منتديات البوحسن

منتديات البوحسن (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   المكتبة الاسلامية (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=24)
-   -   كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=1606)

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:27 AM

كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 

http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/bism.gif

الحمد لله حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وصلّى الله تعالى وسلّم وشرّف وكرّم وبارك على سيدّنا ومولانا محمّد رسول الله، صلاة جلال وكمال وسلام جمال ووصال، وعلى الآل والصحب الأكامل ومن والاه إلى يوم الجزاء والنوال، وبعد:
________________________________________________



كتاب (إحياء علوم الدين) لحجة الإسلام الإمام أبي حامد الغزالي http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/radeya1.gif وقدّس سرّه ورفع درجاته في جناته ونفعنا وإيّاكم وجميع من ندعوا لهم به وبعلومه وأنواره وبركاته وأسراره وإمداده في الدارين... اللهم آمين


كتاب أسرار الحج





بسم الله الرحمنِ الرَّحيم


"الحمد لله الذي جعل كلمة التوحيد لعباده حرزاً وحصناً. وجعل البـيت العتيق مثابة للناس وأمناً، وأكرمه بالنسبة إلى نفسه تشريفاً وتحصيناً ومناً، وجعل زيارته والطواف به حجاباً بـين العبد وبـين العذاب ومجنّاً، والصلاة على محمد نبـي الرحمة وسيد الأمة وعلى آله وصحبه قادة الحق وسادة الخلق وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

فإن الحج من بـين أركان الإسلام ومبانيه عبادة العمر وختام الأمر وتمام الإسلام وكمال الدين. فيه أنزل الله عز وجل: {اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ ديناً} وفيه قال : «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيّاً وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيّاً» فأعظم بعبادة يعدم الدين بفقدها الكمال ويساوي تاركها اليهود والنصارى في الضلال، وأجدر بها أن تصرف العناية إلى شرحها وتفصيل أركانها وسننها وآدابها وفضائلها وأسرارها. وجملة ذلك ينكشف بتوفيق الله عز وجل في ثلاثة أبواب:

الباب الأول: في فضائلهاوفضائل مكة والبـيت العتيق وجمل أركانها وشرائط وجوبها.
الباب الثاني: في أعمالها الظاهرة على الترتيب من مبدإ السفر إلى الرجوع.
الباب الثالث: في آدابها الدقيقة وأسرارها الخفية وأعمالها الباطنة. فلنبدأ بالباب الأوّل وفيه فصلان: " اهـ

الفصل الأول في فضائل الحج وفضيلة البـيت ومكة والمدينة حرسهما الله تعالى وشد الرحال إلى المساجد




فضيلة الحج:

"قال الله عز وجل: {وَأَذِّنْ في النَّاسِ بالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجَ عَميقٍ} وقال قتادة: لما أمر الله عز وجل إبراهيم http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salam.gif وعلى نبـينا وعلى كل عبد مصطفى أن يؤذن في الناس بالحج نادى: يا أيها الناس إن الله عز وجل بنى بـيتاً فحجوه، وقال تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} قيل التجارة في الموسم والأجر في الآخرة. ولما سمع بعض السلف هذا قال: غفر لهم ورب الكعبة.

وقيل في تفسير قوله عز وجل: {لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ} أي طريق مكة يقعد الشيطان عليها ليمنع الناس منها، وقال : «مَنْ حَجَّ البَـيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وقال أيضاً : «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ فِي يَوْمٍ أَصْغَرَ وَلا أَدْحَرَ وَلا أَحْقَرَ وَلا أَغْيَظَ مِنْهُ يَوْمَ عَرَفَةَ» وما ذلك إلا لما يرى من نزول الرحمة وتجاوز الله سبحانه عن الذنوب العظام إذ يقال: «إِنَّ مِنَ الذُّنُوبِ ذُنُوباً لا يُكَفِّرُها إِلاَّ الوُقُوفُ بِعَرَفَةَ» وقد أسنده جعفر بن محمد إلى رسول الله http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif.

وذكر بعض المكاشفين من المقرّبـين أن إبليس لعنة الله عليه ظهر له في صورة شخص بعرفة فإذا هو ناحل الجسم مصفرّ اللون باكي العين مقصوف الظهر فقال له: ما الذي أبكى عينك؟ قال خروج الحاج إليه بلا تجارة، أقول قد قصدوه أخاف أن لا يخيبهم فيحزنني ذلك قال: فما الذي أنحل جسمك؛ قال: صهيل الخيل في سبـيل الله عز وجل ولو كانت في سبـيلي كان أحب إليَّ، قال: فما لذي غير لونك؟ قال: تعاون الجماعة على الطاعة ولو تعاونوا على المعصية كان أحب إليَّ قال: فما الذي قصف ظهرك؟ قال: قول العبد أسألك حسن الخاتمة، أقول: يا ويلتي متى يعجب هذا بعمله أخاف أن يكون قد فطن؟ " اهـ.

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:28 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
"وقال : «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَـيْتِهِ حَاجّاً أَوْ مُعْتَمِراً فَمَاتَ أُجْرِيَ لَهُ أَجْرُ الحَاجِّ المُعْتَمِرِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ مَاتَ فِي أَحَدِ الحَرَمَيْنِ لَمْ يُعْرَضْ وَلَمْ يُحَاسَبْ وَقِيلَ لَهُ ادْخُلْ الجَنَّةَ» وقال : «حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيها، وَحَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ لَيْسَ لَهَا جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ» وقال : «الحُجَّاجُ وَالعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَزُوَّارُهُ إِنْ سَأَلُوهُ أَعْطَاهُمْ، وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ، وَإِنْ دَعَوْا اسْتُجِيبَ لَهُمْ، وَإِنْ شَفَعُوا شُفِّعُوا»

وفي حديث مسند من طريق أهل البـيت عليهم السلام: «أَعْظَمُ النَّاسِ ذَنْباً مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَظَنَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَغْفِرْ لَهُ» وروى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبـي http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif أنه قال: «يَنْزِلُ عَلَى هذَا البَـيْتِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ رَحْمَةً سِتُّونَ لِلطَّائِفِينَ وَأَرْبَعُونَ لِلْمُصَلِّينَ وَعِشْرُونَ لِلنَّاظِرِينَ» وفي الخبر: «اسْتَكْثِرُوا مِنَ الطَّوَافِ بِالبَـيْتِ فَإِنَّهُ مِنْ أَجَلِّ شَيْءٍ تَجِدُونَهُ فِي صُحُفِكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَأَغْبَطِ عَمَلٍ تَجِدُونَهُ» ولهذا يستحب الطواف ابتداء من غير حج ولا عمرة

وفي الخبر: «من طاف أسبوعاً حافياً حاسراً كان له كعتق رقبة، ومن طاف أسبوعاً في المطر غفر له ما سلف من ذنبه» ويقال: «إن الله عز وجل إذا غفر لعبد ذنباً في الموقف غفره لكل من أصابه في ذلك الموقف». وقال بعض السلف: «إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفر لكل أهل عرفة وهو أفضل يوم في الدنيا»، وفيه حج رسول الله حجة الوداع وكان واقفاً إذ نزل قوله عز وجل: {اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعمتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإسْلام ديناً} " اهـ.



"قال أهل الكتاب: لو أنزلت هذه الآية علينا لجعلناها يوم عيد، فقال عمر رضي الله عنه: أشهد لقد أنزلت هذه الآية في يوم عيدين اثنين؛ يوم عرفة ويوم جمعة على رسول الله وهو واقف بعرفة. وقال : «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ الحَاجُّ» ويروى أن علي بن موفق حج عن رسول الله حججاً قال: فرأيت رسول الله http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif في المنام فقال لي: يا ابن موفق حججت عني؟ قلت: نعم، قال: ولبـيت عني؟ قلت: نعم. قال: أكافئك بها يوم القيامة آخذ بـيدك في الموقف فأدخلك الجنة والخلائق في كرب الحساب..

وقال مجاهد وغيره من العلماء: إن الحجاج إذا قدموا مكة تلقتهم الملائكة فسلموا على ركبان الإبل وصافحوا ركبان الحمر واعتنقوا المشاة اعتناقاً. وقال الحسن: من مات عقيب رمضان، أو عقيب غزو، أو عقيب حج مات شهيداً. وقال عمر رضي الله عنه: الحاج مغفور له ولمن يستغفر له في شهر ذي الحجة والمحرّم وصفر وعشرين من ربـيع الأوّل. وقد كان من سنَّة السلف رضي الله عنهم أن يشيعوا الغزاة، وأن يستقبلوا الحاج ويقبلوا بـين أعينهم ويسألوهم الدعاء ويبادرون ذلك قبل أن يتدنسوا بالآثام. " اهـ.



"ويروى عن علي بن موفق قال: حججت سنة فلما كان ليلة عرفة نمت بمنى في مسجد الخيف، فرأيت في المنام كأن ملكين قد نزلا من السماء عليهما ثياب خضر فنادى أحدهما صاحبه: يا عبد الله فقال الآخر: لبـيك يا عبد الله. قال: تدري كم حج بـيت ربنا عز وجل في هذه السنة؟ قال: لا أدري قال: حج بـيت ربنا ستمائة ألف. أفتدري كم قبل منهم؟ قال: لا، قال: ستة أنفس، قال: ثم ارتفعا في الهواء فغابا عني فانتبهت فزعاً واغتممت غماً شديداً وأهمني أمري فقلت: إذا قبل حج ستة أنفس فأين أكون أنا في ستة أنفس؟ فلما أفضت من عرفة قمت عند المشعر الحرام فجعلت أفكر في كثرة الخلق وفي قلة من قبل منهم؛ فحملني النوم فإذا الشخصان قد نزلا على هيئتهما؛ فنادى أحدهما صاحبه وأعاد الكلام بعينه ثم قال: أتدري ماذا حكم ربنا عز وجل في هذه الليلة؟ قال: لا، قال: فإنه وهب لكل واحد من الستة مائة ألف، قال: فانتبهت وبـي من السرور ما يجل عن الوصف.

وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: حججت سنة فلما قضيت مناسكي تفكرت فيمن لا يقبل حجه فقلت: اللهم إني قد وهبت حجتي وجعلت ثوابها لمن لم تقبل حجته قال: فرأيت رب العزة في النوم جل جلاله فقال لي: يا عليّ تتسخى عليَّ وأنا خلقت السخاء والأسخياء وأنا أجود الأجودين وأكرم الأكرمين وأحق بالجود والكرم من العالمين قد وهبت كل من لم أقبل حجه لمن قبلته." اهـ.

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:29 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
فضيلة البـيت ومكة المشرفة:


"قال : «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ وَعَدَ هٰذَا البَـيْتَ أَنْ يَحُجَّهُ كُلَّ سَنَةٍ سِتُّمِائَةِ أَلْفٍ فَإِنْ نَقَصُوا أَكْمَلَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ المَلائِكَةِ، وَإِنَّ الكَعْبَةَ تُحْشَرُ كَالعَرُوسِ المَزْفُوفَةِ، وَكُلُّ مَنْ حَجَّهَا يَتَعَلَّقُ بِأَسْتَارِهَا يَسْعَوْنَ حَوْلَها حَتَّىٰ تَدْخُلَ الجَنَّةَ فَيَدْخُلُونَ مَعَهَا»

وفي الخبر: إنَّ الحَجَرَ الأَسْوَدَ يَاقُوتَهُ مِنْ يَوَاقِيتِ الجَنَّةِ، وإنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ يَشْهَدُ لِكُلِّ مَنِ اسْتَلَمَهُ بِحَقَ وَصِدْقٍ» وكان يقبله كثيراً وروي أنه سجد عليه وكان يطوف على الراحلة فيضع المحجن عليه ثم يقبل طرف المحجن ، وقبله عمر رضي الله عنه ثم قال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك، ثم بكى حتى علا نشيجه فالتفت إلى ورائه فرأى علياً كرّم الله وجهه ورضي الله عنه فقال: يا أبا الحسن ههنا تسكب العبرات وتستجاب الدعوات،

فقال علي رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين بل هو يضر وينفع، قال: وكيف؟ قال: إن إنّ الله تعالى لما أخذ الميثاق على الذرّية كتب عليهم كتاباً ثم ألقمه هذا الحجر؛ فهو يشهد للمؤمن بالوفاء ويشهد على الكافر بالجحود. قيل: فذلك هو معنى قول الناس عند الاستلام: «اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك». وروي عن الحسن البصري رضي الله عنه: أنّ صوم يوم فيها بمائة ألف يوم، وصدقة درهم بمائة ألف درهم، وكذلك كل حسنة بمائة ألف ويقال: طواف سبعة أسابـيع يعدل عمرة وثلاث عمر تعدل حجة. وفي الخبر الصحيح «عمرة في رمضان كحجة معي» وقال : «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ ثُمَّ آتِي أَهْلَ البَقِيعِ فَيُحْشَرُونَ مَعِي ثُمَّ آتِي أَهْلَ مَكَّةَ فَأُحْشَرُ بَـيْنَ الحَرَمَيْنِ» ."اهـ.



"وفي الخبر: «إنّ آدم لما قضى مناسكه لقيته الملائكة فقالوا: برَّ حجك يا آدم لقد حججنا هذا البـيت قبلك بألفي عام» وجاء في الأثر: إن الله عز وجل ينظر في كل ليلة إلى أهل الأرض فأوّل من ينظر إليه أهل الحرم، وأولّ من ينظر إليه من أهل الحرم أهل المسجد الحرام، فمن رآه طائفاً غفر له، ومن رآه مصلياً غفر له، ومن رآه قائماً مستقبل الكعبة غفر له،

وكوشف بعض الأولياء رضي الله عنهم قال: إني رأيت الثغور كلها تسجد لعبادان ورأيت عبادان ساجدة لجدّة. ويقال: لا تغرب الشمس من يوم إلا ويطوف بهذا البـيت رجل من الأبدال، ولا يطلع الفجر من ليلة إلا طاف به واحد من الأوتاد، وإذا انقطع ذلك كان سبب رفعه من الأرض فيصبح الناس وقد رفعت الكعبة لا يرى الناس لها أثراً، وهذا إذا أتى عليها سبع سنين لم يحجها أحد. ثم يرفع القرآن من المصاحف فيصبح الناس فإذا الورق أبـيض يلوح ليس فيه حرف، ثم ينسخ القرآن من القلوب فلا يذكر منه كلمة. ثم يرجع الناس إلى الأشعار والأغاني وأخبار الجاهلية، ثم يخرج الدجال وينزل عيسى عليه السلام فيقتله والساعة عند ذلك بمنزلة الحامل المقرب التي تتوقع ولادتها.

وفي الخبر: «اسْتَكْثِرُوا مِنَ الطَوَافِ بِهَذَا الْبَـيْتِ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ فَقَدْ هُدِمَ مَرَتَيْنِ وَيرْفَعُ فِي الثَّالِثَةِ» وروي عن علي رضي الله عنه، عن النبـي أنه قال: قال الله تعالى: «إِإِذَا أَرَدْتُ أَنْ أُخَرِّبَ الدُّنْيَا بَدَأْتُ بِبَـيْتِي فَخَرَّبْتُهُ ثُمَّ أُخَرِّبُ الدُّنْيَا عَلَى أَثَرِهِ» .."اهـ



فضيلة المقام بمكة حرسها الله تعالى وكراهيته:


كره الخائفون المحتاطون من العلماء المقام بمكة لمعان ثلاثة:

الأول: خوف التبرم والأنس بالبـيت:؛ فإنّ ذلك ربما يؤثر في تسكين حرقة القلب في الاحترام، وهكذا كان عمر رضي الله عنه يضرب الحجاج إذا حجوا ويقول: يا أهل اليمن يمنكم ويا أهل الشام شامكم ويا أهل العراق عراقكم. ولذلك همَّ عمر رضي الله عنه بمنع الناس من كثرة الطواف، وقال: خشيت أن يأنس الناس بهذا البـيت.

الثاني: تهيـيج الشوق بالمفارقة لتنبعث داعية العودة، فإنّ الله تعالى جعل البـيت مثابة للناس وأمناً. أي يثوبون ويعودون إليه مرة بعد أخرى ولا يقضون منه وطراً. وقال بعضهم: تكون في بلد وقلبك مشتاق إلى مكة متعلق بهذا البـيت خير لك من أن تكون فيه، وأنت متبرم بالمقام وقلبك في بلد آخر. وقال بعض السلف: كم من رجل بخراسان وهو أقرب إلى هذا البـيت ممن يطوف به؟ ويقال: إن لله تعالى عباداً تطوف بهم الكعبة تقرّباً إلى الله عز وجل."

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:31 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
االثالث: الخوف من ركوب الخطايا والذنوب بها، فإنّ ذلك مخطر وبالحرى أن يورث مقت الله عز وجل لشرف الموضع. وروي عن وهيب بن الورد المكي قال: كنت ذات ليلة في الحجر أصلي فسمعت كلاماً بـين الكعبة والأستار يقول: إلى الله أشكو ثم إليك يا جبرائيل ما ألقى من الطائفين حولي من تفكرهم في الحديث ولغوهم ولهوهم، لئن لم ينتهوا عن ذلك لأنتفضن انتفاضة يرجع كل حجر مني إلى الجبل الذي قطع منه. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ما من بلد يؤاخذ فيه العبد بالنية قبل العمل إلا مكة، وتلا قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فيه بإلحادٍ بظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أليمٍ} أي إنه على مجرد الإرادة. ويقال: إنّ السيئات تضاعف بها كما تضاعف الحسنات.

وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول: الاحتكار بمكة من الإلحاد في الحرم، وقيل: الكذب أيضاً وقال ابن عباس: لأن أذنب سبعين ذنباً بركية أحب إليّ من أن أذنب ذنباً واحداً بمكة. وركية منزل بـين مكة والطائف. ولخوف ذلك انتهى بعض المقيمين إلى أن لم يقض حاجته في الحرم، بل كان يخرج إلى الحل عند قضاء الحاجة. وبعضهم أقام شهراً وما وضع جنبه على الأرض.

وللمنع من الإقامة كره بعض العلماء أجور دور مكة. ولا تظنن أنّ كراهة المقام يناقض فضل البقعة لأنّ هذه كراهة علتها ضعف الخلق وقصورهم عن القيام بحق الموضع، فمعنى قولنا إنّ ترك المقام به أفضل أي بالإضافة إلى مقام مع التقصير والتبرم، إما أن يكون أفضل من المقام مع الوفاء بحقه فهيهات وكيف لا. ولما عاد رسول الله إلى مكة استقبل الكعبة وقال: «إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَحَبُّ بِلادِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيَّ وَلَوْلا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ لَمَا خَرَجْتُ» وكيف لا. والنظر إلى البـيت عبادة والحسنات فيها مضاعفة كما ذكرناه.هـ.



فضيلة المدينة الشريفة على سائر البلاد:


ما بعد مكة بقعة أفضل من مدينة رسول الله ، فالأعمال فيها أيضاً مضاعفة. قال : «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيما سِوَاهُ إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ» وكذلك كل عمل بالمدينة بألف وبعد مدينته الأرض المقدّسة، فإن الصلاة فيها بخمسمائة صلاة فيما سواها إلا المسجد الحرام، وكذلك سائر الأعمال. وروى ابن عباس عن النبـي أنه قال: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِ المَدِينَةِ بِعَشَرَةِ آلافِ صَلاةٍ، وَصَلاةٌ فِي المَسْجِدِ الأَقْصَى بِأَلْفِ صَلاةٍ، وَصَلاةٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ» وقال : «مَنْ صَبَرَ عَلَى شِدَّتِهَا وَلأْوَائِها كُنْتُ لَهُ شَفِيعاً يَوْمَ القِيَامَةِ» وقال : «مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ فَإِنَّهُ لَنْ يَمُوتَ بِهَا أَحَدٌ إِلاَّ كُنْتُ لَهُ شَفِيعاً يَوْمَ القِيَامَةِ» وما بعد هذه البقاع الثلاث فالمواضع فيها متساوية إلا الثغور فإن المقام بها للمرابطة فيها فيه فضل عظيم.

ولذلك قال : «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَسْجِدِي هذَا وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى» وقد ذهب بعض العلماء إلى الاستدلال بهذا الحديث في المنع من الرحلة لزيارة المشاهد وقبور العلماء والصلحاء. وما تبـين لي أن الأمر ليس كذلك بل الزيارة مأمور بها. قال : «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا وَلا تَقُولُوا هُجْراً» والحديث إنما ورد في المساجد وليس في معناها المشاهد، لأن المساجد بعد المساجد الثلاثة متماثلة ولا بلد إلا وفيه مسجد فلا معنى للرحلة إلى مسجد آخر، وأما المشاهد فلا تتساوى بل بركة زيارتها على قدر درجاتهم عند الله عز وجل، نعم لو كان في موضع لا مسجد فيه فله أن يشدّ الرجال إلى موضع فيه مسجد وينتقل إليه بالكلية إن شاء ثم ليت شعري هل يمنع هذا القائل من شدّ الرحال إلى قبور الأنبـياء عليهم السلام مثل إبراهيم وموسى ويحيـى وغيرهم عليهم السلام، فالمنع من ذلك في غاية الإحالة، فإذا جوّز هذا فقبور الأولياء والعلماء والصلحاء في معناها، فلا يبعد أن يكون ذلك من أغراض الرحلة كما أن زيارة العلماء في الحياة من المقاصد؛ هذا في الرحلة." اهـ.


"أما المقام فالأولى بالمريد أن يلازم مكانه إذا لم يكن قصده من السفر استفادة العلم مهما سلم له حاله في وطنه؛ فإن لم يسلم فيطلب من المواضع ما هو أقرب إلى الخمول وأسلم للدين وأفرغ للقلب وأيسر للعبادة فهو أفضل المواضع له، قال : «البِلادُ بِلادُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالخَلْقُ عِبَادُهُ فَأَيُّ مَوْضِعٍ رَأَيْتَ فِيهِ رِفْقاً فَأَقِمْ وَاحْمَدِ اللَّهَ تَعَالَى» وفي الخبر: «من بورك في شيء فليلزمه ومن جعلت معيشته في شيء فلا ينتقل عنه حتى يتغير عليه» وقال أبو نعيم: رأيت سفيان الثوري وقد جعل جرابه على كتفه وأخذ نعليه بـيده فقلت: إلى أين يا أبا عبد الله؟ قال: إلى بلد أملأ فيه جرابـي بدرهم. اوفي حكاية أخرى بلغني عن قرية فيها رخص أقيم فيها، قال فقلت: وتفعل هذا يا أبا عبد الله؟ فقال: نعم إذا سمعت برخص في بلد فاقصده فإنه أسلم لدينك وأقل لهمك، وكان يقول هذا زمان سوء لا يؤمن فيه على الخاملين، فكيف بالمشهورين؟ هذا زمان تنقل ينتقل الرجل من قرية إلى قرية يفرّ بدينه من الفتن.

ويحكى عنه أنه قال: والله ما أدري أي البلاد أسكن؟ فقيل له: خراسان، فقال: مذاهب مختلفة وآراء فاسدة، قيل: فالشام، قال: يشار إليك بالأصابع ــــ أراد الشهرة ــــ قيل؟ فالعراق، قال: بلد الجبابرة، قيل: مكة، قال: مكة تذيب الكيس والبدن. وقال له رجل غريب: عزمت على المجاورة بمكة فأوصني. قال: أوصيك بثلاث: لا تصلين في الصف الأول ولا تصحبن قرشياً ولا تظهرن صدقة. وإنما كره الصف الأول لأنه يشتهر فيفتقد إذا غاب فيختلط بعمله التزين والتصنع." اهـ.

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:32 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
الفصل الثاني في شروط وجوب الحج وصحة أركانه وواجباته ومحظوراته



أما الشرائط فشرط صحة الحج اثنان: الوقت والإسلام. فيصح حج الصبـي ويحرم بنفسه إن كان مميزاً ويحرم عنه وليه إن كان صغيراً ويفعل به ما يفعل في الحج من الطواف والسعي وغيره. وأما الوقت، فهو شوّال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة إلى طلوع الفجر من يوم النحر، فمن أحرم بالحج في غير هذه المدّة فهي عمرة وجميع السنة وقت العمرة، ولكن من كان معكوفاً على النسك أيام منى فلا ينبغي أن يحرم بالعمرة لأنه لا يتمكن من الاشتغال عقيبه لاشتغاله بأعمال منى.

وأما شروط وقوعه عن حجة الإسلام فخمسة: الإسلام والحرّية والبلوغ والعقل والوقت، فإن أحرم الصبـي أو العبد ولكن عتق العبد وبلغ الصبـي بعرفة أو بمزدلفة وعاد إلى عرفة قبل طلوع الفجر أجزأهما عن حجة الإسلام، لأن الحج عرفة، وليس عليهما دم إلا شاة. وتشترط هذه الشرائط في وقوع العمرة عن فرض الإسلام إلا الوقت. وأما شروط وقوع الحج نفلاً عن الحر البالغ فهو بعد براءة ذمته عن حجة الإسلام فحج الإسلام متقدّم، ثم القضاء لمن أفسده في حالة الوقوف؛ ثم النذر، ثم النيابة، ثم النفل؛ وهذا الترتيب مستحق، وكذلك يقع وإن نوى خلافه. اهـ.


"وأما شروط لزوم الحج فخمسة: البلوغ والإسلام والعقل والحرّية والاستطاعة. ومن لزمه فرض الحج لزمه فرض العمرة. ومن أراد دخول مكة لزيارة أو تجارة ولم يكن حطاباً لزمه الإحرام على قول، ثم يتحلل بعمل عمرة أو حج،

وأما الاستطاعة فنوعان: أحدهما المباشرة وذلك له أسباب أما في نفسه فبالصحة، وأما في الطريق فبأن تكون خصبة آمنة بلا بحر مخطر ولا عدوّ قاهر، وأما في المال فبأن يجد نفقة ذهابه وإيابه إلى وطنه ــــ كان له أهل أو لم يكن ــــ لأن مفارقة الوطن شديدة، وأن يملك نفقة من تلزمه نفقته في هذه المدّة وأن يملك ما يقضي به ديونه وأن يقدر على راحلة أو كرائها بمحمل أو زاملة إن استمسك على الزاملة.

وأما النوع الثاني: فاستطاعة المعضوب بماله وهو أن يستأجر من يحج عنه بعد فراغ الأجير عن حجة الإسلام لنفسه. ويكفي نفقة الذهاب بزاملة في هذا النوع، والابن إذا عرض طاعته على الأب الزَّمِن صار به مستطيعاً ولو عرض ماله لم يصر به مستطيعاً؛ لأن الخدمة بالبدن فيها شرف للولد، وبذل المال فيه منة على الوالد. ومن استطاع لزمه الحج وله التأخير ولكنه فيه على خطر فإن تيسر له ولو في آخر عمره سقط عنه؟ وإن مات قبل الحج لقي الله عز وجل عاصياً بترك الحج، وكان الحج في تركته يحج عنه وإن لم يوص كسائر ديونه. وإن استطاع في سنة فلم يخرج مع الناس وهلك ماله في تلك السنة ــــ قبل حج الناس ــــ ثم مات لقي الله عز وجل عاصياً بترك الحج، وكان الحج في تركته يحج عنه وإن لم يوص كسائر ديونه. وإن استطاع في سنة فلم يخرج مع الناس وهلك ماله في تلك السنة ــــ قبل حج الناس ــــ ثم مات لقي الله عز وجل ولا حج عليه. ومن مات ولم يحج مع اليسار فأمره شديد عند الله تعالى.

قال عمر رضي الله عنه: لقد هممت أن أكتب في الأمصار بضرب الجزية على من لم يحج ممن يستطيع إليه سبـيلاً. وعن سعيد بن جبـير وإبراهيم النخعي ومجاهد وطاوس: لو علمت رجلاً غنياً وجب عليه الحج ثم مات قبل أن يحج ما صليت عليه، وبعضهم كان له جار موسر فمات ولم يحج فلم يصل عليه.

وكان ابن عباس يقول: من مات ولم يزك ولم يحج سأل الرجعة إلى الدنيا وقرأ قوله عز وجل: {رَبِّ ارجِعُونِ لعَلِّي أعْمَلُ صالحاً فيما تَرَكْتُ} قال: الحج، اهـ.





" وأما الأركان التي لا يصح الحج بدونها فخمسة: الإحرام والطواف والسعي بعده والوقوف بعرفة والحلق بعده على قول وأركان العمرة كذلك إلا الوقوف،

والواجبات المجبورة بالدم ست: الإحرام من الميقات فمن تركه وجاوز الميقات محلاً فعليه شاة والرمي فيه الدم قولاً واحداً، وأما الصبر بعرفة إلى غروب الشمس والمبـيت بمزدلفة والمبـيت بمنى وطواف الوداع، فهذه الأربعة يجبر تركها بالدم على أحد القولين، وفي القول الثاني فيها دم على وجه الاستحباب.

وأما وجوه أداء الحج والعمرة فثلاثة:

الأول: الإفراد وهو الأفضل وذلك أن يقدم الحج وحده، فإذا فرغ خرج إلى الحل فأحرم واعتمر. وأفضل الحل لإحرام العمرة الجعرّانة ثم التنعيم ثم الحديبـية. وليس المفرد دم إلا أن يتطوع.

االثاني: القرآن وهو أن يجمع فيقول: «لبـيك بحجة وعمرة معاً» فيصير محرماً بهما ويكفيه أعمال الحج وتندرج العمرة تحت الحج كما يندرج الوضوء تحت الغسل؛ إلا أنه إذا طاف وسعى قبل الوقوف بعرفة فسعيه مسحوب من النسكين وأما طوافه فغير محسوب، لأن شرط الطواف الفرض في الحج أن يقع بعد الوقوف. وعلى القارن دم شاة إلا أن يكون مكياً فلا شيء عليه لأنه لم يترك ميقاته إذ ميقاته مكة.

الثالث: التمتع وهو أن يجاوز الميقات محرماً بعمرة ويتحلل بمكة ويتمتع بالمحظورات إلى وقت الحج، ثم يحرم بالحج ." اهـ.

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:33 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
" ولا يكون متمتعاً إلا بخمس شرائط.

أحدها : أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام وحاضره من كان منه على مسافة لا تقصر فيها الصلاة.
الثاني: أن يقدم العمرة على الحج.
الثالث: أن تكون عمرته في أشهر الحج.
الرابع: أن لا يرجع إلى ميقات الحج ولا إلى مثل مسافته لإحرام الحج.
الخامس: أن يكون حجه وعمرته عن شخص واحد فإذا وجدت هذه الأوصاف كان متمتعاً ولزمه دم شاة؛ فإن لم يجد فصيام ثلاثة في الحج قبل يوم النحر متفرقة أو متتابعة وسبعة إذا رجع الوطن، وإن لم يصم الثلاثة حتى رجع إلى الوطن صام العشرة تتابعاً أو متفرقاً وبدل دم القران والتمتع سواء. والأفضل الإفراد ثم التمتع ثم القران.." اهـ.



"وأما محظورات الحج والعمرة فستة:

الأول: اللبس للقميص والسراويل والخف والعمامة بل ينبغي أن يلبس إزاراً ورداء ونعلين، فإن لم يجد نعلين فمكعبـين فإن لم يجد إزاراً فسراويل ولا بأس بالمنطقة والاستظلال في المحمل، ولكن لا ينبغي أن يغطي رأسه فإن إحرامه في الرأس، وللمرأة أن تلبس كل مخيط بعد أن لا تستر وجهها بما يماسه فإن إحرامها في وجهها.
الثاني: الطيب فليجتنب كل ما يعده العقلاء طيباً فإن تطيب أو لبس فعليه دم شاة.
الثالث: الحلق والقلم وفيهما الفدية أعني دم شاة، ولا بأس بالكحل ودخول الحمام والفصد والحجامة وترجيل الشعر.
الرابع: الجماع وهو مفسد قبل التحلل الأول وفيه بدنة أو بقرة أو سبع شياه وإن كان بعد التحلل الأول لزمه البدنة ولم يفسد حجه.
والخامس: مقدمات الجماع كالقبلة والملامسة التي تنقض الطهر مع النساء فهو محرم وفيه شاة وكذا في الاستمناء، ويحرم النكاح والإنكاح ولا دم فيه لأنه لا ينعقد.
السادس: قتل صيد البر أعني ما يؤكل أو هو متولد من الحلال والحرام، فإن قتل صيداً فعليه مثله من النعم يراعى فيه التقارب في الخلقة وصيد البحر حلال ولا جزاء فيه."اهـ.





الباب الثاني في ترتيب الأعمال الظاهرة من أولالسفر إلى الرجوع وهي عشر جمل


الجملة الأولى: في السير من أول الخروج إلى الإحرام وهي ثمانية:

الأولى: في المال. فينبغي أن يبدأ بالتوبة ورد المظالم وقضاء الديون وإعداد النفقة لكل من تلزمه نفقته إلى وقت الرجوع ويرد ما عنده من الودائع. ويستصحب من المال الحلال الطيب ما يكفيه لذهابه وإيابه من غير تقتير بل على وجه يمكنه معه التوسع في الزاد والرفق بالضعفاء والفقراء. ويتصدق بشيء قبل خروجه ويشتري لنفسه دابة قوية على الحمل لا تضعف أو يكتريها، فإن اكترى فليظهر للمكاري كل ما يريد أن يحمله من قليل أو كثير ويحصل رضاه فيه.

الثانية: في الرفيق. ينبغي أن يلتمس رفيقاً صالحاً محباً للخير معيناً عليه إن نسي ذكره وإن ذكره أعانه وإن جبن شجعه وإن عجز قوّاه وإن ضاق صدره صبره. ويودع رفقاءه المقيمين وإخوانه وجيرانه فيودعهم ويلتمس أدعيتهم، فإن الله تعالى جاعل في أدعيتهم خيراً والسنة في الوداع أن يقول أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ، وكان يقول لمن أراد السفر: «فِي حِفْظِ اللَّهِ وَكَنَفِهِ زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى وَغَفَرَ ذَنْبَكَ وَوَجَّهَكَ لِلْخَيْرِ أَيْنَمَا كُنْتَ» ." اهـ.



"الثالثة: في الخروج من الدار. ينبغي إذا همّ بالخروج أن يصلي ركعتين أولاً يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: قل يا أيها الكافرون وفي الثانية الإخلاص، فإذا فرغ رفع يديه ودعا الله سبحانه عن إخلاص صاف ونية صادقة وقال: اللهم أنت الصاحب في السفر وأنت الخليفة في الأهل والمال والولد والأصحاب احفظنا وإياهم من كل آفة وعاهة. اللهم إنا نسألك في مسيرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى. اللهم إنا نسألك أن تطوي لنا الأرض وتهون علينا السفر، وأن ترزقنا في سفرنا سلامة البدن والدين والمال وتبلغنا حج بـيتك وزيارة قبر نبـيك محمد . اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال والولد والأصحاب. اللهم اجعلنا وإياهم في جوارك ولا تسلبنا وإياهم نعمتك ولا تغير ما بنا وبهم من عافيتك.

الرابعة: إذا حصل على باب الدار قال: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله رب أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أذل أوأذل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل عليَّ. اللهم إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة، بل خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك وقضاء فرضك واتباع سنة نبـيك وشوقاً إلى لقائك. فإذا مشى قال: اللهم بك انتشرت وعليك توكلت وبك اعتصمت وإليك توجهت. اللهم أنت ثقتي وأنت رجائي فاكفني ما أهمني وما لا أهتم به وما أنت أعلم به مني عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك. اللهم زوّدني التقوى واغفر لي ذنبـي ووجهني للخير أينما توجهت. ويدعو بهذا الدعاء في كل منزل يدخل عليه." اهـ.

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:35 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
"الخامسة: في الركوب. فإذا ركب الراحلة يقول: بسم الله وبالله والله أكبر توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون. اللهم إني وجهت وجهي إليك، وفوضت أمري كله إليك، وتوكلت في جميع أموري عليك أنت حسبـي ونعم الوكيل. فإذا استوى على الراحلة واستوت تحته قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ــــ سبع مرات ــــ وقال: {الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانا لِهذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَولاَ أنْ هَدَانَا اللَّهُ} اللهم أنت الحامل على الظهر وأنت المستعان على الأمور.

السادسة: في النزول. والسنَّة أن لا ينزل حتى يحمى النهار ويكون أكثر سيره بالليل. قال : «عَلَيْكُمْ بَالدُّلْجَةِ فَإِنَّ الأَرْضَ تُطْوَى بَاللَّيْلِ مَا لا تُطْوَى بِالنَّهَارِ» وليقلل نومه بالليل حتى يكون عوناً على السير. ومهما أشرف على المنزل فليقل: اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، ورب البحار وما جرين أسألك خير هذا المنزل وخير أهله وأعوذ بك من شره وشر ما فيه اصرف عني شر شرارهم. فإذا نزل المنزل صلى ركعتين فيه ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهنّ بر ولا فاجر من شر ما خلق. فإذا جنّ عليه الليل يقول: يا أرض ربـي وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما دب عليك أعوذ بالله من شر كل أسد وأسود وحية وعقرب، ومن شر ساكن البلد ووالد وما ولد. {وَلَهُ مَا سَكَنَ في اللَّيْلِ والنَّهارِ وهُوَ السَّميعُ العَلِيمُ} ." اهـ.



"السابعة: في الحراسة. ينبغي أن يحتاط بالنهار فلا يمشي منفرداً خارج القافلة لأنه ربما يغتال أو ينقطع، ويكون بالليل متحفظاً عند النوم فإن نام في ابتداء الليل افترش ذراعه، وإن نام في آخر الليل نصب ذراعه نصباً وجعل رأسه في كفه، هكذا كان ينام رسول الله في سفره لأنه ربما استثقل النوم فتطلع الشمس وهو لا يدري فيكون ما يفوته من الصلاة أفضل مما يناله من الحج، والأحب في الليل أن يتناوب الرفيقان في الحراسة فإذا نام أحدهما حرس الآخر ، فهو السنة فإن قصده عدوّ أو سبع في ليل أو نهار فليقرأ آية الكرسي، وشهد الله، والإخلاص، والمعوّذتين، وليقل بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله حسبـي الله، .توكلت على الله، ما شاء الله لا يأتي بالخير إلا الله، ما شاء الله، لا يصرف السوء إلا الله حسبـي الله وكفى، سمع الله لمن دعا، وليس وراء الله منتهى، ولا دون الله ملجأ {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أنا وَرُسُلي إنَّ اللَّه قويٌّ عَزيزٌ} تحصنت بالله العظيم واستعنت بالحي الذي لا يموت، اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واكنفنا بركنك الذي لا يرام. اللهم ارحمنا بقدرتك علينا فلا نهلك وأنت ثقتنا ورجاؤنا. اللهم أعطف علينا قلوب عبادك وإمائك برأفة ورحمة إنك أنت أرحم الراحمين.

الثامنة: مهما علا نشزاً من الأرض في الطريق فيستحب أن يكبر ثلاثاً ثم يقول: اللهم لك الشرف على كل شرف ولك الحمد على كل حال. ومهما هبط سبح ومهما خاف الوحشة في سفره قال: سبحان الله الملك القدوس رب الملائكة والروح جللت السماوات بالعزة والجبروت." اهـ.




الجملة الثانية: في آداب الإحرام من الميقات إلى دخول مكة وهي خمسة:

الأول: أن يغتسل وينوي به غسل الإحرام أعني إذا انتهى إلى الميقات المشهور الذي يحرم الناس منه. ويتمم غسله بالتنظيف ويسرح لحيته ورأسه ويقلم أظفاره ويقص شاربه ويستكمل النظافة التي ذكرناها في الطهارة.

الثاني: أن يفارق الثياب المخيطة ويلبس ثوبـي الإحرام فيرتدي ويتزر بثوبـين أبـيضين، فالأبـيض هو أحب الثياب إلى الله عز وجل، ويتطيب في ثيابه وبدنه ولا بأس بطيب يبقى جرمه بعد الإحرام؛ فقد رئي بعض المسك على مفرق رسول الله بعد الإحرام مما كان استعمله قبل الإحرام .

الثالث: أن يصبر بعد لبس الثياب حتى تنبعث به راحلته إن كان راكباً أو يبدأ بالسير إن كان راجلاً، فعند ذلك ينوي الإحرام بالحج أو بالعمرة قراناً أو إفراداً كما أراد. ويكفي مجرد النية لانعقاد الإحرام، ولكن السنّة أن يقرن بالنية لفظ التلبـية فيقول: «لبـيك اللهم لبـيك لبـيك لا شريك لك لبـيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» وإن زاد قال: «لبـيك وسعديك والخير كان بـيديك والرغباء إليك لبـيك بحجة حقاً تعبداً ورقاً اللهم صل على محمد وآل محمد».

الرابع: إذا انعقد إحرامه بالتلبـية المذكورة فيستحب أن يقول: اللهم إني أريد الحج فيسره لي وأعني على أداء فرضه وتقبله مني. اللهم إني نويت أداء فريضتك في الحج فاجعلني من الذين استجابوا لك وآمنوا بوعدك واتبعوا أمرك واجعلني من وفدك الذين رضيت عنهم وارتضيت وقبلت منهم. اللهم فيسِّر لي أداء ما نويت من الحج، اللهم قد أحرم لك لحمي وشعري ودمي وعصبـي ومخي وعظامي، وحرّمت على نفسي النساء والطيب ولبس المخيط ابتغاء وجهك والدار الآخرة. ومن وقت الإحرام حرم عليه المحظورات الستة التي ذكرناها من قبل فليجتنبها.

الخامس: يستحب تجديد التلبـية في دوام الإحرام خصوصاً عند اصطدام الرفاق وعند اجتماع الناس وعند كل صعود وهبوط وعند كل ركوب ونزول رافعاً بها صوته بحيث لا يبح حلقه ولا ينبهر، فإنه لا ينادي أصم ولا غائباً ، كما ورد في الخبر. ولا بأس برفع الصوت بالتلبـية في المساجد الثلاثة فإنها مظنة المناسك ــــ أعني المسجد الحرام ومسجد الخيف ومسجد الميقات ــــ وأما سائر المساجد فلا بأس فيها بالتلبـية من غير رفع صوت. وكان النبـي إذا أعجبه شيء قال: «لَبَـيْكَ إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَة» ." اهـ.

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:36 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
الجملة الثالثة: في آداب دخول مكة إلى الطواف وهي ستة:

الأول: أن يغتسل بذي طوى لدخول مكة والاغتسالات المستحبة المسنونة في الحج تسعة: الأول للإحرام من الميقات، ثم لدخول مكة ثم لطواف القدوم، ثم للوقوف بعرفة، ثم للوقوف بمزدلفة، ثم ثلاثة أغسال لرمي الجمار الثلاث؛ ولا غسل لرمي جمرة العقبة، ثم لطواف الوداع. ولم ير الشافعي رضي الله عنه في الجديد: الغسل لطواف الزيارة ولطواف الوداع فتعود إلى سبعة.

الثاني: أن يقول عند الدخول في أوّل الحرم وهو خارج مكة: اللهم هذا حرمك وأمنك فحرّم لحمي ودمي وشعري وبشري على النار وآمني من عذابك يوم تبعث عبادك واجعلني من أوليائك وأهل طاعتك.

الثالث: أن يدخل مكة من جانب الأبطح وهو ثنية كداء ــــ بفتح الكاف ــــ عدل رسول الله http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif من جادة الطريق إليها ، فالتأسي به أولى، وإذا خرج خرج من ثنية كُدى ـ بضم الكاف ـ وهي الثنية السفلى والأولى هي العليا.

الرابع: إذا دخل مكة وانتهى إلى رأس الردم فعنده يقع بصره على البـيت فليقل: «لا إله إلا الله والله أكبر اللهم أنت السلام ومنك السلام ودارك دار السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إن هذا بـيتك عظمته وكرمته وشرفته اللهم فزده تعظيماً وزده تشريفاً وتكريماً وزده مهابة وزد من حجه براً وكرامة، اللهم افتح لي أبواب رحمتك وادخلني جنتك وأعذني من الشيطان الرجيم».

الخامس: إذا دخل المسجد الحرام فليدخل من باب بني شيبة وليقل: «بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وفي سبـيل الله وعلى ملة رسول الله ، فإذا قرب من البـيت قال: الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وعلى إبراهيم خليلك وعلى جميع أنبـيائك ورسلك» وليرفع يديه وليقل: اللهم إني أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي أن تتقبل توبتي وأن تتجاوز عن خطيئتي وتضع عني وزري الحمد لله الذي بلغني بـيته الحرام الذي جعله مثابة للناس وأمناً وجعله مباركاً وهدى للعالمين. اللهم إني عبدك والبلد بلدك والحرم حرمك والبـيت بـيتك جئتك أطلب رحمتك وأسألك مسألة المضطر الخائف من عقوبتك الراجي لرحمتك الطالب مرضاتك.

السادس: أن تقصد الحجر الأسود بعد ذلك وتمسه بـيدك اليمنى وتقبله وتقول: اللهم أمانتي أديتها وميثاقي وفيته أشهد لي بالموافاة فإن لم يستطع التقبـيل وقف في مقابلته ويقول ذلك. ثم لا يعرّج على شيء دون الطواف وهو طواف القدوم إلا أن يجد الناس في المكتوبة فيصلي معهم ثم يطوف." اهـ.



.الجملة الرابعة: في الطواف:

فإذا أراد افتتاح الطواف إما للقدوم وإما لغيره فينبغي أن يراعي أموراً ستة:

الأوّل: أن يراعي شروط الصلاة من طهارة الحدث والخبث في الثوب والبدن والمكان وستر العورة. فالطواف بالبـيت صلاة ولكن الله سبحانه أباح فيه الكلام. وليضطبع قبل ابتداء الطواف وهو أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه اليمنى ويجمع طرفيه على منكبه الأيسر فيرخي طرفاً وراء ظهره وطرفاً على صدره، ويقطع التلبـية عند ابتداء الطواف ويشتغل بالأدعية التي سنذكرها.

الثاني: إذا فرغ من الاضطباع فليجعل البـيت على يساره وليقف عند الحجر الأسود وليتنح عنه قليلاً ليكون الحجر قدامه فيمر بجميع الحجر بجميع بدنه في ابتداء طوافه. وليجعل بـينه وبـين البـيت قدر ثلاث خطوات ليكون قريباً من البـيت فإنه أفضل ولكيلا يكون طائفاً على الشاذروان فإنه من البـيت، وعند الحجر الأسود قد يتصل الشاذروان بالأرض ويلتبس به، والطائف عليه لا يصح طوافه؛ لأنه طائف في البـيت، والشاذروان هو الذي فضل عن عرض جدار البـيت بعد أن ضيق أعلى الجدار ثم من هذا الموقف يبتدىء الطواف." اهـ.




.الثالث: أن يقول قبل مجاوزة الحجر بل في ابتداء الطواف: «بسم الله والله أكبر اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك واتباعاً لسنة نبـيك محمد » ويطوف. فأوّل ما يجاوز الحجر ينتهي إلى باب البـيت فيقول: «اللهم هذا البـيت بـيتك وهذا الحرم حرمك وهذا الأمن أمنك وهذا مقام العائذ بك من النار» وعند ذكر المقام يشير بعينه إلى مقام إبراهيم عليه السلام: «اللهم إن بـيتك عظيم ووجهك كريم وأنت أرحم الراحمين فأعذني من النار ومن الشيطان الرجيم وحرّم لحمي ودمي على النار وآمني من أهوال يوم القيامة واكفني مؤونة الدنيا والآخرة»، ثم يسبح الله تعالى ويحمده حتى يبلغ الركن العراقي فعنده يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الشرك والشك والكفر والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق وسوء المنظر في الأهل والمال والولد» فإذا بلغ الميزاب قال: «اللهم أظلنا تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك اللهم اسقني بكأس محمد شربة لا أظمأ بعدها أبداً» فإذا بلغ الركن الشامي قال: «اللهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً وتجارة لن تبور يا عزيز يا غفور رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم» فإذا بلغ الركن اليماني قال: «اللهم إني أعوذ بك من الكفر وأعوذ بك من الفقر ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات وأعوذ بك من الخزي في الدنيا والآخرة» ويقول بـين الركن اليماني والحجر الأسود: «اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك فتنة القبر وعذاب النار» فإذا بلغ الحجر الأسود قال: اللهم اغفر لي برحمتك أعوذ برب هذا الحجر من الدين والفقر وضيق الصدر وعذاب القبر»، وعند ذلك قد تم شوط واحد فيطوف كذلك سبعة أشواط فيدعو بهذه الأدعية في كل شوط.

الرابع: أن يرمل في ثلاثة أشواط ويمشي في الأربعة الأخر على الهيئة المعتادة. ومعنى الرمل الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، وهو دون العدو وفوق المشي المعتاد. والمقصود منه ومن الاضطباع إظهار الشطارة والجلادة والقوّة، هكذا كان القصد أولاً قطعاً لطمع الكفار وبقيت تلك السنة والأفضل الرمل مع الدنوّ من البـيت فإن لم يمكنه للزحمة فالرمل مع البعد أفضل فليخرج إلى حاشية المطاف وليرمل ثلاثاً ثم ليقرب إلى البـيت في المزدحم وليمش أربعاً. وإن أمكنه استلام الحجر في كل شوط فهو الأحب، وإن منعه الزحمة أشار باليد وقبل يده، وكذلك استلام الركن اليماني يستحب من سائر الأركان. وروي «أنه كان يستلم الركن اليماني ، ويقبله ، ويضع خدّه عليه» ، ومن أراد تخصيص الحجر بالتقبـيل واقتصر في الركن اليماني على الاستلام أغنى عن اللمس باليد فهو أولى." اهـ.

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:37 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
"الخامس: إذا تم الطواف سبعاً فليأت الملتزم وهو بـين الحجر والباب هو موضع استجابة الدعوة، وليلتزق بالبـيت وليتعلق بالأستار وليلصق بطنه بالبـيت وليضع عليه خدّه الأيمن وليبسط عليه ذراعيه وكفيه، وليقل: «اللهم يا رب البـيت العتيق أعتق رقبتي من النار وأعذني من الشيطان الرجيم وأعذني من كل سوء وقنعني بما رزقتني وبارك لي فيما آتيتني. اللهم إنّ هذا البـيت بـيتك والعبد عبدك وهذا مقام العائذ بك من النار. اللهم اجعلني من أكرم وفدك عليك»، ثم ليحمد الله كثيراً في هذا الموضع وليصل على رسوله وعلى جميع الرسل كثيراً وليدع بحوائجه الخاصة وليستغفر من ذنوبه. كان بعض السلف في هذا الموضع يقول لمواليه: تنحوا عني حتى أقرّ لربـي بذنوبـي.

السادس: إذا فرغ من ذلك ينبغي أن يصلي خلف المقام ركعتين يقرأ في الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية الإخلاص وهما ركعتا الطواف. قال الزهري: مضت السنة أن يصلي لكل سبع ركعتين ، وإن قرن بـين أسابـيع وصلى ركعتين جاز . فعل ذلك رسول الله وكل أسبوع طواف. وليدع بعد ركعتي الطواف وليقل: اللهم يسر لي اليسرى وجنبني العسرى واغفر لي في الآخرة والأولى واعصمني بألطافك حتى لا أعصيك وأعني على طاعتك بتوفيقك وجنبني معاصيك واجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك ورسلك ويحب عبادك الصالحين. اللهم حببني إلى ملائكتك ورسلك وإلى عبادك الصالحين اللهم فكما هديتني إلى الإسلام فثبتني عليه بألطافك وولايتك واستعملني لطاعتك وطاعة رسولك وأجرني من مضلات الفتن. ثم ليعد إلى الحجر وليستلمه وليختم به الطواف، قال : «مَنْ طَافَ بِالبَـيْتِ أُسْبُوعاً وَصَلَّى رَكَعَتَيْنِ فَلَهُ مِنَ الأَجْرِ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ» وهذه كيفية الطواف. والواجب من جملته بعد شروط الصلاة أن يستكمل عدد الطواف سبعاً بجميع البـيت، وأن يبتدىء بالحجر الأسود ويجعل البـيت على يساره وأن يطوف داخل المسجد وخارج البـيت لا على الشاذروان ولا في الحجر، وأن يوالي بـين الأشواط ولا يفرّقها تفريقاً خارجاً عن المعتاد وما عدا هذا فهو سنن وهيئات." اهـ.




الجملة الخامسة: في السعي:

فإذا فرغ من الطواف فليخرج من باب الصفا وهو في محاذاة الضلع الذي بـين الركن اليماني والحجر. فإذا خرج من ذلك الباب وانتهى إلى الصفا وهو جبل فيرقى فيه درجات في حضيض الجبل بقدر قامة الرجل. رقي رسول الله http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif حتى بدت له الكعبة ، وابتداء السعي من أصل الجبل كاف وهذه الزيادة مستحبة، ولكن بعض تلك الدرج مستحدثة فينبغي أن لا يخلفها وراء ظهره فلا يكون متمماً للسعي، وإذا ابتدأ من ههنا سعى بـينه وبـين المروة سبع مرات.

وعند رقيه في الصفا ينبغي أن يستقبل البـيت ويقول: «الله أكبر الله أكبر الحمد لله على ما هدانا الحمد لله بمحامده كلها على جميع نعمه كلها لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيـي ويميت بـيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين. {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حينَ تُمْسُونَ وحينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الحَمْدُ في السَّمٰواتِ والأرْضِ وعَشِيّاً وحينَ تُظْهرُونَ يُخْرِجُ الحيَّ مِنَ الميِّت وَيُخْرِجُ الميِّتَ مِنَ الحيِّ ويُحيـي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتها وكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ومِنْ آياتِهِ أنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُراب ثمَّ إذا أنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} اللهم إني أسألك إيماناً دائماً، ويقيناً صادقاً، وعلماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وأسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة، ويصلي على محمد ، ويدعو الله عز وجل بما شاء من حاجته عقيب هذا الدعاء.

ثم ينزل ويبتدىء السعي وهو يقول: «رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار»، ويمشي على هينة حتى ينتهي إلى الميل الأخضر وهو أوّل ما يلقاه إذا نزل من الصفاــــ وهو على زاوية المسجد الحرام ــــ فإذا بقي بـينه وبـين محاذاة الميل ستة أذرع أخذ في السير السريع وهو الرمل حتى ينتهي إلى الميلين الأخضرين. ثم يعود إلى الهينة

فإذا انتهى إلى المروة صعدها كما صعد الصفا وأقبل بوجهه على الصفا ودعا بمثل ذلك الدعاء، وقد حصل السعي مرة واحدة؛ فإذا عاد إلى الصفا حصلت مرتان. يفعل ذلك سبعاً ويرمل في موضع الرمل في كل مرة ويسكن في موضع السكون ــــ كما سبق ــــ وفي كل نوبة يصعد الصفا والمروة فإذا فعل ذلك فقد فرغ من طواف القدوم والسعي وهما سنتان. والطهارة مستحبة للسعي وليست بواجبة بخلاف الطواف وإذا سعى فينبغي أن لا يعيد السعي بعد الوقوف ويكتفي بهذا ركناً؛ فإنه ليس من شرط السعي أن يتأخر عن الوقوف وإنما ذلك شرط في طواف الركن. نعم شرط كل سعي أن يقع بعد طواف أي طواف كان." اهـ.


الجملة السادسة: في الوقوف وما قبله:

"الحاج إذا انتهى يوم عرفة إلى عرفات يتفرّغ لطواف القدوم ودخول مكة قبل الوقوف وإذا وصل قبل ذلك بأيام فطاف طواف القدوم فيمكث محرماً إلى اليوم السابع من ذي الحجة. فيخطب الإمام بمكة خطبة بعد الظهر عند الكعبة ويأمر الناس بالاستعداد للخروج إلى منى يوم التروية والمبـيت بها، وبالغدوّ منها إلى عرفة لإقامة فرض الوقوف بعد الزوال؛ إذ وقت الوقوف من الزوال إلى طلوع الفجر الصادق من يوم النحر، فينبغي أن يخرج إلى منى ملبـياً، ويستحب له المشي من مكة في المناسك إلى انقضاء حجته إن قدر عليه. والمشي من مسجد إبراهيم عليه السلام إلى الموقف أفضل وآكد.

فإذا انتهى إلى منى قال: اللهم هذه منى فامنن عليَّ بما مننت به على أوليائك وأهل طاعتك وليمكث هذه الليلة بمنى ــــ وهو مبـيت منزل لا يتعلق به نسك ــــ فإذا أصبح يوم عرفة صلى الصبح فإذا طلعت الشمس على ثبـير سار إلى عرفات ويقول: اللهم اجعلها خير غدوة غدوتها قط وأقربها من رضوانك وأبعدها من سخطك. اللهم إليك غدوت وإياك رجوت وعليك اعتمدت ووجهك أردت فاجعلني ممن تباهي به اليوم من هو خير مني وأفضل.

فإذا أتى عرفات فليضرب خباءه بنمرة قريباً من المسجد، فثمَّ ضرب رسول الله قبته . ونمرة: هي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة. وليغتسل للوقوف

فإذا زالت الشمس خطب الإمام خطبة وجيزة وقعد، وأخذ المؤذن في الأذان والإمام في الخطبة الثانية ووصل الإقامة بالأذان، وفرغ الإمام مع تمام إقامة المؤذن. ثم جمع بـين الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وقصر الصلاة، وراح إلى الموقف فليقف بعرفة ولا يقفن في وادي عرنة.

وأما مسجد إبراهيم عليه السلام فصدره في الوادي وأخرياته من عرفة فمن وقف في صدر المسجد لم يحصل له الوقوف بعرفة. ويتميز مكان عرفة من المسجد بصخرات كبار فرشت. ثم، والأفضل أن يقف عند الصخرات بقرب الإمام مستقبلاً للقبلة راكباً. وليكثر من أنواع التحميد والتسبـيح والتهليل والثناء على الله عز وجل والدعاء والتوبة. ولا يصوم في هذا اليوم ليقوى على المواظبة على الدعاء.

ولا يقطع التلبـية يوم عرفة بل الأحب أن يلبـي تارة ويكب على الدعاء أخرى. وينبغي أن لا ينفصل من طرف عرفة إلا بعد الغروب ليجمع في عرفة بـين الليل والنهار: وإن أمكنه الوقوف يوم الثامن ساعة عند إمكان الغلط في الهلال فهو الحزم وبه الأمن من الفوات. ومن فاته الوقوف حتى طلع الفجر يوم النحر فقد فاته الحج، فعليه أن يتحلل عن إحرامه بأعمال العمرة ثم يريق دماً لأجل الفوات، ثم يقضي العام الآتي، وليكن أهم اشتغاله في هذا اليوم الدعاء. ففي مثل تلك البقعة ومثل ذلك الجمع ترجى إجابة الدعوات." اهـ.

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:38 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
والدعاء المأثور عن رسول الله http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif ، إلا وعن السلف http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/radeya2.gif في يوم عرفة أول ما يدعو به فليقل:

لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيـي ويميت وهو حي لا يموت بـيده الخير وهو على كل شيء قدير. اللهم اجعل في قلبـي نوراً وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً وفي لساني نوراً. اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري

وليقل: اللهم رب الحمد لك الحمد كما تقول وخيراً مما نقول لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبـي وإليك ثوابـي. اللهم إني أعوذ بك من وساوس الصدر وشتات الأمر وعذاب القبر. اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل، ومن شر ما يلج في النهار ومن شر ما تهب به الرياح. .ومن شر بوائق الدهر. اللهم إني أعوذ بك من تحوّل عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك. اللهم اهدني بالهدى واغفر لي في الآخرة والأولى يا خير مقصود وأسنى منزول به وأكرم مسؤول ما لديه أعطني العشية أفضل ما أعطيت أحداً من خلقك وحجاج بـيتك يا أرحم الراحمين.

اللهم يا رفيع الدرجات ومنزل البركات ويا فاطر الأرضين والسماوات ضجت إليك الأصوات بصنوف اللغات يسألونك الحاجات وحاجتي إليك أن لا تنساني في دار البلاء إذا نسيني أهل الدنيا. اللهم إنك تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم سري وعلانيتي ولا يخفى عليك شيء من أمري أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المعترف بذنبه أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل وأدعوك دعاء الخائف الضرير. دعاء من خضعت لك رقبته وفاضت لك عبرته وذل لك جسده ورغم لك أنفه.

اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيّاً وكن بـي رؤوفاً رحيماً يا خير المسؤولين وأكرم المعطين، إلهي من مدح لك نفسه فإني لائم نفسي. إلهي أخرست المعاصي لساني فمالي وسيلة عن عمل ولا شفيع سوى الأمل. إلهي إني أعلم أنّ ذنوبـي لم تبق لي عندك جاهاً ولا للاعتذار وجهاً ولكنك أكرم الأكرمين. إلهي إن لم أكن أهلاً أن أبلغ رحمتك فإن رحمتك أهل أن تبلغني ورحمتك وسعت كل شيء وأنا شيء. إلهي إنّ ذنوبـي وإن كانت عظاماً ولكنها صغار في جنب عفوك فاغفرها لي يا كريم. إلهي أنت أنت وأنا أنا، أنا العوّاد إلى الذنوب وأنت العوّاد إلى المغفرة. إلهي إن كنت لا ترحم إلا أهل طاعتك فإلى من يفزع المذنبون.

إلهي تجنبت عن طاعتك عمداً وتوجهت إلى معصيتك قصداً فسبحانك ما أعظم حجتك علي وأكرم عفوك عني فبوجوب حجتك عليّ وانقطاع حجتي عنك وفقري إليك وغناك عني إلا غفرت لي يا خير من دعاه داع، وأفضل من رجاه راج بحرمة الإسلام وبذمة محمد عليه السلام أتوسل إليك فاغفر لي جميع ذنوبـي واصرفني من موقفي هذا مقضي الحوائج وهب لي ما سألت وحقق رجائي فيما تمنيت. إلهي دعوتك بالدعاء الذي علمتنيه فلا تحرمني الرجاء الذي عرفتنيه. إلهي ما أنت صانع العشية بعبد مقرّ لك بذنبه خاشع لك بذلته مستكين بجرمه متضرع إليك من عمله، تائب إليك من اقترافه، مستغفر لك من ظلمه، مبتهل إليك في العفو عنه، طالب إليك نجاح حوائجه، راج إليك في موقفه مع كثرة ذنوبه، فيا ملجأ كل حي وولي كل مؤمن من أحسن فبرحمتك يفوز ومن أخطأ فبخطيئته يهلك.

اللهم إليك خرجنا وبفنائك أنخنا وإياك أملنا وما عندك طلبنا ولإحسانك تعرضنا ورحمتك رجونا ومن عذابك أشفقنا وإليك بأثقال الذنوب هربنا ولبـيتك الحرام حججنا. يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمائر الصامتين. يا من ليس معه رب يدعى، ويا من ليس فوقه خالق يخشى، ويا من ليس له وزير يؤتى ولا حاجب يرشى، يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلا جوداً وكرماً وعلى كثرة الحوائج إلا تفضلاً وإحساناً. اللهم إنك جعلت لكل ضيف قرى ونحن أضيافك فاجعل قرانا منك الجنة.

اللهم إن لكل وفد جائزة، ولكل زائر كرامة، ولكل سائل عطية، ولكل راج ثواباً، ولكل ملتمس لما عندك جزاء، ولكل مسترحم عندك رحمة، ولكل راغب إليك زلفى، ولكل متوسل إليك عفواً وقد وفدنا إلى بـيتك الحرام ووقفنا بهذه المشاعر العظام، وشهدنا هذه المشاهد الكرام رجاء لما عندك فلا تخيب رجاءنا. إلهنا تابعت النعم حتى اطمأنت الأنفس بتتابع نعمك وأظهرت الآيات حتى نطقت الصوامت بحجتك، وظاهرت المنن حتى اعترف أولياؤك بالتقصير عن حقك، وأظهرت الآيات حتى أفصحت السَّماوات والأرضون بأدلتك وقهرت بقدرتك حتى خضع كل شيء لعزتك وعنت الوجوه لعظمتك إذا أساء عبادك حلمت وأمهلت، وإن أحسنوا تفضلت وقبلت، وإن عصوا سترت، وإن أذنبوا عفوت وغفرت، وإذا دعونا أجبت، وإذا نادينا سمعت، وإذا أقبلنا إليك قربت، وإذا ولينا عنك دعوت. إلهنا إنك قلت في كتابك المبـين لمحمد خاتم النبـيـين {قُل للَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} فأرضاك عنهم الإقرار بكلمة التوحيد بعد الجحود، وإنا نشهد لك بالتوحيد مخبتين ولمحمد بالرسالة مخلصين فاغفر لنا بهذه الشهادة سوالف الإجرام، ولا تجعل حظنا فيه أنقص من حظ من دخل في الإسلام.

إلهنا إنك أحببت التقرب إليك بعتق ما ملكت أيماننا ونحن عبـيدك وأنت أولى بالتفضل فاعتقنا. وإنك أمرتنا أن نتصدّق على فقرائنا ونحن فقراؤك وأنت أحق بالتطول فتصدّق علينا. ووصيتنا بالعفو عمن ظلمنا وقد ظلمنا أنفسنا وأنت أحق بالكرم فاعف عنا. ربنا اغفر لنا وارحمنا أنت مولانا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار».

وليكثر من دعاء الخضر عليه السلام وهو أن يقول: «يا من لا يشغله شأن عن شأن ولا سمع عن سمع ولا تشتبه عليه الأصوات، يا من لا تغلطه المسائل ولا تختلف عليه اللغات، يا من لا يبرمه إلحاح الملحين ولا تضجره مسألة السائلين أذقنا برد عفوك وحلاوة مناجاتك»، وليدع بما بدا له وليستغفر له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات وليلح في الدعاء وليعظم المسألة، فإن الله لا يتعاظمه شيء، وقال مطرف بن عبد الله وهو بعرفة: اللهم لا ترد الجميع من أجلي. وقال بكر المزني: قال رجل لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم لولا أني كنت فيهم.
" اهـ.




الجملة السابعة: في بقية أعمال الحج بعد الوقوف من المبـيت والرمي والنحر والحلق والطواف:

"فإذا أفاض من عرفة بعد غروب الشمس، فينبغي أن يكون على السكينة والوقار وليجتنب وجيف الخيل وإيضاع الإبل كما يعتاده بعض الناس. فإن رسول الله http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif ، نهى عن وجيف الخيل وإيضاع الإبل وقال: «اتَّقُوا الله وَسِيرُوا سَيْراً جَمِيلاً لاَ تَطَؤُوا ضَعِيفاً وَلا تُؤْذُوا مُسْلِماً»

فإذا بلغ المزدلفة اغتسل لها لأن المزدلفة من الحرم فليدخله بغسل. وإن قدر على دخوله ماشياً فهو أفضل وأقرب إلى توقير الحرم. ويكون في الطريق رافعاً صوته بالتلبـية فإذا بلغ المزدلفة قال: «اللهم إن هذه مزدلفة جمعت فيها ألسنة مختلفة تسألك حوائج مؤتنفة فاجعلني ممن دعاك فاستجبت له وتوكل عليك فكفيته»،

ثم يجمع بـين المغرب والعشاء بمزدلفة في وقت العشاء قاصراً له بأذان وإقامتين ليس بـينهما نافلة، ولكن يجمع نافلة المغرب والعشاء والوتر بعد الفريضتين، ويبدأ بنافلة المغرب ثم بنافلة العشاء كما في الفريضتين. فإن ترك النوافل في السفر خسران ظاهر. وتكليف إيقاعها في الأوقات إضرار وقطع للتبعية بـينهما وبـين الفرائض، فإذا جاز أن يؤدي النوافل مع الفرائض بتيمم واحد بحكم التبعية فبأن يجوز أداؤهما على حكم الجمع بالتبعية أولى. ولا يمنع من هذا مفارقة النفل للفرض في جواز أدائه على الراحلة لما أومأنا إليه من التبعية والحاجة.

ثم يمكث تلك الليلة بمزدلفة وهو مبـيت نسك، ومن خرج منها في النصف الأول من الليل ولم يبت فعليه دم، وإحياء هذه الليلة الشريفة من محاسن القربات لمن يقدر عليه، ثم إذا انتصف الليل يأخذ في التأهب للرحيل ويتزود الحصى منها ــــ ففيها أحجار رخوة ــــ فليأخذ سبعين حصاة فإنها قدر الحاجة، ولا بأس بأن يستظهر بزيادة فربما يسقط منه بعضها، ولتكن الحصى خفافاً بحيث يحتوي عليه أطراف البراجم.

ثم ليغلس بصلاة الصُّبح وليأخذ في المسير حتى إذا انتهى إلى المشعر الحرام وهو آخر المزدلفة فيقف ويدعو إلى الإسفار ويقول: «اللهم بحق المشعر الحرام والبـيت الحرام والشهر الحرام والركن والمقام أبلغ روح محمد منا التحية والسلام وأدخلنا دار السلام يا ذا الجلال والإكرام،

ثم يدفع منها قبل طلوع الشمس حتى ينتهي إلى موضع يقال له وادي محسر فيستحب له أن يحرك دابته حتى يقطع عرض الوادي، وإن كان راجلاً أسرع في المشي. ثم إذا أصبح يوم النحر خلط التلبـية بالتكبـير فيلبـي تارة ويكبر أخرى. فينتهي إلى منى ومواضع الجمرات وهي ثلاثة فيتجاوز الأولى والثانية فلا شغل له معهما يوم النحر، حتى ينتهي إلى جمرة العقبة وهي على يمين مستقبل القبلة في الجادة ــــ والمرمى مرتفع قليلاً في سفح الجبل وهو ظاهر بمواقع الجمرات ــــ

ويرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس بقدر رمح. وكيفيته أن يقف مستقبلاً القبلة وإن استقبل الجمرة فلا بأس ويرمي سبع حصيات رافعاً يده، ويبدل التلبـية بالتكبـير ويقول مع كل حصاة: «الله أكبر على طاعة الرحمن، ورغم الشيطان اللهم تصديقاً بكتابك واتباعاً لسنة نبـيك» فإذا رمى قطع التلبـية والتكبـير إلا التكبـير عقيب فرائض الصلوات من ظهر يوم النحر إلى عقيب الصبح من آخر أيام التشريق. ولا يقف في هذا اليوم للدعاء بل يدعو في منزله. وصفة التكبـير أن يقول: «الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبـيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلا لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله والله أكبر»، ."اهـ.

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:39 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
"ثم ليذبح الهدي إن كان معه والأولى أن يذبح بنفسه وليقل: «بسم الله والله أكبر اللهم منك وبك وإليك تقبل مني كما تقبلت من خليلك إبراهيم»، والتضحية بالبدن أفضل ثم بالبقر ثم بالشاة. والشاة أفضل من مشاركة ستة في البدنة أو البقرة. والضأن أفضل من المعز. قال رسول الله http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif : «خَيْرُ الأُضْحِيَةِ الكَبْشُ الأَقْرَنُ وَالبَـيْضَاءُ أَفْضَلُ مِنَ الغَبْرَاءِ وَالسَّوْدَاءِ» وقال أبو هريرة: البـيضاء أفضل في الأضحى من دم سوداوين وليأكل منه إن كانت من هدي التطوع ولا يضحين بالعرجاء والجدعاء والعضباء والجرباء والشرقاء والخرقاء والمقابلة والمدابرة والعجفاء. والجدع في الأنف والأذن للقطع منهما، والعضب في القرن وفي نقصان القوائم والشرقاء المشقوقة الأذن من فوق، والخرقاء من أسفل، والمقابلة المخروقة الأذن من قدام، والمدابرة من خلف. والعجفاء المهزولة التي لا تنقي أي لا مخ فيها من الهزال.

ثم ليحلق بعد ذلك، والسنة أن يستقبل القبلة ويبتدىء بمقدم رأسه فيحلق الشق الأيمن إلى العظمين المشرفين على القفا ثم ليحلق الباقي ويقول: «اللهم أثبت لي بكل شعرة حسنة وامح عني بها سيئة وارفع لي بها عندك درجة» والمرأة تقصر الشعر. والأصلع يستحب له إمرار الموسى على رأسه ومهما حلق بعد رمي الجمرة فقد حصل له التحلل الأول وحل له كل المحذورات إلا النساء والصيد.

ثم يفيض إلى مكة ويطوف كما وصفناه. وهذا الطواف طواف ركن من الحج ويسمى طواف الزيارة، وأول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر، وأفضل وقته يوم النحر ولا آخر لوقته بل له أن يؤخر إلى أي وقت شاء، ولكن يبقى مقيداً بعقلة الإحرام فلا تحل له النساء إلى أن يطوف.

فإذا طاف تم التحلل وحل الجماع وارتفع الإحرام بالكلية ولم يبق إلا الرمي أيام التشريق والمبـيت بمنى وهي واجبات بعد زوال الإحرام على سبـيل الاتباع للحج، وكيفية هذا الطواف مع الركعتين كما سبق في طواف القدوم. فإذا فرغ من الركعتين فليسع كما وصفنا إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، وإن كان قد سعى فقد وقع ذلك ركناً فلا ينبغي أن يعيد السعي.

وأسباب التحلل ثلاثة: الرمي والحلق والطواف الذي هو ركن. ومهما أتى باثنين من هذه الثلاثة فقد تحلل أحد التحللين، ولا حرج عليه في التقديم والتأخير بهذه الثلاث مع الذبح، ولكن الأحسن أن يرمي ثم يذبح ثم يحلق ثم يطوف. والسنة للإمام في هذا اليوم أن يخطب بعد الزوال وهي خطبة وداع رسول الله ، ففي الحج أربع خطب: خطبة يوم السابع، وخطبة يوم عرفة، وخطبة يوم النحر ، وخطبة يوم النفر الأول، وكلها عقيب الزوال وكلها إفراد إلا خطبة يوم عرفة فإنها خطبتان بـينهما جلسة. ثم إذا فرغ من الطواف

عاد إلى منى للمبـيت والرمي فيبـيت تلك الليلة بمنى وتسمى ليلة القرّ لأن الناس في غد يقرّون بمنى ولا ينفرون. فإذا أصبح اليوم الثاني من العيد وزالت الشمس اغتسل للرمي وقصد الجمرة الأولى التي تلي عرفة وهي على يمين الجادة ويرمي إليها بسبع حصيات، فإذا تعداها انحرف قليلاً عن يمين الجادة ووقف مستقبل القبلة وحمد الله تعالى وهلَّل وكبَّر ودعا مع حضور القلب وخشوع الجوارح ووقف مستقبل القبلة قدر قراءة سورة البقرة مقبلاً على الدعاء، ثم يتقدم إلى الجمرة الوسطى ويرمي كما رمى الأولى ويقف كما وقف للأولى ثم يتقدم إلى جمرة العقبة ويرمي سبعاً، ولا يعرج على شغل بل يرجع إلى منزله ويبـيت تلك الليلة بمنى وتسمى هذه الليلة ليلة النفر الأول، ويصبح فإذا صلى الظهر في اليوم الثاني من أيام التشريق رمى في هذا اليوم إحدى وعشرين حصاة كاليوم الذي قبله. ثم هو مخير بـين المقام بمنى وبـين العود إلى مكة.

فإن خرج من منى قبل غروب الشمس فلا شيء عليه وإن صبر إلى الليل فلا يجوز له الخروج بل لزمه المبـيت حتى يرمي في يوم النفر الثاني أحداً وعشرين حجراً كما سبق. وفي ترك المبـيت والرمي إراقة دم وليتصدق باللحم. وله أن يزور البـيت في ليالي منى بشرط أن لا يبـيت إلا بمنى. كان رسول الله يفعل ذلك ، ولا يتركنّ حضور الفرائض مع الإمام في مسجد الخيف فإنّ فضله عظيم فإذا أفاض من منى فالأولى أن يقيم بالمحصب من منى ويصلي العصر والمغرب والعشاء ويرقد رقدة فهو السنَّة. رواه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم. فإن لم يفعل ذلك فلا شيء عليه." اهـ.




".الجملة الثامنة: في صفة العمرة وما بعدها إلى طواف الوداع:

من أراد أن يعتمر قبل حجه أو بعده كيفما أراد فليغتسل ويلبس ثياب الإحرام كما سبق في الحج ويحرم بالعمرة من ميقاتها، وأفضل مواقيتها الجعرانة ثم التنعيم ثم الحديبـية. وينوي العمرة ويلبـي ويقصد مسجد عائشة رضي الله عنها ويصلي ركعتين ويدعو بما شاء.

ثم يعود إلى مكة وهو يلبـي حتى يدخل المسجد الحرام. فإذا دخل المسجد ترك التلبـية وطاف سبعاً وسعى سبعاً كما وصفنا. فإذا فرغ حلق رأسه وقد تمت عمرته. والمقيم بمكة ينبغي أن يكثر الاعتمار والطواف. وليكثر النظر إلى البـيت. فإذا دخله فليصل ركعتين بـين العمودين فهو الأفضل وليدخله حافياً موقراً. قيل لبعضهم: هل دخلت بـيت ربك اليوم؟ فقال: والله ما أرى هاتين القدمين أهلاً للطواف حول بـيت ربـي فكيف أراهما أهلاً لأن أطأ بهما بـيت ربـي وقد علمت حيث مشيتا وإلى أين مشيتا. وليكثر شرب ماء زمزم وليستق بـيده من غير استنابة إن أمكنه وليرتو منه حتى يتضلع وليقل: اللهم اجعله شفاء من كل داء وسقم وارزقني الإخلاص واليقين والمعافاة في الدنيا والآخرة. قال : «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» أي يشفي ما قصد به." اهـ.






الجملة التاسعة: في طواف الوداع:

"مهما عنّ له الرجوع إلى الوطن بعد الفراغ من إتمام الحج والعمرة فلينجز أولاً أشغاله وليشد رحاله وليجعل آخر أشغاله وداع البـيت. ووداعه بأن يطوف به سبعاً كما سبق ولكن من غير رمل واضطباع. فإذا فرغ منه صلى ركعتين خلف المقام وشرب من ماء زمزم. ثم يأتي الملتزم ويدعو ويتضرع ويقول: «اللهم إن البـيت بـيتك والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى سيرتني في بلادك وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا وإلا فمنّ الآن قبل تباعدي عن بـيتك هذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بل ولا ببـيتك ولا راغب عنك ولا عن بـيتك. اللهم أصحبني العافية في بدني والعصمة في ديني وأحسن منقلبـي وارزقني طاعتك أبداً ما أبقيتني واجمع لي خير الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير. اللهم لا تجعل هذا آخر عهدي ببـيتك الحرام وإن جعلته آخر عهدي فعوضني عنه الجنة» ، والأحب أن لا يصرف بصره عن البـيت حتى يغيب عنه." اهـ.

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:41 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
الجملة العاشرة: في زيارة المدينة وآدابها:

"قال : «مَنْ زَارَنِي بَعْدَ وَفَاتِي فَكَأَنَّما زَارَنِي فِي حَيَاتِي» ، وقال : «مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يَفِدْ إِلَيَّ فَقَدْ جَفَانِي» وقال : «مَنْ جَاءَنِي زَائِراً لا يَهُمُّهُ إِلاَّ زِيَارَتِي كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ سْبْحَانَهُ أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعاً» فمن قصد زيارة المدينة فليصل على رسول الله في طريقه كثير. فإذا وقع بصره على حيطان المدينة وأشجارها قال: «اللهم هذا حرم رسولك فاجعله لي وقاية من النار وأماناً من العذاب وسوء الحساب»، وليغتسل قبل الدخول من بئر الحرة وليتطيب وليلبس أنظف ثيابه. فإذا دخلها فليدخلها متواضعاً معظماً وليقل: بسم الله وعلى ملة رسول الله : {رَبِّ أَدْخِلْني مُدْخَلَ صِدْقٍ وأخْرِجْني مُخْرَجَ صِدْقٍ واجْعَلْ لي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نصيراً}

ثم يقصد المسجد ويدخله ويصلي بجنب المنبر ركعتين. ويجعل عمود المنبر حذاء منكبه الأيمن ويستقبل السارية التي إلى جانبها الصندوق وتكون الدائرة التي في قبلة المسجد بـين عينيه فذلك موقف رسول الله قبل أن يغير المسجد. وليجتهد أن يصلي في المسجد الأول قبل أن يزاد فيه. ثم يأتي قبر النبـي فيقف عند وجهه، وذلك بأن يستدبر القبلة ويستقبل جدار القبر على نحو من أربعة أذرع من السارية التي في زاوية جدار القبر، ويجعل القنديل على رأسه وليس من السنَّة أن يمس الجدار ولا أن يقبِّله بل الوقوف من بعد أقرب للاحترام، فيقف ويقول:

«السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبـي الله، السلام عليك يا أمين الله، السلام عليك يا حبـيب الله، السلام عليك يا صفوة الله، السلام عليك يا خيرة الله، السلام عليك يا أحمد، السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا أبا القاسم، السلام عليك يا ماحي، السلام عليك يا عاقب، السلام عليك يا حاشر، السلام عليك يا بشير، السلام عليك يا نذير، السلام عليك يا طهر، السلام عليك يا طاهر، السلام عليك يا أكرم ولد آدم، السلام عليك يا سيد المرسلين، السلام عليك يا خاتم النبـيـين، السلام عليك يا رسول رب العالمين، السلام عليك يا قائد الخير، السلام عليك يا فاتح البر، السلام عليك يا نبـي الرحمة، السلام عليك يا هادي الأمة، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين، السلام عليك وعلى أهل بـيتك الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، السلام عليك وعلى أصحابك الطيبـين وعلى أزواجك الطاهرات أمهات المؤمنين جزاك الله عنا أفضل ما جزى نبـياً عن قومه ورسولاً عن أمته، وصلى عليك كلما ذكرك الذاكرون وكلما غفل عنك الغافلون، وصلى عليك في الأوّلين والآخرين أفضل وأكمل وأعلى وأجل وأطيب وأطهر ما صلى على أحد من خلقه كما استنقذنا بك من الضلالة وبصرنا بك من العماية وهدانا بك من الجهالة. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنك عبده ورسوله وأمينه وصفيه وخيرته من خلقه، وأشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت عدوك وهديت أمتك وعبدت ربك حتى أتاك اليقين، فصلى الله عليك وعلى أهل بـيتك الطيبـين وسلم وشرف وكرّم وعظم،

وإن كان قد أوصى بتبليغ سلام فيقول: «السلام عليك من ــــ فلان ــــ السلام عليك من ــــ فلان ــــ ثم يتأخر قدر ذراع ويسلم على أبـي بكر الصديق رضي الله عنه لأن رأسه عند منكب رسول الله ، ورأس عمر رضي الله عنه عند منكب أبـي بكر رضي الله عنه. ثم يتأخر قدر ذراع ويسلم على الفاروق عمر رضي الله عنه ويقول:

«السلام عليكما يا وزيري رسول الله والمعاونين له على القيام بالدين ما دام حياً والقائمين في أمته بعده بأمور الدين تتبعان في ذلك آثاره وتعملان بسنته، فجزاكما خير ما جزى وزيري نبـي عن دينه.

ثم يرجع فيقف عند رأس رسول الله ــــ بـين القبر والاسطوانة اليوم ــــ ويستقبل القبلة وليحمد الله عز وجل وليمجده وليكثر من الصلاة على رسول الله ثم يقول: «اللهم إنك قد قلت وقولك الحق {وَلَوْ أنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ واسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} اللهم إنا قد سمعنا قولك وأطعنا أمرك وقصدنا نبـيك متشفعين به إليك في ذنوبنا وما أثقل ظهورنا من أوزارنا تائبـين من زللنا معترفين بخطايانا وتقصيرنا، فتب اللهم علينا وشفِّع نبـيك هذا فينا وارفعنا بمنزلته عندك وحقه عليك. اللهم اغفر للمهاجرين والأنصار واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان. اللهم لا تجعله آخر العهد من قبر نبـيك ومن حرمك يا أرحم الراحمين.

ثم يأتي الروضة فيصلي فيها ركعتين ويكثر من الدعاء ما استطاع لقوله : «مَا بَـيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» ويدعو عند المنبر ويستحب أن يضع يده على الرمانة السفلى التي كان رسول الله يضع يده عليها عند الخطبة ،

ويستحب له أن يأتي أحداً يوم الخميس ويزور قبور الشهداء فيصلي الغداة في مسجد النبـي ، ثم يخرج ويعود إلى المسجد لصلاة الظهر فلا يفوته فريضة في الجماعة في المسجد. ويستحب أن يخرج كل يوم إلى البقيع بعد السلام على رسول الله ويزور قبر عثمان رضي الله عنه وقبر الحسن بن علي رضي الله عنهما، وفيه أيضاً قبر علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد رضي الله عنهم، ويصلي في مسجد فاطمة رضي الله عنها، ويزور قبر إبراهيم ابن رسول الله ، وقبر صفية عمة رسول الله فذلك كله بالبقيع. ويستحب له أن يأتي مسجد قباء في كل سبت ويصلي فيه لما روي أن رسول الله ، قال: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَـيْتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ مَسْجِدَ قُبَاءَ وَيُصَلِّي فِيهِ كَانَ لَهُ عِدْلُ عُمْرَةٍ» ويأتي بئر أريس يقال إن النبـي تفل فيها وهي عند المسجد فيتوضأ منها ويشرب من مائها ، ويأتي مسجد الفتح وهو على الخندق. وكذا يأتي سائر المساجد والمشاهد.

ويقال: إن جميع المشاهد والمساجد بالمدينة ثلاثون موضعاً يعرفها أهل البلد فيقصد ما قدر عليه وكذلك يقصد الآبار التي كان رسول الله يتوضأ منها ويغتسل ويشرب منها ، وهي سبع آبار طلباً للشفاء وتبركاً به ، وإن أمكنه الإقامة بالمدينة مع مراعاة الحرمة فلها فضل عظيم. قال : «لا يَصْبِرُ عَلَى لأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إِلاَّ كُنْتُ لَهُ شَفِيعاً يَوْمَ القِيَامَةِ» وقال : «مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ فَإِنَّهُ لَنْ يَمُوتَ بِها أَحَدٌ إِلاَّ كُنْتُ لَهُ شَفِيعاً أَوْ شَهِيداً يَوْمَ القِيَامَةِ»

ثم إذا فرغ من أشغاله وعزم على الخروج من المدينة فالمستحب أن يأتي القبر الشريف ويعيد دعاء الزيارة ـ كما سبق ـ ويودع رسول الله ويسأل الله عز وجل أن يرزقه العودة إليه ويسأل السلامة في سفره. ثم يصلي ركعتين في الروضة الصغيرة وهي موضع مقام رسول الله قبل أن زيدت المقصورة في المسجد. فإذا خرج فليخرج رجله اليسرى أولاً ثم اليمنى وليقل: «اللهم صلِّ على محمد وعلى وآل محمد ولا تجعله آخر العهد بنبـيك وحط أوزاري بزيارته وأصحبني في سفري السلامة ويسر رجوعي إلى أهلي ووطني سالماً يا أرحم الراحمين»، وليتصدّق على جيران رسول الله بما قدر عليه، وليتتبع المساجد التي بـين المدينة ومكة فيصلي فيها وهي عشرون موضعاً." اهـ.



فصل في سنن الرجوع من السفر

"كان رسول الله http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif إدا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على رأس كل شرف من الأرض ثلاث تكبـيرات ويقول: «لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ» وفي بعض الروايات: «وكل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون»، فينبغي أن يستعمل هذه السنة في رجوعه. وإذا أشرف على مدينته يحرك الدابة ويقول: «اللهم اجعل لنا بها قراراً ورزقاً حسناً. ثم ليرسل إلى أهله من يخبرهم بقدومه كي لا يقدم عليهم بغتة فذلك هو السنة ، ولا ينبغي أن يطرق أهله ليلاً فإذا دخل البلد فليقصد المسجد أوّلاً وليصل ركعتين فهو السنة ، كذلك كان يفعل رسول الله . فإذا دخل بـيته قال: «تَوْباً تَوْباً لِرَبِّنَا أَوْباً لا يُغَادِرُ عَلَيْنَا حَوْباً» فإذا استقرّ في منزله فلا ينبغي أن ينسى ما أنعم الله به عليه من زيارة بـيته وحرمه وقبر نبـيه ، فيكفر تلك النعمة بأن يعود إلى الغفلة واللهو والخوض في المعاصي، فما ذلك علامة الحج المبرور، بل علامته أن يعود زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة متأهباً للقاء رب البـيت بعد لقاء البـيت." اهـ.




الباب الثالث في الآداب الدقيقة والأعمال الباطنة


بـيان دقائق الآداب وهي عشرة:

ا"لأول: أن تكون النفقة حلالاً وتكون اليد خالية من تجارة تشغل القلب وتفرق الهم، حتى يكون الهم مجرداً لله تعالى والقلب مطمئناً منصرفاً إلى ذكر الله تعالى وتعظيم شعائره. وقد روي في خبر من طريق أهل البـيت: «إذا كان آخر الزمان خرج الناس إلى الحج أربعة أصناف سلاطينهم للنزهة وأغنياؤهم للتجارة وفقراؤهم للمسألة وقراؤهم للسمعة» وفي الخبر إشارة إلى جملة أغراض الدنيا التي يتصوّر أن تتصل بالحج، فكل ذلك مما يمنع فضيلة الحج ويخرجه عن حيز حج الخصوص؛ لا سيما إذا كان متجرّداً بنفس الحج بأن يحج لغيره بأجرة فيطلب الدنيا بعمل الآخرة.

وقد كره الورعون وأرباب القلوب ذلك إلا أن يكون قصده المقام بمكة ولم يكن له ما يبلغه فلا بأس أن يأخذ ذلك على هذا القصد، لا ليتوصل بالدين إلى الدنيا بل بالدنيا إلى الدين. فعند ذلك ينبغي أن يكون قصده زيارة بـيت الله عز وجل ومعاونة أخيه المسلم بإسقاط الفرض عنه. وفي مثله ينزل قول رسول الله http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif : «يُدْخِلُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالحَجَّةِ الوَاحِدَةِ ثَلاثَةً الجَنَّةَ: المُوصِيَ بِها وَالمُنَفِّذَ لَها وَمَنْ حَجَّ بِها عَنْ أَخِيهِ» ولست أقول لا تحل الأجرة أو يحرم ذلك بعد أن أسقط فرض الإسلام عن نفسه، ولكن الأولى أن لا يفعل ولا يتخذ ذلك مكسبه ومتجره، فإنّ الله عز وجل يعطي الدنيا بالدين ولا يعطي الدين بالدنيا.

وفي الخبر: «مثل الذي يغزو في سبـيل الله عز وجل ويأخذ أجراً مثل أم موسى عليه السلام ترضع ولدها وتأخذ أجرها» فمن كان مثاله في أخذ الأجرة على الحج مثال أم موسى فلا بأس بأخذه فإنه يأخذ ليتمكن من الحج والزيارة فيه، وليس يحج ليأخذ الأجرة بل يأخذ الأجرة ليحج كما كانت تأخذ أم موسى ليتيسر لها الإرضاع بتلبـيس حالها عليهم." اهـ.


"الثاني: أن لا يعاون أعداء الله سبحانه بتسليم المكس وهم الصادون عن المسجد الحرام من أمراء مكة والأعراب المترصدين في الطريق. فإن تسليم المال إليهم إعانة على الظلم وتيسير لأسبابه عليهم فهو كالإعانة بالنفس؛ فليتلطف في حيلة الخلاص فإن لم يقدر فقد قال بعض العلماء ــــ ولا بأس بما قاله ــــ إنّ ترك التنفل بالحج والرجوع عن الطريق أفضل من إعانة الظلمة، فإن هذه بدعة أحدثت وفي الانقياد لها ما يجعلها سنَّة مطردة وفيه ذل وصغار على المسلمين ببذل جزية. ولا معنى لقول القائل إن ذلك يؤخذ مني وأنا مضطر فإنه لو قعد في البـيت أو رجع من الطريق لم يؤخذ منه شيء، بل ربما يظهر أسباب الترفه فتكثر مطالبته فلو كان في زي الفقراء لم يطالب فهو الذي ساق نفسه إلى حالة الاضطرار." اهـ.

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:42 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
"الثالث: التوسع في الزاد وطيب النفس بالبذل والإنفاق من غير تقتير ولا إسراف. بل على الاقتصاد، وأعني بالإسراف التنعم بأطيب الأطعمة والترفه بشرب أنواعها على عادة المترفين. فأما كثرة البذل فلا سرف فيه. إذ لا خير في السرف ولا سرف في الخير، كما قيل: وبذل الزاد في طريق الحج نفقته في سبـيل الله عز وجل والدرهم بسبعمائة درهم. قال ابن عمر رضي الله عنهما: من كرم الرجل طيب زاده في سفره. وكان يقول: أفضل الحاج أخلصهم نية وأزكاهم نفقة وأحسنهم يقيناً. وقال : «الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةَ» فقيل له: يا رسول الله ما بر الحج؟ فقال: «طِيبُ الكَلامِ وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ» ." اهـ.



"الرابع: ترك الرفث والفسوق والجدال كما نطق به القرآن.

والرفث اسم جامع لكل لغو وخنى وفحش من الكلام ويدخل فيه مغازلة النساء ومداعبتهن والتحدّث بشأن الجماع ومقدّماته، فإن ذلك يهيج داعية الجماع المحظور والداعي إلى المحظور محظور.

والفسق اسم جامع لكل خروج عن طاعة الله عز وجل. والجدال هو المبالغة في الخصومة والمماراة بما يورث الضغائن ويفرق في الحال الهمة ويناقض حسن الخلق. وقد قال سفيان: من رفث فسد حجه. وقد جعل رسول الله طيب الكلام مع إطعام الطعام من بر الحج.

والمماراة تناقض طيب الكلام، فلا ينبغي أن يكون كثير الاعتراض على رفيقه وجماله وعلى غيره من أصحابه، بل يلين جانبه ويخفض جناحه للسائرين إلى بـيت الله عز وجل ويلزم حسن الخلق وليس حسن الخلق كف الأذى بل احتمال الأذى. وقيل: سمي السفر سفراً لأنه يسفر عن أخلاق الرجال. ولذلك قال عمر رضي الله عنه لمن زعم أنه يعرف رجلاً: هل صحبته في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا، فقال: ما أراك تعرفه." اهـ.




"الخامس: أن يحج ماشياً إن قدر عليه فذلك الأفضل. أوصى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بنيه عند موته فقال: يا بني حجوا مشاة فإن للحاج الماشي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم، قيل: وما حسنات الحرم؟ قال: الحسنة بمائة ألف والاستحباب في المشي في المناسك والتردد من مكة إلى الموقف وإلى منى آكد منه في الطريق. وإن أضاف إلى المشي الإحرام من دويرة أهله فقد قيل إن ذلك من إتمام الحج قال عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم في معنى قوله عز وجل: {وأتِمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ للَّهِ} وقال بعض العلماء: الركوب أفضل لما فيه من الإنفاق والمؤونة ولأنه أبعد عن ضجر النفس وأقلّ لأذاه وأقرب إلى سلامته وتمام حجه .

وهذا عند التحقيق ليس مخالفاً للأول بل ينبغي أن يفصل. ويقال: من سهل عليه المشي فهو أفضل فإن كان يضعف ويؤدي به ذلك إلى سوء الخلق وقصور عن عمل فالركوب له أفضل، كما أن الصوم للمسافر أفضل وللمريض ما لم يفض إلى ضعف وسوء خلق. وسئل بعض العلماء عن العمرة: أيمشي فيها أو يكتري حماراً بدرهم؟ فقال: إن كان وزن الدرهم أشد عليه فالكراء أفضل من المشي، وإن كان المشي أشدّ عليه كالأغنياء فالمشي له أفضل؛ فكأنه ذهب فيه إلى طريق مجاهدة النفس وله وجه. ولكن الأفضل له أن يمشي ويصرف ذلك الدرهم إلى خير فهو أولى من صرفه إلى المكاري عوضاً عن ابتذال الدابة. فإذا كانت لا تتسع نفسه للجمع بـين مشقة النفس ونقصان المال فما ذكره غير بعيد فيه." اهـ.


".السادس: أن لا يركب إلا زاملة أما المحمل فليجتنبه إلا إذا كان يخاف من الزاملة أن لا يستمسك عليها لعذر وفيه معنيان أحدهما: التخفيف على البعير فإن المحمل يؤذيه. والثاني: اجتناب زي المترفين والمتكبرين.

«حج رسول الله http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif على راحلة وكان تحته رحل رث وقطيفة خلقة قيمتها أربعة دراهم وطاف على الراحلة لينظر الناس إلى هديه وشمائله» ، وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، وقيل إنّ هذه المحامل أحدثها الحجاج وكان العلماء في وقته ينكرونها.

فروى سفيان الثوري عن أبـيه أنه قال: برزت من الكوفة إلى القادسية للحج ووافيت الرفاق من البلدان فرأيت الحاج كلهم على زوامل وجوالقات ورواحل ومارأيت في جميعهم إلا محملين. وكان ابن عمر إذا نظر إلى ما أحدث الحجاج من الزي والمحامل يقول: الحاج قليل والركب كثير ثم نظر إلى رجل مسكين رث الهيئة تحته جوالق فقال: هذا نعم من الحجاج. " اهـ.

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:43 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
"السابع: أن يكون رث الهيئة أشعث أغبر غير مستكثر من الزينة ولا مائل إلى أسباب التفاخر والتكاثر، فيكتب في ديوانه المتكبرين المترفهين ويخرج عن حزب الضعفاء والمساكين وخصوص الصالحين، فقد أمر بالشعث والاختفاء ، ونهى عن التنعم والرفاهية في حديث فضالة بن عبـيد وفي الحديث: «إنما الحاج الشعث التفث ، ويقول الله تعالى: انظروا إلى زوار بـيتي قد جاؤوني شعثاً غبراً من كل فج عميق» وقال تعالى: {ثُمَّ ليَقْضُوا تَفَثَهُمْ} والتفث الشعث والاغبرار، وقضاؤه بالحلق وقص الشارب والأظفار،

وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد: اخلولقوا واخشوشنوا. أي البسوا الخلقان واستعملوا الخشونة في الأشياء. وقد قيل: زين الحجيج أهل اليمن لأنهم على هيئة التواضع والضعف وسيرة السلف، فينبغي أن يجتنب الحمرة في زيه على الخصوص والشهرة كيفما كانت على العموم. فقد روي: «أنه كان في سفر فنزل أصحابه منزلاً فسرحت الإبل فنظر إلى أكسية حمر على الأقتاب فقال : أَرَى هذِهِ الْحُمْرَةُ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْكُمْ ، قالوا فقمنا إليها ونزعناها عن ظهورها حتى شرد بعض الإبل». " اهـ.



"الثامن: أن يرفق بالدابة فلا يحملها ما لا تطيق والمحمل خارج عن حدّ طاقتها والنوم عليها يؤذيها ويثقل عليها. كان أهل الورع لا ينامون على الدواب إلا غفوة عن قعود وكانوا لا يقفون عليها الوقوف الطويل، قال : «لا تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ كَرَاسِيَّ» ويستحب أن ينزل عن دابته غدوة وعشية يروّحها بذلك فهو سنة ، وفيه آثار عن السلف.

وكان بعض السلف يكتري بشرط أن لا ينزل ويوفي الأجرة ثم كان ينزل عنها ليكون يذلك محسناً إلى الدابة، فيكون في حسناته ويوضع في ميزانه لا في ميزان المكاري. وكل من آذى بهيمة وحملها ما لا تطيق طولب به يوم القيامة. قال أبو الدرداء لبعير له عند الموت: يا أيها البعير لا تخاصمني إلى ربك فإني لم أكن أحملك فوق طاقتك. وعلى الجملة في كل كبد حرّاء أجر فليراع حق الدابة وحق المكاري جميعاً. وفي نزوله ساعة ترويح الدابة وسرور قلب المكاري. قال رجل لابن المبارك: احمل لي هذا الكتاب معك لتوصله فقال: حتى أستأمر الجمال فإني قد اكتريت. فانظر يكف تورع من استصحاب كتاب لا وزن له؟ وهو طريق الحزم في الورع فإنه إذا فتح باب القليل انجرّ إلى الكثير يسيراً يسيراً." اهـ.



"التاسع: أن يتقرب بإراقة دم وإن لم يكن واجباً عليه ويجتهد أن يكون من سمين النعم ونفيسه، وليأكل منه إن كان تطوعاً ولا يأكل منه إن كان واجباً. قيل في تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} إنه تحسينه وتسمينه. وسوق الهدي من الميقات أفضل إن كان لا يجهده ولا يكده. وليترك المكاس في شرائه فقد كانوا يغالون في ثلاث ويكرهون المكاس فيهنّ: الهدي والأضحية والرقبة، فإن أفضل ذلك أغلاه ثمناً وأنفسه عند أهله، وروى ابن عمر: أنّ عمر رضي الله عنهما أهدي بختية فطلبت منه بثلاثمائة دينار فسأل رسول الله http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif أن يبـيعها ويشتري بثمنها بدناً فنهاه عن ذلك وقال: «بل أَهْدِهَا» . وذلك لأن القليل الجيد خير من الكثير الدون. وفي ثلاثمائة دينار قيمة ثلاثين بدنة وفيها تكثير اللحم، ولكن ليس المقصود اللحم إنما المقصود تزكية النفس وتطهيرها عن صفة البخل وتزيـينها بجمال التعظيم لله عز وجل فـ {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحومُها وَلاَ دِمَاؤها وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوى مِنْكُم} وذلك يحصل بمراعاة النفاسة في القيمة كثر العدد أو قلَّ. وسئل رسول الله http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif : ما برّ الحج؟ فقال: «العَجُّ والثَّجُّ» . والعج هو رفع الصوت بالتلبـية، والثج هو نحر البدن.

وروت عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif قال: «ما عَمِلَ آدَمِيٌّ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ إِهْرَاقِهِ دَماً وَإِنَّها لَتَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلافِهَا وَإِنَّ الدَّمَ يَقَعُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِالأَرْضِ فَطِيبُوا بِها نَفْساً» . وفي الخبر: «لَكُمْ بِكُلِّ صُوفَةٍ مِنْ جِلْدِهَا حَسَنَةٌ وَكُلِّ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا حَسَنَةٌ وَإِنَّهَا لَتُوضَعُ فِي المِيزَانِ فَأَبْشِرُوا» . وقال : «اسْتَنْجِدُوا هَدَايَاكُمْ فَإِنَّها مَطَايَاكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ» ." اهـ.




"العاشر: أن يكون طيب النفس بما أنفقه من نفقة وهدي وبما أصابه من خسران ومصيبة في مال أو بدن إن أصابه ذلك، فإن ذلك من دلائل قبول حجه. فإن المصيبة في طريق الحج تعدل النفقة في سبـيل الله عز وجل الدرهم بسبعمائة درهم بمثابة الشدائد في طريق الجهاد فله بكل أذى احتمله وخسران أصابه ثواب فلا يضيع منه شيء عند الله عز وجل. ويقال، إن من علامة قبول الحج أيضاً ترك ما كان عليه من المعاصي وأن يتبدل بإخوانه البطالين إخواناً صالحين، وبمجالس اللهو والغفلة مجالس الذكر واليقظة." اهـ.

بـيان الأعمال الباطنة ووجه الإخلاص في النية وطريق الاعتبار بالمشاهد الشريفة وكيفية الافتكار فيها والتذكر لأسرارها ومعانيها من أول الحج إلى آخره:

"اعلم أن أول الحج الفهم ــــ أعني فهم موقع الحج في الدين ــــ ثم الشوق إليه، ثم العزم عليه، ثم قطع العلائق المانعة منه، ثم شراء ثوب الإحرام، ثم شراء الزاد، ثم اكتراء الراحلة، ثم الخروج، ثم المسير في البادية، ثم الإحرام من الميقات بالتلبـية، ثم دخول مكة، ثم استتمام الأفعال كما سبق. وفي كل واحد من هذه الأمور تذكرة للمتذكر وعبرة للمعتبر وتنبـيه للمريد الصادق وتعريف وإشارة للفطن. فلنرمز إلى مفاتحها حتى إذا انفتح بابها وعرفت أسبابها انكشف لكل حاج من أسرارها ما يقتضيه صفاء قلبه وطهارة باطنه وغزارة فهمه." اهـ.

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:44 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
".أما الفهم: اعلم أنه لا وصول إلى الله سبحانه وتعالى إلا بالتنزه عن الشهوات والكف عن اللذات والاقتصار على الضرورات فيها والتجرّد لله سبحانه في جميع الحركات والسكنات. ولأجل هذا انفرد الرهبانيون في الملل السالفة عن الخلق وانحازوا إلى قلل الجبال وآثروا التوحش عن الخلق لطلب الأنس بالله عز وجل، فتركوا لله عز وجل اللذات الحاضرة وألزموا أنفسهم المجاهدات الشاقة طمعاً في الآخرة وأثنى الله عز وجل عليهم في كتابه فقال: {ذلِكَ بأنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسينَ وَرُهْباناً وأنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} فلما اندرس ذلك وأقبل الخلق على اتباع الشهوات وهجروا التجرد لعبادة الله عز وجل وفتروا عنه بعث الله عز وجل نبـيه محمد http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif لإحياء طريق الآخرة وتجديد سنَّة المرسلين في سلوكها. فسأله أهل الملل عن الرهبانية والسّياحة في دينه فقال : «أَبْدَلَنا اللَّهُ بِها الجِهَادَ وَالتَّكْبِـيرَ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ» يعني الحج.

وسئل عن السائحين فقال: «هُمُ الصَّائِمُونَ» . فأنعم الله عز وجل على هذه الأمة بأن جعل الحج رهبانية لهم فشرف البـيت العتيق بالإضافة إلى نفسه تعالى. ونصبه مقصداً لعباده وجعل ما حواليه حرماً لبـيته تفخيماً لأمره. وجعل عرفات كالميزاب على فناء حوضه، وأكد حرمه الموضع بتحريم صيده وشجره. ووضعه على مثال حضرة الملوك يقصده الزوّار من كل فج عميق ومن كل أوب سحيق شعثاً غبراً متواضعين لرب البـيت ومستكينين له خضوعاً خضوعاً لجلاله واستكانة لعزته مع الاعتراف بتنزيهه عن أن يحويه بـيت أو يكتنفه بلد ليكون ذلك أبلغ في رقهم وعبوديتهم وأتم في إذعانهم وانقيادهم. ولذلك وظف عليهم فيها أعمالاً لا تأنس بها النفوس ولا تهتدي إلى معانيها العقول كرمي الجمار بالأحجار، والتردد بـين الصفا والمروة على سبـيل التكرار." اهـ.



"وبمثل هذه الأعمال يظهر كمال الرق والعبودية. فإن الزكاة إرفاق ووجهه مفهوم وللعقل إليه ميل. والصوم كسر للشّهوة التي هي آلة عدوّ الله وتفرغ للعبادة بالكف عن الشواغل. والركوع والسجود في الصلاة تواضع لله عز وجل بأفعال هي هيئة التواضع وللنفوس أنس بتعظيم الله عزّ وجلّ. فأما ترددات السعي ورمي الجمار وأمثال هذه الأعمال فلا حظ للنفوس ولا أنس فيها ولا اهتداء للعقل إلى معانيها فلا يكون في الإقدام عليها باعث إلا الأمر المجرد وقصد الامتثال للأمر من حيث إنه أمر واجب الاتباع فقط. وفيه عزل للعقل عن تصرفه وصرف النفس والطبع عن محل أنسه فإن كل ما أدرك العقل معناه؛ مال الطبع إليه ميلاً ما فيكون ذلك الميل معيناً للأمر وباعثاً معه على الفعل فلا يكاد يظهر به كمال الرق والانقياد.

ولذلك قال في الحج على الخصوص: «لَبَّـيْكَ بِحَجَّةٍ حَقّاً تَعُبُّداً وَرِقّاً» ولم يقل ذلك في صلاة ولا غيرها. وإذا اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى ربط نجاة الخلق بأن تكون أعمالهم على خلاف هوى طباعهم، وأن يكون زمامها بـيد الشرع فيترددون في أعمالهم على سنن الانقياد وعلى مقتضى الاستعباد. وكان ما لا يهتدى إلى معانيه أبلغ أنواع التعبدات في تزكية النفوس وصرفها عن مقتضى الطباع والأخلاق إلى مقتضى الاسترقاق. وإذا تفطنت لهذا فهمت أن تعجب النفوس من هذه الأفعال العجيبة مصدره الذهول عن أسرار التعبدات. وهذا القدر كافٍ في تفهم أصل الحج إن شاء الله تعالى." اهـ.



"وأما الشوق: فإنما ينبعث بعد الفهم والتحقق بأنّ البـيت بـيت الله عز وجل وأنه وضع على مثال حضرة الملوك، فقاصده قاصد إلى الله عز وجل وزائر له وأن من قصد البـيت في الدنيا جدير بأن لا يضيع زيارته فيرزق مقصود الزيارة في ميعاده المضروب له وهو النظر إلى وجه الله الكريم في دار القرار، من حيث إن العين القاصرة الفانية في دار الدنيا لا تتهيأ لقبول النظر إلى وجه الله عز وجل ولا تطيق احتماله ولا تستعد للاكتحال به لقصورها، وأنها إن أمدّت في الدار الآخرة بالبقاء ونزهت عن أسباب التغير والفناء استعدت للنظر والإبصار، ولكنها بقصد البـيت والنظر إليه تستحق لقاء رب البـيت بحكم الوعد الكريم. فالشوق إلى لقاء الله عز وجل يشوقه إلى أسباب اللقاء لا محالة، هذا مع أن المحب مشتاق إلى كل ماله إلى محبوبه إضافة والبـيت مضاف إلى الله عز وجل فبالحري أن يشتاق إليه لمجرد هذه الإضافة فضلاً عن الطلب لنيل ما وعد عليه من الثواب الجزيل." اهـ.



"وأما العزم: فليعلم أنه بعزمه قاصد إلى مفارقة الأهل والوطن ومهاجرة الشهوات واللذات متوجهاً إلى زيارة بـيت الله عز وجل. وليعظم في نفسه قدر البـيت وقدر رب البـيت، وليعلم أنه عزم على أمر رفيع شأنه خطير أمره وأن من طلب عظيماً خاطر بعظيم. وليجعل عزمه خالصاً لوجه الله سبحانه بعيداً عن شوائب الرياء والسمعة، وليتحقق أنه لا يقبل من قصده وعمله إلا الخالص، وإنّ من أفحش الفواحش أن يقصد بـيت الله وحرمه والمقصود غيره فليصحح مع نفسه العزم وتصحيحه بإخلاصه وإخلاصه باجتناب كل ما فيه رياء وسمعة، فليحذر أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير." اهـ.



"وأما قطع العلائق: فمعناه رد المظالم والتوبة الخالصة لله تعالى عن جملة المعاصي، فكل مظلمة علاقة وكل علاقة مثل غريم حاضر متعلق بتلابـيبه ينادي عليه ويقول؛ إلى أين تتوجه أتقصد بـيت ملك الملوك وأنت مضيع أمره في منزلك هذا ومستهين به ومهمل له؟

أو لا تستحي أن تقدم عليه قدوم العبد العاصي فيردك ولا يقبلك؟ فإن كنت راغباً في قبول زيارتك فنفذ أوامره ورد المظالم وتب إليه أولاً من جميع المعاصي، واقطع علاقة قلبك عن الالتفات إلى ما وراءك لتكون متوجهاً إليه بوجه قلبك كما أنك متوجه إلى بـيته بوجه ظاهرك. فإن لم تفعل ذلك لم يكن لك من سفرك أولاً إلا النصب والشقاء، وآخراً إلا الطرد والرد. وليقطع العلائق عن وطنه قطع من انقطع عنه وقدّر أن لا يعود إليه وليكتب وصيته لأولاده وأهله، فإن المسافر وماله لعلى خطر إلا من وقى الله سبحانه. وليتذكر عند قطعه العلائق لسفر الحج قطع العلائق لسفر الآخرة، فإنّ ذلك بـين يديه على القرب وما يتقدمه من هذا السفر طمع في تيسير ذلك السفر فهو المستقر وإليه المصير. فلا ينبغي أن يغفل عن ذلك السفر عن الاستعداد بهذا السفر." اهـ.

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:45 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
"وأما الزاد: فليطلبه من موضع حلال، وإذا أحس من نفسه الحرص على استكثاره وطلب ما يبقى منه على طول السفر ولا يتغير ولا يفسد قبل بلوغ المقصد، فليتذكر أنّ سفر الآخرة أطول من هذا السفر، وأنّ زاده التقوى وأن ما عداه مما يظن أنه زاده يتخلف عنه عند الموت ويخونه فلا يبقى معه، كالطعام الرطب الذي يفسد في أوّل منازل السفر فيبقى وقت الحاجة متحيراً محتاجاً لا حيلة له، فليحذر أن تكون أعماله التي هي زاده إلى الآخرة لا تصحبه بعد الموت، بل يفسدها شوائب الرياء وكدورات التقصير." اهـ.

"وأما الراحلة: إذا أحضرها فليشكر الله بقلبه على تسخير الله عز وجل له الدواب لتحمل عنه الأذى وتخفف عنه المشقة. وليتذكر عنده المركب الذي يركبه إلى دار الآخرة وهي الجنازة التي يحمل عليها. فإنّ أمر الحج من وجه يوازي أمر السفر إلى الآخرة ولينظر أيصلح سفره على هذا المركب لأن يكون زاداً له لذلك السفر على ذلك المركب؟ فما أقرب ذلك منه. وما يدريه لعل الموت قريب ويكون ركوبه للجنازة قبل ركوبه للجمل. وركوب الجنازة مقطوع به وتيسر أسباب السفر مشكوك فيه، فكيف يحتاط في أسباب السفر المشكوك فيه ويستظهر في زاده وراحلته ويهمل أمر السفر المستيقن؟." اهـ.

"وأما شراء ثوبـي الإحرام: فليتذكر عنده الكفن ولفه فيه، فإنه سيرتدي ويتزر بثوبـي الإحرام عند القرب من بـيت الله عز وجل وربما لا يتم سفره إليه. وأنه سيلقى الله عز وجل ملفوفاً في ثياب الكفن لا محالة. فكما لا يلقى بـيت الله عز وجل إلا مخالفاً عادته في الزي والهيئة فلا يلقى الله عز وجل بعد الموت إلا في زي مخالف لزي الدنيا. وهذا الثوب قريب من ذلك الثوب إذ ليس فيه مخيط كما في الكفن." اهـ.


"وأما الخروج من البلد: فليعلم عنده أنه فارق الأهل والوطن متوجهاً إلى الله عز وجل في سفر لا يضاهي أسفار الدنيا. فليحضر في قلبه أنه ماذا يريد وأين يتوجه وزيارة من يقصد؟ وأنه متوجه إلى ملك الملوك في زمرة الزائرين له الذين نودوا فأجابوا وشوّقوا فاشتاقوا واستنهضوا فنهضوا وقطعوا العلائق وفارقوا الخلائق وأقبلوا على بـيت الله عز وجل الذي فخم أمره وعظم شأنه ورفع قدره تسلياً بلقاء البـيت عن لقاء رب البـيت إلى أن يرزقوا منتهى مناهم ويسعدوا بالنظر إلى مولاهم.

وليحضر في قلبه رجاء الوصول والقبول لا إدلالاً بأعماله في الارتحال ومفارقة الأهل والمال، ولكن ثقة بفضل الله عز وجل ورجاء لتحقيقه وعده لمن زار بـيته. وليرج أنه إن لم يصل إليه وأدركته المنية في الطريق لقي الله عز وجل وافداً إليه إذ قال جل جلاله: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بـيْتِهِ مُهَاجِراً إلى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثمَّ يُدْرِكْهُ الموْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ." اهـ.




" وأما دخول البادية إلى الميقات ومشاهدة تلك العقبات: فليتذكر فيها ما بـين الخروج من الدنيا بالموت إلى ميقات يوم القيامة وما بـينهما من الأهوال والمطالبات. وليتذكر من هول قطاع الطريق هول سؤال منكر ونكير، ومن سباع البوادي عقارب القبر وديدانه وما فيه من الأفاعي والحيات، ومن انفراده من أهله وأقاربه وحشة القبر وكربته ووحدته. وليكن في هذه المخاوف في أعماله وأقواله متزوّداً لمخاوف القبر." اهـ.

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:46 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
"وأما الإحرام والتلبـية من الميقات: فليعلم أن معناه إجابة نداء الله عز وجل. فارج أن يكون مقبولاً واخش أن يقال لك لا لبـيك ولا سعديك، فكن بـين الرجاء والخوف متردداً وعن حولك وقوّتك متبرئاً وعلى فضل الله عز وجل وكرمه متكلاً. فإن وقت التلبـية هو بداية الأمر وهي محل الخطر. قال سفيان بن عيـينة: حج علي بن الحسين رضي الله عنهما فلما أحرم واستوت به راحلته اصفرّ لونه وانتفض ووقعت عليه الرعدة ولم يستطع أن يلبـي فقيل له: لم لا تلبـي؟ فقال: أخشى أن يقال لي لا لبـيك ولا سعديك. فلما لبـي غشي عليه ووقع عن راحلته فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه.

وقال أحمد بن أبـي الحواري: كنت مع أبـي سليمان الداراني رضي الله عنه حين أراد الإحرام فلم يلبِّ حتى سرنا ميلاً فأخذته الغشية ثم أفاق وقال: يا أحمد إن الله سبحانه أوحى إلى موسى عليه السلام مُرْ ظلمة بني إسرائيل أن يقلوا من ذكري فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة. ويحك يا أحمد بلغني أن من حج من غير حله ثم لبى قال الله عز وجل لا لبـيك ولا سعديك حتى ترد ما في يديك فما نأمن أن يقال لنا ذلك. وليتذكر الملبـي عند رفع الصوت بالتلبـية في الميقات إجابته لنداء الله عز وجل إذ قال: {وَأَذِّنْ في النَّاسِ بالحَجِّ} ونداء الخلق بنفخ الصور وحشرهم من القبور وازدحامهم في عرصات القيامة مجيبـين لنداء الله سبحانه؛ ومنقسمين إلى مقرّبـين وممقوتين. ومقبولين ومردودين. ومترددين في أوّل الأمر بـين الخوف والرجاء تردد الحاج في الميقات حيث لا يدرون أيتيسر لهم إتمام الحج وقبوله أم لا؟." اهـ.


".وأما دخول مكة: فليتذكر عندها أنه قد انتهى إلى حرم الله تعالى آمناً وليرج عنده أن يأمن بدخوله من عقاب الله عز وجل وليخش أن لا يكون أهلاً للقرب فيكون بدخوله الحرم خائباً ومستحقاً للمقت. وليكن رجاؤه في جميع الأوقات غالباً فالكرم عميم، والرب رحيم، وشرف البـيت عظيم، وحق الزائر مرعي، وذمام المستجير اللائذ غير مضيع." اهـ.



"وأما وقوع البصر على البـيت: فينبغي أن يحضر عنده عظمة البـيت في القلب ويقدّر كأنه مشاهد لرب البـيت لشدّة تعظيمه إياه. وارج أن يرزقك الله تعالى النظر إلى وجهه الكريم كما رزقك الله النظر إلى بـيته العظيم. واشكر الله تعالى على تبليغه إياك هذه الرتبة وإلحاقه إياك بزمرة الوافدين عليه. واذكر عند ذلك انصباب الناس في القيامة إلى جهة الجنة آملين لدخولها كافة، ثم انقسامهم إلى مأذونين في الدخول ومصروفين انقسام الحاج إلى مقبولين ومردودين. ولا تغفل عن تذكر أمور الآخرة في شيء مما تراه فإن كل أحوال الحاج دليل على أحوال الآخرة." اهـ.



"وأما الطواف بالبـيت: فاعلم أنه صلاة فأحضر في قلبك فيه من التعظيم والخوف والرجاء والمحبة ما فصلناه في كتاب الصلاة. واعلم أنك بالطواف متشبه بالملائكة المقرّبـين الحافين حول العرش الطائفين حوله. ولا تظنن أن المقصود طواف جسمك بالبـيت بل المقصود طواف قلبك بذكر رب البـيت حتى لا تبتدىء الذكر إلا منه ولا تختم إلا به كما تبتدىء الطواف من البـيت وتختم بالبـيت.

واعلم أن الطواف الشريف هو طواف القلب بحضرة الربوبـية. وأن البـيت مثال ظاهر في عالم الملك لتلك الحضرة التي لا تشاهد بالبصر وهي عالم الملكوت، كما أن البدن مثال ظاهر في عالم الشهادة للقلب الذي لا يشاهد بالبصر وهو في عالم الغيب. وأن عالم الملك والشهادة مدركة إلى عالم الغيب والملكوت لمن فتح الله له الباب وإلى هذه الموازنة وقعت الإشارة بأن البـيت المعمور في السموات بإزاء الكعبة. فإن طواف الملائكة به كطواف الإنس بهذا البـيت. ولما قصرت رتبة أكثر الخلق عن مثل ذلك الطواف أمروا بالتشبه بهم بحسب الإمكان ووعدوا بأن من تشبه بقوم فهو منهم ، والذي يقدر على مثل ذلك الطواف هو الذي يقال إن الكعبة تزوره وتطوف به على ما رآه بعض المكاشفين لبعض أولياء الله سبحانه وتعالى.." اهـ.

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:48 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
"وأما الاستلام: فاعتقد عنده أنك مبايع لله عز وجل على طاعته فصمم عزيمتك على الوفاء ببـيعتك فمن غدر في المبايعة استحق المقت. وقد روى ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salla.gif أنه قال: «الحَجَرُ الأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الأَرْضِ يُصَافِحُ بِهَا خَلْقَهُ كَمَا يُصَافِحُ الرَّجُلُ أَخَاهُ» .اهـ.



"وأما التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالملتزم: فلتكن نيتك في الالتزام طلب القرب حباً وشوقاً للبـيت ولرب البـيت وتبركاً بالمماسة ورجاء للتحصن عن النار في كل جزء من بدنك لا في البـيت. ولتكن نيتك في التعلق بالستر الإلحاح في طلب المغفرة وسؤال الأمان كالمذنب المتعلق بثياب من أذنب إليه المتضرع إليه في عفوه عنه المظهر له أنه لا ملجأ له منه إلا إليه ولا مفزع له إلا كرمه وعفوه، وأنه لا يفارق ذيله إلا بالعفو وبذل الأمن في المستقبل..اهـ.



".وأما السعي بـين الصفا والمروة في فناء البـيت: فإنه يضاهي تردد العبد بفناء دار الملك جائياً وذاهباً مرة بعد أخرى إظهاراً للخلوص في الخدمة ورجاء للملاحظة بعين الرحمة، كالذي دخل على الملك وخرج وهو لا يدري ما الذي يقضي به الملك في حقه من قبول أو رد؟ فلا يزال يتردد على فناء الدار مرة بعد أخرى يرجو أن يرحم في الثانية إن لم يرحم في الأولى. وليتذكر عند تردده بـين الصفا والمروة تردده بـين كفتي الميزان في عرصات القيامة وليمثل الصفا بكفة الحسنات والمروة بكفة السيئات. وليتذكر تردده بـين الكفتين ناظراً إلى الرجحان والنقصان متردداً بـين العذاب والغفران.اهـ.


"وأما الوقوف بعرفة: فاذكر ــــ بما ترى من ازدحام الخلق وارتفاع الأصوات واختلاف اللغات واتباع الفرق أئمتهم في الترددات على المشاعر اقتفاء لهم وسيراً بسيرهم ــــ عرصات القيامة واجتماع الأمم مع الأنبـياء والأئمة واقتفاء كل أمة نبـيها وطمعهم في شفاعتهم وتحيرهم في ذلك الصعيد الواحد بـين الرد والقبول. وإذا تذكرت ذلك فألزم قلبك الضراعة والابتهال إلى الله عز وجل فتحشر في زمرة الفائزين المرحومين وحقق رجاءك بالإجابة، فالموقف شريف والرحمة إنما تصل من حضرة الجلال إلى كافة الخلق بواسطة القلوب العزيزة من أوتاد الأرض.

ولا ينفك الموقف عن طبقة من الأبدال والأوتاد وطبقة من الصالحين وأرباب القلوب. فإذا اجتمعت همم وتجردت للضراعة والابتهال قلوبهم وارتفعت إلى الله سبحانه أيديهم وامتدت إلى أعناقهم وشخصت نحو السماء أبصارهم مجتمعين بهمة واحدة على طلب الرحمة فلا تظنن أنه يخيب أملهم ويضيع سعيهم ويدخر عنهم رحمة تغمرهم. ولذلك قيل: إن من أعظم الذنوب أن يحضر عرفات ويظن أن الله تعالى لم يغفر له. وكأن اجتماع الهمم والاستظهار بمجاورة الأبدال والأوتاد المجتمعين من أقطار البلاد هو سر الحج وغاية مقصوده، فلا طريق إلى استدرار رحمة الله سبحانه مثل اجتماع الهمم وتعاون القلوب في وقت واحد على صعيد واحد." اهـ.

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:49 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
"وأما رمي الجمار: فاقصد به الانقياد للأمر إظهاراً للرق والعبودية وانتهاضاً لمجرد الامتثال من غير حظ للعقل والنفس فيه. ثم اقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة أو يفتنه بمعصية فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طرداً له وقطعاً لأمله. فإن خطر لك: أن الشيطان عرض له فشاهده فلذلك رماه، وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان؟ فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه وأنه يضاهي اللعب فلم تشتغل به؟ فاطرده عن نفسك بالجدّ والتشمير في الرمي فيه برغم أنف الشيطان. واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيماً له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه.." اهـ.



"وأما ذبح الهدي: فاعلم أنه تقرب إلى الله تعالى بحكم الامتثال فأكمل الهدي وارج أن يعتق الله بكل جزء منه جزءاً منك في النار ، فهكذا ورد الوعد. فكلما كان الهدي أكبر وأجزاؤه أوفر كان فداؤك من النار أعم." اهـ.




"وأما زيارة المدينة: فإذا وقع بصرك على حيطانها فتذكر أنها البلدة التي اختارها الله عز وجل لنبـيه ، وجعل إليها هجرته وأنها داره التي شرع فيها فرائض ربه عز وجل وسننه وجاهد عدوه وأظهر بها دينه إلى أن توفاه الله عز وجل. ثم جعل تربته فيها وتربة وزيريه القائمين بالحق بعده رضي الله عنهما. ثم مثل في نفسك مواقع أقدام رسول الله عند تردداته فيها وأنه ما من موضع قدم تطؤه إلا وهو موضع أقدامه العزيزة فلا تضع قدمك عليه إلا عن سكينة ووجل. وتذكر مشيه وتخطيه في سككها وتصور خشوعه وسكينته في المشي وما استودع الله سبحانه قلبه من عظيم معرفته ورفعه ذكره مع ذكره تعالى، حتى قرنه بذكر نفسه وإحباطه عمل من هتك حرمته ولو برفع صوته فوق صوته. ثم تذكر ما من الله تعالى به على الذين أدركوا صحبته وسعدوا بمشاهدته واستماع كلامه وأعظم تأسفك على ما فاتك من صحبته وصحبة أصحابه رضي الله عنهم. ثم اذكر أنك قد فاتتك رؤيته في الدنيا وأنك من رؤيته في الآخرة على خطر. وأنك ربما لا تراه إلا بحسرة، وقد حيل بـينك وبـين قبوله إياك بسوء عملك كما قال : «يَرْفَعُ اللَّهُ إِلَيَّ أَقْوَاماً فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِـي، فَيَقُولُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي ما أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: بُعْداً وَسُحْقاً» فإن تركت حرمة شريعته ولو في دقيقة من الدقائق فلا تأمن أن يحال بـينك وبـينه بعدولك عن محجته.

وليعظم مع ذلك رجاؤك أن لا يحول الله تعالى بـينك وبـينه بعد أن رزقك الإيمان وأشخصك من وطنك لأجل زيارته من غير تجارة ولا حظ في دنيا بل لمحض حبك له وشوقك إلى أن تنظر إلى آثاره وإلى حائط قبره؛ إذ سمحت نفسك بالسفر بمجرد ذلك لما فاتتك رؤيته فما أجدرك بأن ينظر الله تعالى إليك بعين الرحمة. فإذا بلغت المسجد فاذكر أنها العرصة التي اختارها الله سبحانه لنبـيه ولأول المسلمين وأفضلهم عصابة. وأن فرائض الله سبحانه أوّل ما أقيمت في تلك العرصة. وأنها جمعت أفضل خلق الله حياً وميتاً فليعظم أملك في الله سبحانه أن يرحمك بدخولك إياه فادخله خاشعاً معظماً. وما أجدر هذا المكان بأن يستدعي الخشوع من قلب كل مؤمن كما حكي عن أبـي سليمان أنه قال: حج أويس القرني رضي الله عنه ودخل المدينة فلما وقف على باب المسجد قيل له: هذا قبر النبـي فغشي عليه. فلما أفاق قال: أخرجوني فليس يلذ لي بلد فيه محمد مدفون." اهـ.




"وأما زيارة رسول الله : فينبغي أن تقف بـين يديه كما وصفناه وتزوره ميتاً كما تزوره حياً ولا تقرب من قبره إلا كما كنت تقرب من شخصه الكريم لو كان حياً. وكما كنت ترى الحرمة في أن لا تمس شخصه ولا تقبله، بل تقف من بعد ماثلاً بـين يديه فكذلك فافعل فإن المس والتقبـيل للمشاهد عادة النصارى واليهود. واعلم أنه عالم بحضورك وقيامك وزيارتك وأنه يبلغه سلامك وصلاتك؛ فمثل صورته الكريمة في خيالك موضوعاً في اللحد بإزائك وأحضر عظيم رتبته في قلبك، فقد روي عنه : «أن الله تعالى وكل بقبره ملكاً يبلغه سلام من سلم عليه من أمته» هذا في حق من لم يحضر قبره، فكيف بمن فارق الوطن وقطع البوادي شوقاً إلى لقائه واكتفى بمشاهدة مشهده الكريم إذ فاته مشاهدة غرّته الكريمة؟ وقد قال : «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْراً» فهذا جزاؤه في الصلاة عليه بلسانه فكيف بالحضور لزيارته ببدنه؟

ثم ائت منبر الرسول وتوهم صعود النبـي المنبر ومثل في قلبك طلعته البهية كأنها على المنبر وقد أحدق به المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم وهو بحثهم على طاعة الله عز وجل بخطبته وسل الله عز وجل أن لا يفرّق في القيامة بـينك وبـينه فهذه وظيفة القلب في أعمال الحج. فإذا فرغ منها كلها فينبغي أن يلزم قلبه الحزن والهم والخوف وأنه ليس يدري أقبل منه حجه وأثبت في زمرة المحبوبـين أم رد حجه وألحق بالمطرودين؟ وليتعرف ذلك من قلبه وأعماله فإن صادف قلبه قد ازداد تجافياً عن دار الغرور وانصرافاً إلى دار الأنس بالله تعالى، ووجد أعماله قد اتزنت بميزان الشرع فليثق بالقبول، فإن الله تعالى لا يقبل إلا من أحبه؛ ومن أحبه تولاه وأظهر عليه آثار محبته وكف عنه سطوة عدوه إبليس لعنه الله. فإذا ظهر ذلك عليه دل على القبول، وإن كان الأمر بخلافه فيوشك أن يكون حظه من سفره: العناء والتعب. نعوذ بالله سبحانه وتعالى من ذلك." اهـ.

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:52 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/tamma.gif

ولنختم ما ورد في كتاب "إحياء علوم الدين" لمولانا الإمام العارف الرباني حجّة اللإسلام أبي حامد الغزالي http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/radeya1.gif ، بهذا الجزء الذي أورده في "كتاب آداب السفر" من الإحياء:


"القسم الثاني: وهو أن يسافر لأجل العبادة إما لحج أو جهاد وقد ذكرنا فضل ذلك وآدابه وأعماله الظاهرة والباطنة في كتاب أسرار الحج، ويدخل في جملته زيارة قبور الأنبـياء عليهم السلام، وزيارة قبور الصحابة والتابعين وسائر العلماء والأولياء، وكل من يتبرك بمشاهدته في حياته يتبرك بزيارته بعد وفاته. ويجوز شدّ الرحال لهذا الغرض ولا يمنع من هذا قوله عليه السلام: «لاَ تَشُدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَىٰ ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هٰذَا وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ وَالمَسْجِدِ الأَقْصَىٰ» ، لأن ذلك في المساجد، فإنها متماثلة بعد هذه المساجد، وإلا فلا فرق بـين زيارة قبور الأنبـياء والأولياء والعلماء في أصل الفضل وإن كان يتفاوت في الدرجات تفاوتاً عظيماً بحسب اختلاف درجاتهم عند الله.


وبالجملة، زيارة الأحياء أوْلى من زيارة الأموات. والفائدة من زيارة الأحياء طلب بركة الدعاء وبركة النظر إليهم فإن النظر إلى وجوه العلماء والصلحاء عبادة. وفيه أيضاً حركة للرغبة في الاقتداء بهم والتخلق بأخلاقهم وآدابهم؛ هذا سوى ما ينتظر من الفوائد العلمية المستفادة من أنفاسهم وأفعالهم كيف ومجرد زيارة الإِخوان في الله فيه فضل؟ كما ذكرناه في كتاب الصحبة. وفي التوراة: سر أربعة أميال زر أخاً في الله.


وأما البقاع، فلا معنى لزيارتها سوى المساجد الثلاثة وسوى الثغور للرباط بها، فالحديث ظاهر في أنه لا تشد الرحال لطلب بركة البقاع إلا إلى المساجد الثلاثة. وقد ذكرنا فضائل الحرمين في كتاب الحج.


وبـيت المقدس أيضاً له فضل كبـير. خرج ابن عمر [ http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/radeya3.gif ] من المدينة قاصداً بـين المقدس حتى صلى فيه الصلوات الخمس ثم كرَّ راجعاً من الغد إلى المدينة. وقد سأل سليمان عليه السلام ربه عز وجل: أن من قصد هذا المسجد لا يعنيه إلا الصلاة فيه؛ أن لا تصرف نظرك عنه ما دام مقيماً فيه حتى يخرج منه؛ وأن تخرجه من ذنوبه كيوم ولدته أمه فأعطاه الله ذلك." اهـ



http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/tamma.gif

مريم 12-02-2008 09:48 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

عبدالقادر حمود 12-02-2008 02:15 PM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
العفو وبورك مروركم العطر

الـــــفراتي 11-12-2010 06:17 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
الله يجزاك خير على الطرح القيم
والله يجعله في موازين حسناتك
رزقك الله الفردوس الأعلى
وبارك الله فيك ووفقك
دمت بحفظ الله ورعايته
تحياتي الــــــفراتي

حمامة المدينة 11-13-2010 02:42 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا على هذا الطرح القيم
موضوع مهم جدا لكل من أراد أن يتعرف على الحج وأسراره وكل مايتعلق به

عبدالقادر حمود 11-15-2010 12:07 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
http://www.alshazlia.net/vb/images/s...w%20bayakm.gif

عبدالقادر حمود 10-18-2011 07:36 AM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
نحمدك يا من جلّت صفاته عن الإحصاء اللهم صلّ على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبيّ الأميّ الطاهر الزكيّ وعلى آله وصحبه وسلم

admin 09-27-2013 02:12 PM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله بقدر كمالات سر لا اله الا الله

فراج يعقوب 09-27-2013 03:51 PM

رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي
 
جزاك الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم


الساعة الآن 03:13 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى