فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 30
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) أَخْرَجَ ابْنُ إسْحقَ، وابْنُ جَريرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أَبي حاتمٍ، وأَبو نُعَيْمٍ والبَيْهَقِيُّ في الدلائلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضٍيِ اللهُ عَنْهُما. أَنَّ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَمِنْ أَشْرَافِ كُلِّ قَبِيلَةٍ، اجْتَمَعُوا لِيَدْخُلُوا دَارَ النَّدْوَةِ، وَاعْتَرَضَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ جَلِيلٍ، فَلَمَّا رَأَوْهُ، قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، سَمِعْتُ بِمَا اجْتَمَعْتُمْ لَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَحْضَرَكُمْ، وَلَنْ يَعْدِمَكُمْ مِنِّي رَأْيٌ وَنُصْحٌ، قَالُوا: أَجَلْ، فَادْخُلْ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ، قَالَ: انْظُرُوا فِي شَأْنِ هَذَا الرَّجُلِ، فَوَاللهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يُوَاثِبَكُمْ فِي أَمْرِكُمْ بِأَمْرِهِ، فَقَالَ قَائِلٌ: احْبِسُوهُ فِي وَثَاقٍ، ثُمَّ تَرَبَّصُوا بِهِ الْمَنُونَ، حَتَّى يَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ زُهَيْرُ وَنَابِغَةُ، فَإِنَّمَا هُوَ كَأَحَدِهِمْ، فَقَالَ عَدُوُّ اللهِ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: لا وَاللهِ، مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْي، وَاللهِ لَيُخْرِجَنَّ رَأْيَهُ مِنْ مَحْبَسِهِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَلَيُوشِكَنَّ أَنْ يَثِبُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ، ثُمَّ يَمْنَعُوهُ مِنْكُمْ، فَمَا آمَنَ عَلَيْكُمْ أَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ بِلادِكُمْ، فَانْظُرُوا فِي غَيْرِ هَذَا الرَّأْي، فَقَالَ قَائِلٌ: فَأَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، فَاسْتَرِيحُوا مِنْهُ، فَإِنَّهُ إِذَا خَرَجَ لَمْ يَضُرُّكُمْ مَا صَنَعَ، وَأَيْنَ وَقَعَ، وَإِذَا غَابَ عَنْكُمْ أَذَاهُ اسْتَرَحْتُمْ مِنْهُ، وَكَانَ أَمْرُهُ فِي غَيْرِكُمْ، فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: وَاللهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْي، أَلَمْ تَرَوْا حَلاوَةَ قَوْلِهِ، وَطَلاقَةَ لِسَانِهِ، وَأَخْذَهُ لِلْقُلُوبِ بِمَا يَسْتَمِعُ مِنْ حَدِيثِهِ؟ وَاللهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ، ثُمَّ اسْتَعْرَضَ الْعَرَبَ لِيَجْتَمِعُنَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَيَسِيرَنَّ إِلَيْكُمْ حَتَّى يُخْرِجَكُمْ مِنْ بِلادِكُمْ، وَيَقْتُلَ أَشْرَافَكُمْ، قَالُوا: صَدَقَ وَاللهِ، فَانْظُرُوا رَأْيًا غَيْرَ هَذَا، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللهِ لأَشِيرَنَّ عَلَيْكُمْ بِرَأْي مَا أَرَى أَبْصَرْتُمُوهُ بَعْدُ، مَا أَرَى غَيْرَهُ، قَالُوا: وَمَا هَذَا؟ قَالَ: نَأْخُذُ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ غُلامًا سَبِطًا شَابًّا نَهْدًا، ثُمَّ نُعْطِي كُلَّ غُلامٍ مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا، ثُمَّ يَضْرِبُونَهُ يَعْنِي: ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمُوهُ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ كُلِّهَا، فَلا أَظُنُّ هَذَا الْحَيُّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يَقْوُونَ عَلَى حَرْبِ قُرَيْشٍ كُلِّهُمْ، وَأَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا ذَلِكَ قَبِلُوا الْعَقْلَ، وَاسْتَرَحْنَا، وَقَطَعْنَا عَنَّا أَذَاهُ، فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: هَذَا وَاللهِ هُوَ الرَّأْي، الْقَوْلُ مَا قَالَ الْفَتَى لا أَرَى غَيْرَهُ، فَتَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ مُجْمِعُونَ لَهُ، قَالَ: فَأَتَى جِبْرِيلُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُ أَنْ لا يَبِيتَ فِي مَضْجَعِهِ الَّذِي كَانَ يَبِيتُ، وَأَخْبَرَهُ بِمَكْرِ الْقَوْمِ، فَلَمْ يَبِتْ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي بَيْتِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَأَذِنَ اللهُ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ فِي الْخُرُوجِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ هذِهِ الآيةِ، يَذْكُرُ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ وَبَلاءَهُ عِنْدَهُ. وأَخرجَ سُنَيْدٌ، وابْنُ جَريرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أَبي حاتمٍ، وأبو الشيخ، عن عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قال: لمَّا ائْتَمَروا بالنَبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، لِيُثْبِتوهُ أَوْ يَقْتُلوهُ أَوْ يُخْرِجوهُ قالَ لهُ عمُّه أَبُوا طَالِبٍ: هَلْ تَدْرِي مَا ائْتَمَرَ فِيكَ قَوْمُكَ؟ قَالَ: ((نَعَمْ، ائْتَمَرُوا أَنْ يَسْجُنُونِيَ، أَوْ يَقْتُلُونِيَ، أَوْ يُخْرِجُونِيَ))، قَالَ: مَنْ أَخْبَرَكَ هَذَا؟ قَالَ: ((رَبِّي))، قَالَ: نِعْمَ الرَّبُّ رَبَّكَ، فَاسْتَوصِ بِهِ خَيْرًا، قَالَ: ((أَنَا اسْتَوْصِي بِهِ، أَوْ هُوَ يَسْتَوْصِي بِي؟)). وأَخرجَ ابْنُ مَردوَيْهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سُئلَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ، عَنِ الأَيَّامِ، سُئلَ عَنْ يومِ السَبْتِ فقال: ((هوَ يومُ مَكْرٍ وخَديعَةٍ)). قالوا: وكيفَ ذاكَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قال: ((فيه مَكَرَتْ قُرَيْشٌ في دارِ النَدْوَةِ إذْ قالَ الله: "وإذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين". قولُهُ: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} يمكرونَ، أيْ: يَأْتَمِرون ويدبِّرون بِليلٍ لِشَرٍّ خِلْسَةً، و "وَيَمْكُرُ اللهُ"، أيْ: يَدفعُ عَنْك مَكْرَهُم، ويفضحُ أَمْرَهم، ويُفشِي سرَّهم، ويُبْطلُ كَيدَهم وَيُدَبِّرُ لِفَشَلِهُمْ، و "وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ" لأنَّ مَكْرَهُ نَصْرٌ لِلْحَقِّ، وَإِعْزَازٌ لأَهْلِهِ، وَخُذْلاَنٌ لِلْبَاطِلِ وأهلِه، وخزيٌ لحِزْبِهِ، وإنَّ مَكْرَهُ سبحانَه، لا يُنْقَضُ، وكيدَهُ لا يُدفعُ، ومقدرتُه لا تُحدُّ وبأسُهُ لا يُرَدُّ. قولُهُ تُعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ} هذا الظرفُ معطوفٌ على الظرف قبله، و "ليُثْبتوك" متعلِّقٌ ب "يَمْكُر". والتثبيتُ هنا الضربُ حتى لا يبقى للمضروبِ حركةٌ قال: فقلت وَيْحَكَ ماذا في صحيفتكمْ ...... قالوا الخليفةُ أمسى مُثْبَتاً وجِعا قولهُ: {واللهُ خيرُ الماكرين} مبتَدَأٌ وخبرُه، وهذه الجملةُ معطوفةٌ على جملة: "يَمْكُرُ اللهُ". قرأ الجمهورُ: {ليُثْبِتوكَ}، وقرأَ ابْنُ وثَّابٍ: "لِيُثَبِّتوك" فعَدَّاهُ بالتَضْعيفِ. وقرأَ النُخَعِيُّ: "ليُبَيِّتُوكَ" مِنَ البَياتِ. |
الساعة الآن 06:01 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |