منتديات البوحسن - عبر وعضات من يوم عرفات

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عبر وعبرات من يوم عرفات

وقف مطرف بن عبد الله الشخير وبكر المزني رحمهما الله بعرفة، فقال أحدهما: اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي، وقال الآخر: ما أشرفه من موقف وأرجاه لأهله لولا أني فيهم.
ووقف الفضيل بن عياض رحمه الله بعرفة والناس يدعون، وهو يبكي بكاء الثكلى المحترقة، قد حال البكاء بينه وبين الدعاء، فلما كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه الى السماء وقال: واسوأتاه منك وإن عفوت.
وقال لشعيب بن حرب رحمه الله بالموسم: إن كنت تظن أنه شهد الموقف أحد شر مني ومنك فبئس ما ظننت.
وروي عنه أنه نظر الى تسبيح الناس وبكائهم عشية عرفة فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا الى رجل فسألوه دانقاً يعني سدس درهم أكان يردهم؟! قالوا: لا، قال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق.
ووقف أحدهم بعرفة فقال: اللهم إن كنت لم تقبل حجي وتعبي ونصبي فلا تحرمني أجر المصيبة على تركك القبول مني.
ووقف أحد الخائفين بعرفة الى قرب غروب الشمس فنادى الأمان الأمان، فقد دنا الانصراف فليت شعري ما صنعت في حاجة المساكين.

الأمان الأمان وزري ثقيل
وذنوبي إذا عُددن تطول
أوبقتني وأوثقتني ذنوبي
فترى لي إلى الخلاص سبيل؟
وقال مالك بن أنس رحمه الله : صحبتُ جعفر الصادق رحمه الله فلما أراد أن يلبي تغير وجهه وارتعدت فرائصه، فقلت: ما لك يا بن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقال: أردت أن ألبي.
قلت: فما يُوقفك؟ قال: أخاف أن أسمع غير الجواب.
فهنيئاً أحبتي لمن رزقه الله الوقوف بعرفة بجوار قوم يجأرون الى الله تعالى بقلوب محترقة ودموع مستبقة، فكم فيهم من خائف أزعجه الخوف وأقلقه، ومحب ألهبه الشوق وأحرقه، وتائب لجأ الى باب الله وطرقه، فكم هنالك من مستوجب للنار أنقذه الله وأعتقه، ومن أسير للأوزار فكه وأطلقه، وحينئذ يطلع عليهم أرحم الرحماء، ويباهي بجمعهم أهل السماء، فيدنو ثم يقول: ما أراد هؤلاء؟!

رفعوا الأكف وأرسلوا الدعوات
وتجردوا لله في عرفات
شعثاً تجللهم سحائب رحمة
غبراً يفيض النور في القسمات
وكأن أجنحة الملائك عانقت
أرواحهم بالبر والطاعات
هذي ضيوفك يا إلهي تبتغي
عفواً وترجو سابغ البركات
تركوا وراءهم دنيا الورى
وأتوك في شوق وفي إخبات
وفدوا الى أبواب جودك خشعاً
وتزاحموا في مهبط الرحمات
فاقبل إله العرش كل ضراعة
وامح الذنوب وكفر الزلات
يقول الإمام ابن رجب رحمه الله: (من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بحقه الذي عرفه، ومن عجز عن المبيت بمزدلفة فليبيت عزمه على طاعة الله وقد قربه وأزلفه، ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المنى، ومن لم يصل الى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فإنه أقرب الى من دعاه ورجاه من حبل الوريد).