منتديات البوحسن - الأحنف بن قيس موطّد الإسلام في خراسان

يذكر التاريخ للأحنف بن قيس التميمي أنه فاتح خراسان، وموطد أركان الإسلام فيها، بالإضافة إلى ذلك كان عبقرياً في قيادته .

أدرك الأحنف النبي “صلى الله عليه وسلم” ولم يره، وقد أسلم على عهده كما أسلم قومه بإشارته، ولكنهم ارتدوا عن الإسلام بعد التحاق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى .

وقد عرف عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأحنف معرفة شخصية فرأى منه عقلا ودينا كما برز مجاهداً في ميدان القتال لذلك رفع له لواء “خراسان” حين أذن في بلاد فارس سنة سبع عشرة للهجرة .

وشهد فتح “نهاوند” قبل فتح “خراسان” مع أهل البصرة الذين جاؤوا مددا وعليهم أبو موسى الأشعري، فلما انصرف أبو موسى من نهاوند وفتح “قم” وجه الأحنف إلى “قاتان” ففتحها عنوة ثم لحق بأبي موسي الأشعري .

اعتزال “الجمل”

وفد الأحنف على عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، وكان موضع ثقتهما وتقديرهما، ولما تولى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الخلافة وقصدت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها البصرة كتبت إليه وإلى أمثاله من رجالات البصرة وأقامت “بالحفير” تنتظر الجواب، وبايع الأحنف علياً بالمدينة بعد مقتل عثمان وكان الأحنف حينذاك في طريق عودته من الحج ولكنه اعتزل الفريقين في معركة الجمل ومعه زهاء ستة آلاف وبقي مع أصحابه قريباً من البصرة .

ولما قدم علي بن أبي طالب البصرة أتاه الأحنف فقال: إن قومنا بالبصرة يزعمون أنك إن ظهرت عليهم غدا قتلت رجالهم وسبيت نساءهم، فقال علي ما مثلي يخاف هذا منه وهل يحل هذا إلا لمن تولى وكفر، وهم قوم مسلمون؟ فقال الأحنف: اختر مني واحدة من اثنتين إما أن أقاتل معك وإما أن أكف عنك عشرة آلاف . ورجع إلى الناس ودعاهم إلى القعود واعتزل بهم .

كان الأحنف في حرج شديد من قتال أم المؤمنين وحواريي رسول الله طلحة والزبير، ولكنه كان يرى أن علياً على حق وأنه مسؤول عن مساندته، لذا آثر استرضاء الطرفين فاعتزل وقعة الجمل، ولكنه شهد مع علي بن أبي طالب وقعة “صفين” .

ولما استقر الأمر لمعاوية بن أبي سفيان دخل عليه الأحنف يوماً فقال له معاوية: والله يا أحنف ما أذكر يوم صفين إلا كان حزازة في قلبي إلى يوم القيامة . فقال الأحنف: والله يا معاوية إن السيوف التي قاتلناك بها لفي أغمادها، وإن تدن من الحرب فترا ندن منها شبراً، وإن تمش إليها نهرول إليها . ثم قام وخرج، وكانت أخت معاوية من وراء حجاب تسمع كلامه فقالت: يا أمير المؤمنين، من هذا الذي يتهدد ويتوعد؟ قال: هذا الذي إذا غضب غضب لغضبه مائة ألف من بني تميم لا يدرون فيمَ غضب .

عقلية استراتيجية

كان الأحنف يبذل قصارى جهده في إعداد خططه العسكرية، فكان يستشير رجاله وينتصح بنصحهم إذا وجد في النصح مصلحة وخيراً عاماً . . وكان شجاعاً يقاتل عدوه بسيفه وعقله معا كما كان يستأثر بالخطر دون رجاله ويؤثرهم بالراحة والأمان، وكذلك يمتاز بعقليته الفذة الاستراتيجية، ويمتاز باختياره الموفق لمواقع القتال المناسبة لقواته بحيث تحميهم من الخلف وتحمي أجنحتهم حتى يقاتلوا في اتجاه واحد مطمئنين إلى حماية مؤخرتهم وأجنحتهم .

ومن مميزات الأحنف العسكرية صراحته النادرة مع قواته حيث كان يحذرهم من العدو ويذكر لهم قوتهم، ويذكرهم بضعفهم بالنسبه إلى قوة عدوهم، ولكنه يعود، ليذكرهم بأن الفئة القليلة الصابرة تغلب الفئة الكثيرة التي لا صبر لها على القتال، وصراحته هذه قل أن يتحلى بها قائد في الحرب خاصة قاده الحروب القديمة، لأن مثل هذه الصراحة قد تؤثر سلباً في المعنويات وتؤدي إلى انهيارها وعند تطبيق أعمال الأحنف العسكرية على مبادئ الحرب نجد أنه كان يختار مقصده فهو دائما يعرف ما يريد ويسعى جاهداً للحصول عليه من أقصر الطرق وبأقل خسائر مادية ومعنوية .

امتاز بمباغتة عدوه . . لم يلجأ إلى الدفاع إلا لكي يعد العدة ليستأنف الهجوم بقوة وعزم، وكان لا يقدم على تنفيذ خطة من خططه العسكرية قبل أن ينجز حشد قواته من الناحيتين المادية والمعنوية وفي المكان والزمان المناسبين . . كما كان يحرص غاية الحرص على الاقتصاد بالجهود فلا يستخدم غير القوة المناسبة للواجب المطلوب، مما أدى إلى عدم تكبد قواته خسائر لا مبرر لها .

وكان يهتم كثيراً بمتطلبات الأمن فيوفر الحماية لقواته ولمواصلاته لوقايتها من المباغتة فلم يستطع عدوه أن يباغت قوات العرب المسلمين قط، وقد باغت العرب المسلمون عدوهم مرات .

وفي النهاية نقول إن الأحنف بن قيس التميمي كان قائداً عسكرياً ممتازاً، وداهية من دهاة العرب .