منتديات البوحسن

منتديات البوحسن (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   المواضيع الاسلامية (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=7)
-   -   فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 149 (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=9099)

عبد القادر الأسود 11-15-2014 03:54 AM

فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 149
 
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
(149)
قولُهُ تباركت أسماؤه: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} أيْ: نَدِمُوا عَلَى مَا فَعَلُوا أشّدَّ الندمِ، والعَرَبُ تَضْرِبُ الأمثالَ بالأَعْضاءِ، ولا تُريدُ أَعيانَها، تقولُ للنادِمِ: سُقِطَ في يَدِهِ، وللذليلِ: رَغِمَ أَنْفُهُ، فهذا التعبيرُ كنايةٌ عنِ اشْتِدادِ نَدِمِهم. ويُقالُ أيضاً: سُقِطَ في يَدِ فُلانٍ إذا عَجَزَ عَمَّا يُريدُ أَوْ وَقَعَ فيما يَكْرَهُ. قال بعضُ العُلَماءِ: النادِمُ إنما يُقالُ لَهُ سُقِطَ في يَدِهِ، لأنَّه يَتَحَيَّرُ في أَمْرِهِ، ويَعْجَزُ عَنْ أَعْمالِه والآلةُ الأَصْلِيَّةُ في الأَعْمالِ في أَكْثَرِ الأَمْرِ هِي اليَدُ. والعاجِزُ في حُكْمِ الساقِطِ فَلَمَّا قَرَنَ السُقوطَ بالأَيْدي عُلِمَ أَنَّ السُقوطَ في اليَدِ إنَّما حَصَلَ بِسَبَبِ العَجْزِ التامِّ، ويُقالُ في العُرْفِ لِمَنْ لا يَهْتَدي لِما يَصْنَعُ، ضَلَّتْ يَدُهُ ورِجْلُهُ. وهَذا مِنْ بابِِ الاسْتِعارَةِ التَمْثيلِيَّةِ حيثُ شَبَّهَ حالَ النَدَمِ في النَّفِسِ بحالِ الشيْءِ في اليَدِ في التَحقيقِ والظُهورِ.وقد أَجرى القرآن الكريمُ هذه الكلمةَ مُجرى المثلِ إذْ نُظِمَتْ على إيجازٍ بَديعٍ وكِنايَةٍ واسْتِعارةٍ، فإنَّ اليَدَ تُسْتَعارُ للقُوَّةِ والنُصْرَةِ إذْ بها يُضْرَبُ بالسيفِ والرُمْحِ، ولِذلكَ حينَ يَدْعون على أحدٍ بالسُوءِ يَقولونَ شُلَّتْ مِنْ يده الأناملُ، وهيَ آلةُ القُدرَةِ قال تعالى في سورة (ص): {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ} الآية: 17، ويُقالُ: ما لي بِذلك يَدٌ، أيْ لا أَسْتَطيعُه، ويَحسُنُ أَنْ يُقالَ للمَرْءِ سُقِطَ في يَدِهِ، إذا حصلَ لهُ شَلَلٌ في عَضُدٍ ولم يَسْتَطِعْ تحريكَهُ أيْ نَزَلَ بِهِ نازل. ولما كان ذكر فاعل السقوط المجهول لا يزيد على كونِهِ مُشْتَقّاً مِنْ فِعْلِهِ، ساغَ أَنْ يُبْنى فِعْلُهُ للمَجهولِ، فَمعنى "سُقِطَ في يَدِهِ" سَقَطَ في يَدِهِ ساقِطٌ فأَبْطَلَ حَرَكَةَ يَدِهِ، إذِ المَقْصودُ أَنَّ حَرَكَةَ يَدِهِ تَعَطَّلَتْ بِسَبَبٍ غيرِ مَعلومٍ، إلاَّ أَنَّهُ شيءٌ دَخَلَ في يَدِهِ فشلَّها فأصبحت عاجزةً عَنِ العَمَلِ وذلكَ كِنايةً عَنْ كونِهِ قدْ فاجأَهُ ما أَوْجَبَ حِيرَتَهُ في أَمْرِهِ، كَما يُقالَ فَتَّ في عَضُدِهِ. وقد اسْتُعْمِلَ هنا في مَعْنى النَدَمِ وتَبَيُّنِ الخَطأِ، فهُو تمثيلٌ لحالهم بحالِ مَنْ سُقِطَ في يَدِهِ حينَ العَملِ. فالمعنى أَنَّه تَبَيَّنَ لهم خَطَؤهم وسوءُ معامَلَتِهم ربَّهم ونبيَّهم. فالنَدامَةُ هِي مَعنى هذا التَرْكيب، وأَمَّا الكِنايَةُ فهي في بَعْضِ أَجْزاءِ المُرَكَّبِ وهو سَقَطَ في اليَد.
قولُهُ: {وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا} أي لمَّا عَرَفُوا أَنَّهُمْ ضَلُّوا عنِ الهُدَى. بعدَ تَصميمِهم على عبادةِ العِجْلِ وتَصَلُّبِهم في ذلك بقولهم {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} سورة طه، الآية: 91، وكأنَّهُ قيلَ فَسُقِطَ في أَيديهم ورَأَوْا أَنَّهم قَدْ ضَلُّوا، ثمَّ قِيلَ ولمَّا سُقِطَ في أيديهم قالوا...فَطَيُّ ذلك مِنْ قَبيلِ الإيجازِ لِيُبْنَى عليْهِ أَنَّ ضَلالَهم لمْ يَلْبَثْ أنِ انْكَشَفَ لهم.
قولُه: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} أي أنابوا إلى اللهُ تعالى واستغفروه قائلين: إِنَّهُمْ إِذا لَمْ يَرْحَمْهُمْ رَبُّهُمْ، وَيَغْفِرْ لَهُمْ مَا ارْتَكَبُوهُ مِنْ ظُلْمٍ لأنْفُسِهم، بِضلالهم عن سبيل الهدى واتِّخَاذِهِم العِجْلَ رَبّاً، ليَكُونُنَّ مِنَ الهَالِكِينَ. وما حَكَى عَنْهُمْ مِنَ النَدامَةِ والرُؤْيَةِ والقَوْلِ كانَ بَعْدَ رُجُوعِ مُوسى ـ عليه السَّلامُ ـ مِنَ الميقاتِ. وليس عجلُ بني إسرائيلَ هو الوحيدَ الذي عُبِدَ ويعبَدُ من دون الله فالعجولُ كثيرةٌ، وكلّ مَن رَكَنَ إلى شيءٍ، وعَكَفَ على مَحَبَّتِهِ مِنْ دون اللهِ فهُو عنده عجلٌ يَعْبُدُهُ مِنْ دُونِ اللهِ، لأنّك ما أَحْبَبْتَ شيئًا إلاَّ وَكُنْتَ له عبدًا، فالعبوديَّة حبٌّ في أحد معانيها، ومقامٌ من مقاماتِها، وإن طاعةَ المحبوب مظهرٌ من مظاهر المحبَّة، ومُقْتَضًى مِنْ مَقْتَضياتها، كما أتنها الركنَ الركين في العبوديَّةِ، وهو ـ تبارك وتعالى ـ لا يحبُّ أَنْ تَكونَ عَبْدًا لِغَيرِهِ. عافانا اللهُ مِنْ ذَلِكَ.
قولُهُ تَعالى: {سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ} الجارُّ قائمٌ مَقامَ الفاعِلِ. وقيل: القائمُ مقامَ الفاعِلِ ضَميرُ المَصْدَرِ الذي هُوَ السُّقوطُ أَيْ: سُقِطَ السُقوط في أيديهم. ونقل الشيخ عن بعضهم أنه قال: وسقط تتضمَّن مفعولاً وهو ههنا المصدر، أي: الإِسقاط كقولك: ذُهب بزيد. قال: صوابه: وهو هنا ضميرُ المصدر الذي هو السُّقوط، لأنَّ "سقط" ليس مصدرُهُ الإِسقاط، ولأنَّ القائمَ مَقامَ الفاعِلِ ضَميرُ المَصْدَرِ لا المَصْدَر. وقد نَقَلَ الواحديُّ عَنِ الأَزْهَرِيِّ أَنَّ قولَهم: "سُقِط في يده" كَقولِِ امرئ القيسِ:
دَعْ عنك نَهْباً صِيح في حُجُراتِه ..... ولكنْ حديثاً ما حديث الرواحلِ
في كونِ الفعلِ مَسْنَداً للجَارِّ كأنَّه قِيلَ: صَاحَ المُنْتَهبُ في حجراته، وكذلك المُرادُ: "سُقِط في يَدِهِ"، أيْ: سَقَطَ النَدَمُ في يَدِهِ. قلتُ: فقوله: أيْ: سَقَطَ النَّدمُ. تَصريحٌ بأنَّ القائمَ مَقامَ الفاعِلِ حَرْفُ الجارِّ لا ضَميرُ المَصْدَرِ. ونَقَل الفرَّاءُ والزَجَّاجُ أَنَّهُ يُقالُ: سُقِطَ في يَدِهِ وأُسْقِطَ أَيْضاً، إلاَّ أَنَّ الفَرَّاءَ قال: سَقَط أيْ الثلاثي أَكْثَرُ وأَجْوَدُ. وهذِهِ اللَّفْظةُ تُسْتَعْمَلُ في التَنَدُّمِ والتَحَيُّرِ. وقد اضْطَرَبَتْ أقوالُ أهلِ اللُّغَةِ في أَصْلِها فقالَ أحدُ أَئمة اللُّغةِ بالأَنْدلسِ أَبو مَرْوانَ ابْنُ سِراجٍ اللُّغَوِيُّ: قولُ العَرَبِ: سُقِطَ في يَدِهِ مما أَعْياني معناه. وقالَ الوَاحِدِيُّ: قد بانَ ِمنْ أَقوالِ المُفَسِّرين وأَهْلِ اللُّغةِ أَنَّ "سُقِط في يَدِهِ" نَدِم، وأَنَّه يُسْتَعْمَلُ في صِفَةِ النادم. فأمَّا القولُ في أَصْلِهِ وما حَدُّهُ فلم أَرَ لأَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ اللًّغَةِ شَيْئاً أَرْتَضيهِ إلاَّ ما ذَكَرَ الزَجّاجيُّ فإنَّه قال: قولُهُ تَعالى: سُقِطَ في أَيْديهم، بمعنى نَدِموا، نَظْمٌ لم يُسْمَعُ قَبْلَ القُرآنِ، ولم تَعْرِفُهُ العَرَبُ، ولم يوجدْ ذلكَ في أَشْعارِهم، ويدلُّ على صِحَّةِ ذلك أنَّ شُعَراءَ الإِسْلامِ لَمَّا سمِعوا هذا النَّظْمَ واسْتَعْمَلوهُ في كلامِهمْ خَفِيَ عَلَيْهم وَجْهُ الاسْتِعْمالِ، لأنَّ عادتَهم لم تَجْرِ بِهِ فقالَ أَبو نُواسٍ:
ونشوةٌ سُقِطْتُ منها في يدي ...
فأبو نُواسٍ وهُو العالِمُ باللُّغةِ العربيَّةِ أَخْطَأَ في اسْتِعْمالِ هذا اللَّفْظِ لأنَّ فُعِلْتُ لا يُبْنى إلاَّ مِنْ فِعْلٍ مُتَعَدٍّ، و "سقط" لازِمٌ لا يَتَعَدَّى إلاَّ بحرْفِ الصِفَةِ، لا يُقالُ: "سُقِطَتْ" كما لا يُقالُ: رُغِبَتْ وغُضِبَتْ إنَّما يُقالُ: رُغِبَ في، وغُضِبَ على. وذَكَرَ أَبو حاتمٍ أَنَّ "سُقِطَ فُلانٌ في يَدِهِ" بمعنى نَدِمَ، وهذا خَطَأٌ مثلُ قَوْلِ أَبي نُواسٍ، ولو كان الأمرُ كَذلِكَ لَكانَ النَّظْمُ "ولمَّا سُقِطُوا في أَيْديهِم" و "سُقِطَ القَوْمُ في أَيديهم". وقالَ أَبو عُبَيْدَةَ: يُقالُ لِمَنْ نَدِمَ على أَمْرٍ وعَجَزَ عَنْهُ: سُقِطَ في يَدِهِ".
وقالَ الواحدِيُّ: وذِكْرُ اليَدِ هَهُنا لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهَما: أَنَّهُ يُقالُ للذي يَحْصُلُ وإنْ كانَ ذلكَ ممَّا لا يَكونُ في اليَدِ: قد حَصَل في يَدِهِ مَكْروهٌ. يُشَبِّه ما يحصُل في النَّفْسِ وفي القَلْبِ بما يُرَى بالعَيْنِ، وخُصَّتِ اليَدُ بالذِّكْرِ لأَنَّ مُباشَرَةَ الذُنوبِ بها، فاللائمةُ تَرْجِعُ عَلَيْها لأَنَّها هِيَ الجارحةُ العُظْمى، فيُسْنَدُ إليها ما لم تُباشِرْ كَقَولِهِ تعالى في سورة الحج: {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} الآية: 10. وكَثيرٌ مِنَ الذُنوبِ لم تُقَدِّمْهُ اليَدُ. الوجهُ الثاني: أنَّ النَدَمَ حَدَثٌ يحصلُ في القلبِ، وأَثَرُهُ يَظْهَرُ في اليَدِ لأنَّ النادِمَ يَعَضُّ يَدَه ويَضْرِبُ إحْدى يَدَيْهِ على الأُخرى كَقولِهِ تعالى في سورة الكهف: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} الآية: 42. فتقليبُ الكف عبارةٌ عن النَدَمِ، وكقولِهِ ـ سبحانه: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ} سورة الفرقان، الآية: 27. فلمَّا كان أثرُ النَدَمِ يَحْصُلُ في اليَدِ مِنَ الوَجْهِ الذي ذَكَرْناهُ أُضيفَ سُقُوطُ النَدَمِ إلى اليَدِ؛ لأنَّ الذي يَظْهَرُ للعُيونِ مِنْ فِعْلِ النادِمِ هُوَ تَقْليبُ الكَفِّ وعَضُّ الأَنامِلِ واليَدِ، كما أَنَّ السُرورَ معنًى في القلبِ يَسْتَشْعِرُهُ الإِنسانُ، والذي يَظْهَرُ مِنْ حالَةِ الاهْتِزازِ والحَرَكَةِ والضَحِكِ وما يَجْري مجراه.
وقالَ الزَمَخْشَرِيُّ: "ولمَّا سُقِطَ في أَيديهم": ولمَّا اشْتَدَّ نَدَمُهم، لأنَّ مِنْ شأن مَنْ اشْتَدَّ نَدَمُهُ وحَسْرَتُهُ أَنْ يَعَضَّ يَدَهُ غَمَّاً فَتَصيرَ يَدُهُ مَسْقُوطاً فيها لأَنَّ فَاهُ قَدْ وَقَعَ فيها. وقيل: مِنْ عادةِ النادِمِ أَنْ يُطَأطِئَ رَأْسَهُ ويَضَعَ ذَقَنَهُ على يَدِهِ مُعْتَمِداً عَلَيْها ويَصيرَ على هَيْئَةٍ لَوْ نُزِعَتْ يَدُهُ لَسَقَطَ على وَجْهِهِ، فكأَنَّ اليَدَ مَسْقوطٌ فيها. و "في" هنا بمعنى "على"، فمعنى "في أيديهم": على أَيديهم كقولِهِ تعالى في سورة طه: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} الآية: 71. وقد تقدَّمَ أنَّ على تجيء أحياناً بمعنى "في" أيضاً، وقيل: هُو مأْخوذٌ مِنَ السِّقاطِ، وهُوَ كَثْرَةُ الخَطَأِ، والخاطِئُ يَنْدَمُ على فِعْلِهِ. قالَ ابْنُ أَبي كاهِل:
كيف يَرْجُون سِقاطي بعدما ................. لَفَّع الراسَ بياضٌ وصَلَعْ
وقيل: هُوَ مَأخُوذٌ مِنَ السَّقيطِ، وهو ما يُغَشِّي الأرضَ مِنَ الجَليدِ يُشْبِهُ الثَلْجَ؛ يُقالُ مِنْهُ: سَقَطَتِ الأَرْضُ كَما يُقال: ثَلَجَتْ، والسَّقْطُ والسَّقيطُ يَذوبُ بِأَدْنى حَرارَةٍ ولا يَبْقى، ومَنْ وَقَعَ في يَدِهِ السَّقِيطُ لم يَحْصَلْ مِنْهُ على شيءٍ، فَصارَ هذا مَثَلاً لِكُلِّ مَنْ خَسِرَ في عاقِبَتِهِ ولم يَحْصَلْ مِنْ بُغْيَتِهِ على طائلٍ. وعَدَّ بعضُهم "سُقِطَ في يَدِهِ" في الأفعالِ التي لا تَتَصَرَّفُ كَنِعْمَ وبِئْسَ.
قولُه: {وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ} هذِهِ الرؤيةُ قلبيَّةٌ، ولا حاجةَ إلى تقديمٍ وتَأْخيرٍ هنا كما زَعَمَ بعضُهم.
قولُهُ: {لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} لئن: اللامُ مُوَطِّئةٌ للقَسَمِ، أَيْ واللهِ لِئِنْ لم يرحمنا ربُّنا لنكوننَّ ..، وفي قولِه سُبْحانَهُ: "لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين" جوابُ القَسَمِ كما هو المشهورُ. ومجيءُ خَبَرِ "كانَ" مُقْتَرِناً بِ "مِنْ" التَبْعيضِيَّةِ أَقوى في إثباتِ الخَسَارَةِ مِنْ قولكَ لَنَكُونَنَّ خاسرين.
قرأ العامَّةُ: {سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ}، بضمِّ السينِ، مبنيّاً للمفعول،
وقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْقعِ "سَقَطَ في أَيْديهِمْ" مَبْنِيَّاً للفاعِلِ، وفاعلُهُ مُضْمَرٌ، أي: سَقَطَ النَدَمُ، أو سَقَطَ العَضُّ. أو سَقَطَ الخُسْرانُ والخيبةُ. وقرأَ ابْنُ أَبي عَبْلَةَ: "أُسْقِط" رُباعيّاً مَبْنِيّاً للمَفْعولِ. وهي لُغَةٌ كما تقدّم.
قولُهُ: {لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا} قرَأَ الأخَوان (حمزة والكسائي): "تَرحمنا وتغفر" بالخِطابِ، و "ربَّنا" بالنَّصْبِ. وهي قراءةُ الشَعْبيِّ وابْنِ وَثّابٍ وابْنِ مُصَرِّفٍ والجَحْدَرِيُّ والأَعْمَشُ، وأَيّوبُ، وقرأ باقي السَبْعَةِ بِيَاءِ الغَيْبَةِ فِيهِما، و "رَبُّنا" رَفْعاً، وهي قِراءَةُ الحَسَنِ ومُجاهِد والأَعْرَج وشَيْبَة وأَبي جَعفر. فالنَّصْبُ على أَنَّهُ مُنادى وناسَبَهُ الخِطابُ، والرَفْعُ على أَنَّهُ فاعلٌ، فَيَجوزُ أَنْ يَكونَ هَذا الكلامُ صَدَرَ مِنْ جميعِهم على التَعاقُبِ، أَوْ هَذا مِنْ طائفةٍ وهذا مِنْ طائفةٍ، فَمَنْ غَلَبَ عليهِ الخَوْفُ وقَوِيَ على المواجَهَةِ خاطَبَ مُسْتَقيلاً مِنْ ذَنْبِهِ، ومَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الحياءُ أَخْرَجَ كلامَهُ مُخْرَجَ المُسْتَحْيِي مِنَ الخِطابِ، فأَسْنَدَ الفِعْلَ إلى الغائبِ.









الساعة الآن 12:50 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى