منتديات البوحسن

منتديات البوحسن (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   كتب سيدي الشيخ احمد فتح الله جامي حفظه الله (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=70)
-   -   الدرر البهية في الوصايا الجامية (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=950)

عبدالقادر حمود 01-18-2009 01:41 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 237 } ليس من شأن الرجال وأصحاب العقول السليمة ان يتركوا أدبهم مع غير المتأدبين ، بل شأنهم أن يحافظوا على أدبهم مع الخلق كلهم لأنهم عيال الله ، وهو يوافقون الرسول صلى الله عليه وسلم في أخلاقه . والناس يدخلون في الطريقة من أجل هذه الأخلاق . ومخالفة النفس والشيطان أيسر من مخالفة الخلق ، ومخالفة هؤلاء أصعب من كل القواطع عن الله تعالى ، فلا تعادِ أيها السالك أحداً من المؤمنين ، بل
ـــــــــــــــــــــــــــ ص 156 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليك بمعاداة الشيطان لأن الله أمرك أن تعادي الشيطان ، وأن تُؤاخي المؤمنين بدون مداهنة .
{ 238 } الواجب على المؤمنين تجاه النبي صلى الله عليه وسلم التعظيم قال تعالى : ( لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } سورة الفتح / 9
وواجب المؤمنين تجاه بعضهم البعض الرحمة ، قال تعالى : { رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } سورة الفتح / 29
وهذا أمر ليس بسهل ، بل هو أمر عظيم جاء إلى نبي عظيم حتى وصل إلينا ، فلا بد أن نستحي من الله تعالى ، وأن نطبق شرع الله تعالى على جوارحنا .
{ 239 } طبيعة ابن أبي سلول موجودة بين الناس ولا يمكن التخلص منها إلا بالمجاهدة والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم ، فراقب نفسك وكن على حذر من صفات ذاك المنافق أن توجد فيك ، ذاك نفاقه اعتقادي ، ومن لم يعمل بمستلزمات الإيمان ، وعمل بعض أعمال المنافقين كان نفاقه عملياً ، فلا بد من التوبة إلى الله عزوجل من طبيعة المخالفين .
{ 240 } إذا كنت صادقاً مع الله تعالى ، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم فإنك تقف على أسرار هذه الشريعة والتي من جملتها الطواف ، فبصدقك تقف على ذلك السر الذي طاف به رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ــــــــــــــ ص 157 ــــــــــــــ
وحين ذاك إذا رأيت الكعبة المشرفة ترى التجليات الذاتية ، وتشم رائحة النور الإلهي الذي يصب على الكعبة المشرفة ، وتشعر بتلك الرحمات التي تنزل على الكعبة .
{ 241 } الصدق الذي حضنا عليه اسيادنا رضي الله عنهم هو بوسعنا ، والله تبارك وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها ، فهو تكليف شرعي ، ولكن بسبب اتباع الهوى والشهوات لا نطبق على انفسنا ، ولا نمتثل أمر ربنا جل وعلا . نتكلم عن الشريعة ولا نطبق ، نتكلم عن الطريقة ولا نطبق ، فهل هذا من الصدق ؟ لا والله . نحن خُلقنا للعبادة فمرادنا العبودية لا غير ، ليس مرادنا الأذواق ولا الكرامات ولا الشهرة والرياسة ، والله لو تكلم معنا ملَك وقال : أنت من أهل النار ولن تدخل الجنة ، لا تتغير عبادتنا لله عزوجل إن شاء الله . هذا يجب عليكم جميعاً ، يجب عليكم أن تكونوا صادقين وأن تكونوا مع الصادقين ، حتى تدخلوا في مقام العبودية ، والله ليس أحلى ولا أشهى منها عند الصادقين .

عبدالقادر حمود 01-18-2009 05:22 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 242 } الصادق مع الله تعالى ومع رسوله صلى الله عليه وسلم ومع المؤمنين ، ومع خلق الله أجمعين وملتزم الأحكام الشرعية لا يخرج من الدنيا إلا ببطاقة نورانية ، فإذا أدخل القبر بتلك البطاقة تعلقت روحه بالعرش وتنعم جسده في التراب ، وصار قبره روضة من رياض الجنة ، وأما إذا خرج من الدنيا كذاباً والعياذ بالله تعالى صارت روحه في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 158 ـــــــــــــــــــــــــــــــ
سجّين وتعذب جسده في التراب ، وصار قبره حفرة من حفر النار والعياذ بالله تعالى . فإذا نفخ في الصور وخرج الصادق من قبره فإنه يخرج بتلك البطاقة النورانية ويَقدُم على الله ورسول والمؤمنين ، والله ينظر إليه وينشر له كتابه ، كما قال تعالى : { وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا } سورة الإسراء / 13
فهذا الصادق أمره إلى الله تعالى إن شاء سأله عن صدقه لقوله تعالى : {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ } سورة الأحزاب / 8
وإن شاء عامله بفضله ، فالصادق هذا حاله فكيف بحال الكذاب والعياذ بالله تعالى إذا خرج من قبره ؟ يجب علينا أن نأخذ ببطاقة الصدق في الدنيا لأنها دار تكليف أما الآخرة فهي دار الجزاء على العمل ، علينا أن نكون من أهل الصدق ، وأن يكون مطلبنا العبودية لله عزوجل ، من خلال متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ، علينا أن نتحرى الصدق في كل مقاصدنا حتى نكتب عند الله من الصديقين . اللهم اجعلنا منهم ومعهم ببركة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وببركة أسيادنا رضي الله عنهم ، آمين آمين .
{ 243 } كن على حذر من مدح الناس لك ، لأن أكثر المادحين مداهنون ، ومدحهم لك يكون عليك وبالاً ، فلو صدقت الله لحثوت التراب في وجوههم ، ولو صدقوا الله لكانوا لك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 159 ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ناصحين ولم يكونوا مادحين . اصدقوا الله في كل تصرفاتكم فهو العليم الخبير . فتش عن الأخ الناصح لا المادح . كن ناصحاً ولا تكن مادحاً . لأن مدحك لأخيك يُدخل عليه العجب ةالغرور وربما ينسى الله تعالى مصدرَ كل نعمة ، وبالتالي يكون مدحك له وبالاً عليه . ومن كان مع أخيه هكذا فليس صادقاً في محبته . عليك بالنصح له في أن يرعى نعمة الله تعالى ، إن كنت صادقاً في حبه .
إذا رأيت نعمة على أخيك قد ظهرت بفضل الله وكرمه وجب عليك أمران :
1ً ـــ المدح والثناء لله تعالى ، لقوله تبارك وتعالى : { وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱلله } سورة النحل / 53
2ً ـــ النصح لأخيك في أن يرعى تلك النعمة بالشكر لله عزوجل ، لأن الشكر عِقال النعم ، وإلا عرّضها للزوال وفي الحديث الشريف : ( أحسنوا جوار نعمِ الله لاتنفروها ، فإنها قلما زالت عن قوم فعادت إليهم ) رواه ابو يعلى في مسنده وابن عدي في الكامل

عبدالقادر حمود 01-19-2009 03:55 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 244 } الحر لا يكون عبداً إلا لمعبوده ، ولكنه يشكر من كان سبباً في النعمة ، وهذا من الدين ، وإذا لم يشكر الواسطة يكون مقصراً في دينه . وإذا أردتم شكري التزموا هذه الطريقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 160 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المباركة الموصولة بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسند المتصل ، ولا تنسوا فضل الله تبارك وتعالى عليكم ، وفضل رسوله صلى الله عليه وسلم وفضل شيخنا رحمه الله تعالى . من التزم الطريقة بعد وفاة شيخه فهذا الالتزام شكر للشيخ المتوفي ، وحرمة المشايخ محفوظة في حال حياتهم وبعد وفاتهم رحمه الله . لا تكونوا قدوةً وأعواناً لمن يقطع الخلق عن الطريق لأن هذا ليس من الشكر بل من كفران النعمة ، قال تعالى : ( وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } . سورة النساء / 105
{ 245 } بعض الناس اعتادوا المدح واجتمعوا مع بعضهم بسبب المدح ، ولو تناصحوا ما اجتمعوا . لو رأيت جماعة كبيرة وفيهم الأخلاق المخالفة ، وقلت لهم : إن هذه الأخلاق مخالفة لأخلاق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لانفضوا عنك جميعاً ، وربما ينالك أذى منهم ، لأنهم اعتادوا على المدح لا النصح . أين نحن من سيرة سيدنا عمر رضي الله عنه عندما قال : رحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي ؟ . هل السعادة في اتباع الهوى أم في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ؟ .
{ 246 } كن على حذر من مدح الناس ، لأنك لا تعرف باطنهم ، وقد تمدح فاسقاً ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا مدح الفاسق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 161 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غضب الرب واهتز لذلك العرش ) رواه البيهقي وأبو يعلى عن سيدنا أنس رضي الله عنه
وإن قلت : إن النبي صلى الله عليه وسلم قد مدح بعض أصحابه ، وكذلك يوجد في التابعين من مدح ، فإني أقول : هؤلاء الأولياء الكبار لا تتحرك نفوسهم بالمدح والثناء ، لأنهم على يقين بقوله تعالى : ( وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ } سورة النحل / 53
هؤلاء تغلبوا على أنفسهم حتى ماتت عن هواها ، وقليل ماهم . هؤلاء يحمدون الله عزوجل ويشكرونه على عطائه لهم حتى نُصروا على أنفسهم ، وأخرجوا أنفسهم من البين هؤلاء إذا مُدحوا حولوا الأمر إلى الله تعالى ، وقالوا : نحن لسنا هكذا بل أعطانا ربنا عزوجل النصرة على أنفسنا ، وبربنا عرفنا أنفسنا ، وبه تبارك وتعالى تغلبنا على هواها ، وهؤلاء الأولياء الكبار رضي الله عنهم وألحقنا بهم ماتت نفوسهم وحيت أرواحهم ، فكلما مدحوا ربا الإيمان في قلوبهم ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا مدح المؤمن في وجهه ربا الإيمان في قلبه ) رواه الطبراني والحاكم عن سيدنا أسامة رضي الله عنه .
اللهم ألحقنا بهم يا أرحم الراحمين .

عبدالقادر حمود 01-21-2009 02:38 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 

{ 247 } المدح فيه ضرر على المادح والممدوح ، لأن أكثر المدح يدخل فيه الكذب ، ويوقع الممدوح بالغرور والعجب ، إلا من

ــــــــــــــــــــــــــــ ص 162 ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

حفظه الله تعالى من الكذب والغرور ، الوصول إلى الله تعالى ليس بالمدح بل بالاتباع لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلو كان الوصول إلى الله تعالى بالمدح لمدحتُ الناس جميعاً ، ولكن ليس الأمر هكذا . كونوا متيقظين وإلا لعب الناس بكم كما يلعب الأولاد بالكرة .

{ 248 } الوصول إلى الله تعالى بمقدار الانقطاع عن الخلق وعدم التعلق بهم ، ومن اعتمد على الخلق سقط من عناية الله عزوجل ، ووقع في بئر نفسه والعياذ بالله تعالى ، أما من اعتمد على الله عزوجل فإنه يرتفع ويصل إلى الله تعالى ، لا تفرحوا بمدح المادحين ، وأنتم تعلمون الحقيقة قال تعالى : { بَلِ الِإْنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } سورة القيامة / 14
لا تفرحوا بمدح المادحين لأنه من زخرف القول ، كما قال تعالى : { شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا } سورة الأنعام / 112
وإني أغضب من المادحين كما أغضب من الشياطين .

{ 249 } نهاك ربك عن مدح نفسك فقال تعالى :{فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} سورة النجم / 32
وأنت أعلم الخلق بنفسك لقوله تعالى : { بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ () وَلَوْ أَلْقَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــ ص 163 ــــــــــــــــــــــــــــــ
مَعَاذِيرَهُ } سورة القيامة / 15
فتعرف خبثها ومكرها وخداعها ، فإذا كنت منهياً عن مدح نفسك فكيف تمدح من لا تعرف باطنه ، ولا تعرف كل ظاهره ؟ وحسن الظن بالمؤمنين غير المدح ، فأنت مأمور
بحسن الظن ، ولست مأموراً بالمدح ، لأن المدح مرغوب لدى النفوس كلها ، وهذا الهوى يوجد في جميع المؤمنين ، وهم مشتركون فيه ، ونحن مأمورون بالمجاهدة لهذا الهوى قال تعالى : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } سورة العنكبوت / 69
فكن عوناً لأخيك في مجاهدة نفسه ، وذلك بالنصح له لا بالمدح .

{ 250 } لو أصغيت إلى نفسك عندما تُمدح لوجدت العُجب والغرور فيها يتحرك ، والنفوس عند جميع الخلق واحدة ، وهذا يعني أن الهوى يتحرك في نفوس الآخرين كما يتحرك في نفسك ، لذلك وجب عليك أن لا تمدح حرصاً على إخوانك ، وتحثو التراب في وجوه المادحين حرصاً على قلبك ونفسك .

{ 251 } لا بد من قطع أصول عِرق الرياء بالكلية ، وأصوله ثلاثة أمور :
أولاً : حب الدنيا والتعلق بشهواتها الظاهرة والباطنة .
ثانياً : اللذة العاجلة وترجيحها على الآخرة .
ــــــــــــــــــــــ ص 164 ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثاً : الالتفات إلى الخلق في مدحهم أو ذمهم .
والعاقل لو تفكر بأنه لو سجدت الكائنات لمخلوق ، ومدحوه ، وأقبلوا عليه بالثناء والسمع والطاعة ، ماذا ينفعه ذلك إذا كان الموت حليفاً للساجد والمسجود له ، وعلم أنهما راجعان إلى الله تبارك وتعالى ، فلا بد أن نتعظ بموعظة الله عزوجل . وأن نتفكر بالوقوف بين يديه تبارك وتعالى .

عبدالقادر حمود 01-23-2009 04:11 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 252 } من أظهر حاجته للناس ماعرف الله تعالى ، لأن الخير بيد الله عزوجل ، وأنا لست بحاجة إلى أحد إلا الله تعالى ، لذلك والله والله والله لا أريد أن أحبب الناس فيّ ، ولكن أريد أن أحببهم في الله تعالى ، وإلى هذا الطريق الشاذلي المبارك الذي يوصل الصادقين إلى محبة الله تعالى .
لذلك أقول : المداهنة ليست من الدين في شئ ، وليست من خُلق الإنسان المؤمن فضلاً عمن انتمى إلى هذا الطريق . رجل واحد صادق يوازي مائة ، فتشوا عن الصادق . ولو أحسنا الظن بالجميع نكذب ، لأن الجميع ليسوا بصادقين ، نرجو الله تعالى أن نكون مع الصادقين أصحاب السند المتصل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

{ 253 } أنتم تفرون من الدنيا إلى الدنيا ، وهذا كله تعب وشقاء ، والله لو فررتم من الدنيا إلى الله تعالى لكان خيراً لكم ، فمن فر من الدنيا إلى الدنيا كان مَثله كمثل رجل وقع في الوحل يرفع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 165 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رِجلاً ويضع أخرى وكلتاهما في الوحل . عليكم بالقناعة بالقليل ، لأن القليل والكثير بجانب ما عند الله قليل .

{ 254 } اسمع واحفظ وعد الله في كتابه الكريم المبَّلغ لك عن طريق رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال : { أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } سورة المؤمنون / 11
محال أن تنفي صفة الإيمان عن نفسك ، فأنت مؤمن فلا بد لك أن تجتهد لنيل هذا الربح العظيم ، وأن لا تضيعه باتباع النفس الأمارة بالسوء ، وبإغواء الشيطان الرجيم ، وبالحرص على الدنيا الدنية ، فالله يهديك الصراط المستقيم . استعن على أمور دنياك وآخرتك بالصلاة والذكر ومخالفة النفس لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أعنّي على نفسك بكثرة السجود ) رواه مسلم

{ 255 } إذا حافظت على الحضور في عبادتك من ابتداء النية إلى نهاية عمل العبادة جاءت الأنوار الإلهية إلى قلبك ، فذكر الله تعالى يطهر القلب من الأوزار ، والصلوات على الرسول صلى الله عليه وسلم تورث الأنوار ، وقراءة القرآن الكريم لا تعد ولا تحصى فوائدها ، فإذا صليت بعد ذلك آتت الصلاة ثمارها بإذن ربها ، وانقطعت عروق الوسوسة والخطرات عنك في الصلاة .
{ 256 } كن مظلوماً ولا تكن ظالماً ، لأنه من كان مظلوماً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 166 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فبوسعه أن يعفو عمن ظلمه ، أما إذا كنت ظالماً لاقدر الله فأنت لست بضامن أن يعفو عنك من ظلمتَه ، فإذا كنت مظلوماً فلا يخرجنك ظلم الظالم عن طورك وعقلك واستقامتك ، بل اصبر وفوض أمرك إلى الله تعالى ، والله يعينك إن شاء .

عبدالقادر حمود 01-24-2009 06:13 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 257 } عليك ألا تخاف أحداً من خلق الله تعالى ، من عالم الإنس أو من عالم الجن ، وكلما تعلمت مسألة دينية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكتب القوم طّبق ْ على نفسك لأنك مسؤول عن هذا يوم القيامة والله يدافع عن المؤمن الصادق .

{ 258 } الذي تمسك بالإيمان ، وكان صادقاً في سيره وسلوكه في هذا الطريق المبارك الذي جاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يشوش عليه ولا يحزن ، لأن طبيعته البشرية ترقّت وسمت وعلت ، فهو يفوض أمره إلى الله تعالى ، ويتمسك بالكتاب والسنة ، وينظر في سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرى فيه الأسوة الكاملة والقدوة الصالحة . ومن عبد الله تعالى بقلب صادق مع الأخلاص أعانه الله تعالى .

{ 259 } الاسترسال مع الخلق من أجل توجيههم إلى شخصية الداعي يذهب بالدين ، وهو من قلة العقل ، فالداعي لا يلتفت إلى مدح الناس وذمهم ، ولا يسعى إلى محبة الناس له ، ولا إلى حبهم لأن في ذلك حظاً للنفس . فالذي يعتمد على الناس ليس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 167 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أفراد هذا الطريق ، كيف تنظر إلى فلان فتفتخر به ، وينظر إليك فيفتخر بك ، وكلاكما عاجز ؟ .

{ 260 } إذا جاءتك مصائب الدنيا وانصبت عليك فلا تترك ذكر الله وتلاوة القرآن الكريم ، بل ادفع قساوة تلك المصائب ومرارتها بحلاوة ذكرك لله تعالى ، وبمناجاتك لربك تبارك وتعالى ، فهو السميع البصير ، وهذا شأن المؤمن الصادق المخلص الذي يكون على حذر من الدنيا حلوِها ومرِها ، ويكون على حذر من الغفلة عن الله عزوجل .

{ 261 } أنت مؤمن باعتقادك والحمدلله ، ولكن لا بد لك من العمل بمستلزمات هذا الإيمان ، فلا تكن ممن أعرض عن ذكر ربه ، تندم ولا ينفعك الندم ، قال تعالى : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً*قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } سورة طه / 126

{ 262 } المحبة الذاتية علامة الفناء ، والفناء عبارة عن نسيان ما سوى الله تعالى ، فإذا لم يُزِلْ العبد عن ساحة صدره العلوم بالتمام ، ولم يحصل له التحقق بالجهل المطلق ، فإنه لا نصيب
ـــــــــــــــــــــــــــــ ص 168 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
له في الفناء أصلاً ، وهذا الجهل دائمي لا إمكان لزواله لا أنه يحصل أحياناً ويزول أخرى ، ففي عين الجهالة شعور ، وفي عين الحيرة حضور ، وهذا هو موطن حق اليقين . وأحياناً بعد الفناء يجتمع العلم مع البقاء حين ذاك لا يضر العلم مع البقاء ، والله تعالى الموفق للصواب .

عبدالقادر حمود 01-26-2009 03:31 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 263 } كن خليلياً ، فالخليل عليه الصلاة والسلام كان صدّيقاً نبياً ، ودليل صديقيته أنه استجاب لأمر ربه فوضع السكين على حلق ولده ، قس محبتك لربك عزوجل على ذلك فتعرف مدى صِدقك فيها .
{ 264 } أوصيك بتقوى الله تعالى ، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنا فرد من أفراد هذا الطريق ، ولا أريد شيئاً آخر ، والله شهيد على ما أقول، وسيدنا أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أوصى أصحابه أن يدفنوه بعد نهاية المعركة ، وأن يبقى تحت سنابك الخيل طيلة المعركة ، لأنه لا يريد شهرة ولا سمعة رضي الله عنه . – هذه الوصية سمعناها في مكة المكرمة حرسها الله تعالى .
{ 265 } الآخرة والدنيا ككفتي الميزان ، ولا بد من ترجيح كفة الآخرة على كفة الدنيا ، لأن الدنيا فانية ، والآخرة باقية ببقاء الله تعالى ، وهي خير من الأولى ، وترجيح الآخرة على الدنيا لا يكون إلا بالاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم . كيف ترجحون الفاني على الباقي ؟
ـــــــــــــــــــ ص 169 ـــــــــــــــــــــــــــــ
هذا ليس من شأن أصحاب العقول السليمة . علينا أن نتوجه ونوجه الناس إلى الله تعالى ، حتى نرحم في الدنيا والآخرة ، وهذه هي السعادة الأبدية .
{ 266 } الدين ليس فيه مشقة على من تذوق حلاوة العبادة والعبودية لله تعالى ، وأما من لم يتذوق تلك الحلاوة فإن مشقة العبادة تزول بعلم العبد أن الله يراه وهو رقيب عليه .
{ 267 } المؤمن بالصدق صار مؤمناً ، والصدّيق بالصدق صار صدّيقاً ، والكافر والمنافق بالكذب صار كافراً ومنافقاً ، لذلك وجه الله تعالى المؤمنين لأن يكونوا مع الصادقين حتى يكتسبوا من صدقهم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } سورة التوبة / 119


وأعلى مرتبة في المؤمنين بعد النبوة رتبة الصديقين الذين تحروا الصدق في كل أمورهم ، وبالصدق يُكمل المؤمن كل صفات الكمال .
{ 268 } السكر على أربعة أقسام : سكر بالخمر ، وسكر بالدنيا ، وسكر بالهوى ، وسكر بمحبة الله تبارك وتعالى وبمحبة رسوله صلى الله عليه وسلم . أما الأول فمنهي عنه بقوله تبارك وتعالى في سورة المائدة : { يَا أَيُّهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 170 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *
إِِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } سورة المائدة / 91
أما الثاني فنبه الله سبحانه وتعالى عليه بقوله : { فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ } سورة لقمان / 33
أما الثالث فنبه إليه الحق جل وعلا بقوله : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } سورة الجاثية / 23
أما الرابع فأشار إليه الحق جل جلاله بقوله : { وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ } سورة البقرة / 165
فحب الله تعالى يذهل القلب عن الدنيا والنفس ، ويبقى فيه همٌّ واحد هو حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم ، والمحبة تقتضي الطاعة ، وإلا فهو مدّعٍ ، ودعواه باطلة .

عبدالقادر حمود 01-31-2009 09:21 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 

{ 269 } الكثير من الناس يظنون أن الصدق والاستقامة الشرعية هي في الكلام والتشدق فيه فقط ، مع العلم أن آيات القرآن الكريم التي نزلت على سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 171 ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جبرائيل عليه السلام ، كلها متعلقة بالبشر ، من أجل تصحيح العقيدة ، ومن أجل متابعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ومن أجل التمسك بالعبودية ، ومن أجل ترك الهوى والحظوظ النفسانية ، ومن أجل ترك الدنيا وعدم تعلق القلب بها ، ومن أجل الاستقامة ومجاهدة النفس . لو نظرت في القرآن الكريم وفي أفعال البشر لما وجدت تطبيقاً علمياً عند الكثير ، بعضهم اكتفوا بالعلم والقيل والقال ، وتعلقوا بالمادة ، وبعضهم أكل الدنيا بدينه ، وبعضهم باع دينه بدنيا غيره والعياذ بالله .
{ 270 } الكثير من الناس يعرفون الوعظ والكلام ، وأكثر المؤمنين يعرفون الحلال والحرام ، لكنهم لا يعلمون بعلمهم ، لأن التطبيق أصعب من السماعِ والتعليمِ بكثير ، هذا بلاؤنا في هذه الأيام ، ويوم القيامة سوف نُسأل عن العمل لا عن العلم ، نُسأل عن الشريعة ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم . فلابد من ربط الإيمان بالعمل مع مستلزماته ، ولابد من ربط القول مع العمل والمجاهدة ، فمن ربط بينهما تمسك بالشريعة واتبع الرسول صلى الله عليه وسلم وترك الهوى ، ورقى سُلّمَ المعرفة ، وإن لم يكن له نصيب في المعرفة سَلِم على دينه ونجا يوم القيامة بفضل الله وكرمه .
{ 271 } قدْر المرء بمقدار اتباعه للشريعة والسنة النبوية فكلما عظم اتباعه عظم قدره . والاتباع ما قيد بلسان ولا قوم ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــــ ص 172 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عشيرة ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإٍحْسَانٍ } سورة التوبة / 100
فتعاملْ مع الخلق على أساس هذه القاعدة ، وأنزل الناس منازلهم من خلال هذه الآية ، وثمرة هذا الاتباع قوله تعالى : { رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } سورة التوبة / 100
{ 272 } القرآن الكريم مخاطَبٌ به جميع البشر . فسعد به بعضهم بالاتباع ، وشقي البعض الآخر بإعراضهم . فالقسم الأول آمن وقيد نفسه بقيود الشريعة وعمل عملاً صالحاً فكان بذلك سعيداً في الدنيا والآخرة ، والقسم الثاني كفر والعياذ بالله وقيد نفسه بالشهوات واتبع هواه فكان بذلك شقياً . وموانع الإنسان من السعادة أربعة أمور : النفس والشيطان والدنيا والخلق ، وأشد هذه الموانع الخلق ، لأنهم إما أن يمدحوه فيوقعوه بالغرور ، وإما أن يذموه فيقنطوه .


عبدالقادر حمود 01-31-2009 10:07 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 273 } لا بد من معرفة القواعد أولاً ثم العمل بها ثانياً ، وإلا فالحجة قائمة علينا . قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدّ تَثْبِيتًا * وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً
ـــــــــــــــــــــــــــ ص 173 ـــــــــــــــــــــــــــــــ

عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا } سورة النساء / 68
نسأل الله تعالى أن يجعل القرآن العظيم حجة لنا لا علينا إنه على ما يشاء قدير .
{ 274 } على الإنسان أن لا يتبع إلا طريقاً واحداً ، وإلا لعبت به الأهواء ولا يدري لمن يرضي ، وخاصة إذا اتبع من لم يلتزم الشرع الشريف ، بل اتبع هواه وانغمس في الدنيا وسائر الشهوات من جاه ومقام ورياسة وما شاكل ذلك . والله تعالى ضرب لأصحاب العقول مثلاً في القرآن الكريم فقال : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ } سورة الزمر / 29
ليس مثالٌ فوق هذا المثال لمن يعلم ويعقل .
{ 275 } الخروج من الحظوظ مع وجود العلم صعب ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه ، فلابد من الصدق في الطلب ، فمن صدق في طلبه من الله تعالى أن يخرجه من حظوظ نفسه ، دله الله تعالى على وارث من وراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعينه على ذلك .
{ 276 } قَدَرُ الله عزوجل غائب عن مخلوقاته ، وليس هو بيد أحد فلابد من الأخذ بالاسباب مع عدم الاعتماد عليها ، فلعله أن يصادف السببُ القَدَرَ ، انظر ألم يقل الحق تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــ ص 174 ـــــــــــــــــــــــــــــ
{ أَليْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } سورة الزمر / 36 ؟
ومع ذلك ما ترك الأخذ بالسبب ، فالأسباب للأبدان والتوكل للقلوب .
{ 277 } المؤمن إذا انتقل من علم اليقين إلى عين اليقين أو حق اليقين ، وجب عليه أمران :
الأمر الأول : الشجاعة مع حفظ الحرمة .
الأمر الثاني : الصبر والتحمل لأذى الخلق .
هذا الثبات لا يكون إلا لمن دخل دائرة عين اليقين أو حق اليقين ، ومع ذلك ترى أهل هذا المقام يخافون سوء الحساب
{ 278 } لا تقل الحق إلا بعد التمكن ، لأن من قال الحق ثم تردد بعد ذلك فهذا يدل على عدم تمكنه وتثبته ، فإذا تمكنت وتثبت فقل الحق ولا تتردد ولكن في وقته ، لأن الحكمة يجب أن توضع في موضعها ، وإلا يكون تضييعاً لها ، ولابد من تحرير النية قبل قبول الحق لقوله تعالى : { إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } سورة النساء / 1
فكن متمكناً من معرفة الحق قبل مخالطة الناس .

عبدالقادر حمود 02-03-2009 01:37 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 279 } وقوف السالك مع تقصيره يعرقل سيره إلى الله تعالى ، فلابد من اللجوء والتضرع إلى الله عزوجل ، لأن الحفظ من الهوى والدنيا والخلق والشيطان من اصعب الامور على أمثالنا ، لقلة
ــــــــــــــــــــــ ص 175 ـــــــــــــــــــــــــــ
الاستقامة على منهج الصلحاء والأتقياء ، وقلة صحبتهم والتقاء نفائس كلامهم ، كل ذلك مع ضعف القوة اليقينية التي يحفظ القلب بها من الاغيار ، نرجو الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الإنابة ، ويهبنا الغفران ، ويمن علينا بالثبات على الإيمان ، وأن يكرمنا بمحبته ، وأن يأخذ بأيدينا لاتباع سنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ، والتخلق بالأخلاق القرآنية وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
{ 280 } حسن الخاتمة ليس مضموناً لأحد من الخلق ، إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمبشرين بالجنة ، وما عداهم فلا ، وهذا يعني أن الله تعالى قد يجعل الفاسق ولياً ، وقد يخرج العبد من الإيمان إلى الكفر ، قال تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } سورة النحل / 125
نسأل الله حسن الخاتمة ، وليس أحد معصوماً عن الخطأ لذلك ترى الخوف عند العلماء العارفين أكبر وأعظم من خوف عامة الناس ، وحق المؤمن الصادق إن جاءه ملك الموت ، وقال له : أنت في النار ، عليه أن يجتهد في العبادة ولا يدعها ، لأنه ما خلق إلا لها . نسأل الله تعالى أن يرزقنا حلاوة العبودية والتذلل بين يديه .
{ 281 } الإنسان بعلمه القاصر الجزئي يرى الساعة بعيدة ،
ـــــــــــــــــــــــــ ص 176 ـــــــــــــــــــــــــ
ولذلك يغفل عن ربه جل وعلا ، أما في علمه جل وعلا فإن الساعة قريبة ، قال تعالى : { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } سورة الأنبياء /1

فيجب على العاقل ان يتخلى عن علمه الناقص الجزئي إلى علم الله عزوجل الكامل ، ويعتمد على علم الله الكلي لا على علمه الجزئي ، فلو خرجت عن علمك لعلمه لرايت الساعة قريبة كما قال تعالى : { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا } سورة المعارج / 7
{ 282 } المؤمن ليس ماموراً بحب الناس لذاتهم، ولكنه مأمور بحب الخير لهم ، فإذا أبغض واحداً من الخلق فلينظر إلى سبب بغضه له .
1ً ــ إن كان يبغضه لاسقامته ، وعدالته ولقوله الحق ، ولعدم اتباعه أهواء الناس ، فهذا البغض حرام ، ولا يليق بمن آمن بالله واليوم الآخر . فعليه أن يتوب إلى الله ويرجع إلى رشده وصوابه ، وأن يحب الخير لأخيه المؤمن لأن الله تعالى قد ربط بينهما برباط الأخوة الإيمانية فقال : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } سورة الحجرات / 10
2ً ــ وأما إذا كان بغضه له بسبب ارتكابه المخالفات الشرعية ـــ من مخالفة أمر الله ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومخالفة الحقيقة
ــــــــــــــــــــ ص 177 ــــــــــــــــــــــــــــ
والطريقة ـــ فيجب عليه أن يبغض أفعاله المخالفة لا شخصه ، وعليه النصح له لأن الدين النصيحة .
3ً ــ أما إذا كان بغضه له بسبب تعارضه معه لمصلحة دنيوية فهذا البغض حرام ، وهو مضر بالإيمان . عليه أن يرجع إلى الله ويتوب . هذا الامر يجب ان يتنبه إليه المؤمنون جميعاً ، وليس خاصاً بمشرب من المشارب ، ولا بمسلك من المسالك .
{ 283 } الإنسان المؤمن يجب أن يكون له حظ من الوراثة النبوية ، بأن يحب الناس لله عزوجل لا لنفسه فمن لم يخرج عن نفسه فإنه يحب الناس لنفسه فإن قدموا له نفعاً أو دفعوا عنه ضراً أحبهم وإلا فلا ، أما من خرج عن نفسه فإنه يحب الناس لله تعالى ، وعلامة محبته لهم في الله أنه يعينهم

على ترك هواهم وحظوظهم لذلك ترى الناس اليوم أكثرهم يحب بعضهم بعضاً للحظوظ وللشهوات ، وليس لله تعالى ، ولو كان الإنسان عاقلاً لأحب الناس لله وفي الله ، لأنه يعلم حقيقةً أن الكائنات كلها لو سجدت له لا يستفيد شيئاً إذا لم يكن ربه تبارك وتعالى راضياً عنه .


الساعة الآن 09:22 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى