منتديات البوحسن - في رحاب آية ... علامات يوم القيامة

في رحاب آية ... علامات يوم القيامة
يقول الحق سبحانه وتعالى في افتتاح سورة النازعات: “وَالنازِعَاتِ غَرْقاً. وَالناشِطَاتِ نَشْطاً. وَالسابِحَاتِ سَبْحاً. فَالسابِقَاتِ سَبْقاً. فَالْمُدَبرَاتِ أَمْراً. يَوْمَ تَرْجُفُ الراجِفَةُ. تَتْبَعُهَا الرادِفَةُ. قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ. أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ. يَقُولُونَ أَئِنا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ. أَئِذَا كُنا عِظَاماً نخِرَةً. قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرةٌ خَاسِرَةٌ. فَإِنمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ. فَإِذَا هُم بِالساهِرَةِ” (الآيات: 114).

من أهم مقاصد سورة الذاريات إقامة الأدلة على وحدانية الله عز وجل، وعلى أن البعث حق، وذكر جانب كبير من علاماته وأهواله، والرد على الجاحدين الذين أنكروا وقوعه.

والنازعات، والناشطات، والسابحات، والسابقات، والمدبرات، صفات لموصوفات محذوفة اختلف المفسرون بالمراد بها، وأشهر هذه الأقوال أن المراد بهذه الموصوفات طوائف من الملائكة كلفهم الله تعالى بالقيام بأعمال عظيمة وأفعال جسيمة.

النفخ في الصور

ثم شرع الحق سبحانه في بيان علامات القيامة وأهوالها فقال: “يَوْمَ تَرْجُفُ الراجِفَةُ. تَتْبَعُهَا الرادِفَةُ..” والراجفة من الرجف وهو الاضطراب الشديد، والحركة القوية التي بسببها تضطرب الأمور، وتختل الشؤون والمراد بها كما قال المفسرون ما يحدث في هذا الكون عند النفخة الأولى التي يموت بعدها جميع الخلائق.. والمراد بالرادفة: النفخة الثانية التي تردف الأولى، وفيها يبعث الموتى بإذن الله.

والمعنى: اذكر أيها العاقل لتعتبر وتتعظ يوم ينفخ في الصور فتضطرب الأرض وتهتز ويموت جميع الخلق، ثم تتبع ذلك نفخة أخرى يبعث بعدها الموتى بإذن الله تعالى.

وشبيه بهذه الآية قوله عز وجل: “ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله. ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون”.

وقوله سبحانه: “قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ. أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ” بيان لما يترتب على قيام الساعة وبعث الخلائق من خوف ورعب.

أي أن قلوباً كثيرة في هذا اليوم الهائل الشديد تكون في نهاية الاضطراب والفزع، وتكون أبصار أصحاب هذه القلوب خاشعة، أي ذليلة مهينة، لما يعتريهم من الفزع الشديد، والرعب الذي لا حدود له.

والمراد بهذه القلوب، قلوب المشركين الذين أنكروا في الدنيا البعث والجزاء، فلما جاء اليوم اعتراهم الرعب الشديد والفزع الذي لا يقاربه فزع.

أما قلوب المؤمنين فهي بفضل الله ورحمته تكون في أمان واطمئنان كما في قوله تعالى: “لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون”.

إخراس المشركين

وقوله سبحانه: “يَقُولُونَ أَئِنا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ. أَئِذَا كُنا عِظَاماً نخِرَةً” حكاية لما كان يقوله هؤلاء الكافرون في الدنيا من إنكار للبعث، واستهزاء لمن كان يذكرهم به، ومن استبعاد شديد لحصوله.

والمراد بالحافرة العودة إلى الحياة مرة أخرى بعد موتهم وتحولهم إلى عظام بالية.

أي أن هؤلاء المشركين كانوا يقولون في الدنيا على سبيل التعجب والاستهزاء والإنكار لأمر البعث والحساب: أنرد إلى الحياة مرة أخرى بعد موتنا وبعد أن نصير في قبورنا عظاما بالية. وقوله تعالى: “قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرةٌ خَاسِرَةٌ” حكاية لقول آخر من أقوالهم الفاسدة، أي يقول هؤلاء الجاحدون: أنرد إلى الحياة التي كنا فيها بعد أن نموت ونفنى وبعد أن نصير عظاما نخرة؟ لو حدث هذا بأن رددنا إلى الحياة مرة أخرى لكانت عودتنا عودة خاسرة غير رابحة، وهم يقصدون بهذا الكلام الزيادة في التهكم والاستهزاء بالبعث.

وقد رد سبحانه وتعالى عليهم ردا سريعا حاسما يخرس ألسنتهم فقال: “فَإِنمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ. فَإِذَا هُم بِالساهِرَةِ”.

الزجرة: المرة من الزجر، وهو الصياح المصحوب بالغضب، والساهرة: الأرض المستوية الخالية من النبات.

والمعنى قل لهم أيها الرسول الكريم على سبيل التوبيخ والتقريع: ليس الأمر كما زعمتم من أنه لا بعث ولا جزاء، بل الحق أن ذلك آت لا ريب فيه، وان عودتكم إلى الحياة مرة أخرى لا تقتضي من خالقكم سوى صيحة واحدة يصيحها ملك من ملائكته بكم، فإذا أنتم قيام من قبوركم، ومجتمعون في المكان الذي يحدده الله تعالى لاجتماعكم ولحسابكم وجزائكم.