خضراء بتول الفرات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين وافضل الصلاة واتم التسليم على سيدنا محمد سيد الاولين والاخرين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحقيقة هذه القصة من اروع القصص التي قرأتها اسطورة في الحب والوفاء خضراءبتول الفرات كانت دير الزور بعيدة عن مراكز المدن الكبرى ,التي تمتاز بالحركة الفكرية النشطة ,وتقدم المعارف والعلوم .لذا كانت الحركة العلمية والأدبية بهذه المدينة خاوية متردية في سائر عصورها . تمتاز هذه البلدة بإهمال أهلها للكتاب ,وعدم اقتناء الكتب ,أو اغتراف العلوم والآداب منها ,فلم يكن بها سوى مكتبة واحدة في سوق التجار,فيها بعض الكتب الشعبية ,وبعض كتب الفقه والأدب .ولاتجد فيها من كتب التراث والأصالة إلا النزز اليسير . ومن يقرأ القرآن الكريم ,ويحسن القراءة في كتب سيرة بني هلال ,والتغربية ,والزير سالم ,فإنه يكون من القلائل الذين يشار لهم بالبنان ,ويوسّع لهم في المجلس ,ولهم مكانا"خاصا"في الدواوين ,حيث يلتف حوله أشياخ تلك الأيام ,وعشاق المجالس ,ليقرأ لهم فصلا"من تلك الكتب الشعبية الرائجة . صاحب تلك المكتبة المتواضعة شاب من أهالي دير العتيق يسكن محلة ((الغرب ))حيث كان يبيع إلى جانب الكتب والقصص الشعبية بعض ما يحتاجه أهل العلم من أقلام ودفاتر وحبر .هذا الشاب اسمه عبد تعلم في المدرسة الإعدادية في أواخر العهد العثماني وتخرج منها ,إنه شاب في الخامسة والعشرين من العمر ,فارع الطول ,أسمر اللون ,نحيف الجسم ,يلبس طربوشا"قاتما",وزبونا"مخططا",وسترة جميلة . كان خجولا",حييا",هادئا",يأنس الناس ويأنسونه يحسن قراءة الكتب وينشرح صدره لها, ويكتب بخط جميل . لا يكاد يمر شخص أمام دكانه إلا وينظر إلى ذلك الشاب الذي طأطأ رأسه فوق صفحة كتاب يقرأ فيه ,فكان كل من يشاهده على تلك الحالة يتمنى أن يكون ذلك الدكان له ,ليقرأ هذه ويكون ((فقيها")),ويعب ّمن هذه الكتب المكدّسة كما عبّ((عبد)). زبائن كثيرون كانوا يترددون على مكتبة ((عبد ))يشترون ,ويذهبون ،بعضهم يعود إليه كل شهرين وبعضهم كل عام ،وآخرون لا يرجعون إليه البتة . لكن صاحب المكتبة الذكي شاهد فتاة تتردد عليه بين الحين والآخر ,تشتري الكتب الصغيرة ,فتدفع له ثمنها ,ثم يجول نظرها في الدكان وتنصرف ,وتعود إليه بعد أيام حين تنتهي من قراءة ما اشترته من كتب . كانت تلك الفتاة إذا عادت إلى المكتبة نظرت إلى ((البسطة ))حيث يعرض عليها عبد آخر ما صدر من الكتب في دمشق والقاهرة وبيروت ,ثم تنظر ملية إلى عبد وهو يقرأ في كتاب وقد جلس على كرسي خشبي كبير . تلك الفتاة التي عشقت الكتب هي ((خضراء)) من دير العتيق ,ومن محلة الغرب أيضا",تسكن في بيت أهلها المجاور لدار أهل عبد . إنها في ربيعها الخامس عشر ,جميلة ,لطيفة, تعلمت عند ((الملا)) وأولعت بقراءة الكتب ,ولا نذيع سرا" إذا قلنا :إنها الفتاة الوحيدة بدير الزور التي كانت تتردد على تلك المكتبة لشراء الكتب وقراءتها . كان عبد يعجب من شغف خضراءبالقراءة ,فكان يعطيها بعض الكتب الصغيرة مجانا",ويبيعها بعض الكتب الأخرى برأس المال دون أن يربح منها شيئا",وكانت تتدلل عليه أحيانا",لأنها من الزبائن الدائمين ,حيث تعيد إليه بعض الكتب التي قرأتها ,فيبدلها بكتب أخرى ,لأنها تحافظ على الكتاب وتعتني به .وحين يعزم السفر إلى حلب ليجلب الكتب ,كان يخبرها عن موعد سفره ,فكانت تطلب منه أن يجلب لها بعض الكتب الخاصة ,فكان عبد ينال رضاها بهذه الخدمة ,ويفرح كثيرا"ويرتعش قلبه كلما قالت له ((وفقك الله وأعادك بالسلامة )). ويسافر عبد ويبذل جهده للحصول على وصاة خضراء,لينال رضاها ويسعدها بتلك الكتب الثمينة ,فكان يجمع كتبها ويربطها ,ثم يضعها في حقيبة يده ,بينما الكتب الأخرى توضع في علب خاصة .وباستحياءوخجل تقول له بعد السلام (الحمد لله على السلامة ))فكان يبتسم ويناولها ربطة الكتب التي أوصته بها ,ويقول :خذي هذه الكتب إلى البيت ,فما أعجبك منها خذيه وما زاد فرديه . وتأخذ خضراءمنه ربطة الكتب إلى بيت أهلها لتختار ما يناسبها . ********** مرت سنوات طويلة على ((عبد وخضراء ))تقراْ،وتتردد على المكتبة ،تصقل ذهنها ،وتشحذ فكرها ،وتنمي موهبتها . وعبد كان يراقب تلك الفتاة ،ويسأل عن حسبها ونسبها ،ويحيط بأوضاع عائلتها ،بعد أن عرف كل شيىْ عن أخلاقها ومعاملتها وثقافتها ودينها . لقد أحبها حبا" صادقا"، وأحبته حبا"عفيفا"،وراح كل واحد منهما يتمنى أن يكون زوجا"للآخر،جاء كثيرون يطلبونها فرفضت ،وعرضت عليه أمه كثيرات فأبى . وأخيرا"أخذ جيرانها يتهامسون؛لماذا تتردد خضراءعلى دكان عبد ؟!!لماذا تقرأ الكتب التي يجلبها عبد من حلب ؟!!! وسمع عبد بما يتهامس به جيرانه ،فذهب إلى والدته وأخبرها أنه يحب خضراءويود الزواج منها ،لقد كانت أمه تتوقع هذا الأمر ،لأنها شعرت هي الأخرى كذلك بمحبتهما لبعضهما ،فلم تتردد في الذهاب لحظة واحدة إلى دار أهل خضراءلتطلبها منهم لولدها عبد . بعد الخطبة ازداد حب عبد لخضراء ،وصارت تخفف من زيارتها للمكتبة ،حياء وإبعادا"لشبه الوشاة والحاسدين ،وصار عبد كلما سافر إلى حلب جلب لها الهدايا (زجاجة عطر ،قبقاب خشب ،هبرية ،شلحة )ثم يضيف إلى ذلك كتابا"مما يراه مناسبا"لها ،فكانت تفرح بالكتاب أكثر ما تفرح بتلك الهدايا . واتفقت العائلتان على عقد الزواج ،فراحت خضراء إلى صاحباتها تدعوهن للغناء في ليلة (الحنة )فأسرعن يحملن الدفوف ويلبسن أجمل الثياب . وكتبوا عقد الزواج المبرور ،واتفقوا على تجهيز خضراء غدا"لتزف إلى عبد . لاأحد في الدنيا يستطيع أن يصف فرحة خضراء في تلك الساعة ،وكذلك كان عبد يكاد يطير من الفرح،وينتظر ساعة الزفاف بفارغ الصبر . لا يكاد يهدأ،إنه يتحرك دائما"،ينظر يمينا"...يسارا"،يلتفت برأسه وجسمه كله .يشرد ذهنه ،يغوص فكره في متاهات لا يدري نهايتها . أرسلت خضراء ثيابها وصندوقها المزخرف إلى بيتها الجديد وراحت إحدى خالاتها لتنظم البيت وتعلق الثياب في مكانها .والصندوق والفراش في زوايا الغرفة ،ثم لتضع المرآة ومشط العظام على الرف المجاور لصندوق الزينة الذي حوى أصنافا"من العطور والكحل والزباد وغير ذلك . وقبل أن تدخل خضراء دار زوجها الذي يرافقها ,قدموا لها زجاجة العطر فضربتها مرارا"على عتبة الدار حتى تحطمت ،وفاحت رائحة العطر العبقة تزكم الأنوف ,استبشارا"بدخول طالع الخير ,وتفاؤلا"بالسعادة والهناء . خضراء وعبد الآن في غرفتهما منفردين ,كل واحد منهما يريد أن يحتضن الآخر بقلبه ,وأمامها عش الزوجية ,رشوه بالعطر ,ووضعوا بجانبه إبريق ماء وكأسا".وقد علقوا القرآن الكريم فوق الوسادة في منتصف الجدار ,يقابله سيف . في هذه الليلة سيلمس عبد لأول مرة في حياته جسد امرأة ,وستنام خضراء في حضن رجل أحبته إلى الصباح .الفراش المعطر أمامهما .السراج لن يطفأ في هذه الليلة .أمه وأبوه والمقربون إليه جلسوا خلف باب الغرفة ,خالات خضراء جلسن معهم ,ينتظرون خروج عبد من غرفة العرس ليطلقوا عياراتهم النارية ,ولتلهج ألسنة النساء بالهلاهل . أوى عبد إلى فراشه ,وأوت خضراء إليه أيضا",تعانقا",قبّل كل واحد منهما الآخر عشرات القبلات ,كان الصمت بينهما هو الذي يتكلم عما يجيش في نفسيهما ,وقلبيهما ,وروحيهما . طال مكث عبد في الغرفة ولم يخرج .وبعد ساعة متأخرة من الليل قالت أمه لمن حولهما :إن عبد خجول حيي ,فلينصرف كل شخص إلى بيته .وذهبوا .... عبد وخضراء ؛ناما في الفراش متعانقين إلى الصباح .واستيقظا على صوت نقر الباب .عبد ...عبد ..قم يا ولدي وتناول الفطور مع زوجتك خضراء . إن الشمس لم تشرق بعد ,قاما من فراشهما ,ودخلا إلى غرفة مجاورة فصبا على جسديهما الماء وعادا إلى غرفتهما ,فصليا الصبح ,ثم جلسا ينتظران الطعام الذي أعدته لهما أمه . جاءت أمه إليه تقبله وتعانقه ,وتعانق خضراء التي طأطأت برأسها خجلا".وراحت تمسح بشعرها وأكتافها بيديها قائلة :اللهم صلّ على النبي .وعلى آل النبي .اللهم أرنا خيرها ,وأكفنا شرها .ونظرت إليهما بعد أن تركت أمامهما سفرة الطعام قائلة :يا عبد كيف وجدت الزواج هل تم ّ.. وصمتت .وعرف عبد ما تقصد أمه فقال لها مقاطعا":يا والدتي الحمد لله ... كل شيء بتوفيق الله . عرفت الأم أن ولدها قد دخل بزوجته فراحت تخرج من الغرفة وتطلق الهلاهل في باحة الدار ,بينما راح عبد وخضراء ينظران إلى بعضهما مبتسمين وهما يتناولان أول لقمة معا". وجاءت خالة خضراء في الصباح الباكر لتسأل عن الزواج المبرور ,فانشرح صدرها حين قابلتها أمه بالابتسامة المشرقة والترحيب الزائد :الحمد لله ؛كل شيء يتم بتقدير الله .وجاءت فعانقت خضراء وباركت لهما بهذا الزواج ,وتمنت لهما حياة سعيدة . كل الناس في( دير العتيق )عرفوا أن عبد رجل كبقية الرجال ,فلماذا لم ينجب أطفالا"ولم تحمل خضراء بعد !!! |
كلهم يتساءلون ,وكثيرون منهم سألوه عن سبب تأخر حمل خضراء ,فكان يقابلهم بالخجل وأن الأمر مرجعه إلى الله .وكثيرا"ما كانوا يقولون له :لقد مر على زواجك قرابة عام ,فاعرض نفسك على طبيب !!! تقوي الباه ,وتثير الغلمة ,لقد شرح لهؤلاء الأطباء وضعه وأحواله ,فأعطوه الدواء مرارا"لكن لم ينفعه شيئا". ...وفي إحدى ليلي الصيف الثاني لزواجهما ,جلس عبد منفردا"في داره يحمل هموم الدنيا كلها ,يغرق في التفكير ,يتيه في تساؤلات شاردة منه وواردة إليه :كيف ...متى ...لماذا؟... واقتربت منه خضراء مداعبة تربت على كتفه :بماذا تفكر يا عبد ؟. نظر إليها فشاهد ابتسامتها التي أزاحت عنه جانبا"من الهموم .ثم عاد يطأطىْ رأسه إلى الأرض . قالت :تكلم يا عبد !!! بماذا تفكر ؟ولماذا لا تنظر إلي ؟! قال عبد :إنني أطلب منك شيئا"يا خضراء ,وأرجو أن تساعديني فيه ؛إنني لم أتمكن من الدخول بك ,رغم مرور أكثر من عام على زواجنا ,فإما أن أطلقك ,وأدفع لك الذي ترغبين عن المهر المؤجل ,على أن لا تفضحيني في رجولتي ,حتى لا يعيرني رجال وولدان دير العتيق الذين ولعوا بالألقاب والهمز .وإما أن تصبري معي ,وترضي بما أنت فيه ,فأنت سيدة البيت ,ونرجئ كل شيء إلى الله تعالى ,عسى أن يتبدل كل عسر عندي يسرا". بتلك الكلمات التي قالها عبد لزوجته البتول ,وضع عن كاهله تلك الأثقال والكرب التي أرهقته,وكشف كل شيء عنه أمام زوجته . بكت خضراء ..ورفعت رأسها قائلة :يا عبد !!!أتظن أنني تزوجتك من أجل هذا ؟!!أتظن أنني استعجلت هذا الأمر ,أو اهتممت به كما تظن ؟!!إنني لا أتبرم منك لهذا السبب أو غيره ,هل طلبت منك طلاقا"؟!!هل طلبت منك فراقا"؟!!هل سمعت من أحد أنني تكلمت عنك كلمة واحدة تحط من قدرك ,وتمسّك بسوء !!!سامحك الله يا عبد ... لا والله يا خضراء ,ولكنني أريد أن أكون بريْ الذمة أمام الله وأمامك ,وأريد أن أعرف الحقيقة ,حتى لا نسير في حياتنا إلا على بصيرة . قالت وهي تزيح عنه آخر الهموم والأحزان :إنني راضية بك زوجا"بهذه الأحوال ,فهل ترضى بي زوجة ؟!!إنني لا أريد بديلا"عنك سادة الدنيا وكبراءها . نظر إليها عبد والدموع تتساقط من عينيه ,ولفها بذراعه الحانية ,وعانقها عناقا"طويلا",شاركته فيه بسكب العبرات الغزار ,والدموع الساخنة ... وأويا إلى فراشهما متعانقين ,لم يفصل بينهما إلا المؤذن يدعو للصلاة ,فقاما إلى مزملتهما الكبيرة يغترفان منها ليتوضآ. ذهب عبد إلى الجامع ليصلي الفجر جماعة ,وجلست خضراء في زاوية غرفتها تصلي ,ثم راحت تعدّ له طعام الإفطار . ********** كانت خضراء تذهب إلى دكان زوجها بعد أن تنتهي من عمل بيتها ,وتجلس بجانب زوجها , ونتيجة مجيئها إلى المكتبة ,أصبحت تعرف أسعار الكتب ,وأنواعها ,وطبعاتها ,وأسماء المؤلفين ,وشيئا"كثيرا"من محتويات هذه الكتب وحياة كتّابها . كان عبد يفتح باب دكانه الثقيل صباحا",ويستمر على كرسيه الخشبي الكبير جالسا"يقر أ إلى أذان الظهر ,وتأتي خضراء ,فتجلس في مكان زوجها تلبس عباءتها السوداء ,وتقرأ ما شاءت من الكتب إلى أذان المغرب حيث يأتي زوجها بعد قيلولته فيغلق الدكان ويعودان إلى بيتهما. استمرت حياتهما على هذا المنوال أكثر من ثلاثين سنة ,استطاعت خضراء أن تقرأ الفقه ,والتفسير ,والحديث ,والتاريخ ,وقد اسع أفق معرفتها ,فكانت تناظر زوجها ,وتتحدث لزائرتها , وحينما تذهب إلى المآتم ؛كانت ترشد النساء وتعظهن ,وتحثهن على الصبر والسلوان . مرض عبد مرضا"طويلا" أقعده الأرض ,وألزمه الفراش ,كانت خضراء تسهر على راحته ,وتسقيه الدواء ,وتجلب له الأطباء كلما استحكم منه المرض .. إنها تجلس بجانب عبد على هذه الخدمة ,وذاك السهر الطويل ,ويدعو لها من سويداء قلبه . لقد عرف عبد أن هذا المرض العضال سوف يودي به إلى شفير القبر , فقرر أن يهبها كل ما يملك من مال وبيت ومكتبة وكتب ,وأعلن ذلك مرارا"أمام عوّاده وزائريه من أقاربه وأصدقائه . وذات يوم كان رأسه في حجر خضراء تمسح جبينه بباطن كفها ,وتكف شعره المبعثر على وجهه ,وتنظر إليه ,وينظر إليها ,إذ مال رأسه وهو يتمتم بالشهادة . وشعرت بوفاته ,فأغمضت عينيه ,ورفعت حنكه المسترخي ,وغطت وجهه بمنديل من حرير . وسمع الجيران بكائها فجاءوا مولولين ,باكين ,واجتمع أقاربهما ,فانسلّت من بين النساء ,وجهزت الماء الساخن لتغسيله ,وراح الرجال ينهمكون في غسله وتكفينه ,ثم حملوه في نعش إلى المقبرة . كانت خضراء تكثر الترحم عليه والدعاء له بالغفران ,وكانت عبارة ؛إنا لله و إليه راجعون لا تغادر فمها . لم تنثر شعرها ,ولم تشق جبينها ولم تقف إلى جانب (القاصودة )في (المعادة )لتعدد محاسن عبد ,فهي تعرفه تمام المعرفة ,بل بقيت جالسة في البيت ولم تخرج مع النساء إلى المقبرة . كانت صابرة محتسبة ,جلست تستقبل النساء المعزيات ,ولم تسمح لواحدة منهن بالبكاء والعويل ,وكانت تكفكف دموع الباكيات وتستر شعورهن بمناديلهن ,ثم تحضهن على الصبر . وطلبت من إحدى النساء أن تقرأ القرآن مدة المأتم التي استمرت سبعة أيام . انتهى المأتم ,فراحت خضراء إلى مكتبة زوجها الراحل لتبع الكتب وتعيش مما تدره عليها من أرباح .كان أقاربها الذين يذهبون إلى حلب يجلبون لها الكتب التي تختارها ,خدمة لها وعطفا"عليها كانت تتصدق كثيرا"على روح زوجها فلا ترد سائلا". وتصنع الطعام الذي كان يحبه فتوزعه على الفقراء والبائسين ,وتقرأ بعد صلاة الفجر القرآن الكريم ,وتهب روحه الطاهرة ثوابه . كانت تفكر به ليلا"ونهارا"...وكانت ....وكانت . مرت سنة على هذا الفراق القاسي ,فلم تعد خضراء تتمكن من فتح باب الدكان ,فلازمت فراشها .وهو فراش زوجها الذي كان ينام عليه ,وفي نفس الغرفة والزاوية . وشعرت هي الأخرى بالأجل يقترب منها شيئا"فشيئا",فكانت وهي في شدة الألم تذكر محاسن زوجها وسجاياه ,وتترحم عليه . وجلست حولها نسوة من قريباتها ,فراحت تطريه أمامهن بأحسن الأوصاف ,وأنبل المزايا ,تمدحه كأجمل ما يمدح عاشق معشوقه وولهان بمن تله في حب محبوبه .ونظرت في وجوههن مودّعة وقالت لهن :إنني لا زلت عذراء منذ أكثر من ثلاثين سنة من زواجي بالمرحوم عبد ,إنه لم يدخل بي رحمه الله فأنا بكر الآن كما كنت في بيت أهلي قبل الزواج ,وأخبركن ,أن هذا الحديث لم يعلم به أحد من الناس غيركن قبل الآن . لقد كان بارا"بي , لم يحرمني شيئا"طلبته منه ,أرجو منكن إذا متّ أن تنفقوا هذه الكتب على طلبة العلم ,وكذلك أثاث البيت ومحتوياته على روحه الطاهرة ,وأن تدفنوني بجانبه لأكون قريبة منه حيا"وميتا". وأخبرتهن أنها تحتفظ بمبلغ من المال لكفنها ودفها ,وأغمضت عينيها ,ولحقت بزوجها الراحل . وعمل المقربون بوصاتها ,فدفنوها بجانبه ,وأنفقوا الكتب على روح زوجها ,وراح الناس يضربون المثل بها في الوفاء وحسن العهد بين الزوجين فيقولون وفاء خضراء ) ودفنت خضراء في التراب ,ودفنت سيرتها في قلوب من عرفوها وذاكرتهم ,فكانت ألسنتهم تلهج بالدعاء لها كلما ذكروها أو ذكروا الوفاء . .تلك هي خضراء (بتول الفرات )رحمها الله .
|
قصة جميلة من زمن جميل انة زمن الحب والوفاء الذى اندثر الان بعد نشأة زمن العولمةوحب التيك اواى
، رحم الله صاحبة القصة ورحم الله زوجها . ان سردك للقصة حقيقة سرد رائع واسلوب صياغة ممتاز بارك الله فيك اخى الحسينى موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . :big2: |
نعم انها قصة جميلة من زمن جميل
ومرور اجمل |
أخي الحسيني... لقد أبكيتني
أخي الحبيب الحسيني لقد قرأت قصة خضراء بتول الفرات وقد تأثرت بها جدا فكتبت هذه الأبيات
كي تكتب على شاهدة وتوضع على قبريهما كي يخلدهما التاريخ شعرا كما خلدهما نثرا: إنْ تأتِ يوما ً قبرَنـَا يا صاحي أدِّ السلامَ لتلكـُمُو الأرواح ِ واقرأ لنا أمَّ الكتاب ِ بخشية ٍ َوخـُذ ِ الوفا عنا بغير جناح ِ عبدٌ وخضراءٌ حكاية ُ عاشق ٍ هيَ للوفاء ِ ِحكاية ُ الفـُـصَّـاح ِ في قبرنا سرٌ أباحَ به ِ الهوى كم في القبور ِ شواهدٌ يا صاحي |
مشكور ابو عبود قصة جميلة ورائعة
|
اقتباس:
صح لسانك سيدي ابو عبدالله وكما قلت هي من اجمل القصص التي قرأت وتاثرت بها ولو كنت اعرف نظم الشعر لكتبته جزاكم الله خيرا سيدي ابو عبدالله |
اقتباس:
مرورك الاجمل ابو انس |
رد: خضراء بتول الفرات
بارك الله بكم اخي الحسيني لكن هل هذه القصة واقعة ام من الخيال
|
رد: خضراء بتول الفرات
وبكم سيدي ابو النور الكلام على انها صحيحة
|
الساعة الآن 09:55 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |