منتديات البوحسن

منتديات البوحسن (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   المواضيع الاسلامية (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=7)
-   -   فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 7 (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=9212)

عبد القادر الأسود 01-19-2015 08:41 AM

فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 7
 
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ
الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ
الْكَافِرِينَ
(7)
قولُهُ ـ تبارك وتعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} الخطاب للمسلمين بِطريقِ الالْتِفاتِ. وصِيغَةُ المُضارِعِ لحِكايَةِ الحالِ الماضِيَةِ لاسْتِحْضارِ صُورَتها. والوَعْدُ مِنَ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ، يجِبُ أَنْ يُسْتَقْبَلَ مِنَ المَوعُودِ بَأَنَّهُ حَقٌّ؛ لأنَّ الذي يَقْدَحُ في وَعْدِ الناسِ للناسِ أَنَّ الإنْسانَ لَهُ أَغْيارٌ، فقد تَعِدُ إنْساناً بِشَيْءٍ، وتحاولُ أَنْ تَفِيَ بما وَعَدْتَ ولكنكَّ لا تَستطيعُ. لقُصورٍ في قوَّتِكِ. أو لتَغَيُّرٍ في رَأْيِكَ، أو لحدوث مالم يكن في الحسبان مما هو خارجٌ عن إرادتك. لكنَّ الوَعْدَ مِنَ اللهِ القادِرِ القَوِيِّ الذي يقدِّر الأقدار ويخلق الظروف والأَسبابِ وكلُّ شيء بيدِه أَمْرُهُ وناصيتُه، فلا عَراقيلَ ولا أسباب تحولُ بينَه وبين إنْفاذِ ما يُريدُ، فإنَّ وعدَه حَقٌّ، ويجِبُ أَنْ يُتَلقّى هذا الوعْدُ عَلى أَنَّهُ كذلك.
وإنَّما وَعَدَهم إحدى الطائفتين على الإِبهامِ مَعَ أَنَّهُ كان يُريد إِحداهما وهي النفيرُ، لِيَسْتَدْرِجَهم إلى الخُروجِ للِقاءِ العَدُوِّ، حتى يَنْتَصِروا عَلَيْه. وبِذلكَ تَزولُ هَيْبَةُ الشِرْكِ والمُشْرِكينَ مِنْ قُلوبِ المؤمنينَ. ولو أَنَّه دَعاهم إلى حَرْبهم مُنْذُ البِدايَةِ، فلرُبَّما كانوا أقلَّ اسْتِجابَةً وأكثرَ تهيُّباً للأمرِ، بسببِ الفارِقِ الكَبيرِ بَينَ الفَريقَينِ في العَدَدِ والعُدَّةِ، لكنَّه سبحانَه، أَخْرَجَهم بالطمعِ بالقافِلَةِ بِدايةً ولمّا أَصْبَحوا في مُواجَهَةِ العَدُوِّ، أَمَرَهُمْ بالقِتالِ، فَأَصْبَحوا محكومين بالواقِعِ الذي لا مَفَرَّ مِنْهُ. وقدْ تَقَدَّمَ في الآيةِ السابِقَةِ أَنَّ جِبريلَ ـ عليه السَّلامُ، نَزَلَ على رَسُولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم، وهو في وادي (ذَفِرانَ) وأَخْبرَهُ بأَنَّ اللهَ ناصرُهُ، ومُعِزُّ دِينِهِ، وَوَعَدَهُ الفَوْزَ بِعِيرِ قُرَيْشٍ أَوْ نَفيرِها، أَيّْ بقافِلَتِها أو جَيْشِها، وكانتْ قُرَيْشٌ قد خَرَجَتْ إلَى بَدْرٍ فِي حَوَالَي أَلَفِ رَجُلٍ، وَانْحَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ بِالقَافِلَةِ إلَى طَرِيقِ البَحْرِ، وَخَرَجَ المُسْلِمُونَ حَتَّى وَصلوا بَدْراً، وَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ بِوُجُودِ قُرْيَشٍ بِالقُرْبِ مِنْهُمْ. وَلَمَّا عَلِمَ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، بِوُجُودِ قُرَيشٍ قَريباً مِنْهُمْ اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ، فِيمَا يَفْعَلُ وَكَانُوا: 313 أو 317 أو 319 رَجُلاً بحسبِ اختلافِ الروايات. وَقد تقدَّمَ أَنَّ خُطَباءَ المُهَاجِرينَ فَوَّضُوا الأَمْرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ، وَالأَنْصَارُ سَاكِتُونَ، وهُوَ يَقُولُ: أَشيرُوا عَلَيَّ أَيُّها النَّاسُ. وَفَطِنَ الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ سَعْدُ بْنُ معَاذٍ، رِضْوَانَ اللهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ سَيِّدُ الأَوْسِ، إِلَى أَنَّ الرَّسُولَ إِنَّمَا يُرِيدُ مَعْرِفَةَ رَأْي الأنْصَارِ وَمَوْقِفَهُمْ، فَقَالَ قَوْلاً كَرِيماً، وَفَوَّضَ الأَمْرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ أيضاً كما تقدَّم. وَكَانَ كَثيرٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، يُرِيدُونَ العِيرَ، لأَنَّ أكْثَرَهُمْ كانَ مِنَ الفُقَراءِ، لا سِيَّما الذين هاجروا تَاركِينَ أَمْوالهم ومَتاَعهم في مَكَّةَ فإنَّ ما في القافِلَةِ يُصْلِحُ حَالَهُمْ دُونَ تَعَرُّضٍ إلَى مَخَاطِرِ الحَرْبِ. وَبَيْنَمَا كَانَ المُسْلِمُونَ يَتَشَاوَرُونَ اقْتَرَبَتْ قُرَيْشٌ كَثِيراً مِنْ مَوَاقِعِ المُسْلِمِينَ عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ، وَدُونَ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بِمَكَانِ الآخَرِ، فَلَمْ يَتْرُكِ اللهُ خِيَاراً لأَحَدٍ مِنَ الجَانِبَيْنِ، فَكَانَتِ الحَرْبُ. وَكَانَ النَّصْرُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَبِذَلِكَ ثَبَّتَ اللهُ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ المُنَزَّلَةِ عَلَى رَسُولِهِ، وَسَحَقَ قُوَّةَ المُشْرِكِينَ، وَقَضَى عَلَى رُؤُوسِ الكُفْرِ فِي مَعْرَكَةِ بَدْرٍ، وَأَذَلَّ المشْرِكين، وَأَعَزَّ الإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ.
قولُهُ: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} أيْ: غيرَ ذاتِ الحَرْبِ وهيَ العيرُ لأنَّ نُفوسكم في لقائها أَسْكَنُ، وأنتم إلى ما فيها مِنَ الأَمْوالِ أَحْوَجُ. والشوكةُ القوَّةً الأسْلِحَةُ، سمِّيَتْ بِذلِكَ لِحِدَّتِها، فكُنّيَ بها عَنِ الحَرْبِ لما فيها مِنَ الشِدَّةِ، والسلاح، وهو مِنْ قولهم رَجُلٌ شَاكٍ في السِلاحِ، والمعنى تحبّونَ أَنْ تَلْقَوُا الطائفةَ التي لا سِلاحَ لها وهي العيرُ.
قولُه: {وَيُرِيدُ الله أَن يُحِقَّ الحَقَّ بكلماته} أَيْ: يُظْهِرَ كونَهُ حَقّاً "بكلماته" المُوحَى بها في هَذِهِ القِصَّةِ، أَوْ أَوامِرِهِ للمَلائكَةِ بِالإمْدادِ أَوْ بما قَضى مِنْ أَسْرِ الكُفَّارِ وقَتْلِهم وطَرْحِهِمْ في قَليبِ بَدْرِ، أيْ: أَنَّ اللهَ تَعالى يُريدُ أن يَنْصُرَ الإسْلامِ بِقُوَّةٍ ضَئيلَةٍ ضَعيفَةٍ بغيرِ عَتادٍ على جَيْشٍ قَويٍّ فيَعرفونَ أَنَّ رَبَّنا مُؤيدُهم، فَقُتِلَ صَناديدُ قُرَيْشٍ وصَدَقَ فيهمً الوَعيدُ. وبذلك يُحِقُّ الحَقَّ بِكَلِماتِهِ أَيْ بِوَعْدِه. وهناكَ الكَلِمَةُ مِنَ الله التي قال فيها: {وَأَوْرَثْنَا القومَ الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مشارق الأرضَ ومغاربها التي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحسنى} سورة الأَعْرافِ، الآيةُ: 137. هكذا كان وعدُ اللهِ الذي تحقَّقَ. فقال شداد بْنُ أَوْسٍ اللَّيْثِيِّ المُكَنَّى أَبا بَكْرٍ يَرثي قتلى ذلك اليوم وهم أهلُ قَليبِ بدرٍ الذين ألقوا فيه من زعماءِ قريش:
وماذا بالقَليبِ، قَليبِ بَدْرٍ ................. مِنَ الشِّيزي تُزيَّنُ بالسَنَامِ
وماذا بالقليبِ قَليبِ بَدْرٍ ............... مِنَ القَيْناتِ والشَّرْبِ الكِرامِ
تُحَيّي بالسَلامةِ أُمُّ بَكْرٍ .................. وهلْ لي بَعْدَ قَومِيَ مِنْ سَلامِ
القَليبُ: البئرُ قبل أن تُطوى. والشِّيزِيُّ: خشبٌ أسودُ اللونِ أو هو خشب الأبانوس أجودُ أنواع الخشبِ، كانوا يصنعون منه الجفانَ الضخمة.
ووقَفَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، عَلى القَليبِ، قليبِ بدر وناداهم بأسمائهم واحداً واحداً وقال لهم: ((لقد وَجَدْنا ما وَعَدَنا
رَبُّنا حَقاً فَهَلْ وَجَدْتمْ ما وَعَدَ رَبُّكم حقّاً)).
قولُه: {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين} أي: آخرَهم والمراد يهلكهم جملة من أصلهم لأنه لا يفني الآخر إلا بعد فناء الأول، ومنه سمي الهلاك دباراً . والمعنى أنتم تردون سفساف الأمور والله عز وجل يريد معاليها وما رجع إلى عُلُوِّ كلمةِ الحَقِّ وسموِّ رُتْبَةِ الدين وشتان بين المرادين، وكأنَّه للإشارة إلى ذلك عبر أوَّلاً بالوَدادة وثانياً بالإرادة. والدابر والدُبر هي الخلف، وتقول: "قطعتُ دابِرَهُ" أيْ لم أَجْعَِلْ لَهُ خَلَفاً.
قولُهُ تَعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إحدى الطائفتينِ أنَّها لكم} إذ: منصوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ: اذْكُرْ "إذ". إنْ كانَتْ مُتَصَرِّفَةً، أوْ: ظَرْفٌ لِمَفعولِ ذلكَ الفِعْلِ إنْ كانت غير متصرِّفةٍ، و "إِحْدَى" مَفْعولٌ ثانٍ لِ "يعد" والمفعول الأوَّلُ هو ضميرُ المسلمين المتصلُ ب "يَعِدُ" وهو الكافُ. وهو يَتَعَدَّى إلى المفعولِ الثاني بِنَفْسِهِ وبالباءِ، فنقول: وعَدَهُ كذا أو بكذا. والمعنى: اذكروا وقتَ أو الحادثَ وقتَ وعَدَ اللهُ تَعالى إيَّاكُمْ إحْدى الطائفتين. و "أنّها لكم" في تأويل مصدر هو بدلُ اشْتِمالٍ مِنْ "إحدى الطائفتين" مُبَيِّنٌ لِكَيْفِيَّةِ الوَعْدِ، أي: يعدكم مصيرَ إحدى
الطائفتين لكم.
قولُه: {وتَوَدُّونَ غيرَ ذاتِ الشَوْكَةِ} هذه الجملةُ عطفٌ على جملة "يَعِدُكم" وفيها تعريضٌ بالمسلمين الذين لم يرغبوا بقتال المشركين، وفضلوا اغتنام القافلة. ويجوزُ أَنْ يكونَ"وتودون" في مَوْضِعِ الحالِ والواوُ واو الحالِ، أَيْ بَعِدُكُمُ اللهُ إحْدى الطائفتَين في حالِ وَدِّكُم لِقاءَ الطائفةِ غيرِ ذاتِ الشوكةِ، وهذا الوَدُّ هو محلُّ التَشبيهِ الذي أَفادَهُ عَطْفُ "وَإِذْ يَعِدُكُمُ" مجرورُ الكافِ في قولِهِ: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} الآية: 5 السابقة، فهو مما شُبِّهَ بِهِ حالُ سؤالهم عَنِ الأَنفالِ سؤالاً مَشوباً بِكراهِيَةِ صَرْفِ الأَنفالِ عنِ السائلين عَنْها الذين يرومون أخذَها. و "ذَاتِ" صِفَةٌ لمُقَدَّرٍ والتقدير: الطائفة غير ذات الشوكة، أي الطائفة التي لا تستطيع القتال.
قولُهُ: {أَنَّها لكم} مَنْصوبُ المَحَلِّ عَلى البَدَلِ مِنْ "إحدى" أي: يَعِدُكم أن إحدى الطائفتين كائنةٌ لكم، أيْ: تَتَسلَّطون عَليها تَسَلُّطَ المُلاَّكِ فهِيَ بَدَلُ اشْتِمالٍ.
قولُهُ: {ويُريدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الحقَّ بكلماتِهِ} عَطْفٌ على جملةِ "وَتَوَدُّونَ" على احتمالَيْ أَنَّ واوَها للعَطْفِ أَوْ للحالِ، وفي قوله: "لِيُحِقَّ الْحَقَّ" جناسُ الاشْتِقاقِ. وفيهِ دَلالَةٌ على أَنَّ أَصْلَ مادَّةِ الحَقِّ هو فِعْلُ حَقَّ. والباء في "بِكَلِمَاتِهِ" للسَبَبِيَّةِ، وذَكَرَ هذا القيدَ للتَنْويهِ بإحْقاقِ هذا الحقِّ، وبَيانِ أَنَّه مما أَرادَه اللهُ لِنُصْرَةِ دِينِهِ والمؤمنين به ويَسَّرَهُ، ومما بَيَّنَه للنّاسِ مِنَ الأَمْرِ،وللتَنْبيهِ على أَنَّ ذلك واقعٌ لا مَحَالَةَ لأنَّ كَلِماتِ اللهِ لا تَخْتَلِفُولا تتخلَّفُ، ولمدْحِ هذا الإحقاقِ بأنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ كَلِماتِ اللهِ تعالى وعَزَّ.
قرَأَ الجُمهورُ: {يَعِدُكُمُ} على رَفْعِ الدالِ لأنَّهُ مُضارِعٌ مَرفوعٌ. وقَرَأَ مُسْلِمُ بْنُ محارِبٍ بِسُكُونها على التَخفيفِ لَتَوالي الحَرَكاتِ. وقرأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ "يَعِدُكُمُ اللهُ احْدى" بوصلِ همزةِ "إحدى" تخفيفاً على غير قياس، بإسقاطِ الهَمْزَةِ، فأَجْرى همزةَ القَطْعِ مُجْرى همزَةِ الوَصْلِ. وقَرأَ أَيْضاً "أَحْدَ" بالتَذكيرِ، لأنَّ الطائفةَ مُؤَنَّثٌ مجازِيٌّ.
وقرأ أبو عمرو فيما حكى أبو حاتم: {الشوكة تكون} بإدْغامِ التاءِ في التاءِ.
وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بخلاف عنهم "بِكَلِمَتِه" على الإفْرادِ الذي يُرادُ بِهِ الجَمْعُ.


الساعة الآن 05:49 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى