منتديات البوحسن - جامع تنكز

http://esyria.sy/sites/images/damasc...7_20_28_35.jpg

مهما تكلمنا عن مدينة دمشق وعراقتها وتاريخها من ثقافة وأدب إلى فن وتراث وآثار لا يمكن أن نعطيها حقها وتعجز الكلمات واللغة العربية ببحورها عن وصف هذه المدينة ومعالمها التاريخية والحضارية.

فقررنا المرور بأحد هذه المعالم، آخذين منها جامع تنكز الذي يعد من أهم المواقع التاريخية في هذه المدينة ويقع شمال غرب دمشق القديمة المسورة في شارع النصر قرب محطة الحجاز، حيث الجامع مع ضريحه، وتنكز هو نائب السلطان الناصر محمد المملوكي المستقر في القاهرة، وكان تنكز مملوكاً في البدء للملك المنصور قلاوون ولذلك حمل لقب المنصوري واستمر الأمير تنكز والياً على دمشق ما يقارب ثلاثين عاماً ونائباً صاحب صيت عطر وشديد الولاء للسلطان في مصر، أنشئ الجامع بتاريخ 718هـ 1318م، ومن المعروف أن هذا الجامع أقيم في مكان كنيسة القديس نيقولا، وكان هذا الجامع محطة للزائرين ومتعة الناظرين.

http://esyria.sy/sites/images/damasc..._35.image1.jpg

ويقول الشاعر ابن حدقة فيه:

وافيت جامع تنكز فوجدته/ متفرداً بين الرياض وحيداً

لم صرت وحدك ههنا فأجابني/ لما جمعت الحسن صرت فريداً

http://esyria.sy/sites/images/damasc..._35.image2.jpg

جدد هذا الجامع بعد حوالي 74 عاماً في سنة 1392م، وفي عهد إبراهيم باشا المصري أصبح هذا الجامع ثكنة عسكرية
واستمر على هذا الحال حتى سنة 1937م حيث أصبح مقراً للجمعية الغراء كمدرسة شرعية، وتعرض الجامع لحريق سنة 1945م ثم هدم الجامع وتم بنائه من جديد عام 1951م وبقي على وضعه الحالي، ولم يبق من الجامع القديم إلا المئذنة والضريح، وتعد المئذنة الشمالية من أجمل المآذن الإسلامية فهي تتألف من قاعدة صومعية مربعة مرتفعة على الطراز الدمشقي القديم (مشابهة لمئذنة العروس في الجامع الأموي) يعلوها جذع مثمن مملوكي مع نوافذ مزخرفة، أما الشرفة فقد تجملت قواعدها بمقرنصات ضخمة متوجة المئذنة بقاموع مضلع فريد من نوعه مغطى بألواح من الرصاص يرجح أنها وضعت مع الترميمات الأخيرة، وأما الجامع على شكله الحالي فيأخذ استطالة بطول 100 متر تقريباً مطلة على شارع النصر ومئذنتين صغيرتين.

ويصف العلامة بدر الدين الحسيني الجامع فيقول: "وأقيمت الصلوات فيه وخطبت على منبره وفاح في الآفاق مسكه وتأرج عبيره وهو جامع حسن المباني لطيف المعاني واري الزناد رفيع العماد
مضيء الكواكب فسيح الجوانب عليه طلاوة وصحفه مشغولة بالحلاوة يجري فيه نهر بانياس وتسري إليه الأتقياء من الناس".

وفي مدخل الجامع من الجهة الشرقية تقع تربة الأمير تنكز مغطاة بقبة تعتمر على رقبة لها طبقتين: سفلى مثمنة وطبقة عليا لها ستة عشرة ضلعاً تشكل آيةً من آيات الفن المعماري الإسلامي العريق.

وعند سؤال الشاب حسين زكريا "أحد المصلين" عن سبب صلاته في هذا الجامع أخبرنا: أنا أصلّي في جامع تنكز منذ ما يقارب سنتين ويشكل لي هذا الجامع عمقاً إيمانياً واضحاً لكون المنشأ التاريخي يبين عظمة الدين الإسلامي وعراقة منشئه التي تمتد في جذور التاريخ، وعندما أصلّي في هذا الجامع أكون موجوداً في دمشق وملتصقاً بها.

وبسؤالنا السيد محمد شاهين عن هذا الجامع أجاب: أنا أصلّي في هذا الجامع منذ فترة ليست بقصيرة رغم وجود مسجد أمام منزلي لكنني أذهب إلى جامع تنكز لخروجي من الدنيا وهمومها بالصلاة فيه.

وفي النهاية
ندع مسجد تنكز يتحدث عن نفسه وعن عراقته وهو شاهد على عراقة حضارتنا العربية، بالتأمل والصمت لهذا الصرح الإسلامي الممتد من حضارتٍ خلت إلى يومنا هذا، وهو يشهد على عراقة هذه المدينة بباكورةٍ من الفن المعماري والهندسي الذي خطهُ وصنعهُ آباؤنا للأجيال الحالية والقادمة، ونتذكر هنا وصف الشاعر الكبير نزار قباني للمآذن الدمشقية بقولة "وللمآذن كالأشجار أرواحُ".

http://esyria.sy/sites/images/damasc..._35.image3.jpg