منتديات البوحسن - ســـــــورا..حكايـــــا المدن الدفينـة

يتكرر اسم مدينة سورو (سورا) في الألواح الطينية المكتشفة في المدن السورية، وتدل على أنها مدينة كانت قائمة على نهر الخابور. ولعبت هذه المدينة دوراً كبيراً كترسانة سفن وكموقع استراتيجي هام، وكقلعة عسكرية. وغلب اسمها على كل البلاد، حتى إن الروم القدماء الذين احتلوا هذه الأرض عام 64م سموها ولاية سوريا.
عادت حضارات سوريا إلى الحياة، وأزيل التراب عن إيبلا وفينيقيا وبالميرا وماري ودمشق. وعاد أبناؤها يفخرون بتاريخهم القديم، وبالجذور العميقة للثقافة السورية عبر آلاف السنين. ثقافة روحية ومادية، امتدت بين الألفين الثالثة والأولى قبل الميلاد.‏
سقطت نظرية التفوق الشمالي العنصرية، بساطة أمام اكتشاف أحجار ورقم طينية أصرت على البقاء لتشهد على الماضي الثقافي والفني. وظهرت سوريا سيدة العالم بأبجديتها، التي لم تبخل بها على كل الأرض.‏
في ذلك الزمن الموغل، بدأ الناس يقدمون صلواتهم للإله مردوخ، إله البلاد، واهب الحياة والحاكم المطلق لكافة أماكن العبادة. كان مردوخ بابلياً، وهو ملك كل الآلهة ورب الأرباب، وكل ما في الطبيعة بالإضافة إلى الإنسان، مدين بوجوده إلى مردوخ. وأصبح مردوخ سورياً، فحافظ على مناصبه وقيمته القدسية، ونظمت حول شخصيته التراتيل والابتهالات بالآكادية، فخرجت بذلك على جمودها السومري.‏
جاء الأكاديون قبل ثلاثة آلاف وخمسمائة عام قبل الميلاد، وأسسوا أول إمبراطورية سامية شملت كل الهلال الخصيب، وكان قائدهم سرجون الأكادي، وقد استمرت هذه الإمبراطورية حتى عام 2230 ق.م.‏
أخذ الأكاديون حضارة السومريين، ولكنهم لم يتعلموا لغتهم، وبقيت اللغة الآشورية هي السائدة حتى حلت الآرامية محلها في عام 500 ق.م. وأعلنت دولة آشور اللغة الآرامية كلغة رسمية للدولة والشعب.‏
استوطن الأموريون سوريا عام 500 ق.م، فدعيت البلاد باسم (أمورو). وفي القرن العشرين قبل الميلاد استقر الأموريون، فتركوا حياة البداوة ونظموا حياة الزراعة وأقاموا عدة إمارات في مار يوحلب وحران وجبيل وقطنا. سيطر الأموريون على بابل، فكانت سلالة بابل أعظم الإمارات، وبرز منها حمورابي. ومن ثم فقد الأموريون سيطرتهم على بابل، إذ نهبها الحثيون 1595 ق.م، وانسحبوا منها.‏
أخذ الأموريون يفقدون هويتهم الخاصة، وينصهرون مع باقي شعوب سوريا القديمة في شعب واحد ولغة واحدة. ولا تختلف لغة الأموريين عن الكنعانية إلا في اللهجة. لقد عبدوا قوى الطبيعة وطوروا المفهوم الديني، وساروا خطوة نحو التوحيد. ثم طوروا أدب الملاحم السومري وغيروا أسماء الآلهة السومرية إلى أسماء سامية، كما فعل الأكاديون في ملحمة الخلق (الإينوماإيليش) السومرية.‏
ظهر الآشوريون وسكنوا شمال بلاد الرافدين وأصبحوا قوة رئيسية بين 1360 - 1200 ق.م، وكانت لغتهم الأكادية. ولم يكن مردوخ هو الإله الحاكم، بل تم استبداله بالإله آشور. دامت إمبراطورية آشور حتى سقوط نينوى 612 ق.م.‏
الكنعانيون والأموريون من عنصر واحد، جاؤوا ضمن هجرة واحدة، ولكنهم سموا بذلك نسبة إلى (الكنع) وهو الصباغ الأرجواني الذي استخرجوه من صدف الموركس. وعرف كنعانيو الساحل السوري الشمالي باسم الفينيقيين أو (فونويكي) وهو الاسم الذي أطلقه عليهم الإغريق عام 1200 ق.م، وهو أيضاً نسبة إلى الأرجوان. وأرض كنعان تشمل كل الساحل السوري وقسماً من كيليكيا وقبرص. كانت الإمبراطورية الكنعانية تتبع نظام الدولة - المدينة، وقد أبحر الفينيقيون إلى المحيط الأطلسي، ووصلوا إلى أمريكا قبل كولومبوس بألفي عام. اخترعوا الكتابة الأبجدية في القرن 13 قبل الميلاد، واقتبسها عنهم الإغريق ونشروها في أوروبا في القرن التاسع قبل الميلاد، كما اقتبسها الآراميون ونشروها في الشرق.‏
جاءت قبائل آرام السامية إلى سوريا عام 1500 قبل الميلاد، وحلت مكان الأموريين، واتبعت نظام الدولة - المدينة. وفي نهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد نهضت الدويلات الآرامية بين الفرات والخابور، وأشهرها (آرام نهرايم) و(فدان آرام) المتمركزة حول حران والتي أصبحت من أهم مراكز الثقافة الآرامية، خاصة في عهد صابئة حران. ومنها تزوج يعقوب بزوجاته الأربع، فبدأ الأسباط من أصل آرامي. وأهم ممالكهم في سوريا (آرام صوبة) في البقاع التي هزمها داود، فانتقلت الزعامة إلى آرام دمشق التي امتدت حدودها من اليرموك إلى الفرات. لكن آرام دمشق دمرت على يد تغلا تفلاسر الثالث ملك آشور 734 ق.م وإلى الأبد. بينما في بابل فقد أقام الأراميون الدولة الكلدانية ودمروا نينوى على يد نبوبولاصر 612 ق.م، ثم دمر ابنه نبوخذ نصر مملكة يهوذا عام 587 ق.م، وسبى منها ربع سكانها ونقلهم إلى بابل. وشملت الإمبراطورية الكلدانية أو البابلية الحديثة (612 - 539 ق.م) كل الهلال الخصيب، وعمت لغتها الآرامية كل الهلال الخصيب، فأطلق عليه اسم آرام.‏
إلى جانب هذه الشعوب السامية التي استوطنت الهلال الخصيب، دخلت عدة شعوب لاسامية، وتفاعلت معها، ومنهم الحثيون، وهم شعب هندوأوروبي أنشأ إمبراطورية في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، امتدت من آسيا الصغرى إلى شمال سوريا. كان مركزهم الأساسي في الأناضول. ومن ممالكهم في سوريا (كركميش وحماه ومرعش وأدنة وملاطيا) وأخذت هذه الممالك تتساقط في أيدي الآشوريين والآراميين إلى أن انتهت نحو 710 قبل الميلاد. واقتبس الحثيون الكتابة المسمارية من سوريا واقتبسوا أيضاً عبادات الشرق.‏
بدأت حضارة سوريا في الألف التاسعة قبل الميلاد. وكشفت التنقيبات الأثرية على عشرات المدن الدفينة التي غمرها التراب وأصبحت في طي المجهول. وظهرت المدن القديمة وقد بنيت من اللبن والقرميد. وقد ثبت للآثاريين من لوحات تل العمارنة ووثائق رأس شمرا، أن بلاد الكنعانيين كانت بين شواطئ المتوسط الشرقية وصحراء سوريا، واتسعت من الجنوب من فلسطين الجنوبية إلى أوغاريت. وما تزال آثار كنعان بارزة في صيدا وصور وجبيل وأرواد وأوغاريت. وتقع أوغاريت (أغرت) في شمال الساحل السوري، وتبعد 10 كم شمال (راميتا) اللاذقية، على بعد 1 كم من الشاطئ على تل اسمه رأس شمرا.‏
اندثرت أوغاريت نحو عام 1200 ق.م، على يد شعوب البحر وطمست معالمها، إلى أن اكتشفت صدفة من قبل أحد الفلاحين 1929، وقصدتها بعثة فرنسية برئاسة كلود شيفر، وتبين أنها تتألف من عدة مدن تشكل تلاً فوق بعضها البعض. وكانت المينا البيضا مرفأ أوغاريت. واسم أوغاريت يعني (الحقل). وقد أبان التنقيب القصور الملكية والمقامات المقدسة والمكتبات والكتابة بأبجدية مسمارية هي أبجدية أوغاريتية خاصة. واللغة الأوغاريتية هي لهجة كنعانية كتبت بأبجدية من ثلاثين حرفاً اكتشفت عام 1949. وقد اختصرت هذه الأبجدية إلى 22 حرفاً أو 25 في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. معظم كتابات أوغاريت كانت على الفخار وتختص بالعبادة والدفن، وملاحمها تدور حول إله الخصب عليان بعل. وكان الشعر نوعاً من الدراما، ربما مثلت قبل تمثيل الدراما اليونانية. أهم ملاحم أوغاريت (عليان بعل، وموت الملك كيرت ودانيل الحكيم).‏

عقبة زيدان – ملحق الثورة