منتديات البوحسن - عادات حجّاج "حلب" أيام الأربعينيات

طقوس وعادات حجّاج "حلب" أيام الأربعينيات

فراس قدسي

http://esyria.sy/sites/images/aleppo...5_19_32_36.jpg

"لبيك اللهم لبيك..." كلمات بدأنا نسمعها على ألسنة الحجيج ممن انطلقوا ومنذ أيام إلى البيت الحرام لقضاء الركن الأخير من أركان الإسلام، تلك الفريضة التي فرضها الله على عباده من المسلمين، مسيرة إيمانية جمعت تحت مظلتها العديد من الفئات الاجتماعية ومن بينها عادات المجتمع الحلبي في فترة الحج.

eAleppo سلّط الضوء على عادات حجاج "حلب" في فترة الأربعينات من القرن الماضي وكشف النقاب عن العديد من تلك العادات التي باتت شبه منقرضة في أيامنا الحالية حيث بدأ بها الأستاذ "عادل ميري" (1) محافظ وقائد شرطة "حلب" الأسبق قائلاً: «إذا عدنا للماضي البعيد كان للقوافل أميراً يسمى "أمير الحج" وكان حجيج أهالي "حلب" يجتمعون ويشكلون قافلة مؤلفة من الكبار والصغار، وتلتقي القافلة مع القافلة الشامية أثناء رحيلهم من "حلب" إلى "دمشق"، والذي كان ينوي الرحيل إلى "الحج" كان يعلم أنه سوف يغيب ولمدة ستة أشهر عن موطنه ما يوجب عليه أن يأخذ احتياجاته لتلك الرحلة الطويلة، فكان يستعد لها قبل عشرة أيام من سفره ليودع أهله وأصحابه ويطلب منهم السماح ويطلبون منه الدعاء بالخير والبركة لهم ».

لباس الحجيج ومتاع رحلة الحج

وحول الألبسة التي كان يرتديها حجاج بيت الله أثناء الرحيل بيّنها "ميري" بالقول: «كان لباسهم "القمباز" وهو من القطن إضافة "للصاية" و"الشالة" التي توضع على "القمباز" وعلى رأسهم "العرقية البيضاء"، وكان للطعام عند الحلبيين نكهة خاصة حيث كانوا يأخذون معهم "البرغل" و"الرز" و"السمن" و"الزيت" استعدادا لتلك الرحلة الطويلة وهذه العادة إما من باب التوفير أو الخشية من عدم توافر الطعام الذي يرغبون به، ولبعض الحجيج طقوس معينة حيث كانوا يأخذون معهم كفنهم- لباس الميت- لكي يغسلونه بماء "زمزم" فإن ماتوا في "الحج" كان كفنهم جاهزاً وإن عادوا بالسلامة كان "الكفن" مباركاً ومطهراً.. تلك عادات بعض الحجيج في تلك الفترة».

أماكن لاستقبال وفود الحجيج وهدايا الأقرباء

وأشار "ميري" حول هذا بالقول:

http://esyria.sy/sites/images/aleppo..._36.image1.jpg
الأستاذ "عادل ميري"

«حينما يقولون أهالي الحجيج- جاي الحجّاج- يعني أن هناك تجمعاً لاستقبال الحجاج الوافدين وأن هناك قافلة قادمة سوف تجتمع عند أسوار- مداخل- "حلب"، فكانت نقطة التلاقي الأولى في الغالب بمنطقة "خان العسل" حيث يجتمع الأهل والأصدقاء هناك لكي يسلّموا على "الحاج" ويرحبوا به، حيث يظهر الحاج وقد ارتدى قمبازاً أبيض وعلى رأسه قماشة بيضاء ويقال له "حجاً مبروراً وسعيا مشكورا"، من هذه النقطة وبرفقة الأهل والأصحاب يذهبون إلى بيت "الحاج" وعند الوصول تبدأ مراسم الاستقبال من خلال السيف والترس وقبل الدخول كان بعض "الحجاج" يعمدون إلى ذبح الأضاحي بحيث تقام الأفراح والأناشيد بالعودة إلى دياره، ليتم بعدها تناول الطعام من قبل جميع المشاركين بالتهنئة وكانت تحتوي المائدة على مختلف أصنفة الأطعمة ومن بينها "الكبب"، و"عش البلبل"، و"لحم العجين"، و"اليبرق" إضافة إلى وجود أصناف معينة من الحلويات ومنها "البقلاوة"، "كول وشكور" وغيرها، وتمتد هذه الولائم لمدة ثلاثة أيام على التوالي، ليقوم الحاج بعدها بتقديم هداياه لضيوفه وتحتوي على ثلاث قطع من "السبحة"، و"التمر"، و"ماء زمزم"، وأحياناً كانت توزع أيضاً سجادة صلاة، ثم يجلس الحاج مع زائريه ليحدثهم عما رآه أو سمع به وما طقوس الحج وما شعر به طوال فترة الحجيج».

زينة طقوس الحج

كانت رحلة "الحج" تستغرق مدة ستة أشهر وأكثر، وهذه المدة كافية لأن يكون مجيء الحاج إلى بيته مكللاً بالفرحة وبزينة معينة وعنها أضاف: «كان يوضع على الجدران سجادات "عجمية" وإلى جانبها أغصان من "الزيتون" وهذا عائد طبعاً إلى حالة الحاج المادية ومن العادات التي اختفت تدريجياً طلاء جدران البيت

http://esyria.sy/sites/images/aleppo..._36.image2.jpg
اجتماع قوافل "الحج" بـ "دمشق"

باللون "الأبيض" وكتابة بعض الأحاديث والآيات القرآنية بجانب رسم الكعبة».

ولم يكن وداع "الحجيج" مقتصراً على منطقة "خان العسل" وإنما امتد للعديد من مناطق "حلب" أشار إليها القاضي "سعد زغلول الكواكبي" (2) رئيس محكمة الاستئناف سابقاً بـ "حلب" وعن هذه المناطق حدثنا قائلاً: «وجدت بين أوراق جدي العلامة "عبد الرحمن الكواكبي" رسالة من جده بعثها إليه من "مكة" يقول فيها سوف أكون في "حلب" ولا أرضى أن يكون الاستقبال أقل من منطقة "السبيل" وهذه العبارة تعني بأن استقبال وفود الحجيج كانت في تلك المنطقة وهذه الرسالة تعود لـ مئتي سنة قبل الآن، وفي أيام الحكم العثماني كان يقول لي أبي إن مسيرة حجاج البيت بدأت من جبل "الكراد" ومنها كانوا ينطلقون إلى خليج "اسكندرون" ليعبروا "البحر المتوسط" إلى ميناء "العقبة" ومنها إلى "البحر الأحمر" ويدخلون أراضي "المملكة السعودية" وعند الوصول كان الفقراء يقولون "للحاج"- هلالا ياحاج- وهذه هي اسم العملة المتداولة لديهم، وكان هناك طريق ثان بمنطقة "خان طومان" وهو طريق بري لقافلة "الحج" حيث كانوا يذهبون منه إلى "دمشق" ويعبرون "فلسطين" و"القدس" و"يافا" ويدخلون مدينة "جدة" وهذا الكلام يعود إلى أيام حكم العثمانيين بالمنطقة العربية وكل هذه الرحلة تتم من خلال ركوب "الجمل" حيث كانت هناك جمال مخصصة لحمل الماء والطعام، إضافة للطريق الثالث وهو الخط الحجاز الحديدي الذي كانوا يسافرون من خلاله إلى مكة».

وختم كلامه عن رحلة "الحج" التي قضتها شقيقة جده العلامة "الكواكبي" حينما انطلقت من أمام منزلها بمنطقة "الفرافرة" حيث يقول: «ركبت على "الجمل" من أمام المنزل وذهبت

http://esyria.sy/sites/images/aleppo..._36.image3.jpg
القاضي "سعد زغلول الكوكبي"

به إلى "مكة" بحيث جهزت نفسها قبل موعد الرحيل بثلاثة أشهر فبدأت رحلتها من "حلب" بمنطقة "خان طومان" إلى "دمشق"، الأردن، تبوك بحيث استغرقت رحلتها سنة ذهاباً وإيابا وكان اللباس هو نفسه حينما غادرت ورجعت في السنة الثانية».

(1) "عادل ميري" من مواليد "حلب" 1921 شغل منصب قائد شرطة المحافظة بـ "حلب" عام 1959، ورئيساً لبلديتها 1963، وعضو في المكتب التنفيذي عام 1992.

(2) القاضي "سعد زغلول الكواكبي" من مواليد حلب عام 1924 تقلد منصب رئيس النيابة بحلب ثم عمل بالحقوق ليكون بعدها رئيس محكمة الاستئناف في فترة السبعينيات.