منتديات البوحسن

منتديات البوحسن (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   المواضيع الاسلامية (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=7)
-   -   فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 105 (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=8984)

عبد القادر الأسود 09-26-2014 10:08 AM

فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 105
 
حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
(105)
قولُهُ ـ جلَّ جلالُه: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ} حَرِيٌّ، وَجَدِيرٌ بِي، وَحَقٌّ عَلَيَّ، أَنْ لاَ أَفْتَرِي عَلَى اللهِ كَذِباً، وَأَنْ لاَ أَقُولُ إلاَّ الحَقَّ وَالصِدْقَ، لِمَا أَعْلَمُهُ مِنْ جَلالِ شَأْنِهِ وَعَظَمَتِهِ،
قولُهُ: {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} وَلَقَدْ جِئْتُكُمْ بِحُجَّةٍ قَاطِعَةٍ، مِنْ رَبِّكُمْ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِي فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ،
قولُه: {فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} فَاسْمَحْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَحَرِّرْهُمْ مِنْ رِبْقَةِ العُبُودِيَّةِ التِي فَرَضْتَهَا عَلَيْهِمْ. حتى يذهبوا معي راجعين إلى الأرض المقدّسة التي هي وطنهم ومولد آبائهم، وذلك أنَّ يوسُفَ ـ عليه السلامُ ـ لمّا تُوفِّيَ وانْقَرَضَتْ الأَسْباطُ، غَلَبَ فِرعونُ نَسْلَهم واسْتَعْبَدَهُمْ، فأنقذَهُمُ اللهُ بموسى ـ عليه السلام ـ وكان بين اليومِ الذي دَخَلَ يُوسُفُ مصرَ فيه واليوم الذي دخلَهُ مُوسى أَرْبعمئةِ عام.
قوله تعالى: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ} حَقِيقٌ: صفةٌ ل {رسولُ} من الآية التي قبلَها. أو خَبرٌ بعدَ خَبرٍ، "أَن لا أَقُولَ" الأحسنُ فيهِ أنْ يَكونَ فاعلاً ب "حقيق" كأنَّه قيلَ يحقّ عليَّ كذا ويجبُ. ويجوزُ أنْ يكونَ "أَن لا أَقُولَ" مبتدأ، و "حَقِيقٌ" خبره، وقيل: تمَّ الكلامُ عندَ قولِهِ "حَقِيقٌ" و "عَلَى أَن لا أَقُولَ" مبتدأٌ وخبرُه. و"على" ومجرورُهُ متعلقانِ ب "حقيقٌ".
وفي هذه العبارة وجوهٌ، أوجَهُها: أنَّه لمَّا قال موسى ـ عليه السلام: {إني رسولٌ من رب العالمين} قال لهُ فرعونُ: كَذَبْت، فأَغْرَقَ في وَصْفِ نَفْسِهِ بالصدْقِ في ذلك المقام، فقال: أنا حقيقٌ على قولِ الحق أي: واجبٌ عليَّ قولُ الحقِّ، وأنا القائمُ به، ولا يرضى إلاَّ بمثلي ناطقاً به. وفيه مبالغةٌ حَسَنَةٌ، وبذلك الإغراقِ في الوصف بالصدقِ يكون قد جعلَ قولَ الحَقِّ بمنزلةِ رَجُلٍ يجِبُ عليهِ شيءٌ، ثمَّ جعلَ نفسَهُ أي قابِلِيَّتَه لِقولِ الحَقِّ، وقيامِهِ به، بمنزلة الواجِبِ على قَوْلِ الحقِّ، فيكون هذا استعارةً مَكْنِيَّةً، وتخييليَّةً، وهو بابٌ من أبواب البلاغة.
الوجه الثاني: أنْ يكونَ مِنَ قَلْبِ الكلامِ لا مِنَ الإلْباسِ، فَقُلِبَ اللفظُ فصارَ: أَنا حقيقٌ على قَوْلِ الحقِّ. وهو كقول خداش بن زهير:
كذبتم وبيت الله حتى تعالجوا .......... قوادم حرب لا تلين ولا تمرى
وَتَرْكَبُ خَيْلا لا هَوَادَةَ بَيْنَها ........ وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر
المعنى: وتشقى الضياطرةُ بالرماح، والضياطرةُ جمعُ "ضَيْطار" مثل "بَيْطار" وهو الرجلُ الضخمُ لا غَناءَ به، ولا نفع فيه. أو هو التاجرُ لا يَبْرَحُ مكانَه، أو هو الجبان العظيم الخَلْق الذي لا يُحسن حملَ السِّلاح، وقيل الضَوْطَرَى الحَمْقَى، وبنو ضَوْطَرَى حيٌّ معروفٌ.
قال ابن سيدة الأندلسي: يجوزُ أنْ يكون عنى أنَّ الرماحَ تشقى بهم، لأنَّهم لا يحسنونَ حمَلها، ولا الطعنَ بها، ويجوزُ أنْ يكون على "القلب" أي تشقى الضياطرةُ الحُمرُ بالرِماحِ؛ يعني أنهم يُقتَلون بها. وكقول تميم بن مُقبل:
حَسَرْتُ كَفِّي عَنِ السِّربالِ آخُذُهُ ....... فَرْدًا يُجَرُّ عَلى أيْدِي المُفَدّينا
يريد: حسرت السربال عن كفي، ونحوِ ذلك من المقلوب، وهو بابٌ من أبواب المجاز، تقولُ العربُ: عَرَضَ النَّاقةً على الحوضِ، وإنما يُعرَضُ الحوضُ على الناقةِ.
قال أبو حيان التوحيدي: (وأصحابُنا يَخُصُّون القلبَ بالضرورةِ، فينبغي أَنْ يُنَزَّهَ القرآنُ عنه). وهو مذهبُ مَن مَنَعَهُ مُطلقاً، ومنهم من جوَّزَهُ مُطلقاً، ومنهم من جوزهُ بشرطِ أنْ يُفيدَ معنًى بَديعاً، وإلاَّ فلا.
والوجه الثالث: أنَّ ما لَزِمك فقد لَزِمْتَه، فلمَّا كان قولُ الحقِّ حقيقاً عليه كان هو حقيقاً على قولِ الحقِّ أيْ لازماً له.
والوجه الرابع: أنْ يُضَمَّن "حقيقٌ" معنى "حريصٌ" كما ضُمِّنَ "هَيَّجني" معنى "ذكَّرني" في قول الشاعر:
إذَا تَغَنَّى الحَمَامُ الوُرْقُ هَيَّجَنِي ............. وَلَوْ تَسَلَّيْتُ عَنْهَا أمَّ عَمَّارِ
وأنْ تكون "على" هنا بمعنى الباءِ وجهٌ خامسٌ: وهو قول والفراء والفارسي وغيرُهما. قالوا: إنَّ "على" بمعنى الباء كما أنَّ الباءَ بمعنى على في سورة الأعراف: {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ} الآية: 86. أي: على كلِّ صراط. وتقولُ العربُ: رَمَيْتُ على القوس وبالقوس، وجِئْتُ على حالٍ حسنة وبحال حسنة. إلاَّ أن ذلك ليس بالمطَّرِدِ، فلو قلت: ذهبتُ على زيدٍ، تريدُ: بزيدٍ لم يجزْ. ذلك لأنَّ مذهبَ البَصْريّين عدمُ التجوُّزِ في الحُروف.
قولُهُ: {من ربِّكم} مِنْ: متعلِّقةٌ إمَّا ب "جئتكم" على أنها لابتداءِ الغايةِ مجازاً، وإمَّا بمحذوفٍ وقعَ صِفَةً لِ "بَيِّنَةٍ" مُفيدةٌ لِفخامَتِها الإضافيَّةِ مُؤكِّدةٌ لفخامَتِها الذاتيَّةِ المستَفادةِ مِنَ التَنْوينِ التَفْخيميِّ في "بيِّنةٍ".
قولُهُ: {حقيقٌ على أنْ} قرأ عامَّةُ القرّاءِ: "على أَنْ" ب "على" التي هي حرفُ جَرٍّ داخلةٌ على أَنْ وما في حَيِّزِها.
وقرأ نافعٌ: "حقيقٌ عليَّ" ب "على" التي هي حرف جر داخلة على ياءِ المُتَكَلِّمِ.
وقرأَ عبدُ اللهِ والأعمشُ: "حقيق أن لا أقول" بإسقاطِ "على" فاحتَمَلَ أنْ يَكونَ على إضْمارِ "على" كقراءةِ مَنْ قرأَ بها، واحتَملَ أنْ يكونَ على إضمارِ الباءِ، كقراءة أُبيٍّ.


الساعة الآن 10:33 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى