منتديات البوحسن - أجنحة الحشرات تحمل بصمة لونية ثابتة

عجائبها تنكشف أمام العلماء

http://www.alkhaleej.ae/uploads/gall.../28/208884.jpg

إعداد: محمد هاني عطوي

عندما ضرب الله مثلاً في القرآن الكريم بالبعوضة أراد أن يبين للناس أن هذا المخلوق الضعيف العجيب الصغير في حجمه عظيم في خلقه، فأنثى البعوض لها ثلاثة أجنحة في كل طرف من جسمها، وهي مزودة بجهاز حراري يعمل مثل نظام الأشعة تحت الحمراء ووظيفته عكس لون الجلد البشري في الظلمة إلى لون بنفسجي حتى تراه .

مازال العلماء يكتشفون عجائب جناح البعوضة، فقد اكتشفوا موخراً أن الأجنحة الشفافة لهذه الحشرة تحمل بصمة ملونة يمكنها مساعدة الباحثين في تصنيف أنواع البعوض وفهم الكيفية التي يلجأ إليها الذكر والأنثى في عملية الاستعراض التزاوجي . وكان باحثون أمريكيون وسويديون وجدوا أن أجنحة غشائيات الأجنحة التي تقع تحتها عدة فصائل مثل (النحليات والنمليات والزنبوريات والآبرات) وذوات الجناحين (الذباب والبعوض) هي في الحقيقة مركبة من مزيج من الألوان الفاقعة التي تبقى ثابتة عند نفس النوع الذي تنتمي إليه الحشرة . ولنتمكن من رؤية هذه الألوان لا بد أن يتوفر لدينا شرط مهم وهو أن تكون الخلفية التي نشاهد منها هذه الأجنحة سوداء لأن هذه الألوان لا يرتبط وجودها بوجود الصبغات فيها كما هو الحال عند الفراشة، بل يرتبط ببنية الجناح وبظاهرة تلاعب الضوء التي تمر خلالها . ويقول الباحث جويستين كجراندسن من قسم الأحياء في جامعة ليند بالسويد: “عثرت زميلتي إيكاترينا شيفستونا على هذا الاكتشاف بالصدفة بينما كانت تجري بحثاً يتعلق بالسمات المورفولوجية للزنابير الطفيلية التي تمتلك ألواناً معدنية على أجنحتها . وعندما أرادت الباحثة تصوير هذه الألوان فكرت في جعل الخلفية سوداء ومعتمة للغاية وعندئذٍ تبين لها أن ثمة ألواناً مختلفة على الأجنحة وليس كما كانت تعتقد مجرد ألوان معدنية فحسب . وعندما عرضت الباحثة عليّ الظاهرة اندهشت لهذا الاكتشاف الصدفوي ولهذه الظاهرة الفريدة” .

وفي عام 1843 كان عالم الحشرات الفرنسي كلود شارل غورو هو أول من اكتشف العناصر الزخرفية الملونة لكنه حينها لم ير فيها سوى رسم متغير الألوان تحت زوايا مختلفة جراء سقوط الضوء عليها أي كما هي الحال عندما ننظر لفقاعات الصابون وبقع الزيت .

والحقيقة أن هذا الاكتشاف كان له نتائج مهمة على صعيد تصنيف سماكة الأجنحة عند الحشرات ورسمها وتحديد ملامحها، فظهور الألوان على الأجنحة الرقيقة الشفافة للحشرات الصغيرة يدل في الواقع على ظاهرة بصرية لها علاقة بالانعكاس والانكسار الذي يحدث للأشعة الضوئية، فبعض من الأشعة المصطدمة بالجهة العليا لغشاء الأجنحة يرتد دون أن يعبر الغشاء، في حين تعبر أجزاء أخرى من الأشعة الجهة السفلى للغشاء .

ويشير الباحث جوستين إلى أن عودة هذه الأشعة الضوئية إلى المصدر يجعلها تتلاقى وتتداخل، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور ألوان خاصة لكل منها طوله الموجي .

ويضيف الباحث أن الخلفية السوداء (المعتمة) عندما تمتص حوالي 80% من الضوء العابر للغشاء (أو أوراق النباتات) فإنها تستبعد بذلك أي شعاع أو ضوء متداخل وتسمح فقط للعبة الألوان أن تظهر الجناح بطبيعته الملونة الجديدة .

وترى الباحثة إيكاترينا أن ما يحدث للضوء مع أغشية أجنحة الحشرات هو النقيض تماماً لما يحدث مع فقاعات الصابون التي تعد ذات بنية متغيرة، فالموتيفات الملونة تكون في حالة أجنحة الحشرات ثابتة . ويعتقد الباحثون بشكل عام أن ثبات الألوان هو الذي أظهر فائدتها، فالألوان تعتمد مباشرة على تغير سمك الجناح في نقاط مختلفة . ويشير هؤلاء إلى أن الجناح يعكس الألوان إذا كان سمكه يتراوح بين 50 نانومتراً (لون أبيض) و1500 نانومتر (لون رمادي باهت) .

أما ما بين هذين الرقمين فثمة سلسلة لونية متعددة وسمك الجناح هو الذي يحدد اللون الذي يعكسه، ولذا فإن الباحثين يمكنهم تحديد موروفولوجية الجناح انطلاقاً من مجموعة الألوان التي تظهر أمام أعينهم منعكسة من أجنحة الحشرات المختلفة .

وربما يتساءل أحد عن اللون الأحمر الصافي في خضم هذه التوليفة اللونية كلها التي يهيمن فيها تقريباً اللون البنفسجي بكل تدرجاته .

في هذا الصدد، يقول الباحثون إن ألوان أجنحة الحشرات تتناسب تماماً مع طريقتها في الرؤية حيث إن الحشرات الصغيرة لا ترى اللون الأحمر . وهذه السمة الخاصة لعبت دوراً في حاسة البصر عندها وكذلك بلون الأجنحة وهذا ما جعل هذه الحشرات قادرة على رؤية الألوان التي تحملها ذريتها .

ويعتقد الباحثون أن أغشية الأجنحة عند الحشرات تعكس الأشعة الضوئية ضمن الأطوال الموجية الواقعة ضمن فئة الأشعة فوق البنفسجية والتي لا تراها العين البشرية لكنها مرئية للحشرات ذاتها!

وفي ما يتعلق بدور هذه الألوان اللامرئية بالنسبة للإنسان، وجد الباحثون أيضاً أنها مهمة على صعيد التزاوج بين حشرات النوع الواحد .

وكان باحثون في علم الأحياء اكتشفوا أن الموتيفات اللونية لها ملامح مشتركة ضمن نفس النوع من الحشرات المنتمية لطائفة غشائيات الأجنحة أو ذوات الأجنحة الزوجية مع وجود بعض الاستثناءات .

ويقول الباحث جوستين: “سنعمل على استعمال هذه الموتيفات اللونية كأداة لتصنيف الأجنحة وسماكتها عند الحشرات الأمر الذي سيمكننا من وضع معايير جديدة ذات فائدة كبيرة في عملية التصنيف” .