منتديات البوحسن - صفحات أيوبية

صفحات أيوبية

انتصارات سريعة على الصليبيين

أ .د . قصي الحسين

عاد صلاح الدين إلى الشام في ربيع سنة .1178 وانشغل بحصار بعلبك التي أراد أخذها من ابن المقدم لإعطائها لأخيه توران شاه .

واعتدى الصليبيون على أهل دمشق الذين خرجوا في إبريل/نيسان سنة 1179 لرعي مواشيهم في المراعي القريبة من بانياس، مما أدى إلى اشتباك بين الصليبيين بقيادة بلدوين الرابع وهمفري صاحب حصن بانياس من ناحية، والقوات الإسلامية بقيادة عز الدين فرخ شاه (فرخشاه) ابن أخي صلاح الدين من ناحية أخرى . وكان أن خرج صلاح الدين الذي كان بدمشق عندئذٍ لمساعدة ابن أخيه، فدارت معركة انتصرت فيها قوات صلاح الدين، ونجا الملك الصليبي بصعوبة بعد أن أصيب إصابات خطيرة، وقتل الأمير همفري . ويقول ابن الأثير عن مقتل همفري هذا: “وقتل من مقدميهم جماعة منهم همفري، وما أدراك ما همفري، به كان يضرب المثل في الشجاعة والرأي في الحرب، وكان بلاء صبّه الله على المسلمين فأراحهم الله من شره” .

موقعة تل القاضي

واتخذ صلاح الدين معسكره عند تل القاضي غربي بانياس، وعهد إلى ابن أخيه تقي الدين عمر بمراقبة الصليبيين عند حماه خوفاً من اعتداء بوهيموند الثالث أمير إنطاكية . كذلك عهد إلى ابن عمّه ناصر الدين محمد بن شيركوه بالدفاع عن جبهة حمص ضد ريموند الثالث أمير طرابلس، في حين أرسل صلاح الدين إلى أخيه العادل في مصر يطلب منه إرسال المدد . وكان صلاح الدين “يركب كل يوم بحجة الصيد ويجرّد العساكر وقبائل العرب إلى صيدا وبيروت حتى يحصدوا غلّات العدو” .

* وأخيراً وجد بلدوين الرابع أنه لا بد من وضع حد لغارات صلاح الدين، فجمع قواته وخرج لمنازلته . وفي 10 يونيو/حزيران سنة ،1179 دارت موقعة قرب تل القاضي في سهل مرج العيون بين المسلمين بقيادة صلاح الدين والصليبيين بقيادة الملك بلدوين الرابع، فانتصر صلاح الدين انتصاراً حاسماً، وأسر كثيراً من أعيان الصليبيين، ولم ينج الملك بلدوين نفسه إلا بصعوبة .

ووصلت إلى مملكة بيت المقدس سنة 1179 مجموعة قوية من الفرسان الفرنسيين للحج، وعلى رأسهم هنري الثاني دي شامبين، مما بث في الصليبيين في الشام عزيمة جديدة وأحيا روحهم المعنوية . لذلك اكتفى صلاح الدين عقب انتصاره بمهاجمة حصن الأحزان، ونجح في فتحه في أواخر أغسطس/آب سنة ،1179 وذلك “بعد قتال وحصار، فغنم مئة ألف قطعة حديد من أنواع الأسلحة وشيئاً كثيراً من الأقوات وغيرها، وأسر نحو السبعمئة وضرب الحصن حتى سوى به الأرض” .

إغارات وهدنتان

وأخذ صلاح الدين يتابع انتصاراته في سرعة مذهلة، بحيث لم يستطع الصليبيون ملاحقته . ولم يكتفِ بعد تدميره حصن الأحزان بالإغارة على مناطق صور وصيدا وبيروت، بل استطاع أسطوله أن يخرج من الموانئ المصرية في أكتوبر/تشرين الأول سنة ،1179 ليهاجم عكّا ذاتها، وهي المدينة التي أطلق عليها أبو شامة اسم “قسطنطينية الفرنج” . أما الملك بلدوين الرابع، فقد طلب عقد هدنة، فوافق صلاح الدين على ذلك في مايو/أيار سنة .1180 على أنه يلاحظ أن هذه الهدنة عقدت بين صلاح الدين ومملكة بيت المقدس وحدها، مما جعل صلاح الدين في حل من مهاجمة الصليبيين في شمال الشام، وبخاصة إمارة طرابلس . وفي الوقت نفسه، عاد الأسطول المصري إلى مياه الشام في يونيو سنة ،1180 فهاجم أنطرطوس وأنزل بها كثيراً من الخسائر، مما اضطر ريموند الثالث أمير طرابلس إلى عقد هدنة مشابهة مع صلاح الدين .

عاد صلاح الدين إلى دمشق، حيث سمع بوفاة أخيه توران شاه بالإسكندرية، فاستناب ابن أخيه عز الدين شاه على الشام، وأسرع إلى القاهرة، حيث تلقاه الجيش والأمراء والأعيان في يناير/كانون الثاني ،1181 ولذلك حاول أن ينجز أكبر قدر من الأعمال خلال المدة القصيرة التي قضاها في مصر .

وقد أحس صلاح الدين بمكانته وأهمية مركزه، فأخذ ينظم مراسيم الحكم واهتم بتقوية جبهته الداخلية عن طريق القضاء على الخونة وبخاصة من العربان الذين بلغه أنهم يتعاملون مع الصليبيين ويصدرون إليهم الغلال . ومن هؤلاء عربان الشرقية الذين أصدر صلاح الدين أوامره بمصادرة ممتلكاتهم، كما أصدر أمره بمصادرة إقطاع جذام وثعلبة في شمال الدلتا .