منتديات البوحسن

منتديات البوحسن (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   رسائل ووصايا في التزكية (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=15)
-   -   الحب والمقت في الله (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=5414)

عبدالقادر حمود 08-22-2010 08:09 AM

الحب والمقت في الله
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الحب والمقت في الله


ماهر سقا أميني


قال الشيخ محيي الدين رحمه الله لنفسه، وقد استشكل عليها، وعظم قول أبي الدرداء رضي الله عنه: إنك لا تفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في جنب الله،ثم ترجع إلى نفسك فتكون لها أشد مقتا منك للناس: أعلمي أن للانسان حالتين، إما أن يغلب عليه ربه،أو نفسه، فإن غلب عليه ربه لم يعرف الناس ولا ماهم عليه،وأداه ذلك إلى تركهم في جنب ما حصل في نفسه من الأنس بالله تعالى،ويمقت هنا بمعنى يترك، فإن مَنْ مقت الشيء تركه،فكنى بالأصل هنا عن الفرع،وأما من غلبت عليه نفسه فالمقت هنا على بابه وصورته .

ومقته للناس أن الغالب على الناس المخالفة والبطالة،فلا يزال يمقت منهم تلك الأعمال وينبههم عليها ويقرع أسماعهم بها وينصحهم في دين الله وجنبه،فيثقل ذلك عليهم ويستخفونه ويردونه ويتجنبونه،ويسدون الأبواب في وجهه،حتى يتركوه فرداً وحيداً، لا صديق له ولا معاشرا، كما قال عليه السلام:( ما ترك الحق لعمر من صديق)، فإذا رجع الناس أعداء له لا يكلمونه رجع بالضرورة إلى نفسه فمقتها بأنواع من التوبيخ من قلة الصدق في العمل وعدم الإخلاص ودخول العلل في المخاطبات والخواطر والنصيحة والإشارات، فصار مقته لنفسه أشد من مقته للناس، ولا يقدر أن ينفصل عن نفسه ولا تنفصل عنه مثل الناس،فيفتح له في ذلك من الفقه الإلهي والعلم اللدني مالايعرفه الا من شاهده، وحسبك يا نفس فقد أطلت عليّ السؤال،فاقنعي بهذا القدر(روح القدس50-51) .

والشيخ هنا يرى في معرفة الله ذي الكمالات ما يجب أن يغلب على النفس فلا تأنس الا بالله، وإن أنست بمخلوق فبما يرضي الله، من امرأة صالحة أو ولد طيب أو صحبة خيرة، ومع ذلك فإنه يبقى مشغولاً بربه فلا يهمه أمر الناس ولا ما هم عليه،لذلك كان من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه، أما المشغول بنفسه فتراه لا ينفك عن التطلع إلى أحوال الناس وماهم عليه وما يملكونه، لأنه وهو المحب لنفسه لا بد أن يقيس أحوال الناس على أحواله،وما بين أيديهم على ما بين يديه،وهذا باب لآفات في القلب لا حصر لها .

والحق أن المرء إن كان محباً لنفسه حريصاً عليها عن وعي وفهم لما نظر في أحوال الحياة الدنيا ومتاعها، إذ لو شغل نفسه بربه وآخرته لكان خيراً له،وذلك نور من الله يقذفه في قلب من يشاء .

والمصاب أن هذا المعنى بات غريباً في هذا الزمان، فكيف يأنس الإنسان بالله ولله ولا يأنس للناس من حوله ممن يراهم ويسمعهم؟ ذلك أننا أعرضنا فأعرض عنا، وبعدنا فأبعدنا، ونحن من شدة الجهالة نأنس حتى بمن لا يؤمن جانبهم ومنّا من يأنس حتى للحيوان ولا يطيق أن يخلو بنفسه ساعة، فهل هذه الا نفوس شيطانية وحيوانية ما أبعدها عن معارج معرفة الله والأنس به .

ثم إن من غلبه أو غلب عليه حب ربه كان وقافاً للحق لا يداهن في دين الله ولا في ذمة الناس، وهو أحرص على تبرئة ذمته من الأمر بمعروف متروك أو نهي عن منكر معمول به من ملاينته للناس وملاينة الناس له .

ومن وقف للحق قلاه الناس الذين يغلب عليهم كما يرى الشيخ المخالفة والبطالة،فأقل ما يقال له : “مالك ومالنا؟ لك دينك ولنا ديننا، اهتم بشأنك واتركنا لشؤوننا”، ومع أن المطلوب منا الملاينة في النصح وقد أمرنا فيه بالحكمة والموعظة الحسنة الا أن الناس لا يتحملون حتى الموعظة الرقيقة والنصيحة الشفيقة،فتراهم يعرضون وقد أعرضوا من قبل عن الأنبياء والمرسلين، مما يورث وحدة وانفراداً، فإن عاد المرء إلى نفسه ووجد فيها ألماً من إعراض الناس أو وحشة من انصرافهم عنه اتهم نفسه، في المخاطبات والخواطر والنصيحة والإشارات، فأين هو من الاخلاص في كل هذا، فيمقت نفسه ولا يستطيع الانفكاك عنها كما انفك عن الناس،ويستوحش منها وهو لا يستطيع مفارقتها، فيفتح الله عليه من العلم به والأنس به ما يجعله يركن ويهدأ بعد لوعة وعذاب، وهذا مما لا يقدر الكلام على التعبير عنه فمن ذاقه هنيئاً له .

قالت نفس الشيخ:لقد عرفت إنى لا شيء ولا أصلح لشيء، وإني في وجودي كما كنت قبل وجودي (وقد خلقتك ولم تك شيئاً) .(روح القدس 51) .

وما أظنها إلا وقد وضعت قدمها على الطريق الصحيح .


الساعة الآن 03:57 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى