منتديات البوحسن

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الششتري
من أتى بابنا أنلناه فضلاً * تلك عاداتنا لمن شاء قبلة
وأجعل الفقر شفيعاً لك تغني * حبذا الإفتقار ديناً وملة

صاحب هذه الأبيات الرفيعة هو ولي الله المحقق الناطق بالحقيقة الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله الششتري من قبيلة هوازن العربية , الششتري نسبة إلى ششتر قرية بوادي آش , بالأندلس .

ولد سنة 610 هـ , كان أميراً بالأندلس , وعاش حياة مرفهة مريحة , بيد أن ما جبل عليه من تطلع إلى المعرفة والكمال , ساقه إلى رجل يصغره بثلاث سنين ويكبره فضلا وعلما ومعرفة , فأخذ عنه وصحبه وحاز على يديه الكريمتين خيري الدنيا والآخرة ولم يكن شيخه هذا الا العارف بالله سيدي عبد الحق بن سبعين الذي أخذ تلميذه المرفه هذا بصنوف التربية والعزائم , ثم أمره أن يغني في الأسواق , ولك تصور مشقة هذا على أمير ماكان يعرف الا تودد الناس إليه والسعي في إرضائه , ولكن العبرة دائما بالنهايات فقد فتح الله على الأمير الششتري وصار علما إسلامياً خالداً وما انفك شخصه وأثره محوراً للدراسات وموضوعاً لرسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات الإسلامية والأجنبية , ولعل أفضل هذه الدراسات على الإطلاق هي رسالة دكتوراه د . سامي النشار سنة 1948 في جامعة كامبردج ببريطانيا .

ولتعرف فضل الششتري أنقل إليك رأيا لأحد أكبر علماء الإسلام وهو الشيخ أحمد الزروق الذي وصفه بقوله : (( الشيخ العارف أحد الصوفية من أبناء الملوك , ثم صار من سادات الصوفية , كان يقرأ عليه القرآن والسنن ، عارف بالحديث , وأما علم الأسرار والأنوار والحكم والأذواق فحاز فيه قصب السبق وكتبه دائرة على تحقيق العلم )) تعلق الشيخ الششتري بشيخه ابن سبعين وكان يسميه مغناطيس النفوس واكسير الذوات وساح معه في البلاد كثيراً ولما هجر ابن سبعين الأندلس إلى مكة المكرمة لم يطق الإبتعاد عنه فخرج من الأندلس وقدم عليه فيها كما طاف لوحده فضلا عن حواضر الأندلس كبريات المدن العربية , وزار مكناس وفاس بالمغرب , وقابس بتونس , ومصر ومكة المكرمة , والمدينة المنورة , والشام وإطرابلس , وعندما خرج الششتري من ليبيا إلى مصر كان معه قرابة 400 مريد , منهم من أتى معه عند قدومه إلى ليبيا ومنهم ليبيون لزموه وصحبوه .. ومن موشحاته التي مزجها باللهجة الليبية وألفاظ أهلها العامية , تلك التي يقول في مطلعها :

شويخ من أرض مكناس * وسط الأسواق يغني
آش عليا من الناس * وآش على الناس مني

وخلف شيخه ابن سبعين بعد وفاته سنة 667 هـ على طريقته , ولم تذكر له لقيا بالشاذلي رغم تعاصرهما زمانا ومكانا , ولكنه التقى مع بعض رجال الطريقة الشاذلية في مصر وتأثر بهم وتأثروا به , وربما في هذا ما فسر تداول أشعاره بينهم إلى عصرنا .والشيخ الششتري ممن يسر الله عليهم إفهام العوام لكلام الجهابذة الإعلام وطوع ألسنتهم للنطق بالحقائق ميسرة بأشعار وأزجال سهلة الحفظ ميسورة الفهم لغة فصحى أو عامية أو خليط منهما معا ممزوجة بلهجات البلد التي يحل بها , وأرجو أن أكون موفقا إن قلت أن الششتري فاق بحق شيخه ابن سبعين الذي كان لا يطيق فهم عبادته إلا علية القوم , وليس هذا الرأي قصراً عليّّ دون غيري كما أنني لا أدعي السبق فيه إذا سبقني إليه ابن خلدون في مقدمته ص 331 وابن عباد الرندي في الرسائل الكبرى ص 197 , وإنما أحببت إثباته , ولك أن تقرأ كتاب يد العارف لابن سبعين لتتيقن مما نذهب إليه .

وكل مؤلفات الششتري في التصوف ولم يؤلف في غيره قط وهي :

كتاب العروة الوثقي، وكتاب المقاليد الوجدية في أسرار الصوفية، والرسالة القدسية والمراتب الإيمانية، والرسالة العلمية , وحوالي مائة مقطعة من الأزجال و50 موشحة ممزوجة بالعربية والعامية و40 قصيدة من الشعر الفصيح وهو أول من استخدم الأزجال في التصوف , أما الموشحات فقد سبقه ابن عربي في استخدامها. قضى آخر حياته متنقلا بين مصر والشام حتى توفي في 17 صفر 668 هـ ودفن بقرية طينة قرب مدينة دمياط بمصر , حسب إشارته إذا قال عندما حل بها حنت الطينة إلى الطينة .