منتديات البوحسن

منتديات البوحسن (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   المكتبة الاسلامية (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=24)
-   -   لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=8213)

عبدالقادر حمود 12-04-2012 08:35 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذا كان لنا دين على معسر أن ننظره ونضع عنه امتثالا لأمر الشارع صلى الله عليه وسلم وطلبا لمرضاته، فإنه لا يأمرنا قط إلا بما فيه النفع لنا في الدنيا والآخرة، لكن بشرط الإخلاص لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الرياء والسمعة، فربما سامح أحدنا المعسر ببعض ما عليه بحضرة الناس ليقال، ولو أنه لم يعلم به إلا الله تعالى لربما كان يثقل عليه ولا ينشرح له صدره، فلينتبه من يفعل المعروف لمثل ذلك ويفتش نفسه التفتيش المبرئ للذمة، فمن حاسب نفسه في هذه الدار خف حسابه في الدار الآخرة، وإن وقع له حساب فإنما هو في أمور لم يحاسب نفسه عليها في دار الدنيا. واعلم أنه ليس مراد الحق تعالى بالحساب إلا إقامة الحق على العبد وبيان فضله وحلمه عليه لا غير، وإلا فالعبد ليس معه شيء يدفعه لسيده،فاعلم ذلك واعمل عليه والله يتولى هداك: {وهو يتولى الصالحين}.


روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: ما من يوم يصبح على العباد إلا وملكان ينزلان من السماء فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا.


ولفظ رواية ابن حبان في صحيحه مرفوعا: ما من يوم يصبح على العباد إلا وملك بباب من أبواب الجنة يقول: من يقرض اليوم يجد غدا، وملك بباب آخر يقول: اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا.


وكذلك رواه الطبراني، إلا أنه قال: بباب السماء. قلت: قال بعض المحققين: والمراد بقول الملك اللهم أعط ممسكا تلفا. أي إنفاقا في وجوه الخير لأن الملك من عالم الخير فلا يدعو بفساد، كما يقال فلان أتلف نفسه وماله في مرضاة الله تعالى، وأما على ما يتبادر إلى الأذهان فالمتلف لماله إنما عليه الإثم وهو يدعو بالإثم فافهم. والله تعالى أعلم.


وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: قال الله عز وجل أَنفق، أُنفق عليك.


وروى مسلم والترمذي مرفوعا: ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف. والكفاف ما كف من الحاجة إلى الناس مع القناعة لا يزيد على قدر الحاجة، والفضل ما زاد على قدر الحاجة.


وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها، قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بإصبعه هكذا في جنته يوسعها. والجنة بضم الجيم والنون: كل ما وقى الإنسان، وتضاف إلى ما يكون منفعة، وقلصت: أي انجمّت وتشمرت وهو ضد استرخت وانبسطت. قال الحافظ المنذري: والمراد بالجنة هنا الدرع لأنه يجن المرء ويستره، ومعنى الحديث: أن المنفق كلما أنفق طالت عليه وسبغت حتى تستر بنان رجليه ويديه، والبخيل كلما أراد أن ينفق لزقت كل حلقة بمكانها فهو يوسعها ولا تتسع، شبه صلى الله عليه وسلم نعمة الله ورزقه بالجنة. وفي رواية بالجبة بالباء الموحدة، فالمنفق كلما أنفق اتسعت عليه النعم وسبغت ووفرت حتى تستره سترا كاملا شاملا، والبخيل كلما أراد أن ينفق منعه الحرص والشح وخوف النقص، فهو يمنعه طلبا للمزيد والسعة زيادة على ما عنده فلا تزيد النعم عليه ولا تتسع ولا يستر بها ما يريد ستره. والله أعلم.


وروى الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقيس بن سلع الأنصاري: أنفق ينفق الله عليك قالها ثلاث مرات. وكان يقلل النفقة فأنفق فصار أكثر أهله مالا.


وروى البزار بإسناد حسن والطبراني: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على بلال وعنده صبر من تمر، فقال ما هذا يا بلال؟ قال أعددته لأضيافك قال: أما تخشى إن يكون لك دخان من جهنم، أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا. وفي رواية للطبراني: أما تخشى أن يكون لك بخار في جهنم.


وروى الشيخان وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت أبي بكر: لا توكي فيوكأ عليك. وفي رواية لهما: أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك. قال الخطابي ومعنى لا توكي لا تدخري، والإيكاء: سد رأس الوعاء بالوكاء، وهو الرباط الذي يربط له. يقول لا تمنعي ما في يدك، فيقطع الله مادة بركة الرزق عليك.


وروى البزار والحاكم وقال صحيح الإسناد عن بلال، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال مت فقيرا ولا تمت غنيا. [فقلت؟؟] وكيف لي بذلك؟ قال: ما رزقت فلا تخبأ، وما سئلت فلا تمنع. فقلت: يا رسول الله، وكيف لي بذلك؟ قال: هو ذاك أو النار


وروى الطبراني بإسناد حسن أن طلحة بن عبيد الله جاءه مال كثير في يوم، فقال لغلامه أدع لي قومي فدعاهم، فقسمه عليهم ولم يبق لنفسه شيئا وكان أربعمائة ألف.


وروى الطبراني أن عمر بن الخطاب أرسل أربعمائة دينار مع الغلام إلى أبي عبيدة بن الجراح، وقال للغلام تلبث عنده في البيت ساعة لتنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه وقال أمير المؤمنين يقول لك اجعل هذه في بعض حوائجك، فقال وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالى يا جارية اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة أيضا إلى فلان حتى أنفذها كلها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل، فقال اذهب بهذه إلى معاذ ابن جبل وقف في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام وقال: يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجاتك، فقال رحمه الله ووصله ثم قال: تعالى يا جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا وإلى بيت فلان بكذا، فاطلعت امرأة معاذ فقالت، ونحن والله مساكين فأعطنا فلم يبق في الخرقة إلا ديناران فأرسلهما إليها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك وقال إنهم أحوج بعضهم من بعض.


وروى الطبراني وابن حبان في صحيحه عن سهل قال: كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة دنانير فوضعها عند عائشة، فلما كان عند مرضه قال: يا عائشة ابعثي بالذهب إلى علي. ثم أغمي عليه وشغل عائشة، حتى قال ذلك مرارا، كل ذلك ويغمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشغل عائشة ما به، فبعث إلى علي فتصدق بها، وأمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديد الموت ليلة الاثنين، فأرسلت عائشة بمصباح لها إلى امرأة من نسائها فقالت: اهدي لنا في مصباحنا من عكتك السمن فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسى في حديد الموت.


وروى الطبراني والإمام أحمد ورجاله رجال الصحيح عن أبي ذر قال: إن خليلي صلى الله عليه وسلم عهد إلي قال: إن كل ذهب أو فضة أوكي عليه فهو جمر على صاحبه حتى يفرغه في سبيل الله. وقالت له الجارية يوما دعني أثبت عندنا هذه السبعة دنانير لما ينوبك من الحوائج أو لما ينزل بك من الضيوف فأبى. وفي رواية للطبراني مرفوعا: من أوكأ على ذهب أو فضة ولم ينفقه في سبيل الله كان جمرا يكوى به.


وروى أبو يعلي والبيهقي عن أنس ورواته ثقات قال أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث طوائر فأطعم خادمه طائرا، فلما كان من الغد أتت الخادم بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد فإن الله تعالى يأتي برزق غد.


وروى ابن حبان في صحيحه والبيهقي عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد.


وروى الطبراني بإسناد حسن مرفوعا: إني لألج هذه الغرفة ما ألجها إلا خشيت أن يكون فيها مال فأتوفى ولم أنفقه. والغرفة العلية.


وروى البزار مرفوعا: ما أحب أن لي أحدا ذهبا أبقى صبح ثالثة وعندي منه شيء إلا شيئا أعده لدين.


وروى الإمام أحمد والطبراني أن رجلا توفى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الصفة فلم يوجد له كفن فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انظروا إلى داخل إزاره فوجدوا دينارا أو دينارين، فقال: كَيَّتان أو كيّة من نار. وفي رواية: فوجدوا دينارا فقال: كية من نار. قال الحافظ المنذري: وإنما جعل صلى الله عليه وسلم ذلك الدينار أو الدينارين كيّتَين أو كيّة من نار، لأنه ادخر مع تلبسه بالفقر ظاهرا، وشارك الفقراء فيما يأتيهم من الصدقة والأحاديث في ذلك كثيرة. والله تعالى أعلم." اهـ


عبدالقادر حمود 12-04-2012 08:38 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن ننفق جميع ما دخل يدنا من المال على أنفسنا وعيالنا وأصحابنا وغيرهم، ولا ندخر منه شيئا إلا لغرض صحيح شرعي لا تلبيس فيه، وكذلك نبادر بالصدقة لكن بنية صالحة من غير تهور فيها، وعلى السائل الصبر حتى تحرر النية، ولا ينبغي له المبادرة إلى سوء الظن ورمينا بالبخل ولو مكثنا شهرا حتى نجد لنا نية صالحة، وهذا العهد يخل به كثير من الناس، فلا المعطي يتربص حتى يجد نية، ولا الفقير يصبر: وخلق الإنسان عجولا.


ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك على يد شيخ ناصح يخرجه من شح الطبيعة إلى حضرة الكرم، حتى لا يشح على محتاج إلا لحكمة دون بخل، ومن لم يسلك فلا سبيل له إلى العمل به ولو صار من أعلم الناس فإن العلم بمجرده محتف بآفات يتيه بها العبد عن طريق الوصول إلى العمل بما علم.


ومن كلام سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه: إنما احتاج العلماء إلى شيخ يربيهم مع ذلك العلم العظيم الكثير لعدم إخلاص نيتهم فيه ودخول الإعجاب فيه، وطلب أحدهم أن يصرف وجوه الناس إليه، ولو أنهم سلموا من الآفات وأتوا حضرة العمل بلا علة لَنَارت قلوبهم بالعلم وأشرفوا على حضرة الله عز وجل، ولهان عليهم بذل نفوسهم في مرضاة الله تعالى، فضلا عن شيء من أعراض الدنيا.


فلا تطمع يا أخي بهذا العهد بنفسك من غير شيخ تقتدي به فإن ذلك لا يصح لك، بل من شأنك أن تكون جموعا منوعا حتى تموت كما هو مشاهد في غالب الناس، حتى رأيت بعض الناس وهو يسأل من بعض شيوخ العرب الظلمة أن يرتب له خبزا من صدقته، فقلت له في ذلك، فقال: الضرورات تبيح المحظورات، فقومت ثيابه وفرسه فوجدت ثمنها نحو ألفين ونصفا، فقلت له: أين الضرورة؟ فما دري ما يقول: فسألت عنه بعض من يعامله، فوجدت له مع الناس نحو عشرة آلاف دينار، فقلت له: أتلبس على الله ما هو مليح؟ فقال لي: كان الواحد من الصحابة يملك العشرة آلاف دينار أو أكثر فقلت له وكان مع ذلك لا يدخرها عن محتاج فلم يجد جوابا، ولو أنه كان سلك طريق أهل الله تعالى لأغناه الله عن السؤال بمال حلال أو بقناعة، وذلك أن السالك على مصطلح أهل الله تعالى طريقة الذكر، ومن خاصيته جلاء القلب من ظلمات الرعونات النفسانية حتى يشرف على الجزاء الجسماني أو الروحاني الذي وعد الله به المنفقين والمتصدقين في الدار الآخرة، فإذا أشرف على ذلك صغرت عنده الدنيا بأسرها فيصير يبادر لإنفاقها، ولو منعوه جهرا أنفق سرا لما يرى لنفسه في ذلك من المصلحة ولا هكذا من يعلم أحكام الله على التقليد مع تعاطي شهوات النفوس من أكل وشرب ولباس ومركب ومَنْكَح وغير ذلك من الأمور التي لا تكمل له إلا بالدنيا، فلا يكاد ينفق شيئا من مرضاة الله تعالى إلا إن اكتفت نفسه من شهواتها والشهوات لا قرار لها إذ كل شهوة تجذبه إليها، ولو كان له في كل يوم مائة دينار ما كفته.


واعلم يا أخي أنه قد ورد: إن العبد ليرزق سنة في شهر، فإن رفق به كفاه وإلا احتاج في بقية سنته، وإن العبد ليرزق رزق شهر في جمعه، فإن رفق به كفاه وإلا احتاج في بقية الشهر، وإن العبد ليرزق رزق جمعة في يوم، فإن رفق به كفاه وإلا احتاج في بقية جمعته. وهذا محمول على من كان ضعيف اليقين كما يدل عليه نحو قوله صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك. وقوله لبلال: أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا فافهم.


فلا ينبغي لمن معه ما يزيد على حاجته أن يتصدق به إلا إن يكون قوي اليقين من الأغنياء أو من المتجردين. أما من يأكل من كسب ربحه، فله أن يمسك رأس ماله وما بقي من ربحه ينفقه على الأقارب وغيرهم، وربح الألف الآن خمسة أنصاف كل يوم للعامل، فمن لا يكفيه لنفقته ونفقة عياله وضيوفه كل يوم إلا عشرة أنصاف فله أن يمسك الألفي دينار أو أكثر بحسب حاجته ومن يكفيه كل يوم نصف فله أن يمسك نصفا وقس على ذلك، وليس اللوم إلا على من يجمع ويمنع، نسأل الله اللطف.


وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لكل خلق من أخلاق النبوة كرب في مقابلة تركه يوم القيامة، فمن لم يطعم لله جاء يوم القيامة جيعانا، ومن لم يسق الماء لله جاء يوم القيامة عطشانا، ومن آذى الناس جاء يوم القيامة يؤذي، ومن لم يستر مسلما لله جاء يوم القيامة مهتوكا مكشوف السوءة على رؤوس الأشهاد، ومن لم يسامح أحدا في حقه كان يوم القيامة تحت أسر من له عليه حق، ومن ازدرى بالناس ازدري هناك، وهكذا فلا يجني أحد إلا ثمرة عمله في الدنيا والآخرة كما ستأتي الإشارة إلى ذلك في أحاديث العهد الثالث إن شاء الله تعالى.


ومن وصية سيدي سالم أبي النجاء الفوي رضي الله عنه لأصحابه وهو محتضر: اعلموا يا إخواني أن الوجود كله في الدنيا والآخرة يعاملكم بحسب ما برز منكم من الأعمال، فانظروا كيف تكونون. {والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.


وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: ( إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها بما اكتسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا ).


وفي رواية إذا تصدقت بدل أنفقت.


وروى أبو داود أن أبا هريرة سأل عن تصدق المرأة من بيت زوجها قال: لا إلا من قوتها والأجر بينهما ولا يحل لها أن تتصدق من مال زوجها إلا بإذنه فزاد الحافظ وزين العبدري في جامعه فإن أذن لها فالأجر بينهما فإن فعلت بغير إذنه فالأجر له والإثم عليها.


وروى أبو داود والنسائي مرفوعا: (لا يجوز لامرأة قط عطية إلا بإذن زوجها).


وروى الشيخان وغيرهما عن أسماء بنت أبي بكر قالت: يا رسول الله ما لي مال إلا ما أدخل به على الزبير أفأتصدق؟ فقال: تصدقي ولا توعي فيوعي الله عليك ).


وفي رواية لهما أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: ارضخي ما استطعت ولا توعي فيوعي الله عليك.


وروى الترمذي بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة عامة حجة الوداع لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها قيل يا رسول الله ولا الطعام قال: ذلك أفضل أموالنا. والله تعالى أعلم." اهـ



عبدالقادر حمود 12-06-2012 04:33 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نأذن لزوجاتنا في التصدق بما جرت به العادة من مالنا ولا نمنعهن من ذلك طلبا لنزول الرحمة على بيتنا في غيبتنا وحضورنا، ولتدوم النعمة أيضا علينا، وهذا العهد يخل به كثير من الناس فيمنع زوجته أن تتصدق برغيف أو مغرفة طعام على فقير، فيكون ذلك سببا لتضييق الرزق على أهل البيت، وكذلك لا نمنعها أن تقري الضيف في غيبتنا على طريق العرب العرباء، لكن من غير مخالطة للضيوف والأجانب، وقد كان على هذا القدم سيدي الشيخ عثمان الحطاب، والحافظ الشيخ عثمان الديمي فكان كل منهما يذهب إلى بيت الآخر في غيبته، ويجلس مع امرأة أخيه وتخرج له ما يأكل وما يشرب، فكانا من أولياء الله تعالى ،


لكن أنى لنا في هذا الزمان أن يظفر أحدنا بأخ صالح يأمنه على الخلوة بعياله بحيث لا يتخلله تهمة فيه، فوالله لقد قل الصادقون الذين يؤتمنون على مثل ذلك، فنوصي عيالنا أن يخرجوا للضيف ما يأكل وما يشرب مع الخادم ولا يختلطن به.


واعلم يا أخي أنه كلما كثر طعامك للناس كلما كثرت النعمة عليك، فإن الله تعالى يسوق لكل عبد من الرزق بقدر ما يعلم في قلبه من السخاء والكرم، فمنهم من يكون عنده قوت خمسة أنفس، ومنهم من يكون عنده قوت عشرة، وهكذا إلى الألف نفس أو أكثر، فتعرف مراتب الناس في الكرم بقدر عيالهم، وقد يكون بعض الأولياء يطلب لنفسه الخفاء والتجرد، فلا يكون عنده أحد وهو في غاية الكرم، ويود أن لو كان كل من في الدنيا عائلته، فمثل هذا يعطيه الله تعالى في الآخرة أجر من عال جميع الخلق وراثة محمدية، فيحصل له هذا الثواب العظيم مع الخفاء وعدم الشهرة، فإن الله هو الرزاق للعبد، ومن كان هذا مشهده فكثرة العيال وقلتهم عنده سواء لا يتحمل هما من جهتهم أبدا ولو أنهم كلهم كانوا متوجهين إلى الله دونه ما تأثر من جهتهم قط ولا حمل هما من جهتهم أبدا وإنما يلحقه بعض كرب إذا توجهت العائلة إليه من حيث كونه واسطة مع عدم شهودهم أن الله هو الرزاق، فيقصرون أجرهم على ذلك العبد فيؤثرون فيه الضيق والكرب حتى يصل إليهم رزقهم الذي قسمه الله لهم على يده، ولو أنهم كلهم كانوا متوجهين إلى الله دونه ما تأثر من جهتهم قط ولا حمل هما.


وقد كان سيدي أحمد الزاهد يقول: وعزة ربي لو كان أهل مصر كلهم عيالي ما طرقني هم أبدا لعلمي بأن القسمة وقعت في الأزل فلا زيادة ونقص، ولا يقدر أحد يأكل لقمة قسمت لغيره وتعويق الرزق عن العبد إنما هو تأديب له أو اختبار أو رفع درجة. قلت: وقد من الله تعالى علينا بذلك فلو كان جميع من في الأرض كلهم عيالي ما اهتممت لهم إلا من جهة توجههم إلى قصور بصرهم أو لكونهم لا يستحقون ما طلبوه مني لتركهم الصلاة وتعديهم الحدود ونحو ذلك فالحمد لله رب العالمين.


ولا تصل يا أخي إلى العمل بهذا العهد إلا بالسلوك على يد شيخ مرشد يوصلك إلى شهود ما ذكرناه، وإلا فمن لازمك الاهتمام بالرزق وترادف الأوهام المكدرة عليك حتى لا تكاد ترجع إلى شهود أن الله تعالى فرغ من قسمة الرزق إلا بعد تأمل وتفكر، وهناك تعلم أن إيمانك مدة الاهتمام بالرزق ناقص وأنه يجب عليك تجديد إيمانك كلما حصل عندك اهتمام بالرزق، ولو أنك سلكت الطريق لم يطرقك اتهام الله تعالى ولا اهتمام بما وعد الله بحصوله لك أو لغيرك، ولا منعت زوجتك من الصدقة في ليل أو نهار إلا لعذر شرعي. فاسلك يا أخي على يد شيخ يخرجك من ظلمات الاتهام والأوهام، والله يتولى هداك: {وهو يتولى الصالحين}.


روى أبو داود والنسائي واللفظ له وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهما مرفوعا: من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه. وفي رواية للطبراني: حتى تعلموا أنكم شكرتموه، فإن الله تعالى شاكر يحب الشاكرين.


وروى الترمذي وأبو داود وابن حبان في صحيحه مرفوعا: من أعطى عطاء فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثن فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر.


وفي رواية للترمذي مرفوعا وقال حديث حسن: من صنع إليه معروف، فقال لفاعله جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء.وفي رواية له: من أسدى إليه بمعروف فقال للذي أسداه جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء.


وروى الإمام أحمد ورواته ثقات والطبراني مرفوعا: إن أشكر الناس لله تعالى أشكرهم للناس. وفي رواية لأبي داود والترمذي وقال حديث صحيح: لا يشكر الله من لا يشكر الناس. قال الحافظ المنذري: روى هذا الحديث برفع الله وبرفع الناس، وروى أيضا بنصبهما وبرفع الله وبنصب الناس وعكسه، أربع روايات.


وروى الطبراني وابن أبي الدنيا مرفوعا: من أولى معروفا فليذكره فمن ذكره فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره>>. وروى ابن أبي الدنيا وغيره مرفوعا بإسناد لا بأس به: من لم يشكر القليل لا يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لا يشكر الله والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر>>.


وروى أبو داود والنسائي واللفظ له: قال المهاجرون يا رسول الله ذهب الأنصار بالأجر كله؟ ما رأينا قوما أحسن بذلا للكثير، ولا مواساة في القليل منهم، ولقد كفونا المؤونة، قال أليس تثنون عليهم به وتدعون لهم؟ قالوا بلى، قال: فذاك بذاك. والله تعالى أعلم." اهـ


عبدالقادر حمود 12-06-2012 04:40 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نشكر كل من أسدى إلينا معروفا ونكافئه على ذلك ولو بالدعاء أدبا مع الشارع في أمره لنا بذلك، وقد كثرت الخيانة لهذا العهد من غالب الناس، حتى صرت تربي اليتيم إلى أن يصير له أولاد ولا يتذكر لك نعمة ولا يحفظ معك أدبا، وصار من وقع له ذلك يحذر من يريد يفعل مثله مع الناس، فبتقدير أن المنعم من أولياء الله تعالى لا يلتفت إلى شكره، فالمنعم عليه لا يستحق ذلك كما سيأتي، والكمل على الأخلاق الإلهية، والله عز وجل يحول النعم حين تكفر.


فاشكر يا أخي من أسدى معروفا لكن من غير وقوف معه، فتراه كالقناة الجاري لنا منها الماء أو كالأجير الذي يغرف لنا من طعام رجل غيره بأجرة جعلها له.


ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك على يد شيخ مرشد حتى يصل به إلى حضرة الإحسان ويرى الأمور كلها لله تعالى كشفا وشهودا، ويصير يرى النعم من الله تعالى ببادئ الرأي ولا يضيفها إلى الخلق إلا بعد تأمل وتفكر، عكس من لم يسلك الطريق، فإنه لا يكاد يشهد النعمة من الله تعالى إلا بعد تفكر وتأمل.


فاسلك يا أخي الطريق لتفوز بالأدب مع الله تعالى ومع خلقه كما أمرك، فقال تعالى: {أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير}. وقد قرن الله تعالى السعادة بشهود الأمور كلها من الله، وقرن الشر بشهودها من الخلق، ومقام الكمال في السعادة شهود الأمور كلها ببادئ الرأي من الله خلقا وإيجادا، ومن العبد نسبة وإسنادا لأجل إقامة الحدود وكأن لسان الحق تعالى يقول: من قتل نفسا بغير حق فاقتلوه، ولو شهدتم أني قدرت عليه ذلك أو أني أنا الفاعل، كما قال: {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم}. فلا يسعنا إلا امتثال الأمر، وكذلك الحكم على الزنا وشرب الخمر ونحوهما فكأنه قال تعالى من ظهر من جوارحه كذا فافعلوا به كذا، فيقول سمعا وطاعة، وأكثر الناس عمي عن تحقيق هذه المسألة فإما يضيفونها إلى الله تعالى فقط أو إلى الخلق فقط، لكن من يضيفها إلى الله وحده أكبر أدبا ممن يضيفها إلى الخلق وحدهم غافلا عن الله تعالى.


وقد رأيت شخصا من خطاب الجامع الأزهر رسم له السلطان سليم بن عثمان مائة دينار لما صلى الجمعة في الجامع الأزهر وكانت نوبته تلك الجمعة، فجاءه رفيقه ومنعه عن الخطبة ذلك اليوم لأجل المائة دينار، فصار الخطيب الممنوع يحط على المانع وصرت أقول له: إن الله تعالى لم يقسم لك شيئا، فيقول: هذا قد تسبب في قطع رزقي، فقلت له: ولو تسبب فليس هو بقاطع إنما هو آلة للقدرة الإلهية والحكم لمن حرك الآلة، فحكمت حكم من ضرب بعصا فصار يسب العصا، أو غرف له طعام بمغرفة فصار يمدح المغرفة ويشكرها بين الناس وينسى الفاعل بتلك الآلة، فهذا حكمه على حد سواء عند أهل التحقيق، ولا يخفى ما في ذلك من قلة العقل. ثم قلت له: أين قولك في الخطبة كل جمعة: والله ثم والله لا يعطي ويمنع ويضع ويرفع إلا الله؟ فقال قطعتني بالحجة،


ولو أن هذا سلك الطريق وبني أمره على التوحيد الكامل ما توقف في ذلك ولا احتاج إلى مجاهد ولا عادى أحدا عارضه في طريق وصوله إلى رزقه، بل كان يرى كل شيء عورض فيه أن الله تعالى لم يقسمه له فلا يتعب نفسه. فاعلم ذلك واسلك طريق القوم إن أردت العمل بهذا العهد على وجه الكمال لتكون من أهل السنة والجماعة، والله يتولى هداك {وهو يتولى الصالحين}.


واعلم أن كفران النعم للوسائط مما يحولها، وإذا حولت فلا يقدر من كفرت نعمته أن تجري لك نعمة على يديه: {سنة الله التي قد خلت في عباده}. لأن كفران النعمة يقطع طريقها، فبتقدير أن من كفرت نعمته لا يؤاخذك، فأنت لا تستحق تلك النعمة فلا بد من وجود صفة الاستحقاق في المنعم عليه، وعدم كفرانه نعمة من كان واسطة فيها من زوج ووالد وسيد ونحوهم، وقد كثر كفران النعم في هذا الزمان من الزوجة والأولاد والأرقاء والمريدين، وبذلك تعسرت عليهم الأرزاق، وكلما تأخر الزمان زاد على الناس الأمر في تعسير الأرزاق وفي تحويلها عنهم بالكلية، لقلة الشكر بالعمل من قيام الليل وغيره حتى تتورم منهم الأقدام، فإن الشكر بالقول ما بقي يكفي لغالب النعم في هذا الزمان لكون الموازين قد أقيمت فيه على الناس لقرب الساعة، وما قارب الشيء أعطى حكمه ولقلة الإخلاص في القول، وقد قال تعالى في حق آل داود: {اعملوا آل داود شكرا}. ولم يقل قولوا أل داود شكرا، وهذه الأمة المحمدية أولى بأن يشكروا بالعمل لأنهم أعظم نعمة بنبيهم وشريعتهم، فليتنبه من كان غافلا عن ذلك ليدوم الماء في مجاريه.


وقد كان الشيخ عصيفير المجذوب المدفون بخط بين السورين بمصر، كلما رأى حوضا مملوء للبهائم يفتح بالوعته فيسبح على الأرض ويقول للذي يملؤه أنت أعمى القلب، فإن أهل هذا الزمان صاروا لا يستحقون رحمة ولا نعمة لكثرة عصيانهم ومخالفتهم، فقال يا سيدي: إنما هذا البهائم فقال إنها تحملهم إلى مواضع المعاصي فكان يتكلم على لسان أحوال الزمان بلسان الحقيقة دون لسان الشريعة لكونه مجذوبا، وكان مراده مما قاله تنبيه الناس إلى المشي على طريق الاستقامة لتدوم عليهم النعم وإلا فالحق لا يستحقون على الله تعالى شيئا مطلقا، وإنما جميع نعمه عليهم من باب الفضل والمنة. والله تعالى أعلم.


روى الشيخان وغيرهما واللفظ للبخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا صام أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم، والذي نفس محمد بيده لَخَلُوفِ فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر وإذا لقي ربه فرح بصومه.


وفي رواية لمسلم: كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي.


وفي رواية لمالك وأبي داود والترمذي: وإذا لقي الله عز وجل فجزاه فرح الحديث. قلت: وإنما كان الصائم يفرح بهذين الشيئين لأن الإنسان مركب من جسم وروح فغذاء الجسم الطعام وغذاء الروح لقاء الله. والله أعلم. قال الحافظ: ومعنى قوله الصيام جنة بضم الجيم وما يجن العبد ويستره ويقيه مما يخاف، فقال: ومعنى الحديث: إن الصوم يستر صاحبه ويحفظه من الوقوع في المعاصي. والرفث يطلق ويراد به الجماع ويطلق ويراد به الفحش، ويطلق ويراد به خطاب الرجل للمرأة فيما يتعلق بالجماع. وقال كثير من العلماء: المراد به في هذا الحديث الفحش ورديء الكلام. والخلوف: بفتح الخاء وضم اللام هو تغير رائحة الفم من الصيام.


وروى الطبراني والبيهقي مرفوعا: <<الصيام لله عز وجل لا يعلم ثواب عامله إلا الله عز وجل


وروى الطبراني ورواته ثقات مرفوعا: صوموا تصحوا. وروى الإمام أحمد بإسناد جيد والبيهقي مرفوعا: الصيام جنة وحصن حصين من النار. وفي رواية لابن خزيمة في صحيحه: الصيام جنة من النار كجنة أحدكم من القتال.


وروى الإمام أحمد والطبراني والحاكم ورواتهم محتج بهم في الصحيح مرفوعا: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة. فيقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشراب والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيشفعان. وروى ابن ماجه مرفوعا: <<لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم>>.


وروى البيهقي مرفوعا: إن للصائم عند فطره لدعوة لا ترد. وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه واللفظ له وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه مرفوعا: ثلاث لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر.


وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا قال الحافظ: قد ذهب طوائف من العلماء إلى أن الحديث في فضل الصوم في الجهاد وبوب على ذلك الترمذي وغيره، وذهبت طائفة إلى أن كل صوم في سبيل الله إذا كان خالصا لله تعالى. والله أعلم." اهـ



عبدالقادر حمود 12-06-2012 04:43 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 


"(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن يكون معظم محبتنا للصوم من حيث كون الله تعالى قال {الصوم لي}، لا من حيثية أخرى كطلب ثواب أو تكفير خطيئة ونحو ذلك، فإن من عمل لله تعالى كفاه هم الدنيا والآخرة وأعطاه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فضلا عن الثواب وتكفيرا الخطايا، وغيرهما من الأغراض النفسانية في الدنيا والآخرة، ولم يبلغنا عن الله تعالى أنه قال في شيء من العبادات إنه له خالصا إلا الصوم، فلولا مزيد خصوصية ما أضافه إليه.


وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: معنى قوله تعالى {الصوم لي} يعني من حيث إنه صفة صمدانية ليس فيه أكل ولا شرب ولذلك أمر الصائم أن لا يرفث ولا يفسق، ولا يقول الهجر من الكلام أدبا مع الصفة الصمدانية التي تلبس بنظير اسمها.


وقال سفيان بن عيينة في معنى قوله تعالى: {كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به}. قال: إذا كان يوم القيامة يحاسب الله تعالى عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم فيحمل الله تعالى ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة وهو كلام غريب.


ومن فوائد الصوم أن يسد مجاري الشيطان من بدن الصائم ويصير عليه كالجنة فلا يجد الشيطان من بدنه مسلكا يدخل إلى قلبه منه من العام إلى العام، ومن الاثنين إلى الخميس أو من الخميس إلى الاثنين، أو من الأيام البيض إلى الأيام البيض، أو من الشهر الحرام إلى الشهر الحرام، أو من عاشوراء إلى عاشوراء، أو من يوم عرفة إلى يوم عرفة، كل صوم يكون جنة منه إلى نظيره من الصوم الذي بعده كل جنس بما يقابله، فللاثنين دائرة وللخميس دائرة، وللأيام البيض دائرة، وللشهر الحرام إلى مثله دائرة، وليوم عرفة إلى مثله دائرة، وليوم عاشوراء إلى مثله دائرة، ولكل دائرة حفظ من أمور خاصة، بها فلا يصل إبليس إلى العبد ليوسوس له بها كنظيره من الصلاة والزكاة والحج والوضوء والركوع والسجود، فلكل منهما ذنوب تكفر بها، فلا يكفر عمل ما يكفر غيره من الأعمال، ويؤيد ما قلناه خبر مسلم مرفوعا: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر.


وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: إنما كان صوم رمضان شهرا كاملا إما تسعا وعشرين أو ثلاثين، لأن أصل مشروعيته كان كفارة للأكلة التي أكلها آدم عليه السلام من الشجرة، فأمره الله تعالى بصومه كفارة لها. وقد ورد أنها مكثت في بطنه شهرا حتى ذهبت فضلاتها، وورد الشهر يكون ثلاثين ويكون تسعا وعشرين فافهم.


واعلم أن فائدة الصوم لا تحصل إلا بالجوع الزائد على الجوع الواقع عادة في غير رمضان فمن لم يزد في الجوع في رمضان فحكمه كحكم المفطر، سواء في عدم سد مجاري الشيطان لا سيما إن تنوع في المآكل والمشارب وأنواع الفواكه وتعشى عشاء زائدا عن الحاجة، ثم تعتم بالكنافة أو الحلاوة أو الجبن المقلي ثم تسحر آخر الليل كذلك، فإن مثل هذا ينفتح من بدنه للشيطان مواضع زائدة عن أيام الإفطار فتكثر مجاري الشيطان التي يدخل منها إلى هلاكه في مثل هذا الشهر العظيم، الذي فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، وهي مدة أعمار الناس الغالبة وهي ثلاث وثمانون سنة، فلو زنت عبادة العبد طول هذا العمر مع أعماله في ليلة القدر لكانت ليلة القدر أرجح من سائر أعماله الخالصة الدائمة التي لا يتخللها فتور فكيف بالأعمال التي دخلها الرياء وتخللها معاص وسيئات وغفلات وشهوات. ومن نظر بعين البصيرة وجد جميع صوم الأيام التي قبل ليلة القدر كالاستعداد والتطهير للقلب حتى يتأهل لرؤية ربه عز وجل في تلك الليلة وأظن غالب كبراء الزمان فضلا عن غيرهم غارقين فيما ذكرناه فيمضي عليهم شهر رمضان، وقد زاد قلبهم ظلمة بأكل الشهوات والنوم. وقد كان المؤمن في الزمن الماضي لا يخرج من صوم رمضان إلا وهو يكاشف الناس بما في سرائرهم لشدة الصفاء الذي حصل عنده من توالي الطاعات وعد المخالفات.


وسمعت الشيخ إبراهيم عصفور المجذوب رضي الله عنه يقول: والله إن صوم هؤلاء المسلمين باطل لأكلهم عند الإفطار اللحم والحلاوات والشهوات، وما عندي صوم إلا صوم القوم الذين يفطرون على زيت أو خل ونحو ذلك، وكان الناس لا يهتدون لمعاني إشاراته لكونه مجذوبا وكنت أنا أفهم معاني كلامه وإشاراته وتوبيخاته كأنه يقول المسلمون لا ينبغي لهم في رمضان إلا الجوع الشديد.


وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول: من أدب المؤمن إذا أفطر عنده الصائمون أن لا يشبعهم الشبع العادي وإنما يشبعهم شبع السنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه. قال أهل اللغة: واللقيمات جمع لقمة من الثلاث إلى التسعة، فمتى أخرج الإنسان لمن أفطر عنده أكثر من تسع لقيمات فقد أساء في حقه، ولا بقي له أجر إفطاره بما حصل له من تعدي السنة، وهذا الأمر لا يفعله إلا من خرج عن حكم الطبع ومعاملة المخلوقين إلى قضاء الشريعة، ومعاملة الله وحده حتى صار يشفق على دين أخيه المسلم أكثر مما يشفق هو على نفسه، وعلامات خروجك من حكم الطبع أن لا تتأثر من ذمه فيك بين الأعداء إن لم تشبعه، لأن حكم يتعدى السنة مع العارف كحكم الطفل على حد سواء والطفل لا يجاب إلى كل ما اشتهت نفسه: وكان سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه يخرج للصائمين أقل من عادتهم في الإفطار فاشتكوا النقيب له فقال إن شكوتم منه في الدنيا فسوف تشكرونه في الآخرة, ومن وصية سيدي علي الخواص رحمه الله: إياك أن تخرج للضيف في رمضان كشيخ العرب أو غيره فوق رغيف خوفا أن يتكدر منك إن لم تشبعه، فإنه لو كشف له عن صنيعك معه لقبل رجليك، وقال جزاك الله عني خيرا الذي لم تعطي نفسي الخبيثة حظها من شهواتها، وسعيت في كمال صومها.

فاسلك يا أخي على يد شيخ حتى يخرجك عن حكم الطبيعة وتصير تعامل الخلق بالرحمة والشفقة، وإلا فمن لازمك الخوف من عتاب المخلوقين. وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: أولياء الله أشفق على العباد من أنفسهم لأنهم يمنعونهم من الشهوات التي تنقص مقامهم وهم لا يفعلون بأنفسهم ذلك أبدا ما أمكنهم وراثة محمدية. فاعلم ذلك واعمل له، والله يتولى هداك: {وهو يتولى الصالحين}.


روى النسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: <<أتاكم شهر رمضان شهر مبارك فرض الله تعالى عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين، لله تعالى فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم الخير كله>>.


وفي رواية لمسلم: فتحت أبواب الرحمة وسلسلت الشياطين ومردة الجن.


وفي رواية لابن خزيمة وابن ماجه وغيرهما: <<إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن>>.


وفي رواية لابن خزيمة: الشياطين مردة الجن بغير واو، ومعنى صفدت: أي شدت بالأغلال. قال الحليمي: وتصفيد الشياطين في شهر رمضان يحتمل أن يكون المراد به أيامه خاصة، وأراد الشياطين الذين يسترقون السمع، ألا تراه قال مردة الشياطين لأن شهر رمضان كان وقتا لنزول الرحمة والقرآن إلى السماء الدنيا، وكانت الحراسة قد وقعت بالشهب كما قال تعالى: {وحفظا من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع}. نزيد التصفيد في شهر رمضان مبالغة في الحفظ. والله تعالى أعلم.


قال: ويحتمل أن المراد أيامه ولياليه ويكون المعنى أن الشياطين لا يخلصون فيه إلى إفساد الناس كما يخلصون في غيره لاشتغال المسلمين بالصيام الذي فيه قمع الشهوات بقراءة القرآن وغيره من سائر العبادات.


وروى ابن ماجه بإسناد حسن مرفوعا: <<إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم>>.


وروى أبو الشيخ والبيهقي بإسناد فيه ضعف مرفوعا: <<يقول الله عز وجل كل ليلة من ليالي رمضان: ينادي من السماء ثلاث مرات: هل من سائل فأعطيه سؤله، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له>>.


وروى البزار وغيره مرفوعا: <<إن لله تبارك وتعالى في كل يوم وليلة في رمضان دعوة مستجابة>>.


وروى البيهقي وقال الحافظ المنذري حديث حسن مرفوعا: <<ينادي مناد من السماء كل ليلة - يعني من شهر رمضان - إلى انفجار الفجر، يا باغي الخير تمم وأبشر، ويا باغي الشر أقصر وأبصر، هل من مستغفر فيغفر له، هل من تائب يتاب عليه، هل من داع يستجاب له، هل من سائل يعطى سؤله>>.


وروى النسائي مرفوعا: <<إن الله تعالى فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه>>.


وذكر مالك في الموطأ قال: سمعت من أثق به من أهل العلم يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الأمم قبله، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر.


وروى الشيخان مرفوعا: <<من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر>>. وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة: <<من يقم ليلة القدر فوافقها أراه قال: إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه>>.


وروى الإمام أحمد وغيره عن عبادة بن الصامت قال: قلنا يا رسول الله أخبرنا عن ليلة القدر قال: هي في شهر رمضان في العشر الأواخر ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين، أو آخر ليلة من رمضان، من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. والله تعالى أعلم." اهـ




عبدالقادر حمود 12-06-2012 04:51 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن يكون معظم قصدنا من قيام رمضان وغيره امتثال أمر الله عز وجل والتلذذ بمناجاة الحق لا طلب أجر أخروي ونحو ذلك هروبا من دناءة الهمة، فإن من قام رمضان لأجل حصول الثواب فهو عبد الثواب لا عبد الله تعالى، كما أشار إليه حديث: تعس عبد الدينار والدرهم والخميصة. اللهم إلا أن يطلب العبد الثواب إظهار الفاقة ليميز ربه بالغنى المطلق ويتميز هو بالفقر المطلق، فهذا لا حرج عليه، لكن هذا لا يصح له إلا بعد رسوخه في معرفة الله عز وجل بحيث يصير يجل الله تعالى أن يعبده خوفا من ناره أو رجاء لثوابه.


فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به حتى يدخله حضرة التوحيد فيرى أن الله تعالى هو الفاعل لكل ما برز في الوجود وحده، والعبد مظهر لظهور الأعمال إذ الأعمال أعراض وهي لا تظهر إلا في جسم، فلولا جوارح العبد ما ظهر له فعل في الكون ولا كانت الحدود أقيمت على أحد، فافهم.


ومن لم يسلك على يد شيخ فهو عبد الثواب حتى يموت لا يتخلص منه أبدا، فهو كالأجير السوء الذي لا يعمل شيء حتى يقول لك قل لي إيش تعطيني قبل أن أتعب؟ فأين هو ممن تقول له افعل كذا وأنا أعطيك كذا وكذا؟ فيقول والله ما قصدي إلا أن أكون من جملة عبيدك، أو أن أكون تحت نظرك أو أن أكون في خدمك لا غير، أليس إذا اطلعت على صدقه أنك تقربه وتعطيه فوق ما كان يؤمل لشرف همته، بخلاف من شارطك فإنه يثقل عليك وتعرف أنت بذلك خسة أصله وقلة مروءته، ثم بعد ذلك تعطيه أجرته وتصرفه عن حضرتك، وربما انصرف هو قبل أن تصرفه أنت لعدم رابطة المحبة التي بينك وبينه، فما أقبل عليك إلا لأجرته، فلما وصلت إليه ونسيك ولا هكذا من يخدمك محبة فيك فاعلم ذلك.


وسمعت سيدي عليا الخواص إذا صلى نفلا يقول أصلي ركعتين من نعم الله علي في هذا الوقت، فكان رضي الله عنه يرى نفس الركعتين من عين النعمة لا شكر النعمة أخرى فقلت له في ذلك فقال ومن أين يكون لمثلي أن يقف بين يدي الله عز وجل والله إني لأكاد أذوب خجلا وحياء من الله لما أتعاطاه من سوء الأدب معه حال خطابه في الصلاة، فإن أمهات آداب خطابه تعالى مائة ألف أدب، ما أظن أنني عملت منها بعشرة آداب، فأنا إذا وقفت بين يديه في صلاة أو غيرها من العبادات إلى العقوبة أقرب فكيف أطلب الثواب.


وسمعته مرة أخرى يقول: يجب على العبد أن يستقل عبادته في جانب الربوبية ولو عبد ربه عبادة الثقلين بل ولو عبده هذه العبادة على الجمر من ابتداء الدنيا إلى انتهائها ما أدى شكر نعمة إذنه له بالوقوف بين يديه في الصلاة لحظة ولو غافلا، وكذلك ينبغي له إذا قلت طاعاته أن يرى أن مثله لا يستحق ذلك القليل، ومن شهد هذا المشهد حفظ من العجب في أعماله وحفظ من القنوط من رحمة الله تعالى. وقال له مرة شخص يا سيدي ادع لي، فقال يا ولدي ما أتجرأ أسأل الله في حاجة وحدي لا لنفسي ولا لغيري، اصبر حتى تجتمع مع الناس في صلاة العصر وندعو لك معهم في غمارهم.


وسمعت أخي أفضل الدين يقول: والله إني لأقوم أصلي بالليل فأرى نفسي بين يدي الله كالمجرم الذي قتل النفس وفعل سائر الفواحش وأتوا به إلى الوالي يتلفه، وأرى الجميلة لله تعالى الذي أذن لي في الوقوف بين يديه ولم يطردني في جملة واحدة كما طرد التاركين للصلاة. وسمعته مرة أخرى يقول: من شرط الكامل في الطريق أنه يكاد يذوب حياء من الله تعالى إذا تلا كلامه وإن كان الله تعالى قد أذن في تلاوة كلامه للكبير والصغير ولكن من شرط العارف أن لا يتلو كلامه إلا بالحضور معه تعالى، لأن قراءة كلامه مناجاة له تعالى وكيف حال من يناجي رب الأرباب وهو غافل، فوالله لو رفع الحجاب لذاب كل تال للقرآن كما أشار إليه قوله تعالى إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا}. وقوله تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وهنا أسرار يذوقها أهل الله تعالى لا تذكر إلا مشافهة لأهلها. وسمعت أخي الشيخ أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول أيضا: من شرط الفقير أن يرى نفسه كصاحب الكتبة من الحشيش واللواط والزنا وغير ذلك، فإذا قال له شخص من المسلمين ادع لي يكاد يذوب حياء وخجلا لأن معاصيه مشهودة له على الدوام.


ورأيته مرة في وليمة فقال له شخص من العلماء، ادع الله لي فصار يعرق جبينه ولم يقدر ينطق من البكاء وقال لي ما كان إلا قتلني هذا. ولما أراد التزوج عرض عليه الناس بناتهم فكان كل من خطبه لابنته يقول يا أخي بنتك خسارة في مثلي فلم ير نفسه أهلا لواحدة يتزوجها، ثم قال لي: ما رأيت يقارب شكلي ورذالتي إلا عرب الهيتم الذين يطوفون على أبواب الناس يأكلون الطعام الذي يصبه الناس على المزابل في أقنية بيوتهم رضي الله عنه. وقد قلت مرة لصاحب كتبة ادع لي فاستحيى وعرق جبينه وقال يا سيدي لا تعد من فضلك تقول لي ذلك تؤذيني، فإني والله لما قلت لي ادع لي رأيت نفسي كيهودي قال له شيخ الإسلام ادع لي.


وكان سيدي أبو المواهب الشاذلي يقول حكم الملك القدوس أن لا يدخل حضرته أحد من أهل النفوس. وكان سيدي إبراهيم الدسوقي يقول: لا تبرز ليلى لمن يطلب على الوقوف بين يديها عوضا منها وإنما تبرز لمن يرى الفضل والمنة لها التي أذنت له في الوقوف بين يديها. وكان يقوم من كان الباعث له على حب القيام بين يدي الله تعالى في الظلام لذته بمناجاته فهو في حظ نفسه ما برح، لأنه لولا الأنس الذي يجده في مناجاته ما ترك فراشه وقام بين يديه، فكأن هذا قام محبة في سواه وهو لا يحب من أحب سواه إلا بإذنه، فإن الأنس الذي يجده في قلبه سواه بيقين. وكان يقول: ما أنس أحد بالله قط لعدم المجانسة بينه وبين عبده بوجه من الوجوه، وما أنس من أنس إلا بما من الله تعالى من التقريب الإلهي، لا بالله تعالى.


ومن هنا قامت الأكابر حتى تورمت منهم الأقدام لعدم اللذة التي يجدونها في عباداتهم، فإن اللذة تدفع الألم فلا يتورم لهم أقدام، فاعلم أن عبادتهم لله تعالى محض تكليف لا يدخلها اللذة، ولو دخلها لذة لكانوا عبيدها وهو مطهرون مقدسون عن العبودية لغير الله تعالى.


فاسلك يا أخي الطريق على يد شيخ حتى يخرجك من العلل وتصير تأتي العبادات امتثالا لأمر ربك لا غير ولا تريد بذلك جزاء ولا شكورا.


وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: إذا وقع لأحدكم تقريب في المواكب الإلهية فلا يقتصر على الدعاء في حق نفسه فيكون دنئ الهمة وإنما يجعل معظم الدعاء لإخوانه المسلمين. وقد من الله تعالى علي بذلك ليلة من الليالي لما حججت في سبع وأربعين وتسعمائة، فمكثت في الحجر أدعو لإخواني إلى قريب الصباح، فأعطاني الله تعالى ببركة دعائي لهم نظير جميع ما دعوته لهم بسهولة، ولو أني دعوت ذلك الدعاء لنفسي لربما لم يحصل لي ذلك، فالحمد لله رب العالمين.


وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لا تقتصروا في قيام رمضان على العشر الأواخر من رمضان، بل قوموه كله واهجروا نساءكم فيه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فإني رأيت ليلة القدر في ليلة السابع عشر منه قال: وقد أجمع أهل الكشف على أنها تدور في ليالي رمضان وغيره ليحصل لجميع الليالي الشرف، وبه قال بعض الأئمة أي إنها تدور في جميع ليالي السنة فإذا تمت الدورة افتتحت دورة ثانية، هكذا سمعته يقول: وظواهر الأدلة كلها يعطي تخصيصها بشهر رمضان وهو المعتمد فاعلم ذلك (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.


روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيره مرفوعا: من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر. وزاد الطبراني فقال أبو أيوب كل يوم بعشرة يا رسول الله؟ فقال: نعم قال الحافظ المنذري ورواة الطبراني رواة الصحيح.


وفي رواية لابن ماجه والنسائي مرفوعا: من صام ستة أيام بعد الفطر كان كصيام السنة، من جاء بالحسنة فله عشرة أمثالها.


وفي رواية للنسائي مرفوعا: فشهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة بشهرين، فذلك صيام سنة.


وفي رواية للطبراني مرفوعا قال الحافظ المنذري في إسناده نظر: من صام ستة أيام بعد الفطر متتابعة فكأنما صام السنة كلها. وفي رواية له أيضا مرفوعا: من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. والله تعالى أعلم." اهـ

عبدالقادر حمود 12-06-2012 04:58 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن يكون معظم قصدنا من قيام رمضان وغيره امتثال أمر الله عز وجل والتلذذ بمناجاة الحق لا طلب أجر أخروي ونحو ذلك هروبا من دناءة الهمة، فإن من قام رمضان لأجل حصول الثواب فهو عبد الثواب لا عبد الله تعالى، كما أشار إليه حديث: تعس عبد الدينار والدرهم والخميصة. اللهم إلا أن يطلب العبد الثواب إظهار الفاقة ليميز ربه بالغنى المطلق ويتميز هو بالفقر المطلق، فهذا لا حرج عليه، لكن هذا لا يصح له إلا بعد رسوخه في معرفة الله عز وجل بحيث يصير يجل الله تعالى أن يعبده خوفا من ناره أو رجاء لثوابه.


فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به حتى يدخله حضرة التوحيد فيرى أن الله تعالى هو الفاعل لكل ما برز في الوجود وحده، والعبد مظهر لظهور الأعمال إذ الأعمال أعراض وهي لا تظهر إلا في جسم، فلولا جوارح العبد ما ظهر له فعل في الكون ولا كانت الحدود أقيمت على أحد، فافهم.


ومن لم يسلك على يد شيخ فهو عبد الثواب حتى يموت لا يتخلص منه أبدا، فهو كالأجير السوء الذي لا يعمل شيء حتى يقول لك قل لي إيش تعطيني قبل أن أتعب؟ فأين هو ممن تقول له افعل كذا وأنا أعطيك كذا وكذا؟ فيقول والله ما قصدي إلا أن أكون من جملة عبيدك، أو أن أكون تحت نظرك أو أن أكون في خدمك لا غير، أليس إذا اطلعت على صدقه أنك تقربه وتعطيه فوق ما كان يؤمل لشرف همته، بخلاف من شارطك فإنه يثقل عليك وتعرف أنت بذلك خسة أصله وقلة مروءته، ثم بعد ذلك تعطيه أجرته وتصرفه عن حضرتك، وربما انصرف هو قبل أن تصرفه أنت لعدم رابطة المحبة التي بينك وبينه، فما أقبل عليك إلا لأجرته، فلما وصلت إليه ونسيك ولا هكذا من يخدمك محبة فيك فاعلم ذلك.


وسمعت سيدي عليا الخواص إذا صلى نفلا يقول أصلي ركعتين من نعم الله علي في هذا الوقت، فكان رضي الله عنه يرى نفس الركعتين من عين النعمة لا شكر النعمة أخرى فقلت له في ذلك فقال ومن أين يكون لمثلي أن يقف بين يدي الله عز وجل والله إني لأكاد أذوب خجلا وحياء من الله لما أتعاطاه من سوء الأدب معه حال خطابه في الصلاة، فإن أمهات آداب خطابه تعالى مائة ألف أدب، ما أظن أنني عملت منها بعشرة آداب، فأنا إذا وقفت بين يديه في صلاة أو غيرها من العبادات إلى العقوبة أقرب فكيف أطلب الثواب.


وسمعته مرة أخرى يقول: يجب على العبد أن يستقل عبادته في جانب الربوبية ولو عبد ربه عبادة الثقلين بل ولو عبده هذه العبادة على الجمر من ابتداء الدنيا إلى انتهائها ما أدى شكر نعمة إذنه له بالوقوف بين يديه في الصلاة لحظة ولو غافلا، وكذلك ينبغي له إذا قلت طاعاته أن يرى أن مثله لا يستحق ذلك القليل،ومن شهد هذا المشهد حفظ من العجب في أعماله وحفظ من القنوط من رحمة الله تعالى.وقال له مرة شخص يا سيدي ادع لي، فقال يا ولدي ما أتجرأ أسأل الله في حاجة وحدي لا لنفسي ولا لغيري، اصبر حتى تجتمع مع الناس في صلاة العصر وندعو لك معهم في غمارهم.


وسمعت أخي أفضل الدين يقول: والله إني لأقوم أصلي بالليل فأرى نفسي بين يدي الله كالمجرم الذي قتل النفس وفعل سائر الفواحش وأتوا به إلى الوالي يتلفه، وأرى الجميلة لله تعالى الذي أذن لي في الوقوف بين يديه ولم يطردني في جملة واحدة كما طرد التاركين للصلاة. وسمعته مرة أخرى يقول: من شرط الكامل في الطريق أنه يكاد يذوب حياء من الله تعالى إذا تلا كلامه وإن كان الله تعالى قد أذن في تلاوة كلامه للكبير والصغير ولكن من شرط العارف أن لا يتلو كلامه إلا بالحضور معه تعالى، لأن قراءة كلامه مناجاة له تعالى وكيف حال من يناجي رب الأرباب وهو غافل، فوالله لو رفع الحجاب لذاب كل تال للقرآن كما أشار إليه قوله تعالى (إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا}. وقوله تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله. وهنا أسرار يذوقها أهل الله تعالى لا تذكر إلا مشافهة لأهلها. وسمعت أخي الشيخ أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول أيضا: من شرط الفقير أن يرى نفسه كصاحب الكتبة من الحشيش واللواط والزنا وغير ذلك، فإذا قال له شخص من المسلمين ادع لي يكاد يذوب حياء وخجلا لأن معاصيه مشهودة له على الدوام.


ورأيته مرة في وليمة فقال له شخص من العلماء، ادع الله لي فصار يعرق جبينه ولم يقدر ينطق من البكاء وقال لي ما كان إلا قتلني هذا. ولما أراد التزوج عرض عليه الناس بناتهم فكان كل من خطبه لابنته يقول يا أخي بنتك خسارة في مثلي فلم ير نفسه أهلا لواحدة يتزوجها، ثم قال لي: ما رأيت يقارب شكلي ورذالتي إلا عرب الهيتم الذين يطوفون على أبواب الناس يأكلون الطعام الذي يصبه الناس على المزابل في أقنية بيوتهم رضي الله عنه. وقد قلت مرة لصاحب كتبة ادع لي فاستحيى وعرق جبينه وقال يا سيدي لا تعد من فضلك تقول لي ذلك تؤذيني، فإني والله لما قلت لي ادع لي رأيت نفسي كيهودي قال له شيخ الإسلام ادع لي.


وكان سيدي أبو المواهب الشاذلي يقول حكم الملك القدوس أن لا يدخل حضرته أحد من أهل النفوس. وكان سيدي إبراهيم الدسوقي يقول: لا تبرز ليلى لمن يطلب على الوقوف بين يديها عوضا منها وإنما تبرز لمن يرى الفضل والمنة لها التي أذنت له في الوقوف بين يديها. وكان يقوم من كان الباعث له على حب القيام بين يدي الله تعالى في الظلام لذته بمناجاته فهو في حظ نفسه ما برح، لأنه لولا الأنس الذي يجده في مناجاته ما ترك فراشه وقام بين يديه، فكأن هذا قام محبة في سواه وهو لا يحب من أحب سواه إلا بإذنه، فإن الأنس الذي يجده في قلبه سواه بيقين. وكان يقول: ما أنس أحد بالله قط لعدم المجانسة بينه وبين عبده بوجه من الوجوه، وما أنس من أنس إلا بما من الله تعالى من التقريب الإلهي، لا بالله تعالى.


ومن هنا قامت الأكابر حتى تورمت منهم الأقدام لعدم اللذة التي يجدونها في عباداتهم، فإن اللذة تدفع الألم فلا يتورم لهم أقدام، فاعلم أن عبادتهم لله تعالى محض تكليف لا يدخلها اللذة، ولو دخلها لذة لكانوا عبيدها وهو مطهرون مقدسون عن العبودية لغير الله تعالى.


فاسلك يا أخي الطريق على يد شيخ حتى يخرجك من العلل وتصير تأتي العبادات امتثالا لأمر ربك لا غير ولا تريد بذلك جزاء ولا شكورا.


وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: إذا وقع لأحدكم تقريب في المواكب الإلهية فلا يقتصر على الدعاء في حق نفسه فيكون دنئ الهمة وإنما يجعل معظم الدعاء لإخوانه المسلمين. وقد من الله تعالى علي بذلك ليلة من الليالي لما حججت في سبع وأربعين وتسعمائة، فمكثت في الحجر أدعو لإخواني إلى قريب الصباح، فأعطاني الله تعالى ببركة دعائي لهم نظير جميع ما دعوته لهم بسهولة، ولو أني دعوت ذلك الدعاء لنفسي لربما لم يحصل لي ذلك، فالحمد لله رب العالمين.


وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لا تقتصروا في قيام رمضان على العشر الأواخر من رمضان، بل قوموه كله واهجروا نساءكم فيه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فإني رأيت ليلة القدر في ليلة السابع عشر منه قال: وقد أجمع أهل الكشف على أنها تدور في ليالي رمضان وغيره ليحصل لجميع الليالي الشرف، وبه قال بعض الأئمة أي إنها تدور في جميع ليالي السنة فإذا تمت الدورة افتتحت دورة ثانية، هكذا سمعته يقول: وظواهر الأدلة كلها يعطي تخصيصها بشهر رمضان وهو المعتمد فاعلم ذلك (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.


روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيره مرفوعا: من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر. وزاد الطبراني فقال أبو أيوب كل يوم بعشرة يا رسول الله؟ فقال: نعم قال الحافظ المنذري ورواة الطبراني رواة الصحيح.


وفي رواية لابن ماجه والنسائي مرفوعا: من صام ستة أيام بعد الفطر كان كصيام السنة، من جاء بالحسنة فله عشرة أمثالها.


وفي رواية للنسائي مرفوعا: فشهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة بشهرين، فذلك صيام سنة.


وفي رواية للطبراني مرفوعا قال الحافظ المنذري في إسناده نظر: من صام ستة أيام بعد الفطر متتابعة فكأنما صام السنة كلها. وفي رواية له أيضا مرفوعا: من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. والله تعالى أعلم." اهـ


عبدالقادر حمود 12-06-2012 05:03 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نتبع صوم رمضان بصوم ستة من أيام شوال تطهيرا لما عساه تدنس من غفلات يوم العبد، بأكل الشهوات التي كانت النفس محبوسة عن تناولها مدة صوم رمضان فربما أقبلت النفس بهمتها على أكل الشهوات في يوم العيد، وحصل لها فيه من الغفلة والحجاب أكثر مما كان يحصل لها لو تعاطت جميع الشهوات التي تركتها في رمضان، فكانت هذه الستة كأنها جوابر لما نقص من الآداب والخلل في صومنا لفرض رمضان كالسنن التابعة للفرائض أو كسجود السهو.


ومن هنا قال سيدي عليا الخواص: ينبغي الحضور والأدب في صوم هذه الستة أيام كما في رمضان بل أشد لأنها جوابر، وإذا حصل النقص في الجوابر لم يحصل بها المقصود، فيتسلسل الأمر فيحتاج كل جابر إلى جابر قال: ونظير ذلك تخصيص الشارع الجبر لخلل الصلاة والسجود دون القيام والركوع وغيرهما، لما ورد أنها حالة أقرب ما يكون العبد فيها مع ربه عز وجل فلا يقدر إبليس يدخل لقلب العبد فيها حتى يوسوس له، ولو جعل الجابر غير السجود لربما كان يوسوس للعبد فيحتاج الجابر لجابر آخر وإنما استحب بعض العلماء صومها متوالية غير متفرقة في الشهر لأن التوالي أقرب في جلاء الباطن من المتفرق ولذلك سن الأشياخ الخلوة على التوالي من ثلاثة أيام إلى أربعين يوما إلى أكثر من ذلك حسب القسمة الإلهية لتتوالى جمعية قلوبهم بالحق تعالى، كما يشهد لذلك حديث البخاري وغيره في تحنثه صلى الله عليه وسلم قبل النبوة بغار حراء. ومن هنا أمر الأشياخ مريديهم في حال الخلوة بالجوع وترك اللغو وتوالي الذكر وعدم النوم، وذلك لتتراكم الأنوار وتتقوى فينهزم جيش الشياطين، ويكون حزب الله هم الغالبون. وإيضاح ذلك أنه إذا تخلل الخلوة غفلة أو شبع أو لغو أو نوم فإن الظلمة تغلب على تلك الأنوار المتفرقة لكون الظلمة هي الأصل، إذا الطين هو الغالب في نشأة البشر على النور، فما لم يكون عسكر النور أقوى لم يخرج الإنسان عن الظلمة والكثافة، فقد بان لك حكمة صوم الستة أيام المذكورة، وحكمة صومها على التوالي والله يتولى هداك: {وهو يتولى الصالحين}.


روى مسلم واللفظ له وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي مرفوعا: صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية.


وفي رواية للترمذي مرفوعا: صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله.


وفي رواية لابن ماجه مرفوعا: من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة بعده. زاد في رواية الطبراني بإسناد حسن: ومن صام عاشوراء غفر له ذنوب سنة.


وروى الطبراني بإسناد حسن والبيهقي عن مسروق، أنه دخل على عائشة رضي الله عنها في يوم عرفة فقال اسقوني، فقالت عائشة يا غلام اسقه عسلا، ثم قالت: وما أنت يا مسروق بصائم؟ قال لا إني أخاف أن يكون الأضحى، فقالت عائشة ليس ذلك إنما عرفة يوم يعرف الإمام، ويوم النحر يوم ينحر الإمام، أو ما سمعت يا مسروق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدله بألف يوم؟ والألف يوم أكثر من سنتين.


وروى أبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. وكان ابن عمر يقول: لم يصم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة بعرفة، ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان وأنا لا أصومه، وكان مالك والثوري يختاران الفطر، وكان ابن الزبير وعائشة يصومان يوم عرفة، وروى ذلك عن عثمان بن أبي العاص، وكان إسحاق يميل إلى الصوم، وكان عطاء يقول أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف، وكان قتادة يقول: لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء. وقال الإمام الشافعي: يستحب صوم يوم عرفة لغير الحاج، فأما الحاج فالأحب إلى أن يفطر ليقويه على الدعاء وقال الإمام أحمد بن حنبل إن قدر على أن يصوم صام وإن أفطر فذلك يوم محتاج فيه إلى القوم. والله تعالى أعلم." اهـ



عبدالقادر حمود 12-06-2012 05:05 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نصوم يوم عرفة ولا نترك صومه إلا لعذر شرعي، كأن نكون بعرفات أو بنا مرض يشق معه الصوم ونحو ذلك. والحكمة في كراهة صومه للحاج أنه يوم تحط فيه الخطايا فيتأثر البدن ويضعف لقهره مع كمال تعشقه لجميع أهويته المكروهة لأنها لا تخرج إلا بجذب من البدن كدم الحجامة، فيحصل للبدن فتور وانحلال فلا يضاف إليه الجوع المقوي للانحلال، فكما يكره للصائم الحجامة كذلك يكره لمن وقف بعرفة الصوم وهذا من رحمة الله تعالى بعباده لأن النهي عن صومه للحاج إنما هو نهي شفقة عليه فمن خالف وصام وأظهر القوة فلا بد من إخلاله بالأعمال من وجه آخر كما جرب، هذا ما ظهر لي من الحكمة في هذا الوقت وهنا أسرار يعرفها أهل الله لا تسطر في كتاب. {والله غفور رحيم}.


روى مسلم وغيره مرفوعا: صيام يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية. ولفظ رواية ابن ماجه مرفوعا: صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده.


وروى الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه.


وروى الطبراني مرفوعا: من صام يوم عاشوراء غفر له ذنوب سنة.


وروى البيهقي وغيره من طرق مرفوعا: من وسع على عياله وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته. قال البيهقي وهذه الأسانيد وإن كانت ضعيفة فهي إذا ضم بعضها إلى بعض أحدثت قوة. والله تعالى أعلم." اهـ



عبدالقادر حمود 12-06-2012 05:06 PM

رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني
 


" (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نصوم عاشوراء ونوسع فيه على عيالنا بالطعام والكسوة وغير ذلك من كل ما هم محتاجون إليه، لكن بشرط أن يكون ذلك من وجه حل لا اعتراض للشريعة عليه فلا يؤمر من لم يجد المال الحلال أن يوسع على نفسه فضلا عن غيره، فيكون للآكل المهنأة وعليه هو الإثم، وقد أصبح عيال الفضيل بن عياض يوما وليس عندهم شيء يأكلونه فأرسل إليه الخليفة خمسمائة دينار فردها، فقال له العيال لو كنت أخذت منها نفقة يومنا، فقال: ما مثلي ومثلكم إلا كبقرة شردت من أهلها فصار كل من قدر عليها يطعنها أو يذبحها، ثم قطع قطيفة كانت تحت نصفين، وقال بيعوا هذه وأنفقوا ثمنها في هذا اليوم خير لكم من أن تطعنوه فضيلا أو تذبحوه، فعلم أن من جملة الكسب الذي لا يؤمر العبد بالتوسعة على العيال منه معلوم الوظائف التي لا يباشرها بنفسه ولا بنائبه، ومنه ما كان من هدايا التجار الذين يبيعون على الظلمة، ومنه هدايا من يأخذ البلص من أركان الدولة ومشايخ العرب، ومنه ما أرسله الناس إلى الشيخ اعتقادا في صلاحه فليس له قبوله ولا التوسعة به على عياله، لأن أكل الرجل بدينه من أقبح الكسب، و والله إن أكل خبز الحنطة الآن من غير أدم توسعة عظيمة، ولكن الناس لما تهوروا في أكل الشهوات والشبهات ولم يفتشوا على الحل صاروا لا يعدون التوسعة إلا بأكل ما فوق ذلك. وسيأتي قريبا في عيش النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأكل خبز الشعير غير منخول وما كان يسيغه إلا بجرعة من ماء، فتورع يا أخي ولا تحتج بالعيال وعدم صبرهم فإن في باب الإحسان إلى الأرقاء: أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون ومن لا يلائمكم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله. فكذلك القول في الزوجة والأولاد،ومن لا يلائمنا منهم نفارقه بالطلاق والفراق أو نخبره بين ذلك وبين الإقامة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسائه. هذا ما عليه أهل الله تعالى فاسلك طريقهم ولا تلبس على نفسك: وقد كان بشر الحافي يقول: لو أني أجبت العيال إلى كل ما طلبوه مني لخفت أن أعمل شرطيا أو مكاسا ولا أكفيهم. {والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.


روى الطبراني وابن حبان في صحيحه مرفوعا: <<يطلع الله تعالى إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن>>.


وروى البيهقي مرفوعا: <<أتاني جبريل عليه السلام فقال: هذه ليلة النصف من شعبان، ولله فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم بني كلب، لا ينظر الله إلى مشرك ولا إلى مشاحن، ولا إلى قاطع رحم، ولا إلى مسبل إزاره، ولا إلى عاق لوالديه ولا إلى مدين خمر>>.


وفي رواية الإمام أحمد فيغفر لعباده إلا اثنين مشاحن أو قاتل النفس.


وفي رواية للبيهقي مرفوعا: <<يطلع الله على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كماهم>>.


وروى ابن ماجه مرفوعا: <<إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلتها وصوموا يومها، فإن الله تبارك وتعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من مسترزق فأرزقه، ألا من مبتل فأعافيه ألا كذا، ألا كذا حتى يطلع الفجر>>.


قلت معنى ينزل ربنا أنه ينزل نزولا لائقا بذاته لا يتعقل، لأنه لا يجتمع مع خلقه في حد ولا حقيقة. ومن فوائد أخبار الصفات امتحان العبد هل يؤمن بها كما وردت، فيفوز بكمال الإيمان أم يؤولها فيحرم كمال مقام الإيمان. والله تعالى أعلم." اهـ



الساعة الآن 03:11 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى