منتديات البوحسن

منتديات البوحسن (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   كتب سيدي الشيخ احمد فتح الله جامي حفظه الله (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=70)
-   -   الدرر البهية في الوصايا الجامية (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=950)

عبدالقادر حمود 09-10-2008 11:38 PM

الدرر البهية في الوصايا الجامية
 
2 مرفق
الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين
نستعرض هنا كتاب الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة لسيدي الشيخ احمد فتح الله جامي رضي الله عنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281584261

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم ، على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين ، وبعد ..
ورّاث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باقون إلى قيام الساعة ، لايضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ، وقد منّ الله عزوجل على أهل الطريق الشاذليّ خاصة ، والمؤمنين عامة ، بوراث من ورّاث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حمل لواء الشريعة عالياً ، وجعله مقدماً على روحه حفظه الله تعالى ، فقال : ( والله لو قطع رأسي لا أتبع إلا الشريعة ، والطريقة جزء منها ) ، وصحح افهام كثير من المتصوفة الذين جعلوا بين الشريعة والطريقة برزخاً وحجراً محجوراً ، وقال حفظه الله تعالى : ( من أسقط الشريعة دون الطريقة فقد تزندق ، ومن أسقط الطريقة دون الشريعة فقد تفسق ، لأنه ترك مقام الإحسان ، ومن جمع بينهما فقد تحقق ) ، كما قال الإمام مالك رحمه : ، من تفقّه ولم يتصوف فقد تفسق ، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ، ومن جمع بينهما فقد تحقق ) ، انّه سيدي وسندي المرشد المربي الشيخ أحمد فتح الله جامي ، خليفة سيّدي وسندي المرشد المربّي الشيخ عبدالقادر عيسى رحمه الله تعالى بسنده المتصل الى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولقد منّ الله عزوجل عليّ بالسماع منه ، وكنت أكتب بعض ماأسمع وبعض ما سمعه إخواننا منه حفظه الله تعالى ونقلوه اليّ فجزاهم الله عني خير ما جزى اخاً عن أخيهم ، ووجدت من الوفاء لأخواني في هذا الطريق المبارك ، ولكل من ينشدُ الحقيقة ، ولكل داعية إلى التصوف ، ولكل غيور على دين الله عزوجل ، أنقل إليهم بعض ما سمعته من أقواله ، وبعض ما نقله اليّ إخواننا عنه حفظه الله تعالى ، فإن وفقت في ذلك فهو من فضل الله عزوجل عليّ ، ثم من فضل أسيادي رضي الله عنهم ، وإلا فمن نفسي وسوء فهمي ، راجياً المولى عزوجل أن ينفعنا بها ، وأن يوفقنا للعمل بها ، حتى تكون حجة لنا لا علينا يوم القيامة ، والله من وراء القصد ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
احمد شريف النعسان
(حررت في غرة رجب الفرد 1416
من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
الموافق 23 تشرين الثاني 1995 للميلاد ) .

عبدالقادر حمود 09-10-2008 11:52 PM

1 مرفق
الاجازة



http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1311543428

عبدالقادر حمود 09-10-2008 11:54 PM

1 مرفق
http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281584412

عبدالقادر حمود 09-11-2008 12:42 AM

بسم الله الرحمن الرحيم المنعم بالإيجاد والإمداد المنزه عن التقييد والإطلاق الذي نور بصائر العارفين بنور معرفته وملأ قلوبهم أنواراً وصلوا بها إلى ميادين مكاشفته وجعل الإقتداء بهم سبباً لنيل الامال . والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله المنزل عليه : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ } وعلى اله وأصحابه الذين أذن لهم ببث العلم والمعرفة بالله تعالى حتى صار الإذن سنة نبوية تداولها أهل الهمم العلية ، وعلى التابعين له بإحسان الداعين إلى الله بإذنه الذي يحافظون على أمانة الله حتى يبلغونها إلى نظرائهم في التقوى والمعرفة بالله تعالى .
أما بعد : فقد أذنت لهذه المناسبة وأجزت أفراداّ من إخواننا في الطريقة الشاذلية القادرية العلية لما تفرست في أخلاقهم وأحوالهم الحسنة المستقيمة على شرع الله إذناً عاماً مطلقاً في سائر الأوراد والأحزاب الشاذلية وفي الورد الخاص الذي هو ذكر الاسم المفرد { الله } الذي هو الاسم الأعظم عند أهل الله بشروطه المعروفة عندهم ومن جملتهم أخونا في الله الفقيه العارف بالله التقي الأمجد سيدي الشيخ أحمد فتح الله جامي كما أذن لي أستاذي وشيخي سيدي محمد بن الهاشمي وأرجو الله أن أكون مأذونا من الله ورسوله وأرجو له مثل ذلك .
فاعرف يا أخي فضل الإذن وسرّه إذ المأذون مأمون إذ هو في ضمان الله تعالى ثم في ضمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم في ضمان شيوخ الطريقة رضي الله عنهم .
ثم اعلم أن الإذن الحقيقي والإجازة الحقيقية هي ما حصل لكم من الإذن الشفهي الباطني والإجازة القلبية الحقيقية ، فهي التي يعمل بها وتنفعل لها القلوب وتنقاد لها النفوس .
وكن ذا حزم وعزم في تربية كل من اتخذك شيخاً له من عباد الله ، ولاتستح من أحد في حق الله ، وأوصيك بالنصيحة للإخوان والمحافظة على حدود الله في السر والإعلان وكن بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً .
وأرجو لك ولهم التوفيق وأن يقينا وإياهم من سوء الطوارق وأسأل الله لكل من رام الانتظام في سلك اهل الله نفحة خير من نفحات الله تسلك بهم سبيل النجاة وتصل بهم الى حقيقة الإيمان بجاه صاحب الجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يوم يتجلى الله لعباده برضاه ، والظن بالله جميل وهو حسبنا ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين .




قاله وكتبه العبد الفقير عبدالقادر بن عبدالله عيسى

حرر في شهر ربيع الاول /1407 /هـــــــ
الموافق في شهر تشرين الثاني / 1986/م
(خادم الطريقة الشاذلية القادرية عبدالقادر عيسى )

عبدالقادر حمود 09-19-2008 03:03 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :

هذه لمحة قصيرة عن بعض جوانب حياة شيخنا سيدي وسندي الشيخ أحمد فتح الله جامي شيخ الطريقة الشاذلية ، الموشيُّ مولداً ، الخالديُّ نسباً ، المرعشيُّ مسكناً ، الشافعيُّ مذهباً ، حفظه الله تعالى ورعاه وأطال بقاءه ونفعه للمسلمين آمين .

1ً ـــــ نشأته حفظه الله تعالى :
نشأ في أسرة شريفة نسبية ، اشتهرت بالتقوى والصلاح والعلم إضافة إلى الشجاعة وإغاثة الملهوف . وكان جده الشيخ عبدالله جامي رحمه الله تعالى من العلماء البارزين في وقته ، وهكذا أجداده من الشيخ إسماعيل إلى الشيخ ملا جامي رحمهم الله تعالى ، أما والد شيخنا __ فتح الله جامي ــــــ رحمه الله تعالى فقد انقطع عن تحصيل العلم بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى ، حيث شارك في العديد من المعارك ضد الجيوش الروسية الغازية . وكان معروفاً بشجاعته وإقدامه ، ففي إحدى المعارك فر جميع المقاتلين الذين كانوا معه أمام الزحف الروسي ، ولم يبق إلا هو ورجل آخر في أرض المعركة ، ولكن هذا لم يلبث إلا أن انسحب وهو يقول لفتح الله جامي رحمه الله : ( والله ماانسحبت في عمري من أرض معركة تاركاً أي جندي خلفي يقاتل العدو إلا الآن ، وأنت غلبتني في المصابرة ) .
وعندما بقي وحده رحمه الله تعالى رأى من الحكمة الانسحاب ليتحيز إلى فئة من المسلمين فانسحب ، وفي طريقه وجد امرأة من المسلمين تستغيث حتى لاتكون فريسة للروس ، نظر رحمه الله تعالى فوجد المنطقة قد خلت من سكانها تقريباً فارين من الزحف الروسي المنتشر في كل مكان وتمر قوافل المهاجرين بجانبها وليس فيهم من يغيثها لشدة ما هم فيه ، فوقف رحمه الله عندها ووجد أنه من الواجب عليه ان يغيثها ، فأردفها خلفه على فرسه حتى ألحقها بالمسلمين آمنة مطمئنة .
لهذا السبب ولكثرة الحروب حينها لم يتمكن رحمه الله تعالى أن يتابع دراسته في العلم الشريف كأجداده رحمهم الله تعالى ، ولكن كان حريصاً على أن يكون ولده - أعني فضيلة شيخنا حفظه الله - طالب علم وان يسلك طريق العلماء ، فجعله عند من يعلمه العلم الشريف ، وهو الشيخ حق شوناس رحمه الله تعالى ولكن حال بينه وبين ذلك وفاته رحمه الله تاركاً له أيتاماً ، وكان شيخنا حفظه الله أكبرهم سناً إلا أنه لم يتجاوز من العمر ثماني سنوات . فتأخر حفظه الله تعالى عن تحصيل العلم بسبب ظروف اليتم وتربية أخيه محمد وأخوته .

عبدالقادر حمود 09-19-2008 03:46 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
2ً - طلبه للعلم - حفظه الله تعالى -

لما تم له من العمر عشرون عاماً بدأ بتحصيل العلم بشكل جدي دائم ، وفي نفس الوقت بدأ بالسير والسلوك في مجاهدة النفس في الطريقة النقشبندية . ولكن لم يلبث حتى أصيب في أول مراحل سيره وتحصيله في شقيقه محمد حيث توفاه الله تعالى ، فصبر على ذلك وثبت ثبوت الجبال الراسيات في الصدمة والمصيبة ، وفوض أمره إلى الله تعالى .
وتابع سيره وسلوكه وتحصيله في طلب العلم ، وصار ينتقل من قرية إلى قرية ، ومن مدينة إلى مدينة ، ومن دولة إلى أخرى وطلبه الوحيد البحث عن المكان الأنسب للسير والسلوك ، وعن الأستاذ التقي النقي لتحصيل العلم على يديه ، وأكرمه الله تعالى بذلك ، فجميع أساتذته من اهل التصوف الخالص . فأخذ علم الفقه واللغة العربية عن الشيخ عبد الهادي العمري البوطي رحمه الله وهو مأذون في الطريقة النقشبندية . وتابع ذلك على يد الشيخ عبد الرحمن العمري البوطي رحمه الله وأخذ منه الكثير من العلوم الأخرى ، وكذلك أخذ العلوم عن الشيخ محمد ظاهر الملاز كردي فهو أستاذ أستاذه الشيخ عبد الرحمن العمري رحمهما الله تعالى .
وكان حفظه الله تعالى وهو في حالة طلب العلم له إشارات معهم ، فمرة كان مع بعضهم في ميدان كبير في فصل الربيع وقد ازدهرت الأرض ، فنظر الى تلك الأعشاب النظيفة المهتزة ، وقال لأستاذه : يا سيدي إن قلب الإنسان نظيف وسليم كهذا المكان ، فإن حافظ عليه من الأغيار ، ولم يدخل إليه غير الله تعالى يبقى سليماً نظيفاً ، ولكن إذا دخلته الأغيار والدنيا والشيطان فإنهم يعبثون به ويدوسونه ويفسدونه ، وعندها يظلم القلب بعد البياض الناصع ، كما لو دخلت البهائم هذا الميدان وعبثت بالأعشاب وداستها . فسر أستاذه وتعجب منه لهذه اللفتة الكريمة .
ومرة أخرى كان مع بعض أساتذته بين أشجار متنوعة ، فنظر إليها بنظراته الربانية وتفكر في أحوالها وأشكالها ، ثم قال لأستاذه : يا سيدي أنا أنظر إلى هذه الشجرة المقطوعة اطرافُها التي هي في غنى عنها ، كيف استوت واستقامت وعلت ، وأنظر إلى تلك الأشجار التي لم تقطع أطرافها كيف قصرت قامتها والتوت وبقيت مع الأرض ، وكذلك المؤمن إذا قطع علائقه من الدنيا وتعلق بالله تعالى فإنه يذهب مستقيماً إلى أعلى حيث يترقى . ففرح أستاذه لهذه الإشارة .
ومرة قال لأحدهم : كأنني أشعر بالخجل إذا قلت سبحان الله ، إذا كان معنى ذلك أنزه الله تعالى عن كل صفة ناقصة ، هل هناك نقص ؟ حاشاه من ذلك تعالى وتقدس .
كيف لايكون هكذا وكان معروفاً بصمته الطويل ولا يتكلم إلا قليلاً وعند الحاجة وكان مشهوراً حفظه الله بقلة الطعام وكثرة الصيام وحبه للخلوات وكانت أكثر خلواته شهراً كاملاً ، وكان معروفاً عند جميع إخوانه بصمته الطويل ، حتى قال لي مرة أحد طلاب العلم من الجزيرة لما رأى الدرر ووصاياه الكثيرة حفظه الله ، قال سبحان الله هذا الذي كان لايتكلم إلا القليل القليل وكان معروفاً بعزلته ، كيف يتكلم بكل هذه الحكم والوصايا ؟ ثم قال [ إذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه فإنه يلقِن الحكمة ] . كما ورد في الاثر .
وحين تلقيه العلوم من أستاذه الشيخ عبدالرحمن العمري البوطي رحمه الله في قرية شاوران ، حدث في شهر رمضان المبارك في ليلة العيد أن خرج من المسجد بعد صلاة العشاء لوحده وذهب إلى مقبرة القرية وهي في منطقة جبلية عالية مغطاة بأشجار عظيمة ، وهناك في المقبرة مزار الشيخ عبدالله الشاوري رحمه الله وهو أحد اجداد أستاذه الشيخ عبد الرحمن ، وكانت المقبرة مخيفةً لشدة الظلمة ولارتفاعها وبعدها عن القرية وكذلك المزار كان مخيفاً ، الناس لا يدخلونه في النهار فضلاً عن الليل ، ولما وصل إلى المزار وقف هناك وقال في نفسه لن أدخل هذا المزار حتى أرى شيئاً ، فقال حفظه الله تعالى : عندها رأيت اموراً عجيبة ، فبعدها دخل المزار وعلى ضريح الشيخ صندوق خشبي فجلس شمالي الضريح وقضى ليلة العيد هناك حتى أذن الفجر ورجع الى المسجد فصلى فيه الفجر .
وكان حفظه الله تعالى وهو في حال تنقله من مكان لآخر في طلب العلم ، معتمداً على الله تعالى ومتوكلاً عليه ، ولم يسأل ولو مرة واحدة عن أسباب العيش في المكان الذي يتوجه إليه هو وأهله ، وانما يسأل دائما كما مر معنا عن الأستاذ وأخلاقه وصدقه وسلوكه .
وكان يقول حفظه الله تعالى عن هذا الجانب :
أخذت علومي من المتقين ، وتأدبت بآدابهم ، حتى اجازوني بالإجازات العلمية ، وهذا من فضل الله تعالى . لقد عشت مع المتقين وأخذت الطريق من الصادقين .
وأكرمه الله تعالى بعد ذلك بغزارة العلم ، وهو شافعي المذهب ، وان توسعه في الفقه الحنفي لايقل عنه في الفقه الشافعي ، وقد قرأ كتاب حاشية ابن عابدين أكثر من سبع مرات دراسة وتدريساً ، وتوسع في علمه حتى اشتهر بذلك ، وأصبحت دوائر الإفتاء في تركيا ترسل إليه الكثير من المسائل لحلها ، وهو بجانب هذا يشتغل بالطريق .
ولقد بلغ من محبته للشرع الشريف الدرجات العالية ، فكان غيوراً على شرع الله تعالى ، وكل شئ أضحى رخيصاً عنده أمام الشرع ، حتى قال مرة : نحن لاننحرف ان شاء الله تعالى ما حيينا عن شرع الله تعالى ، ولو كانت لي الآلاف من الأرواح لقدمتها روحاً بعد روح فداء لهذا الشرع . نحن لاننحرف عن الشريعة من أجل أنفسنا فكيف ننحرف عنها من اجل الناس ؟.
وقال ايضاً : الشريعة حبل الله النازل من السماء الى الارض وهو الطريق الوحيد للخلاص من الغرق في بحر الدنيا ، ومن ادعى طريقاً آخر لذلك ضل وأضل ، وسلوك هذا الطريق هو اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتباع من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو اتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما أن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو اتباع لشرع الله عزوجل .

عبدالقادر حمود 09-20-2008 03:06 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
3ً - سلوكه في طريق القوم :
كما ذكرنا سابقاً أنه حفظه الله تعالى بدأ بالسير والسلوك عندما بدأ بطلب العلم الشريف ، أخذ الطريقة النقشبندية عن سيدي الشيخ ابراهيم حقي رحمه الله تعالى ، ولازمه فترة طويلة من حياته ويقول حفظه الله تعالى : ( ربيت على يد الشيخ إبراهيم حقي رحمه الله تعالى ، وبقيت معه حتى آخر لحظة من حياته حيث غسلته وكفنته بيدي رحمه الله تعالى ) وبعد وفاته أخذ يبحث عن مرشد له ، وامتد بحثه عن المرشد الجديد من الجزيرة إلى حدود استنبول ، وبقي سبعة عشر عاماً على هذا الحال .
وخلال هذه الأعوام كام مجاهداً لنفسه على طريقة الإمام الغزالي رحمه الله تعالى ، وكان يكثر من خلواته ، حتى تعرف على شيخه في الطريقة الشاذلية سيدي الشيخ عبد القادر عيسى الحلبي رحمه الله وحصل على نسخة من كتاب الشيخ رحمه الله - حقائق عن التصوف -إلا أنه تريث ولم يستعجل بالمبايعة ، وقال : إن هذا ديني لاأستعجل في أمره ، وبقي حفظه الله تعالى عاماً كاملاً ، يقرأ كتاب الحقائق ويستخير حتى أوقفه الله تعالى على حقيقة هذا الطريق الشاذلي المبارك . فأرسل الى سيدنا الشيخ عبد القادر عيسى يستأذنه في المجئ إليه ، وإن خرج من الدنيا قبل لقائه فهو يُشهد الله تعالى انه من أهل هذا الطريق ، وأذن له سيدنا الشيخ عبدالقادر بالمجئ ، ودخل الطريقة ، وأدخله خلوة لمدة عشرة أيام ، ثم أذن له بالورد العام ، وبعد أعوام أعطاه الإذن بالورد العام والخاص ، وهو الأن خليفة الشيخ رحمه الله تعالى .
وله كلمات حول هذا الموضوع نأخذ بعضاً منها :
يقول حفظه الله تعالى : طوال هذه الأعوام بعد وفاة شيخي الأول ، وأنا أبحث عن المرشد كنت في معية سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله تعالى بروحانيته ، وكلما أرى الذي أراه ، ولكن ليس طلبي كشفاً ولا كرامة ، طلبي غير هذا ، حتى أكرمني الله تعالى بسيدنا الشيخ عبدالقادر عيسى رحمه الله .
ويقول في موضع آخر : أول ما بدأت بالذكر ، ما تركت الاستمداد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن سيدي الجيلاني ، وسيدي ابن مشيش ، وسيدي أبي الحسن الشاذلي رحمهم الله تعالى ، حتى فتح لي ما فتح .
ويقول كذلك : طريقة الإمام الغزالي رحمه الله تعالى سلوكي ، وطريقة الإمام الشاذلي رحمه الله تعالى مشربي ، فالأولى في الرياضات والثانية في الذكر .

ويقول حفظه الله تعالى : الناس يوم في واد والطريق في واد آخر ، أين أهل الطريق من الخلوات ؟ والله إلى الآن ما شبعت من الخلوات ، ولايمكن لي أن أتركها .

ويقول حفظه الله تعالى : عن غرضه من الطريق : غرضي من الطريق العبودية لله عزوجل ، وأن أكون على قدم سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، الذي هو احب الخلق إلي بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأن أكون على قدم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبودية الذي يقول :{ لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكنه أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً } رواه مسلم . غرضي من الطريق أن أسير هكذا ، ولكن لا بد من الخدمة ، ونرجو الله تعالى العون والمدد .
وهكذا تحلى حفظه الله تعالى زيادة على مواهبه الكثيرة بموهبة الفناء التام عن الناس والخلق جميعاً ، والفناء التام في الله وعبوديته وشرعه ، حتى قال : - من بين ما قال - لاتوجد رابطة مع الشيخ في الطريقة الشاذلية بل رابطة مع رب الشيخ ، وهذه الموهبة العظيمة نشأت معه في أوائل سيره إلى الله تعالى ، ثم أعطي غزارة العلوم اللدنية ، ولذلك لما ظهر للإرشاد كان ظهوره وتأثيره على الخاص والعام في مدة وجيزة ، وفي جو الغربة والوحدة ، فكل من يقرأ كلامه أو يجالسه فيسمه منه يتحول وبدون شعور منه إلى الاستفادة والاستماع اللذيذ . والتعجب منه سواء كان من أهل الطريق أو غيره ، وغير أهل الطريق يتعجبون أكثر لأنهم أبعد عن هذه العلوم من أهل الطريق وهذه العلوم عندهم أندر وأعز ، أما أهل الطريق فيتوقعون من مرشدهم علوماً وتأثيراً فيتحولون من الشك إلى اليقين ، ومن التردد إلى التسليم .
ومن مواهبه الكثيرة التمكين والصحو التام في جميع الأحوال ، وهذا الصحو التام المستمر لايوجد إلا في كبار الكبار من السلف والوراث السابقين .

ومن مواهبه حفظه الله تعالى فرط حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته وشرعه وسنته السنية ، وهو حفظه الله تعالى لايتكلم عن الطريقة إلا في مضمار الشريعة والسنة ، حتى إن كثيراً ممن ليسوا من أهل الطريق يحتجون بوصاياه الكثيرة على المتصوفة الذين يفرقون بين الطريقة والشريعة ، ويحاجون بها بعض أهل الطرق الذين يهتمون بالطريقة أكثر من الشريعة والسنة .

ويقول حفظه الله تعالى في موضوع اختلاف بعض أهل الطرق : الدين واحد لايتعدد والمؤمنون اختلفوا لاختلاف الأشخاص والأفهام والهوى ، فلابد من ترك الكل واتباع الرسول صلى الله عيه وسلم فيما أمر ونهى .

هذا هو الدين الصحيح وليس هناك طرق للولاية إلا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم . وهكذا جرد حفظه الله تعالى كل من ادعى شيئاً لنفسه ، وادعى طريقاً خاصاً به ليتفرد بالهيمنة على بعض الناس ، وبأنه هو الذي هداهم الى الحق ، والله تعالى هو المهيمن الهادي .
ويقول حفظه الله تعالى في قدوته : من لم يقلد أسلافه لايُعتمد عليه ، ومن لم تكن عنده حرمة المشايخ محفوظة في حال حياتهم وبعدها لايعتمد عليه ، كيف يصلح أن يكون قدوة إذا لم يكن مقتدياً بأسلافه ؟ فنحن نقلد أسلافنا في الدين ، ولا نفكر في أنفسنا هذا هو سلوكنا ، فأنا أقلد سيدي بديع الزمان النورســــــي رحمه الله تعالى ، وأقلد الإمام الغزالي رحمه الله ، وكذلك شيخي الأول رحمه الله سيدي ابراهيم حقي ، وسيدنا الشيخ عبدالقادر عيسى رحمه الله تعالى . وإني التقيت بهذين الشيخين رحمهما الله ، وانتفعت بهما ، ورأيت كل واحد منهما موافقاً ، ولكن وجدت من يحبهما من الناس قليل .

سأله بعضهم مرة فقال له : يا سيدي بمَ نلت الذي نلته ؟
فأجاب حفظه الله تعالى بقوله : بثلاثة أمور ، بالصدق والإخلاص ومحو الأنا ، وهذه من أصعب الأمور على النفس الأمارة بالسوء .

عبدالقادر حمود 09-20-2008 03:44 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
خدمته -حفظه الله تعالى - لمشايخه :

نذكر مثالاً واحداً عن خدمته لأستاذه الأول الشيخ عبد الهادي رحمه الله تعالى ، مرض بعض أفراد أسرة أستاذه مرة ، وطلب المريض ماء الثلج ، ولم يكن حينئذ الكهرباء ولا الثلاجات ، فسمع حفظه الله تعالى أن المريض يطلب ماء الثلج والوقت في أربعينية الصـيف ، ولم يكن هناك ثلجٌ إلا على رأس جبل ، يستغرق الوصول إليه يوماً كاملاً ، فذهب حفظه الله تعالى على قدميه إلى ذاك الجبل ، يوماً ذهاباً ويوماّ إياباً ، ليحمل الثلج بالأكياس على ظهره ، وتحمل المشاق حتى وصل بالبقية الباقية من الثلج . أما عن خدمته لسيدنا الشيخ عبد القادر عيسى رحمه الله تعالى ، وخاصة عند مرضه فحدّث ولا حرج ، وأهل حلب من إخوان الشيخ رحمه الله الذين كانوا يزورون الشيخ عبد القادر يعرفون هذا فندع الحديث لهم .


5- صبره وتحمله للمصائب :
لقد أكرمه الله تعالى بتحمله للمصائب والشدائد والصبر عليها الشيء الكثير . وأنا أذكر بعضاً من الصور التي يتجلى فيها صبره أولاً : خلال رحلاته في طلب العلم والسير والسلوك حيث ارتحل بأهله أكثر من عشر مرات ، ولم يرحل من مكان إلى آخر إلا ويترك بعض أولاده الصغار تحت أطباق الثرى ، حيث توفي له في تلك الرحلات أحد عشر ولداً ، غسـل الجميع بيده ، وهو صابر محتسب مفوض أمره إلى الله تعالى ويشكر الله تعالى على كل أحواله ، راض بما اختاره الله تعالى له ، بل كان يقول حفظه الله تعالى : الحمد لله على كل حال ، فإني لا أعلم لو بقي هؤلاء الأطفال أحياء ربما لم أتمكن من مواصلة طلب العلم ، والسير والسلوك .
ثانياً : أصيب بولده الكبير السيد محمد صبيح رحمه الله وبابنته طيبة وكانت متزوجة رحمها الله ولم يكن لها أولاد ، بعدما أن أصيب هو في نفسه بكسور كثيرة في جسده ، ودمرت تدميراً كـاملاً ، وقبل الحادث توفي زوج ابنته الكبيرة الذي خلف لها ثلاثة أطفال . وكان خلال هذه الفترة من الحادث يصلي على ظهره ، ثم تحسن وضعه الصحي فأصبح يصلي جالساً مدة من الزمن دون أن يتمكن من السجود ، وكان يتألم من هذا الحال ويتساءل متى يعود للسجود ؟ متى يتمكن من وضع جبهته على الأرض ساجداً لمولاه سبحانه وتعالى ؟ وكان أكثر دعائه أن يمكنه الله تعالى من السجود على جبهته . حتى جاء الفرج من الله تعالى ، يقول حفظه الله تعالى : والله لا أستطيع أن أقدر مدى فرحي وسروري وشكري لله حين سجدت لله تعالى أول سجدة على الأرض بعد الحادث . وسجد سجود شكر لله لأن الله أكرمه بالسجود .
ثالثاً : جُرِّد من أمواله أكثر من أربع مرات عندما كان يطلب العلم ، فكان طلب العلم مقدماً عنده على المال ، وترك أملاكه العقارية أثناء سفره ، فانتهز الفرصة بعض أقاربه واستولى على العقارات مستغلين غيابه وانشغاله في طلب العلم ، وبعد عودته من رحلاته طالب بأملاكه فأبو عليه ، فلم يدخل معهم في خصومة لحق القرابة بينهم ، وفوض أمره وأمرهم إلى الله تعالى شعوراً منه بأن الله تعالى عوضه خيراً من ذلك .
كيف لا يتخلق بهذا الخلق ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) ( ) .
كيف لا يرعى اليتامى ؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً ) ( ) .


6- رحمته وشفقته على خلق الله وخاصة اليتامى :
فكان يرعى اليتامى وهو يتيم بعد وفاة والده رحمه الله ، وبعدها رعى اليتامى حتى اجتمع عنده أولاد ابنته الكبيرة التي توفي زوجها وترك لها ثلاثة من الأطفال ، وأولاد ابنه محمد صبيح رحمه الله وكانوا أربعة ، فضم أولاد ابنه إلى أولاد ابنته إلى أولاده وأصبح قيماً عليهم جزاه الله خيراً .
وأما رحمته بالناس فكل من خالطه عرف مدى رحمته بالخلق عامةً ، وبالمذنبين خاصة ، وكان يقول : مدار الطريق على أمرين :
الأول : امتثال أمر الله تعالى .
والثاني : الشفقة على خلق الله بدون مداهنة ، وكان يبكي كثيراً عندما يرى مبتلى في دينه أو جسده .
ومن شفقته على الناس وشجاعته ، حدث مرةً أن كان حفظه الله في بيته ، فهجم جماعة من الرجال على جار له لشيء بينهم ليهينوه ويضربوه ، فأسرع حفظه الله إليهم حين رأى جاره وحيداً ، ليس له أهل أو عشيرة يدافعون عنه ، حاول أن يردهم بالرجاء والالتماس فأبوا إلا العنف والقسوة والغطرسة على جاره ويريدون ضربه في بيته ، فأسرع حفظه الله إلى بيته وأتى بعصا كبيرة ، وقال لهم ما معناه : أردت ردكم عن هذا الفقير بالتي هي أحسن فأبيتم إلا العنف ، فوالله إن ضربه أحد منكم سوف أكسر هذه العصا على رؤوسكم ، وصاح بهم ، ففروا بأجمعهم ، ولم ينالوا من جاره ماجاؤوا لأجله .
نعم لقد كان حريصاً أن يتقرب إلى الله تعالى من كل الطرق ، لقد دخل على الله من باب التوابين ، ودخل عليه من باب الصدق ، ودخل عليه من باب الإخلاص ، ودخل عليه من باب العلم والعمل ، ودخل عليه من باب الشفقة على خلق الله ، ودخل عليه من باب الخدمة للمؤمنين وحب الخير لهم ، ودخل عليه من باب الصبر ، ودخل عليه من باب الهجرة في طلب العلم والمعرفة ، ومن باب الهجرة في خدمة الطريق حتى أنه هاجر من بلده إلى حلب من الزمن ، فتوفرت له أسباب الإقامة فيها كالبيت والأهل وغير ذلك ، ثم هاجر منها ثانيةً بكل معنى الهـجرة . فتمت له والحمد لله جميع أبواب الوراثة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فجزاه الله تعالى عنا وعن المؤمنين خير الجزاء ، وكل ما ذكرناه أو يذكره غيرنا عنه هو غيض من فيض عن أول نشأته وسيره في طلب العلم والمعرفة ، وإنه لجدير بالأمة أن تجعله قدوة وسنداً ومشعلاً منيراً في عبوديته لله تعالى ، وإنه لجدير بها أن تأخذ بوصاياه النابعة من بحر أخلاقه القرآنية ، وسلوكه النوراني . فلنجعل يدنا في يده حتى نصل إلى ساحل الأمان بإذن الله تعالى لنكون معه بصدق وإخلاص في السر والعلن .
كل ما ذكرناه فواللهِ إنه نقطة من بحر فيوضاته ، ولقد وقفنا كما وقف الكثير من غيرنا على شيء من حقيقة الوراثة النبوية . ولكن لا يمكن للصغير أن يعرف الكبير ، وهل يملك الصغير ميزاناً يزن به من هو أكبر منه ؟ وكيف يعرف طالب الصف الأول أستاذه بشكل كامل ، كيف يعرف ذلك الطالب أستاذه ومدى علمه وأخلاقه وأحواله ؟ كيف يعرف ولد عمره سنة والده بشكل كامل ؟ ولكن لابد أن نسير الخطوة بعد الخطوة بالموافقة والتسليم لوارث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن أسباب التوفيق التي منحها الله تعالى إياه الزوجة الصالحة ، فعاشت معه طيلة تلك الفترات بعيدة عن الأهل والأقارب والعشيرة ، وهي تتنقل معه من مكان إلى آخر متحملةً الغربة والفقر والشدائد ، ويشهد بذلك كل من له معرفة بحالهم وبأسرتهم الأبية ، ولم يسمع أحدٌ منها ولو بالإشارة جزعاً أو مللاً أو اعتراضاً أو طلب زخارف الدنيا لها أو لأولادها حتى النهاية . فجزاها الله تعالى عنا خير الجزاء . بل كانت معه في الرقي أخلاقاً وتعلماً وتصوفاً تأخذ من حاله وقاله حفظهم الله تعالى جميعاً .
ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لموافقته ولمتابعته وأن يجعل صحبتنا له حجة لنا لا حجة علينا ، إنه على ما يشاء قدير ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .


كتبه
عبدالباقي حسن (أبو منصور )

عبدالقادر حمود 09-22-2008 03:30 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد : يقول شيخنا سيدي وسندي الشيخ أحمد فتح الله جامي حفظه الله تعالى في بعض وصاياه :
{1} لابد من الأخذ بالشريعة المطهرة ، والعمل بها ، لأن الأخذ بها أخذ بالوحي السماوي الإلهي ، الثابت على لسان الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، بواسطة سيدنا جبريل عليه السلام ، من الرب الكريم سبحانه وتعالى ، ومن ترك الأخذ بالشريعة فهو واحد من اثنين :
1ً - إما أن يكون فاسقاً ، لأنه ترك العمل مع وجود الاعتقاد .
2ً - وإما أن يكون كافراً خارجاً عن الدين والعياذ بالله ، لعدم وجود الاعتقاد ولمخالفته الشريعة .
والشريعة تُقَوّم الطريقة ، وتصححها ، أما طريقة بدون تمسك بالشريعة فهذا لا يكون ، لأن الشريعة أصل ولها مقام السيادة ، والأصل لاينقلب إلى فرع ، والسيد لايكون عبداً ومسوداً ، وطريقة بدون شريعة تفتح باب الزندقة أمام صاحب الطريقة الذي لم يلتزم الشرعَ الشريف ، وهذا هو المقرر عند القوم رضي الله عنهم ونفعنا بهم . فكل من ادعى انتسابه للطريقة لابد له من التزام الشريعة والسير في مقام الإحسان الذي هو المقام الثالث في مقامات
ـــــــــــــــــــــــــــ29ـــــــــــــــــــــ ــــــــ

الدين ، والذي سئل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيه : { الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك } رواه مسلم . وبهذا القيد يظهر الذين صدقوا في انتمائهم للطريقة من الذين كذبوا . كثير من الناس يقولون : إن الطريقة مهمة ، ولكن لايعملون بالشريعة ولا يتمسكون بها ، وربما أخذوا بأقوال مشايخهم وتركوا القرآن والسنة . نحن نقول : الطريقة مهمة ولكن نعتقد أنها جزء من الشريعة فلابد من الأخذ بالكل ، والولاية دليل رجحان الشريعة ، والطريقة برهان الشريعة ، فمن تمسك بالشريعة والطريقة يثبت له بإذن الله انتماء إلى مقام الصديقين ، وعندها يعرف عين اليقين بعد علم اليقين كيفية تبليغ الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم الشريعة .
هذا هو الطريق الأساسي الذي يجمع بين الشريعة والطريقة ، فمن جمع بينهما فقد تحقق ، ومن اسقط الشريعة دون الطريقة فقد تزندق ، ومن اسقط الطريقة دون الشريعة فقد تفسق ، لأنه ترك مقام الإحسان وهو جزء من الدين . نسأل الله عزوجل أن يوفقنا لأن نسير سير الكمل من الرجال الذين جمعوا بين الشريعة والطريقة سلوكا وعملاً .
{2} يجب عليكم أن تدعوا الناس إلى الشريعة ، والطريقة جزء منها ، وقبل أن تدعوا طبقوا على انفسكم ، وادعوا الناس إلى

ـــــــــــــــــــــــ30ــــــــــــــــــــــ

عبدالقادر حمود 09-23-2008 02:48 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم . ومن ادعى تقديم اسم الطريقة على الشريعة فقد ضل وأضل ، لأن الشريعة نزلت بواسطة جبريل عليه السلام من الله تعالى ، إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، فأهل الطريقة هم أهل الشريعة ، وكل من طبق الشريعة على ضاهره وباطنه فهو المسلم حقاً ، والصوفي حقاً ، أما المدعي أو المتصوف زوراً وبدون التزام بالشرع الشريف فحاله أقل من أن نتكلم عنه ، والأمور بخواتيمها ، والعارفون بالله عارفون من الأزل ، وسوء الخاتمة إذا كتبت كتبت من الأزل . نسأل الله الحفظ والسلامة .

{3} ليس هناك مرتبة أعلى من مرتبة التمسك بالشريعة ، ويوجد بعض أهل الطرق يرجحون الطريقة على الشريعة ، وهذا لجهلهم ، ولو عرفوا أن الشرع وحي من الله تعالى على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والطريقة جزء منه ، لما رجحوا الجزء على الأصل . والله لو قطع رأسي لاأتبع إلا الشريعة ، والطريقة جزء منها ، والإنسان بتمسكه بالشرع الشريف وبسلوكه في ظل معراج رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلع على حقيقة الشريعة ، وبعدها يقول : منتهى سير الرجال شرعنا المحمدي . فخذوا بالشريعة حتى يفتح لكم ذاك النور ، نور رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس هناك أعظم من نوره صلى الله عليه وسلم .

{4} دليل محبتك لله عزوجل اتباعك لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ضاهرك وباطنك ، ودليل محبتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم اتباعك لسنة رسول

ـــــــــــــــــــــــــــــ 31 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله صلى الله عليه وسلم في ضاهرك وباطنك ، ودليل محبتك لعباد الله تعالى أن تكون صادق المعاملة معهم وأن لا تخدعهم ، فكما تحب أن لاتُخدع فلا تَخدع وأكثر أهل الطريق يُخدعون لصدقهم ولإخلاصهم ، يقولون : هذا لايقول إلا صدقاً وحقاً فيتبعونه ، فإذا به يخدعهم ويوجههم لنفسه لا إلى ربه ، فيا طلاب العلم :
لاتستغلوا صدق الصادقين وإخلاص المخلصين لحظوظكم النفسانية بل حولوهم إلى الله عزوجل حتى يتعلموا قول الحق ولا يخشوا في الله لومة لائم ، لأنهم إذا تعلقوا بالله تعالى فإنهم يأخذون بوصية الله عزوجل حيث يقول تعالى : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } سورة الانعام
وإذا دعوتم أحداً إلى الله تعالى ولم يستجب لكم وغضبتم ، انظروا هل هذا الغضب لله عزوجل ام لأنفسكم ؟ فإن كان لله تعالى فوجب عليكم أن تنظروا في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف عامل قومه عندما دعاهم إلى الله ولم يستجيبوا له ، وأما إن كان غضبكم لأنفسكم فهذا من الشرك الخفي ، وهذا ليس من شأن الصادقين المخلصين في الدعوة إلى الله تعالى ، لأن الصادق المخلص يعلم أن مراده لن يتحقق إذا لم يُرِدِ الله تعالى ، ويعلم كذلك أنه ليس له من الأمر شئ فيفوض أمره إلى الله عزوجل . لذا ترى شخضاً

ـــــــــــــــــــــ32 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبدالقادر حمود 09-24-2008 02:57 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
تنفعل له الأرواح وشخصاً آخر لا تنفعل له الأرواح ، كل هذا له تعلق بالصدق والإخلاص ، فلا تلتفتوا إلى مكانتكم عند الخلق على حساب دينكم ، فمن التفت إلى الخلق على حساب دينه لم يبقَ له مكان في الدين ولا في الإسلام ولا في الرجولة .

{5} علينا أن نتأدب بآداب الشريعة والطريقة ، ونتمسك بتوجيه أسيادنا لأنهم لا يتكلمون عن هوى ، بل يتكلمون بالله ببركة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واللهُ لايحرمهم من هذا ، لأنهم ورّاث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا التزمنا بذلك نبتت فينا الحقيقة ، وعار علينا أن لانتمسك بآداب من سبقنا ، وعار علينا أن نتمسك بالعصبية ، لأنها صفة الجاهلية ، والله تعالى يقول : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ } سورة الحجرات .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى ، مع انه صلى الله عليه وسلم من العرب ولسانه عربي ، وكتابه عربي ، فمن فرق فهو منحرف عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، وضل الطريق وأضل غيره .

{6} مراقبة الله لعباده قديمةٌ ، والمشاهدة من العبد لربه حادثة ، يمكن أن تتغير ، والاعتماد على القديم أولى من الاعتماد على الحادث قال تعالى : { إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } سورة النساء .
تفكروا في هذه الآية ، وأكبر معبود مبغوض عند الله في الأرض هو الهوى ،
ـــــــــــــــــــــــــــ ص ـ33 ـــــــــــــــــــ

قال تعالى :{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هّوّاهُ } سورة الجاثية . /23
ولم يقل ذلك ربنا في حق أية معصية أو مخالفة إلا في اتباع الهوى ، لذا نهانا عن اتباع الهوى فقال : { فَلَا تَتَّبعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا } سورة النساء/135

وهذا أثقل من السموات والأرض على من يفهم . وعار عليكم يا أهل الطريق أن تقولوا ما لاتفعلون ، قولوا وافعلوا ، واعلموا أن الاستقامة فيها مشقة ، ولكن إذا ذقتم حلاوة الإيمان وحلاوة الطاعة فإن هذه الحلاوة تدفع تلك المشقة ، فإذا لم تشعروا بهذه الحلاوة فيكفيكم علمُكم بأن الله يراكم وهو القائل : { وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } سورة محمد /35 . ويقول سبحانه : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَه } سورة الزلزلة /7

{7} استشعارك عظمة الله تبارك وتعالى يجعل حجاباً بينك وبين معاصيه ، وترك المعاصي مقدم على فعل الطاعات ، وإذا خرجت من المعاصي عندها تعمل بمقتضى الإيمان ، من استقامة ، وصدق ، وإخلاص ، ووفاء ، وحب للخيرات ، وترك للمألوفات البشرية إلا الضروريات ، وهكذا رجال السلسة رضي الله عنهم ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلى بذلك ، والمهم للعبد أن يكون عبداً

ــــــــــــــــــــــــــ ص 34 ـــــــــــــــــــــ

لله ، وتلك العبودية لاتكون إلابالتمسك بالشرع الشريف ظاهراً وباطناً ، فلابد للإنسان أن يترك ما يريد إلى مايريده الشرع الشريف .

عبدالقادر حمود 09-25-2008 02:28 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{8} المؤمنون بالله عزوجل ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، على ثلاثة أصناف :

الصنف الأول : مؤمن ظالم لنفسه ، وهو على قسمين

1ً - عنده استعداد للترقي ، إلا أنه بهذا الاستعداد لايميز بين الحظوظ النفسية والشهوات الدنيوية من حب الشهرة والسمعة وغيرها ، وبين الحظوظ الروحية العلوية ، ومع عدم وجود هذا التمييز لا يسلّم لمن يعرفه ويعلمه من أهل الاختصاص حتى يأخذ بنصحهم ، والدين النصيحة ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2ً - عنده استعداد للترقي ، وباستعداده يميز بين الحظوظ النفسية وبين الحظوظ العلوية ، إلا أنه غلّب الحظوظ النفسية ، على الحظوظ الروحية ، حتى طمسها ، ولم تثمر ، فهو يتخبط في الظلمات بعلم لابجهل ، وهذا القسم ظلمه لنفسه أشد من ظلم القسم الأول .
الصنف الثاني : مؤمن موافق للشريعة والدين ، حسناته أكثر من سيئاته . هذا نرجوا الله عزوجل ، أن يعفو عنه بفضله تبارك وتعالى ، وأن لايعامله بعدله ، ومن هذا القسم أكثر عوام المؤمنين .
الصنف الثالث : مؤمن سابق بالخيرات ، وهذا القسم غلبت

ـــــــــــ ص 35 ـــــــــــــــــــــــــــ

علويتهم على حظوظهم جميعها ، الدنيوية والأخروية ، تركوا جميع الحظوظ ، ولم تلعب بهم الدنيا ولا النفس ولا الشهوات ولا المقامات ، ثابتون على الشريعة الظاهرة والباطنة ، مسلكهم وسيرهم وسلوكهم كله شهودي في مقام الإحسان ، محفوظون بحفظ الله عزوجل رضي الله عنهم ، ومع ذلك فهؤلاء في علويتهم لا يُنقصون من حقوقهم البشرية ، يأخذونها بأمر الله عزوجل كما قال تعالى : { ولَاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } . سورة القصص /77

وعلى المؤمن الصادق أن لايجعل نفسه مقياساً لهؤلاء الكرام رضي الله عنهم ، بل عليه أن يدعو الله عزوجل أن يفتح عليه وعلى غيره باب التحقيق حتى يلتحق بهؤلاء الأولياء الكرام رضي الله تعالى عنهم وعنا بجاههم الشريف . فإن قلت : هذه المراتب العالية التي سلكها السابقون بالخيرات صعبة وشاقة ، من يتبعها ؟ قلنا : إن الملامة على من اتبع الهوى ، والسلامة على من اتبع الهدى ، فالهدى بيّنٌ والهوى بَيّنٌ ، وربنا تبارك وتعالى نهانا عن اتباع الهوى ، واتباع من يتبع الهوى ، حتى لايكون الهوى إلهنا . قال تعالى :{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}. سورة فاطر /32

ـــــــــــ ص 36 ـــــــ

عبدالقادر حمود 09-26-2008 03:08 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{9} الردة نوعان :

الأولى : ردة عن الدين والعياذ بالله تعالى ، وهذا يُقتل لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) رواه البخاري والترمذي
الثانية : ردة عن الأخلاق الحميدة ، إلى الأخلاق الذميمة ، وهذه الردة تمنع ورود النور على قلب المريد ، وسبب هذه الردة بُعد الإنسان عن ربه عزوجل ، والبعد صفة العبد ، والقرب صفة الرب تبارك وتعالى ، فمن كانت صفته البعد عليه أن يتمسك بأذيال من كان قريباً من الله عزوجل ، ومن أقرب إلى الله من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وطريق التمسك بأذيال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتمسك بأذيال القريبين منه ، ومن أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراثه ؟ ونحن نتوسل إلى الله عزوجل بهم أن يقبلونا معهم .

{ 10 } سيف الشريعة الطاهرة مسلط على عاتق المؤمن ، فإذا لم يتقيد بالأوامر والنواهي الشرعية ، فإن سيف الشريعة يقطع عزته ويسلمه إلى نفسه الأمارة بالسوء والعياذ بالله تعالى ، فيضيع عمره بالمخالفات ، ويكون مثله مثل البهائم التي تأكل وترعى في المرعى ، ثم ترجع إلى المأوى ، وسبب ضياعه عدم صحبته للمرشدين ، وإن كان مصاحباً لهم ، فبسبب عدم التسليم لهم والأخذ بوصاياهم ، فلابد له من الصحبة مع التسليم والأخذ

ـــــــــــــــــــــــ ص 36 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالوصايا ، حتى يخرج من طبيعته البهيمية إلى الطبيعة اللائقة بحياة المؤمن السوي .

{ 11 } من انحرف عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو محروم من الطريقة مهما ادعى العلم والكشف وما شاكل ذلك ، فالاتباع فرض عين على السالك كما قال سيدي ابن عربي رحمه الله :
لاتقتدوا بالذي زالت شريعته عنه ولو جاء بالأنبا عن الله
لأن هذا خلاف ماأمر الله تعالى به ، قال تعالى : http://www.kalemat.org/gfx/braket_r.gif قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ http://www.kalemat.org/gfx/braket_l.gif [آل عمران:31].

فالحب مقيد بالاتباع ، فمن اتبع حصل على المحبة والرضا .

{ 12 } للوصول إلى الفناء بالله تعالى أربع درجات :
الأولى : التوبة من جميع الذنوب و المعاصي .
الثانية : كثرة الذكر لله عزوجل .

الثالثة : الاتباع في العبادات والعادات لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

الرابعة : ترك ما سوى الله تعالى من القلب .

{ 13 } الله عزوجل أمر الولد بالطاعة والبر لوالديه فقال { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }
لأن

ــــــــــــــــــــــــ ص 38 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العقوق قد يقع فيه الولد ، ولكنه تبارك وتعالى لم يأمر الوالدين بمحبة الولد لأنهما مفطوران على محبته . وكذلك المؤمن قد يقع في الخيانة أحياناً ، لذا حذره الله من ذلك فقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } سورة الانفال / 27
وأمره بالعدل لتصور الجور منه فقال : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } سورة الانعام /152
وقال : { اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ } سورة المائدة /8

عبدالقادر حمود 10-02-2008 01:54 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{14} إذا أردت أن تدخل في مقام الكمّل من الرجال المحفوظين ، فلابد لك من حفظ حدود الشرع ضاهراً وباطناً ، وفي الحديث الشريف : ( احفظ الله يحفظك ) رواه الترمذي

{ 15 } رضا الحق تعالى عن عبده مقيد بالشرع ، فمن أراد أن يعرف رضا ربه عنه فلينظر إلى تمسكه بالشرع ظاهراً وباطناً ، فمن تمسك بالشرع في المكره والمنشط ترقى وانتفع إن شاء الله تعالى ، ورضي الله عنه بموافقته للشرع ، ورضي هو عن مولاه لما أولاه من نعم .

{ 16 } القانون الإلهي في الأرض هو القرآن الكريم فلا يجوز

ـــــــــــــــــــ ص 39 ـــــــــــــــــــــــــــــــ

للمسلم أن يخالف مواد هذا القانون ، كما أن الدول لا تسمح لأي شخص كان أن يخالف مواد قانونها .

{ 17 } العلم نوعان ، كسبي ووهبي ، أما الأول فتحصيله يكون بالاجتهاد والمذاكرة والمثابرة ، والثاني طريقه تقوى الله والعمل الصالح ، وهذا العلم يسمى العلم اللدني قال تعالى : { وَ عَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً } سورة الكهف
وهذا العلم النافع يهبه الله تعالى لمن يشاء من عباده المتقين وإليه أشار الإمام الشافعي رحمه الله بقوله :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لايهدى لعاصي .

{ 18 } أنت مؤمن من حيث الاعتقاد والحمدلله ، ولكن لابد من العمل بمستلزمات الإيمان ، وهذا لايكون إلا إذا طابق القول والفعل ما استقر في القلب من اعتقاد ، وفي الحديث الشريف : ( الإيمان معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان ) أخرجه ابن ماجه والطبراني
فالمؤمن عليه أن يفعل أفعال المؤمنين ، الذين ذكروا في القرآن الكريم ، لأن الله عزوجل ذكر في القرآن أفعال المخالفين من كفار وسفهاء ومنافقين ، حتى نجتنب أفعالهم وسيرتهم ، هؤلاء خربوا مستقبلهم في الآخرة فلا تكن مثلهم ، كن ممن وافق عمله قوله

ـــــــــــــــــــــــــ ص 40 ــــــــــــــــــــــــــــ

ومعتقده وإلا اقرأ قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ}. {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} سورة الصف /3


{ 19 } إذا راعيت صلاتك المفروضة مع آدابها وسننها وخشوعها فإن تلك الصلاة تجعلك تترك المخالفات بالكلية ، قال تعالى : { إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر} سورة العنكبوت /45
ِ

وهذا وعد قطعي من الله تعالى والله لايخلف الميعاد ، فإذا صليت ولم تنهك صلاتك عن الفحشاء والمنكر فأعد النظر في صلاتك وتمم نقصانها ، وإذا أردت الصلاة هيئ قلبك لمناجاة ربك فإن الصلاة هي معراج السالكين ، وصلّ صلاة مودع .

{ 20 } نظر الرجال إلى النساء ، ونظر النساء إلى الرجال ، يذهب الحياء من الوجه ، ويطفئ نور الإيمان من القلوب وفي الحديث : ( النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ) رواه الحاكم
هذا السهم يدخل القلب عن طريق جارحة البصر ، لذلك أمر الله المؤمنين والمؤمنات بغض البصر فقال : {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } سورة النور /30
وقال : { " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارهنَّ } سورة النور /31

ـــــــــــــــــــ ص 41 ـــــــــــــــــ

عبدالقادر حمود 10-04-2008 11:27 AM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 21 } السير والسلوك ليس بالكلام بل بالقلب ، وعلامته :
1ً ـــــ التمسك بالشرع ظاهراً وباطناً.
2ً ــــ الأخذ من الدنيا بمقدار الحاجة ، لأن التفكر في أفعال الله وصفاته يمنع الأشتغال في الدنيا أكثر من الحاجة قال تعالى : { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنس َنَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } سورة القصص / 77
وترك العمل في الدنيا ليس دليلاً على عدم محبتها ، بل هو مغاير للشرع الشريف ، فيجب العمل فيها بمقدار الحاجة مع عدم تعلق القلب بها إقبالاً وإدباراً .

{ 22 } التوحيد في العبادة معناه : إفراد المعبود بالعبادة ، وإذا ثبت عند المريد التوحيد فإنه لايتعمد فعل المعصية ، وإذا وقع فيها فإنه يتوب ويستغفر ويرجع ويكاد أن يذوب حياءً من الله عزوجل ، فإذا لم يشعر بذلك ولم يكترث بفعل المعصية فعليه أن يقوي إيمانه بكثرة الذكر وتلاوة القرآن الكريم وقراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا فعل ذلك عظمت خشية الله في قلبه بإذن الله تعالى ، وعندها يستحي من الله إذا وقع في معصية أو غفلة .

{ 23 } النبي صلى الله عليه وسلم له جهتان :
1ً - جهة التقدير ، كما في الحديث الشريف ( كنت أول

ــــــــــــــــــــــــــــ ص 42 ــــــــــــــــــــــــــــــ

الناس في الخلق وآخرهم في البعث ) رواه ابن سعد في الطبقات وهو صحيح
فمن هذه الجهة هو النبي صلى الله عليه وسلم نبي من جنده الأنبياء ، لأنه ما من نبي بعثه الله تعالى إلا وكان يأخذ العهد من قومه أن يتبعوه صلى الله عليه وسلم إذا ظهر .
2ً جهة الوجود ، كان صلى الله عليه وسلم آخرهم في البعث لذلك هو صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين لمن مضى ولمن هو موجود في عصره ، ولمن سيأتي ، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين .
{ 24 } كثير من الناس يتمنون رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم مناماً ، ولاشك أن رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم مناماً من نعم الله على العبد ، ولكن عليه أن لا يغتر ، لأنا ما أمرنا بنص القرآن أن نطلب رؤية رسول الله في المنام ، بل أمرنا باتباعه صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى { فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ } سورة ال عمران / 31
فهو أسوتنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21)

والأسوة به صلى الله عليه وسلم والاتباع له ، قولاً وفعلاً ، روحاً وقلباً . ومن كان هذا وصفه ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لايغيب عنه لحضة واحدة ، وقد يجتمع به صلى الله عليه وسلم يقظة . نسال الله أن ينفعنا بالأولياء الكرام .

ـــــــــــــــــــــ ص 43 ـــــــــــــــــــــــــــــــ

عبدالقادر حمود 10-06-2008 02:32 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 25 } خالق المخلوقات جل جلاله ، رتب صدق محبة العبد لله عزوجل ، ومحبته تبارك وتعالى لذلك العبد ، على اتباع أفضل المخلوقات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقال : ‏{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } سورة ال عمران /31
وهذا أمر خارق للعادة ، لذلك ما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حق المعرفة الا الله عزوجل نسأل الله أن يوفقنا لاتباعه صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً ، روحاً وقلباً . آمين .

{ 26 } مقام الخوف من الله عزوجل ، يقابله مقام الرجاء من الله عزوجل ، وهذا لعامة المؤمنين ، فأنهم يعبدون الله إما خوفاً من ناره وإما رجاءً في جنته ، أما مقام الخواص ، فإنهم يعبدون الله عزوجل من مقام المحبة ، لكونه إلهاً يستحق العبادة وهذا المقام أعلى المقامات وأشرف الدرجات ، وهذه هي العبودية والفارق كبير بين من يعبد الله من مقام الخوف والرجاء ، وبين من يعبده من مقام المحبة . وعلى كل حال يجب أن يعتدل خوف المؤمن ورجاؤه ، أما من كان مستغرقاً في المعاصي فمقام الخوف أنفع له ، ومقام الخوف على قسمين :
القسم الأول : خوف من العقوبة .
القسم الثاني : خوف من عظمته تبارك وتعالى . ومن خاف من الله عزوجل تعظيماً لمقامه ، كان أفضل من الذي خافه من

ــــــــــــــــــــــــ ص 44 ـــــــــــــــــــــــــــ

عقوبته .
ومن أراد أن ينتقل من مقام خوف العقوبة إلى مقام الخوف من عظمته فعليه بكثرة الذكر لله عزوجل ، وقراءة القرآن بتدبر ، والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد أن ينتقل إلى مقام الخوف من العظمة ، ويداوم على كثرة الذكر مع الحضور التام ، عندها ينتقل إلى مقام المحبة بإذن الله عزوجل . نسأل الله أن يلحقنا بأسيادنا الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم .

{ 27 } أيها المؤمن صفتك العظيمة ــــــ الإيمان ـــــــ تــــــــأبى ألا تُقبلَ على خطاب ربك عندما يقول : { يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا }
فالامتثالَ الامنثال َ ، واستيقظ من رقدة الغفلة ، ودعِ الشح والحرص على جمع حطام الدنيا ، فالرزق مقسوم ، ودائرة الحلال تكفينا ، والخروج منها من سوء الأدب فاستحِ من الله حق الحياء ، حتى تنال مقام المتقين الذين وعدهم الله الجنة حيث يقول تعالى : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } سورة الدخان /51

{ 28 } لا تضع الشئ في غير ما خلق له ، لأنه يكون ظلماً ، فإذا أمرتْ نَفسُك أي جارحة من جوارحك بارتكاب مخالفة شرعية ، فلا تستجب لها ، واستحِ من الله عزوجل ، لأن الله عزوجل أمرك قبل أن تأمرك نفسك ، فأمر الله مقدم على أمر النفس ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــ ص 45 ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأمر الله إن استجبت له سعدت وحييت حياة لا شقاوة معها ، وأما أمر النفس إن استجبت له شقيت شقاوة لا سعادة معها إلا إذا تبت إلى الله توبة صادقة .

عبدالقادر حمود 10-08-2008 11:00 AM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 29 } ذهب أهل الحق والعرفان من القوم إلى أن الأرواح مختلفة بحسب جوهرها ، وقسموها إلى قسمين :
القسم الأول : أرواح علوية نورانية ، لها شعور بعالم الأرواح تستفيد بالفيض من عالم الأرواح أموراً عجيبة ، وهذه الأرواح الفاضلة انواع :
1ً - أعلى هذه الأرواح وأقدسها أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وعلى رأس هذه الأرواح ، روح سيد الكائنات عليه الصلاة والسلام ، وإن الله عزوجل لما أراد أن يجعلهم قدوة للخلق جمع في نفوسهم جميع أنواع الفضائل ونفى ضدها عنهم . نسأل الله أن ينفعنا بهم .
2ً - من الأرواح الفاضلة النورانية أرواح الأولياء رضي الله عنهم ، ولما كانت هذه الأرواح تابعة لأرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، متشبهة بها صدرت عن أرواحهم آثار عجيبة ، نفعنا الله بهم .
3ً- من الأرواح الفاضلة ، ارواح اصحاب الفراسة ، وهي تستدل بالأحوال الظاهرة على الأمور الباطنة ، وهو استدلال

ــــــــــــــــــــــــص 46 ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

صحيح قال تعالى : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ} سورة الحجر /75

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ) رواه الطبراني والترمذي

القسم الثاني : أرواح كثيفة كدرة ، مشغوفة بالجسمانية ، لاحظّ لها من عالم الأرواح والعياذ بالله قال تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ } سورة آل عمران / 13
أي إن ما حل بهم من الدمار والعذاب ، لآيات ودلالات وعلامات للمعتبرين المتأملين بعين البصر والبصيرة

{ 30 } أولياء الله عزوجل لا يلتفتون إلى المعاريض ، خوفاً من الكذب ، لأن قوة إيمانهم تدفعهم إلى عدم الالتفات لذلك ، مع أن المعاريض تكون أحياناً مباحة للحديث الشريف : ( إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب ) رواه البخاري في الادب المفرد
أما ضعف الإيمان وقلته فلا تمنع العبد من الكذب ، نرجو الله عزوجل أن ينمي الإيمان في قلوبنا .

{ 31 } العبد إذا خالف أمراً من أوامر الله عزوجل ، وأصر عليه والعياذ بالله ، فإنه ينقص إيمانه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) رواه البخاري
أي إيماناً كاملاً ، فلنقص الإيمان يقع في

ـــــــــــــــــ ص 47 ـــــــــــــــــــــــــــ
المعاصي ، فلابد من الاستغفار بعد المعصية ، ولابد من كثرة الذكر لأنه بالذكر يتجدد الإيمان ويقوى .

عبدالقادر حمود 10-09-2008 01:30 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 32 } قبل قيامك بأي عمل يجب عليك أن تصحح نيتك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنما الأعمال بالنيات ) رواه الشيخان
فإذا صححت نيتك وكانت خالصة لوجه الله عزوجل ، فإن الوسوسة التي تأتي أثناء القيام بالعمل لا تضر ، لأن الله تبارك وتعالى أكرمَ الأكرمين ، هو الذي وفقك لتصحيح النية ، والشيطان يريد أن يحبط عملك بالوسوسة ، فيشوش عليك عملك ، فلا تلتفت لوسوسته فإنه أضعف من أن يحول بينك وبين قبول عملك عند الله عزوجل .
{ 33 } الأحكام الشرعية لاتثبت بالرؤيا ، بل بالكتاب والسنة ، والأمور كلها متعلقة بالقضاء والقدر ، فإذا جاء الإذن الخاص لعشرين رجلاً فرضاً فإني لا أمنع من ذلك خوفاً من الله تعالى ، وخوفاً من رسوله صلى الله عليه وسلم أن أخالفه ، والإذن الخاص له جهات ثلاث :
الأولى : جهة اجتهادية .
الثانية : جهة استخارية ، والشيخ في هاتين الجهتين له الخيار في العطاء والمنع ، لأن الاستخارة ليست بملزمة والاجتهاد من باب أولى .

ــــــــــــــــــــــــــ ص 48 ـــــــــــــــــــــــــ

الثالثة : جهة قطعية ليس فيها حظ من الاجتهاد ، وهذا يأتي صراحة وليس عن طريق الرؤيا ولا الإشارة .
وإذا خالف المأذون ـــــ من أي جهة كان إذنُه ـــــ شيخ الطريقة وآداب أسيادنا رضي الله عنهم ووجه الناس إلى نفسه والعياذ بالله تعالى ، فإن الشيخ يسحب منه الإذن ، وإلا فهو خـــائن بتوجيه المؤمنين إلى من لا يعتد بقوله وفعله في الإسلام وآداب الطريقة . لأن الإذن ما أعطي إلا على الاستقامة ، والاستقامة الشرعية شرط للمأذون وشرط للشيخ فإذا انحرف المأذون عن الاستقامة فما هي فائدة الإذن ؟ وإذا الشيخ لم يسحب منه الإذن فهو كذلك منحرف عن الاستقامة ولذا قال ربنا عزوجل في كتابه العظيم : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ } سورة الانعام / 153
هذا خطاب يشمل الشيخ والمأذون على حد سواء ، ورضا الله تعالى متعلق بالاستقامة . هذا أمر عام مرتبط بآداب الطريق المأخوذة من الأقطاب رضي الله عنهم .
{ 34 } بنور النبوة تُغيَّرُ الطبيعة البشرية ، وهذا النور لا يكون إلا بالاتباع والتسليم ، ونور النبوة باق إلى قيام الساعة بوراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن سرى إليه ذلك الخيط النوراني وقواه بالاتباع وجاءته هزات من أعدائه ــــــ وأعداؤه : نفس وشيطان ودنيا

ــــــــــــــــــــــــــ ص 49 ــــــــــــــــــــــــــــــ

وخلق ... ـــــــ وقلبه لا يطلب الا الله فإن تلك الهزات لاتنزله ولا تسقطه ما لم يسقط من عناية الله عزوجل ، بل يصبر على البلاء والمصائب حتى يلقى مولاه لقوله تعالى : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )(99) الحجر
لأن القلب الرباني والروح الرباني لا يطلبان إلا الوطن الأصلي .

عبدالقادر حمود 10-09-2008 02:22 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 35 } الأخذ بالشريعة ضمان لحسن الخاتمة إن شاء الله تعالى ، لأنها الوحي السماوي التي بُلغت على لسان سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام ، فليس هناك أفضل منها للتقرب إلى الله عزوجل ولاتباع مبلّغ الشريعة صلى الله عليه وسلم ، فالمريد الصادق ابن وقته وهو يستغل وقته لتغيير طبيعته البشرية حتى يكون ضاهره بشراً وباطنه ملكاً ، وهذا لا يكون إلا إذا عمل بمقتضى الإيمان .

{ 36 } اعلم أن اسم الواحدية يدل على أنه محيط بكل شئ ، واسم الأحدية يدل على أن كل شئ حي يشير إلى كل اسم له تعلق بالكون ، فالتجلي بالواحدية يحيط بكل شئ ، والتجلي بالأحدية بإراءة كل شئ لكل الأسماء .
والحاصل : كما أن الحياة برهان الأحدية ، فالموت دليل السرمدية والبقاء ، ففي كل شئ له شاهدان على أنه واجب وواحد ، وفي كل حي له آيتان على أنه أحد صمد. فالأحدية
ـــــــــــــــــــــ ص 50 ـــــــــــــــــــــــــــــــ
تعلقها بالموجودات ، والواحدية تعلقها بالذات ، وكل ذي روح حي له تعلق بالصمدية .
{ 37 } بلاء المسلمين من أربع جهات :
1ً ـــــ تركهم للشريعة المحمدية ظاهراً وباطناً إلا من رحم ربي .
2ً ــــــ ابتلاؤهم بما ابتلى به بنو اسرائيل من تبرج النساء والعياذ بالله .
3ً ــــــ بعض أهل الإيمان اتخذوا الكافرين أولياء .
4ً ــــــ تركهم الاستشارة الإسلامية ، مع أنها أمرٌ مهمٌ ، أُمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم . بهذه الأمور تفكك المسلمون ، مع أن الله عزوجل أمرهم بالاجتماع والتعاون على البر والتقوى فقال : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} سورة المائدة /2
خذوا بوصية الله عزوجل ، والأخذ بهذه الوصية إنما هو عمل بمقتضيات الإيمان ، فلابد من التعاون والتناصح ، وهذا لايكون إلا بالشفقة والرحمة والأخلاق الحميدة ، التعاون لايكون بالجفوة والأخلاق الذميمة ، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء .
{ 38 } الإكثار من كلمة التوحيد تغير الإنسان وتجعله ذهباً صرفاً ، ولكن لابد من كثرة الذكر مع الحضور التام ، وليس هناك شئ أفضل من الذكر بعد الصلاة ولو وُجِدَ لُقلتُه لكم ،
ــــــــــــــــــ ص 51 ــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبالذكر يترقى الإنسان ويخفف طبيعته البشرية ، ومعرفة الله تعالى لاتكون إلا بتخفيف الطبيعة البشرية ، فإذا حصلت المعرفة والمعية مع الله تعالى فإن الطبيعة البشرية لاتطلب إلا بمقدار الحاجة .

عبدالقادر حمود 10-10-2008 02:38 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 39 } لو عرف الناس حقيقة الذكر وقيمته ، ماتركوه ليلاً ولا نهاراً ، ويكون مثلهم مثل الجائع الذي إذا لم يجد شيئاً أكل الحشيش ليسد جوعه .
والذكر يوقف صاحبه على الحقائق التالية :
1ً ــــ بكثرة الذكر يقف على حقيقة النفس الأمارة بالسوء ، وعلى خبثها ومكرها ، عند ذلك يخالفها ويعاديها .
2ً ــــ بكثرة الذكر يقف على حقيقة الشيطان ووسوسته فيخالفه ويعاديه .
3ً ــــ بكثرة الذكر يتهيأ القلب لتلقي الأنوار ، وعندها ينفسخ وينشرح ولا يرضى إلا بخالقه .
4ً ــــ بكثرة الذكر تتصل الروح بخالقها ، وتشتاق إلى موطنها الأصلي . وهذه هي السعادة الأبدية .
{ 40 } حضور مجالس الذكر في طريقتنا له ثلاث فوائد :
أولاً : الضعيف يقوى .
ثانياً : القوي يرقى .
ثالثاً : من كانت عنده شكوك وإشكالات ، فإنها تزول بحضور تلك المجالس ، فلا يجوز ترك هذه المجالس بدون عذر ، ولو كان

ـــــــــــــــــــــــــــــ ص 52 ــــــــــــــــــــــــــــ

قوياً في سلوكه ، وحضور الضعيف من باب أولى ، وصاحب الإشكالات من باب أولى وأولى ، أنها مجالس يباهي الله بها الملائكة الكرام .
{ 41 } عليك بقراءة القرآن الكريم وقراءة التفاسير ، واعمل بما فهمت ، فإذا عملت بما علمت وتركت المعاصي علمت علماً لدنياً بإذن الله عزوجل ، وهذ العلم وهب ، وإن لم توهب ذلك ، فيكفيك سلامتك على دينك وإيمانك بتركك المعاصي .
{ 42 } حافظوا على تلاوة القرآن الكريم في كل يوم ، وعار على من كان في الطريق الشاذلي أن لا يقرأ في كل يوم جزءاً ، لأنه لايوجد أفضل من القرآن الكريم بعد الصلاة المفروضة ، وفهم معاني القرآن روح لإيمان العبد ، علينا أن نقوي الإيمان بتلاوة القرآن الكريم وفهم معانيه ، وإذا قوي الإيمان ببركة القرآن ، عندها يسهل علينا ، نتخلق بأخلاق رسول الله :extra58: ونرمي الأخلاق الذميمة ، نسأل الله أن يوفقنا لذلك .
{ 43 } أولو الألباب هم أهل الذكر والفكر ، ويسألون الله تعالى أن يميتهم مع الأبرار والأبرار فوق أولي الألباب ، وهم يسألون الله أن يدخلهم الجنة بغير حساب ، وحسنات الأبرار سيئات المقربين ، أما المقربون نسأل الله أن ينفعنا بهم ، هؤلاء ليس لهم دنيا يطلبونها ، ولا آخرة يفرحون بها ، هم بالله ولله ، مقصدهم

ــــــــــــــــــــ ص 53 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأعلى العبودية ، بدون التفات إلى مقامات .

عبدالقادر حمود 10-13-2008 11:17 AM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 44 } الورد بأمر من الله عزوجل وبأمر من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاستغفار ، ومن الصلاة على سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم ، ومن قول { لاإله إلا الله } ، فليس لأحد أن ينكره أو يتركه . فمن أنكر فلجهله .
ومن حرم الأوراد في بدايته حرم الواردات في نهايته ، فعليك بالأوراد ولو بلغت المراد ، والذكر مع وجود الغفلة سببه قلة الذكر ، فلابد من كثرة الذكر حتى تنقل إلى الحضور ، قال تعالى { اذْكرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً } سورة الاحزاب 44
وهذا صعب وليس بسهل فلا بد من المجاهدة لقوله تعالى: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } سورة العنكبوت /69
{45} المريد الصادق يأخذ بوصية الله عزوجل ، وليس هناك أفضل وأكمل من وصية الله حيث يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا } سورة الاحزاب /41
وقُيد الذكر بالكثرة ، لأن الفائدة من الذكر لا تتحقق إلا بالكثرة ، فإذا رأيت ثقل الذكر على لسانك اتهم نفسك بالنفاق ، لأنه من أوصاف المنافقين ، لقوله تعالى فيهم : { وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } سورة النساء /142
فلابد من الاستغفار والتوبة ، حتى

ــــــــــــ ص 54 ـــــــــــــــــ

تقوى على ذكر الله ، وبكثرة الذكر تخفف من طبيعتك البشرية ، فلا تأخذ من الدنيا إلا بمقدار الحاجة ، وعندها قلبك لا يميل ولا يرضى إلا بمولاك . فلابد من المجاهدة وكثرة الذكر . اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ولا تجعلنا من الغافلين .
{ 46 } معرفة الله تبارك وتعالى ، لا تحصل إلا بعد معرفة النفس ، ومعرفة النفس لا تكون إلابعد معرفة المعرّف ، والمعرفون على قسمين كامل وناقص .
فالكامل : هو من كان وارثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظاهر والباطن ، فهذا يستفاد منه .
والناقص : من ورث علم الظاهر فقط فلا يصلح أن يكون معرفاً على الله تعالى . لذلك أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر رضي الله عنهما فقال ( يا ابن عمر دينَك إنما هو لحمك ودمك ، فانظر عمن تأخذ ، خذ الدين عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا ) أخرجه الحافظ ابن عدي في كنز الاعمال
ورحم الله الإمام مالكاً الذي قال : ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ، ومن جمع بينهما فقد تحقق ) فلابد للوارث الذي يصلح لأن يكون معرِفاً أن يجمع علم الظاهر والباطن .

{ 47 } ليس كل عام وارثاً ، وإلا لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث :
ـــــــــــــ ص 55 ــــــــــــــــــــ
( أن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه .... ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن ، فأتي به ، فعرفه نعمه فعرفها ، قال . فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن ، قال كذبت ، ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ) رواه مسلم والنسائي
ولكن العالم الوارث هو من كان على سيرته صلى الله عليه وسلم . وهو موجود إلى قيام الساعة ، لأن الدين باق حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، والحمدلله . ولن يبقى هذا الدين بدون وارث . والوارث له شرطان :
الشرط الأول : أن لايطلب أجراً على دعوته ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى : { قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى } سورة الشورى /23
وقال : { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ } سورة يونس /72
الشرط الثاني : أن يكون مستقيماً على شرع الله عزوجل ، كما استقام النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال الله تعالى : { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ } سورة هود/112
انتقل النبي صلى الله عليه وسلم ، وبقي الدين ، وإذا بقي الدين وجب أن يبقى

ــــــــــــــ ص 56 ـــــــــــــــــــ

من يدعو الناس إلى الله تعالى ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما انتقل حتى ترك وراثاً وخلفاء يقومون بمقامه صلى الله عليه وسلم مع فارق المقام . رضي الله عنهم وألحقنا بهم .

عبدالقادر حمود 10-14-2008 07:17 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 48 } المرشد في الطريقة هو :
1ً ــــ من كان خبيراً في الطريق بشهادة مورثه .
2ً ـــ من كانت عنده خبرة في إزالة العقبات من طريق السالكين كما أزالها له شيخه .
3ً ـــ من كان داعياً إلى الله عزوجل لا إلى نفسه ، لأن هذه هي مهمة مورث الوارث عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، قال تعالى : { وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا } سورة الاحزاب /46
ولا يستفيد من المرشد إلا من كان عنده التسليم التام ، بعد المرافقة والموافقة والمحبة والخدمة ، والمقصود بالخدمة خدمة الطريق ، لا الخدمة الشبحية لشخصية المرشد ، وإذا خَالَفتْ توجيهاتُ المرشدِ فكرَ المريد وعقلَه عليه أن يذاكره حتى لا يتوقف في سيره إلى الله تعالى لأن الله هو الغاية ، فيتابع توجيهه إلى النهاية ، ولا يطلب التبيين قبل أوانه وخاصة في مجال التربية والتزكية قال تعالى على لسان الخضر : { فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ


ــــــــــــــ ص 57 ـــــــــــــــــــــ

ذِكْرًا } سورة الكهف / 70


وإحداث الذكر في أوانه

{ 49 } ركن ديننا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخروج جسده الشريف من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ لا يعني خروج الدين من الدنيا ، فهو باق لآخر الدنيا والحمدلله ، ولن يبقى هذا الدين بدون وراث فوراث رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودون إلى يوم القيامة لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لايضرهم من خالفهم حتى يأتي امر الله ) رواه الشيخان
ونعني بالوارث : هو الذي ورث الدعوة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وورث الاستقامة عنه صلى الله عليه وسلم لأن الله عزوجل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة فقال له : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } سورة النحل / 125
وأمره بالاستقامة فقال له : { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } سورة هود / 112

فرسول الله صلى الله عليه وسلم استقام على شرع الله ، ودعا الناس إلى تلك الاستقامة ، ووراثه الكرام رضي الله عنهم استقاموا على سيرته صلى الله عليه وسلم ، وقاموا مقامه السامي مع فارق المقام .

{ 50 } يقول بعض العارفين بالله :

ـــــــــــــــــــ ص 58 ـــــــــــــــــــــــ

هناك فرق بين الشيخ الولي المرشد وبين المتمشيخ ، فإذا كان هدفُ مقصِدِهِ اتحادَ الإسلام ، ومسلكُه المحبة ، وشعاره ترك التزام النفس ، ومشربه المحوية ، وطريقه الحمية الإسلامية ، هذا يحتمل أن يكون شيخاً مرشداً . أما إذا كان يريد أن يُظهر مزيته بتنقيص غيره ، ويصور في خيال أتباعه خصومة الغير في صورة محبتهم لنفسه ، ملقياً إلى أذهانهم أن محبتهم له تستلزم خصومة الغير فهذا ليس شيخاً ، بل متمشيخ مترئس وذئب متغنم يضرب الطريقة أو الكتاب بدل الطبل ليأخذ الهدية ، هذا وأمثاله يصيدون الدنيا بالدين ، إما للذة منحوسة ، أو تهوس سفلي أو اجتهاد خاطئ ، أو ورطة وخدعة ، وهو يظن أنه يحسن ، ولا يشعر أنه قد أساء للمشايخ الكرام ، والذوات المباركة ، بفتح الباب لسوء الضن في حقهم . أجارنا الله من شرور أنفسنا .
{ 51 } لوازم دوام الحال بين يدي المرشد أمور خمسة :
اولاً: ملازمة الشرع الشريف ظاهراً وباطناً .
ثانياً: ملازمة الذكر لله عزوجل مع الحضور التام الدائم .
ثالثاً: ملازمة المحبة ومحبة بلا عمل لاتدوم .
رابعاً: ملازمة التسليم لأن الاعتراض سم قاتل ويخشى على صاحبه من سوء الخاتمة .
خامساً: ملازمة الخدمة ــــ أعني خدمة الطريق ـــ
ـــــــــــــــــ ص 59 ــــــــــــــــــ

عبدالقادر حمود 10-14-2008 07:29 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 52 } إذا كنت تزعم أنك محب لشيخك فانظر في قلبك ، إذا وجدته أبغض الدنيا فهذا دليل على صدقك ، وإلا فلا . وجمع المال فوق الحاجة فتوى ، والاكتفاء تقوى ، وقليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ، وصاحب التقوى يرضى بالقليل ولا يغتر بالكثير .
{ 53 } البيعة بيعتان : بيعة صورية وهمية ومحلها الشبح ، وهذه لا تنفع كبيعة عبدالله بن أُبيّ بن سلول ، وبيعة حقيقية وهذه محلها القلب .
والبيعة سبب الرضا قال تعالى : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } سورة الفتح / 18
وحقيقة هذه البيعة الاتباع ظاهراً والتسليم باطًناً.
وهذا الرضا ليس مقصوراً على أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يشمل كذلك من جاء بعدهم لقوله تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } سورة التوبة / 100
اللهم اجعلنا منهم آمين .
فلابد من الالتزام بين العلة والمعلول ، فمن نفى الالتزام نفى البيعة ، ولابد من الصدق من المبايِع حتى يصلح دينه ودنياه .

ــــــــــــــــــ ص 60 ـــــــــــــــــــــ
{ 54 } المريد مريدان : مريد للسير والسلوك ، ومريد للتبرك وهذا أكثرهم . فالأول يجب عليه أن يتخلق بأخلاق شيخه ، ويأتمر بأوامره ، ويجتنب نواهيه ويترك ما يهواه لما يهواه شيخه ، وهذا هو الفناء بالشيخ . والطريق ليس بالقيل والقال بل بالأعمال . الصوفية أرباب أحوال وأعمال لا أرباب دعاوي وأقوال .
{ 55 } الإنسان باعتقاده وأخلاقه ، ولابد من مصاحبة صاحب الاعتقاد السليم والأخلاق الحسنة حتى يسري الحال منه لصاحبه ، وحال رجل في ألف رجل خير من وعظ ألف رجل في رجل ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } سورة التوبة / 119

وهؤلاء الصادقين سيُسألون عن صدقهم يوم القيامة لقوله تعالى : { لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ } سورة الاحزاب / 8
فيُسأل ماذا أردت من هذا الصدق ؟ ولماذا صدقت ؟
{ 56 } المأذون من الله ورسوله لا يميز بين نفسه وبين أفراد الطريق ولا يترفع على أحد منهم ، وكلامه كلام من أذن له ، فإذا تكلم كان كلامه مكسواً بالنور ، ولا يرى ذلك إلا من كان قلبه منوراً ونفسه مستسلمة ، وكلام غير المأذون يكون عارياً عن ذلك النور . ولا يصلح للإذن من كان فيه شائبة من حظ نفسه ، وأنا

ـــــــــــــــ ص 61 ـــــــــــــــــــــ
لاآمن على رضا الله عزوجل لمن خالف شيخ الطريقة إذا كان سنده متصلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم . لأن الحقيقة النبوية توجد في المرشد الكامل الصادق مع فارق المقام ومنه ينتقل سر الطريق إلى الصادقين .
{ 57 } للمرشد شخصيتان ، شخصية شبحية وشخصية إيمانية ، أما الشبحية فهي قابلة للموت ، وأما الشخصية الإيمانية . فإنها ليست ملكاً للمرشد إنما هي من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلا تتعلق بالشخصية الشبحية ، بل تعلق بالشخصية الإيمانية . فإذا ما متُ فلا تفعلوا بالذي يأتي من بعدي كما فعلتم معي وتقولون مات شيخي مات شيخي بل اتبعوه .

عبدالقادر حمود 10-14-2008 07:34 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 58 } الشيخ الذي يجب أن نتأدب معه هو من كان عالماً بالكتاب والسنة ، قائلاً بهما في ظاهره ، ومتحققاً بهما في سره ، ويراعي حدود الله عزوجل ، ولاتأخذه في الله لومة لائم ، ويوفي بعهد الله الذي أخذ عليه من أشياخه في حال حياتهم وبعد وفاتهم .
{ 59 } الإذن العام يكون أحياناً بلاء على الطريقة ، لأن الناس يجتمعون على هذا المأذون وقد يكبر بنفسه ، وهو لا يوجههم إلى الطريقة بل إلى نفسه ، حتى إذا جاء شيخ

الطريقة لا يتبعوه ، فعليكم أيها المأذونون بتوجيه الناس إلى طريقهم ، وترك المخالفين
ـــــــــــــ ص 62 ــــــــــــــــــــ
وعدم التحدث عنهم ، وترك الحسد ، والتخلق بالأخلاق المحمدية ، ورمي الاخلاق الذميمة ، ووالله إني أستحي من الله أن أقول عن نفسي أنا شيخ أنا مرشد . فكل شئ مع الله مفقود .
{ 60 } لايجتمع أهل الحق الا على رجل طرح نفسه ، ولم تكن له حظوظ ، والناس كلهم لايمكن أن يكونوا مرشدين ، فلابد من رجل واحد يجتمع الناس عليه ليدلهم على الله عزوجل ، فما فات من أعمارنا من ضياع واتباع للعصبية يكفي ، فأن العمر لاعوض له ، وما حصل لنا من ذاك العمر لاقيمة له .
{ 61 } محبة المؤمن لنا جيدة وطيبة ، ولكن من أحبنا يجب عليه أن يعمل بالطريق ويلتزم به ، ولابد له من الالتزام بباب الطريق حتى يصل إلى الجوهرة ، وهذا هو الحب الحقيقي وكلنا محتاج إلى هذا الطريق فنحن مع الإذن لا مع الأشباح . والذي يتبع نفسه إذا وافقناه واتبعناه كانت نفسه سيدة علينا ، وهو مخالف لأمر الله عزوجل حيث يقول : { وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } سورة الكهف /28
{ 62 } تطلبون منا الرضا ونحن نطلب منكم الصدق ، والصدق يستلزم الرضا ، أما الرضا فإنه لا يستلزم الصدق . وإذا كان ما في قلوبكم موافقاً لما جرى على ألسنتكم تستفيدون في
ــــــــــــــ ص 63 ـــــــــــــــــــ
دينكم ودنياكم ، وأما إذا كان لا قدر الله مخالفاً لما في قلوبكم فإنه يكون حجة عليكم يوم القيامة ، والله عزوجل يعامل العبد يوم القيامة على مافي قلبه من الصدق . ولا تنظروا حكم الغير على صدقكم ، لأنهم ليسوا واقفين على ما في قلوبكم ، يكفيكم علمكم بما في نفوسكم ، وربكم أعلم منكم بما فيها .

عبدالقادر حمود 10-17-2008 11:53 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 63 } المريد الصادق مع شيخه الواصل قد يستفيد منه في حال بعده أكثر من قربه ، والله تعالى يقول : { إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } سورة الأعراف / 19 .

فالله يتولى هؤلاء الصادقين
.

{ 64 } الانتفاع من المرشد في حال بعده يكون بشروط :
ــــ الاعتقاد بأن هذا المرشد متصل برسول الله صلى الله عليه وسلم ، بالسند المتصل ، شيخاً عن شيخ .
ـــ الاعتقاد بأن هذا المرشد ماجاء بنفسه ، إنما جاء بإذن شيخه عن شيخه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس داعياً لنفسه ، بل داعياً إلى الله عزوجل .
ــــ الاعتقاد بأن المرشد تقي نقي على سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
{ 65 } الشيخ المتوفي لا يتصرف في الظاهر بشئ لأن تصرفه في الظاهر انقطع بموته ، ولو لم يكن كذلك لاكتفى البشر برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى وهو صلى الله عليه وسلم سيد البشر



ـــــــــــــ ص 64 ـــــــــــــــــ

والملائكة ولكن جاء بعده صلى الله عليه وسلم الصديق رضي الله عنه ، فمن مات شيخه وجب عليه أن يتمم سيره وسلوكه على يد شيخ حي ، ولا يجوز له أن يدعي أن شيخه في قبره يكلمه ، ومجالسة الوارث مجالسة لمورثه .
{ 66 } يقول تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } سورة يونس / 57 .
الموعظة


: هي ظاهر الشريعة ، وفيها إشارة إلى تطهير ظواهر الخلق عما لا ينبغي .

وشفاء لما في الصدور


: هو باطن الشريعة ، وفيه إشارة إلى تطهير النفوس من العقائد الفاسدة ، والاخلاق الذميمة ، وهذا ما نسميه طريقة .

وهدى : هو الحقيقة ، وفيه إشارة إلى ظهور نور الحق في قلوب الصديقين .




والرحمة : هي النبوة ، وفيها إشارة إلى أنها بالغة في الكمال والإشراق ، حيث تصير مكملة للناقصين .




فالأولى : شريعة ، لإصلاح الظاهر بالتقوى والتوبة والاستقامة .




والثانية : طريقة , لإصلاح الباطن بالإخلاص والصدق والطمأنينة .




ــــــــــــ ص 65 ــــــــــــــــ

والثالثة : حقيقة ، لإصلاح السرائر بالمراقبة والمشاهدة والمعرفة . فالمريد لا ينتقل إلى عمل الطريقة إلا إذا حقق عمل الشريعة , ولا يصل إلى الحقيقة إلا إذا جمع بين الشريعة والطريقة تحقيقاً .
ولا يعتمد المريد في مثل هذه الأمور على نفسه ، بل على فضل ربه وتوفيقه فالله تعالى يقول : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ } سورة القصص / 68




ويقول : { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ } سورة الانعام / 112




وفي الحديث الشريف : ( لن يُدخلَ أحدَكم الجنة عملُه ) رواه الشيخان




فالاعتماد على النفس من الشقاء والبؤس ، والاعتماد على الأعمال من عدم التحقق بالزوال , والاعتماد على الكرامة والأحوال من عدم صحبة الرجال ، والاعتماد على الله تعالى من تحقق المعرفة بالله عزوجل . اللهم حققنا بالمعرفة بك حتى نعتمد عليك يا أرحم الراحمين .
{ 67 } الطريق جوهرة يجب التعلق بها , ولا يجوز ان نتعلق بمن تعلق بها ولكن نحبه لتعلقه بهذه الجوهرة , ومن تمسك بالجوهرة عليه بالصدق . وباب الدخول إلى تلك الجوهرة هو شيخ الطريقة كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو باب الدخول إلى الله تعالى ، قال تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ



ـــــــــ ص 66 ــــــ



وَالْيَوْمَ الْآخِرَ } سورة الاحزاب / 21

عبدالقادر حمود 10-18-2008 12:04 AM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
وقال تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي } سورة آل عمران / 31.
وهو ليس بغاية إنما وسيلة , والوسيلة مقبولة عند أهل السنة , وفي الحديث الشريف : ( يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضُلالاً فهداكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي , وعالة فأغناكم الله بي ) رواه الشيخان
فعليكم أن تتعلقوا بالله وبرسوله وبآداب أسيادنا وبطريقة شيخنا رحمه الله , ولا تكونوا كالذين يتركون الطريق ويخرجون منه , ويذكرون اسم الشيخ رحمه الله وأقواله وهم يدْعون لأنفسهم , ولا تكونوا كالذين يتركون أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ويمدحون الشيخ رحمه الله , ولا تكونوا كالذين أخذوا بالشرك الخفي وتركوا الله تعالى , عليكم أن تكونوا عباداً لله وهذا حق الله عزوجل على عباده , فالله عزوجل يطلب منا أن نكون في مقام العبودية التي لا يوازيها شئ من حطام الدنيا , فمن تعلق بالعبودية كانت أعماله كلها في عبادة لله عزوجل , ولكن مع كل هذا فإنه يرى ـــ الذي تعلق بالعبودية ـــ عبادتَه غير لائقة بربه عزوجل , وكيف يراها لائقة وهو يشعر أن عجزه مختلط بطينته , وأن حقيقته العدم , والعدم تجاه الله تعالى لا يكون شيئاً , فمن كان أصله من العدم
ـــــــــــــ ص 67 ـــــــــــــــــــــــــ
كيف يستطيع أن يؤدي عبادة لائقة بربه وبخالقه وموجده ؟ ولكن مع عبادتنا ومجاهدتنا لأنفسنا نتضرع إليه تبارك وتعالى أن يوفقنا لطاعته كما يحب ويرضى , وأن يعيننا على أنفسنا وشيطاننا . وهذا هو علم التقوى , فعلينا بعد العبادة أن نستغفر ونرجع إلى فضل ربنا الذي وفقنا , ونتكل عليه لا على عبادتنا , وأن لا نرى فيها حظاً بل نرى فضل الله تبارك وتعالى قال تعالى : { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ } سورة البقرة / 134
ولنا ما نكسب من أعمالنا . الإيمان ثابت للمؤمن بفضل الله عزوجل , ولكن النفوس الفرعونية نمروذية , فلابد من ركوبها وتذليلها , وبعد ذلك مراقبتها لأنها لاتخرج عن أصلها { أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ }.
{ 68 } من العجائب أن نصدق القواعد ولا نعمل بها , لأن التصديق بدون عمل لا يكفي كما أن الدلالة على التجارة بدون عمل لا تغني فلابد من معرفة القواعد أولاً والعمل بها ثانياً , قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } سورة الصف / 10 .
دلالة أولاً وعمل ثانياً وإلا فالحجة قائمة علينا والله تعالى يقول : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (٦٦)وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (٦٧)وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا

ــــــــــــــــ ص 68 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مُسْتَقِيماً } سورة النساء / 68 .


عبدالقادر حمود 10-21-2008 08:52 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 69 } الغاية من الدخول في الطريق تخليص القلب من الخلق . والذي يقطع المريد عن الطريق أمران :
1ً ـــــ المال الحرام لأنه يتغذى به وإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً .
2ً ــــــ النظر إلى النساء لأنه سهم مسموم من سهام إبليس والعياذ بالله .
{ 70 } بعض الناس يعبد الله عزوجل على حرف ، وهذا لعدم صحة نيته وإخلاصه أثناء الدخول في دينه ، فالواجب على العبد أن يكون صادقاً ومخلصاً في عبادته لله عزوجل . وكذلك الدخول في طريق القوم لابد فيه من الصدق والإخلاص . وإلا كشفته شواهد الامتحان وعندها ينقلب على وجهه فيخسر الدنيا والآخرة والعياذ بالله تعالى ، فالسالك الصادق لا يأمن على نفسه من إبليس ما دام حياً ، فهو على حذر منه ، وهذا الحذر لايكون إلا بكثرة الذكر لله عزوجل ، ووضع النفس تحت مراقبة الله عزوجل ، فإذا كان كذلك خرج من الغفلة ودخل في حالة الحضور مع الله عزوجل ، ومن كان في حالة حضور مع الله ، فإنه يعبد الله لله ، ويخرج من دائرة الغافلين الذين وصفهم الله عزوجل بقوله { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ

ـــــــــــــــــــ ص 69 ـــــــــــــــــــــــــ
وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } سورة الحج / 11
{ 71 } غاية السلوك في طريق القوم رضي الله عنهم ، الترقي الخلقي بالمجاهدة للنفس وإحلال الأخلاق المحمودة محل الأخلاق المذمومة ، حتى يصل السالك إلى معرفة الله عزوجل ، ومادام العبد صادقاً في سلوكه في هذا الطريق فإنه يستفيد منها بإذن الله عزوجل بمقدار ما قسم الله له منها ، وأما إذا كان خائناً ــــ وهو لا يخفى على الله تبارك وتعالى ــــ فإنه لن يستفيد من هذا السلوك ، لأن الله لايحب الخائنين . والصادق في سلوكه يعرف من حركاته وسكناته .
{ 72 } العبادة بدون معرفة المعبود والدخولِ في مقام الإحسان ليست عبادة كاملة ، والغاية من سلوك المؤمنين في طريق القوم أن يصلوا إلى مقام الإحسان للحديث : ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) رواه مسلم
ومن كان خارج طريق القوم فإنه لا يصل إلى مقام الإحسان ، لأن الوصول إليه لا يكون إلا بمجاهدة النفس ، ومخالفة الشيطان ، والإعراض عما سوى الله عزوجل ، فمن جاهد وخالف وأعرض ، هداه الله إلى سبيل معرفته ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 70 ـــــــــــــــــــــــــــــــ
وعبد ربه من مقام الإحسان ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } سورة العنكبوت /69
فمن أسلم وجهه لله عزوجل ، وانقاد له وأطاع أمره وهو في مقام الإحسان ، فقد استمسك بالعروة الوثقى لقوله تعالى : { وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ } سورة لقمان /22
ومن استمسك بالعروة الوثقى فلا يضل ولا يشقى .
من وصل إلى هذا المقام ، وصلى الصلاة المفروضة ، فإن نور القرآن ينتشر في ذرات وجوده ، كما تنتشر ذرات الكهرباء في جسد الإنسان إذا مسها بدون حاجب . ويتجلى الله عزوجل على عبده في تلك الصلاة . وعندها تحصل للمؤمن السالك لذة لا يوازيها شئ ، وتزول مشقة الطاعة عنه ، فلا يصبر بعدها عن طاعته لربه عزوجل ، اللهم اجعلنا منهم .

عبدالقادر حمود 10-21-2008 09:19 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 73 } كل حقيقة لا تصحبها شريعة لا عبرة بصاحبها ، وكل شريعة لا تعضدها حقيقة لا كمال لها .
{ 74 } إن صحة الطريق ليست مرتبطة بكثرة العدد ، بل بالحق ، والطريق يدور مع الحق أينما دار لأن الطريق من الدين وليس شيئاً خارجاً عن الدين نعوذ بالله تعالى ، وعليه تجري
ــــــــــــــــــــ ص 71 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأحكام الشرعية وآداب أسيادنا رضي الله عنهم ، فمن ادعى علينا شيئاً عليه أن يدعي بالشريعة لأن النقد يجب أن يكون بفهم لا عن هوى ، فمن ادعى شيئاً بغير دليل شرعي ثابت من الكتاب والسنة لا يُلتفت إليه ، كما قال ربنا عزوجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } سورة النساء /59
فالرجوع إلى شرع الله خير لنا وأحسن عاقبة . فعلينا أن لا تأخذنا في الله لومة لائم ، بل علينا أن نتمسك بطريقتنا بالصدق والإخلاص ، والصدق وحده لايكفي بل لابد من التبليغ مع الجرأة وعدم الخوف والمراعاة ، ولا يجوز أن نرجح خاطر فلان على أمر الله عزوجل لأن أمر الله مقدس وهو الأعلى فلا يقدم عليه شئ ، والطريق يمشي والصادقون متعلقون به ، والطريق أمامنا ونحن نسير خلفه ، ومن وقف على الحقيقة في الطريق لا يمكنه الانحراف ومن لم يقف على الحقيقة في الطريق لا يمكنه الاتباع ، وطلاب العلم إذا لم يفتح عليهم يكون علمهم بلاء على الطريق أحياناً ، لأن النفس لا تخرج عن طبيعتها والشيطان لا يخرج عن خبثه ، فيا طلاب العلم :
استخدموا علمكم للوصول إلى الله عزوجل من خلال
ــــــــــــــــــــــــ ص 72 ـــــــــــــــــــــــــ
الوقوف على حقائق القرآن الكريم ، ومن خلال الوقوف على حقيقة الوراثة النبوية ، وسر الطريق يسري من القلب إلى القلب ، فإذا كان قلب الآخذ فارغاً سرى إليه سر الطريق وإن كان مغلقاً أو مملوءاً بالأغيار تحول السر إلى قلب فارغ مفتوح .

عبدالقادر حمود 10-22-2008 03:21 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 75 } السالكون في طريق القوم على ثلاثة أصناف :
الصنف الأول : سلكوا الطريق ، وانقادوا لأوامر الله عزوجل ، وأسلموا وجوههم لله تعالى ، ودخلوا في مقام الإحسان ، بمجاهدتهم لأنفسهم ، وإعراضهم عما سوى الله ، فطلبهم من الطريق الوصول إلى الله تعالى .
الصنف الثاني : سلكوا الطريق ، وخرجوا منه لضعف إرادتهم ، ولتغلب الأهواء والشهوات ، والحظوظ عليهم ، وهم بذلك خالفوا الكتاب والسنة .
الصنف الثالث : سلكوا الطريق ولم يكن مطلبهم وجه الله عزوجل ، بل أرادوا شيئاً من الطريق ــــ حب شهرة وظهور وتعالٍ على الخلق ــــ وعندما لم يحصلوا على شئ من ذلك ، أخذوا بالنقد على الطريقة وشيخ الطريقة ، وبقوا صفر اليدين والعياذ بالله تعالى مثل هؤلاء مثل الذين يعبدون الله على حرف قال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 73ـــــــــــــــــــــــــــ

الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } سورة الحج /11

{ 76 } لا تنظر إلى الطريقة أنها غير الشريعة . بل هي جزء من الشريعة ، وهي الواسطة للوصول إلى الحقيقة ، والطريقة اسم يدل على المسمى ، والسلوك فيها يعني الالتزام بشرع الله من خلال قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ } سورة الذاريات /56
فمن ادعى الطريقة والالتزام بها بدون الالتزام بالقرآن والسنة ، واتباع العارفين الذين سلكوا الطريقة حتى وصلوا إلى الحقيقة ، فدعواه باطلة مردودة ، ويخشى عليه من الزندقة . ومن خالف الشريعة فقد ضل طريق الوصول إلى الحقيقة . عليك بالاتباع لسيد المرسلين عليه الصلاة والسلام حتى تحصل لنا جميعاً محبة الله عزوجل ، لأن محبة الله عزوجل لنا مترتبة ومربوطة ومتعلقة باتباعه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } سورة ال عمران /31
فأعلى مراتب الولاية التمسك بالكتاب والسنة ، وليس فوقها ولاية ، ومن أخرج شيخه عن الطبيعة البشرية فقد أخطأ خطأً كبيراً .
{ 77 } فائدة الطريق وثمرته هي التحاق المريدين الصادقين بتلك الجماعة المنورة الذين تنوروا بنور النبوة ، في عالم البرزخ بعد وفاتهم ، فمن فهم الطريق فإنه يرجح موته على خروجه من الطريق ، لأن البيعة لله ، فمن نكث في العهد فقد سقط من عناية الله عزوجل ، والمسؤولية الشرعية لا تُرفع عن المؤمن إذا دخل الطريقة بل عليه الالتزام بالمسؤوليات الشرعية الظاهرة والباطنة .

عبدالقادر حمود 10-23-2008 11:05 AM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 78 } لا يمكن العثور على شئ في طريق القوم إلا بعد السير فيه ، ولا يمكن السير الصحيح إلا بمساعدة من سلك الطريق قبله ، ولو كان يمكن السير بدون دليل لما أرسل الله خاتم الأنبياء والمرسلين ، ولما جعل النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه وراثاً بعد التحاقه بالرفيق الأعلى ، فكل وارث تنور بنوره صلى الله عليه وسلم وهو بدوره ينور الطريق لمن سلك الطريق معه ، ويكون حريصاً عليه حتى يوصله إلى المقصود ، والمقصود أن يكون عبداً لله مجرداً من كل الحظوظ . وسير بدون مجاهدة لا يكون ، ومجاهدة بدون عبادة موافقة للشرع لا تكون ومجاهدة بدون مخالفة للنفس الأمارة بالسوء وَهمٌ ، ومجاهدة بدون بذل الغالي في سبيل الله لا تكون ، وهذا لا يكون إلا بالمحبة ، ومحبة بلا طاعة لا تكون ، سواء ثقلت العبادة والطاعة على النفس أم خفت ، فلا بد من اتباع الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم حتى تحصل المحبة منه إلينا قال تعالى : { قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } سورة ال عمران /31
هذا الخطاب الإلهي كل واحد يسمعه
ـــــــــــــــــــــــــ ص 75 ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
كثيراً ولكنه صار عادة عندنا ، ولم نتفكر في عظمة هذا الكلام ، وفي عظمة قائله سبحانه وتعالى ، كلنا مخاطب بهذه الآية الكريمة ، علينا أن نترك أنفسنا ونرجع إلى الله تعالى ، من تعلقنا بحظوظنا ، ونتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، علينا أن نطرح التعب ، ولا يمكن طرح التعب إلا بتذوقنا حلاوة العبادة الحاصلة من الطاعة ، نسأل الله عزوجل أن يوفقنا لذلك .
{ 79 } الإنسان بدون طريقة ودخول مع القوم ـــ مع سلامة الإيمان ـــــ قد يدخل الجنة . ولكنه لا يدخل الجنة بدون إيمان ، وأغلى شئ على المؤمن إيمانه المستقر في قلبه ، وكما أن أحدنا لا يحب أن يُؤذي محبوبه ، كذلك يجب على المؤمن أن لا يؤذي إيمانه ، ويتأذى الإيمان بحظوظ النفس ، وحظوظها كثيرة ، فلا تضروا إيمانكم بحظوظ أنفسكم ، ولا تكونوا ضعفاء أمام أنفسكم ، حتى يكون إيمانكم ضعيفاً ، بل قوّوا هذا الإيمان بالتمسك بالكتاب واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عندها يتولاكم الله ، قال تعالى : { وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } سورة الاعراف /196

{ 80 } سلوك هذا الطريق المبارك لا يكون إلا بالمجاهدة للنفس ، وقطع شهواتها ، وقتل هواها ، بالتكاليف الشرعية . والتكاليف الشرعية فوق رقابنا كالسيف الحاد ، فإذا ما خالف العبد
ـــــــــــــــــــــــــــــ ص 76 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقد عرض نفسه لقطع رقبته بسخط ربه عزوجل عليه ، والعياذ بالله تعالى . وتلك المجاهدة وإن كان فيها مشقة على النفس ، فإنها تزول بحلاوة الطاعة والقرب من الله تعالى ، كمن تزول أتعابه في الدنيا برؤية الدراهم والدنانير في نهاية عمله .

نوح 10-23-2008 02:47 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
الله يطول عمرك اخي الحسيني وجزاك الله خير على كتابك للكتاب الطيب

عبدالقادر حمود 10-24-2008 11:20 AM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 81 } حظ المريد في الطريق الشاذلي الوصول إلى الله تعالى بالقلب والروح والبصيرة ، وهذا لايكون إلا بالتمسك بالشرع الشريف ظاهراً وباطناً ، وفي الحديث : ( أعط كل ذي حق حقه ) رواه البخاري والترمذي
فيجب علينا أن نعطي الطريق حقه من التمسك بالكتاب والسنة ، وإلا فيكون الإنسان ظالماً إن لم يعط كل ذي حق حقه .
{ 82 } من خدم الطريقة لله عزوجل مع الإخلاص نال عز الطريقة ، ومن خدم نفسه من خلال الطريقة لم يحظ بشئ ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ) هذا عندما أخلصوا لدينهم ، ولم يأكلوا الدنيا بدينهم .
{ 83 } لا تصوف إلا بفقه ، إذ لاتعرف أحكام الله تعالى الظاهرة إلا به ، ولا فقه إلا بتصوف ، إذ لا عمل إلا بصدق توجه . ولا هما إلا بالإيمان إذ لايصح واحد منهما بدون إيمان . فلزم الجمع لتلازمهما في الحكم كتلازم الأرواح للأجساد إذ لاوجود لها إلا بها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ ص 77 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والتصوف أربعة أحرف : تاء وصاد وواو وفاء .
فالتاء : ترك وتوبة وتقى .
والصاد : صبر وصدق وصفاء .
والواو : ود وورد ووفاء .
والفاء : فرد وفقر وفناء .
فمن فهم التصوف فإنه لا يتركه وخاصة إذا ذاق الأمور المعنوية ، أما من لم يفهم التصوف فليس بغريب عليه تركه ثم محاربته .
{ 84 } بمجرد الإيمان لا يكون المؤمن صادقاً ، فلابد له من أن يعمل بمقتضى الإيمان ، ومن مقتضيات الإيمان الصدق ، يقول الله تعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ } سورة الحديد / 19
فالآية تدل على أن الإيمان بالله ورسله تجعل الإنسان من الصديقين ، ولكن لابد من العمل بمقتضى الإيمان ، وإلا فكيف يكذب وهو من الصديقين ؟ كيف يأكل الربا وهو من الصديقين ؟ إذاً فلا بد من العمل بمقتضى الإيمان . والمقبول عند الله هو الصادق ، والصادق له أوصاف :
1ً ـــــ أن يكون صادقاً بلسانه ، ويكون باستواء السريرة مع العلانية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 78 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2ً ــــــ أن يكون صادقاً في نيته ، لا يبتغي إلا مرضاة الله تعالى .
3ً ـــــ أن يكون صادقاً في الوفاء بالعزم ، ويكون توكله على الله تعالى .
4ً ـــــ أن يكون صادقاً في عزمه على خيرٍ نواه ، فلا يسول ولا يسوف .
5ً ــــ أن يكون صادقاً في مقاماته ، من خوف ورجاء وحب وشوق ....
6ً ـــــ أن يكون صادقاُ في مناجاته لربه تبارك وتعالى .
والإنسان يعرف نفسه ـــــ بعد الله تبارك وتعالى ــــ هل هو صادق أم لا ؟ فيجب عليه ان لا يغتر بمدح الناس وباجتماعهم عليه ، ويكتفي بعلم الله عزوجل وبوجوده ، وأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور . ومن لم يحب أن يكثر وراثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليس بصادق في محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . اللهم اجعلنا من الصادقين آمين .

عبدالقادر حمود 10-24-2008 05:48 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 

{ 85 } يجب أن نأخذ ديننا من الصدَّيقين الذين استقاموا على العهد وما عرف عنهم التقلب . فإنا نرى أهل الدنيا يتعاملون في دنياهم مع الصادقين الذين ينصحون في الثمن والمبيع وإذا تيقنوا من غش أحدهم فإنهم لايعودون إليه بل يحذرون منه ، ويرغبون في الصادق ويوصون بذلك لذرياتهم .
ـــــــــــــــــ ص 79 ـــــــــــ
{ 86 } الصادق مع الحق بالضرورة صادق مع الخلق ، ما كان ليذر الكذب على الله ويكذب على الناس . والحق مرٌ ولا يقبل به إلا من كان عنده دُرٌ لأن الحق من الله تعالى ، قال تعالى : { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ } سورة الكهف / 29
{ 87 } إذا تكلمت فلا تتكلم إلا بالحق ، والحق مُرٌ وصعب على النفوس ، إلا من كان عنده الدُرُّ ، وكل من يتكلم بالحق هو الأقوى والأعلى ، وكلام الحق من الحق وليس منك لذلك يجب التنبه أثناء التكلم بالحق من دخول النفس فإذا تدخلت أبطلت العمل ، وهذا لا يكون إلا بسبب الغفلة . ومن التزم قول
الحق قلَّ أولياؤه ، لأن الغالب على الناس اتباع الأهواء ( ماترك الحق لعمر من صديق ) .
والحق لا يقال في كل وقت فلا بد من الحكمة ، وتكلم بحيث لا تضر نفسك ولا تضر مخاطبك ـــ على سبيل المثال : المدح لأخيك فإنه قد يضره ـــ وإذا نصحت وتضرر المخاطب من قولك فانصحه : بأن ذاك الحق تضررت منه نفسه التي هي منبع الشرور ، لاالقلب لأنه مركز الإيمان وهو محط نظر الرب تبارك وتعالى والحق ينفع القلب ، وثمرة محبتك لأخيك إذا كانت في الله تظهر بإعانتك له على ترك الهوى ، ومن وعظ الناس بالعنف فهو محروم ،
ـــــــــــــــــ ص 80 ـــــــــــــــــــــ
والقاعدة الأساسية في الوعظ : اللين لقوله تعالى { وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } سورة ال عمران / 159
{ 88 } كل حادثة في الكون إنما هي بقضاء الله وقدره ، والمؤمن الصادق هو الذي يفوض أمره إلى الله عزوجل ، ويرضى بقدر الله تعالى ، وإذا أصابته مصيبة ، فإنه يكتفي بعلم الله تعالى الذي يعلم السر وأخفى ، ولا يتكلم إلا بما يرضي الله عزوجل ، ويخرج من علمه الجزئي إن وجد إلى علم الله ، وإلا كان علمه الجزئي حجة عليه يوم القيامة يقول تعالى : { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } سورة التغابن /11
وهداية الله للمؤمن المصاب ، أنه يهديه إلى الرضا والصبر واليقين .
{ 89 } الصادق في العهد هو : من كان عازماً على الوفاء منذ إعطائه العهد ، ويظل حريصاً على ذلك حتى يلقى الله عزوجل ، والصادق في العهد أفعاله تدل على صدقه ، فمن أسر سريرة ألبسه الله رداءها ، والصادقون قلة لقوله تعالى : { مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ } سورة الاحزاب /23
وأما نقض
ــــــــــــــــــــــــــــــ ص 81 ـــــــــــــــــــ
العهد فهذا شأن المرأة الحمقاء التي أشير إليها في قوله تعالى : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا } سورة النحل /91ــ 92
فخذوا بوصية ربكم ولا تتركوا رضا الرحمن من أجل خلق الرحمن ، اصرفوا همتكم في القرآن الكريم تجدوا بغيتكم فيه ، فمن أراد الدر الثمين فعليه بالقرآن الكريم .



عبدالقادر حمود 10-26-2008 12:56 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 

{ 90 } صدق الصادقين وكذب الكاذبين لا يظهر إلا إذا طرح في نار ا لبلاء ، قال تعالى : { الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } سورة العنكبوت / 2

فإذا طرح في نار البلاء ، خرجت روائح الصبر من جوهر الصادقين
. وروائح كفران النعم من الكاذبين . فيجب على المؤمن أن يعلم أن الابتلاء له كاللهب للذهب ، وأن الله طيب لايقبل إلا طيباً .
{ 91 } من كان عارفاً بالله عزوجل فإنه لا ينظر إلى الأشباح ، ولا يلتفت إلى حظوظ نفسه وإلا فهو مريد ، والمريد عليه الالتزام بقواعد الطريق وعدم الاعتراض على شيخ الطريق لأن الاعتراض سم قاتل ، ويُخشى عليه من سوء الخاتمة والعياذ بالله
ـــــــــــــــــــــ ص
82 ـــــــــــــــــــــــــ
من ذلك ، وخدمة الطريق بدون حظوظ نفسية صعبة جداً ، وهي لا تسهل إلا على من شم رائحة التوحيد ورائحة الإيمان بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
. فلا تأمن مكر نفسك مهما بلغت من المراتب ، لأن استعدادها للانحراف قائم فيها قال تعالى : {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ } سورة يوسف /53

ونحن لانتهم المؤمن حاشا لله ، وإنما نتهم النفوس لأن الله أخبرنا عنها ، فإذا غلبتَ نفسَك يوماً ما فلا تغفل عن حقيقتها ، ولا تغض طرفك عن خداعها ومكرها ، لأن الله عزوجل لا يأمرنا إلا بما فيه مصلحتنا ، ولا ينهانا إلا عما فيه ضررنا
. قال تعالى : { فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى}

وهذا أثقل من السموات والأرض على من يفهم
. خذوا بوصية الله لكم حيث قال تعالى : { فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ } سورة النساء /135

{ 92 } تقوية الهمة تكون بكثرة الذكر لله تعالى بعد التمسك بظاهر الشريعة هذا في الظاهر ، وبسجن النفس تحت مراقبة الله عزوجل والتخلق بالأخلاق القرآنية في الباطن . ورأس الأمر كله : الصدق ومداره على أمرين :
ـــ صدق مع الرب تبارك وتعالى .
ـــ خلق حسن مع الخلق لوجه الله تبارك وتعالى وبدون مداهنة وتملق .

ـــــــــــــــــــــ ص
83 ـــــــــــــــــــــــ


{ 93 } ما دام العبد صادقاً في طلبه من الله عزوجل أن يخلصه من أهوائه ومن رعونات نفسه ، فإن الله تعالى لايخيب ظنَّه ، لأن هذا التعبير بمقدور الله عزوجل قال تعالى : {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا } سورة الكهف / 45

فالأهواء وحظوظ النفس ، والشهوات ، كلها بيد الله عزوجل ، وهو قادر تبارك وتعالى أن يخلص العبد منها إذا صدق في طلبه ، ومن ظن أنه لن يخرج منها ، فهو يستعجز قدرة الله عزوجل
.
{ 94 } المريد الصادق في هذا الطريق المبارك تموت نفسه ، ويحيا قلبه بربه ، ومن يحيا قلبه بربه فإنه لا يلتفت إلى الخلق ، مهما كانت انتقاداتهم ومواقفهم ، لأن هذا ليس همه بل همه رضا الرحمن ، أما الخلق فإنهم قواطع عن الله عزوجل إن مدحوا قصموا الظهر ، وإن ذموا قنطوا السالك ، فوجب علينا أن لا نلتفت إلى الخلق ، ويكفينا علم الله فينا حيث يقول : {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } سورة غافر / 19
{ 95 } أغلى شئ على المريد الصادق قلبه ، لأنه مرآة لصفات الله عزوجل فإذا دخَلَ القلبَ بعضُ الآلهة المزيفة ، وأعظمها الهوى ، فأنها تكسره ، ويبقى بدون قلب والعياذ بالله
ـــــــــــــــــــ ص
84 ـــــــــــــــــــــــــ
تعالى ، فلابد أن نعمل بما نعلم وإلا فالعلم بلا عمل جنون ، كما أن العمل بلا علم لا يكون
. وما ترك الناس العمل إلا لأن الدنيا تلعب بهم ، كما يلعب الأطفال بالكرة ، فالمؤمن الصادق لا تلعب به الدنيا ولا تغشه ، فلا يخدع بعلم ولا جاه ، ولا مشيخة ولا ظهور ، ولا كشف ، ولا خوارق عادات ، لأنها مخلوقة ، وهو لا يعتمد على مخلوق بل على الخالق امتثالاً لأمره تعالى حيث قال : {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ } سورة الفرقان / 58

عبدالقادر حمود 10-26-2008 01:14 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 96 } من الأخلاق المحمدية مناصرة الصادق ، ولو كان ضعيفاً وفقيراً ، والدافع لهذه المناصرة والدعم للصادق موجود في قلب كل مؤمن ، ما لم يفسد الإيمان .

{ 97 } الصدق إذا دخل عليه شائبة تشوب الإخلاص ، من عجب وغرور ، وحب ظهور ، وتعالٍ على الخلق ، فإنه يذهب به ، وبمقدار ذهاب الصدق يضعف الإيمان ، لأن صاحب الإيمان القوي لا يترك الصدق بحال من الأحوال ، فهو لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولا يخشى أحداً إلا الله ، والله أحق أن يخشاه ، كيف يترك الصدق خشية من الناس ؟ ولا يترك الكذب خشية من الله ؟
صاحب الصدق لا يلتفت إلى أحد من المخلوقين ، ولا يلتفت إلى أي حظ من الحظوظ الدنيوية والأخروية ، ولا يهمه حديث

ـــــــــــــــــــ
85 ـــــــــــــــــــــــــــــ
الناس مهما قالوا عنه ، ولو قالوا جميعاً عنه كاذب فإن قولهم لا ينقص من صدقه ذرة واحدة ، كما لو أن الناس جميعاً قالوا عن فلان إنه صادق وهو كاذب ، فإنهم لا يجعلون فيه ذرة واحدة من الصدق ، الصادق من كان صادقاً عند الله والكاذب من كان كاذباً عند الله قال تعالى
: { لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ} سورة الاحزاب / 8

هذا الصادق الذي خرج عن كل حظوظه الدنيوية والأخروية هو الذي ينفعه الله بصدقه يوم القيامة ، لقوله تعالى
: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } سورة المائدة / 119

عندما خرجوا من حظوظهم نالوا جنات عدن ، وتُوجوا بعد ذلك برضا الله عزوجل عنهم بموافقَتهم لمولاهم ، ورضوا عن الله عزوجل بما حباهم من نعم ، وأكرمهم بالنظر إلى وجهه الكريم حيث قال تعالى
: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ
} سورة القيامة / 23

وإن لم يكن الصادقون ـــ الذين خرجوا عن جميع حظوظهم ــــ أصحابَ هذا المقام ، فمن هم أهل هذا المقام ؟ جعلنا الله تعالى منهم
. آمين .
{ 98 } المؤمن الصادق الذي خرج من جميع حظوظه يكرمه

ـــــــــــــــــــــــ ص 86 ــــــــــــــــــــــــــــــ
الله عزوجل بملكة دينية ، وبها تصبح فراسته قوية ، فيفرق بفراسته بين الموافق والمخالف ، لأن ظاهر الناس يدل على باطنهم وفي الحديث الشريف : ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ) رواه الطبراني والترمذي
ولا يمكن أن ينظر بنور الله إلا إذا صفت سريرته ، ومن صفت سريرته جرى الصدق على لسانه بدون تكلف
. هذا الصادق لا يغتر بمدح المادحين ، ولا يتأثر بذم الذّامّين ، لأن كل شئ مع الله مفقود ، سواء كان مدحاً أم ذماً . والله عزوجل أعلم بأحوال عباده .
{ 99 } المؤمن الصادق لا يأمن على نفسه من أن تدخل عليه شائبة تشوب الإشخاص ، فهو على حذر وخوف ، وكلما كملت شخصيته كلما عظم خوفه من الله ، وخشي على نفسه أن يحبط عمله من حيث لايدري ، لذلك كان سيدنا عمر رضي الله عنه ، يسأل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يا حذيفة : أسألك بالله هل تجد لي اسماً مع أسماء المنافقين ؟ إذا كان حال الفاروق رضي الله عنه هكذا ، فكيف يجب أن يكون حالنا ؟ كأن الواحد منا أخذ الضمان لنفسه من ربه بأنه من أهل الصدق والاستقامة والله تعالى يقول : { فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } سورة الاعراف /99
ــــــــــــــــــــــ ص 87 ــــــــــــــــــــــــ
{ 100 } الصدق صفة كسبية وليست وهبية ، لأنه داخل في دائرة التكليف حيث قال صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر ، والبر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ) رواه البخاري ومسلم
والله تعالى أمر المؤمنين أن يكونوا مع الصادقين حتى يكتسبوا هذه الصفة منهم فقال
: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } سورة التوبة 119

ولما كان الصدق كسبياً ، وبإرادة المؤمن ، أمر الله به عباده ، وبالكينونة مع أهله ، ووعدهم بالجنة وبرضاه عليهم حيث قال تعالى
: { قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }سورة المائدة / 119
{101 } رأس كل العبادات الإخلاص ، والبناء على الصحيح صحيح ، والبناء على الفاسد فاسد ، والإخلاص محله القلب ، فلابد من تفتيش القلب عن إرادته كلها ، فإن وجد فيه خلاف الإخلاص وجب رميه ، لأن العبد قد يقوم بالعبادات وتكون في شبحها موافقة للشرع . ونحن نقول : صلى وصام
ـــــــــــــــــــــ ص
88 ـــــــــــــــــــــــــ
وذكر وأمر ونهى
.... ولكن إذا فقد منها الإخلاص فلا قيمة لها ، وبالتالي لاتقوى جنود القلب على النفس ، وجنود النفس تفسد الأعمال الصالحة ، فلابد من الإخلاص في كل العبادات ، وبعد ذلك نستغفر ونتضرع إلى الله عزوجل في أن يقبل منا تلك الأعمال وألا يضرب بها وجوهنا إنه المستعان .
{ 102 } صاحب العلم ينظر إلى الأعلى وصاحب الإخلاص ينظر إلى الأسفل أي ينظر إلى أصله ، وأصله العدم ، والمخلص بإخلاصه يصل إلى العلم ، وصاحب العلم ينزل إلى الأسفل إذا لم يقترن عمله وعلمه بالإخلاص . فمن وقف على هذه الحقيقة خرج عن البين وعندها يرفع إلى أعلى عليين ، وإلا فقد ينزل إلى أسفل السافلين بسبب غروره بما آتاه الله من النعم وحجُب بها عن المنعم . فالإنسان لا يكبر وتعظم مكانته إلا بالقرآن الكريم وباتباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا تمسك بالكتاب ظاهراً وباطناً واتبع الرسول صلى الله عليه وسلم في ظاهره وباطنه كان محبوباً عند الله عزوجل ، وعندها يُلقى له القبولُ بين المؤمنين ، فيجب علينا أن لا نعطي الإنسان فوق طاقته ولا فوق قامته لأن ذلك يوقعه في الغرور .
{ 103 } من كان من أهل الدنيا وكان مخلصاً لها فإنه لا يفرط فيها ، والدنيا كلها لا تعدل عند الله جناح بعوضة ، فوجب على أهل الدين الإخلاصُ لدينهم وأن لا يفرطوا فيه ، والغيرة
ـــــــــــــــــــ ص
89 ــــــــــــــــــــ
على أولياء الله من الدين ، ووالله غيرتي على أولياء الله تعالى كغيرتي على ديني وإيماني
.


عبدالقادر حمود 10-30-2008 11:26 AM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 104 } العبودية الحقة لله عزوجل هي الغاية ، وليس فوقها شئ حتى يطلبه السالك في طريق القوم ، وهذا من جق الطريق الشاذلي على مريديه ، فالعبد الصادق المخلص لا يطلب شيئاً من الكشف والكرامات وخوارق العادات أو الحظوظ النفسية من هذا الطريق ، بل يطلب أن يصل إلى مقام العبودية لله تعالى ، ولكن قد يعطي الله عزوجل بعض الذين يدخلون في هذا الطريق شيئاً مما ذكر رحمةً منه بهم واختباراً لهم فإذا تعلق العبد بشئ من تلك الكرامات والخوارق سقط من عناية لله عزوجل ، وأما من اطمأن للمعبود وعرف المقصود فإنه لا يغتر بذلك ولا ينحرف عن مقصوده .
{ 105 } الشيطان ليس له طريق على المخلصين لقوله تعالى : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ } سورة الحجر / 42
ومن أثبت إخلاصه بنفسه فهو ليس بمخلص لأن حقيقة الإخلاص لا تكون إلا بخروج النفس من الفعل لذا نخاف على إخلاص المخلصين .
{ 106 } العمل المقبول عند الله عزوجل ما كان خالصاً له

ـــــــــــــــــــــ ص 90 ــــــــــــــــــــــــــــــ
تبارك وتعالى ، ولكن إذا دخل على العمل حظ من حظوظ النفس ، فإنه لا يُقبل عند الله عزوجل ، ويقال لصاحبه يوم القيامة كما جاء في الحديث : ( عملت ليُقال وقد قيل ) رواه الترمذي
فعلى المؤمن أن لايكون حريصاً على كثرة العمل ، بل عليه أن يكون حريصاً على الإخلاص في العمل ، قليل من العمل مع الإخلاص ، مرجح على عمل كثير بدون إخلاص ، والإخلاص بمقدور العبد ، لأن الله عزوجل لا يكلف عبداً بشئ إلا إذا كان بوسعه ، فإذا ترك مراد الله عزوجل لمراد نفسه ، خسر الدنيا والآخرة ، وأما من عمل بمراد الله عزوجل وترك مراد نفسه ، سعد سعادة لا شقاوة فيها في الدارين ، اللهم اجعلنا منهم آمين .
{ 107 } إذا حدثتك نفسك بالرياء ، في عبادة من العبادات ، أو فيما أسبغ الله عليك من نعم ، فقل لها : إن الذي خلقك ، وخلق لك هذه النعم ، ووفقك للطاعة والفضائل إنما هو الله عزوجل ، لأن الله تعالى مصدر كل النعم ، الظاهرة والباطنة ، الحسية والمعنوية حيث قال تعالى : { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ } سورة النحل / 53
وطالما أن الله هو مصدر النعم ، وهو الموفق لكل طاعة ، فإذا نسب العبد النعم والطاعة والفضائل لنفسه وأنها بحوله وقوته فقد عرض
ـــــــــــــــــــــــ ص 91 ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
تلك النعم إلى الزوال ، لذلك قال ربنا عزوجل { وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس } سورة ال عمران / 140
إذا قلت هذا لنفسك عند ذلك يقوم القدر أمامك ، وكأنه يقول لك :
إن الله هو الذي أعطاك هذه النعم ، ووفقك للطاعة والفضائل ، فلا تعرضها للزوال بغرورك وريائك واحذر أن تكون من الفراعنة ، عند ذلك تذهب فرعونيتك بإذن الله ، ويحل محلها
العبودية المحضة لله عزوجل ، وترى عبادتك غير لائقة بربك عزوجل ، فتستغفر الله عزوجل ، وترجوه القبول .
{ 108 } العبادة لله عزوجل ، جتى تكون مقبولة عند الله لا بد من تحقيق شروطها :
1ً ـــ الإيمان بالله عزوجل والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم
2ً ـــ أن تكون موافقة للشرع الشريف ، ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
3ً ـــ أن تكون خالصة لوجه الله ، وليس فيها شائبة تشوب الإخلاص . قال تعالى : http://www.taimiah.org/MEDIA/B2.gif فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا http://www.taimiah.org/MEDIA/B1.gif .
سورة الكهف / 110
ومن عرف فضل العبادة وقيمتها يجب عليه أن يتقنها ولا يسرع فيها ، حتى لا يلعب به الشيطان ويكون زمامه بيده ، لأن الشيطان إذا لم يستطع أن
ـــــــــــــــــــــــــــ ص 92 ــــــــــــــــــــــــــ
يفوت على السالك العبادات والاذكار وجهه إلى السرعة فيها ، حتى لا يتذوق حلاوة العبادة والذكر ، وبالتالي تفوته فائدة العبادة والذكر ، فعلى السالك أن يقوم بالعبادة والذكر بالشروط السالفة ، في أوقاتها وأن لا يسرع في العبادة والذكر ، حتى يتذوق حلاوة العبادة والذكر ، ويجني ثمراتها .

عبدالقادر حمود 10-30-2008 11:40 AM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 109 } أسباب سعادة المرء في الدارين اربعة :
أولاً : تنزيه القلب بتوجيه إبرته إلى حضرة ربه تبارك وتعالى .
ثانياً : اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً بالتمسك بالكتاب والسنة .
ثالثاً : معاملة الأحباب والأصدقاء بالمودة .
رابعاً : معاملة الأعداء بالعدل .
{ 110 } سعادة الدنيا بثلاثة :
1ً ـــ لقاء الأحباب للتعاون من أجل طاعة الله لقوله تعالى : {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى } سورة المائدة / 20

2ً ـــ تلاوة القرآن الكريم في التهجد امتثالاً لأمر الله تعالى : { وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَك } سورة الإسراء /79
3ً ـــ ذكرك لمولاك في مكان خال لقوله عليه الصلاة والسلام :
ــــــــــــــــــــــــــــ ص 93 ــــــــــــــــــــــــــــ
( ورجل ذكر الله ففاضت عيناه ) رواه الشيخان
{ 111 } إن العبد محجوب بنفسه عن ربه تبارك وتعالى ، فهو لا يراه ببصيرته ، مع أنه مؤمن بوجوده ، ويعلم أن وراء المخلوقات والمتحيزات موجوداً خالقاً لها ، لا يمكن أن ينكره ، لأن دلائل وجوده أكثر من أن تعد وتحصى ، ولكن هذا الإيمان إيمان اعتقادي عقلي وهو إيمان عوام المؤمنين . وهذا العبد بسبب حجابه يقع في الغفلة وبعض المخالفات الشرعية ، والله تعالى موجود قريب منه ، بل هو أقرب إليه من حبل الوريد ، ظاهر في خفائه ، خفي في ظهوره ، هو الظاهر والباطن .
ولكن العبد لم يصل بَعدُ إلى الإيمان الشهودي حتى يقول : كيف أخالفه ؟ كيف أعصيه ؟ كيف أخون وهووتبارك وتعالى معي ؟ . لذلك حذرنا الله تعالى نفسه بقوله : { وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِير} سورة آل عمران / 28
وبقوله تعالى : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } سورة الحديد /4
وبقوله تبارك وتعالى : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } سورة ق /16
كل هذا ليخرج العبد من غفلته عن وجود ربه تعالى معه ، ولينتقل من الإيمان الاعتقادي العقلي ، إلى
ـــــــــــــــــــــــ ص 94 ــــــــــــــــــــــــــــــ
الإيمان الشهودي ، وحتى يخرج العبد من غفلته ، وينتقل إلى الإيمان الشهودي لا بد له من خمسة أمور :
1ً ـــ التمسك بظاهر الشريعة وباطنها .
\2ً ـــ التمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
3ً ـــ كثرة الذكر لله تبارك وتعالى مع الحضور التام الدائم .
4ً ـــ رمي الأخلاق الذميمة والتحلي بالأخلاق الكريمة .

5ً ـــ تفتيش القلب عن نيته ، في إراداته وأفعاله وأقواله ماذا يريد منها ؟ فإن وجد فيه ما يخالف الإخلاص الذي هو سر من أسرار الله يستودعه الله قلب من أحب من عباده وجب عليه أن يزيله ويرميه حتى يكون عبداً مجرداً لله تبارك وتعالى . فإذا ثبت له الإيمان الشهودي فلا يمكن أن يخالفه وهو حاضر معه ، يراه ببصيرته يقيناً بدون تشبيه ولا كيف ، لأنه تعالى قال : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }سورة الشورى /11
فإذا حصلت له تلك المعية وهو ينظر إلى ربه بأنه أقرب إليه من نفسه ، وهو صادق مع الطريقة المتصلة برسول الله صلى الله عليه وسلم ومتجرد من حظوظه النفسانية يتجلى الله عليه بالتجليات الذاتية والصفاتية ، أما تجليات الذات : عندها يذوب عن نفسه وما كان متعلقاً بها ، وتمام هذا في الآخرة لأن دار الدنيا
ـــــــــــــــــــــــ ص 95 ـــــــــــــــــــــــ
ضيقة قال تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } سورة القيامة /22
وأما تجليات الصفات : ثمرتها في الدنيا من واردات وأنوار واستقامة .... كلامنا هذا مع السالكين الذين يريدون وجه الله تعالى ورضاه فقط ، لاحباً في زخارف الجنة ولا هرباً من نار جهنم .

عبدالقادر حمود 10-30-2008 12:00 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 112 } التخلص من الذنوب بثلاثة :
1ً ـــ التوبة ، للحديث الشريف : (التائب من الذنب كمن لاذنب له ) رواه ابن ماجه والطبراني
والتوبة يجب أن تكون صادقة ، وقد وصف الله تعالى حال الصادقين في توبتهم في القرآن حيث قال : { وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ

خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ

مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ
} سورة التوبة / 118
2ً ـــ عمل الحسنات ، قال تعالى { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ } سورة هود / 114

وفي الحديث الشريف : ( وأتبع السيئةَ الحسنةَ تمحها ) رواه الترمذي
ــــــــــــــــــــــــ ص 96 ــــــــــــــــــــــ
3ً ـــ الصدقات لقوله صلى الله عليه وسلم : ( الصدقة تطفئ غضب الرب ) رواه الطبراني
{ 113 } الفرق بين التوبة والإنابة :
التوبة : هي رجوع العبد إلى الله تعالى خوفاً من العقوبة .
والإنابة : هي رجوع العبد إلى الله تعالى حياء منه وشوقاً إليه تبارك وتعالى . والفارق كبير بين الرجوعين .
{ 114 } العبد تحت مراقبة الله عزوجل ، وهو تبارك وتعالى يتولاه ويرعاه قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } سورة النساء / 1
ومقام المراقبة هو مقام تجليات للذات ، وهذا المقام يورث الخوف أكثر من الفرح ، أما مقام المشاهدة أكثر تجلياته تجليات الصفات ، وهذا المقام يورث الفرح ، وهو نزهة العارفين بالله تعالى . وعلى كل حال طرق الولاية لله عزوجل متعددة وكل واحد من أسيادنا رضي الله عنهم ، يتكلم حسب خصوصيته .
{ 115 } الذي يرى المعصية خيراً من الطاعة ـــ من حيث أثرُها على القلب ـــ هذا من الشيطان فإنه يزين له المعصية والعياذ بالله تعالى حتى يقع فيها ، ولكن إذا انكسر القلب بعد المخالفة وضاقت عليه نفسه وضاقت عليه الأرض بما رحبت كما قال تعالى : { وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ
ــــــــــــــــــــــ ص 97 ــــــــــــــــــــــــــ
بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ } سورة التوبة / 118
فإن تلك الذلة بعد المعصية خير من الغرور بالعبادة وبشرط ألا يرجع إلى المعصية .
{ 116 } القبض والبسط كلاهما من طبيعة البشر ، والعبد بينهما ، وأحياناً يكون القبض افضل من البسط ، والعبد في كلا الحالين عليه أن يراقب الله تعالى في عبودتيه ، وأنه
تحت مراقبة الله جل وعلا ، وبهذه المراقبة يستنكف عن المعاصي .
{ 117 } الأنس بالله تعالى لا يكون إلا لمن :
1ً ـــ كملت طهارته الظاهرة والباطنة قال تعالى : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) } سورة المدثر / 5
2ً ـــ صفا ذكره ، والذكر ليس مقصوداً لذاته بل هو وسيلة إلى المذكور جل وعلا .
3ً ـــ استوحش من كل شئ .
{ 118 } كمال سعادة الإنسان في امرين :
1ً ـــ تعظيم أمر الله عزوجل لقوله تعالى : { وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } سورة الحج / 32
ــــــــــــــــــــــ ص 98 ــــــــــــــــــــ
2ً ـــ الشفقة على خلق الله عزوجل والنظر إلى أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالشفقة والرحمة بدون مداهنة وخاصة مع من تمسك بنفسه . وكمال الطريق صدق مع الحق وخلُق مع الخلق .

عبدالقادر حمود 11-03-2008 08:46 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 

{ 119 } الاستقرار والاطمئنان لا يكون إلا بالتمسك بالكتاب والسنة ، لأن الاستقرار والاطمئنان من الله عزوجل ، وليس من الإنسان ، لذا إذا حاول أن يوجد العبد هذا الاسقرار من نفسه بنفسه ، فإنه يكون عاجزاً عن ذلك ، أما من الله فهو ممكن ، والله رتب هذا الاستقرار والاطمئنان على الاستقامة الشرعية .
{ 120 } كلما أدرك الإنسان ضعفه وعجزه وجهله أدرك عظمة ربه تبارك وتعالى فإذا أدرك عظمة ربه عزوجل فإن قلبه لا يرضى إلا بمولاه ولا يتعلق إلا به ، ولا يتعلق بالفاني لأن من تعلق بالفاني فهو إلى فناء قال تعالى : { لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } سورة القصص / 88

{ 121 } إذا كان القلب صافياً فإن الجوارح لاتخون ، لأن القلب هو السلطان على الجوارح كلها ، فإذا فسد فسدت الجوارح كلها ووقعت في المعصية ، وإذا صلح صلحت الجوارح ، وصلاحه بذكر الله عزوجل وإذا استشعر القلب معية الله تعالى فإنه لا يأنس إلا به ، فإذا حصلت منه الغفلة فإنه يتألم ، فلابد من كثرة الذكر
ــــــــــــــــــــــــ ص 99 ــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع الحضور . اللهم ارزقنا الحضور التام الدائم .
{ 122 } عظمة الله عزوجل وقربه من العبد لا يمكن إنكارها إلا من غافل ، فإذا استشعر العبد عظمة الله وقربه منه ، فإن قلبه لا يسكن إلا له ، ويتذوق طعم الإيمان ، وهذا لايكون إلا لأهل السير والسلوك ، وحديث هؤلاء عن هذا المقام تجد فيه الحيوية ، لأنهم يتكلمون عن ذلك ذوقاً وشهوداً . جعلنا الله منهم آمين .
{ 123 } إذا باشر الإيمان بشاشة القلوب ، وتيقن العبد قربه من ربه ، وقرب ربه منه ، حين ذاك تفرح روح الإنسان بخلاصها من شر النفس الأمارة بالسوء ، وبوصولها وقربها من ربها عزوجل . أما إذا ضعف الإيمان ولم يصل إلى بشاشة القلوب ، عندها تتغلب النفس الأمارة بالسوء على صاحبها ، وتغلبه الطبيعة البشرية ، ويكون في حال قبض وحزن . وفي كلا الحالين على العبد أن لا يغتر بالفرح ولا يقنط بالحزن ، فإن الله تبارك وتعالى يقول : { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } سورة غافر / 3
{ 124 } النفس من طبيعتها أنها أمارة بالسوء لقوله تعالى :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 100 ــــــــــــــــــــــ
{ إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ } سورة يوسف / 53
هذه النفس لا تخرج عن طبيعتها وخبثها بالكلية ، ما دامت الروح في الجسد { إِلَّا مَا رَحِمَ ربَّي } فالرحمة من الله عزوجل ، والإرادة بيد العبد ، فإذا استعمل العبد إرادته ،

بسجن نفسه تحت مراقبة الله عزوجل ، ووقف عليها تناله رحمة الله عزوجل ويترقى حتى يصل إلى النفس المطمئنة ولا يغفل عن نفسه الأمارة . أما الإنسان إذا كان غافلاً عنها ، وجاهلاً بمكرها وخداعها فإنها تتكبر وتتعالى وهو لايشعر ، كمثل الإنسان إذا غفل عن قص أضافره فإنها تنمو من حيث لا يشعر ، لذلك يجب على المؤمن أن يراقب نفسه ويبقيها مسجونة تحت مراقبة الله الذي لا يغفل قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } سورة النساء / 1



عبدالقادر حمود 11-04-2008 01:01 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 125 }إن الله تبارك وتعالى أمرنا أن نجاهد أنفسنا ، ونقطع شهواتها ، ونقتلها بالاستقامة الشرعية ، حتى تكون الجنة هي المأوى ، فقال تبارك وتعالى : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى{40} فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى{41} } سورة النازعات / 1
ومن أهملها ولم يقتلها بالاستقامة زادت في غيّها حتى تصبح نفسه نفساً
ـــــــــــــــــــــــ ص 101 ــــــــــــــــــــــــ

فرعونية نمروذية وكان من اتباع الشيطان . والصدّيق رضي الله عنه ما أصبح صديقاً إلا برمي نفسه ومخالفتها وقتلها بالاستقامة الشرعية . كما أمر الله عزوجل النبي صلى الله عليه وسلم ومن تاب معه قال تعالى : { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } سورة هود / 112
{ 126 } كن حريصاً على الوقت وأحدث الطاعة في وقتها ولا تؤخرها ، لأنها إذا أخرت عن وقتها كانت على حساب عبادة أخرى ، فمن لم يحافظ على الوقت ، أدركه المقت ، والصوفي ابن وقته .
{ 127 } النفس الأمارة بالسوء أقوى حواس الإنسان الداخلية ، وهي تحاربُ الله ورسوله بارتكاب المخالفات الشرعية ، ولا تخاف هذه النفسُ إلا من الموت . لذا إذا غلبتْ عليك نفسك ، هددها بقوله تبارك وتعالى : { وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }سورة محمد / 38
وبقوله تعالى : { وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } سورة الفتح /16
وبقوله تعالى : {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ
ــــــــــــــــــــــ ص 102 ــــــــــــــــــــــــ
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } سورة المائدة / 54
.... هذا أولاً . وثانياً : قلل لها الطعام والشراب والنوم ، لأن النفس الأمارة تكفر بنعمة الله عزوجل بسبب عنادها . لذلك هي تقوى وتضعف من خلال جنودها ، والطعام والشراب والنوم من جنودها ، والله عارٌ علينا أن ننشغل بالنعمة عن المنعم .
{ 128 } التقصير في المجاهدة سبب لعدم المعرفة ، لأن الله تبارك وتعالى رتب الوصول إلى سبل معرفته على مجاهدة النفس ، فقال تبارك وتعالى : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} سورة العنكبوت / 69
والله لا يخلف الميعاد ، وإذا لم يكن الإنسان في مجاهدته لنفسه قائماً ، كان في معصية الله واقعاً ، والوقوع في المعصية بسبب الغفلة ، وهي مفتاح باب جهنم ، كما أن الحضور مع الله تعالى هو مفتاح باب الجنة .
{ 129 } الإنسان الفاسق يمكن أن يُذهب فسقَه بإيمانه ، وإذا ذهب عنه الفسق ثبت عنده مقتضى الإيمان ، والفسق فسقان :
1ً ـــ فسق يخرج صاحبه عن الإيمان .
2ً ـــ فسق يوقع صاحبه في معصية الله ويتعدى حدود الله ولكن إيمانه موجود معه . وهذا المؤمن أتى بأفضل الخيرات على
ـــــــــــــــــــــــــــــ ص 103 ــــــــــــــــــــــــــــ
الإطلاق وهو الإيمان ، وخلص من أقبح القبائح وهو الكفر . وحق المؤمن أن يعمل عملاً صالحاً حتى يكون عمله موافقاً لمقتضى الإيمان وأن يترك المعاصي التي يكون بها فاسقاً ، لأنه قد يحبط عقابُ معصيته ثوابَ طاعته ، فلابد للمؤمن أن يعتدل عنده خوفه ورجاؤه كما قال عليه الصلاة والسلام : ( لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا ) أخرجه البيهقي وقال أنه قول مأثور عن بعض السلف ومعناه صحيح

{ 130 } من أراد أن يُرجّح آخرته على دنياه فعليه بالتهجد والذكر بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس ، وقبيل الغروب بربع ساعة . وهذا واجب على أهل السير والسلوك ، ومن وصل إلى ما وصل إليه من أهل السير والسلوك هو مثلنا يعيش في الدنيا فلا يجوز أن نبرر لأنفسنا تقصيرها .
وكل مؤمن يقر بصفات الله عزوجل ولكن هذا في مضمار العلم فقط ، أما في مجال التطبيق العملي لمستلزمات الإيمان فإنه غير موجود إلا من رحم الله . فلابد من الانتقال من علم اليقين إلى عين اليقين ثم إلى حق اليقين .


الساعة الآن 05:20 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى