إلا لله تمنع العبد من أن يصل إلى الأسباب بحكم الاعتماد على الله عز وجل وهذا هو معنى قوله (( يجعل له مخرجاً )) فهذا مخرج التقوى في هذه الآية وهي وصية: الله عبده وأعلامه بما هو الأمر عليه .]

[وصية:

عليك بأداء الأوجب من حق الله وهو أن لا تشرك به شيءً من الشرك الخفي الذي هو الاعتماد على الأسباب الموضوعة ولا ركون إليها بالقلب والطمأنينة بها وهي سكون القلب إليها وعندها فإن ذلك من أعظم رزية دينية في المؤمن وهو قوله والله أعلم من باب الإشارة (( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )) يعني والله أعلم به هذا الشرك الخفي الذي يكون معه الإيمان بوجود الله والنقص في الإيمان بتوحيد الله في الأفعال لافي الألوهة فإن ذلك هو الشرك الجلي الذي يناقض الإيمان بتوحيد الله في الألوهه بوجود الله ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال ( أتدرون ما حق الله على العباد أن يعبدوه لا يشركوا به شيئاً ) فأتى بلفظة شيء وشيء نكرة فدخل فيه الشرك الجلي والخفي ثم قال ( أتدرون ما حقهم على الله إذا فعلوا ذلك أن لا يعذبهم ) فاجعل بالك من قوله ( أن لا يعذبهم ) فإنهم لم يشركوا بالله شيئاً لم يتعلق لهم خاطر إلا بالله إذ لم يكن لهم توجه إلا إلى الله وإذا أشركوا بالله الشرك الناقض للإسلام أو الشكر الخفي الذي هو النظر إلى الأسباب المعتادة فإن الله قد عذبهم بالاعتماد عليها لأنها معرضة للفقد ففي حال وجودها يتعذبون بتوهم فقدها وبما ينقص منها وإذا فقدوها تعذبوا بقدها فهم معذبون على كل حال في وجود الأسباب وفقدها وإذا لم يشركوا بالله شيءً من الأسباب استراحوا ولم يبالوا بفقدها ولا بوجودها فإن الذي اعتمدوا عليه وهو الله قادر على إتيان الأمور من حيث لا يحتسبون كما قال تعالى (( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب )) وله قال في ذلك بعضهم نظماً وهو






1

2
ومن يتق الله يجعل لـه
كما قال من أمره مخرجا
يرزقه من غير حسبانه
وإن ضاق أمر به فرجا




فمن علامة التحقق بالتقوى أن يأتي رزقه من حيث لا يحتسب وإذا أتاه من حيث يحتسب فما تحقق بالتقوى ولا اعتمد على الله فإن معنى التقوى في بعض وجوهه أن نتخذ الله وقاية من تأثير الأسباب في قلبك باعتمادك عليها والإنسان أبصر بنفسه وهو يعلم من نفسه بمن هو أوثق وبما تسكن إليه نفسه ولا يقول إن الله أمرني بالسعي على العيال وأوجب علي النفقة عليهم فلا بد من الكد في الأسباب التي جرت العادة أن يرزقهم الله عندها فهذا لا يناقض ما قلناه فنحن إنما نهيناك عن الاعتماد عليه بقلبك والسكون عندها ما قلنا لك لا تعمل بها ولقد نمت عند تقييدي هذا الوجه ثم رجعت إلى نفسي وأنا أنشد بيتين لم أكن أعرفهما قبل ذلك وهما




1

2
لا تعتمد إلا على الله
فكل أمـر بيـد الله
وهذه الأسباب حجابه
فلا تكن إلا مـع الله



فانظر في نفسك فإن وجدت أن القلب سكن إليها فاتهم إيمانك وأعلم أنك لست ذلك الرجل وإن وجدت قلبك ساكناً مع الله واستوى عندك حالة فقد السبب وحالة وجوده ولكن مع الفقد يكون ذلك فاعلم أنك ذلك الرجل الذي آمن ولم يشرك بالله شيءً وأنك من القليل فإن رزقك من حيث لا تحتسب فذلك بشرى من الله إنك من المتقين ومن سر هذه الآية أن الله وأن رزقك من السبب المعتاد الذي في خزانتك وتحت حكمك تصريفك ولا بد مما بيدك ومن الحاصل عندك فما رزقك إلا من حيث لا تحتسب وإن أكلت وارتزقت من ذلك الذي بيدك فاعلم ذلك فإنه معنى دقيق ولا يشعر به إلا أهل المراقبة الإلهية الذين يراقبون بواطنهم وقلوبهم فإن الوقاية ليست إلا لله تمنع العبد من أن يصل إلى الأسباب بحكم الاعتماد على الله عز وجل وهذا هو معنى قوله (( يجعل له مخرجاً )) فهذا مخرج التقوى في هذه الآية وهي وصية: الله عبده وأعلامه بما هو الأمر عليه .]


يتبع بعون الله0000

عبدالقادر حمود 08-13-2008 11:47 AM

[وصية:

احذر يا أخي أن تريد علواً في الأرض والزم الخمول وإن أعلى الله كلمتك فما أعلى إلا الحق وإن رزقك الرفعة في قلوب الخلق فذلك إليه عز وجل والذي يلزمك التواضع والذلة والانكسار فإنه إنما أنشأك من الأرض فلا تعلوا عليها فإنها أمك ومن تكبر على أمه فقد عقها وعقوق الوالدين حرام ثم إنه قد ورد في الحديث ( أن حقاً على أن حقا على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلى وضعه ) فإن كنت أنت ذلك الشيء فانتظر وضع الله إياك وما أخاف على من هذه صفته إلا أن الله تعالى إذا وضعه في النار وذلك إذا رفع ذ لك الشيء نفسه لا إذا رفعه الله فذلك ليس إليه إلا أنه لا بد أن يراقب الله فيما أعطاه من الرفعة في الأرض بولاية وتقدم يخدم من أجله ويغشى بابه ويلزم ركابه فلا يبرح ناظراً في عبوديته وأصله فإنه خلق من ضعف ومن أصل موصوف بأنه ذلول ويعلم أن تلك الرفعة إنما هي للرتبة والمنصب ولا لذاته فإنه إذا عزل عنها لم يبق له ذلك الوزن الذي كان يتخيله وينتقل ذلك إلى من أقامه الله في تلك المنزلة فالعلو للمنزلة لا لذاته فمن أراد العلو في الأرض فقد أراد الولاية فيها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الولاية ( أنها يوم القيام حسرة وندامة ) فلا تكن من الجاهلين فالذي أوصيك به أنك لا تريد علواً في الأرض وأن أعطاك الله لا تطلب أنت من الله لا أن تكون في نفسك صاحب ذلة ومسكنة وخشوع فإنك لن تحصل ذلك إلا أن يكون الحق مشهداً لك وليس مدار الخلق وإلا كابر إلا على أن يحصل لهم مقام الشهود فإنه الوجود المطلوب .]


[وصية:

وعليك بالاغتسال في كل يوم جمعة واجعله قبل رواحك إلى صلاة الجمعة وإذا اغتسلت فانوي فيه أنك تؤدي واجباً فإنه قد ورد في الصحيح ( أن غسل الجمعة واجب على كل مسلم ) وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام ) فيجمع بني الحديثين يغسل الجمعة وذلك أن الله خلق سبعة أيام وهي أيام الجمعة فإذا انقضت جمعة دارت الأيام فيه الجديدة الدائرة فلا تنصرف عنك دورة إلا عن طهارة تحدثها فيها إكراماً لذاتها وتقديساً وتنظيفاً كما جاء في السواك ( أنه مطهرة للفم ومرضاة للرب ) وكذلك الغسل في الأسبوع مطهرة للبدن ومرضاة للرب أي العبد فعل فعلاً يرضي الله به من حيث أن الله أمره بذلك فامتثل أمره .]

[وصية:

إياك والمراء في شيء من الدين وهو الجدال فلا يخلوا من أحد أمرين إما أن تكون محقاً أو مبطلاً كما يفعل فقهاء زماننا اليوم في مجالس مناظراتهم ينوون في ذلك تلقيح خواطرهم فقد يلتزم المناظر في مذهباً لا يعتقده وقولاً لا يرتضيه وهو يجادل به صاحب الحق الذي يعتقد فيه أنه حق ثم تخدعه النفس في ذلك بأن تقول له إنما نفعل ذلك لتلقيح الخاطر لا لإقامة الباطل وما علم أن الله عند لسان كل قائل وأن العامي إذا سمع مقالته بالباطل وظهوره على صاحب الحق وهو عنده أنه فقيه عمل العامي المقلد على ذلك الباطل لما رأي من ظهوره على صفة الحق وعجز صاحب الحق عن مقاومته فلا يزال الإثم يتعلق به مادام هذا السامع يعمل بما سمع منه ولهذا ورد في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت أنه قال ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وان كان محقاً وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً ومنه المراء في الباطل ) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح ولكن لا يقول إلا حقاً0


يتبع بعون الله 0000

عبدالقادر حمود 08-13-2008 11:47 AM

وصية:

وعليك بحسن الخلق وإتيان مكارمها وتجنب سفاسفها فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وأنه صلى الله عليه وسلم قد ضمن بيتاً في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ولما كانت الأخلاق الحسنة عبارة عن أن نفعل مع المتخلق معه الذي يصرف أخلاقه معه في معاملته إياه وعلمنا أن أغراض الخلق متقابلة وأنه إن أرضى زيداً اسخط عدوه عمراً ولا بد من ذلك فمن المحال أن يقوم في خلق كريم يرضى جميع الخلائق ولما رأينا أن الأمر على هذا الحد وأدخل الله نفسه مع عباده في الصحبة كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لربه ( أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ) وقال تعالى (( وهو معكم أينما كنتم )) وقال تعالى (( إذ يقول لصاحبه لا تخزن إن الله معنا )) وقال تعالى (( إنني معكما أسمع وأرى )) قلنا فلا تصرف مكارم الأخلاق إلا في صحبة الله خاصة فكل ما يرضي الله نأتيه وكل ما لا يرضيه نجتنبه وسواء كانت المعاملة والخلق مما يخص جانب الحق أو تتعدى إلى الغير وأنها وإن تعدت إلى الغير فإنها مما يرضى الله وسواء عندك سخط ذلك الغير أو رضي فإنه إن كان مؤمناً رضي بما يرضي الله وإن كان عدواً لله فلا اعتبار له عندنا فإن الله يقول (( إنما المؤمنون أخوة )) وقال تعالى (( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة )) فحسن الخلق إنما هو فيا يرضي الله فلا تصرفه إلا مع الله سواء كان ذلك في الخلق أو بما يختص بجناب الله فمن راعي جناب الله انتفع به جميع المؤمنين وأهل الذمة فإن لله حقا على كل مؤمن في معاملة كل أحد من خلق الله على الإطلاق من كل صنف من ملك وجان وإنسان وحيوان ونبات ومعدن وجماد ومؤمن وغير مؤمن وقد ذكرنا ذلك في رسالة الأخلاق لنا كتبنا بها إلى بعض إخواننا سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وهي جزء لطيف غريب في معناه فيه معاملة جميع الخلق بالخلق الحسن الذي يليق به وحسن الخلق بحسب أحوال من تصرفها فيه ومعه هذا أمر عام والتفصيل فيه لك بالواقع فانظر فيه فإنه أكثر من أن تحصى آحاده لما في ذلك من التطويل والله الموفق لا رب غيره وكذلك تجنب سفساف الأخلاق ولا نعرف مكارم الأخلاق من سفسافها إلا حتى تعرف مصارفها فإذا علمت مصارفها علمت مكارمها وسفسافها وهو علم خفي شريف فلا يفوتنك علم مصارف الأخلاق فإن ذلك يختلف باختلاف الوجوه .]



وصية:وعليك بالهجرة ولا تقم بين أظهر الكفار فإن في ذلك إهانة دين الإسلام وإعلاء كلمة الكفر على كلمة الله فإن الله ما أمر بالقتال إلا لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى وإياك والإقامة أو الدخول تحت ذمة كافر ما استطعت واعلم أن المقيم بين أظهر الكفار مع تمكنه من الخروج من بين ظهرانيهم لا حظ له في الإسلام فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد تبرأ منه ولا يتبرأ رسول الله عليه وسلم من مسلم وقد ثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال ( أنا بريء من مسلم يقيم بين أظهر المشركين ) فما اعتبر له كملة الإسلام وقال الله تعالى فيمن مات وهو بين أظهر المشركين (( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً )) النساء آية 97 - فلهذا حجرنا عليهم في هذا الزمان على الناس زيارة بيت المقدس والإقامة فيه لكونه بيد الكفار فالولاية لهم والتحكم في المسلمين , والمسلمون معهم على أسوأ حال نعوذ بالله من تحكم الأهواء فالزائرون اليوم البيت المقدس والمقيمون فيه من المسلمين هم من الذين قال الله فيهم (( ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون )) الكهف آية 104- وكذلك فلتهاجر عن كل خلق مذموم شرعاً قد ذمه الحق في كتابه أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .]



وصية:وعليك باستعمال العلم في جميع حركاتك وسكناتك فإن السخي الكامل السخاء من سخي بنفسه على العلم فكان بحكم ما شرع الله له فعلم وعمل وعلم من لم يعلم وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على من قبل العلم وعمل به وعلمه وذم نقيض ذلك فثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ وكذلك من فقه في دين الله نفعه الله بما بعثني به فعلم وعمل وعلم ومثل من يرفع بذلك رأساً مثل القيعان التي لم تمسك ماء ولا أنبتت كلأ ) فكن يا أخي ممن علم وعمل ولا تكن ممن علم وترك العمل فتكون كالسراج أو كالشمعة تضيء للناس وتحرق نفسك فإنك إذا عملت بما علمت جعل الله لك فرقاناً ونوراً وورثك ذلك العلم علماً آخر لم تكن تعلمه من العلم بالله وبما لك فيه منفعة عند الله في آخرتك فاجهد أن تكون من العلماء العاملين المرشدين .]

يتبع بعون الله......

عبدالقادر حمود 08-13-2008 11:48 AM

نتابع كتاب الوصايا للشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي



[وصية:

وعليك بالتودد لعباد الله من المؤمنين بإفشاء السلام وإطعام الطعام والسعي في قضاء حوائجهم وأعلم أن المؤمنين أجمعهم جسد واحد كإنسان واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى كذلك المؤمن إذا أصيب أخوه المؤمن بمصيبة فكأنه هو الذي أصيب بها فيتألم لتألمه ومتى لم يفعل ذلك المؤمن مع المؤمنين فما ثبتت أخوة الإيمان بينه وبينهم فإن الله قد آخى بين المؤمنين كما آخى بني أعضاء جسد الإنسان وبهذا وقع المثل من النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت وهو قوله صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وأعلم أن المؤمن كثير بأخيه وأن المؤمن لما كان من أسماء الله ما ينضاف إلى ذلك من خلقه على الصورة ثبت النسب والمؤمن أخو المؤمن لا يسلمه ولا يخذله فمن كان مؤمناً بالله من حيث ما هو الله مؤمن فإنه يصدقه في فعله وقوله وحاله وهذه هي العصمة فإن الله من كونه مؤمناً يصدقه الله في ذلك ولا يصدق إلا الصادق فإن تصديق الكاذب على الله محال فإن الكذب عليه محال وتصديق الكاذب كذب بلا شك فمن ثبت إيمانه من كون الله مؤمناً فإن هذا العبد لا شك أنه من الصادقين في جميع أموره مع الله لأنه مؤمن بالله ومؤمن به أيضاً فتنبه لما دللتك عليه ووصيتك به في الإيمان بالله من كونه مؤمناً تنتفع فإني قد أريتك الطريق الموصل إلى نيل ذلك واعتصم بالله (( ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم )) فإن الله على صراط مستقيم وليس إلا ما شرعه لعباده .]

وصية





:لا تكترث لما يصيبك الله به من الرزايا في مالك ومن يعز عليك من أهلك مما يسعى في العرف رزية ومصاباً وقل (( إنا لله وإنا إليه راجعون )) عند نزولها بك وقل فيها كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( ما أصابتني من مصيبة إلا رأيت أن الله على فيها ثلاث نعم النعمة الواحدة حيث لم تكن المصيبة في ديني والنعمة الثانية حيث لم يكن ما هو أكبر منها فدفع الله بها ما هو أعظم منها والنعمة الثالثة ما جعل الله فيها من الأمر بالكفارة لما كنا نتوفاه من سيئات أعمالنا وأعلم أن المؤمن في الدنيا كثير الرزايا لأن الله يحب أن يظهره حتى ينقلب إليه طاهراً مطهراً من دنس المخالفات التي كتب الله عليه في الدنيا أن يقام فيها فلا يزال المؤمن مرزأًً في عموم أحواله وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ( مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تصرعها الريح مرة وتعدلها أخرى حتى تهيج .]


وصية:
عليك بتلاوة القرآن وتدبره وأنظر في تلاوتك إلى ما حمد فيه من النعوت والصفات التي وصف الله بها من أحبه من عباده فانصف بها وما ذم الله في القرآن من النعوت والصفات التي اتصف بها من مقته الله فاجتنبها فإن الله ما ذكرها لك وأنزلها في كتابه عليك وعرفك بها ألا لتعمل بذلك فإذا قرأت القرآن فكن أنت القرآن لما في القرآن واجتهد أن تحفظه بالعمل كما حفظته بالتلاوة فإنه لا أحد أشد عذاباً يوم القيامة من شخص حفظ أية ثم نسيها كذلك من حفظ آية ثم ترك العلم بها كانت عليه شاهدة يوم القيامة وحسرة وإنه قد ثبت عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم في أحوال من يقرأ القرآن ومن لا يقرؤه من مؤمن ومنافق فقال صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب ) يعني بها التلاوة والقراءة فإنها أنفاس تخرج فشبهها بالروائح التي تعطيها الأنفاس (وطعمها طيب) يعنى به الإيمان ولذلك قال ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً فنسب الطعم للإيمان ثم قال ( ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل الثمرة طعمها طيب ) من حيث أنه مؤمن ذو إيمان ( ولا ريح لها ) من حيث أنه غير تال في الحال التي لا يكون فيها تاليا وإن كان من حفاظ القرآن ثم قال ( ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب ) لأن القرآن طيب وليس سوى أنفاس التالي والقارئ في وقت تلاوته وحال قراءته ( وطعمها مر) لأن النفاق كفر الباطن لأن الحلاوة للإيمان لأنها مستلذة ثم قال ( ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها ) لأنه غير قارئ في الحال وعلى هذا المساق كل كلام طيب فيه رضى الله صورته من المؤمن والمنافق صورة القرآن في التمثيل غير أن القرآن منزلته لا تخفى فإن كلام الله لا يضاهيه شيء من كل كلام مقرب إلى الله فينبغي للذاكر إذا ذكر الله متى ذكره أن يحضر في ذكره ذلك ذكراً من الأذكار الواردة في القرآن فيذكر الله به ليكون قارئاً في الذكر وإذا كان قارئاً فيكون حاكياً للذكر الذي ذكر الله به نفسه وإذا كان كذلك فقد أنزل نفسه فيه منزلة ربه منه وهو قوله (( فأجره حتى يسمع كلام الله )) وقوله (( إن الله قال على لسان : عبده سمع الله لمن حمده )) ويقال للقارئ يوم القيامة ( اقرأ وارق ) ورقيه في الدنيا في أيام التكليف في قراءته أن يرقى من تلاوته إلى تلاوته بأن يكون الحق هو الذي يتلو على لسان عبده كما يكون سمعه الذي به يسمع وبصره الذي به يبصر ويديه اللتين بهما يبطش ورجليه اللتين بهما يسعى كذلك في لسانه الذي به ينطق ويتكلم فلا يحمد الله ولا يسبحه ولا يهابه إلى بما ورد في القرآن عن استحضار منه لذلك فيرقى من قراءته بنفسه إلى قراءته بربه فيكون الحق هو الذي يتلو كتابه فيرتفع يوم القيامة في الآية التي ينتهي إليها في قراءته ويقف عندها إلى الدرجة التي تليق بتلك الآية التي يكون الحق هو التالي لها بلسان هذا العبد عن حضور من العبد التالي لذلك فإن أفضل الكلام كلام الله الخاص المعروف في العرف .]
يتبع بعون الله

عبدالقادر حمود 08-13-2008 11:48 AM

وصية:وعليك بمجالسة من تنتفع بمجالسته في دينك من علم نستفيده منه أوعمل يكون فيه أو خلق حسن يكون عليه فإن الإنسان إذا جالس من تذكره مجالسته الآخرة فلا بد أن يتحلى منها بقدر ما يوفقه الله لذلك وإذا كان الجليس له هذا التعدي فاتخذ الله جليساً بالذكر والذكر القرآن وهو أعظم الذكر قال تعالى (( إنا نحن نزلنا الذكر)) يعني القرآن وقال ( إنا جليس من ذكرني ) وقال صلى الله عليه وسلم ( أهل القرآن هم أهل الله وخاصته) وخاصة الملك جلساؤه في أغلب أحوالهم والله له الأخلاق وهي الأسماء الحسنى الإلهية فمن كان الحق جليسه فهو أنيسه فلا بد أن ينال من مكارم أخلاقه على قدر مدة مجالسته ومن جلس إلى قوم يذكرون الله فإن الله يدخله معهم في رحمته فهم القوم الذي لا يشقى جليسهم فكيف يشقى من كان الحق جليسه وقد ورد في الحديث الثابت ( أن الجليس الصالح كصاحب المسك إن لم يصبك منه أصابك من ريحه والجليس السوء كصاحب الكير إن لم يصبك من شرره أصابك من دخانه ) وهو إنه من خالطه أصحاب الريب ارتيب فيه وذلك لما غلب على الناس من سوء الظن بالناس بحيث مواطنهم وهنا فائدة أنبهك عليها أغفلها الناس وهي تدعو إلى حسن الظن بالناس ليكون محلك طاهراً من السوء وذلك أنك إذا رأيت من يعاشر الأشرار وهو خير عندك فلا تشاء الظن به لصحبه الأشرار بل حسن الظن بالأشرار لصحبتهم ذلك الخير واجعل المناسبة في الخير لا في الشر فإن الله ما سأل أحداً قط يوم القيامة عن حسن الظن بالخلق ويسأله عن سوء الظن بالخلق ويكفيك هذا نصحاً إن قبلت .]


[وصية:





1
[وصية:



إن عملت بها والذاكر ربه حياته متصلة دائماً لا تنقطع إلا بالموت فهو حي وإن مات بحياة هي خير وأنتم من حياة المقتول في سبيل الله إلا أن يكون المقتول في سبيل الله من الذاكرين فهي حياة الشهيد وحياة الذاكر فالذاكر حتى وإن مات والذي لا يذكر الله ميت وإن كان في الدنيا من الأحياء فإنه حي بالحياة والحيوانية وجميع العالم حي بحياة الذكر فمثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت كذا مثله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما ما ادعيته في وصيتي لك بالذكر أن الذاكر أفضل من الشهيد الذي لا يذكر الله فلما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله ( ألا أنبئكم ) أو كما قال ( بخير لكم من أن تلقوا عدوكم فيضرب رقابكم وتضربون رقابهم ذكر الله ) فذكر ضرب الرقاب وهو الشهادة وذكر العبد ربه أفضل من قتل الشهيد وثبت عنه أن الذاكر حي فخرج من ذلك أن حياة الذاكر خير من حياة الشهيد إذا لم يكن ذاكراً ربه عز وجل -


وصية:

-وعليك إقامة حدود الله في نفسك وفيمن تملكه فإنك مسؤول من الله عن ذلك فإن كنت ذا سلطان تعين عليك إقامة حدود الله فيمن ولاك الله عليه فكلكم راع و مسؤول عن رعيته وليس سوى إقامة حدود الله فيهم وأقل الولايات ولايتك على نفسك وجوارحك فأقم فيها حدود الله إلى الخلافة الكبرى فإنك نائب الله على كل حال في نفسه فما فوقها وقد ورد الحديث الثابت في الذي يقيم حدود الله والواقع فيها فمثلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بقوم استهموا على سفينة فأصاب بعضها أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين أسفلها إذا استقروا مروا على من فوقهم فقالوا إنا نخرق في نصيبنا لا نؤذي من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ) فإذا خطر بأمرك بالخير فذلك لمة الملك ثم يأتي بعد ذلك خاطر ينهاك عن ذلك الخير إن تفعله فذلك لمة الشيطان ولا تعرف الخير والشر إلا بتعريف الشرع وإذا خطر لك خاطر يأمرك بفعل الشر فذلك لمة الشيطان فإذا أعقبه خاطر ينهاك عن فعل ذلك الشر فذلك لمة الملك وأنت السفينة إن انخرقت هلكت وهلك جميع من فيك فعليك بعلم الشريعة فإنك لن تعلم حدود الله حتى تقوم بها أو تعرف من يقع فيها ممن قام بها إلا أن تعلم علم الشريعة فيتعين عليك طلب علم الشريعة لإقامة حدود الله

عبدالقادر حمود 08-13-2008 11:49 AM

وصية:

-وعليك بالصدقة فإن الله قد ذكر المتصدقين والمتصدقات وهي فرض ونقل فالفرض منها يسمى زكاة والنفل منها يسمى تطوعاً والفرض منها يزول عنك اسم البخل وبصدقة التطوع منها تنال الدرجات العلى وتتصف بصفة الكرم والجود والإيثار والسخاء وإياك والبخل ثم إنه عليك في مالك حق زائدة على الزكاة المفروضة وهو إذا رأيت أخاك المؤمن على حالة الهلاك بحيث أنك إذا لم تعطه من فضل مالك شيءً هلك هو وعائلته إن كانت له عائلة فيتعين عليك أن تواسيه إما بالهبة أو بالقرض فلا بد من العطاء وذلك العطاء صدقة حتى إني سمعت بعض علمائنا باشبيلية يقول في حديث هل على غيرها يعني في الزكاة المفروضة قال لا إلا أن تطوع قال لي ذلك الفقيه فيجب عليك فاستحسنت ذلك منه رحمة الله وإنما سمى الله الإنسان متصدقاً وسمى ذلك العطاء صدقة فرضنا كان أو نقلا لأنه أعطى ذلك عن شدة لكونه مجبولا على البخل فإن الله يقول فيه(( وإذا مسه الخير منوعاً )) فقال صلى الله عليه وسلم في فضل الصدقة وزمانها ( أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخاف الفقر وتأمل الحياة والغنى ) يقول الله تعالى (( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )) أي الناجون لأن الإنسان إذا كان له مال ويأمل بالحياة فإنه يخاف أن يفتقر ويذهب ما بيده من المال بطول حياته لنوائب الزمان وأمله بطول حياته فيؤديه ذلك إلى البخل بما عنده من المال والإمساك عن الصدقة والتوسعة على المحتاجين مما أتاه الله من الخير فهو يكنزه ولا ينفقه ولا يؤدي زكاته حتى يكوى به جنبه وجبينه وظهره كما قال تعالى فيهم (( يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسك فذوقوا ما كنتم تكنزون)) فلهذا العطاء عن شدة سميت صدقة يقول رمح صدق أي صلب وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً في البخيل والمتصدق فقال صلى الله عليه وسلم ( مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهم إلى تراقيهما )) فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عليه حتى تجن بنابه وتعفوا أثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة مكانها فإياك والبخل فإنه يردبك ويوردك الموارد المهلكة في الدنيا والآخر ولا يجعلك تتكرم وتتصدق إلا استعمال العلم فإنك إذا علمت أن رزقك لا يأكله ولا يقتات به ولا يحيى به غيرك ولو اجتمع أهل السموات والأرض على أن يحولوا بينك وبين رزقك ما أطاقوا وإذا علمت أن رزق غيرك فيما أنت مالكه لا بد أن يصل إليه حتى يتغدى به ويحيا وإن أهل السموات والأرض لو اجتمعوا على أن يحولوا بينه وبين رزقه الذي هو في ملكك ما أطاقوا فادفع إليه ماله إذا خطر لك خاطر الصدقة تتصف بالكرم والثناء الجميل وأنت ما أعطيته إلا ما هو له بحق في نفس الأمر عند الله أنت محمود فإذا علمت هذا هان عليك إخراج ما بيدك ولحقت بأهل الكرم وكتبت في المتصدقين إن أخرجت ذلك عن تردد ومكابدة واقعية نفسك ورأيت بذلك أن لك فضلاً على من أوصلته تلك الراحة فإياك أن تجهل على أحد كما تحب أن لا تجهل عليك وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في تعوذاته ( وأعوذ بك أن أجهل أو يجعل عليّ ) فمن حكم فيك بالعلم فقد أنصفك .]



وصية:
وعليك بالجهاد الأكبر وهو جهادك هواك فإنه أكبر أعدائك وهو أقرب الأعداء إليك الذين يلونك فإنه بين جنبيك والله يقول سبحانه (( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار )) ولا أكفر عندك من نفسك فإنها في كل نفس تكفر نعمة الله عليها من بعد ما جاءتها فإنك إذا جاهدت نفسك هذا الجهاد خلص لك الجهاد الآخر في الأعداء الذي إن قلت فيه كنت من الشهداء الأحياء الذين عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله مستبشرين بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم وقد علمت فضل المجاهد في سبيل الله في حال جهاده حتى يرجع إلى أهله بما أكتسبه من أجر أوغنيمة أنه كالصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا من صيام حتى يرجع المجاهد وقد علمت بالحديث الصحيح أن الصوم لا مثل له وقد قام الجهاد مقامه ومقام الصلاة وثبت هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا في الجهاد الفرض الذي تعين ويعصى الإنسان بتركه لا بد من ذلك ولا يزال العبد العالم الناصح نفسه المستبرئ لدينه في جهاد أبد إلا أنه مجبول على خلاف ما دعاه إليه الحق فإنه بالأصالة متبع هواه الذي هو بمنزلة الإدارة في حق الحق فيفعل الحق ما يريده فإننا كلنا عبيده ولا تحجير عليه ويريد الإنسان أن يفعل ما يهوى وعليه التحجير فما هو مطلق الإرادة فهذا هو السبب الموجب في كونه لا يزال مجاهداً أبداً ولذلك طلب أصحاب الهمم أن يلحقوا بدرجات العارفين بالله أراد إيجاده ويكرهون منه بكراهة الحق ما كرهه الحق ووصف نفسه بأنه لا يرضاه فهو يريده ولا يرضاه ويريده ويكرهه في عين إرادته أن أراد أن يكون مؤمناً وأن لم يكن كذلك وإلا فقد انسلخ من الإيمان نعوذ بالله من ذلك فإنه غاية الحرمان وهذا هو الحق الممقوت كما تقول في الغيبة أنها الحق المنهى عنه .]

يتبع بعون الله

عبدالقادر حمود 08-13-2008 11:49 AM

وصية:
وعليك بإسباغ الوضوء على المكاره وذلك في زمان البرد واحذر من الإلتذاذ باستعمال الماء البارد في أيام الحر فتسبغ الوضوء لا لتذاذك به في زمان الحر فتتخيل إنك ممن أسبغ الوضوء عبادة وأنت ما أسبغته إلا لوجود الالتذاذ به لما أعطاه الحال والزمان من شدة الحر فإذا أسبغته في شدة البرد صار لك عادة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الخير عادة ) فاصحب تلك النية في زمان الحر فإن غلبتك النفس على الإسباغ بما تجده من اللذة المحسوسة في ذلك فاعلم أن الالتذاذ هنا إنما وقع بدفع ألم الحر وإزالته فانوِ في ذلك دفع الألم عن نفسك فإنك مأجور في دفع المضار عنك ألا ترى قاتل نفسه كيف حرم الله عليه الجنة فحق النفس على صاحبها أعظم من حق الغير عليه وكذلك يؤجر في دفع الألم عن نفسه وإن الله يرفع بإسباغ الوضوء على المكاره درجة العبد ويمحو الله به قال صلى الله عليه وسلم ( ألا أنبئكم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ إسباغ الوضوء على المكاره ) فهذا محو الخطايا فإنه تنظيف وتطهير ثم قال (وكثرة الخطايا إلى المساجد ) فإنه سلوك في صعود ومشي ثم قال تمام الحديث وهو( وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط ) والرباط اللازمة من ربطت الشيء وبالانتظار قد ألزم نفسه فربط الصلاة بالصلاة المنتظرة بمراقبة دخول وقتها ليؤدّيها في وقتها وأي لزوم أعظم من هذا ؟ فإنه يوم واحد مقسم على خمس صلوات ما منها صلاة يؤدّيها فيفرغ منها إلا وقد ألزم نفسه مراقبة دخول وقت الأخرى إلى أن يفرغ اليوم ويأتي يوم آخر فلا يزال كذلك فما ثم زمان لا يكون فيه مراقباً لوقت أداء الصلاة لذلك آكده صلى الله عليه وسله بقوله ثلاث مرات فانظر إلى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمور حتى أنزل كل من في الدنيا منزلته في الآخرة وعين حكمه وأعطاه حقه فذكر وضوء ومشياً وانتظاراً أو ذكر محواً ورفع درجة ورباطاً ثلاث لثلاث هذا يدلك على شهوده مواضع الحكم فمن هنا وأمثاله قال عن نفسه (( إنه أوتي جوامع الكلم )) - .]

ابوعبدالله 08-26-2008 05:12 AM

الاخ الحسيني
 
الاخ الحسيني:
شكرا على هذا الجهد الطيب
وأرجو الله أن يعينك على وضع كتب سيدنا الشيخ في هذا الموضع
وهي موجودة في موقع طريقتنا فقط تنسخها هنا إن امكن

عبدالقادر حمود 08-26-2008 10:38 AM

العفو اخي ابو عبدالله


النية ان نضع كتب سيدنا الشيخ احمد فتح الله جامي حفظه الله هنا في نادي مخصص لها

وان شاء الله قريبا سيدي ابو عبدالله

سامر 01-26-2009 10:51 PM

رد: كتاب الوصايا للشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي رضي الله عنه
 
محي الدين سلطان العارفين

عبدالقادر حمود 01-29-2009 01:26 AM

رد: كتاب الوصايا للشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي رضي الله عنه
 
مرور عطر اخي سامر

أبو أنور 06-23-2010 12:26 AM

http://up.arab-x.com/Mar10/ymV83316.gif

عبدالرحمن الحسيني 06-23-2010 01:26 PM

أنا من أهوى ومن أهوى أنا
 
بوركت مساعيك و جزيت خيرالجزاء:139:

حمامة المدينة 06-24-2010 10:30 AM

بارك الله فيكم
وصايا قيمة تحتاج لوقت كبير لتدبرالمعاني التي تحملها
اللهم ارزقنا حسن الفهم والتدبر وحسن العمل والتطبيق
موضوع رائع متعوب عليه وجهد كبير

علاء الدين 06-26-2010 12:24 PM

جزاك الله كل خير على هذه الوصايا الطيبة والنقل الطيب :21_246:

محمدأمين 06-27-2010 11:27 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . :555::555::555::555::555::555::555:

عبدالقادر حمود 06-27-2010 02:56 PM

:138:
:159:

http://www.alshazlia.net/vb/images/s...w%20bayakm.gif

الـــــفراتي 06-29-2010 02:20 PM

الله يجزاك خير على الطرح القيم
والله يجعله في موازين حسناتك
رزقك الله الفردوس الأعلى
وبارك الله فيك ووفقك
دمت بحفظ الله ورعايته

عبدالقادر حمود 07-04-2010 03:50 PM

حياك الله اخي الفراتي

عبدالرحمن الحسيني 07-04-2010 06:29 PM

هٌـوَ ذٌخـرَتــىِ هٌــوَ عٌـمْـدَتِــى هٌــوَ عٌـدَتــىِ ****وَحِـمَـاىَ فـى الـدٌّنْـيَـا وَمٌـؤنِـسٌ وَحـشَـتِـى

وَغَـــدَاً أَلٌـــوذٌ بِـــهِ فَـيَـكــشِــفَ كٌــربَــتــى ****وَيَـكٌــونٌ عَــنــىِ لـلـخٌــصٌــومِ خَـصِـيــمَــا

صَــلّــوا عّـلّــيــهِ وّسّـلِــمٌــوا تَـسْـلــيِــمــاَ

هٌـوَ مَـلْـجَـئِ وَبِـهِ إِهـتَـدَيـتٌ مِــنَ الـعَـمَــى****وَلَـقِـيــتٌ مِـنــهٌ لَــدَى الـشَّــدَائِــدِ أَنـعٌــمَــا

وَجَـعَــلــتٌــهٌ لِــمٌــنَــالِ فَــخـــرِى سٌــلَّــمَــا ****وَلِــرَوضَــةِ الأَمَـــلِ الـهَـشِــيــمِ غٌـيٌــومَــا

صَــلّــوا عّـلّــيــهِ وّسّـلِــمٌــوا تَـسْـلــيِــمــاَ

عبدالقادر حمود 07-07-2010 10:11 PM

مرحبا اخي الحبيب


الساعة الآن 09:13 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى