منتديات البوحسن

منتديات البوحسن (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   المكتبة الاسلامية (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=24)
-   -   لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=8213)

عبدالقادر حمود 12-03-2012 07:27 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نرغب إخواننا أصحاب الأموال بأن يعطفوا على فقراء بلدهم ويخرجوا زكاتهم، ونبين لهم مرتبة الزكاة من الدين والإيمان، فربما كان المانع لهم من إخراج زكاة أموالهم جهلهم بما ورد فيها من الآيات والأخبار لقلة مجالستهم للعلماء فإذا بينا لهم مرتبة وجوب الزكاة ولم يخرجوا هجرناهم وجوبا لقوله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين}.


ومفهومه أن من لم يقم الصلاة ولم يؤد الزكاة فليس هو من إخواننا في الدين، ولا يخفى حكمه فوالله لقد صارت أفعال غالب الخلق كأفعال من لا يؤمن بيوم الحساب، ولا بما توعد الله تعالى عليه عباده، فإن من لم يكن عنده ما توعده الله عليه أو وعده من الأمور المغيبة عنه كالحاضر فإيمانه مدخول.


وتأمل يا أخي لو أن السلطان أوقد نارا لمانع الزكاة، وقال إن لم تخرج زكاتك أحرقتك في هذه النار كيف يخرجها ولا يتوقف أبدا؟ ولو قال له صديقه لا تخرج زكاتك لا يطيعه، وذلك لشهود النار وتعذيبه بها عاجلا غير آجل، فهكذا فليكن الأمر فيما توعد به الحق تعالى عباده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.


ثم تأمل يا أخي في تسمية الله تعالى إخراج الإنسان حق الله تعالى في ماله زكاة:أي نمو وزيادة تعرف أن ذلك إنما هو امتحان لمن يدعي الإيمان، وتصديق الله عز وجل فيما أخبر به هل يصدقه في زيادة المال إذا أخرج حق الله منه، ويكون في شهوده كالزيادة أم لا؟ وتأمل لو جلس يهودي بشكارة ذهب وقال لكل من مر عليه من المؤمنين كل من أعطى هذا الفقير درهما أعطيته دينارا، كيف يتزاحم الناس على إعطاء هذا الفقير، لأجل زيادة العوض؟ وقد قال الله تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة} وقال تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} وقال صلى الله عليه وسلم ( ما نقص مال من صدقة).


فليمتحن المدعي للتصديق بكلام الله ورسوله نفسه، فإن رآها لا تمل من الإعطاء أبدا للفقراء ولو طلبوا منه جميع ما معه أعطاه لهم فليحكم لها بكمال الإيمان، وإن رآها تمل من ذلك فليحكم عليها بنقص الإيمان، وربما كان أحدهم يعطي الفقراء لكثرة ما جرب من إضعاف التوسعة عليه كما أعطى، فهذا عبد تجربة، فربما كان الحاث له على العطاء كون الحق تعالى يخلف عليه أضعاف ما أعطى، والمؤمن الكامل من أعطى عباد الله تعالى امتثالا لأمر الله لا لعلة إخلاف الله عليه ولا غير ذلك، اللهم إلا إن يريد بكثرة الإعطاء كثرة الإنفاق في مرضاة الله تعالى فهذا لا مانع منه وربما كان الإنسان يخف عليه إعطاء الدينار للسائل أول مرة، ثم إذا طلب منه السائل دينارا ثانيا أعطاه ولكن ببعض ثقل، ثم إذا سأله ثالثا أعطاه بثقل لكن أعظم من الثاني، وهكذا حتى ربما لا يصل إلى الدينار العاشر ومعه بقية داعية للعطاء، فلو أن مثل هذا كان كامل الإيمان لكان آخر دينار في الخفة عليه كأول دينار على حد سواء في الخفة.


وقد أخبرني الشيخ جمال الدين ابن شيخ الإسلام زكريا أن الشيخ فرجا المجذوب لقيه ومعه أربعون نصفا فسأله الشيخ فرج نصف فأعطاه ثم سأله آخر فأعطاه، فما زال يسأله حتى بقي معه نصف واحد من الأربعين فقال أعطني النصف الآخر، فقال: يا شيخ فرج أنا محتاج إليه، فقال: قد كتبت لك وصولا على شموال اليهودي بتسعة وثلاثين دينارا، فقال: قف خذ النصف الآخر فقال ما رضيت، قال الشيخ جمال الدين: فبينما أنا جالس في أثناء النهار فإذا يهودي يدق الباب فقلت له من هذا فقال يهودي، فقلت له أدخل، فقال: إن والدك كان أعطاني أربعين دينارا قرضا وما بيني وبينه إلا الله تعالى، وقد عجزت عن دينار منها فأبرئ ذمتي، ووضع الدنانير بين يدي، فمن ذلك اليوم ما سألني الشيخ فرج شيئا ومنعته إياه، قال سيدي جمال الدين: فندمت أني ما كنت أعطيته النصف الآخر، فإنه عوض لي في كل نصف واحد أربعين نصفا ثم قال تبت إلى الله تعالى أن أحدا من أولياء الله يطلب مني شيئا ولا أعطيه له اهـ.


فانظر يا أخي كيف صار إيمان سيدي جمال الدين في آخر نصف من توقفه، ولو أنه كشف حجابه لم يتوقف في آخر نصف بل كان يعطيه من غير توقف، قال سيدي جمال الدين: ثم إني لقيت الشيخ فرجا بعد ذلك فذكرت له القصة فقال: إنما فعلت ذلك معك لأمرنك على معاملة الله عز وجل، فإذا كنت وأنا عبد قد وفيت لك أضعاف ما أعطيتني فالحق تعالى أولى بذلك {ومن أوفى بعهده من الله}. فقلت له لأي شيء ما قلت لي أعطني درهما أعطك بدله دينار؟ فقال: كانت تبطل فائدة الامتحان لأنه حينئذ يصير العوض مشهودا لك ولا تظهر ثمرة المحنة إلا إذا لم يذكر الممتحن العوض، وأوهمه أنه لا يعوض عليه بدل ذلك شيئا اهـ.


فاعلم أن الواجب على العبد أن يعطي الله ما أمره به محبة في ربه عز وجل لا طلبا للعوض الدنيوي أو الأخروي، فإن ذلك سوء أدب وجهل بعظمة الله تعالى.


فأخرج يا أخي زكاتك طوعا وامتثالا لأمر ربك، وإن لم تطاوعك نفسك فاتخذ لك شيخا يرقيك إلى كمال الإيمان، فهناك لا تتوقف على توعده لك بحرقك بالنار إن لم تخرج زكاتك، فإنك تصير كمن آمن كرها فلا يصح إيمانك والله يتولى هداك.

========

روى الإمام أحمد واللفظ له وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: (العامل على الصدقة بالحق لوجه الله تعالى كالغازي في سبيل الله عز وجل حتى يرجع إلى أهله).


وفي رواية للطبراني مرفوعا: (العامل إذا استعمل فأخذ الحق وأعطى الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته) .


وروى الإمام أحمد ورواته ثقات مرفوعا: (خير الكسب كسب العامل إذا نصح) .


وروى الإمام أحمد مرفوعا وفي إسناده مجهول: (ستفتح عليكم مشارق الأرض ومغاربها وإن عمالها في النار إلا من اتقى الله عز وجل وأدى الأمانة) .


وروى أبو داود مرفوعا: (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فأخذ فوق ذلك فهو غلول) .


وفي رواية لمسلم وأبي داود وغيرهما مرفوعا: (من استعملناه على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة) . والله تعالى أعلم. "اهـ

عبدالقادر حمود 12-03-2012 07:31 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نساعد الفقراء بالعمالة إذا طلب منا الفقراء أن نكون عمالا لهم على الزكاة إلا إذا لم نثق بنفوسنا في جميع ذلك وإعطائه للفقراء من غير غلول، فإن خفنا ذلك تركنا العمالة تقديما لمصلحة نفوسنا على مصلحة الغير، وهذا العهد يخل به كثير من الفقراء والعلماء، ويقولون: أي شيء لنا في ذلك؟ فإن شاءوا يعطون الفقراء، وإن شاءوا يمنعوهم، وغاب هؤلاء عن قول الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}.


يعني اطلبها منهم ولا تتوقف على أنهم يعطونها لك بغير سؤال فإن المال محبوب للنفوس، وقليل من الناس من يوق شح نفسه، فكان على هذا القدم سيدي الشيخ أبو بكر الحديدي رحمه الله تعالى، فكان يأخذ من الناس الزكاة بالإلحاح ويعطيها للفقراء والمساكين، فقيل له إنهم يصيرون يكرهونك، فقال سوف يحبوني في الآخرة حين يرون ثواب أعمالهم اهـ.


وقد قال أخي أفضل الدين لشخص مرة لا تترك فعل الخير ولو خفت أن يذمك الناس،فقال له سيدي علي الخواص ولو ذموك وفرغوا من الذم اهـ.


فافعل يا أخي كل شيء ندبك الشرع إليه ولا تتعلل بعذر عادي من حياء أو خوف ذم، فإن العذر لا يقبل إلا إن كان شرعيا كخوفه على نفسه من الغلول لما يعلم من شدة محبة نفسه للدنيا وميله إليها، فروض يا أخي نفسك مدة قبل دخولك في جباية الأموال والله يتولى هداك.


روى الشيخان واللفظ للبخاري مرفوعا: اليد العليا خير من اليد السفلى، ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله. قال الخطابي وقد اختلف الناس في المراد باليد العليا، فقال بعضهم هي المنفقة والأشبه أن يكون المراد بها المتعففة لأنها أوضح من حيث المعنى. والله تعالى أعلم.


وروى البزار مرفوعا: (إن الله تعالى يحب الغني المتصدق والفقير المتعفف) .


وروى ابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: (أول ثلاثة يدخلون الجنة: الشهيد، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده، وعفيف متعفف ذو عيال) .


وروى الطبراني مرفوعا: (ومن يقنع يقنعه الله) . وفي رواية له مرفوعا: (عز المؤمن استغناؤه عن الناس) .


وروى الشيخان مرفوعا: (ليس الغنى عن كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس. والعرض كل ما يقتنى من المال وغيره) .


وروى مسلم وغيره مرفوعا: (اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تشبع) .


وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا: (إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب) .


وروى الشيخان مرفوعا: (ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس) .


وروى مسلم والترمذي وغيرهما مرفوعا: (قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه) . والكفاف من الرزق ما كف عن السؤال مع القناعة لا يزيد على قدر الحاجة.


وروى مسلم والترمذي وغيرهما مرفوعا: (يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تستكثر فشر لك، ولا تلام على كفاف) . يعني أن تطلب من الدنيا ما يكفيك ويغنيك عن سؤال الناس.


وروى البيهقي مرفوعا: (القناعة كنز لا يفنى) . قال الحافظ المنذري ورفعه غريب.


وروى الترمذي، وقال حديث حسن مرفوعا: (من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) . والمراد بسربه: نفسه.


وروى البخاري وابن ماجه وغيرهما مرفوعا: (لأن يأخذ أحدكم أحبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه).


وروى البخاري مرفوعا: (ما أكل أحد طعاما خير له من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده). قال بعضهم كان يضفر الخوص ويعمل أدراع الحديد.


وروى أبو داود والترمذي: (أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: أما في بيتك شيء؟ فقال بلى حلس؟؟ نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب؟؟ نشرب فيه الماء فقال ائتني بهما، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال: من يشتري هذين؟ فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا؟ فقال رجل: أنا أخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال: اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فائتني به، فلما أتاه به شد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده، ثم قال: اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما، ففعل وجاء فأصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تحل إلا لثلاث: لذي فقر مدقع، ولذي غرم مفظع، ولذي دم موجع) . والمدقع هو الشديد الملصق صاحبه بالدقعاء يعني الأرض التي لا نبات بها والغرم هو الذي يلزم صاحبه أداؤه يتكلف فيه لا في مقابلة عوض، والمفظع هو الشديد الشنيع، والدم الموجع هو الذي يتحمل عن قريبه أو حميمه أو نسيبه دية إذا قتل نفسا ليدفعها إلى أولياء المقتول. ولو لم يفعل قتل قريبه أو حميمه الذي يتوجع لقتله. والله تعالى أعلم،" اهـ



عبدالقادر حمود 12-04-2012 08:01 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن يكون سدانا ولحمتنا القناعة والتعفف، والأكل من الكسب الحلال بطريقة الشرع الشامل لمد اليدين بالدعاء إلى حضرة الله تعالى، إذا عجزنا عن عمل الحرفة المعتادة، ولا نأكل بديننا، وهذا العهد لا يعمل به على وجهه إلا من سلك الطريق على يد شيخ، وإلا فلا يشم من العمل به رائحة، فإن العبد ما لم يصل إلى معرفة الله تعالى لا يصح له في القناعة والتعفف قدم، وذلك أنه إذا عرف الله تعالى فمن لازمه الرضا به من الكونين ولا يطلب قط فيهما نعيما غير مجالسة الحق جل وعلا، ولا يبالي بما فاته منهما إذا كان الحق تعالى له عوضا من كل شيء، وأما من لم يصل إلى معرفة الله تعالى، فمن لازمه شراهة النفس لأن الدنيا مشهودة فلذلك كان هذا العهد يخل به كثير من الناس في هذا الزمان حتى لا يكاد الإنسان يرى متعففا ولا قانعا ولا متورعا في اللقمة أبدا بل غالب الفقراء يقولون وخلق لكم وغيرهم، يقول هات لنا ولا تفتش، وبعضهم يقول الحرام علينا هو ما لم تصل يدنا إليه، وهذا كلام لا يجوز لمؤمن أن يتلفظ به لئلا يسمعه بعض العوام فيتبعه على ذلك.


ومن هنا قال العارفون: يجب على من لم يكن لديه ورع أن يتفعل في التورع، فإن لم يكن له نية صالحة في الورع فربما صلحت نية من يتبعه في الورع، وقالوا أيضا: يجب على العالم إذا لم يعمل بعلمه أن يعلمه لمن يعمل به.


وقالوا إذا رأيت عالما لا يعمل بعلمه فاعمل أنت به يحصل لك وله الخير(والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) .


ثم لا يخفى أن من أقبح الصفات عدم تعفف العالم والصالح وطلبهما من الولاة جوالي أو مسموحا أو مرتبا على بساط السلطان، ثم يطلبان بعد ذلك تمشية شفاعتهم عندهم في أمور المسلمين، وهذا أمر لا يتم لهم، فإن شرط الشافع العفة والورع عما بأيدي الولاة فإنهم إذا رأوه زاهدا فيما رغب فيه ملوكهم فضلا عنهم عظموه ضرورة وأحبوه وقبلوا شفاعته وتبركوا به، وقد كثر طلب الدنيا من طائفة الفقراء وغيرهم وصاروا يسافرون من نحو مصر إلى بلاد الروم والعجم ويتعللون بضيق المعاش، وربما يكون أحدهم كاذبا، لأن عنده في بلده ما يكفيه الكفاية اللائقة بأمثاله، وكان من الأدب لكل من عمل رئيسا في الناس أن يرد جميع ما يعرضه عليه أعوان الظلمة والسلطان، ويقول لهم: أعطوه لمن هو أنفع مني للمسلمين من الجند الذين يسافرون في التجاريد ونحوهم، فأما أنا فجالس أذكر الله تعالى في زاويتي أو أشتغل بعلم ما أحد يعمل به، والأمر في زيادة من حيث قلة العمل بالعلم فكيف أزاحم عسكر السلطان على ماله.


فاسلك يا أخي طريق الفقراء والعلماء الذين مضوا ولا تتبع أهل زمانك تهلك.


وقد بلغنا عن أبي إسحاق الشيرازي أنه كانت تعرض عليه الأموال فيردها، مع أن القمل سائح على وجهه ورأسه ولحيته، وعليه فروة كباشية؟؟، وكان يتغذى بماء الباقلا فيفت الكسرة اليابسة ويغمسها بماء الفول رضي الله تعالى عنه فاعلم ذلك.


وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول: لله تعالى رجال يجمعون المال ولا يظهرون قناعة ويلحون في السؤال ثم يعطون كل شيء حصل بأيديهم لمن هو محتاج إليه ولا يذوقون منه شيئا.


فإياك يا أخي والمبادرة بالإنكار عليهم.


وبعضهم يجمع من الدنيا عنده حتى لا تستشرف نفسه لما في أيدي الناس أو يقف لهم على باب وكان على ذلك سفيان الثوري رضي الله تعالى عنه.


وسمعت سيدي عليا الخواص رضي الله تعالى عنه يقول: إذا ضاق على فقير أمر معيشته فليسأل الله تعالى في تيسير رزق حلال مما قسمه الله تعالى له، ولا يعين جهة، ليكون ذلك معدودا من جملة الرزق الذي لا يحتسبه، فإن كان شيء جاء باستشراف نفس فهو غير مبارك فيه، كما صرحت به الشريعة ثم نقل عن الشبلي أنه كان إذا جاع مد يده وسأل الله تعالى، وقال هذا كسب يميني.


وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول: لا ينبغي لفقير أن يأكل مما وعده به أحد، لأن نفسه تصير متشوقة إليه حتى يحضر.


وجاءه مرة إنسان وقال قد خرجت لكم عن قنطار عنب فأرسل معي أحدا يحمله فأبى وقال لا نحب أن نأكل إلا ما لم يكن في حسابنا، فإذا خرجت بعد ذلك عن شيء للفقراء فلا تعلمهم به قبل حضوره إن طلبت أنهم يأكلون منه.


وبلغنا عن إبراهيم أنه فقد الحلال فسف من التراب مدة أربعين يوما حتى وجد الحلال اللائق بحاله ومقامه.


وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول: ينبغي لكل مؤمن في هذا الزمان إذا حضر عنده طعام أو شراب أن لا يأكل منه حتى يقول بتوجه تام: اللهم إن كان في هذا الطعام شبهة حرام فاحمني منه، وإن لم تحمني منه فلا تجعله يقيم في بطني، وإن جعلته يقيم في بطني فاحفظني من المعاصي الناشئة من أكله، فإن لم تحفظني منها فمن علي بالتوبة النصوح، فإن لم تمن علي بالتوبة فالطف بي، ولا تؤاخذني يا أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.


وكان يقول: لا ينبغي لفقير السؤال حتى يبيع آلات الدار الزائدة على الضرورة كالطراحة والمخدة والعمامة الزائدة والثوب الزائد والأواني كلهم حتى نعله الزائد.


وكان يقول لا ينبغي لفقير في هذا الزمان إذا وجد الحلال الصرف أن يشبع منه، بل يأكل بقدر سد الرمق فقط خوفا أن يقع في الحرام.


وسمعته أيضا يقول: ليست القناعة أن تأكل كل ما وجدته ولو كسرة يابسة كل يوم، وإنما القناعة أن تطوي الثلاثة أيام فأكثر مع وجود الأكل عندك. ولعل مراده رضي الله عنه الطي الذي لا يضر الجسم فإن جوع المحققين إنما هو اضطرار لا اختيار، وذلك لأن الكامل يجب عليه إعطاء كل ذي حق حقه من جسمه أو غيره، ولا يظلم شيئا من رعيته سواء الجوارح وغيرها


وبالجملة فلا بد لمن يريد العمل بهذا العهد من شيخ يسلك به حتى يخرجه من حضرات الاتهام ويدخله حضرات اليقين، فيعرف إذ ذاك أن ما قسمه الله تعالى لعبد لا يمكن أن يفوته وما لم يقسمه له لا يتبعه نفسه.


ومن هذا الباب أيضا الأقدار الجارية على العبد فإنها لا تخلو عن كون ذلك الأمر الذي دافع العبد الأقدار في عدم وقوعه مقدرا أو غير مقدر، فإن كان مقدرا فلا فائدة في المدافعة إلا تعظيم انتهاك محارم الله تعالى لا غير، وقد كلف الله تعالى العبد بذلك وجعل له الثواب فيه سواء كان مقدرا أو غير مقدر، حتى أنه لو كشف له أن الله تعالى كتب عليه الزنا أو شرب الخمر لا يجوز له المبادرة إلى ذلك، لأنها مبادرة إلى ما يسخط الله عز وجل، فيجب عليه الصبر حتى يقع ذلك في حالة غفلة أو سهو كما أشار إليه خبر: (إذا أراد الله تعالى إنفاذ قضائه وقدره سلب من ذوي العقول عقولهم). يعني عقولهم الحافظة عن الوقوع لا عقول التكليف فافهم، لئلا يؤدي إلى إبطال الحدود كلها، فتأمل في هذا المحل واعمل به.


وقد كان أخي الشيخ عبدالقادر رحمه الله تعالى على هذا القدم فأرسلت مرة أن يجعل على مقثأة البطيخ حارسا حتى يحضر له بالمركب يوسقه، فأرسل يقول لي: المؤمن لا يحتاج إلى مثل ذلك، فإن ما قسمه الله تعالى لأهل الريف أن يأكلوه لا يقدر أحد يحمل منه إلى مصر بطيخة واحدة، وما قسمه الله تعالى لأهل مصر لا يقدر أحد من أهل الريف يأكل منه بطيخة واحدة، ومن كان إيمانه كذلك لا يحتاج إلى حارس. هذا في ملك الإنسان نفسه أما مال الغير فيجب على الحارس حفظه وإن لم يحرسه إثم ولم يستحق أجره، فافهم والله يتولى هداك.


روى أبو داود والترمذي وقال حديث حسن، والحاكم وقال صحيح الإسناد، مرفوعا: (من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله تعالى له برزق عاجل أو آجل).


وفي رواية للحاكم: (أرسل الله له بالغنى، إما بموت عاجل أو غنى آجل) .


وفي رواية للطبراني مرفوعا: (من جاع أو احتاج فكتمه عن الناس وأفضى به إلى الله كان حقا على الله أن يفتح له قوت سنة من حلال) . والله تعالى أعلم." اهـ

عبدالقادر حمود 12-04-2012 08:05 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن ننزل جميع فاقاتنا ومهمات أمورنا في الدنيا والآخرة بالله تعالى في سرائرنا قبل ذكرها للخلق لأنه تعالى: {بيده ملكوت كل شيء}. فإن لم يجبنا سبحانه وتعالى إلى رفعها علمنا حينئذ أن المانع إنما هو منا لعصياننا لأوامره وعدم اجتنابنا لمناهيه، فنكثر من الاستغفار، ثم نسأل فإن لم يجبنا توسلنا بالخلق فنسألهم من غير وقوف معهم، ونراهم كالأبواب التي يخرج منها صدقات الحق تعالى.


وهذا العهد قل من يتنبه له من الفقراء فيسبق لهم الطلب من الخلق قبل الطلب من الله تعالى، والخلق كلهم مفسدون فلا يعطونهم شيئا فيعسر الله تعالى عليهم أرزاقهم عقوبة لهم على سوء أدبهم معه سبحانه وتعالى، وقد رأيت في واقعة أنني نزلت تحت الأرض فوجدت الأموات في فضاء واسع وهم جالسون حلقا، حلقا يتحدثون على كثيب من رمل أبيض، فسلمت عليهم فلم يردوا علي السلام، وقالوا لسنا في دار تكليف، فقال لي شخص منهم اسمع مني هذا الدعاء لتدعوا به إذا رجعت إلى الدنيا فقلت له نعم، فقال إذا أصابك أمر يهمك من أمور الدنيا والآخرة فقل اللهم: إني أنزلت بك ما يهمني من أمور الدنيا والآخرة، فحفظتها منه، فلم أزل أدعو بها في كل أمر مهم إلى وقتي هذا.


ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به إلى حضرة التوحيد حتى يكون الغالب عليه ذكر الله عز وجل فيرى الحق تعالى أقرب إليه من الخلق فيسأله قبل كل أحد ومن لم يسلك كما ذكرناه فمن لازمه البداءة بسؤال الخلق لكون الغالب عليه شهودهم قبل الحق، كما أن من لازمه أيضا عداوتهم إن لم يعطوه، ولو قلت له إنما لم يعطوك لأن الله تعالى لم يقسم لك على أيديهم شيئا لم يلتفت إلى قولك، وهذا كله جهل بالله تعالى وبالشريعة، فإن الله لو قسم لأحد شيئا عند ذلك البخيل مثلا لوصل إليه ولو بالغصب والنقب، فاعلم أن الكريم ليس منة على أحد والمنة في ذلك لله وحده وإنما مدحه الله تحريضا له على التكرم لما هو عليه في نفسه من البخل والشح، فلولا المدح لربما كان بخيلا لم يعط أحدا شيئا ولكان الحق تعالى ذمه كما ذم البخيل، فاعلم أن الحق تعالى ما ذم البخيل إلا تحريضا للمؤمن على الإنفاق وإن لله عبادا رفع درجاتهم بعدم إطعامهم الطعام لأن في ذلك رائحة منه تطرق العبد وعبيد الله الخلص لا يرون أنهم يشاركون الحق تعالى في المنة على عباده، بقوله تعالى حكاية عن لقمان: إن الشرك لظلم عظيم فافهم.


واعلم أن مدح الكريم إذا من فضل الله وذم البخيل إذا من عدل الله من حضرتي اسميه المعطى والمانع كما أوضحنا ذلك في رسالة الأنوار القدسية. فاسلك يا أخي على يد شيخ إن أردت العمل بهذا العهد، والله يتولى هداك: {وهو يتولى الصالحين}.


روى الشيخان والنسائي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول له أعطه لمن هو أفقر إليه مني فقال: إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مستشرف ولا سائل، فخذه فتموله، فإن شئت فكله وإن شئت فتصدق به، وما لا (أي وما لم يأتك من غير استشراف نفس)، فلا تتبعه نفسك. قال سالم فلأجل ذلك كان عبدالله بن عمر لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه. وفي رواية لمالك مرسلا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى عمر عطاء فرده فقال لم رددته؟ فقال يا رسول الله أليس أخبرتنا أن خيارنا من لا يأخذ من أحد شيئا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عن المسألة فأما ما كان من غير مسألة فإنما هو رزق يرزقكه الله تعالى فقال عمر: أما والذي نفسي بيده لا أسأل أحدا شيئا ولا يأتيني بشيء من غير مسألة إلا أخذته.


وروى أبو يعلي والإمام أحمد بإسناد صحيح والطبراني وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا: <<من بلغه عن أخيه معروف من غير مسألة ولا استشراف نفس فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه>>.


وروى الإمام أحمد والطبراني والبيهقي وإسناد أحمد جيد قوي مرفوعا: <<من عرض عليه من هذا الرزق شيء من غير مسألة ولا استشراف فليتوسع به رزقه فإن كان غنيا فليتوجهه؟؟ إلى من هو أحوج إليه منه>>. قال شيخنا يعني بشرط الحل في ذلك الرزق. وفي الحديث بيان جواز [ توسع] العبد ما زاد على رزقه بنية التوسعة به على غيره. والله تعالى أعلم. قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: سألت والدي عن الاستشراف فقال هو قولك في نفسك سيبعث إلى فلان سيصلني فلان. والله تعالى أعلم." اهـ




عبدالقادر حمود 12-04-2012 08:11 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نقبل كل ما جاءنا من الحلال من غير استشراف نفس ولا نرده، وذلك لأنه جاءنا من عند الله تعالى من غير تعمد وقع منا أو اجتلاب، قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}. ولا يمتن الحق تعالى على العبد إلا بما هو حلال محمود.


وكانت طريقة سيدي أبي الحسن الشاذلي، أنه لا يسأل ولا يرد ولا يدخر، وكذلك كانت طريقة سيدي أحمد بن الرفاعي رحمهم الله تعالى.


وفي الحديث: من تورع عن الحلال وقع في الحرام. وهذا أمر ربما يخل به كثير من المشايخ فضلا عن غيرهم، وكذلك كان دأب سيدي علي الخواص إلى أواخر عمره، ثم قبل من الناس قبل موته وصار يضع الدراهم والدنانير عنده في قدرة، فكل من مر عليه من العميان والعاجزين والمديونين يعطيه من ذلك ويقول ما في الكون مال إلا وله ناس يستحقون الأكل والملبس منه من أصحاب الضرورات.


وسمعته رضي الله عنه يقول: لو كشف للمحجوبين لرأوا جميع ما يأتيهم من الناس إنما هو هدية من الحق تعالى وهو الذي قدمه إليهم فكيف يصح لصاحب هذا المشهد أن يرد. فقلت له: فأين ميزان الشريعة حينئذ؟ فقال: موجود، وهو أنه لو شهد أن الحق تعالى هو المعطي لا يقبله إلا إن رأى وجه رضاه به فإن المعاصي كلها بتقدير الله وإرادته، ومع ذلك فيردها العبد وجوبا ويدافعها جهده حتى لا يقع في هلاكه، فاعلم أنه ما وقع لأحد رد إلا وهو محجوب في حجاب ظاهر الشريعة المطهرة، فإن لسان حالها يقول: إذا جاءكم مال من غير طيبة نفس الخلق فردوه، ولو شهدتم أن الله تعالى هو المعطي فإنه هو الذي نهاكم عن قبوله فما رددتموه إلا بأمره، ولسان الحقيقة يقول: ما ثم أحد يملك مع الله شيئا كشفا ويقينا فخذوا كل ما وصل إليكم عن الله لا عن خلقه، ولسان الجامعين بين الحقيقة والشريعة يقولون: لا نقبل شيئا للشرع عليه اعتراض لأن كون الأمور ملكا لله تعالى محل وفاق بين جميع الملل، وما جعل الله تعالى الرقي في الدرجات إلا بالورع عما حرم الله، فإياكم أن تخرقوا سور الشرع، فإن الذي قال لكم الوجود كله ملكي هو الذي نهاكم عن قبول الحرام والشبهات، وكأنه تعالى يقول: ولو شهدتم أنه ملكي فلا تأخذوه إلا بطيبة نفس من عبدي فلان، فإن أخذتموه بغير طيبة نفس منه عذبتكم، فالعذاب إنما هو من أجل مخالفة ما حده الله لنا لا من جهة أن العبد يملك مع الله تعالى فإنه لا يصح أن يتوارد ملكان حقيقيان على عين واحدة أبدا.


فيجب على صاحب الحقيقة مراعاة الشريعة وعكسه، ومن لم يكن كذلك فهو أعور لا يصح أن يقتدي به في طريق أهل الله تعالى.


وأجمع العارفون على أن من شرط الكامل أن لا يطفئ نور معرفته نور يعني أن نور معرفته يحجبه عن شهود الملك لغير الله، ونور ورعه لا يكون إلا مع شهود نسبة الملك للخلق، فالكامل من يتورع عن أكل ما بأيدي الناس إلا بطريقه الشرعي مع شهوده جزما أن ذلك ملك الله عز وجل. فالزم يا أخي طريقة الشريعة وإلا هلكت والسلام.


روى الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه، ويربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل) .


وفي رواية لابن خزيمة: ( إن العبد إذا تصدق من طيب، تقبلها الله منه وأخذها بيمينه فرباها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله، وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله، أو قال في كف الله حتى تكون مثل الجبل، فتصدقوا).


وروى مسلم والترمذي مرفوعا: (ما نقصت صدقة من مال).


وروى الترمذي وقال حديث حسن صحيح: (عن عائشة أنهم ذبحوا شاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما بقي منها؟ فقالت عائشة: ما بقي إلا كتفها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: بقي كلها إلا كتفها) . ومعناه أن ما تصدقوا به هو الباقي.


وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الإنسان مالي، مالي. وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فأبقى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس) .


وروى أبو يعلي بإسناد صحيح مرفوعا: (والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار).


وروى الترمذي وابن حبان في صحيحه: (إن الصدقة ولو قلت لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء).


وفي رواية: (إن الله تعالى ليدرأ بالصدقة سبعين بابا من ميتة السوء).


وقد روى الإمام أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا: (كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس) .


وقال يزيد بن حبيب: وكان أبو مرة العبدري لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو بكعكة أو بصلة.


وفي رواية لابن خزيمة: كان يزيد بن عبدالله أول أهل مصر دخولا المسجد بمصر، فما رؤي داخلا قط المسجد إلا وفي كمه صدقة أو فلوس إما قمح وإما خبز حتى ربما حمل البصل، فإذا قيل له إنه ينتن ثيابك فيقول إني لم أجد في البيت ما أتصدق به غيره، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ظل المؤمن يوم القيامة صدقته).


وروى الطبراني والبيهقي مرفوعا: (ان الصدقة تطفئ عن أهلها حر القبور).


وروى الإمام أحمد والبزار وابن خزيمة من صحيحه مرفوعا: (لا يخرج رجل شيئا من الصدقة حتى يفك عنها لحي سبعين شيطانا). زاد في رواية البيهقي: كلهم ينهى عنها.


وروى الطبراني مرفوعا: (الصدقة تسد سبعين بابا من السوء) .


وروى البيهقي مرفوعا: (باكروا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطى الصدقة) . وروى موقوفا عن أنس وهو الأشبه قاله الحافظ المنذري والأحاديث في ذلك كثيرة. والله أعلم." اهـ



عبدالقادر حمود 12-04-2012 08:15 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نتصدق بكل ما فضل عن حاجتنا ولا ندخر منه شيئا إلا لضرورة شرعية سواء كان مالا أو طعاما أو ثيابا عملا بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تخلى يوم واحدا من صدقة، فإن لم نجد شيئا مما ذكرناه تصدقنا بالتسبيح وقراءة القرآن والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك من صنائع المعروف. وفي الحديث: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء) . ومعنى التصدق بالتسبيح وشبهه أن يجعل ثواب ذلك في صحائف المسلمين، وهذا العهد يتعين العمل به على كل من كان قدوة في دين الله من العلماء والصالحين، فينبغي لأحدهم أن يكون مقداما للناس في كل خير.


وفي ذلك فوائد: منها امتثال أوامر الله تعالى ومنها عكوف الطلبة والمريدين على شيخهم إذا رأوه يعينهم على أمر معاشهم فيتقيدون عليه ويحصلون العلم وينشرون ذلك بعده، ومنها دفع البلايا والمحن عنه في ذلك اليوم. ومن هنا قالوا: أقبح من كل قبيح صوفي شحيح، وفي المثل السائر أن فلانا وفلانا جلسوا يأكلون كذا وكذا وتركوني مثل قط الفقيه فلم يعزموا علي، يعني أن غالب الفقهاء يشح على القط أن يرمي له ورك دجاجة أو رقبتها، والأمثال لا تضرب في شيء إلا إذا كان تكرر ذلك الشيء من أهله. ويقولون في المثل: يد تأخذ لا تعطي، يعني أن كل من تعود الأخذ من صدقات الناس فهو يشح على غيره.


وقد كان سيدي علي الخواص إذا سأله فقير شيئا ينقسم [أي يمكن تقسيمه] كالطعام والفلوس، قسم ما عنده في ذلك اليوم بينه وبين ذلك الفقير نصفين، ويقول: إن الله تعالى يكره العبد المتميز عن أخيه. وكان الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه يقول: إذا طلب منك أحد أن يؤاخيك فاسأله نصف ماله، فإن أعطاك النصف فهو أخ وإلا فلا تجبه لصحبة.


ثم اعلم يا أخي أن من الأولياء من لم يجعل الله تعالى على يديه شيئا من أرزاق الخلائق لإقامته في حضرة اسمه تعالى المانع فيقول الناس حاش أن يكون هذا من أولياء الله تعالى، فإن من شرط الولي السخاء والتكرم، ولو كان هذا من أولياء الله تعالى لكان كريما سخيا، وذلك لا يقدح في كمال ولاية ذلك الولي لأنه لم يمنع ذلك بخلا وإنما هو يود أن لو جعل الله على يديه رزقا لأحد وأعطاه له والإثم إنما هو في حق من يمنع بخلا وشحا في الطبيعة، وأما من يمنع لحكمة فلا إثم عليه، إذ الأولياء على الأخلاق الإلهية درجوا، وقد سمى تعالى نفسه المانع ولم يسمه نفسه بخيلا، وربما كان ذلك الولي الذي ليس له سماط ولا يطعم أحدا لقمة أعلى في المقام ممن سفرته ممدودة ليلا ونهارا، وقد قدمنا قبل هذا العهد قريبا أن من عباد الله الكمل قوما حماهم الله تعالى من مشاركة الحق تعالى في خطور منتهم على أحد من خلقه، فلذلك لم يجعل على يدهم رزقا لأحد يتميزون به على أقرانهم خوفا أن يخطر على بالهم المنة على من أخذ منهم ولو في حال العطاء فقط، ورأوا أن سلامتهم من مزاحمة الحق في المنة أرجح من ثواب ذلك العطاء كما هو مشهد الكمل من الملامتية في تركهم كثيرا من النوافل التي يرى العبد بها أن قد وفى بحق الربوبية وزاد عليه، فافهم.


واسلك يا أخي على يد شيخ ليخرجك من حكم الطبيعة عليك بالشح ويخلصك إلى حضرات الكرم والسخاء، فلا تكاد تبخل على فقير كما درج عليه السلف الصالح رضي الله عنهم. وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول: إذا علمت شيخا يقتدي بك فإياك أن تدع أبناء الدنيا يخرجون عليك في البخل بأن لا تشح بشيء مطلقا، إذ من شرط الشيخ أن يكون الألف دينار عنده إذا أعطاها لفقير حكم الحصاة من التراب على حد سواء، ومتى استعظمت يا أخي شيئا مما أعطيته فأنت لم تشم من طريق الصالحين شمة. قال: وتأمل الإمام الأعظم محمد بن إدريس الشافعي رضي الله تعالى عنه لما دخل اليمن أتوه بعشرة آلاف دينار ففرقها في المجلس، فصار يفرق منها ويعطي الناس حتى فرغت.


وقد حلق شخص لإبراهيم الخواص رأسه على ما يفتح الله به فجاءه وهو يحلق ألف دينار فدفعها إلى المزين فرماها المزين، وقال للخواص أما تستحي تقول لي احلق رأسي لله ثم تعطيني شيئا من الدنيا، والله ما حلقت لك إلا لله ورماها للناس.


وسأل شخص علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين شيئا فأخرج بدرة فيها عشرة آلاف دينار وقال: والله ما وجدت لك غيرها، فقال له الشخص أعطني أجرة حملها إلى منزلي، فأعطاه طيلسانه فولى وهو يقول أشهد أنك من أولاد المرسلين حقا. وكان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إذا وجد على بابه سائلا يقول مرحبا بمن يحمل زادي إلى الآخرة بغير أجرة مني حتى يضعه بين يدي الله عز وجل.


قلت: وممن أدركته على هذا القدم الشيخ عبدالحليم بن مصلح ببلاد المنزلة غربي دمياط وسيدي محمد بن المنير المدفون بخارج الخانقاه السرياقوسية، والشيخ محمد الشناوي رضي الله تعالى عنهم، فرأيت الشيخ عبدالحليم وقد لقيه شخص وهو ذاهب إلى صلاة الجمعة فقال أعطني هذه الثياب، فأعطاها له ولم يرجع إلى البيت، وصلى بفوطة حمامي في وسطه. ورأيت الشيخ محمد بن منير أعطى شخصا في طريق الحجاز ماتت جماله خمسمائة دينار، فلما وصل الرجل إلى مكة أتى بها، فقال له ما أعطيتها لك إلا لله ولم يكن له به معرفة قبل ذلك. وأما الشيخ محمد الشناوي فلا يحصى ما أعطاه للناس من البهائم والخيل والغنم والقمح والنقود والثياب، وكان يصرح ويقول: جميع ما يدخل يدي من الدنيا ليس هو خاص بي، وإنما أراه مشتركا بيني وبين المحتاجين، فكل من كان أحوج قدم مني أو منهم، وقد من الله تعالى علي بذلك فلم أر لي بحمد الله تعالى شيئا يخصني من المحتاجين به، فالحمد لله رب العالمين.


فاسلك يا أخي على يد شيخ صادق ليخرجك من شح الطبيعة بأفعاله وأقواله، وإلا فمن لازمك الشح وبتقدير أنك تعطي الناس ما يسألون فلا يخلو ذلك من علة تؤثر في الإخلاص كما يعرف ذلك أرباب السلوك، فإن الشيخ إذا لم يكن فعله سابقا على قوله كان قدوة لهم في الضلال كما إذا أمرهم بقيام الليل ونام هو، وبالزهد في الدنيا ورغب هو، والله إني لأصلي بالقرآن كاملا في ركعة واحدة في بعض الليالي وأود لأن لو اطلع على ذلك بعض المريدين ليقتدوا بي في ذلك، فإني أعلم أني إذا نمت ناموا فبمن يقتدون إذا كنت بالليل نائما، وربما أخالف ما آمر الناس به فيعملون معدلي ولو في أنفسهم، ويقولون الشيخ يأمرنا بالصلاة في الليل وينام، ويأمرنا برمي الدنيا ويجمعها هو، ويزهدنا في الدنيا ويأمرنا بإخراجها والتصدق بها ولا نراه يفعل هو شيئا من ذلك، بخلاف ما إذا زهد الشيخ وأنفق أو تصدق أمامهم فإنهم ربما يتبعونه، و والله إني لأتصدق في بعض الأوقات بالدينار والقميص وأنا أحوج إليه أشد من الآخذ له تنشيطا للإخوان حتى يخرجوا عن مسك اليد، وأرى ذلك مقدما على نفع نفسي، فاعلم ذلك واعمل عليه والله يتولى هداك {وهو يتولى الصالحين}.


روى أبو داود وابن خزيمة في صحيحه والحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الصدقة أفضل. قال: (جهد المقل وابدأ بمن تعول) .


وروى النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم مرفوعا: (سبق درهم مائة ألف دينار؟ فقال رجل كيف ذلك يا رسول الله؟ قال رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة ألف دينار تصدق بها، ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ واحدا فتصدق به) . وقوله من عرضه أي من جانبه.


وروى الترمذي وابن خزيمة عن أم بجيد أنها قالت: يا رسول الله إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد شيئا أعطيه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لم تجدي إلا ظلفا مجردا فادفعيه إليه في يده) .


وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا: (تعبد عابد من بني إسرائيل فعبد الله تعالى في صومعته ستين عاما فأمطرت الأرض واخضرت فأشرف الراهب من صومعته فقال: لو نزلت فذكرت الله، فازددت خيرا، فنزل ومعه رغيف أو رغيفان، فبينما هو في الأرض لقيته امرأة فلم يزل يكلمها وتكلمه حتى غشيها ثم أغمي عليه فنزل الغدير يستحم فجاء سائل فأومأ إليه أن يأخذ الرغيفين ثم مات فوزنت عبادة ستين سنة مع حسناته بتلك الزنية فرجحت الزنية بحسناته، ثم وضع الرغيف أو الرغيفان مع حسناته فرجحت حسناته فغفر له) .


وفي رواية للبيهقي موقوفا عن علي بن مسعود: أن الراهب نزل إلى المرأة فواقعها ست ليال ثم سقط في يده فهرب فأتى مسجدا فأوى فيه ثلاثا لا يطعم شيئا فأتى برغيف فكسره فأعطى رجلا عن يمينه نصفه، وأعطى آخر عن يساره نصفه، فبعث الله إليه ملك الموت فقبض روحه، فوضعت عبادة الستين في كفة ووضعت الست ليال في كفة فرجحت يعني الست ليال، ثم وضع الرغيف فرجح، يعني على الستين سنة.


وروى البيهقي مرفوعا: (إن الصعلوك كل الصعلوك الذي له مال لم يقدم منه شيئا. ) يعني لم يتصدق منه بشيء. والله تعالى أعلم." اهـ

عبدالقادر حمود 12-04-2012 08:17 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نتصدق بما وجدنا ولا نستقل من الصدقة شيئا لما تقدم من الأحاديث الصحيحة من: أن الحق تعالى يقبلها بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله. ولما سيأتي من الأحاديث، وهذا العهد يخل به كثير من الناس، فيستحيون أن يتصدقوا بمثل تمرة أو لقمة أو زبيبة وهو حياء طبيعي لا شرعي، وليس اللوم إلا على من يمنع الصدقة بالكثير بخلا، وأما من يخرج ما وجد بعد جوع وقلة فهو مأجور وربما يسبق الدرهم منه ألف درهم من غيره كما يأتي وقال تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها}.


فانظر يا أخي إلى ما وسع الله تعالى به على عباده حيث لم يأمرهم بالصدقة تكليفا مع حاجتهم إليها بل نهاهم عن ذلك، لأن كل من تصدق بما فوق طاقته فمن لازمه أن نفسه تتبع ذلك ثم يندم على إعطائه، وفي الحديث: نحن معاشر الأنبياء براء من التكلف فافهم. وقد تصدقت عائشة رضي الله عنها مرة بحبة عنب فكأن السائل استقلها، فقالت مالك لا تفقه، كم في هذه من مثقال ذرة؟ وفي القرآن: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره - والله عليم حكيم}.


روى أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وبيده عصا وقد علق رجل قنو حشف فجعل يطعن في ذلك القنو ويقول: لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب من هذا، إن رب هذه الصدقة يأكل حشفا يوم القيامة.


وروى ابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: ( خير الصدقة ما أبقت غني، واليد العليا خير من اليد السفلى ) . والله تعالى أعلم." اهـ


عبدالقادر حمود 12-04-2012 08:20 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نتصدق بما نحب أدبا مع الله تعالى وعملا بقوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}. ونحن نحب أن ننال مقام البر عند الله تعالى ونكره أن نكون ناقصي المقام لما فيه من الجفاء والبعد في شهودنا له في نفس الأمر، ولا يقوم بالعمل بهذا العهد إلا كمل الرجال الذين يغلب عليهم حضور مع الله تعالى.


وقد بلغنا أن المنادي ينادي يوم القيامة ألا من أعطى شيئا لله فليأت به فيأتي الرجل بالثياب البالية والكسر اليابسة والأمور التي تزهدها النفوس، ثم ينادي ثانيا: ألا من أعطى شيئا لغير الله فليأت به فيأتي الرجل بالثياب الفاخرة والأطعمة النفيسة والأمور التي تهواها النفوس فيكاد الرجل من الحياء أن يذوب ويسقط لحم وجهه. وبالجملة فمعاملة الله تعالى تابعة لمعرفته كثرة وقلة.


فاسلك يا أخي على يد شيخ ناصح إن طلبت أن تعرف صفاء المعاملة مع الله تعالى، وإن لم تسلك كما ذكرنا فمن لازمك عدم صفاء المعاملة كما هو مشاهد فيمن يسأل الأغنياء بالله من الفقراء أن يعطوه رغيفا أو درهما فلا يعطونه، ويمر على نحو الألف نفس أو أكثر فلا يلتفتون إليه، ولو أنهم كانوا جالسين بحضرة ملك من ملوك الدنيا وسألهم أرذل الناس بحياة رأس الملك أن يعطوه رغيفا أو درهما لأعطوه المائة رغيف أو الدينار الذهب أو أكثر، مراعاة لوجه العظيم، فأيهما أعظم عند هؤلاء قدرا حينئذ: الله أو ذلك الملك؟ فانظر وتأمل في نقص إيمانك وقلة تعظيمك لله تعالى، يا أخي وتب واستغفر وتشهد، لتسلم الإسلام الكامل، فإن الله تعالى يعامل العبد بحسب ما في قلبه من التعظيم وغيره، ولو أن إنسانا قال السلطان أعظم عندي من الله تعالى لحكم الشرع بقتله أشر قتلة لكفره بعد إيمان فتأمل. {والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.


روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. فذكر منهم ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) .


روى الترمذي واللفظ له والبيهقي وغيرهما مرفوعا: ( لما خلق الله الأرض جعلت تميد فأرساها بالجبال فاستقرت فعجبت الملائكة من شدة الجبال، فقالت: يا ربنا هل خلقت خلقا أشد من الجبال؟ قال: نعم الحديد، قالوا: فهل خلقت خلقا أشد من الحديد؟ قال النار؟ قالوا: فهل خلقت خلقا أشد من النار؟ قال: الماء قالوا: فهل خلقت خلقا أشد من الماء؟ قال الريح، قالوا: فهل خلقت خلقا أشد من الريح؟ قال: ابن آدم، إذا تصدق بصدقة فأخفاها عن شماله) .


وروى الطبراني بإسناد حسن مرفوعا: (صدقة السر تطفئ غضب الرب) .


وروى الإمام أحمد والطبراني مرفوعا: (أفضل الصدقة ما كانت سرا إلى فقير أو جهدا من مقل، ثم قرأ: { إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} ).


وروى أبو داود وابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: (ثلاثة يحبهم الله، فذكر منهم ورجل أتى قوما فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فمنعوه فتخلف رجل بأعقابهم فأعطاه سرا لا يعلم بعطيته إلا الله) . والله تعالى أعلم." اهـ

عبدالقادر حمود 12-04-2012 08:25 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نسر بصدقاتنا المندوبة دون المفروضة على وزان الصلاة إلا ما استثنى مما تسن الجماعة فيه امتثالا لأمر الله عز وجل، لا لطلب الأجر والثواب، فإن الشارع صلى الله عليه وسلم قد وعد بذلك وهو لا يخلف وعده، ولا يضيع أجر من أحسن عملا، اللهم إلا أن نطلب الأجر من باب الفضل والمنة فلا حرج على العبد في ذلك، إذ لا يستغني عبد عن فضل سيده طوعا أو كرها. واعلم أن الشارع ما أمر العبد بصدقة السر إلا لما يعلم من نفس العبد من محبة المال وإنفاقه ليقال، فلا يكاد يسكت على ما أعطاه لأحد أبدا لعظمته عنده، ولو أنه سلك الطريق لكان إخراج الألف دينار صدقة عنده كحبة عنب على حد سواء، وما رأينا أحدا قط أعطى حبة عنب وصار يذكرها في المجالس ويفتخر بها أبدا لهوانها عنده وكذلك الألف دينار عند الفقير الصادق إذا تصدق بها لا يحتفل بها ولا يذكرها في المجالس أبدا، وما سمي الفقير فقيرا إلا لكونه لا يملك شيئا مع الله تعالى، فكيف يرى نفسه بشيء ليس هو له؟ وفي الحديث: إن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة. فما قدر ما يخص الفقير من ذلك الجناح إذا فرق أجزاء صغارا حتى عم جميع الخلق من الملوك إلى السوقة، فالفقير الصادق يستحي من الله تعالى أن يرى نفسه على الفقراء، ولو تصدق بجميع الدنيا لو تصور أنه ملكها كلها، لأنه يراها كجناح البعوضة، وإنما لم نقل لأنه يراها قدر جناح بعوضة أدبا مع الله تعالى أن يشترك العبد مع ربه في صفة من الصفات، فلذلك قلنا كجناح بكاف التشبيه، فافهم.


فعلم أنه يتعين على كل من يريد العمل بهذا العهد أن يسلك على يد شيخ مرشد يسلك به حتى يخرجه عن الرغبة والمحبة في الدنيا ويدخله حضرة الزهد فيها، وإلا فمن لازمه أنه يكره الإسرار بالصدقة ويحب إظهارها لما عنده من العظمة والمحبة لها ولجهله بالله تعالى، فإنه لا يعامل الله إلا من يعرف عظمة الله تعالى.


وقد صحبني شخص من ذوي الأموال فذكرت له ما ورد في صدقة السر من الأحاديث فقال لي تبت إلى الله تعالى عن إظهار شيء من الصدقات للناس ورؤية المنة على آخذيها، فقلت له: هذا لا يكون إلا بعد سلوك الطريق، فقال لي قد تحققت بحمد الله بذلك فأرسلت له فقيرا سرا وقلت له اسأله في دينار ولا تسأله إلا ليلا أو حيث لا يعلم بذلك أحد، فسأله فأعطاه الدينار فلم يزل به أبو مرة يوسوس له بإظهار ذلك حتى جاءني وصار يذكر شدة احتياج الناس إلى الصدقة في هذا الزمان، إلى أن جاء إلى ذلك الفقير وقال إن فلانا محتاج وقد بلغنا أنه جاء إلى بعض التجار وسأله دينار فأعطاه له، ثم لم يزل له إبليس حتى ذكره لي وقال إنما ذكرته لك يا سيدي لكوني لا أحب أخفي عنك شيئا، فانظر كيف أخرجه إبليس من صدقة السر وأوقعه في تزكية نفسه، ودعوى أنه لا يخفي عني شيئا من أحواله، ولو أني قلت له أعلمني بعدد ما عندك من الدنيا ما سمح بذلك، فوالله لقد صار الصدق أعز من الكبريت الأحمر، ولو أنه كان دخل طريق الفقراء من بابها على يد شيخ لصار دخوله النار أهون عليه من إظهار ما أمره الله بكتمه.


قلت: وقد بلغنا أن شخصا صام أربعين سنة لا يشعر به أحد فلم يزل به إبليس حتى أوقعه في التحدث بها، وذلك أن إبليس جاء إلى القصاب في هيئة فقير وفي عنقه سبحة وعلى كتفه سجادة وصار يقول للجزار أعطني هذه القطعة اللحم المليحة لأن لي ثلاثة أيام صائما، فلم يزل يكرر ذلك حتى تحرك في قلب ذلك العابد داعية إلى إظهار صومه، وقال اكتم صومك أنت أفضل لك فإني صائم أربعين سنة ما شعر بذلك أحد، فقال له إبليس أنا إبليس وما لي حاجة باللحم إلا حتى أوقعتك في إظهار صيامك، ثم قال له إبليس، كيف تقول لي اكتم صومك فإنه أفضل وتقع أنت في إظهاره؟ فندم العابد وفارقه إبليس.


واعلم أني ما رأيت في عمري كله أكثر صدقة سرا من شيخنا شيخ الإسلام زكريا شارح البهجة، والشيخ شهاب الدين ابن الشلبي الحنفي، لا تكاد تجدهما يظهران من صدقتهما شيئا. وقد جاء شخص من الأشراف إلى شيخنا الشيخ زكريا وقال له يا سيدي قد خطفوا عمامتي الليلة فأعطني ثمن عمامة فأعطاه فلسا فرده الشريف فأخذه الشيخ، فقلت له إن الفلس لا يكفي في مثل ذلك، فقال الذنب له الذي جاء بحضرة الناس وقد رغبني الله تعالى في الإسرار بالصدقة فلا أظهر ذلك لأحد من الخلق، ولو أنه جاء من غير أن يكون عندي أحد لأعطيته ثمن العمامة أو أكثر لأجل جده صلى الله عليه وسلم، ثم لقيت الشريف بعد ذلك فأخبرته بما قال الشيخ فقال:إن الشيخ أرسل لي عمامة في الليل وهاهي على رأسي.


وكذلك بلغنا عن سيدي علي النبتيتي بن الجمال أنه كان يرسل كل سنة المائة حمل قمحا وأرزا وغير ذلك إلى مكة في البحر، ويسافر هو في البر مع الحجاج، ثم يجلس يبيعها في المسعى ويخبر بالسعر الغالي زيادة على الناس وينظر، فكل من اشترى منه بالزيادة على السعر يعرف أنه مضطر فيعطيه ما اشتراه بلا ثمن ويأمره بالكتمان، فعلم بذلك غالب أهل مكة فكان يعطيهم كذلك حتى أنه لم يأخذ درهما واحدا في بعض السنين، فقيل له إن كان ولا بد لك من العطاء للناس بلا ثمن فتصدق أنت به، فقال البيع أستر لنا من الصدقة وكذلك كان يفعل في الثياب التي يفرقها يأمرهم بالكتمان فيها، وكل من تكلم بذلك يرسل يأخذ الثوب منه ويقول: يا ولدي غلطنا والثوب لشخص غيرك، حتى لا يصير يتكلم بعد ذلك بشيء.


وكان أخي أفضل الدين رحمه الله يأخذ صدقات أصحابه ويجمعها عنده للفقراء ويقول لهم: إن جماعة من التجار أرسلوا لي على اسمكم شيئا من الفضة والذهب لأفرقه عليكم ثم يخلط على ذلك أضعافه ويفرقه عليهم بحيث لا يعلم أحد من الخلق بذلك، ولولا أني رأيته فعل ذلك وهو لا يشعر بي ما أعلمني به، وكان بعض من لا يعرف مقامه يتهمه بأنه اختلس من مال الفقراء لنفسه ويبلغه ذلك عنه فيتبسم ولا يجب عن نفسه شيئا. فبهدى هذه الأشياخ يا أخي اقتده بمضاعفة الأجور ورضا الرب، والله يتولى هداك وهو يتولى الصالحين}.


روى الإمام أحمد والترمذي واللفظ له وابن حبان في صحيحه مرفوعا: (من منح منحة لبن أو ورق أو أهدى رفاقا كان له مثل عتق رقبة). ومعنى قوله منحة ورق: عني به قرض الدرهم، وقوله أو أهدى رفاقا: عني به هداية الطريق وإرشاد السبيل.


وروى الطبراني إسناد حسن والبيهقي مرفوعا: (كل قرض صدقة) .


وروى الطبراني وابن ماجه والبيهقي مرفوعا: (دخل رجل الجنة فرأى على بابها مكتوبا الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر) . قال بعضهم: وذلك أن الصدقة قد تقع في يد غني في الباطن والقرض لا يأخذه إلا محتاج.


وروى مسلم وابن ماجه والترمذي وأبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه مرفوعا: (ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرة إلا كان له كصدقتها مرتين) . والله تعالى أعلم." اهـ

عبدالقادر حمود 12-04-2012 08:30 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نقرض كل من استقرضنا من المحتاجين، سواء كان مشهورا بحسن المعاملة أم لا امتثالا لقول الله تعالى: {أقرضوا الله قرضا حسنا}. ومن أقرض الله تعالى من الخلق لا يطلب جزاء.


واعلم يا أخي أن الله تعالى لم يأمر بالقرض إلا الأغنياء، فهم الذين فازوا بلذة خطاب الله تعالى بقوله لهم: {أقرضوا}. وأما الفقراء ففاتتهم تلك اللذة وذلك الأجر، ومن هنا سارع الأكابر من الأولياء إلى التكسب والتجارة والزراعة والحرفة ليفوزوا بلذة ذلك الخطاب لا لعلة أخرى من طلب ثواب أو غيره قال تعالى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة}. فوصفوا بالرجولية لأجل أكلهم من كسبهم وإقراضهم من فواضل كسبهم كل محتاج، ومفهومه أن من لا كسب له والناس ينفقون عليه فهو من جنس النساء وإن كان له لحية كبيرة وسجادة وعذبة ومرقعة وشفاعات عند الحكام وغير ذلك، وليس له في الرجولية نصيب قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء}.


واعلم أن طلب التلذذ بخطاب الله تعالى كما ذكرنا محمود بالنسبة لمن هو تحته في المقام، وإلا فلله تعالى رجال يتوبون من التلذذ بخطاب الله تعالى إلا على وجه الشكر لا غير فإن من كان الباعث له التلذذ بخطاب الله تعالى فهو عبد لذته لا يكون عبد الله تعالى. وقد أخبرني أخي أفضل الدين رحمه الله أنه كان يقوم الليل مدة كذا وكذا سنة وهو لا يشعر به أحد، قال: فكنت أظن بنفسي الإخلاص في ذلك، فسمعت هاتفا يقول: إنما تقوم الليل للذة التي تجدها حال مناجاتك، ولولا هي ما قمت للحق بواجب عبوديته، قال: فاستغفرت الله تعالى وتجردت من تلك اللذة وعلمت أن تلك اللذة تجرح في إخلاصي فالحمد لله رب العالمين.


فاعلم أنه لا يقدح في شيخ الزاوية أن يكون تاجرا ولا زراعا بل ذلك أكمل له. فإياك يا أخي أن تنكر على فقير الكسب والتجارة والزراعة أو معاملة الناس أواخر عمره وتقول فلان كان من الصالحين أول عمره وقد ختم عمره بمحبة الدنيا وشهواتها، بعد أن كان زاهدا فيها وفي أهلها، فربما يكون مشهد ذلك الفقير ما قلناه أو غير ذلك من النيات الصالحة، فإن زهد الكمل ليس هو بخلو اليدين من الدنيا، وإنما هو بخلو القلب، ولا يتحقق لهم كمال المقام إلا بزهدهم فيما بأيديهم وتحت تصريفهم من غير حائل يحول بينهم وبين كنزه. وأما زهدهم مع خلو اليد، فربما يكون لعلة الفقر. وقد قالوا: من شرط الداعي إلى الله تعالى أن لا يكون متجردا عن الدنيا بالكلية، بأن تخلو يده منها وذلك لأنه يحتاج ضرورة إلى سؤال الناس إما بالحال وإما بالمقال، وإذا احتاج إلى الناس هان عليهم وقل نفعهم به بخلاف ما إذا كان ذا مال يعطي منه المحتاجين من مريده وغيرهم، فإن فقد الحال الذي يميل به قلوب المريدين إليه كان معه المال يميلهم إليه به، ومن لا حال له ولا مال لا ينفعه المقال، وفي الحديث: عز المؤمن استغناؤه عن الناس، وشرفه في قيام الليل.


وممن جاهد نفسه بالتجرد عن الدنيا زمانا طويلا ثم مسك الدنيا من أشياخ العصر وتاجر فيها الشيخ عبدالرحيم البيروتي والشيخ علي الكازروني نفعنا الله ببركاتهما، فأساء الناس بهما الظن وأخرجوهما عن دائرة الفقراء، والحال أنهما الآن أكمل مما كانا عليه في بدايتهما على ما قررناه آنفا. فإياك يا أخي وسوء الظن بأهل الطريق أو بمن لبس الزيق، والله يتولى هداك: {وهو يتولى الصالحين}. ومن محك صدق من طلب الدنيا لله تعالى طلبا للفوز بلذة خطابه أن لا يشح بشيء منها على محتاج إليه لأن من أحب شيئا وتلذذ به أحب تكراره، ومتى تكدر من كثرة السائلين لما عنده فهو كاذب في دعواه أنه يحب الدنيا للالتذاذ بخطاب الله أو لنفع عباد الله فاعلم ذلك، واخرج بقولنا أن لا يشح ما لوشح ومنع لحكمة شرعية فإن ذلك لا يقدح في صدقه. {والله غفور رحيم}.


روى مسلم والطبراني مرفوعا: من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه


وفي رواية للطبراني: من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة وأن يظله تحت ظل عرشه فلينظر معسرا


وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا أعملت من الخير شيئا؟ قال: لا، قالوا تذكر، قال: كنت أداين الناس، فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر، فقال الله تجاوزوا عنه، ومعنى تجوزوا عن الموسر: أي خذوا ما تيسر معه بقرينة الحديث الآتي. والله أعلم.


وفي رواية للشيخين: كان رجل يداين الناس، وكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فلقي الله فتجاوز عنه.


وفي رواية للنسائي مرفوعا: أن رجلا لم يعمل خيرا قط، وكان يداين الناس فيقول لرسوله خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، فلما هلك قال الله له؟ هل عملت خيرا قط؟ قال لا، إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس، فإذا بعثته يتقاضى قلت له خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، قال الله تعالى قد تجاوزت عنك،


وروى الإمام أحمد وغيره مرفوعا: من أنظر معسرا قبل أن يحل الدين فله كل يوم مثله صدقة، فإذا حل فأنظره فله كل يوم مثليه صدقة. وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين.


وروى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه مرفوعا: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة.


وروى الترمذي وقال حسن صحيح مرفوعا: <<من أنظر معسرا أو وضع له، أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله. ومعنى وضع له: أي ترك له شيئا مما له عليه.


وروى ابن أبي الدنيا والطبراني مرفوعا: <<من أنظر معسرا إلى ميسرته، أنظره الله بذنبه إلى توبته والأحاديث في ذلك كثيرة. والله تعالى أعلم." اهـ


عبدالقادر حمود 12-04-2012 08:35 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذا كان لنا دين على معسر أن ننظره ونضع عنه امتثالا لأمر الشارع صلى الله عليه وسلم وطلبا لمرضاته، فإنه لا يأمرنا قط إلا بما فيه النفع لنا في الدنيا والآخرة، لكن بشرط الإخلاص لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الرياء والسمعة، فربما سامح أحدنا المعسر ببعض ما عليه بحضرة الناس ليقال، ولو أنه لم يعلم به إلا الله تعالى لربما كان يثقل عليه ولا ينشرح له صدره، فلينتبه من يفعل المعروف لمثل ذلك ويفتش نفسه التفتيش المبرئ للذمة، فمن حاسب نفسه في هذه الدار خف حسابه في الدار الآخرة، وإن وقع له حساب فإنما هو في أمور لم يحاسب نفسه عليها في دار الدنيا. واعلم أنه ليس مراد الحق تعالى بالحساب إلا إقامة الحق على العبد وبيان فضله وحلمه عليه لا غير، وإلا فالعبد ليس معه شيء يدفعه لسيده،فاعلم ذلك واعمل عليه والله يتولى هداك: {وهو يتولى الصالحين}.


روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: ما من يوم يصبح على العباد إلا وملكان ينزلان من السماء فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا.


ولفظ رواية ابن حبان في صحيحه مرفوعا: ما من يوم يصبح على العباد إلا وملك بباب من أبواب الجنة يقول: من يقرض اليوم يجد غدا، وملك بباب آخر يقول: اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا.


وكذلك رواه الطبراني، إلا أنه قال: بباب السماء. قلت: قال بعض المحققين: والمراد بقول الملك اللهم أعط ممسكا تلفا. أي إنفاقا في وجوه الخير لأن الملك من عالم الخير فلا يدعو بفساد، كما يقال فلان أتلف نفسه وماله في مرضاة الله تعالى، وأما على ما يتبادر إلى الأذهان فالمتلف لماله إنما عليه الإثم وهو يدعو بالإثم فافهم. والله تعالى أعلم.


وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: قال الله عز وجل أَنفق، أُنفق عليك.


وروى مسلم والترمذي مرفوعا: ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف. والكفاف ما كف من الحاجة إلى الناس مع القناعة لا يزيد على قدر الحاجة، والفضل ما زاد على قدر الحاجة.


وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها، قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بإصبعه هكذا في جنته يوسعها. والجنة بضم الجيم والنون: كل ما وقى الإنسان، وتضاف إلى ما يكون منفعة، وقلصت: أي انجمّت وتشمرت وهو ضد استرخت وانبسطت. قال الحافظ المنذري: والمراد بالجنة هنا الدرع لأنه يجن المرء ويستره، ومعنى الحديث: أن المنفق كلما أنفق طالت عليه وسبغت حتى تستر بنان رجليه ويديه، والبخيل كلما أراد أن ينفق لزقت كل حلقة بمكانها فهو يوسعها ولا تتسع، شبه صلى الله عليه وسلم نعمة الله ورزقه بالجنة. وفي رواية بالجبة بالباء الموحدة، فالمنفق كلما أنفق اتسعت عليه النعم وسبغت ووفرت حتى تستره سترا كاملا شاملا، والبخيل كلما أراد أن ينفق منعه الحرص والشح وخوف النقص، فهو يمنعه طلبا للمزيد والسعة زيادة على ما عنده فلا تزيد النعم عليه ولا تتسع ولا يستر بها ما يريد ستره. والله أعلم.


وروى الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقيس بن سلع الأنصاري: أنفق ينفق الله عليك قالها ثلاث مرات. وكان يقلل النفقة فأنفق فصار أكثر أهله مالا.


وروى البزار بإسناد حسن والطبراني: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على بلال وعنده صبر من تمر، فقال ما هذا يا بلال؟ قال أعددته لأضيافك قال: أما تخشى إن يكون لك دخان من جهنم، أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا. وفي رواية للطبراني: أما تخشى أن يكون لك بخار في جهنم.


وروى الشيخان وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت أبي بكر: لا توكي فيوكأ عليك. وفي رواية لهما: أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك. قال الخطابي ومعنى لا توكي لا تدخري، والإيكاء: سد رأس الوعاء بالوكاء، وهو الرباط الذي يربط له. يقول لا تمنعي ما في يدك، فيقطع الله مادة بركة الرزق عليك.


وروى البزار والحاكم وقال صحيح الإسناد عن بلال، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال مت فقيرا ولا تمت غنيا. [فقلت؟؟] وكيف لي بذلك؟ قال: ما رزقت فلا تخبأ، وما سئلت فلا تمنع. فقلت: يا رسول الله، وكيف لي بذلك؟ قال: هو ذاك أو النار


وروى الطبراني بإسناد حسن أن طلحة بن عبيد الله جاءه مال كثير في يوم، فقال لغلامه أدع لي قومي فدعاهم، فقسمه عليهم ولم يبق لنفسه شيئا وكان أربعمائة ألف.


وروى الطبراني أن عمر بن الخطاب أرسل أربعمائة دينار مع الغلام إلى أبي عبيدة بن الجراح، وقال للغلام تلبث عنده في البيت ساعة لتنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه وقال أمير المؤمنين يقول لك اجعل هذه في بعض حوائجك، فقال وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالى يا جارية اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة أيضا إلى فلان حتى أنفذها كلها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل، فقال اذهب بهذه إلى معاذ ابن جبل وقف في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام وقال: يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجاتك، فقال رحمه الله ووصله ثم قال: تعالى يا جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا وإلى بيت فلان بكذا، فاطلعت امرأة معاذ فقالت، ونحن والله مساكين فأعطنا فلم يبق في الخرقة إلا ديناران فأرسلهما إليها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك وقال إنهم أحوج بعضهم من بعض.


وروى الطبراني وابن حبان في صحيحه عن سهل قال: كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة دنانير فوضعها عند عائشة، فلما كان عند مرضه قال: يا عائشة ابعثي بالذهب إلى علي. ثم أغمي عليه وشغل عائشة، حتى قال ذلك مرارا، كل ذلك ويغمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشغل عائشة ما به، فبعث إلى علي فتصدق بها، وأمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديد الموت ليلة الاثنين، فأرسلت عائشة بمصباح لها إلى امرأة من نسائها فقالت: اهدي لنا في مصباحنا من عكتك السمن فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسى في حديد الموت.


وروى الطبراني والإمام أحمد ورجاله رجال الصحيح عن أبي ذر قال: إن خليلي صلى الله عليه وسلم عهد إلي قال: إن كل ذهب أو فضة أوكي عليه فهو جمر على صاحبه حتى يفرغه في سبيل الله. وقالت له الجارية يوما دعني أثبت عندنا هذه السبعة دنانير لما ينوبك من الحوائج أو لما ينزل بك من الضيوف فأبى. وفي رواية للطبراني مرفوعا: من أوكأ على ذهب أو فضة ولم ينفقه في سبيل الله كان جمرا يكوى به.


وروى أبو يعلي والبيهقي عن أنس ورواته ثقات قال أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث طوائر فأطعم خادمه طائرا، فلما كان من الغد أتت الخادم بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد فإن الله تعالى يأتي برزق غد.


وروى ابن حبان في صحيحه والبيهقي عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد.


وروى الطبراني بإسناد حسن مرفوعا: إني لألج هذه الغرفة ما ألجها إلا خشيت أن يكون فيها مال فأتوفى ولم أنفقه. والغرفة العلية.


وروى البزار مرفوعا: ما أحب أن لي أحدا ذهبا أبقى صبح ثالثة وعندي منه شيء إلا شيئا أعده لدين.


وروى الإمام أحمد والطبراني أن رجلا توفى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الصفة فلم يوجد له كفن فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انظروا إلى داخل إزاره فوجدوا دينارا أو دينارين، فقال: كَيَّتان أو كيّة من نار. وفي رواية: فوجدوا دينارا فقال: كية من نار. قال الحافظ المنذري: وإنما جعل صلى الله عليه وسلم ذلك الدينار أو الدينارين كيّتَين أو كيّة من نار، لأنه ادخر مع تلبسه بالفقر ظاهرا، وشارك الفقراء فيما يأتيهم من الصدقة والأحاديث في ذلك كثيرة. والله تعالى أعلم." اهـ


عبدالقادر حمود 12-04-2012 08:38 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن ننفق جميع ما دخل يدنا من المال على أنفسنا وعيالنا وأصحابنا وغيرهم، ولا ندخر منه شيئا إلا لغرض صحيح شرعي لا تلبيس فيه، وكذلك نبادر بالصدقة لكن بنية صالحة من غير تهور فيها، وعلى السائل الصبر حتى تحرر النية، ولا ينبغي له المبادرة إلى سوء الظن ورمينا بالبخل ولو مكثنا شهرا حتى نجد لنا نية صالحة، وهذا العهد يخل به كثير من الناس، فلا المعطي يتربص حتى يجد نية، ولا الفقير يصبر: وخلق الإنسان عجولا.


ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك على يد شيخ ناصح يخرجه من شح الطبيعة إلى حضرة الكرم، حتى لا يشح على محتاج إلا لحكمة دون بخل، ومن لم يسلك فلا سبيل له إلى العمل به ولو صار من أعلم الناس فإن العلم بمجرده محتف بآفات يتيه بها العبد عن طريق الوصول إلى العمل بما علم.


ومن كلام سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه: إنما احتاج العلماء إلى شيخ يربيهم مع ذلك العلم العظيم الكثير لعدم إخلاص نيتهم فيه ودخول الإعجاب فيه، وطلب أحدهم أن يصرف وجوه الناس إليه، ولو أنهم سلموا من الآفات وأتوا حضرة العمل بلا علة لَنَارت قلوبهم بالعلم وأشرفوا على حضرة الله عز وجل، ولهان عليهم بذل نفوسهم في مرضاة الله تعالى، فضلا عن شيء من أعراض الدنيا.


فلا تطمع يا أخي بهذا العهد بنفسك من غير شيخ تقتدي به فإن ذلك لا يصح لك، بل من شأنك أن تكون جموعا منوعا حتى تموت كما هو مشاهد في غالب الناس، حتى رأيت بعض الناس وهو يسأل من بعض شيوخ العرب الظلمة أن يرتب له خبزا من صدقته، فقلت له في ذلك، فقال: الضرورات تبيح المحظورات، فقومت ثيابه وفرسه فوجدت ثمنها نحو ألفين ونصفا، فقلت له: أين الضرورة؟ فما دري ما يقول: فسألت عنه بعض من يعامله، فوجدت له مع الناس نحو عشرة آلاف دينار، فقلت له: أتلبس على الله ما هو مليح؟ فقال لي: كان الواحد من الصحابة يملك العشرة آلاف دينار أو أكثر فقلت له وكان مع ذلك لا يدخرها عن محتاج فلم يجد جوابا، ولو أنه كان سلك طريق أهل الله تعالى لأغناه الله عن السؤال بمال حلال أو بقناعة، وذلك أن السالك على مصطلح أهل الله تعالى طريقة الذكر، ومن خاصيته جلاء القلب من ظلمات الرعونات النفسانية حتى يشرف على الجزاء الجسماني أو الروحاني الذي وعد الله به المنفقين والمتصدقين في الدار الآخرة، فإذا أشرف على ذلك صغرت عنده الدنيا بأسرها فيصير يبادر لإنفاقها، ولو منعوه جهرا أنفق سرا لما يرى لنفسه في ذلك من المصلحة ولا هكذا من يعلم أحكام الله على التقليد مع تعاطي شهوات النفوس من أكل وشرب ولباس ومركب ومَنْكَح وغير ذلك من الأمور التي لا تكمل له إلا بالدنيا، فلا يكاد ينفق شيئا من مرضاة الله تعالى إلا إن اكتفت نفسه من شهواتها والشهوات لا قرار لها إذ كل شهوة تجذبه إليها، ولو كان له في كل يوم مائة دينار ما كفته.


واعلم يا أخي أنه قد ورد: إن العبد ليرزق سنة في شهر، فإن رفق به كفاه وإلا احتاج في بقية سنته، وإن العبد ليرزق رزق شهر في جمعه، فإن رفق به كفاه وإلا احتاج في بقية الشهر، وإن العبد ليرزق رزق جمعة في يوم، فإن رفق به كفاه وإلا احتاج في بقية جمعته. وهذا محمول على من كان ضعيف اليقين كما يدل عليه نحو قوله صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك. وقوله لبلال: أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا فافهم.


فلا ينبغي لمن معه ما يزيد على حاجته أن يتصدق به إلا إن يكون قوي اليقين من الأغنياء أو من المتجردين. أما من يأكل من كسب ربحه، فله أن يمسك رأس ماله وما بقي من ربحه ينفقه على الأقارب وغيرهم، وربح الألف الآن خمسة أنصاف كل يوم للعامل، فمن لا يكفيه لنفقته ونفقة عياله وضيوفه كل يوم إلا عشرة أنصاف فله أن يمسك الألفي دينار أو أكثر بحسب حاجته ومن يكفيه كل يوم نصف فله أن يمسك نصفا وقس على ذلك، وليس اللوم إلا على من يجمع ويمنع، نسأل الله اللطف.


وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لكل خلق من أخلاق النبوة كرب في مقابلة تركه يوم القيامة، فمن لم يطعم لله جاء يوم القيامة جيعانا، ومن لم يسق الماء لله جاء يوم القيامة عطشانا، ومن آذى الناس جاء يوم القيامة يؤذي، ومن لم يستر مسلما لله جاء يوم القيامة مهتوكا مكشوف السوءة على رؤوس الأشهاد، ومن لم يسامح أحدا في حقه كان يوم القيامة تحت أسر من له عليه حق، ومن ازدرى بالناس ازدري هناك، وهكذا فلا يجني أحد إلا ثمرة عمله في الدنيا والآخرة كما ستأتي الإشارة إلى ذلك في أحاديث العهد الثالث إن شاء الله تعالى.


ومن وصية سيدي سالم أبي النجاء الفوي رضي الله عنه لأصحابه وهو محتضر: اعلموا يا إخواني أن الوجود كله في الدنيا والآخرة يعاملكم بحسب ما برز منكم من الأعمال، فانظروا كيف تكونون. {والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.


وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: ( إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها بما اكتسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا ).


وفي رواية إذا تصدقت بدل أنفقت.


وروى أبو داود أن أبا هريرة سأل عن تصدق المرأة من بيت زوجها قال: لا إلا من قوتها والأجر بينهما ولا يحل لها أن تتصدق من مال زوجها إلا بإذنه فزاد الحافظ وزين العبدري في جامعه فإن أذن لها فالأجر بينهما فإن فعلت بغير إذنه فالأجر له والإثم عليها.


وروى أبو داود والنسائي مرفوعا: (لا يجوز لامرأة قط عطية إلا بإذن زوجها).


وروى الشيخان وغيرهما عن أسماء بنت أبي بكر قالت: يا رسول الله ما لي مال إلا ما أدخل به على الزبير أفأتصدق؟ فقال: تصدقي ولا توعي فيوعي الله عليك ).


وفي رواية لهما أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: ارضخي ما استطعت ولا توعي فيوعي الله عليك.


وروى الترمذي بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة عامة حجة الوداع لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها قيل يا رسول الله ولا الطعام قال: ذلك أفضل أموالنا. والله تعالى أعلم." اهـ



عبدالقادر حمود 12-06-2012 04:33 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نأذن لزوجاتنا في التصدق بما جرت به العادة من مالنا ولا نمنعهن من ذلك طلبا لنزول الرحمة على بيتنا في غيبتنا وحضورنا، ولتدوم النعمة أيضا علينا، وهذا العهد يخل به كثير من الناس فيمنع زوجته أن تتصدق برغيف أو مغرفة طعام على فقير، فيكون ذلك سببا لتضييق الرزق على أهل البيت، وكذلك لا نمنعها أن تقري الضيف في غيبتنا على طريق العرب العرباء، لكن من غير مخالطة للضيوف والأجانب، وقد كان على هذا القدم سيدي الشيخ عثمان الحطاب، والحافظ الشيخ عثمان الديمي فكان كل منهما يذهب إلى بيت الآخر في غيبته، ويجلس مع امرأة أخيه وتخرج له ما يأكل وما يشرب، فكانا من أولياء الله تعالى ،


لكن أنى لنا في هذا الزمان أن يظفر أحدنا بأخ صالح يأمنه على الخلوة بعياله بحيث لا يتخلله تهمة فيه، فوالله لقد قل الصادقون الذين يؤتمنون على مثل ذلك، فنوصي عيالنا أن يخرجوا للضيف ما يأكل وما يشرب مع الخادم ولا يختلطن به.


واعلم يا أخي أنه كلما كثر طعامك للناس كلما كثرت النعمة عليك، فإن الله تعالى يسوق لكل عبد من الرزق بقدر ما يعلم في قلبه من السخاء والكرم، فمنهم من يكون عنده قوت خمسة أنفس، ومنهم من يكون عنده قوت عشرة، وهكذا إلى الألف نفس أو أكثر، فتعرف مراتب الناس في الكرم بقدر عيالهم، وقد يكون بعض الأولياء يطلب لنفسه الخفاء والتجرد، فلا يكون عنده أحد وهو في غاية الكرم، ويود أن لو كان كل من في الدنيا عائلته، فمثل هذا يعطيه الله تعالى في الآخرة أجر من عال جميع الخلق وراثة محمدية، فيحصل له هذا الثواب العظيم مع الخفاء وعدم الشهرة، فإن الله هو الرزاق للعبد، ومن كان هذا مشهده فكثرة العيال وقلتهم عنده سواء لا يتحمل هما من جهتهم أبدا ولو أنهم كلهم كانوا متوجهين إلى الله دونه ما تأثر من جهتهم قط ولا حمل هما من جهتهم أبدا وإنما يلحقه بعض كرب إذا توجهت العائلة إليه من حيث كونه واسطة مع عدم شهودهم أن الله هو الرزاق، فيقصرون أجرهم على ذلك العبد فيؤثرون فيه الضيق والكرب حتى يصل إليهم رزقهم الذي قسمه الله لهم على يده، ولو أنهم كلهم كانوا متوجهين إلى الله دونه ما تأثر من جهتهم قط ولا حمل هما.


وقد كان سيدي أحمد الزاهد يقول: وعزة ربي لو كان أهل مصر كلهم عيالي ما طرقني هم أبدا لعلمي بأن القسمة وقعت في الأزل فلا زيادة ونقص، ولا يقدر أحد يأكل لقمة قسمت لغيره وتعويق الرزق عن العبد إنما هو تأديب له أو اختبار أو رفع درجة. قلت: وقد من الله تعالى علينا بذلك فلو كان جميع من في الأرض كلهم عيالي ما اهتممت لهم إلا من جهة توجههم إلى قصور بصرهم أو لكونهم لا يستحقون ما طلبوه مني لتركهم الصلاة وتعديهم الحدود ونحو ذلك فالحمد لله رب العالمين.


ولا تصل يا أخي إلى العمل بهذا العهد إلا بالسلوك على يد شيخ مرشد يوصلك إلى شهود ما ذكرناه، وإلا فمن لازمك الاهتمام بالرزق وترادف الأوهام المكدرة عليك حتى لا تكاد ترجع إلى شهود أن الله تعالى فرغ من قسمة الرزق إلا بعد تأمل وتفكر، وهناك تعلم أن إيمانك مدة الاهتمام بالرزق ناقص وأنه يجب عليك تجديد إيمانك كلما حصل عندك اهتمام بالرزق، ولو أنك سلكت الطريق لم يطرقك اتهام الله تعالى ولا اهتمام بما وعد الله بحصوله لك أو لغيرك، ولا منعت زوجتك من الصدقة في ليل أو نهار إلا لعذر شرعي. فاسلك يا أخي على يد شيخ يخرجك من ظلمات الاتهام والأوهام، والله يتولى هداك: {وهو يتولى الصالحين}.


روى أبو داود والنسائي واللفظ له وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهما مرفوعا: من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه. وفي رواية للطبراني: حتى تعلموا أنكم شكرتموه، فإن الله تعالى شاكر يحب الشاكرين.


وروى الترمذي وأبو داود وابن حبان في صحيحه مرفوعا: من أعطى عطاء فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثن فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر.


وفي رواية للترمذي مرفوعا وقال حديث حسن: من صنع إليه معروف، فقال لفاعله جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء.وفي رواية له: من أسدى إليه بمعروف فقال للذي أسداه جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء.


وروى الإمام أحمد ورواته ثقات والطبراني مرفوعا: إن أشكر الناس لله تعالى أشكرهم للناس. وفي رواية لأبي داود والترمذي وقال حديث صحيح: لا يشكر الله من لا يشكر الناس. قال الحافظ المنذري: روى هذا الحديث برفع الله وبرفع الناس، وروى أيضا بنصبهما وبرفع الله وبنصب الناس وعكسه، أربع روايات.


وروى الطبراني وابن أبي الدنيا مرفوعا: من أولى معروفا فليذكره فمن ذكره فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره>>. وروى ابن أبي الدنيا وغيره مرفوعا بإسناد لا بأس به: من لم يشكر القليل لا يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لا يشكر الله والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر>>.


وروى أبو داود والنسائي واللفظ له: قال المهاجرون يا رسول الله ذهب الأنصار بالأجر كله؟ ما رأينا قوما أحسن بذلا للكثير، ولا مواساة في القليل منهم، ولقد كفونا المؤونة، قال أليس تثنون عليهم به وتدعون لهم؟ قالوا بلى، قال: فذاك بذاك. والله تعالى أعلم." اهـ


عبدالقادر حمود 12-06-2012 04:40 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نشكر كل من أسدى إلينا معروفا ونكافئه على ذلك ولو بالدعاء أدبا مع الشارع في أمره لنا بذلك، وقد كثرت الخيانة لهذا العهد من غالب الناس، حتى صرت تربي اليتيم إلى أن يصير له أولاد ولا يتذكر لك نعمة ولا يحفظ معك أدبا، وصار من وقع له ذلك يحذر من يريد يفعل مثله مع الناس، فبتقدير أن المنعم من أولياء الله تعالى لا يلتفت إلى شكره، فالمنعم عليه لا يستحق ذلك كما سيأتي، والكمل على الأخلاق الإلهية، والله عز وجل يحول النعم حين تكفر.


فاشكر يا أخي من أسدى معروفا لكن من غير وقوف معه، فتراه كالقناة الجاري لنا منها الماء أو كالأجير الذي يغرف لنا من طعام رجل غيره بأجرة جعلها له.


ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك على يد شيخ مرشد حتى يصل به إلى حضرة الإحسان ويرى الأمور كلها لله تعالى كشفا وشهودا، ويصير يرى النعم من الله تعالى ببادئ الرأي ولا يضيفها إلى الخلق إلا بعد تأمل وتفكر، عكس من لم يسلك الطريق، فإنه لا يكاد يشهد النعمة من الله تعالى إلا بعد تفكر وتأمل.


فاسلك يا أخي الطريق لتفوز بالأدب مع الله تعالى ومع خلقه كما أمرك، فقال تعالى: {أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير}. وقد قرن الله تعالى السعادة بشهود الأمور كلها من الله، وقرن الشر بشهودها من الخلق، ومقام الكمال في السعادة شهود الأمور كلها ببادئ الرأي من الله خلقا وإيجادا، ومن العبد نسبة وإسنادا لأجل إقامة الحدود وكأن لسان الحق تعالى يقول: من قتل نفسا بغير حق فاقتلوه، ولو شهدتم أني قدرت عليه ذلك أو أني أنا الفاعل، كما قال: {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم}. فلا يسعنا إلا امتثال الأمر، وكذلك الحكم على الزنا وشرب الخمر ونحوهما فكأنه قال تعالى من ظهر من جوارحه كذا فافعلوا به كذا، فيقول سمعا وطاعة، وأكثر الناس عمي عن تحقيق هذه المسألة فإما يضيفونها إلى الله تعالى فقط أو إلى الخلق فقط، لكن من يضيفها إلى الله وحده أكبر أدبا ممن يضيفها إلى الخلق وحدهم غافلا عن الله تعالى.


وقد رأيت شخصا من خطاب الجامع الأزهر رسم له السلطان سليم بن عثمان مائة دينار لما صلى الجمعة في الجامع الأزهر وكانت نوبته تلك الجمعة، فجاءه رفيقه ومنعه عن الخطبة ذلك اليوم لأجل المائة دينار، فصار الخطيب الممنوع يحط على المانع وصرت أقول له: إن الله تعالى لم يقسم لك شيئا، فيقول: هذا قد تسبب في قطع رزقي، فقلت له: ولو تسبب فليس هو بقاطع إنما هو آلة للقدرة الإلهية والحكم لمن حرك الآلة، فحكمت حكم من ضرب بعصا فصار يسب العصا، أو غرف له طعام بمغرفة فصار يمدح المغرفة ويشكرها بين الناس وينسى الفاعل بتلك الآلة، فهذا حكمه على حد سواء عند أهل التحقيق، ولا يخفى ما في ذلك من قلة العقل. ثم قلت له: أين قولك في الخطبة كل جمعة: والله ثم والله لا يعطي ويمنع ويضع ويرفع إلا الله؟ فقال قطعتني بالحجة،


ولو أن هذا سلك الطريق وبني أمره على التوحيد الكامل ما توقف في ذلك ولا احتاج إلى مجاهد ولا عادى أحدا عارضه في طريق وصوله إلى رزقه، بل كان يرى كل شيء عورض فيه أن الله تعالى لم يقسمه له فلا يتعب نفسه. فاعلم ذلك واسلك طريق القوم إن أردت العمل بهذا العهد على وجه الكمال لتكون من أهل السنة والجماعة، والله يتولى هداك {وهو يتولى الصالحين}.


واعلم أن كفران النعم للوسائط مما يحولها، وإذا حولت فلا يقدر من كفرت نعمته أن تجري لك نعمة على يديه: {سنة الله التي قد خلت في عباده}. لأن كفران النعمة يقطع طريقها، فبتقدير أن من كفرت نعمته لا يؤاخذك، فأنت لا تستحق تلك النعمة فلا بد من وجود صفة الاستحقاق في المنعم عليه، وعدم كفرانه نعمة من كان واسطة فيها من زوج ووالد وسيد ونحوهم، وقد كثر كفران النعم في هذا الزمان من الزوجة والأولاد والأرقاء والمريدين، وبذلك تعسرت عليهم الأرزاق، وكلما تأخر الزمان زاد على الناس الأمر في تعسير الأرزاق وفي تحويلها عنهم بالكلية، لقلة الشكر بالعمل من قيام الليل وغيره حتى تتورم منهم الأقدام، فإن الشكر بالقول ما بقي يكفي لغالب النعم في هذا الزمان لكون الموازين قد أقيمت فيه على الناس لقرب الساعة، وما قارب الشيء أعطى حكمه ولقلة الإخلاص في القول، وقد قال تعالى في حق آل داود: {اعملوا آل داود شكرا}. ولم يقل قولوا أل داود شكرا، وهذه الأمة المحمدية أولى بأن يشكروا بالعمل لأنهم أعظم نعمة بنبيهم وشريعتهم، فليتنبه من كان غافلا عن ذلك ليدوم الماء في مجاريه.


وقد كان الشيخ عصيفير المجذوب المدفون بخط بين السورين بمصر، كلما رأى حوضا مملوء للبهائم يفتح بالوعته فيسبح على الأرض ويقول للذي يملؤه أنت أعمى القلب، فإن أهل هذا الزمان صاروا لا يستحقون رحمة ولا نعمة لكثرة عصيانهم ومخالفتهم، فقال يا سيدي: إنما هذا البهائم فقال إنها تحملهم إلى مواضع المعاصي فكان يتكلم على لسان أحوال الزمان بلسان الحقيقة دون لسان الشريعة لكونه مجذوبا، وكان مراده مما قاله تنبيه الناس إلى المشي على طريق الاستقامة لتدوم عليهم النعم وإلا فالحق لا يستحقون على الله تعالى شيئا مطلقا، وإنما جميع نعمه عليهم من باب الفضل والمنة. والله تعالى أعلم.


روى الشيخان وغيرهما واللفظ للبخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا صام أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم، والذي نفس محمد بيده لَخَلُوفِ فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر وإذا لقي ربه فرح بصومه.


وفي رواية لمسلم: كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي.


وفي رواية لمالك وأبي داود والترمذي: وإذا لقي الله عز وجل فجزاه فرح الحديث. قلت: وإنما كان الصائم يفرح بهذين الشيئين لأن الإنسان مركب من جسم وروح فغذاء الجسم الطعام وغذاء الروح لقاء الله. والله أعلم. قال الحافظ: ومعنى قوله الصيام جنة بضم الجيم وما يجن العبد ويستره ويقيه مما يخاف، فقال: ومعنى الحديث: إن الصوم يستر صاحبه ويحفظه من الوقوع في المعاصي. والرفث يطلق ويراد به الجماع ويطلق ويراد به الفحش، ويطلق ويراد به خطاب الرجل للمرأة فيما يتعلق بالجماع. وقال كثير من العلماء: المراد به في هذا الحديث الفحش ورديء الكلام. والخلوف: بفتح الخاء وضم اللام هو تغير رائحة الفم من الصيام.


وروى الطبراني والبيهقي مرفوعا: <<الصيام لله عز وجل لا يعلم ثواب عامله إلا الله عز وجل


وروى الطبراني ورواته ثقات مرفوعا: صوموا تصحوا. وروى الإمام أحمد بإسناد جيد والبيهقي مرفوعا: الصيام جنة وحصن حصين من النار. وفي رواية لابن خزيمة في صحيحه: الصيام جنة من النار كجنة أحدكم من القتال.


وروى الإمام أحمد والطبراني والحاكم ورواتهم محتج بهم في الصحيح مرفوعا: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة. فيقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشراب والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيشفعان. وروى ابن ماجه مرفوعا: <<لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم>>.


وروى البيهقي مرفوعا: إن للصائم عند فطره لدعوة لا ترد. وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه واللفظ له وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه مرفوعا: ثلاث لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر.


وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا قال الحافظ: قد ذهب طوائف من العلماء إلى أن الحديث في فضل الصوم في الجهاد وبوب على ذلك الترمذي وغيره، وذهبت طائفة إلى أن كل صوم في سبيل الله إذا كان خالصا لله تعالى. والله أعلم." اهـ



عبدالقادر حمود 12-06-2012 04:43 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 


"(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن يكون معظم محبتنا للصوم من حيث كون الله تعالى قال {الصوم لي}، لا من حيثية أخرى كطلب ثواب أو تكفير خطيئة ونحو ذلك، فإن من عمل لله تعالى كفاه هم الدنيا والآخرة وأعطاه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فضلا عن الثواب وتكفيرا الخطايا، وغيرهما من الأغراض النفسانية في الدنيا والآخرة، ولم يبلغنا عن الله تعالى أنه قال في شيء من العبادات إنه له خالصا إلا الصوم، فلولا مزيد خصوصية ما أضافه إليه.


وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: معنى قوله تعالى {الصوم لي} يعني من حيث إنه صفة صمدانية ليس فيه أكل ولا شرب ولذلك أمر الصائم أن لا يرفث ولا يفسق، ولا يقول الهجر من الكلام أدبا مع الصفة الصمدانية التي تلبس بنظير اسمها.


وقال سفيان بن عيينة في معنى قوله تعالى: {كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به}. قال: إذا كان يوم القيامة يحاسب الله تعالى عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم فيحمل الله تعالى ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة وهو كلام غريب.


ومن فوائد الصوم أن يسد مجاري الشيطان من بدن الصائم ويصير عليه كالجنة فلا يجد الشيطان من بدنه مسلكا يدخل إلى قلبه منه من العام إلى العام، ومن الاثنين إلى الخميس أو من الخميس إلى الاثنين، أو من الأيام البيض إلى الأيام البيض، أو من الشهر الحرام إلى الشهر الحرام، أو من عاشوراء إلى عاشوراء، أو من يوم عرفة إلى يوم عرفة، كل صوم يكون جنة منه إلى نظيره من الصوم الذي بعده كل جنس بما يقابله، فللاثنين دائرة وللخميس دائرة، وللأيام البيض دائرة، وللشهر الحرام إلى مثله دائرة، وليوم عرفة إلى مثله دائرة، وليوم عاشوراء إلى مثله دائرة، ولكل دائرة حفظ من أمور خاصة، بها فلا يصل إبليس إلى العبد ليوسوس له بها كنظيره من الصلاة والزكاة والحج والوضوء والركوع والسجود، فلكل منهما ذنوب تكفر بها، فلا يكفر عمل ما يكفر غيره من الأعمال، ويؤيد ما قلناه خبر مسلم مرفوعا: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر.


وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: إنما كان صوم رمضان شهرا كاملا إما تسعا وعشرين أو ثلاثين، لأن أصل مشروعيته كان كفارة للأكلة التي أكلها آدم عليه السلام من الشجرة، فأمره الله تعالى بصومه كفارة لها. وقد ورد أنها مكثت في بطنه شهرا حتى ذهبت فضلاتها، وورد الشهر يكون ثلاثين ويكون تسعا وعشرين فافهم.


واعلم أن فائدة الصوم لا تحصل إلا بالجوع الزائد على الجوع الواقع عادة في غير رمضان فمن لم يزد في الجوع في رمضان فحكمه كحكم المفطر، سواء في عدم سد مجاري الشيطان لا سيما إن تنوع في المآكل والمشارب وأنواع الفواكه وتعشى عشاء زائدا عن الحاجة، ثم تعتم بالكنافة أو الحلاوة أو الجبن المقلي ثم تسحر آخر الليل كذلك، فإن مثل هذا ينفتح من بدنه للشيطان مواضع زائدة عن أيام الإفطار فتكثر مجاري الشيطان التي يدخل منها إلى هلاكه في مثل هذا الشهر العظيم، الذي فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، وهي مدة أعمار الناس الغالبة وهي ثلاث وثمانون سنة، فلو زنت عبادة العبد طول هذا العمر مع أعماله في ليلة القدر لكانت ليلة القدر أرجح من سائر أعماله الخالصة الدائمة التي لا يتخللها فتور فكيف بالأعمال التي دخلها الرياء وتخللها معاص وسيئات وغفلات وشهوات. ومن نظر بعين البصيرة وجد جميع صوم الأيام التي قبل ليلة القدر كالاستعداد والتطهير للقلب حتى يتأهل لرؤية ربه عز وجل في تلك الليلة وأظن غالب كبراء الزمان فضلا عن غيرهم غارقين فيما ذكرناه فيمضي عليهم شهر رمضان، وقد زاد قلبهم ظلمة بأكل الشهوات والنوم. وقد كان المؤمن في الزمن الماضي لا يخرج من صوم رمضان إلا وهو يكاشف الناس بما في سرائرهم لشدة الصفاء الذي حصل عنده من توالي الطاعات وعد المخالفات.


وسمعت الشيخ إبراهيم عصفور المجذوب رضي الله عنه يقول: والله إن صوم هؤلاء المسلمين باطل لأكلهم عند الإفطار اللحم والحلاوات والشهوات، وما عندي صوم إلا صوم القوم الذين يفطرون على زيت أو خل ونحو ذلك، وكان الناس لا يهتدون لمعاني إشاراته لكونه مجذوبا وكنت أنا أفهم معاني كلامه وإشاراته وتوبيخاته كأنه يقول المسلمون لا ينبغي لهم في رمضان إلا الجوع الشديد.


وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول: من أدب المؤمن إذا أفطر عنده الصائمون أن لا يشبعهم الشبع العادي وإنما يشبعهم شبع السنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه. قال أهل اللغة: واللقيمات جمع لقمة من الثلاث إلى التسعة، فمتى أخرج الإنسان لمن أفطر عنده أكثر من تسع لقيمات فقد أساء في حقه، ولا بقي له أجر إفطاره بما حصل له من تعدي السنة، وهذا الأمر لا يفعله إلا من خرج عن حكم الطبع ومعاملة المخلوقين إلى قضاء الشريعة، ومعاملة الله وحده حتى صار يشفق على دين أخيه المسلم أكثر مما يشفق هو على نفسه، وعلامات خروجك من حكم الطبع أن لا تتأثر من ذمه فيك بين الأعداء إن لم تشبعه، لأن حكم يتعدى السنة مع العارف كحكم الطفل على حد سواء والطفل لا يجاب إلى كل ما اشتهت نفسه: وكان سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه يخرج للصائمين أقل من عادتهم في الإفطار فاشتكوا النقيب له فقال إن شكوتم منه في الدنيا فسوف تشكرونه في الآخرة, ومن وصية سيدي علي الخواص رحمه الله: إياك أن تخرج للضيف في رمضان كشيخ العرب أو غيره فوق رغيف خوفا أن يتكدر منك إن لم تشبعه، فإنه لو كشف له عن صنيعك معه لقبل رجليك، وقال جزاك الله عني خيرا الذي لم تعطي نفسي الخبيثة حظها من شهواتها، وسعيت في كمال صومها.

فاسلك يا أخي على يد شيخ حتى يخرجك عن حكم الطبيعة وتصير تعامل الخلق بالرحمة والشفقة، وإلا فمن لازمك الخوف من عتاب المخلوقين. وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: أولياء الله أشفق على العباد من أنفسهم لأنهم يمنعونهم من الشهوات التي تنقص مقامهم وهم لا يفعلون بأنفسهم ذلك أبدا ما أمكنهم وراثة محمدية. فاعلم ذلك واعمل له، والله يتولى هداك: {وهو يتولى الصالحين}.


روى النسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: <<أتاكم شهر رمضان شهر مبارك فرض الله تعالى عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين، لله تعالى فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم الخير كله>>.


وفي رواية لمسلم: فتحت أبواب الرحمة وسلسلت الشياطين ومردة الجن.


وفي رواية لابن خزيمة وابن ماجه وغيرهما: <<إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن>>.


وفي رواية لابن خزيمة: الشياطين مردة الجن بغير واو، ومعنى صفدت: أي شدت بالأغلال. قال الحليمي: وتصفيد الشياطين في شهر رمضان يحتمل أن يكون المراد به أيامه خاصة، وأراد الشياطين الذين يسترقون السمع، ألا تراه قال مردة الشياطين لأن شهر رمضان كان وقتا لنزول الرحمة والقرآن إلى السماء الدنيا، وكانت الحراسة قد وقعت بالشهب كما قال تعالى: {وحفظا من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع}. نزيد التصفيد في شهر رمضان مبالغة في الحفظ. والله تعالى أعلم.


قال: ويحتمل أن المراد أيامه ولياليه ويكون المعنى أن الشياطين لا يخلصون فيه إلى إفساد الناس كما يخلصون في غيره لاشتغال المسلمين بالصيام الذي فيه قمع الشهوات بقراءة القرآن وغيره من سائر العبادات.


وروى ابن ماجه بإسناد حسن مرفوعا: <<إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم>>.


وروى أبو الشيخ والبيهقي بإسناد فيه ضعف مرفوعا: <<يقول الله عز وجل كل ليلة من ليالي رمضان: ينادي من السماء ثلاث مرات: هل من سائل فأعطيه سؤله، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له>>.


وروى البزار وغيره مرفوعا: <<إن لله تبارك وتعالى في كل يوم وليلة في رمضان دعوة مستجابة>>.


وروى البيهقي وقال الحافظ المنذري حديث حسن مرفوعا: <<ينادي مناد من السماء كل ليلة - يعني من شهر رمضان - إلى انفجار الفجر، يا باغي الخير تمم وأبشر، ويا باغي الشر أقصر وأبصر، هل من مستغفر فيغفر له، هل من تائب يتاب عليه، هل من داع يستجاب له، هل من سائل يعطى سؤله>>.


وروى النسائي مرفوعا: <<إن الله تعالى فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه>>.


وذكر مالك في الموطأ قال: سمعت من أثق به من أهل العلم يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الأمم قبله، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر.


وروى الشيخان مرفوعا: <<من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر>>. وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة: <<من يقم ليلة القدر فوافقها أراه قال: إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه>>.


وروى الإمام أحمد وغيره عن عبادة بن الصامت قال: قلنا يا رسول الله أخبرنا عن ليلة القدر قال: هي في شهر رمضان في العشر الأواخر ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين، أو آخر ليلة من رمضان، من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. والله تعالى أعلم." اهـ




عبدالقادر حمود 12-06-2012 04:51 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن يكون معظم قصدنا من قيام رمضان وغيره امتثال أمر الله عز وجل والتلذذ بمناجاة الحق لا طلب أجر أخروي ونحو ذلك هروبا من دناءة الهمة، فإن من قام رمضان لأجل حصول الثواب فهو عبد الثواب لا عبد الله تعالى، كما أشار إليه حديث: تعس عبد الدينار والدرهم والخميصة. اللهم إلا أن يطلب العبد الثواب إظهار الفاقة ليميز ربه بالغنى المطلق ويتميز هو بالفقر المطلق، فهذا لا حرج عليه، لكن هذا لا يصح له إلا بعد رسوخه في معرفة الله عز وجل بحيث يصير يجل الله تعالى أن يعبده خوفا من ناره أو رجاء لثوابه.


فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به حتى يدخله حضرة التوحيد فيرى أن الله تعالى هو الفاعل لكل ما برز في الوجود وحده، والعبد مظهر لظهور الأعمال إذ الأعمال أعراض وهي لا تظهر إلا في جسم، فلولا جوارح العبد ما ظهر له فعل في الكون ولا كانت الحدود أقيمت على أحد، فافهم.


ومن لم يسلك على يد شيخ فهو عبد الثواب حتى يموت لا يتخلص منه أبدا، فهو كالأجير السوء الذي لا يعمل شيء حتى يقول لك قل لي إيش تعطيني قبل أن أتعب؟ فأين هو ممن تقول له افعل كذا وأنا أعطيك كذا وكذا؟ فيقول والله ما قصدي إلا أن أكون من جملة عبيدك، أو أن أكون تحت نظرك أو أن أكون في خدمك لا غير، أليس إذا اطلعت على صدقه أنك تقربه وتعطيه فوق ما كان يؤمل لشرف همته، بخلاف من شارطك فإنه يثقل عليك وتعرف أنت بذلك خسة أصله وقلة مروءته، ثم بعد ذلك تعطيه أجرته وتصرفه عن حضرتك، وربما انصرف هو قبل أن تصرفه أنت لعدم رابطة المحبة التي بينك وبينه، فما أقبل عليك إلا لأجرته، فلما وصلت إليه ونسيك ولا هكذا من يخدمك محبة فيك فاعلم ذلك.


وسمعت سيدي عليا الخواص إذا صلى نفلا يقول أصلي ركعتين من نعم الله علي في هذا الوقت، فكان رضي الله عنه يرى نفس الركعتين من عين النعمة لا شكر النعمة أخرى فقلت له في ذلك فقال ومن أين يكون لمثلي أن يقف بين يدي الله عز وجل والله إني لأكاد أذوب خجلا وحياء من الله لما أتعاطاه من سوء الأدب معه حال خطابه في الصلاة، فإن أمهات آداب خطابه تعالى مائة ألف أدب، ما أظن أنني عملت منها بعشرة آداب، فأنا إذا وقفت بين يديه في صلاة أو غيرها من العبادات إلى العقوبة أقرب فكيف أطلب الثواب.


وسمعته مرة أخرى يقول: يجب على العبد أن يستقل عبادته في جانب الربوبية ولو عبد ربه عبادة الثقلين بل ولو عبده هذه العبادة على الجمر من ابتداء الدنيا إلى انتهائها ما أدى شكر نعمة إذنه له بالوقوف بين يديه في الصلاة لحظة ولو غافلا، وكذلك ينبغي له إذا قلت طاعاته أن يرى أن مثله لا يستحق ذلك القليل، ومن شهد هذا المشهد حفظ من العجب في أعماله وحفظ من القنوط من رحمة الله تعالى. وقال له مرة شخص يا سيدي ادع لي، فقال يا ولدي ما أتجرأ أسأل الله في حاجة وحدي لا لنفسي ولا لغيري، اصبر حتى تجتمع مع الناس في صلاة العصر وندعو لك معهم في غمارهم.


وسمعت أخي أفضل الدين يقول: والله إني لأقوم أصلي بالليل فأرى نفسي بين يدي الله كالمجرم الذي قتل النفس وفعل سائر الفواحش وأتوا به إلى الوالي يتلفه، وأرى الجميلة لله تعالى الذي أذن لي في الوقوف بين يديه ولم يطردني في جملة واحدة كما طرد التاركين للصلاة. وسمعته مرة أخرى يقول: من شرط الكامل في الطريق أنه يكاد يذوب حياء من الله تعالى إذا تلا كلامه وإن كان الله تعالى قد أذن في تلاوة كلامه للكبير والصغير ولكن من شرط العارف أن لا يتلو كلامه إلا بالحضور معه تعالى، لأن قراءة كلامه مناجاة له تعالى وكيف حال من يناجي رب الأرباب وهو غافل، فوالله لو رفع الحجاب لذاب كل تال للقرآن كما أشار إليه قوله تعالى إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا}. وقوله تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وهنا أسرار يذوقها أهل الله تعالى لا تذكر إلا مشافهة لأهلها. وسمعت أخي الشيخ أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول أيضا: من شرط الفقير أن يرى نفسه كصاحب الكتبة من الحشيش واللواط والزنا وغير ذلك، فإذا قال له شخص من المسلمين ادع لي يكاد يذوب حياء وخجلا لأن معاصيه مشهودة له على الدوام.


ورأيته مرة في وليمة فقال له شخص من العلماء، ادع الله لي فصار يعرق جبينه ولم يقدر ينطق من البكاء وقال لي ما كان إلا قتلني هذا. ولما أراد التزوج عرض عليه الناس بناتهم فكان كل من خطبه لابنته يقول يا أخي بنتك خسارة في مثلي فلم ير نفسه أهلا لواحدة يتزوجها، ثم قال لي: ما رأيت يقارب شكلي ورذالتي إلا عرب الهيتم الذين يطوفون على أبواب الناس يأكلون الطعام الذي يصبه الناس على المزابل في أقنية بيوتهم رضي الله عنه. وقد قلت مرة لصاحب كتبة ادع لي فاستحيى وعرق جبينه وقال يا سيدي لا تعد من فضلك تقول لي ذلك تؤذيني، فإني والله لما قلت لي ادع لي رأيت نفسي كيهودي قال له شيخ الإسلام ادع لي.


وكان سيدي أبو المواهب الشاذلي يقول حكم الملك القدوس أن لا يدخل حضرته أحد من أهل النفوس. وكان سيدي إبراهيم الدسوقي يقول: لا تبرز ليلى لمن يطلب على الوقوف بين يديها عوضا منها وإنما تبرز لمن يرى الفضل والمنة لها التي أذنت له في الوقوف بين يديها. وكان يقوم من كان الباعث له على حب القيام بين يدي الله تعالى في الظلام لذته بمناجاته فهو في حظ نفسه ما برح، لأنه لولا الأنس الذي يجده في مناجاته ما ترك فراشه وقام بين يديه، فكأن هذا قام محبة في سواه وهو لا يحب من أحب سواه إلا بإذنه، فإن الأنس الذي يجده في قلبه سواه بيقين. وكان يقول: ما أنس أحد بالله قط لعدم المجانسة بينه وبين عبده بوجه من الوجوه، وما أنس من أنس إلا بما من الله تعالى من التقريب الإلهي، لا بالله تعالى.


ومن هنا قامت الأكابر حتى تورمت منهم الأقدام لعدم اللذة التي يجدونها في عباداتهم، فإن اللذة تدفع الألم فلا يتورم لهم أقدام، فاعلم أن عبادتهم لله تعالى محض تكليف لا يدخلها اللذة، ولو دخلها لذة لكانوا عبيدها وهو مطهرون مقدسون عن العبودية لغير الله تعالى.


فاسلك يا أخي الطريق على يد شيخ حتى يخرجك من العلل وتصير تأتي العبادات امتثالا لأمر ربك لا غير ولا تريد بذلك جزاء ولا شكورا.


وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: إذا وقع لأحدكم تقريب في المواكب الإلهية فلا يقتصر على الدعاء في حق نفسه فيكون دنئ الهمة وإنما يجعل معظم الدعاء لإخوانه المسلمين. وقد من الله تعالى علي بذلك ليلة من الليالي لما حججت في سبع وأربعين وتسعمائة، فمكثت في الحجر أدعو لإخواني إلى قريب الصباح، فأعطاني الله تعالى ببركة دعائي لهم نظير جميع ما دعوته لهم بسهولة، ولو أني دعوت ذلك الدعاء لنفسي لربما لم يحصل لي ذلك، فالحمد لله رب العالمين.


وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لا تقتصروا في قيام رمضان على العشر الأواخر من رمضان، بل قوموه كله واهجروا نساءكم فيه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فإني رأيت ليلة القدر في ليلة السابع عشر منه قال: وقد أجمع أهل الكشف على أنها تدور في ليالي رمضان وغيره ليحصل لجميع الليالي الشرف، وبه قال بعض الأئمة أي إنها تدور في جميع ليالي السنة فإذا تمت الدورة افتتحت دورة ثانية، هكذا سمعته يقول: وظواهر الأدلة كلها يعطي تخصيصها بشهر رمضان وهو المعتمد فاعلم ذلك (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.


روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيره مرفوعا: من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر. وزاد الطبراني فقال أبو أيوب كل يوم بعشرة يا رسول الله؟ فقال: نعم قال الحافظ المنذري ورواة الطبراني رواة الصحيح.


وفي رواية لابن ماجه والنسائي مرفوعا: من صام ستة أيام بعد الفطر كان كصيام السنة، من جاء بالحسنة فله عشرة أمثالها.


وفي رواية للنسائي مرفوعا: فشهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة بشهرين، فذلك صيام سنة.


وفي رواية للطبراني مرفوعا قال الحافظ المنذري في إسناده نظر: من صام ستة أيام بعد الفطر متتابعة فكأنما صام السنة كلها. وفي رواية له أيضا مرفوعا: من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. والله تعالى أعلم." اهـ

عبدالقادر حمود 12-06-2012 04:58 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن يكون معظم قصدنا من قيام رمضان وغيره امتثال أمر الله عز وجل والتلذذ بمناجاة الحق لا طلب أجر أخروي ونحو ذلك هروبا من دناءة الهمة، فإن من قام رمضان لأجل حصول الثواب فهو عبد الثواب لا عبد الله تعالى، كما أشار إليه حديث: تعس عبد الدينار والدرهم والخميصة. اللهم إلا أن يطلب العبد الثواب إظهار الفاقة ليميز ربه بالغنى المطلق ويتميز هو بالفقر المطلق، فهذا لا حرج عليه، لكن هذا لا يصح له إلا بعد رسوخه في معرفة الله عز وجل بحيث يصير يجل الله تعالى أن يعبده خوفا من ناره أو رجاء لثوابه.


فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به حتى يدخله حضرة التوحيد فيرى أن الله تعالى هو الفاعل لكل ما برز في الوجود وحده، والعبد مظهر لظهور الأعمال إذ الأعمال أعراض وهي لا تظهر إلا في جسم، فلولا جوارح العبد ما ظهر له فعل في الكون ولا كانت الحدود أقيمت على أحد، فافهم.


ومن لم يسلك على يد شيخ فهو عبد الثواب حتى يموت لا يتخلص منه أبدا، فهو كالأجير السوء الذي لا يعمل شيء حتى يقول لك قل لي إيش تعطيني قبل أن أتعب؟ فأين هو ممن تقول له افعل كذا وأنا أعطيك كذا وكذا؟ فيقول والله ما قصدي إلا أن أكون من جملة عبيدك، أو أن أكون تحت نظرك أو أن أكون في خدمك لا غير، أليس إذا اطلعت على صدقه أنك تقربه وتعطيه فوق ما كان يؤمل لشرف همته، بخلاف من شارطك فإنه يثقل عليك وتعرف أنت بذلك خسة أصله وقلة مروءته، ثم بعد ذلك تعطيه أجرته وتصرفه عن حضرتك، وربما انصرف هو قبل أن تصرفه أنت لعدم رابطة المحبة التي بينك وبينه، فما أقبل عليك إلا لأجرته، فلما وصلت إليه ونسيك ولا هكذا من يخدمك محبة فيك فاعلم ذلك.


وسمعت سيدي عليا الخواص إذا صلى نفلا يقول أصلي ركعتين من نعم الله علي في هذا الوقت، فكان رضي الله عنه يرى نفس الركعتين من عين النعمة لا شكر النعمة أخرى فقلت له في ذلك فقال ومن أين يكون لمثلي أن يقف بين يدي الله عز وجل والله إني لأكاد أذوب خجلا وحياء من الله لما أتعاطاه من سوء الأدب معه حال خطابه في الصلاة، فإن أمهات آداب خطابه تعالى مائة ألف أدب، ما أظن أنني عملت منها بعشرة آداب، فأنا إذا وقفت بين يديه في صلاة أو غيرها من العبادات إلى العقوبة أقرب فكيف أطلب الثواب.


وسمعته مرة أخرى يقول: يجب على العبد أن يستقل عبادته في جانب الربوبية ولو عبد ربه عبادة الثقلين بل ولو عبده هذه العبادة على الجمر من ابتداء الدنيا إلى انتهائها ما أدى شكر نعمة إذنه له بالوقوف بين يديه في الصلاة لحظة ولو غافلا، وكذلك ينبغي له إذا قلت طاعاته أن يرى أن مثله لا يستحق ذلك القليل،ومن شهد هذا المشهد حفظ من العجب في أعماله وحفظ من القنوط من رحمة الله تعالى.وقال له مرة شخص يا سيدي ادع لي، فقال يا ولدي ما أتجرأ أسأل الله في حاجة وحدي لا لنفسي ولا لغيري، اصبر حتى تجتمع مع الناس في صلاة العصر وندعو لك معهم في غمارهم.


وسمعت أخي أفضل الدين يقول: والله إني لأقوم أصلي بالليل فأرى نفسي بين يدي الله كالمجرم الذي قتل النفس وفعل سائر الفواحش وأتوا به إلى الوالي يتلفه، وأرى الجميلة لله تعالى الذي أذن لي في الوقوف بين يديه ولم يطردني في جملة واحدة كما طرد التاركين للصلاة. وسمعته مرة أخرى يقول: من شرط الكامل في الطريق أنه يكاد يذوب حياء من الله تعالى إذا تلا كلامه وإن كان الله تعالى قد أذن في تلاوة كلامه للكبير والصغير ولكن من شرط العارف أن لا يتلو كلامه إلا بالحضور معه تعالى، لأن قراءة كلامه مناجاة له تعالى وكيف حال من يناجي رب الأرباب وهو غافل، فوالله لو رفع الحجاب لذاب كل تال للقرآن كما أشار إليه قوله تعالى (إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا}. وقوله تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله. وهنا أسرار يذوقها أهل الله تعالى لا تذكر إلا مشافهة لأهلها. وسمعت أخي الشيخ أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول أيضا: من شرط الفقير أن يرى نفسه كصاحب الكتبة من الحشيش واللواط والزنا وغير ذلك، فإذا قال له شخص من المسلمين ادع لي يكاد يذوب حياء وخجلا لأن معاصيه مشهودة له على الدوام.


ورأيته مرة في وليمة فقال له شخص من العلماء، ادع الله لي فصار يعرق جبينه ولم يقدر ينطق من البكاء وقال لي ما كان إلا قتلني هذا. ولما أراد التزوج عرض عليه الناس بناتهم فكان كل من خطبه لابنته يقول يا أخي بنتك خسارة في مثلي فلم ير نفسه أهلا لواحدة يتزوجها، ثم قال لي: ما رأيت يقارب شكلي ورذالتي إلا عرب الهيتم الذين يطوفون على أبواب الناس يأكلون الطعام الذي يصبه الناس على المزابل في أقنية بيوتهم رضي الله عنه. وقد قلت مرة لصاحب كتبة ادع لي فاستحيى وعرق جبينه وقال يا سيدي لا تعد من فضلك تقول لي ذلك تؤذيني، فإني والله لما قلت لي ادع لي رأيت نفسي كيهودي قال له شيخ الإسلام ادع لي.


وكان سيدي أبو المواهب الشاذلي يقول حكم الملك القدوس أن لا يدخل حضرته أحد من أهل النفوس. وكان سيدي إبراهيم الدسوقي يقول: لا تبرز ليلى لمن يطلب على الوقوف بين يديها عوضا منها وإنما تبرز لمن يرى الفضل والمنة لها التي أذنت له في الوقوف بين يديها. وكان يقوم من كان الباعث له على حب القيام بين يدي الله تعالى في الظلام لذته بمناجاته فهو في حظ نفسه ما برح، لأنه لولا الأنس الذي يجده في مناجاته ما ترك فراشه وقام بين يديه، فكأن هذا قام محبة في سواه وهو لا يحب من أحب سواه إلا بإذنه، فإن الأنس الذي يجده في قلبه سواه بيقين. وكان يقول: ما أنس أحد بالله قط لعدم المجانسة بينه وبين عبده بوجه من الوجوه، وما أنس من أنس إلا بما من الله تعالى من التقريب الإلهي، لا بالله تعالى.


ومن هنا قامت الأكابر حتى تورمت منهم الأقدام لعدم اللذة التي يجدونها في عباداتهم، فإن اللذة تدفع الألم فلا يتورم لهم أقدام، فاعلم أن عبادتهم لله تعالى محض تكليف لا يدخلها اللذة، ولو دخلها لذة لكانوا عبيدها وهو مطهرون مقدسون عن العبودية لغير الله تعالى.


فاسلك يا أخي الطريق على يد شيخ حتى يخرجك من العلل وتصير تأتي العبادات امتثالا لأمر ربك لا غير ولا تريد بذلك جزاء ولا شكورا.


وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: إذا وقع لأحدكم تقريب في المواكب الإلهية فلا يقتصر على الدعاء في حق نفسه فيكون دنئ الهمة وإنما يجعل معظم الدعاء لإخوانه المسلمين. وقد من الله تعالى علي بذلك ليلة من الليالي لما حججت في سبع وأربعين وتسعمائة، فمكثت في الحجر أدعو لإخواني إلى قريب الصباح، فأعطاني الله تعالى ببركة دعائي لهم نظير جميع ما دعوته لهم بسهولة، ولو أني دعوت ذلك الدعاء لنفسي لربما لم يحصل لي ذلك، فالحمد لله رب العالمين.


وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لا تقتصروا في قيام رمضان على العشر الأواخر من رمضان، بل قوموه كله واهجروا نساءكم فيه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فإني رأيت ليلة القدر في ليلة السابع عشر منه قال: وقد أجمع أهل الكشف على أنها تدور في ليالي رمضان وغيره ليحصل لجميع الليالي الشرف، وبه قال بعض الأئمة أي إنها تدور في جميع ليالي السنة فإذا تمت الدورة افتتحت دورة ثانية، هكذا سمعته يقول: وظواهر الأدلة كلها يعطي تخصيصها بشهر رمضان وهو المعتمد فاعلم ذلك (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.


روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيره مرفوعا: من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر. وزاد الطبراني فقال أبو أيوب كل يوم بعشرة يا رسول الله؟ فقال: نعم قال الحافظ المنذري ورواة الطبراني رواة الصحيح.


وفي رواية لابن ماجه والنسائي مرفوعا: من صام ستة أيام بعد الفطر كان كصيام السنة، من جاء بالحسنة فله عشرة أمثالها.


وفي رواية للنسائي مرفوعا: فشهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة بشهرين، فذلك صيام سنة.


وفي رواية للطبراني مرفوعا قال الحافظ المنذري في إسناده نظر: من صام ستة أيام بعد الفطر متتابعة فكأنما صام السنة كلها. وفي رواية له أيضا مرفوعا: من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. والله تعالى أعلم." اهـ


عبدالقادر حمود 12-06-2012 05:03 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نتبع صوم رمضان بصوم ستة من أيام شوال تطهيرا لما عساه تدنس من غفلات يوم العبد، بأكل الشهوات التي كانت النفس محبوسة عن تناولها مدة صوم رمضان فربما أقبلت النفس بهمتها على أكل الشهوات في يوم العيد، وحصل لها فيه من الغفلة والحجاب أكثر مما كان يحصل لها لو تعاطت جميع الشهوات التي تركتها في رمضان، فكانت هذه الستة كأنها جوابر لما نقص من الآداب والخلل في صومنا لفرض رمضان كالسنن التابعة للفرائض أو كسجود السهو.


ومن هنا قال سيدي عليا الخواص: ينبغي الحضور والأدب في صوم هذه الستة أيام كما في رمضان بل أشد لأنها جوابر، وإذا حصل النقص في الجوابر لم يحصل بها المقصود، فيتسلسل الأمر فيحتاج كل جابر إلى جابر قال: ونظير ذلك تخصيص الشارع الجبر لخلل الصلاة والسجود دون القيام والركوع وغيرهما، لما ورد أنها حالة أقرب ما يكون العبد فيها مع ربه عز وجل فلا يقدر إبليس يدخل لقلب العبد فيها حتى يوسوس له، ولو جعل الجابر غير السجود لربما كان يوسوس للعبد فيحتاج الجابر لجابر آخر وإنما استحب بعض العلماء صومها متوالية غير متفرقة في الشهر لأن التوالي أقرب في جلاء الباطن من المتفرق ولذلك سن الأشياخ الخلوة على التوالي من ثلاثة أيام إلى أربعين يوما إلى أكثر من ذلك حسب القسمة الإلهية لتتوالى جمعية قلوبهم بالحق تعالى، كما يشهد لذلك حديث البخاري وغيره في تحنثه صلى الله عليه وسلم قبل النبوة بغار حراء. ومن هنا أمر الأشياخ مريديهم في حال الخلوة بالجوع وترك اللغو وتوالي الذكر وعدم النوم، وذلك لتتراكم الأنوار وتتقوى فينهزم جيش الشياطين، ويكون حزب الله هم الغالبون. وإيضاح ذلك أنه إذا تخلل الخلوة غفلة أو شبع أو لغو أو نوم فإن الظلمة تغلب على تلك الأنوار المتفرقة لكون الظلمة هي الأصل، إذا الطين هو الغالب في نشأة البشر على النور، فما لم يكون عسكر النور أقوى لم يخرج الإنسان عن الظلمة والكثافة، فقد بان لك حكمة صوم الستة أيام المذكورة، وحكمة صومها على التوالي والله يتولى هداك: {وهو يتولى الصالحين}.


روى مسلم واللفظ له وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي مرفوعا: صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية.


وفي رواية للترمذي مرفوعا: صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله.


وفي رواية لابن ماجه مرفوعا: من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة بعده. زاد في رواية الطبراني بإسناد حسن: ومن صام عاشوراء غفر له ذنوب سنة.


وروى الطبراني بإسناد حسن والبيهقي عن مسروق، أنه دخل على عائشة رضي الله عنها في يوم عرفة فقال اسقوني، فقالت عائشة يا غلام اسقه عسلا، ثم قالت: وما أنت يا مسروق بصائم؟ قال لا إني أخاف أن يكون الأضحى، فقالت عائشة ليس ذلك إنما عرفة يوم يعرف الإمام، ويوم النحر يوم ينحر الإمام، أو ما سمعت يا مسروق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدله بألف يوم؟ والألف يوم أكثر من سنتين.


وروى أبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. وكان ابن عمر يقول: لم يصم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة بعرفة، ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان وأنا لا أصومه، وكان مالك والثوري يختاران الفطر، وكان ابن الزبير وعائشة يصومان يوم عرفة، وروى ذلك عن عثمان بن أبي العاص، وكان إسحاق يميل إلى الصوم، وكان عطاء يقول أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف، وكان قتادة يقول: لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء. وقال الإمام الشافعي: يستحب صوم يوم عرفة لغير الحاج، فأما الحاج فالأحب إلى أن يفطر ليقويه على الدعاء وقال الإمام أحمد بن حنبل إن قدر على أن يصوم صام وإن أفطر فذلك يوم محتاج فيه إلى القوم. والله تعالى أعلم." اهـ



عبدالقادر حمود 12-06-2012 05:05 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نصوم يوم عرفة ولا نترك صومه إلا لعذر شرعي، كأن نكون بعرفات أو بنا مرض يشق معه الصوم ونحو ذلك. والحكمة في كراهة صومه للحاج أنه يوم تحط فيه الخطايا فيتأثر البدن ويضعف لقهره مع كمال تعشقه لجميع أهويته المكروهة لأنها لا تخرج إلا بجذب من البدن كدم الحجامة، فيحصل للبدن فتور وانحلال فلا يضاف إليه الجوع المقوي للانحلال، فكما يكره للصائم الحجامة كذلك يكره لمن وقف بعرفة الصوم وهذا من رحمة الله تعالى بعباده لأن النهي عن صومه للحاج إنما هو نهي شفقة عليه فمن خالف وصام وأظهر القوة فلا بد من إخلاله بالأعمال من وجه آخر كما جرب، هذا ما ظهر لي من الحكمة في هذا الوقت وهنا أسرار يعرفها أهل الله لا تسطر في كتاب. {والله غفور رحيم}.


روى مسلم وغيره مرفوعا: صيام يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية. ولفظ رواية ابن ماجه مرفوعا: صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده.


وروى الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه.


وروى الطبراني مرفوعا: من صام يوم عاشوراء غفر له ذنوب سنة.


وروى البيهقي وغيره من طرق مرفوعا: من وسع على عياله وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته. قال البيهقي وهذه الأسانيد وإن كانت ضعيفة فهي إذا ضم بعضها إلى بعض أحدثت قوة. والله تعالى أعلم." اهـ



عبدالقادر حمود 12-06-2012 05:06 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 


" (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نصوم عاشوراء ونوسع فيه على عيالنا بالطعام والكسوة وغير ذلك من كل ما هم محتاجون إليه، لكن بشرط أن يكون ذلك من وجه حل لا اعتراض للشريعة عليه فلا يؤمر من لم يجد المال الحلال أن يوسع على نفسه فضلا عن غيره، فيكون للآكل المهنأة وعليه هو الإثم، وقد أصبح عيال الفضيل بن عياض يوما وليس عندهم شيء يأكلونه فأرسل إليه الخليفة خمسمائة دينار فردها، فقال له العيال لو كنت أخذت منها نفقة يومنا، فقال: ما مثلي ومثلكم إلا كبقرة شردت من أهلها فصار كل من قدر عليها يطعنها أو يذبحها، ثم قطع قطيفة كانت تحت نصفين، وقال بيعوا هذه وأنفقوا ثمنها في هذا اليوم خير لكم من أن تطعنوه فضيلا أو تذبحوه، فعلم أن من جملة الكسب الذي لا يؤمر العبد بالتوسعة على العيال منه معلوم الوظائف التي لا يباشرها بنفسه ولا بنائبه، ومنه ما كان من هدايا التجار الذين يبيعون على الظلمة، ومنه هدايا من يأخذ البلص من أركان الدولة ومشايخ العرب، ومنه ما أرسله الناس إلى الشيخ اعتقادا في صلاحه فليس له قبوله ولا التوسعة به على عياله، لأن أكل الرجل بدينه من أقبح الكسب، و والله إن أكل خبز الحنطة الآن من غير أدم توسعة عظيمة، ولكن الناس لما تهوروا في أكل الشهوات والشبهات ولم يفتشوا على الحل صاروا لا يعدون التوسعة إلا بأكل ما فوق ذلك. وسيأتي قريبا في عيش النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأكل خبز الشعير غير منخول وما كان يسيغه إلا بجرعة من ماء، فتورع يا أخي ولا تحتج بالعيال وعدم صبرهم فإن في باب الإحسان إلى الأرقاء: أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون ومن لا يلائمكم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله. فكذلك القول في الزوجة والأولاد،ومن لا يلائمنا منهم نفارقه بالطلاق والفراق أو نخبره بين ذلك وبين الإقامة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسائه. هذا ما عليه أهل الله تعالى فاسلك طريقهم ولا تلبس على نفسك: وقد كان بشر الحافي يقول: لو أني أجبت العيال إلى كل ما طلبوه مني لخفت أن أعمل شرطيا أو مكاسا ولا أكفيهم. {والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.


روى الطبراني وابن حبان في صحيحه مرفوعا: <<يطلع الله تعالى إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن>>.


وروى البيهقي مرفوعا: <<أتاني جبريل عليه السلام فقال: هذه ليلة النصف من شعبان، ولله فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم بني كلب، لا ينظر الله إلى مشرك ولا إلى مشاحن، ولا إلى قاطع رحم، ولا إلى مسبل إزاره، ولا إلى عاق لوالديه ولا إلى مدين خمر>>.


وفي رواية الإمام أحمد فيغفر لعباده إلا اثنين مشاحن أو قاتل النفس.


وفي رواية للبيهقي مرفوعا: <<يطلع الله على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كماهم>>.


وروى ابن ماجه مرفوعا: <<إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلتها وصوموا يومها، فإن الله تبارك وتعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من مسترزق فأرزقه، ألا من مبتل فأعافيه ألا كذا، ألا كذا حتى يطلع الفجر>>.


قلت معنى ينزل ربنا أنه ينزل نزولا لائقا بذاته لا يتعقل، لأنه لا يجتمع مع خلقه في حد ولا حقيقة. ومن فوائد أخبار الصفات امتحان العبد هل يؤمن بها كما وردت، فيفوز بكمال الإيمان أم يؤولها فيحرم كمال مقام الإيمان. والله تعالى أعلم." اهـ


عبدالقادر حمود 12-06-2012 05:08 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 


" (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نقوم ليلة النصف من شعبان، ونصوم نهارها ونستعد لها بالجوع الشاق وقلة الكلام والصمت، فإن من يشبع ليلتها وأكثر اللغو من الكلام والغفلة عن الله تعالى لا يذوق لما فيها من الخيرات طعما، ولو سهر فهو كالجماد الذي لا يحس شيئا، وما حث الشارع العبد على الاستعداد لحضور المواكب الإلهية إلا ليشعر بذلك فاته خير كبير، فعلم أنه يجب على كل مؤمن أن يتوب من جميع ما ورد في الحديث أنه يمنع حصول المغفرة لصاحبة ليلة النصف من شعبان قبل دخول ليلة النصف كالمشاحن بغير عذر شرعي، وكأخذ العشور من المكس وكالعقوق للوالدين ونحو ذلك، فيجب السعي في إزالة ما عندنا من الشحناء وما عند غيرنا منها في حقنا ولو بإرسال كلام طيب أو مدح بين الأقران ونحو ذلك، كإهداء هدية وبذل مال لننال الرحمة والمغفرة من الله تعالى في تلك الليلة ولا نتهاون بالمبادرة في إزالة الشحناء إلى ليلة النصف، فربما يتعسر علينا إزالة ما عندنا أو عند المشاحن لنا من الحقد الكمين، فتفوتنا المغفرة تلك الليلة.


وبالجملة فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ ليخرجه من محبة الدنيا وأغراضها ومناصبها، وطلب المقام عند أهلها، ومن لم يسلك كذلك فمن لازمه غالبا الشحناء بواسطة الدنيا إما لكونه يحوف على الناس أو هم يحوفون عليه، ولذلك قل العاملون بهذا العهد حتى من العلماء ومشايخ الزوايا فتراهم تدخل عليهم ليلة النصف من شعبان وأحدهم مشاحن أخاه ولا يبالي بما يفوته من المغفرة العظيمة.


وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: يجب على قاطع الرحم المبادرة قبل ليلة النصف من شعبان إلى زوال القطيعة، وكذلك الحكم في جميع ما ورد فيه التجلي الإلهي كالثلث الأخير من الليل في جميع ليالي السنة، فيجب عليه أن يتوب من جميع الذنوب وإلا لم يكن من أهل دخول حضرة الله عز وجل ولو وقف يصلي فصلاته لا روح فيها.


وسمعت سيدي محمد بن عنان رحمه الله يقول: تجب المبادرة على قاطع الرحم إلى صلة الرحم ولا يؤخر الصلة حتى تدخل ليلة النصف، فربما يتعسر صلتها تلك الليلة، وكذلك تجب المبادرة إلى بر الوالدين على كل من كان عاقا لوالديه، وكذلك يجب علينا إذا كان أحد من معارفنا عشارا أو مكاسا أن نأمره بالتوبة عن تلك الوظيفة والعزم على أن لا يعود إليها لينال المغفرة تلك الليلة، فإن الله تعالى أخبر أنه لا يغفر لأهل هذه الذنوب ولا يرفع لهم إلى السماء عملا، وذلك عنوان الغضب من الله تعالى عليهم، نسأل الله اللطف.


فاعلم أن التوبة عن هذه الأمور وإن كانت واجبة على الدوام فهي في ليلة النصف آكد كما قالوا يستحب للصائم أن يصون لسانه عن الغيبة والنميمة في رمضان، ومعلوم أن ذلك واجب في رمضان وغيره، ولكن لما توقف كمال العبادة على ذلك استحب من تلك الحيثية فافهم. والله تعالى أعلم.


روى الترمذي وقال حديث حسن مرفوعا: <<تعرض أعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم>>.


وروى مالك وأبو داود والترمذي والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم الاثنين والخميس، فقال رجل: يا رسول الله إنك تصوم الاثنين والخميس فقال: إن يوم الاثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم إلا المتهاجرين، يعين بغير حق فيقول دعوهما حتى يصطلحا.


وفي رواية للطبراني مرفوعا: <<تنسخ دواوين أهل الأرض في دواوين أهل السماء في كل اثنين وخميس فيغفر لكل مسلم ولا يشرك بالله شيئا إلا رجلا بينه وبين أخيه شحناء>>.


وروى الطبراني ورواته ثقات مرفوعا: <<تعرض الأعمال في يوم الاثنين والخميس فمن مستغفر فيغفر له، ومن تائب فيتاب عليه، ويرد أهل الضغائن بضغائنهم حتى يتوبوا>>.


وروى ابن ماجه والنسائي والترمذي وقال حسن عن عائشة قالت: <<كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم الاثنين والخميس>>. والله تعالى أعلم." اهـ






الساعة الآن 03:46 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى