منتديات البوحسن

منتديات البوحسن (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   ركن بلاد الشام (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=22)
-   -   حفار القبور رجل بـ "رائحة الموت" (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=7994)

عبدالقادر حمود 09-28-2012 07:55 AM

حفار القبور رجل بـ "رائحة الموت"
 
يزاول مهنته بـ "أجر وأجرة"

دمشق - ميلاد عدرا:

http://www.alkhaleej.ae/uploads/gall.../27/219633.jpg


على سفح جبل قاسيون، يأخذ حي ركن الدين، ذاك الحي الدمشقي ركناً له يطل على العاصمة السورية، تنطلق بسيارتك متجهاً إلى الحي الممتد من أسفل الجبل إلى قمته، تصل إلى نقطة لا تستطيع أن تكمل المسير مما يضطرك إلى أن تمشي سيراً على الأقدام .

ما إن مشينا بضعة أمتار حتى رأينا حشداً من الناس يخرجون من مقبرة الحي معزين بعضهم بعضاً، وبعدها انفض الحشد وإذا برجل يضع كرسيه الخشبي الصغير الحجم أمام باب المقبرة، بعد أن خرج الجميع منها، بقي وحيداً مع حبات عرقه ويديه الخشنتين المغبرتين بلون الموت .

رافقنا حفار القبور عصام أيوب الضمان بجولة على المقبرة . . صمت مهيب يخيم على المكان، الأنفاس متقطعة ومكتومة، مئات القبور متزاحمة ومتكدسة، رائحة الموت تجول في سماء هذه الأرض، ننفصل عن كل ما هو واقعي . . نمشي بحذر شديد خوفاً من إزعاج الراقدين، فجثث الموتى لا تبتعد عن سطح الأرض إلا نحو المتر .

»لا صوت يعلو فوق صوت ضربات معولي« يفاجئنا عصام الضمان بعبارته هذه، ويتابع ضاحكاً: »إن الموت هو غايةُ كلِّ حي على وجه هذه الأرض« .

ثلاثة عقودٍ ونصف العقد، يقول عصام الضمان، قضاها في مهنة حفر الرمس وإلقاء التراب على من مات من الأصحاب والأغراب، وهي مهنةٌ توارثها عن الآباء والأجداد، ويزاولها ك »أجر وأجرة«، على حد وصفه .

بلُغتهِ البسيطة يحدثنا الحفار عصام: »هنا لا مكان للتفاوت الطبقي، تحت أرضٍ يستوي فيها الغني والفقير، الصغير والكبير، الجميل والقبيح في قبر يصل عمقه إلى حدود المتر، إن هذه المهنة تعلمك أشياء كثيرة أهمها أن الدنيا فانية ولا يبقى لك أيها الإنسان إلا الخير وعملك الصالح« .

يضيف: »الدخل الذي أجنيه يعتمد بالدرجة الأولى على عدد الموتى الذين أحفر لهم قبورهم في كل أسبوع، قل عددهم أو زاد، ثم على جود ذويهم وما يتكرمون به من أجر يتم اقتسامه بالتساوي مع إخوتي في الحرفة« .

ويضيف: »قد يمضي علينا ثلاثة أو أربعة أيام من دون أن ترد إلى المقبرة جنازة واحدة، ونقضي هذه الأيام على إيقاع الانتظار« .

ورغم أن إحدى الحكم الأوروبية »ثمةَ شيئان لا يستطيع المرء أن يحدق بهما: الشمس والموت«، فإن عصام الضمان قضى عمره بالتحديق بالموت والأموات من دون أن يرف له جفن متجاهلاً تلك الحكمة ومن قالها، ومعتبراً أن لهذه المهنة طقوساً يحتفي بها حفارو القبور، وأن هذا أمر لا يرجع إلى قسوة القلب أو لخشونة إحساسهم، بل إلى المعرفة بأن »الموت حق، وهو سنة الحياة« على حد تعبيره .

وعن تفاصيل مهنته يقول: »يتألف القبر من »شاهدتين« وهما حجران كبيران يتفاوت طولها، ويوضعان على القبر مباشرةً، وفي المقابل يتدرج القبر على طبقات حجرية عدة أيضاً تكون متسعة في الأسفل وتصغر الطبقات حين تعلو، وأن عمق القبر يصل إلى 160 سم . وأضاف أن المقبرة التي يعمل بها منذ عشرات السنوات يوجد فيها أكثر من 10000 قبر من القبور المتفاوتة الأحجام والألوان، مؤكداً أن هذه القبور مرقمة بأرقام ومسجلة في سجلات يحتفظ بها« .

ويتابع: »بدايةً نحفر القبر بطول مترين ونصف المتر وعرض 60 سم، وبعد الانتهاء منه ندخل الميت إلى »منزله الجديد« ونضعه على جانبه ونوجه وجهه إلى جهة القبلة، ويكون ظهره باتجاه الحائط ونخرج من أذنيه ومن فمه القطن ونغطيه ونغلق »البلائط« - صخرات منبسطة- ثم نرمي عليه التراب، ونرشه بالماء، لنستمع بعدها إلى دعوات الحاضرين إلى الله بأن يرحم المتوفى وأن يلهم أهله وذويه الصبر« .

ويضيف: »إن المقبرة الآن ممتلئة ولا يوجد فيها مكان لدفن أو لحفر قبور جديدة، ومنذ فترة طويلة أقوم بفتح القبور القديمة، حيث نحفر القبر ونصل إلى »البلائط« وننزعها، إلى أن نصل إلى الميت القديم ونقوم بجمع بقاياه في كيس نايلون ونضعها جانباً، ثم نضع جثة الميت الجديد«، ويؤكد أنه لا يفتح قبراً قديماً إلا بشريطة أن يكون القبر لأحد أقرباء المتوفى وأن يكون قد مضى عشر سنوات على دفن الميت القديم« .

ويقول: »إن لفتح القبر القديم إجراءات رسمية تتبع إلى مكتب دفن الموتى، حيث يقوم أقارب المتوفى بمراجعة المكتب لأخذ فاتورة قيمتها 2000 ليرة سورية وهي قيمة مدفوعة لإجراءات الدفن الأخرى كغسيل الميت وتكفينه ومن ضمنها أجور الحفار وبعدها يتم فتح القبر القديم من قبل الحفار« .

ويرى عصام الضمان بأن لمهنته شرفاً كبيراً وخصوصية كبيرة أيضاً، بالرغم من ما يتقاضاه من أجر مادي، ويوضح أن هناك أشخاصاً يقدرون حجم وهيبة مهنته، إلا أن آخرين لا يستطيعون التعامل معه ويخافونه، ومنهم من يتفادى مرآه فيشيح بنظره عنه كأنما »رائحة الموت« تنبعث منه، على حد قوله .

ويضيف: »هذا الخوف استطعت أن أبعده عن أولادي فإنهم يعلمون ما هو عملي ولا يخافون مني أو من هذه المهنة ويفتخرون بها أيضاً، لا بل أحياناً يأتون إلى المقبرة، حيث عملي ويحضرون مراسم الدفن ويراقبونني وأنا أقوم بدفن أحدهم« .

المضحك المبكي في أمر الأموات أن امتلاكك قبر في إحدى مقابر مدينة دمشق أو ريفها أصبح شبه مستحيلاً إلا للطبقة المترفة في سوريا، فوصلت أسعار القبور داخل مدينة دمشق إلى 500 ألف ليرة سورية (8000 دولار)، إلى ذلك أصبح الحصول على قبر إلى ما يشبه الحلم لأن سعره في بعض المناطق أصبح يضاهي أسعار الشقق السكنية، كما أن ازدياد السكان ووجود بعض التغيرات الاقتصادية أديا إلى ارتفاع أسعار المقابر .

ومن المضحك المبكي أيضاً أن يصبح توفير القبر مسألة لا تقل أهمية عن توفير سكن في الحياة، هذا ما جعل بعض أهالي دمشق وساكنيها يتوجهون إلى خارج المدينة لشراء قبورهم، فأصبح العثور على قبر حلماً .

ما يعني عصام الضمان الحصول على تعويضات ورواتب ثابتة من الجهات المعنية وهي مكتب »دفن الموتى« الذي يتبع لمجلس المدينة، ويعمل المكتب على تسطير عقود سنوية مع الحفارين الذين يعملون في المقابر، ويأخذ الحفار مقابل أي قبر يقوم بحفره 150 ليرة سورية فقط ولا يوجد أي تعويض آخر .

فراج يعقوب 09-29-2012 01:54 AM

رد: حفار القبور رجل بـ "رائحة الموت"
 
جزاك الله خيرا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم


الساعة الآن 03:22 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى