منتديات البوحسن

منتديات البوحسن (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   القسم العام (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=27)
-   -   مع زجل الششتري (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=5445)

عبدالقادر حمود 08-26-2010 07:21 AM

مع زجل الششتري
 
قراءة حرة
قُولْ مُبينْ

د. صلاح فضل

ثم نمضي مع زجل الششتري الصوفي الأندلسي الذي عاش في القرن السابع الهجري، حيث يمزج نتيجة لتجواله في مختلف الأقطار العربية ومقامه بين أهلها بين ثلاث لهجات عامية عايشها وأبدع في خلطها، وهي الأندلسية والطرابلسية والشامية، مع بروز العنصر العربي الفصيح في تثقيفها بالتراكيب البليغة والأخيلة الجميلة، الأمر الذي يحقق درجة عالية من الانحراف التعبيري عن نمط الكلام المصفى ويولد الدهشة الشعرية، يتابع الششتري زجله قائلا:

ثم قول مبين ولايحتاج عبارة

إش على حد من حد افهموا ذي الإشارة




وانظروا كبر سني والعصا والغرارة
هكذا عشت في فاس وكذاك هون هونى

إش عليا من الناس وإيش على الناس مني

فقول مبين، مزروعة ببلاغتها القرآنية بين التعبيرات العامية في تلاؤم عجيب، والغرارة، وهي من اللهجة المصرية، هي الخرج الذي يحمله الصوفي على كتفه، أما “هون هوني” فهي من اللهجة الطرابلسية، ويستمر الشاعر في رسم صورته الشائقة بطريقة بالغة الإثارة، تعتمد على المشاهد المتحركة، وردود الفعل المفاجئة:

وماأحسن كلامو إذ يخطر في الأسواق

وترى أهل الحوانيت تلتفت لو بالأعناق

بغرارة في عنقو وعكيكيز وأبراق

شويخ مبني على أساس كما أنشأ الله.. مَبْنِي

إش عليا من الناس وإش على الناس مني

ونلاحظ تحول ضمير الغائب المضاف إليه (كلامه) في العامية الشامية إلى واو المد فيصبح (كلامو) وكذلك تتحول (له) إلى (لو) وعنقه إلى (عنقو) ويتم تصغير عكاز إلى عكيكيز، والتصغير للتحبيب من أجمل سمات اللهجة الأندلسية التي أورثتها اللغة الإسبانية في الأقاليم التي طال المقام العربي فيها بالأندلس، على أنه لا يخفى علينا مظاهر بنية هذا الزجل تبعا للموشحات عن نظام القصيدة العربية من حيث الإطار الموسيقي، فهما يقدمان أول ثورة حقيقية على عمود الشعر العربي، حيث يتم فيها مزج الأوزان وتغير عدد التفاعيل من جزء إلى آخر طولا وقصرا، وكذلك تنويع القوافي بين الأغصان والقفل الذي يتخذ مركزا للقصيدة، حيث يتم تكراره في ترجيع موسيقي بديع، كل هذا يقيم نسقا من الصور اللحنية والبصرية لهذا الشيخ الذي يفتن أهل الأسواق بهيئته وكلامه، وتتعدد المقاطع حتى نصل لختام الزجل وهو يقول:

يا إلهي رجوتك جُد عليَّا بتوبة

بالنبي قد سألتك والكرام الأحبة

الرجيم قد شغلني وأنا معه في نُشبة (معركة)

قد ملا قلبي وسواس مما هُـ يبغي مني

إش عليا من الناس وإش على الناس مني

ولعل السمة المائزة في هذا الزجل المنضد موسيقيا والمجسد تصويريا هي طرافته الفائقة وخفة روحه في تمثيل أحوال الصوفي بهيئته وملابسه وحركته وهو يغني في الأسواق ويقاوم شيطانه الماكر، والقصيدة تبلغ ضعف هذا الحجم بمقاطعها المفعمة بنشوة الوجد والاستغراق، وتتميز بحيوية تعبيراتها وبساطة شعريتها الغنائية الفائقة.


الساعة الآن 09:43 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى