منتديات البوحسن - أربع ميتات لأهل الله

:extra144:

أربع ميتات لأهل الله

من أقوال الشيخ الأكبر في الحديث عن صفات أهل الله: أعلم أن لأهل الله أربع ميتات موت أبيض وهو الجوع، جوع العادة، وموت أحمر وهو مخالفة النفس في هواها، وموت أخضر وهو لباس المرقعات لا المشهرات وإنما سمينا لبس المرقعات موتا أخضر لأن حالته حالة الارض في اختلاف النبات فيها والازهار، وموت أسود وهو تحمل أذى الخلق بل مطلق الأذى، والموت الاسود لاحتمال الأذى فإن في ذلك غم النفس والغم ظلمة والظلمة تشبه في الألوان السواد، والموت الأبيض هو الجوع فإن الجوع من الصبر واللون الأبيض مناسب للضياء فإنه صلى الله عليه وسلم قال “والصبر والضياء” (روح القدس طبعة الشيخ محمود الغراب ص 16).

قد يثقل كلام مثل هذا على نفوسنا في القرن الحادي والعشرين الذي هو قرن الاستهلاك وتضخم الحواس بامتياز، قرن التخمة والانفعالات والبذخ المسرف والتوتر المضني مما خلق تشتتا في النفس وجرياً وراء كل شيء ولهاثا من اجل لا شيء، حتى صح القول إن الانسان في هذا القرن قد ضل سعادته وفقد أنسه وتشتت فكره وصار فريسة أمراض واوجاع أكثرها أصله الطمع والتشوف لامتلاك الاكثر ولتلذذ حواس اكبر.

والشيخ هنا يدلنا إلى طريق من أراد أن يحيا حياة طيبة يأنس فيها بالله وبأحبابه ويأخذ من الدنيا ما يكفيه ويرضيه ويشبعه ويسعده دون أن يكون عبداً لمطامع لا حد لها ولرغبات لا نهاية لها، وهو رحمه الله يسميها (ميتات) لانها ميتات لأصول الشرور وتنجم عنها ولادات في رحم الأنس والرضى والحبور: أولها الموت الأبيض وهو الجوع فمن منا اليوم يستطيع أن يدعي أنه فوق حاجة بطنه؟ وخبرة الجوع ليست سيئة إلى الحد المتصور لا سيما عندما يكون جوعا لله يمازجه الصبر والرضى والخضوع لأمر الله وطاعته، وأول مراتب الجوع هو البعد عن اللقمة الحرام حتى وإن لم يوجد غيرها - إلا في حدود الحفاظ على الحياة - وقد ترخص الناس اليوم في هذا الجانب فخاضوا في الحرام بدعوى انتشاره وغلبته على الحلال، وثانية مراتب الجوع هي جوع العادة فالمسلم يجدر به أن يكون فوق أسر العادات في كل شيء وها نحن في رمضان نعاني الامرين لمجرد تغير بسيط في عادات الاكل ثم نفرغ في بطوننا عند الافطار ما نفرغه خارج رمضان في عدة أيام، وما شرع الصيام لمثل هذه الشره غير المحمود لا في رمضان ولا في غيره، بل لعل هذا الشره يحمل قليلا او كثيرا من سوء الادب مع الله، وثالثة مراتب الجوع هي ان تجوع ليشبع الاخر ونحن اليوم نتخم والناس يموتون من الجوع ونرمي بالطعام والناس يعيشون على فضلاته، ورابعة مراتب الجوع هي التخفف من الطعام الذي يضني الجسد ويعيق صاحبه عن العمل والعبادة، وخامسة مراتب الجوع هي الامتثال لأمر الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم في توجيهه الشريف “حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه” لما في هذا من تخفيف كثافة الجسد وتحقيق الروح وتحليقها في سماء العبودية والقرب.

الجوع إذن مدرسة يتعلم فيها المسلم ان يكون أكبر من غريزة بطنه استجابة لنداءات روحه، وهو موت للنفس الغريزية وحياة للنفس العارفة المحبة وبهذا استحق أن يوصف بأنه الموت الابيض لما فيه من ضياء ونور الصبر

ماهر سقا أميني