منتديات البوحسن - فإن الله جل وعلا حول المؤمنين من الرؤية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خير خلقه سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فإن الله تعالى جلَّ وعلا حوَّل المؤمنين من الرؤية ـ أي من رؤيته جلَّ وعلا ـ إلى الاعتقاد, يعني نحن ما رأينا ربَّنا جلَّ وعلا, ولكن بالاعتقاد كأننا رأيناه, مع هذا وهو يعلم السرَّ وأخفى, يعلم ما في السماوات وما في الأرض وما تحت الثرى, لا يمنع شيء من علمه جلَّ وعلا, وهو جلَّ وعلا يجرِّب ويمتحن عباده المؤمنين خصوصاً, وغيرهم كذلك, أي من الكافرين, حوَّل إلى الاعتقاد بقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوج} [ق: 6]. أي أفلم ينظروا إلى السماء نظر تفكُّر واعتبار, كيف رفعناها بلا عمد, وزيَّناها بالنجوم الزاهرات, وما لها من صدوع ولا شقوق, وفي الحشر والإحياء بعد الموت والحساب, لا بدَّ للإنسان المؤمن الذي يطلب رضا الله جلَّ وعلا أن لا يخالفه حقيقةً وهو بهذا الوصف المحوَّل إلى الاعتقاد. عليه أن يحفظ اعتقاده, ويراقب مراقبته جلَّ وعلا إيانا, ولو أنَّه حوَّل مراقبته جلَّ وعلا إلى اعتقادنا, ولكنه جلَّ وعلا ينظر إلينا, ونحن تحت مراقبته جلَّ وعلا نتحرَّك, إذا كانت حركتنا وعبادتنا موافقة وهو جلَّ وعلا يقول: {أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون} [المجادلة: 22], حينذاك نكون من هذا القسم إن شاء الله تعالى, ويرضى عنا ربُّنا جلَّ وعلا, وقد وعد ربُّنا جلَّ وعلا من حفظ اعتقاده وعمل بمقتضاه أن يكرمه بالرؤية في الجنة. وإذا خالفنا ـ لا سمح الله ـ علينا أن نرجع ونتوب ونستعذر منه جلَّ وعلا, حتى يعفو عنا بلطفه وكرمه جلَّ وعلا, لا يخفى على من علم وتحقَّق بعلم الحقِّ وشموله على عموم ما ظهر وبطن في الآفاق والأنفس, علماً وعيناً, غيباً وشهادة, دنياً وعُقبى, أن عموم المظاهر والمجالي متوجِّهة إلى المبدأ الحقيقي, مع هذا فهي متوجِّهة نحوه جلَّ وعلا طوعاً, عابدة له رغبة, ساجدة إياه على وجه الخضوع والخشوع والانكسار التام والتذلُّل في النهاية. كما أخبر سبحانه وتعالى حبيبه عليه الصلاة والسلام تنبيهاً له وتأييداً لأمره ليكون هو ومن تبعه من المؤمنين الموحِّدين على ذكرٍ من ربهم الذي ربَّاهم على الدراية والشعور والعقل, ومن أجل هذا التحويل ألقى الله تعالى جلَّ جلاله في قلوب المنافقين الرعب, يخافون من المؤمنين كما قال جلَّ جلاله: {لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم} [الحشر: 13], والحال أن تلك الرهبة الشديدة الحاصلة منكم إياهم ناشئة {مِّنَ اللَّهِ} جلَّ وعلا, إذ هو سبحانه وتعالى قذفها في صدورهم.
وهذا التحويل هو اعتقاد المؤمن, ليس للمؤمن أن يغرَّ بهذا, لأن الفاعل الحقيقي هو الله جلَّ وعلا. اللهم اجعلنا ممن خرج من حوله وقوَّته وانسلخ من أنانيَّته وطبيعته البشرية, واجعلنا كالميت بين يدي الغاسل, حتى لا نعتقد ولا نعتمد على حولنا وقوَّتنا.
وإياكم إياكم أن تنحرفوا عن جادة العدالة الشرعية التي هي منتخبة عن العدالة الإلهية الواقعة بين مقتضيات أسمائه الذاتية وصفاته العلية, فلكم أن تطابقوا عموم أعمالكم وأخلاقكم وأطواركم عليها, بحيث لا تهملوا شيئاً من دقائقها, إذ بقدر إهمالكم من حدودها انحططتم عن درجة التوحيد ومرتبة أهل الوحدة الذاتية؛ إذ الشريعة إنما هي الوقاية الموضوعة بالوضع الإلهي بين الأنام؛ ليوفِّقهم الحقُّ بها إلى دار السلام التي هي مقعد صدق الرضا والتسليم. {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر} [القمر: 55]. هدانا الله تعالى وعموم عباده إلى سواء السبيل, وأعاذنا الله وإياهم عن الانحراف والتحويل, بلطفه الجميل وكرمه الجزيل, ولا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم, وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلى الله على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه وسلَّم, والحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
العاجز الفقير الغريب أحمد فتح الله جامي
خادم الطريقة الشاذلية
هذا ما أملاه عليَّ العارف بالله المربي سيدي الشيخ أحمد فتح الله جامي, شيخ الطريقة القادرية الشاذلية الدرقاوية, حفظه الله تعالى ونفعنا به.
يوم الجمعة بعد صلاة العشاء
الموافق 25 محرم 1432 هـ
31 كانون الأول 2010م
** ** **

http://www.shazeli.com