منتديات البوحسن

منتديات البوحسن (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   كتب سيدي الشيخ احمد فتح الله جامي حفظه الله (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=70)
-   -   الدرر البهية في الوصايا الجامية (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=950)

عبدالقادر حمود 11-07-2008 06:05 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 

{ 131 } من حمل أخلاق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو السيد ، لذا لا تقل للمخالف ( سيدي ) والأخلاق الحسنة هي من جنود القلب ، بها يقوى الإيمان ، كما أن الأخلاق السيئة من جنود النفس

ــــــــــــــــــ ص 104 ـــــــــــــــــــــــــــ
بها تقوى النفس ، فوجب على السالك أن يقوّي جنود قلبه على جنود نفسه . وقلبك بين جنبيك وهو مهيأ لنظر الله عزوجل ، فحافظ عليه حتى لايقع فيه خلافُ رضاه ، فكنم حارساً على باب قلبك . وكذلك نفسك التي تنبت منها الشرور فخالفها ولا تتبع هواها سواء في الطاعة أو في الشهوات الدنيوية أو الأخروية لأن من خلقك يقوم بلوازمك

كلها في العوالم ، فإذا سجنت نفسك تحت مراقبة الله وأقللت لها شهواتها عند ذلك تقوى جنود القلب على جنود النفس ولا تتغلب نفسك عليك .
فعليك أن تتمسك بقلبك ، وقلبك لا يرضى إلا بمولاك ، ولا تعطي الفرصة لنفسك حتى تستولي على قلبك ، وهذا لا يكون إلا :
ـــ بالتهجد لقوله تعالى : {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } سورة الذاريات /17
ـــ وقراءة القرآن الكريم لقوله تعالى : { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } سورة المزمل / 4
ـــ وذكر كلمة التوحيد لقوله تعالى : { وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً } سورة الاحزاب / 70
ـــ وبقلة الكلام للحديث الشريف : ( كف عليك هذا ) أخرجه الترمذي
ـــ وبقلة الطعام للحديث الشريف : ( ما ملأ آدمي وعاء شراً
ــــــــــــــــــــــــــ ص 105 ــــــــــــــــــــــ
من بطنه ) رواه الترمذي
ـــ وبالخفاء لقوله صلى الله عليه وسلم : ( رب أشعث أغبر ... ) رواه الترمذي
ومن عرف عدوه بالعداوة الأبدية ، فإنه يخالفه بالمخالفة الإستمراية حتى لا يُخدع .
{ 132 } واجب على كل مؤمن أن يحافظ على قلبه ، لأنه محل نظر ربه عزوجل ، وأن يلزم قلبه ذكره ، والحضور معه تبارك وتعالى ، حتى لا يتمكن الشيطان من الدخول فيه ، وإلقاء الوسوسة ، وكذلك يجب أن نضيق مجاريه فينا ، وذلك بالجوع ، لأنه إذا أكثر العبد من الطعام والشراب ، وقلة الذكر لله ، فإنه يقوي شيطانه على قلبه وروحه ويكون قلبه محطة لتنزل الشياطين عليه والعياذ بالله تعالى ، عندها يسوف الإنسان ويسول ، وهذا من الصفات الناقصة ، وخاصة إذا كان التسويف في العبادة والذكر والتوبة وفعل الطاعات ، وترك المنكرات .
{ 133 } من عرف الله في الدنيا حق المعرفة فإنه يستريح بالموت ، لأنه يكون مع الله تعالى وحيداً بقلبه وقالبه ، أما الجاهل بربه والعياذ بالله تعالى فإن موته يكون بلاء عليه لأن القبر يكون سجناً عليه .
ــــــــــــــــــــــ ص 106 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العارف بالله تعالى في الدنيا يكون قلبه مع الله تعالى وقالبه مع الخالق ، أما الجاهل بالله تعالى فإنه في الدنيا مع الناس بقلبه وقالبه وهذا هو الخسران المبين . فعلينا أن نكثر من حضور مجالس الذكر لأنها رياض الجنة قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ، قالوا : وما رياض الجنة يا رسول الله ؟ قال : حلق الذكر ) أخرجه الترمذي
فكثرة الذكر سبب لمعرفة الله تعالى ، والاختلاط مع المؤمنين في مجالس الذكر مطلوب لأنه يقوي الاعتقاد والسلوك وخاصة لأهل الغفلة ومن عنده شكوك .
وأثقل شئ على نفوس السالكين ثلاثة :
1ً ـــ ذكر الاسم المفرد بقلب حاضر وهذا لأهل الخلوة ، وذكر كلمة التوحيد ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ) لبقية السالكين .
2ً ـــ تلاوة جزء من القرآن الكريم في كل يوم .
3ً ـــ دوام التهجد والبقاء في مصلاه ذاكراً الله تعالى إلى صلاة الضحى . والله تعالى طلب من عبده أن يصل إليه بالعبودية حتى يعرفه حق المعرفة ، بل يريد منه أن لا يتعلق بالمعرفة ليكون عبداً خالصاً لله عزوجل .

{ 134 } من تعلق باسماء الله عزوجل وبصفاته ، فإنه يرمي الأخلاق الذميمة ويتحلى بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده يكون
ـــــــــــــــــــــ ص 107 ــــــــــــــــــــــــــــ
بشراً في الظاهر ، وملكاً في الباطن ، ومن لم يتعلق بأسماء الله وبصفاته فهو أبله أحمق .

{ 135 } الكشف كشفان ، كشف رباني حقيقي ، وكشف مادي متعلق بالدنيا .
أما الكشف الرباني : فثمرته عبودية لله عزوجل مع المشاهدة .
وأما الكشف المادي : فتعلق بالكشف والكرامات وخوارق العادات .
وعلى المؤمن الصادق أن يتحقق بالعبودية لله عزوجل ، ويعلو بهمته حتى يصل إلى مقصوده ، وقصده العبودية لله تعالى ، فهذا لا يكون إلا بكثرة الذكر لله مع التمسك بالشريعة والقيام بما كُلف به . أما من تعلق بالكشف المادي فهذا يخشى عليه أن يشتغل به عن العبودية ، وقد ينقلب عليه ويكون استدراجاً له والعياذ بالله تعالى ، لأنه من تعلق بهذا الكشف ، كان كمن تعلق بالزراعة والصناعة والتجارة ، وبذلك التعلق ينسى عبوديته لله تعالى .
{ 136 } قيمة الإنسان بروحه لا بجسده ، وجسم الإنسان مَرْكَب لروحه ، فكن مراقباً لروحك التي دخلت جسدك وهي عارفة بالله مؤمنة ، مقرة بالربوبية لخالقها يوم خلقها وأشهدها على الحقيقة كما قال تعالى : { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ
ـــــــــــــــــــــــ ص 108 ــــــــــــــــــــــ
بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } سورة الأعراف / 172
وفي الحديث الشريف : ( كل مولود يولد على الفطرة ) رواه الشيخان
حتى تخرج من ذلك الجسد وترجع إلى موطنها الأصلي في جوار ربها ، بدون تلوث ، وتلوثها من شؤم النفوس والعياذ بالله تعالى ، والعاقل الذي تنور عقله من نور قلبه هو الذي يحافظ على طهارة هذه الروح وقداستها ، بل يغذيها بكثرة الذكر حتى لا تنسى موطنها ، وتبقى لها الصلة مع ذلك العالم الذي أُخِذَ فيه العهد منها ، وربما تذْكُر ذلك العهد إذا خفّت جنود النفس وأُضعفت . أما اتباع الهوى والعياذ بالله فإنه ينسي الروح تلك الحقيقة حتى تكفر بالله تبارك وتعالى ، وتخرج من الجسد وهي كافرة . نسأل الله أن يحفظنا من شر أنفسنا . آمين .
{ 137 } كن صاحب جد ، حتى تكون لمن بعدك قدوة صالحة ، ولا تكن من أهل الهزل واللهو واللعب ، لأن هذا ليس من شأن الكمل من الرجال ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لستُ من دَدٍ ، ولا الدًدُ مني ) رواه البخاري في الادب والبيهقي في شعب الايمان
أي لست من أهل اللعب واللهو ، ولا هما مني واحذر المداهنة ، فإنها تذهب بالدين والعياذ بالله .
{ 138 } نور الله جل جلاله لائح غير زائل البتة ، والأرواح
ــــــــــــــــــــ ص 109 ـــــــــــــــــــــــــ
البشرية لا تكون محرومة تلك الأنوار إلا بسبب الحجاب ، وذلك الحجاب ليس إلا الاشتغال بغير الله عزوجل ، فبمقدار ما يزول الحجاب ، يكون التجلي . فالأمر متوقف على طلب العبد ، فإذا لم يطلب العبد لا يُعطى شيئاُ ، وبعضهم لا يطلب ربه لأنه تمسك بنفسه ، واجتمع شيطانه مع نفسه ، فهذا الصنف لا يترقى .
{ 139 } من قرأ كتاب أعماله في الدنيا قبل الأخرة ، تاب ورجع واستغفر الله تعالى من كل مخالفة وشكر الله عزوجل على ما كان موافقاً لرضاه . فإنه ينقلب يوم القيامة بوجه أبيض يقول تعالى : { وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } سورة
آل عمران / 107
وأما من أهمل قراءة كتابه ، ومحاسبة نفسه فإنه سيندم عندما يسمع يوم القيامة قول الله تعالى : { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } سورة الإسراء / 14
{ 140 } أسباب قسوة القلب : المعاصي ، وقلة الذكر ، والتعلق بالدنيا ، وكثرة الضحك ، والغفلة ، ومن كانت غفلته عن الله أكثر فهو من جهنم أقرب والعياذ بالله من ذلك ، فلابد من المجاهدة . وليس المعول عليه كثرة العمل ، وإنما المعول
عليه قبوله عند الله عزوجل ، وهذا القبول غائب عن الانسان كلياً
ـــــــــــــــــــــــ ص 110 ــــــــــــــــــــــــــــ

عبدالقادر حمود 11-09-2008 01:32 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 141 } الخلاف قائم بين الناس من قديم ، ورفع الخلاف يصعب بسبب حياة النفوس الأمارة بالسوء ، وهل يستطيع أحد أن يرفع هذا الخلاف ؟ علينا أن نقوي جانب الحق ، وأن نكون في نصرته ، وأن لا تكون العصبية قائمة بيننا ، لأن العصبية من طبيعة النفوس الخبيثة ، فإذا وجد الخلاف نأخذ بوصية ربنا عزوجل حيث يقول : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 9 إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } سورة الحجرات / 10
والإصلاح يكون بنصرة الحق ، يُعطي المظلوم حقه ، ويؤخذ على يد الظالم ، هذا هو الإصلاح ، أما العصبية فهي إفساد والعياذ بالله تعالى .
{ 142 } حب أكثر الناس لبعظهم البعض معلول ، وكذلك بغضهم لبعضهم البعض ، الحب والبغض يجب أن لايكونا تبعاً للنفوس ، لأن النفوس أمارة بالسوء ، بل يجب أن يكون الحب والبغض في الله ، وميزان ذلك شرع الله عزوجل ،وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والله عزوجل لاينظر إلى كثرة العمل ، ولا إلى ظاهره
ــــــــــــــــــــــــ ص 111 ــــــــــــــــــــ
فحسب بل ينظر إلى لب العمل ، فالله تعالى ينظر إلى لب حبك وبغضك إن وجد فيه الصدق والإخلاص وأنه لله ، قبله ، وإلا فلا .
{ 143 } من أحب أن يطيعه الناس جميعاً فهو أحمق ، لذلك ترى أهل الحق والحقيقة ينصحون من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يبغضون من خالفهم ، بل يحولون أمرهم إلى الله عزوجل ، ويدعون لهم بظهر الغيب
، تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو لقومه فيقول : ( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ) رواه الطبراني
كيف يحقدون عليهم ويبغضونهم ؟ وهم يعلمون أن البغض إذا وجد في القلب فإنه يذهب بالإيمان لقوله صلى الله عليه وسلم : ( دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء ، والبغضة هي الحالقة ، لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين ) رواه الترمذي وأحمد
فمن تغلب على حظوظ نفسه ، فأخلاقه مرضية عند الله عزوجل .
{ 144 } كن محافظاً على محبة المؤمنين لك ، لأن هذا مرغوب فيه وإياك والغرور ، فالله عزوجل خلقك وجعلك خادماً للمؤمنين ، واحذر أن تفكر في نفسك أنك سيد وأنك مقصود ، بل تفكر بأنك خادم ، والخادم لايكون مخدوماً ، وعلى كل حال لولا وجود المؤمنين لما وجدت منك خدمة ، كيف تكون خادماً
ـــــــــــــــــــــــ ص 112 ــــــــــــــــــــــــــ
بدون مخدوم ، فحافظ على محبة من أحبك ، لأن محبة المؤمن للمؤمن ليست خالية من الإكرام الإلهي ، واحذر أن تهجم على من تهجّم عليك بالشدة ، عليك بالسكوت ، وفوض أمرك إلى الله عزوجل ، واحذر أن تؤذي أحداً
{ 145 } إذا خالفك أحد من إخوانك ، فلا تصد عنه بوجهك ، عامله كما تحب أن تعامل ، كم خالفت الله عزوجل ؟ وهو ما صدَّ عنك قال تعالى :{ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ } سورة الشورى / 25
وكم خالفت النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وهو يشفع لك صلى الله عليه وسلم باستغفاره لك في قبره الشريف ، عليك أن تستحي من الله عزوجل ، ومن رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا تصد بوجهك عن أخيك المؤمن ، وإن خالفك الرأي ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ماانتقم لنفسه قط ، ماذا تقول
لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إذا قال لك هذا من أمتي ، فلم صددت عنه ؟
{ 146 } إنزال الناس منازلَهم ، على جهتين :
الأولى : من حيث المراتب الدنيوية .
الثانية : من حيث الإيمان ، وهذا أهم ، انظر في قوله تبارك وتعالى : { عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءهُ الأعْمَى } سورة عبس / 1
ــــــــــــــــــــــــ ص 113 ــــــــــــــــــــــ

عبدالقادر حمود 11-09-2008 10:21 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 147 } من أراد أن يتكلم بشئ ، أو يفعل شيئاً ، عليه أن يفكر في رضا الله عزوجل عن هذا القول أو الفعل ، لا عن رضا الناس ، لأنه إن رضي واحد ، غضب الآخر ، ولكن إن فوض أمره إلى الله عزوجل وفكر في رضاه فإنه يستريح ، ويخرج من مراقبة الناس .
{ 148 } الإنسان على ثلاثة أصناف في حديثه :
الأول : يتكلم مع الخلق ولا يراقب إلا الله عزوجل ، ولا ينظر إلا للشرع الشريف ظاهراً وباطناً وهذا يكون على قدم سيدنا عمر رضي الله عنه ( ماترك الحق صاحباً لعمر ) .
الثاني : يتكلم مع الخلق ويمتنع عن الكذب ، ولكن امتناعه عن الكذب ليس لله إنما لعزته ، فيستحي أن يُعرف أنه كذاب ، وهذا كأبي سفيان عندما كان مشركاً ، وسأله هرقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( والله لولا أن يأثروا عني كذباً لكذبت عن محمد ) فهذا صدق ولكن ليس لله إنما لعزته .
الثالث : يتكلم مع الخلق وهو يكذب ولا يبالي ، فلا يراقب الله ولا يستحي منه ولا يخشاه ، وهذا ضرره يسري لغيره لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت ) رواه البخاري
{ 149 } صاحب الإيمان عليه أن يستحي من الله عزوجل ،
ــــــــــــــــــــــــ ص 114 ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأن لايتكلم كلاماً يجري على لسانه والله عزوجل مطلع على قلبه ويرى فيه خلاف ما يقول ، عليكم أن تعملوا بمستلزمات الإيمان ، من آمن بالله أنه سميع بصير ، عليه ان تستوي سريرته مع علانيته ، حتى لا يسمع الله منه قولاً ، ويرى في قلبه خلاف ما يقول ، لأن من قال خلاف ما يعتقد فقد اتصف بصفة من صفات المنافقين والعياذ بالله تعالى . وهذا لا يليق بالمؤمن .
{ 150 } مخالطة الناس لا تخلو من أحد أمرين :
1ً ـــ المداهنة : وهي حرام
2ً ـــ النصيحة : وهي تحتاج إلى صبر ، لأن من نصح هوجم وأوذي من قبل المنصوح إن كانت نفسه لا تقبل الحق ، فلابد من الصبر والمصابرة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( المسلم الذي يخالط الناس ويصبرُ على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم ) أخرجه الترمذي
ولقوله تعالى : { يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ } سورة لقمان / 17
فكن ناصحاً في مخالطتك للناس ولا تكن مداهناً لتأكل دنياك بدينك .
{ 151 } الحق لا يقاس بالرجال بل العكس ، والطريق لا يعرف بالرجال بل العكس . والمجالس التي تقام ليست مجالس
ـــــــــــــــــــــــ ص 115 ـــــــــــــــــــــــ
أشخاص ، وإنما مجالس الطريق فيجب الحضور فيها جميعاً ، ولا يجوز أن نبرر لأنفسنا غيابها ، لأنها مجالس يباهي الله بها ملائكته والناس يتركون هذه المجالس اشتغالاً منهم في الدنيا والله تعالى يقول : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } سورة هود /6
{ 152 } لاتترك الادب مع غير المتأدبين ، لأن هذا شأن المخلصين في أدبهم . اصنع المعروف في أهله وفي غير أهله فإن صادف المعروف أهله فهم أهل المعروف وإن لم يصادف المعروف أهله فأنت أهل المعروف .
{ 153 } انظر لإخوانك بإيمانك لا بنفسك ، وعاملهم بمقتضى الإيمان ، لا بما تمليه عليك نفسك الأمارة بالسوء ، فاحذر نفسك لأنها عدوة لك وهي تحاول أن تبرر لك كل أخطائها وتصرفاتها ، فلا تصدقها ، وانظر إلى ما يرضي الله عزوجل عنك ، ورضاه عنك في مخالفتك نفسك .
{ 154 } لابد للمؤمن أن يكون عاقلاً ، فلو رضي الناس جميعاً عنه ولم يرضَ عنه ربه تبارك وتعالى ، هل ينفعه ذلك ؟ فعلى المؤمن أن يتمسك بالله حتى تتم عبوديته لله تعالى ، وتلك العبودية لا تكون إلا بالاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه صلى الله عليه وسلم حقق العبودية لله عزوجل كما أراد
ـــــــــــــــــــــــــ ص 116 ــــــــــــــــــــــ
الله تعالى ، لذا أمرنا باتباعه فقال : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } سورة آل عمران / 31
والمؤمن إذا لم يجرِ أحكام الشرع على جوارحه الظاهرة والباطنة فهذا دليل على فساده ، وأنه خارج عن العبودية الحقيقية لله عزوجل .
{ 155 } خط الطريق يقوي خط القرابة ، أما خط القرابة فلا يقوي خط الطريق ، إذا ذهب الطريق لا تذهب القرابة ولكن ماذا ينفع . فالاعتبار بالوصل لا بالأصل لأن الأصل من الجرم والوصل من القرب .
{ 156 } إذا ظُلمت خذ بوصية الله عزوجل حيث يقول : { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } سورة البقرة / 153
ويقول : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } سورة الزمر /10
فلابد من الصبر لأن هذا الظلم ابتلاء من الله تعالى في الدنيا للظالم والمظلوم ، فالأول أخذ حظه من الظلم وهو ظلمات يوم القيامة ، والثاني أحذ حظه من الصبر ، فإذا كان إيمانه قوياً علم أنه لاتوجد ذرة في الكون تتحرك إلا بقضاء وقدر فهو ينظر بقلبه وبعين بصيرته إلى الله تعالى ، فيرى فعل الله وعظمته وقدرته اعظم من فعل الناس وليسوا أكثر من حجر ، وكل
ـــــــــــــــــــــــــ ص 117 ـــــــــــــــــــــ
ذلك امتحان قال تعالى : { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} سورة إبراهيم / 42
نسأل الله الثبات والسلامة ونرجوا الله تعالى أن يعاملنا بفضله لا بعدله . فإذا ما ظُلمت فاصبر ولا يدفعنك ذلك لأن تخرج عن دينك من داخلك .

عبدالقادر حمود 11-11-2008 04:48 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 157 } من عاملك معاملة وفي نظرك أنه قد اساء إليك ، فاعرض معاملته على الشرع الشريف ، فإن كانت موافقة للشرع وكرهتها ، فاعلم أنك تكره الحق ، وهذا من نفسك ومن الشيطان ، وواجبك أن تقبل منه ولو نفرت نفسك منه ، هذا النفور لايضر ، ويجب عليك أن تقابله بالسيئة ، والقلوب بيد الله عزوجل .
{ 158 } المؤمنون مأمورون بحسن الظن تجاه بعضهم البعض ، وسوء الظن ببعضهم البعض حرام لقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } سورة الحجرات / 12
والمؤمن الممدوح والمثنى عليه عليه أن لا ينحرف ولا يغتر ، وأن يكتفي بعلم الله فيه ، وبما يعلم هو من نفسه ، ولئنْ كان المؤمنون مأمورين بحسن الظن ببعضهم البعض ، لكن ليسوا بمأمورين بحسن الظن بأنفسهم قال تعالى : { لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ
ــــــــــــــــــــــــــ ص 118 ــــــــــــــــــــــــ
عَذَابٌ أَلِيمٌ } سورة آل عمران / 188
فصاحب الإيمان الكامل يستحي من الله تعالى أن يتكلم خلاف ما يوجد في قلبه ، لأنه يعلم أن الله تعالى مطلع على قلبه وهو مراقبه ، والناس يراقبون ظاهره ، فلابد من استواء السريرة مع العلانية ، ولا تتركوا رضا الرحمن من أجل خلق الرحمن .
{ 159 } كن مع الله صادقاً ، ومع الناس منصفاً ، ومع العلماء متواضعاً ، ومع الجهال ساكتاً ، ومع الفقر سخياً ، ومع الأطفال شفوقاً ، ومع النفس مخالفاً ، ومع الشيخ خادماً ، ومع الوالدين باراً ، ومع الإخوان متعاوناً ، واجعل جواب
الأحمق السكوت . وكن مع طريقتك مخلصاً وداعياً ، ولابد لمن أراد نقل الطريق للغير من اربعة أشياء :
1ً ـــ العلم 2ً ـــ العبادة 3ً ـــ الإخلاص 4ً ـــ الأخلاق
{ 160 } بركة الجماعة تجعل الضعيف قوياً ، والقوي أقوى ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( يد الله مع الجماعة ) رواه الترمذي
والنفس تسول لصاحبها أن يترك مجالس الأحباب والطريقة ، فليكن الإنسان على حذر من نفسه ، لأنها لا تريد له الخير . ومن صفاتها الحقد والحسد على من خالفها ، فإذا خالفك أحد ، فانظر إلى مخالفته ، إن كانت مخالفته للشرع فعليك بالنصح له باللين ، وإن كانت مخالفته لنفسك ، فاعلم أنه
ـــــــــــــــــــــــــــ ص 119 ـــــــــــــــــــــــــــــ
على الحق ونفسك الأمارة بالسوء لا تقبل ذلك ، فلا يليق بك أن توافقها ، بل عليك باتباع الحق . وأقبح القبائح الرضا عن النفس ، لأنه من رضي عنها لايحاربها ، والله نهانا عن اتباعها ، ومن أحيا نفسه بنفسه فهو ميت ، ومن مات عن نفسه فهو حي . ومصيبتنا كلها بسبب حياة أنفسنا بانفسنا . وتعلق عقولنا بأنفسنا ، حتى أصبحت نفوسنا دستوراً لنا ، عوضاً عن القانون الإلهي . اعرضوا أموركم كلها على الشرع الشريف ، تسعدوا في الدارين .
{ 161 } من فرح بالمدح وتأثر بالذم ماعرف نفسه ، بأنه كان عدماً ، ومن كان عدماً سابقاً ، فهو عدم لاحقاً ، والمؤمن يفرح بمدح المؤمنين له ليس من أجل نفسه إنما من أجلهم لأنهم سيؤجرون على حسن ظنهم ومدحهم لأخيهم .
{ 162 } إذا مُدحتَ ، راقب نفسك وحاسبها ، فإن كان ما يقولون حقاً ، فاحمد الله عزوجل على تلك النعمة ، واعلم أنها ليست منك إنما من الله عزوجل لقوله تعالى : { وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱلله } سورة النحل / 53
إذا عرفت هذا فإنك لاتغتر بمدحهم إياك ، ولكن تفرح بهم لأنهم سيؤجرون على حسن ظنهم ومدحهم لأخيهم المؤمن ،
وإن لم يكن فيك ما يقولون استغفر الله عزوجل ، وسل الله أن يوفقك لمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم .
ـــــــــــــــــــــــ ص 120 ــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ 163 } مصيبة الإنسان أنه يراقب الناس ، ويبحث عن نقائصهم ، ويخفي كمالاتهم ، ولا يطلع على نقائصه ، ويحاول أن يظهر كمالاته ، وهذا كله مخالف للشريعة ، علينا أن ننظر في أنفسنا وما يظهر منها ، هل هي موافقة للشرع أم لا؟ ثم ننظر إلى عباداتنا هل هي لائقة بربنا عزوجل أم لا ؟ نفرح بما ينسب إلينا من الفضائل مع عدم وجودها فينا ، ونسينا قول الله عزوجل : {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } سورة آل عمران /188
على الإنسان أن يكتفي بعلم الله عزوجل فيه ، ومراقبته له حيث يقول : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } سورة النساء / 1
{ 164 } ثبت عندي عجزي وعجز الخلق جميعاً ، ومن وقف على عجزه وعجز الخلق باليقين القلبي لابالكلام عرف قدرة ربه تبارك وتعالى وأنه فعّال لما يريد ، عندها يسقط الخلق جميعاً من عينه ويتعلق بالخالق جل وعلا ، ويستريح من جميع الأمور .

عبدالقادر حمود 11-16-2008 06:39 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 165 } لولا الخالق لما وجد المخلوق ، ولولا المخلوق ما عُرِفَ الخالق . خلق الله الخلق من أجل أن يُعرف الخالق ، وكل مخلوقٌ موجود بفعل الله وعلمه ، فلا تقف مع الخلق بل انتقل إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 121 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأفعال ومن الأفعال إلى الصفات .
{ 166 } نحن قوم لا نتكلف المفقود ولا نبخل بالموجود ، واجتماعنا ليس من أجل الطعام ، ولكن اجتماعنا على ذكر الله تعالى وذكر الله تعالى محله القلب ، فانظر إلى نيتك إذا اجتمعت مع إخوانك ، وفي الحديث : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) رواه الشيخان
فواحد يأتي لبطنه وآخر يأتي لقلبه ، وفلاحك يوم القيامة بسلامة قلبك كما قال تعالى : { يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } سورة الشعراء / 89
وكيف يكون القلب سليماً إذا لم يتغذ بذكر الله عزوجل ، فكونوا حريصين على مجالس الذكر وليكن همَّكم تخليص قلوبكم من وسوسة الشيطان وتسويلات النفوس الأمارة بالسوء بكثرة الذكر لله عزوجل مع الحضور التام الدائم ، اللهم وفقنا لذلك . آمين .
{ 167 } المؤمنون بالنسبة للغفلة على نوعين :
الأول : مؤمن بصفات الله عزوجل ، وهو يحاول أن يعبد ويتقرب ولكن لعجزه قد يقع في الغفلة ومخالفة الشريعة ، وهو يعلم أن عبادته غير لائقة بربه ، هذا يرجى له القبول قال تعالى : { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 122 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ } سورة التوبة / 102
يحاول هذا الصنف الحضور مع الله ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، وإذا حصلت معه الغفلة بدون اختياره لضعفه وتاب فتوبته مقبولة بوعد الله عزوجل ، وتلك التوبة لا تدل على خلاصه من هذه الغفلة فعليه أن يرجع عن هذا الاختلاط ، ويقوي جنود قلبه وروحه على جنود نفسه وشيطانه حتى يخرج عن هذا ويبقى معه لّمة ، ونرجو الله أن يذهب عنه بالكلية .
الثاني : مؤمن بصفات الله عزوجل ، ولكنه انغمس في الدنيا كلياً والعياذ بالله تعالى ، ويقبل الله توبته إن تاب ، وذلك بخروجه من غفلته التي كانت بسبب انغماسه في الدنيا . والفارق كبير بين الغفلتين .
وأما الذين فوق هذين الصنفين ، فقد وصفهم الله في القرآن الكريم بقوله تعالى : { وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } سورة التوبة /100
والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، ووالله عمل الواحد من هؤلاء يوازي عمل الثقلين . وانظر إلى خواتيم هاتين الأيتين كم هو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 123 ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفارق كبير بينهما ، الأولى ختمت بقوله تعالى : { إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } والثانية ختمت بقوله تعالى : { ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظيمُ } وكذلك الفارق كبير بين أهل الإحسان وبين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، اللهم اجعلنا من أهل الإحسان بفضلك وإحسانك وتجاوز عن تقصيرنا . آمين .

عبدالقادر حمود 11-23-2008 12:34 AM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 168 } لا تفتخر بسلام أهل المراتب الدنيوية عليك ، لأنك قد تغتر بذلك فيذهب عزك الحقيقي من حيث لاتشعر ، وعزنا الحقيقي بالإسلام ، ونحن ننظر إلى الناس من خلال استقامتهم ، لا من حيث مراتُبهم الدنيوية . فمن لم يكن مستقيماً ننصحه ، فإن استجاب فبها ونعمت ، وإلا ندعه وبيننا وبينه الله تعالى .
{ 169 } هذه الدنيا كالسفينة لابد يوماً أن ننزل منها إلى القبر ، وعلامة الصادق في حبه لله عزوجل أن يكون لقاء ربه عزوجل عنده أفضل من الدنيا بما فيها ، ويرجح هذا اللقاء على حياته ، نرجو الله عزوجل أن ينفعنا والمسلمين وخصوصاً أهل الطريق الشاذلي رضي الله عنهم . ووالله إني أرجو وأتمنى أن يتوجه كل الناس إلى الله عزوجل ، ولو أنهم في ذهابهم يمرون على رأسي وظهري وبطني المهم هو وصولهم إلى الله عزوجل ، ولكن ماذا أفعل ؟ الأوصاف المذمومة قد تعلق بها أكثر الناس ولا يمكن لهم بوجودها أن يذوقوا حلاوة الإيمان ولا يشعروا بأنوار رسول الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 124 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صلى الله عليه وسلم ، ولا بأنوار الطريقة وأنوار الوارث .
وشر تلك الأوصاف المذمومة التعلق بالنفس الأمارة التي لا تخرج من طبيعتها ـــ من الخبث والمكر والخداع والكذب والتسويل والتسويف ـــ فاجعلوا همكم معرفة الله عزوجل حتى تستريحوا بقلوبكم ، أما راحة الجسد فاتركوها حتى تدخلوا قبوركم . انظروا فيمن أراد السفر في الدنيا فإنه لا يطلب الراحة ولا يجدها حتى يصل إلى وطنه ، فهو يتحمل المشاق والمصاعب في سفره وأمله متعلق بوصوله ، وكذلك نحن علينا أن نبذل كل جهدنا في الطاعات حتى نصل إلى وطننا قال تعالى : { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } سورة المزمل / 20
{ 170 } من دخل في الدنيا وجب عليه أن يصبر على أذى أهلها ، ولكن ليس على حساب دينه لأن دينه ليس ملكاً له .
{ 171 } الله عزوجل خلقنا ونحن لا نعرفه ، واللهِ هذا عجيب ، والأعجب من ذلك أنّا لا نسعى إلى معرفته بسبب اشتغالنا في الدنيا ليلاً ونهاراً ، وقلة ذكرنا ، والله ِ هذا عار علينا ، واستعمال الشئ في غير ما خلق له جرم ، وقلبنا خلق لمعرفة ربنا عزوجل لا لحب الدنيا .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 125 ــــــــــــــــــــــــــــ

عبدالقادر حمود 11-23-2008 09:42 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 172 } خير المال ما استعملته في الحلال ، وأنت للمال إذا أمسكته فإذا أنفقته فهو لك ، وأحلُّ المال ما أتاك من غير مسألة . والواحد من الخلق يتفكر في الدنيا حتى لا يكون محتاجاً لأحد من الناس فيعمل ليلاً ونهاراً حتى لايكون فقيراً ، وهذا الصنف كثير ، أما من يتفكر في آخرته حتى لايكون فقيراً فيها هؤلاء قلة في الناس ، مع أن الدنيا مضمونة لأهلها كل حسب ما قدر الله له من الرزق ، وأما الآخرة فليست بمضمونة لأحد إلا لمن ضمن الله لهم حسن الخاتمة كالانبياء والمبشرين بالجنة وهؤلاء كانوا يعملون عمل الخائف من ربه تبارك وتعالى . فكل الذين دخلوا في الولاية لله عزوجل دخلوا من باب مخالفتهم لأنفسهم لأن كل خبث مصدره من النفس الأمارة ، فلابد من معرفة خفاياها ومحاسبتها في الأنفاس حتى لا نُخدَع .
{ 173 } إنفاق المال المحبوب صعب على النفس ، كأنه يقطع قطعة من الجسم ، لأن الله تعالى يقول : { وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا } سورة الفجر / 20
ومن هنا رتب الحق تبارك وتعالى دخول الجنة على بذل المال المحبوب فقال : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } سورة آل عمران / 92
فلو لم يكن المال محبوباً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 126 ـــــــــــــــــــــــــــــ
لكان الإنفاق يسيراً وسهلاً ، وهذا هو الابتلاء الذي يميز بين الصادق والكاذب ، فأنفق المال المحبوب لمحبوب أكبر .
{ 174 } اشتغالنا في الدنيا ليس فيه ضرر . ولكن تعلق القلب بالدنيا هو الضرر ، وإذا كان الواحد يزعم أنه يعمل لأولاده فلينظر : إن كان أولاده صلحاء فالله عزوجل هو يتولاهم قال تعالى : { وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } سورة الأعراف /196
فأين ولايتك من ولايته ؟
وإن كانوا أشقياء لا قدر الله فلمَ تكون سبباً في عونهم في الشقاء ؟ فهم يعذبون بسبب عصيانهم وأنت تتعذب بسبب اشتغالك في الدنيا عن ذكر الله عزوجل قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } سورة المنافقون /9
لذا أقول : رزقك ورزقهم على الله تعالى ، فخذ بالسبب ولا يكن ذلك على حساب دينك ، واعلم : أن نقصان الدنيا في يد المرء لايضر بدينه ، لأنه قد يكون خيراً له . أما نقصان الدين فإنه يضر بالإيمان وهذا يكون من الغفلة التي هي مفتاح جهنم والعياذ بالله تعالى .
{ 175 } العقل يتفكر في شؤون الدنيا من أهل ومال وولد ،
ــــــــــــــــــــــ ص 127 ـــــــــــــــــــــــــــ
ولكن إذا نُوِّر بنور القلب فإنه ينتقل بواسطته إلى التفكر بالآخرة ، ويقول أنا أسعى آخذاً بالسبب وأتوكل على الله لأنه هو الرزاق ، لذا ترى هذا الصنف من الناس يأخذون بالسبب وقلوبهم متعلقة بالله عزوجل ، قال تعالى : { رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ } سورة النور / 27
وأما صاحب القلب غير المنور فإنه يضيِّع نفسه وعمره ولا يحصِّل إلا ما قسم الله له وقدر ، فالرزق مقسوم وهو لايحتاج إلى حرص لأن الحرص لا يزيد في الرزق فضلاً عن التأثر والحزن ، كما أن الزهد لا ينقص من الرزق شيئاً ، فما قسمه الله وأعطاه للعبد لا يزيله ولا ينقصه حسد الناس ونقدهم ، فالواجب على العبد أن يلتفت إلى من بيده الخير كله وهو على كل شئ قدير قال تعالى : { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } سورة آل عمران / 26
وأن يهتم بامور الآخرة لأنها ليست بمضمونة له قال تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } سورة ق / 37
{ 176 } مصيبة المؤمن جهالته ، ولجهالته انغمس في الدنيا ،
ــــــــــــــــــــــــــــــ ص 128 ــــــــــــــــــــــــــ
وتلك الجهالة تزول بواسطة العلماء ما داموا متحرزين من الدنيا ومن حظوظهم وشهود أنفسهم ، ولكن إذا توجهوا إلى الدنيا وحظوظهم وشهود أنفسهم من خلال تعليمهم فكيف يخلصون غيرهم من الدنيا التي وقعوا فيها ؟ وأعظم الجهل وأشده أن يكون الإنسان جاهلاً بالله وبأسمائه وصفاته .

عبدالقادر حمود 12-02-2008 06:19 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 177 } السفر سفران ، سفر في الدنيا وسفر من الدنيا ، والسفر في الدنيا لابد له من زاد ، وزاده الطعام والشراب والمال والمركب ، والسفر من الدنيا لابد له من زاد ، وزاده معرفة الله جل جلاله ومحبته وطاعته ، وحتى تكون الطاعة مقبولة عند الله عزوجل لابد لها من ركنين :
الأول : أن تكون موافقة للشريعة في ظاهرها .
الثاني : أن تكون خالصة من الشرك الخفي في باطنها .
وأما المعرفة فهي نوعان :
الأولى : معرفة صفات الله عزوجل .
الثانية : معرفة ذات الله عزوجل .
أما معرفة صفات الله عزوجل فهي حظ القلب في الدارين ، ومعرفة الذات تكون حظ الروح في الآخرة ، وهاتان المعرفتان لا تحصلان إلا بالعلمين ، علم الظاهر وعلم الباطن ، وفي الحديث الشريف : ( العلم علمان علم باللسان وذلك حجة الله تعالى على
ــــــــــــــــــــــــــــ ص 129 ــــــــــــــــــــــــــــــ
خلقه وعلم بالجنان فذلك العلم النافع ) رواه الحافظ ابوبكر الخطيب
والمعرفة تحصل بكشف حجاب النفس عن مرآة القلب .
{ 178 } الكثير يطلب الزيادة من الدنيا ، ونحن نترك الدنيا بما فيها لمن بعدنا ، فما جمعناه إما أن يكون وبالاً علينا والعياذ بالله ، وإما أن يكون وبالاً على من بعدنا بسبب معصية الله عزوجل فيه ، فلنكن على حذر من فتنتها .
{ 179 } اتركوا هذه الغفلة التي انغمس فيها أكثر الناس مع وجود إيمانهم ، والله لو أمكن لي أن يبلغ صوتي من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب لقلت للخلق جميعاً : من لم يعرف الله لاشئ له ولو جمع حطام الدنيا ، ومن عرف الله لايضيع شئ منه . إلهي ماذا فقد من وجدك وماذا وجد من فقدك ؟
{ 180 } العلوم الكونية ليست فرضاً على كل مكلف ، بل فرض كفاية ، علموا أولادكم علوم التوحيد ، وعلوم الصلاة ، وعلوم الأخلاق . والشهادات الكونية ليست ركناً من أركان الإسلام ، والرزق مقيد بالرزاق وهو الكفيل له ، وليست الشهادات كفيلة بأرزاقكم ، لاتقطعوا زمام الشريعة بسيف الشهوة ، فتصبح حياتكم حياة شقاء وتعب ، عافانا الله وإياكم .
{ 181 } الحكمة من تكرار الأكل أن تكرر الطاعات ، فلا
ــــــــــــــــــــــــــــ ص 130 ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بد لمن يأكل تكراراً أن يجاهد في العبادات تكراراً ، حتى يمتاز عن الحيوانات ، فكما أن الطعام غذاء للجسد فكذلك العبادات غذاء للروح ، والأكل بلا طاعات يقوي الجسد ويميت القلب والروح ، وربنا تبارك وتعالى أمر بأكل الطيبات ــ أي الحلال ــ لفائدتين :
الأولى : أن يكون أكلنا بالأمر لا بالطبع ، حتى نمتاز عن الحيوانات ، ونخرج من حجاب ظلمة الطبع بنور الشرع إلى العبادة .
الثانية : حتى يثيبنا ربنا تبارك وتعالى باتباع الأمر بالأكل .
{ 182 }
يتخلص المريد من صفاته الذميمة باربعة أمور :
1ً - بالتسليم ظاهراً للشرع وتطبيقه على الجوارح .
2ً - بالتسليم باطناً لأخلاق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3ً- بالتمسك بالطريق المتصل إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسند المتصل .
4ً- بمخالفة الهوى ومحاربة الشيطان .
حين ذاك يضع الله بفضله وكرمه ورحمته حارساً في قلب ذلك المريد ، فإذا تحرك تحرك بالله ، وإذا تكلم تكلم بالله بالحكمة قال تعالى : { وَمَنْ يُؤْتَى الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } سورة البقرة / 269
وإذا خاصم خاصم بالله .
ـــــــــــــــــــــــ ص 131 ــــــــــــــــــــــــــ

عبدالقادر حمود 12-02-2008 07:17 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 183 } لاتكن ممن باع حظه في الآخرة بشهوة ساعة ، فتخرب مستقبلك في الآخرة بارتكاب الشهوات ، لأن تلك الشهوات والمعاصي تنزع عن الإنسان نعم الله ، وتخرب مستقبله في الآخرة .
{ 184 } الطعام مصيبة على المؤمن من جانب ، وطاعة من جانب آخر ، فإن كان يتقوى به على معصية الله فهو مصيبة في حقه ، وإن كان يتقوى به على طاعة الله فهو طاعة ، وإن كان يأكل بالأمر فإنه يأخذ منه بمقدار الكفاية بدون زيادة ولا نقصان بعد تحريه عن الحلال ، وزهدِه بما في أيدي الناس ، ولابد للإنسان أن يتفكر ، فما كان له فسيصل إليه ، وما كان لغيره فلن يصل إليه ، فعليه أن لايذل نفسه لأحد من المخلوقات لأن الذي أوجده من العدم قال : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } سورة هود / 6
أين العقول ؟ لذا وجب علينا أن نتمسك بأذيال من يعرف الله حتى يوصلنا إلى الله تعالى ويقف بنا على هذا .
{ 185 } لاتكن ممن يُمنع من الطعام ، وكن ممن يحرض على الطعام ، لأن الأول ما منع من الطعام إلا لوجود الشره منه ، والشره من طبيعة الحنازير ، وما حرض الآخر على الطعام إلا لانشغاله بما هو أهم ، والفارق بين من يأكل بشره ومن يأكل
ــــــــــــــــــــــــــــــــ 132 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالأمر كبير ، ومن أكل بالأمر رزق الحكمة .
{ 186 } لو ينظر الإنسان إلى أصل خلقته لذاب كل ما يتعلق به من أوصافه سواء أكانت تلك الأوصاف موافقة لغرضه أو مخالفة، لأن النظر يقوي إيمانه . فأصل خِلقته أغرب وأعجب من صفاته التي يتعلق بها ، فمن نظر إلى أصله لا يمكنه إلا أن يوافق الشرع الشريف ويبتعد عما لايرضاه الشرع .
والإنسان لكثرة توغله في الغفلة ينسى أصله الذي خلق منه وبالتالي يتعلق بأوصافه ، وهذه الأوصاف لا تزكيه إلا إذا وافق الشرع الشريف وهذا هو حق التكليف . وكيف يتعلق المريد بعلمه أو عمله أو عقله أو قوته ؟ كل هذا لضعف إيمانه ، عليه مهما أوتي من أوصاف وصفات أن ينظر كيف يُفعل به لا أن يقول ماذا أفعل ؟ ولذا قال ربنا جل جلاله : { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } سورة الاحقاف / 9
هذا هو حق العبودية ، فربنا تبارك وتعالى أمرنا أن نكون عباداً له وطالما أنه تبارك وتعالى خاطب الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بقوله : { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } سورة الاحقاف / 9
حتى يسلَّم له ، فنحن أولى بالتسليم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم مؤيد بروح القدس عليه السلام .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 133 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبدالقادر حمود 12-03-2008 07:29 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 187 } كل المخالفات الشرعية بسبب الغفلة عن الله عزوجل ، لذا وجب علينا أن نعبد الله بالمشاهدة ، كما في الحديث الشريف : ( أن تعبد الله كأنك تراه ) رواه مسلم
فإن لم تصل إلى هذا المقام ، فاعلم أنك في مقام : ( فإنه يراك ) رواه مسلم
كما في قوله تعالى : { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأنَّ اللهَ يَرَى } سورة العلق / 14
هل هناك شك في مراقبة الله لنا ؟ فعلينا أن نستحي من الله تعالى من أن نضع الشئ في غير ما خلق له ، وقلبنا خلق لمعرفة الله عزوجل ولمحبته ، لا لمحبة الدنيا التي من مظاهرها حب إقبال الخلق علينا ، وحب النساء ، وحب المال ، وحب الجاه ، وحب الظهور ، نعوذ بالله من هذه الأوصاف الذميمة .
{ 188 } تعلق الإنسان بماديته ونفسه يبعده عن ربه عزوجل وعن كتابه ، وعن رسوله ، وينزل به إلى منزلة بهيمية شيطانية فرعونية نمروذية فإذا به يقول : أنا أكون وغيري لايكون ، أنا أكون سلطاناً شيخاً ، أنا أكون مخدوماً ، وهكذا يكون شيطاناً في صورة إنسان والعياذ بالله تعالى ، أما شأن الخاضع المخبت لأمر الله عزوجل فإنه يستحي أن ينسب إلى نفسه شيئاً فهو قد سلك طريق الصالحين ، طريق أولياء الله ، طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 134 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ 189 } إذا طلبت نفسك الشراب والطعام والراحة ، فأعطها بقدر ما تقوم به وتقوى على طاعة الله عزوجل . ولا تسترسل معها في كل مطلب ، بل أعطها بمقدار ما سمح لك الشرع الشريف ، وإلا تسقط من رتبة الإنسانية إلى رتبة بهيمية والعياذ بالله .
{ 190 } اتباع الهوى من أخطر الأمور على المريد ، وأشده أن يؤيد هواه بالحجة الشرعية ، أما الفتور في العبادة فمن طبيعة الإنسان لذلك نوع الله تعالى لنا العبادة ، فإذا أصابك فتور في ذكر الاسم المفرد ارجع إلى كلمة التوحيد ، وإذا أصابك فتور في ذكر كلمة التوحيد ارجع إلى الصلوات الشريفة ، فإذا تعب القلب فغير العبادة . واعلم أن الفتور لا يدفع إلى المعصية بل يحولك إلى سنة ثانية . وهذا الانتقال من عبادة إلى عبادة بسبب التعب إنما هو لأهل الطريق .
{ 191 } حق على المؤمنين أن يسكتوا أمام أصحاب الهوى الذين يؤيدون هواهم بالحجج الشرعية ، ولا يجادلوهم لأنهم جعلوا إلههم هواهم قال تعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْم } سورة الجاثية / 23
وكل واحد يدافع عن إلهه ، وعلمنا بجانب علم الله تعالى لا شئ ، فمن اعتمد على علمه فإنه يذهب بالكلية
ـــــــــــــــــــــــــــــــ ص 135 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويكون سخرية بين الناس لأنه سوف يتخبط في ظلمات جهله .
فليس هناك نفوسٌ أطهر من نفوس الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأن نفوسهم متعلقة بالوحي المنزل من الله تعالى ، وليس هناك بعدهم أطهر من نفوس من اتبع رسول صلى الله عليه وسلم لأن نورهم مستمد من نوره صلى الله عليه وسلم . أما من تعلق بهواه والعياذ بالله تعالى فإنه يريد أن يلعب بالناس من خلال دينهم .

عبدالقادر حمود 12-19-2008 03:47 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 192 } أسلوب الخداع يقدر عليه كل إنسان ، ولكن المخادِع ماذا يقول لربه تبارك وتعالى يوم القيامة ؟ وماذا يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم ؟ فالمؤمن كما أنه لا يحب أن يُخدع ، فوجب عليه أن لا يَخدع ، وأشر ما يصدر من المخادِع أن يَخدَع المؤمن الصادق المخلص ، والخِداع من طبيعة النفوس الأمارة بالسوء ، فهي تزين لصاحبها هذا الفعل حتى يتوجه الناس إليه ، لأنها تظن أنها بهذا الأمر تترقى ، وفي الحقيقة تسقط من عناية الله عزوجل ، ويتشتت شمل صاحبها في الدنيا والآخرة ، وفي الحديث الشريف : ( من طلب العلم ليماري به السفهاء ، ويكاثر به العلماء ، او يصرف به وجوه الناس إليه ، فليتبوأ مقعده من النار ) أخرجه الترمذي
حفظنا الله وإياكم من شرور أنفسنا . آمين .
{ 193 } إياكم إياكم إياكم ، أن تتبعوا خطوات الشيطان ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ 136 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإنه يدخل بينكم وبين ربكم ، وبينكم وبين نبيكم ، وبينكم وبين شيخكم ، وبينكم وبين إخوانكم ، وإذا أورد إشكالاً لا يمكنكم حلَّه ، فلا تسترسلوا معه فإنه ينقلكم من إشكال لآخر ، بل عليكم أن تستعيذوا بالله تعالى منه لقوله تعالى : { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } سورة الأعراف / 200
ففي هذه الحال أنت مأمور بالاستعاذة ، لا بالمجادلة والمعاندة له . نعوذ بالله من شياطين الإنس والجن .
{ 194 } صفة الغضب لا يجب استئصالها ، بل يجب علينا أن نصعّد صفة الغضب من الغضب للنفس ، إلى الغضب لله ، ومن لم توجد فيه صفة الغضب فهو ناقص ، فالغضب على قسمين :
1ً ـــ غضب للنفس ، وهذا مذموم لأنه يستولي على العقل ، ويخرج الإنسان عن دائرة العدل ويوقع في التعدي والظلم ، وهذا القسم يضر بالإيمان لقوله صلى الله عليه وسلم : ( الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل ) رواه الطبراني
2ً ـــ غضب لله عزوجل ، وأقله أن يتغير وجهه لله ، إذا انتهكت حرمات الله عزوجل .
ومن كان غضبه من القسم الأول يجب عليه أن يكظم غيظه ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 137 ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
حتى يدخل في صفة عباد الله المتقين ، الذين قال الله تعالى فيهم : { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } سورة آل عمران / 134

عبدالقادر حمود 12-29-2008 10:30 AM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 195 } إذا كنت سريع الغضب ، فكن سريع الرضا ، حتى لا يغلب غضبك عقَلك ، فإذا غلب غضبك عقلك ، لعب بك الشيطان ، كما يلعب الأولاد بالكرة ، وسبب هذا ضعف شخصيتك ، ولا يمكن أن تقوي شخصيتك إلا إذا تحررت من قيد النفس والشيطان ، وملكتَهما ولم يملكاك وفي الحديث الشريف : ( ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) رواه الشيخان
{ 196 } الجهل على ثلاثة أقسام :
1ً ـــ جهل بسبب الحسد ، وصاحبه لا يقبل الحق ، لأنه قد تمسك بنفسه .
2ً ـــ جهل بسبب الحماقة ، لحماقته لا يقبل الحق مهما كان مصدره ، ولقصر عقله لا يصل إلى الحقيقة ، بل ينكر على أهل الحقيقة ويقيس الحقيقة على عقله القاصر .
3ً ـــ جهل بسبب عدم المعرفة ، وصاحبه يصل إلى الحقيقة بالاستفسار .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 138 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ 197 } جرِمُ الانسان صغير ، ولكن جُرمه كبير ، والعقاب على قدر الجُرم ، لا على قدر الجِرم ، لذا صاحب الجِرم الصغير ، إذا أنكر شرع الله عزوجل لا يليق به إلا نار جهنم ، والعياذ بالله تعالى ، وما أكثر التهديد في القرآن الكريم لهذا الإنسان ، وهو في غفلته مستغرق لا يتفكر ، ولا يرجع إلى رشده قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الْإـِ نَسَـْانُ مَآ غَـْرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيْمِ } سورة الإنفطار / 6
لو هددك إنسان ، وهو قادر على إنفاذ تهديده ، هل تخالفه ؟ لا . فكيف بعد تهديد الله ووعيده ، تتعدى حدود الله عزوجل ؟ هذا لا يليق بإنسان عاقل ، وهو يرى نعم الله عزوجل تتوالى عليه ، علينا أن نستحي من الله عزوجل ، الذي أعد الجنة لمن أطاعه ، والنار لمن عصاه .
{ 198 } نفوسنا الأمارة بالسوء لا تصح أن تكون ميزاناً لأفعال وحركات المسلمين في تصويبها ، الميزان إنما هو شرع الله عزوجل ، لأن شرع الله عزوجل منزه عن المصلحة التي تعود لصالح المشرع ، فهو غني عن العالمين .
{ 199 } بعض الناس ينسبون الفضيلة والإحسان لأنفسهم ، والله عزوجل يقول : { فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } سورة النجم /32
والاعتراف بالنقصان كمال ، كما أن ادعاء الفضل نقص ، فلا بد
ـــــــــــــــــــــــــــــ ص 139 ــــــــــــــــــــــــــــ
للعاقل أن يفتش عن عيوبه ، ويعترف بنقصانه ، لأن الاعتراف بالخطأ ميراث للمؤمن من أبيه آدم عليه الصلاة والسلام .

عبدالقادر حمود 01-02-2009 06:57 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 200 } العلوم الشرعية ودراستها آلة لنيل رضا الرحمن عزوجل ، ولمخالفة النفس ، ومحاربة الشيطان ، وليست آلة لاتباع الهوى ، وتأييده بالحجة الشرعية . قال تعالى : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } سورة الجاثية / 23
. فحظ النفس من دين الله عزوجل مخالفتُها ومحاربتها بقلة الطعام والشراب وتخويفها بالله عزوجل وبالموت ، وأن تعلم أنها خلقت للعبادة . والعبادة من طاعة وذكر وتلاوة للقرآن الكريم ومحبة الله ومحبة لرسوله صلى الله عليه وسلم ، إنما هي من فضل الله عزوجل على العبد
{ 201 } احذروا شهوة حب الظهور والجاه لأنها مانعة من الوصول إلى الله عزوجل ، وتوقع الإنسان في حضيض الفرعونية والنمروذية . لذلك يجب ترك هذه الشهوة كلياًُ فكم من عالم متكلم يشار إليه بالبنان ، ولكنه غافل عن الله عزوجل يبحث عن شهرة وعن سمعة ، وربما تأخذه العزة بالأثم إذا قيل له : اتق الله ، لأن صاحب حب الظهور يعتبر نفسه مَظهَراً للشريعة ، فيجعل الشريعة خادمة لحظوظه وأهوائه ، وعندها يخسر الدنيا والآخرة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 140 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خاصموا أنفسكم بسيف الشريعة ، واقتلوا هواكم باتباعكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا هو الميزان لمن أراد الوصول إلى الله عزوجل .
{ 202 } الدين واحد لا يتعدد ، والمؤمنون اختلفوا لاختلاف الأشخاص والأفهام والهوى ، فلابد من ترك الكل ، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر ونهى ، هذا هو الدين الصحيح وليس هناك طرق للولاية إلا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم .
{ 203 } الذي يرى ذلته في معصيته مقدم على من يرى عزته في طاعته ، ومن رأى عزته في طاعته كان مقيداً بشهواته ، وما قيد بشهواته إلا لبعده عن الشرع الشريف ، وهذا يكون بعيداً عن الله عزوجل . ولا خير في رجل مكبل في شهواته ، كيف يصل إلى الله تعالى في طاعته وهو يطلب منزلة وشهرة ومكانة في قلوب الخلق ؟ وكل هذه الأمور تحجبه عن الله عزوجل ، الطائر لا يطير في جو السماء إذا علق بجناحه شئ ، فكيف بمن قيد بشهواته ؟ . لذا أقول : إذا أردت أن تكون مقيداً فليكن قيدَك الشرعُ الشريف ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه من قيد بذلك جمع الخير من كل جوانبه بإذن الله تعالى .
{ 204 } كل إنعام يوجد فيه إيلام ، إلا نعمة المعية مع الله تعالى لا يوجد معها إيلام ، ومن كان في معية الله تعالى فإنه لا يشعر بفقد شئ كما انه من اعتمد على غير الله تعالى لا يجد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 141 ــــــــــــــــــــــــــــــ
شيئاً وكل نعمة أنعمها الله تعالى على عبده إذا سلبت منه فإنه يشعر بالإيلام بفقدها إذا لم يكن بمعية الله تعالى ، أما إذا كان بمعية الله ويتذوق حلاوة تلك المعية فإنه لا يتألم بفقد أي شئ ، لأن الله تعالى يقول : { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ } سورة النحل / 96

عبدالقادر حمود 01-14-2009 12:21 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 205 } لا تقل في دين الله بهواك فُيرديك ويُظلم قلبك ، ويسلب إيمانك ومعرفتك ، ويسلط عليك شيطانك ونفسك وهواك . وإذا كان الهوى حاكماً عليك أفسد عليك دينك وآخرتك . لذلك أقول :
اجعل هواك مغلوباً لعقلك ، وصاحب العقل هو الذي يقيد نفسه بشريعة الله عزوجل ، فمن قيد نفسه بالشريعة ارتقى ، ومن قيد نفسه قيد نفسه بالهوى هوى وكانت عاقبة أمره خسراً والعياذ بالله تعالى .
{ 206 } من أراد أن يفتح اشتهاء قلبه للذكر ننصحه بكثرة الذكر ولو مع الغفلة ، ولو قلنا له شيئاً أخر لكنا غير صادقين في نصحه ، لأن الحديث القدسي يقول : ( أنا جليس من ذكرني ) رواه الديلمي والبيهقي
فإذا كان العبد يُصدَّق هذا الحديث عليه أن يذكر كثيراً حتى يشعر بمجالسته لربه عزوجل ، هذه هي آلة الفتح على العبد لمن كان

ـــــــــــــــــــــــــــــ ص 142 ــــــــــــــــــــــــــــــ

متعلقاً بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وبعض العلماء يقول : الذكر باللسان مع غفلة القلب لا يفيد . ولكن نحن نقول : عليكم بكثرة الذكر ولو مع الغفلة حتى يفتح اشتهاء القلب للذكر ، فلا تتركوا ذكر اللسان حتى يذكر القلب ، عندها تجمعون بين ذكر اللسان وذكر القلب وهذا هو ذكر الذكر النافع .

{ 207 } إذا راقبت قلبك أيها المؤمن وجدته لا يثبت في أقل من لحظة على حالة واحدة في عبادة أو غيرها ، فكيف تتكل وتعتمد على نفسك وأنت في هذا الضعف وفي هذه الحالة ؟ فالتجئ إلى ربك تبارك وتعالى ، واخرج من حولك وقوتك ، وأكثر من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) رواه البخاري
وبادر بالأعمال الصالحة ، ولا تسوف في متابعتك للشرع الشريف فإن القلوب بين أصبعين من اصابع الرحمن .
{ 208 } أحياناً يعطي الرب جل وعلا من فضله وكرمه عبداً من عباده بعض الأمور الغيبية ، ويأخذها منه حيناً آخر حتى لا يتعلق العبد بتلك الأمور ، وليبقى في العبودية دائماً ولا يُنقص من وظائف العبودية شيئاً ، فمن عرف ذلك عليه أن لا يحزن إن غابت عنه بعض الأمور ، لأنها ما تخرج عن دائرة الأمور المادية ،
ــــــــــــــــــــــــــ ص 143 ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعليه أن يبقى في مقام العبودية لأن هذا هو المطلوب للعبد الصادق المخلص .

عبدالقادر حمود 01-14-2009 12:26 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 209 } المؤمن الصادق إذا صلى فكر في صلاته أولاً هل هي موافقة للشريعة أم لا ؟ فإذا كانت موافقة حسب الظاهر فكر في صلاته ، هل صلى في خشوع أم لا ؟ فإذا صلى في خشوع فكر في تلك الصلاة هل قبلها ربي عزوجل أم لا ؟

وكذلك ذكره وعباداته ، نرجو الله عزوجل القبول بفضله وكرمه .

{ 210 } إذا أعطى الله تعالى عبده المؤمن نعمة من النعم التي اختص بها عباده الصالحين ، من معارف وأذواق ، أو وفقه لطاعته واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو منحه بعض أسرار القرآن الكريم ووفقه للعمل بها ، يجب عليه أن يقدر هذه النعمة ، وأن يفكر بأن هذه النعم ليست رخيصة ، بل الدنيا بما فيها لا توازي نعمة واحدة من تلك النعم ، ويجب عليه أن يحسن جوارها حتى لا يعرضها للزوال ، والإحسان لجوار هذه النعم بأمور ثلاثة :
ــــــــــــــــــــــ ص 144 ــــــــــــــــــــــــــ
أولاً : أن يشكر الله تعالى على تلك النعم ، لأن الشكر عقال النعم .
ثانياً : أن لايضيع وقته في الاشتغال بما لايعنيه .
ثالثاً : أن لا يشتغل بشئ من الحظوظ الدنيوية من شهرة وسمعة ومقامات وكرامات وكشوفات ، أو بمال أو بأهل ، حتى لا تكون تلك الحظوظ حجاباً على قلب العبد ، فتحجُبه عن حضرة الرب تبارك وتعالى .

{ 211 } لا تضيعوا تلك الجواهر الثمينة التي منّ الله بها عليكم فأعلاها وأغلاها الإيمان بالله ورسوله ، ثم جوهرة هذا الطريق المبارك والصحبة الصالحة ، لأن من آتاكم هذه النعم الجليلة قادر على أخذها قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } سورة الرعد / 11
طريقة المحافظة عليها الشكر ، والشكر على شقين :
الأول : أن تعلم أن الله تعالى مصدر النعم كلها فتعبده وتشكره .
الثاني : أن تشكر السبب ، وأن تعلم أن السبب كان مظهراً لتلك النعمة فقط وليس خالقاً لها .
وبالشكر تحافظ على النعمة الموجودة وتستجلب النعمة
ـــــــــــــــــــــــــــ ص 145 ـــــــــــــــــــــــ
المفقودة . اللهم اجعلنا من الشاكرين لك ، ووفقنا للعبودية الحقة واجز عنا أسيادنا خير الجزاء برحمتك يا أرحم الراحمين .

عبدالقادر حمود 01-14-2009 12:35 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 212 } الإكثار من كلمة التوحيد لا إله إلا الله تغير الإنسان وتجعله ذهباً صرفاً ، ولكن لابد مع كثرة الذكر من الحضور التام ، وبالذكر يترقى الإنسان ويخفف من طبيعته البشرية فإذا حصل هذا حصلت معه المعرفة بالله تعالى . ولكن بعض الناس في غفلة ، وأصبح الذكر عليهم ثقيلاً ونسوا وصف الله تعالى للمنافقين في القرآن الكريم عندما قال : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا } سورة النساء / 142
يقرؤون القرآن ، ولا يفهمون ، وإذا فهموا لم يطبقوا على أنفسهم . ليس كل مؤمن أفعاله أفعال المؤمنين ، قد يكون مؤمناً ، وبعض أفعاله أفعال المنافقين ، لذلك وجب عليك أيها المؤمن أن تعمل بمستلزمات هذا الإيمان ، ومن مستلزماته الذكر الكثير ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} سورة الأحزاب / 41
فلو عرف الناس حقيقة الذكر وقيمته ما تركوه ليلاً ولا نهاراً ، ولا في حال من الأحوال ، ويكون مثلهم مثل الجائع الذي إذا لم
ـــــــــــــــــــــــــــ ص 146 ـــــــــــــــــــــ
يجد شيئاً أكل ما حضر ليسد جوعه .
{ 213 } كل كلام وكتاب وعلم جافٌ أمام كتاب الله عزوجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وشبح لا روح فيه ، وكأنه طعام لا ملح فيه ، إلا كلام بعض الكبار من الأولياء كالإمام الغزالي والقطب الرباني وبديع الزمان رضي الله عنهم جميعاً ، لأن هؤلاء وأمثالهم تكلموا وكتبوا وعلموا مع تجردهم من كل الحظوظ ، تكلموا بالله وعن الله عزوجل ،
فصحبة هؤلاء وأمثالهم فرض عين على كل مسلم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } سورة التوبة / 119

{ 214 } الاناشيد تحرك مافي القلوب ، ولا توجد شيئاً مفقوداً ، عليكم أيها الذاكرون أن تشتغلوا بالذكر ، التفتوا إلى قلوبكم لتخرج من غفلتها عن الله عزوجل ، الكثير يذكرون بدون حضور قلب مع المذكور لأن القلوب تعلقت بغير المذكور ، فلابد من كثرة الذكر حتى تخرج القلوب من غفلتها .

{ 215 } تلاوة القرآن الكريم شئ ، والتدبر شئ آخر ، وحضور القلب شئ ثالث ، فإذا قرأت القرآن الكريم اقرأه بقوة الإيمان بأنه كلام ربك وأنه فوق كلام البشر بدون استثناء ، وحتى تكون تلاوته نافعة لا بد من كثرة الذكر لله تعالى مع الحضور ، فإن
ـــــــــــــــــــــــ ص 147 ـــــــــــــــــــــــــــ
كثرة الذكر لله تعالى مع الحضور التام ، تجعل تلاوتك للقرآن نافعة ، وتجعل استماعك للقرآن نافعاً ، وتجعل صلاتك تنهاك عن الفحشاء والمنكر
{ 216 } من القوم من يقف عند الأفعال ، ويفنى في أفعاله سبحانه وتعالى : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ } سورة الانفال / 17
ومنهم من يقف عند الصفات ، ويفنى في صفاته سبحانه ، قال تعالى : { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } سورة التكوير / 29
ومنهم من يصل إلى مقام الإحسان فيراقب ربه ببصيرته . أقول وبالله التوفيق :
الوقوف عند الأفعال لمن بواسطة الأفعال يصل إلى الصفات ، ومن الصفات إلى الذات ، هذه المقامات تحصل لبعضهم دفعة واحدة ، يكون فيها الجمع مع الفرق ، هذا لمن وصل بنور الإيمان الصادق مع الأخذ بالشريعة ، فهو يعرف ربه تبارك وتعالى بإذنه ولا يحتاج إلى دليل ، كما قال سيدي ابو الحسن الشاذلي رحمه الله تعالى : ( نحن نعرف الله جل جلاله بدون دليل ) . والحاصل التفكر في الافعال والصفات لتقوية إيمان البعض ، وللبعض الآخر جمع من الفرق .

عبدالقادر حمود 01-14-2009 12:39 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 

{ 217 } الإنسان لا يأخذ بوسوسة الشيطان إلا لضعف
ـــــــــــــــــــــ ص 148 ـــــــــــــــــــــــ
إيمانه ، فلو كان إيمانه قوياً لاتخذ الشيطان عدواً ، كيف لا يتخذه عدواً ، وهو عدو لله وللإنسان ؟ فأنت أيها المؤمن مأمور أن تتخذه عدواً ، ومن اتخذه عدواً فإنه لايوافقه البتة ، والذي يعينك عليه كثرة ذكرك لله تعالى سراً وجهراً مع الحضور التام .

{ 218 } من عمل بمقتضى الإيمان ومستلزماته ، يكون مراداً عندنا لأنه على سنة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما إذا لم يعمل بمقتضى الإيمان ومستلزماته ، فلا يكون مراداً عندنا ، ولا يُسترسل معه ، ولا يُعتمد عليه في التعامل ، ولكن لا يٌشك في إيمانه . ونحن لا نرد أحداً جاءنا ما لم يضر بالدين والطريقة ، وما رأينا ضرراً على الدين والطريقة أعظم من ضرر من اتبع نفسه وهواه وشيطانه ، وتمسك بالعصبية ، وأيد هواه بالحجة الشرعية . نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، لأن الذي أخذه هواه ضررهُ على الدين والطريقة أشد من الذين آمنوا ووقعوا في المخالفات الشرعية وتابوا قال تعالى : { فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا } سورة النساء / 135
فاتباع الهوى يحرف صاحبه عن العدل . ومن ترك خالقه وأخذ بهواه كيف يكون حاله ؟ .
{ 219 } الأفعال لها تعلق بالأرواح طيباً وخبثاً ، فمن كانت روحه طيبة فإنه لا يصدر عنها إلا الخيرات وصفات
ــــــــــــــــــــــــــ ص 149 ـــــــــــــــــــــــ
الكمال ، ومن كانت روحه خبيثة والعياذ بالله فإنه لا يصدر منها إلا كل فعل خبيث وصفات ناقصة ، فالأفعال مقيدة بالأرواح طيباً وخبثاً . ولما كانت روح النبي صلى الله عليه
وسلم طاهرة مطهرة نتج عنها كل فعل كامل مكمل . وكذلك من كان قلبه طاهراً تقياً نقياً ، وروحه طيبة كان على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم . نسأل الله تعالى طهارة القلوب والأرواح .



عبدالقادر حمود 01-15-2009 02:55 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 220 } إذا أردت أن تكون محبوباً عند الله عزوجل فاترك مرادك لمراد الله عزوجل ، واترك أفعالك لفعل ربك عزوجل ، واترك هواك لهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واجعل القيد الذي تقيد به نفسك شرع الله تعالى لا هواك ، عندها تكون محبوباً عند الله عزوجل بفضله وكرمه . والمحبوبون على قسمين :
القسم الأول : بالاصطفاء والاجتباء والعناية .
القسم الثاني : كانوا محبين فجاهدوا أنفسهم في المتابعة حتى صاروا محبوبين . وهؤلاء رتبتهم دون القسم الأول ، لأن المحبوبين بالاصطفاء ما تركوا المجاهدة في الاتباع فنالوا شرف المقام من الجهتين ، من جهة الاصطفاء ومن جهة المجاهدة ، لذلك كانت مرتبتهم أعلى .
{ 221 } الذي خرج من الدنيا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن التابعين والصلحاء خرجوا بأخلاقهم الطيبة وسيرتهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 150 ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحسنة إلى قبورهم ، وهذه الأخلاق القرآنية بقيت لمن بعدهم فمن أخذ بها وعمل بها فهو على سيرتهم ونهجهم رضي الله عنهم ، فلا تتركوا هذه الأخلاق الحميدة فإنها ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن أخذ بها أخذ بحظ وافر ، فليكن حظنا وافراً . والأمر يسير بفضل الله تعالى لمن صدق في الطلب .
{ 222 } العاقل لا يأكل مالا يتحمله في الدنيا والآخرة ، فطوبى لمن يقتصد في أخذ الدنيا ، ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها ، حتى ينجو من وبالها ، مثله مثل التاجر الذي يكسب المال بطريق مشروع من بيع وشراء وغيرها ويؤدي حقه ، هذا ولو كان عنده حرص على الكسب فإنه لا يضر ، لأنه جُمع من حِله ووضع في محله . أما من دفعه حرصه على الكسب لأكل الحرام والعياذ بالله فإن حرصه يضر به وفي الحديث الشريف : (كل جسم نبت من سحت فالنار أولى به ) رواه البيهقي وأبو نعيم
{ 223 } اشتغالنا في الدنيا كثير ، ونتطلع إلى أحوال هؤلاء الرجال الكرام الذين وصلوا إلى ما وصلوا إليه من العبودية ، ونريد أن نكون مثلهم ، هيهات هيهات ، الوصول إلى مقام العبودية لايكون إلا بتخلية القلب من حب الدنيا بكل صورها ، لأن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي ، ولكن ما وقر في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 151 ــــــــــــــــــــــــــــ
القلب وصدقه العمل ، فلابد لنا من المجاهدة حتى نهدى إلى سبل الهداية ، ووعد الله محقق لن يخلف الله وعده ، قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } سورة العنكبوت / 69

عبدالقادر حمود 01-16-2009 10:20 AM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 224 } الناس في دنياهم على مراتب ثلاثة :
المرتبة الأولى : رجل دخل الدنيا وانغمس فيها ، وتأثر بظاهرها وتعلق قلبه بها ، ونسي المهمة التي وجد من أجلها ، فهذا يُؤثر ما يفنى على ما يبقى والعياذ بالله تعالى .
المرتية الثانية : رجل دخل الدنيا ورأى مظاهرها وزخارفها وتأثر فيها ، لكنه يجاهد نفسه ليرجع إلى الله تعالى ، لأن الإيمان في قلبه يتحرك ويشتاق إلى العبودية .
المرتية الثالثة : رجل دخل الدنيا بجسده ، وقلبه متعلق بربه عزوجل ، فلم يتأثر قلبه بمظاهر الدنيا وزخارفها ، وكان من الرجال الذين قال الله فيهم : { رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ } سورة النور / 37
{225 } الدنيا وما فيها سراب ، وهل رأيت السراب يوماً أروى عطشاناً ؟ فلا تغتروا بالدنيا فهي والله سراب ، فلا بد من مجاهدة النفس بكثرة الذكر لله تعالى حتى تروا هذه الحقيقة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ ص 152 ــــــــــــــــــــــــــــ
والعاقل لا يعلق أمله بسراب ، فلا تجعلوا أقصى أمانيكم الدنيا فهي إلى زوال والله باق ، تمسكوا بالباقي ، فمن تمسك بالفاني فهو فانٍ ، ومن تمسك بالباقي فهو باقٍ .
{ 226 } بمقدار اشتغال العبد بالدنيا وتعلق قلبه بها يكون حرمانه من الدين والعياذ بالله تعالى ، كحال من يذهب إلى الحج فبمقدار اشتغاله في التجارة تكون خسارته من الزيارة ، فالعاقل هو الذي يجمع من الدنيا بمقدار حاجته منها ، لا بمقدار طاقته ، لأن تلك الطاقة التي جعلها الله فينا ليست من أجل الدنيا ، بل من أجل معرفته .
{ 227 } من وقف على حقيقة التقوى ، وحقيقة الشريعة ، وذاق ثمرة العبودية وحلاوتها ، فإن الدنيا لا تهمه ، ولا يأخذ منها إلا بقدر الضرورة ، والضرورة هي أن يقوى على فعل الطاعة ، وترك المعصية . وأصحاب هذا المقام يجتنبون الانغماس في المباحات رضي الله عنهم .
{ 228 } الذين يختارون ويقدمون ويرجحون أمر الله وشريعته ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته على أنفسهم وعلى كل شئ هم المؤمنون حقاً . اللهم اجعلنا ممن سبقت لهم العناية ، وتقدم في حقهم التوفيق الخاص والهداية ، آمين يا رب العالمين .
{ 229 } رأس حبل القرآن الكريم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو صلى الله عليه وسلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 153 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
متعلق بالإسلام . والإسلام يجمع جميع المشارب والمسالك ، ولكن بشرط واحد هو الاتصال بالشريعة والاتباع . ولا نرى مشرباً أفضل من المشرب الذي أخذ أهله باليد الأولى الكتابَ وبالثانية السنة ، وكانوا من أهل الاستقامة على الصراط السوي ، نرجو الله تعالى أن نكون من المتمسكين قلباً وعقلاً وروحاً بالشرع الشريف ، ومن الذين تطابقت أفعالهم مع أقوالهم ، إنه على ما يشاء قدير .

عبدالقادر حمود 01-17-2009 07:33 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 230 } الطبيعة البشرية ناقصة ، ولا يكمل الناقص الناقص ، بل من كان كاملاً كمل الناقص ، والكامل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن كان على سيرته صلى الله عليه وسلم فببركته صلى الله عليه وسلم يكمل الناقص إذا كان صادقاً .
{ 231 } مداخل الشيطان على الناس كثيرة ، وقد يدخل عليهم من طرق شرعية ويؤيد هواهم بالحجة الشرعية والعياذ بالله تعالى ، فليكن السالك على حذر من شر الشيطان ، ولا يأمن شره ما دام حياً ، وليس هناك أضمن لنجاة العبد من التمسك بالشريعة .
{ 232 } العقل ليس ميزان الإنسان المؤمن ، لأن هذا الميزان خاطئ ، بل ميزانه الشرع الشريف ، فإذا ما حصلت خصومة بينه وبين الآخرين فلا يرد أمر الاختلاف إلى عقله بل إلى الشرع الشريف ، لأن الشرع قانون وضع لكل الناس ، فحدد فيه علاقة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ ص 154 ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المؤمن مع المؤمن ، وعلاقة المؤمن مع غير المؤمن . ففي أية خصومة ومع أي إنسان كان اجعل مرجعك شرع الله تعالى .
{ 233 } لابد لأي تجارة كانت من رأس المال ، فتجارة الدنيا رأسمالها المال ، وتجارة الآخرة رأسمالها الإيمان ، فمن عمل بمستلزمات الإيمان فإن الإيمان ينمو في قلبه ويزداد حتى يُدخل صاحبه الجنة بفضل الله تعالى ، وأما إذا لم يعمل بمستلزمات هذا الإيمان فإنه يعرض إيمانه للضياع والعياذ بالله تعالى ، كمن لا يعمل برأسماله في التجارة الدنيوية فإنه يعرض رأس المال للضياع والنهاية .
{ 234 } أنت مؤمن بفضل الله تبارك وتعالى ، وقد رتب الله تعالى على إيمانك فلاحك ونجاتك وفوزك العظيم حيث قال تعالى : { أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } سورة البقرة / 5
وحاشاه أن يكون خُلْفٌ في وعده . ناداك في القرآن الكريم بصفة الإيمان ، ورتب على إيمانك الهداية والفلاح . فلابد أن تكون أعمالك مطابقة لإيمانك ، وموافقة لمقتضاه ، من صلاة وزكاة وغيرها من الأوامر الإلهية ، وأن تترك المنهيات والمخالفات التي هي ضد مقتضى الإيمان ، فلا تتبع خطوات الشيطان ، ولا يركبنك الهوى ، واتبع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى تكون من الفائزين .
{ 235 } أمران لا بد منهما للسالك :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ ص 155 ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الأول : امتثال أوامر الله تعالى ، وإذا ثبت امتثال الأمر انتهى السالك عن المعاصي .
الأمر الثاني : الشفقة على عباد الله ، وأن تسامح من أساء إليك في حقك ، واعلم أن الشجرة التي لا ثمار فيها لا ترمى بالحجارة ، ففوض أمرك إلى الله تعالى ، وتسامح مع خلق الله ولكن ليس على حساب دينك .

{ 236 } أيها السالك الصادق اصرف قلبك إلى ربك ولا تعلقه بمن لا يحصل منه شئ من نفع أو ضرر لقوله صلى الله عليه وسلم : ( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) رواه الترمذي
فعلق قلبك بالله الذي بيده ملكوت السموات والأرض .

عبدالقادر حمود 01-18-2009 01:41 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 237 } ليس من شأن الرجال وأصحاب العقول السليمة ان يتركوا أدبهم مع غير المتأدبين ، بل شأنهم أن يحافظوا على أدبهم مع الخلق كلهم لأنهم عيال الله ، وهو يوافقون الرسول صلى الله عليه وسلم في أخلاقه . والناس يدخلون في الطريقة من أجل هذه الأخلاق . ومخالفة النفس والشيطان أيسر من مخالفة الخلق ، ومخالفة هؤلاء أصعب من كل القواطع عن الله تعالى ، فلا تعادِ أيها السالك أحداً من المؤمنين ، بل
ـــــــــــــــــــــــــــ ص 156 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليك بمعاداة الشيطان لأن الله أمرك أن تعادي الشيطان ، وأن تُؤاخي المؤمنين بدون مداهنة .
{ 238 } الواجب على المؤمنين تجاه النبي صلى الله عليه وسلم التعظيم قال تعالى : ( لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } سورة الفتح / 9
وواجب المؤمنين تجاه بعضهم البعض الرحمة ، قال تعالى : { رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } سورة الفتح / 29
وهذا أمر ليس بسهل ، بل هو أمر عظيم جاء إلى نبي عظيم حتى وصل إلينا ، فلا بد أن نستحي من الله تعالى ، وأن نطبق شرع الله تعالى على جوارحنا .
{ 239 } طبيعة ابن أبي سلول موجودة بين الناس ولا يمكن التخلص منها إلا بالمجاهدة والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم ، فراقب نفسك وكن على حذر من صفات ذاك المنافق أن توجد فيك ، ذاك نفاقه اعتقادي ، ومن لم يعمل بمستلزمات الإيمان ، وعمل بعض أعمال المنافقين كان نفاقه عملياً ، فلا بد من التوبة إلى الله عزوجل من طبيعة المخالفين .
{ 240 } إذا كنت صادقاً مع الله تعالى ، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم فإنك تقف على أسرار هذه الشريعة والتي من جملتها الطواف ، فبصدقك تقف على ذلك السر الذي طاف به رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ــــــــــــــ ص 157 ــــــــــــــ
وحين ذاك إذا رأيت الكعبة المشرفة ترى التجليات الذاتية ، وتشم رائحة النور الإلهي الذي يصب على الكعبة المشرفة ، وتشعر بتلك الرحمات التي تنزل على الكعبة .
{ 241 } الصدق الذي حضنا عليه اسيادنا رضي الله عنهم هو بوسعنا ، والله تبارك وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها ، فهو تكليف شرعي ، ولكن بسبب اتباع الهوى والشهوات لا نطبق على انفسنا ، ولا نمتثل أمر ربنا جل وعلا . نتكلم عن الشريعة ولا نطبق ، نتكلم عن الطريقة ولا نطبق ، فهل هذا من الصدق ؟ لا والله . نحن خُلقنا للعبادة فمرادنا العبودية لا غير ، ليس مرادنا الأذواق ولا الكرامات ولا الشهرة والرياسة ، والله لو تكلم معنا ملَك وقال : أنت من أهل النار ولن تدخل الجنة ، لا تتغير عبادتنا لله عزوجل إن شاء الله . هذا يجب عليكم جميعاً ، يجب عليكم أن تكونوا صادقين وأن تكونوا مع الصادقين ، حتى تدخلوا في مقام العبودية ، والله ليس أحلى ولا أشهى منها عند الصادقين .

عبدالقادر حمود 01-18-2009 05:22 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 242 } الصادق مع الله تعالى ومع رسوله صلى الله عليه وسلم ومع المؤمنين ، ومع خلق الله أجمعين وملتزم الأحكام الشرعية لا يخرج من الدنيا إلا ببطاقة نورانية ، فإذا أدخل القبر بتلك البطاقة تعلقت روحه بالعرش وتنعم جسده في التراب ، وصار قبره روضة من رياض الجنة ، وأما إذا خرج من الدنيا كذاباً والعياذ بالله تعالى صارت روحه في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 158 ـــــــــــــــــــــــــــــــ
سجّين وتعذب جسده في التراب ، وصار قبره حفرة من حفر النار والعياذ بالله تعالى . فإذا نفخ في الصور وخرج الصادق من قبره فإنه يخرج بتلك البطاقة النورانية ويَقدُم على الله ورسول والمؤمنين ، والله ينظر إليه وينشر له كتابه ، كما قال تعالى : { وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا } سورة الإسراء / 13
فهذا الصادق أمره إلى الله تعالى إن شاء سأله عن صدقه لقوله تعالى : {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ } سورة الأحزاب / 8
وإن شاء عامله بفضله ، فالصادق هذا حاله فكيف بحال الكذاب والعياذ بالله تعالى إذا خرج من قبره ؟ يجب علينا أن نأخذ ببطاقة الصدق في الدنيا لأنها دار تكليف أما الآخرة فهي دار الجزاء على العمل ، علينا أن نكون من أهل الصدق ، وأن يكون مطلبنا العبودية لله عزوجل ، من خلال متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ، علينا أن نتحرى الصدق في كل مقاصدنا حتى نكتب عند الله من الصديقين . اللهم اجعلنا منهم ومعهم ببركة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وببركة أسيادنا رضي الله عنهم ، آمين آمين .
{ 243 } كن على حذر من مدح الناس لك ، لأن أكثر المادحين مداهنون ، ومدحهم لك يكون عليك وبالاً ، فلو صدقت الله لحثوت التراب في وجوههم ، ولو صدقوا الله لكانوا لك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 159 ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ناصحين ولم يكونوا مادحين . اصدقوا الله في كل تصرفاتكم فهو العليم الخبير . فتش عن الأخ الناصح لا المادح . كن ناصحاً ولا تكن مادحاً . لأن مدحك لأخيك يُدخل عليه العجب ةالغرور وربما ينسى الله تعالى مصدرَ كل نعمة ، وبالتالي يكون مدحك له وبالاً عليه . ومن كان مع أخيه هكذا فليس صادقاً في محبته . عليك بالنصح له في أن يرعى نعمة الله تعالى ، إن كنت صادقاً في حبه .
إذا رأيت نعمة على أخيك قد ظهرت بفضل الله وكرمه وجب عليك أمران :
1ً ـــ المدح والثناء لله تعالى ، لقوله تبارك وتعالى : { وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱلله } سورة النحل / 53
2ً ـــ النصح لأخيك في أن يرعى تلك النعمة بالشكر لله عزوجل ، لأن الشكر عِقال النعم ، وإلا عرّضها للزوال وفي الحديث الشريف : ( أحسنوا جوار نعمِ الله لاتنفروها ، فإنها قلما زالت عن قوم فعادت إليهم ) رواه ابو يعلى في مسنده وابن عدي في الكامل

عبدالقادر حمود 01-19-2009 03:55 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 244 } الحر لا يكون عبداً إلا لمعبوده ، ولكنه يشكر من كان سبباً في النعمة ، وهذا من الدين ، وإذا لم يشكر الواسطة يكون مقصراً في دينه . وإذا أردتم شكري التزموا هذه الطريقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 160 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المباركة الموصولة بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسند المتصل ، ولا تنسوا فضل الله تبارك وتعالى عليكم ، وفضل رسوله صلى الله عليه وسلم وفضل شيخنا رحمه الله تعالى . من التزم الطريقة بعد وفاة شيخه فهذا الالتزام شكر للشيخ المتوفي ، وحرمة المشايخ محفوظة في حال حياتهم وبعد وفاتهم رحمه الله . لا تكونوا قدوةً وأعواناً لمن يقطع الخلق عن الطريق لأن هذا ليس من الشكر بل من كفران النعمة ، قال تعالى : ( وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } . سورة النساء / 105
{ 245 } بعض الناس اعتادوا المدح واجتمعوا مع بعضهم بسبب المدح ، ولو تناصحوا ما اجتمعوا . لو رأيت جماعة كبيرة وفيهم الأخلاق المخالفة ، وقلت لهم : إن هذه الأخلاق مخالفة لأخلاق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لانفضوا عنك جميعاً ، وربما ينالك أذى منهم ، لأنهم اعتادوا على المدح لا النصح . أين نحن من سيرة سيدنا عمر رضي الله عنه عندما قال : رحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي ؟ . هل السعادة في اتباع الهوى أم في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ؟ .
{ 246 } كن على حذر من مدح الناس ، لأنك لا تعرف باطنهم ، وقد تمدح فاسقاً ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا مدح الفاسق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 161 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غضب الرب واهتز لذلك العرش ) رواه البيهقي وأبو يعلى عن سيدنا أنس رضي الله عنه
وإن قلت : إن النبي صلى الله عليه وسلم قد مدح بعض أصحابه ، وكذلك يوجد في التابعين من مدح ، فإني أقول : هؤلاء الأولياء الكبار لا تتحرك نفوسهم بالمدح والثناء ، لأنهم على يقين بقوله تعالى : ( وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ } سورة النحل / 53
هؤلاء تغلبوا على أنفسهم حتى ماتت عن هواها ، وقليل ماهم . هؤلاء يحمدون الله عزوجل ويشكرونه على عطائه لهم حتى نُصروا على أنفسهم ، وأخرجوا أنفسهم من البين هؤلاء إذا مُدحوا حولوا الأمر إلى الله تعالى ، وقالوا : نحن لسنا هكذا بل أعطانا ربنا عزوجل النصرة على أنفسنا ، وبربنا عرفنا أنفسنا ، وبه تبارك وتعالى تغلبنا على هواها ، وهؤلاء الأولياء الكبار رضي الله عنهم وألحقنا بهم ماتت نفوسهم وحيت أرواحهم ، فكلما مدحوا ربا الإيمان في قلوبهم ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا مدح المؤمن في وجهه ربا الإيمان في قلبه ) رواه الطبراني والحاكم عن سيدنا أسامة رضي الله عنه .
اللهم ألحقنا بهم يا أرحم الراحمين .

عبدالقادر حمود 01-21-2009 02:38 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 

{ 247 } المدح فيه ضرر على المادح والممدوح ، لأن أكثر المدح يدخل فيه الكذب ، ويوقع الممدوح بالغرور والعجب ، إلا من

ــــــــــــــــــــــــــــ ص 162 ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

حفظه الله تعالى من الكذب والغرور ، الوصول إلى الله تعالى ليس بالمدح بل بالاتباع لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلو كان الوصول إلى الله تعالى بالمدح لمدحتُ الناس جميعاً ، ولكن ليس الأمر هكذا . كونوا متيقظين وإلا لعب الناس بكم كما يلعب الأولاد بالكرة .

{ 248 } الوصول إلى الله تعالى بمقدار الانقطاع عن الخلق وعدم التعلق بهم ، ومن اعتمد على الخلق سقط من عناية الله عزوجل ، ووقع في بئر نفسه والعياذ بالله تعالى ، أما من اعتمد على الله عزوجل فإنه يرتفع ويصل إلى الله تعالى ، لا تفرحوا بمدح المادحين ، وأنتم تعلمون الحقيقة قال تعالى : { بَلِ الِإْنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } سورة القيامة / 14
لا تفرحوا بمدح المادحين لأنه من زخرف القول ، كما قال تعالى : { شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا } سورة الأنعام / 112
وإني أغضب من المادحين كما أغضب من الشياطين .

{ 249 } نهاك ربك عن مدح نفسك فقال تعالى :{فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} سورة النجم / 32
وأنت أعلم الخلق بنفسك لقوله تعالى : { بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ () وَلَوْ أَلْقَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــ ص 163 ــــــــــــــــــــــــــــــ
مَعَاذِيرَهُ } سورة القيامة / 15
فتعرف خبثها ومكرها وخداعها ، فإذا كنت منهياً عن مدح نفسك فكيف تمدح من لا تعرف باطنه ، ولا تعرف كل ظاهره ؟ وحسن الظن بالمؤمنين غير المدح ، فأنت مأمور
بحسن الظن ، ولست مأموراً بالمدح ، لأن المدح مرغوب لدى النفوس كلها ، وهذا الهوى يوجد في جميع المؤمنين ، وهم مشتركون فيه ، ونحن مأمورون بالمجاهدة لهذا الهوى قال تعالى : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } سورة العنكبوت / 69
فكن عوناً لأخيك في مجاهدة نفسه ، وذلك بالنصح له لا بالمدح .

{ 250 } لو أصغيت إلى نفسك عندما تُمدح لوجدت العُجب والغرور فيها يتحرك ، والنفوس عند جميع الخلق واحدة ، وهذا يعني أن الهوى يتحرك في نفوس الآخرين كما يتحرك في نفسك ، لذلك وجب عليك أن لا تمدح حرصاً على إخوانك ، وتحثو التراب في وجوه المادحين حرصاً على قلبك ونفسك .

{ 251 } لا بد من قطع أصول عِرق الرياء بالكلية ، وأصوله ثلاثة أمور :
أولاً : حب الدنيا والتعلق بشهواتها الظاهرة والباطنة .
ثانياً : اللذة العاجلة وترجيحها على الآخرة .
ــــــــــــــــــــــ ص 164 ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثاً : الالتفات إلى الخلق في مدحهم أو ذمهم .
والعاقل لو تفكر بأنه لو سجدت الكائنات لمخلوق ، ومدحوه ، وأقبلوا عليه بالثناء والسمع والطاعة ، ماذا ينفعه ذلك إذا كان الموت حليفاً للساجد والمسجود له ، وعلم أنهما راجعان إلى الله تبارك وتعالى ، فلا بد أن نتعظ بموعظة الله عزوجل . وأن نتفكر بالوقوف بين يديه تبارك وتعالى .

عبدالقادر حمود 01-23-2009 04:11 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 252 } من أظهر حاجته للناس ماعرف الله تعالى ، لأن الخير بيد الله عزوجل ، وأنا لست بحاجة إلى أحد إلا الله تعالى ، لذلك والله والله والله لا أريد أن أحبب الناس فيّ ، ولكن أريد أن أحببهم في الله تعالى ، وإلى هذا الطريق الشاذلي المبارك الذي يوصل الصادقين إلى محبة الله تعالى .
لذلك أقول : المداهنة ليست من الدين في شئ ، وليست من خُلق الإنسان المؤمن فضلاً عمن انتمى إلى هذا الطريق . رجل واحد صادق يوازي مائة ، فتشوا عن الصادق . ولو أحسنا الظن بالجميع نكذب ، لأن الجميع ليسوا بصادقين ، نرجو الله تعالى أن نكون مع الصادقين أصحاب السند المتصل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

{ 253 } أنتم تفرون من الدنيا إلى الدنيا ، وهذا كله تعب وشقاء ، والله لو فررتم من الدنيا إلى الله تعالى لكان خيراً لكم ، فمن فر من الدنيا إلى الدنيا كان مَثله كمثل رجل وقع في الوحل يرفع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 165 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رِجلاً ويضع أخرى وكلتاهما في الوحل . عليكم بالقناعة بالقليل ، لأن القليل والكثير بجانب ما عند الله قليل .

{ 254 } اسمع واحفظ وعد الله في كتابه الكريم المبَّلغ لك عن طريق رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال : { أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } سورة المؤمنون / 11
محال أن تنفي صفة الإيمان عن نفسك ، فأنت مؤمن فلا بد لك أن تجتهد لنيل هذا الربح العظيم ، وأن لا تضيعه باتباع النفس الأمارة بالسوء ، وبإغواء الشيطان الرجيم ، وبالحرص على الدنيا الدنية ، فالله يهديك الصراط المستقيم . استعن على أمور دنياك وآخرتك بالصلاة والذكر ومخالفة النفس لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أعنّي على نفسك بكثرة السجود ) رواه مسلم

{ 255 } إذا حافظت على الحضور في عبادتك من ابتداء النية إلى نهاية عمل العبادة جاءت الأنوار الإلهية إلى قلبك ، فذكر الله تعالى يطهر القلب من الأوزار ، والصلوات على الرسول صلى الله عليه وسلم تورث الأنوار ، وقراءة القرآن الكريم لا تعد ولا تحصى فوائدها ، فإذا صليت بعد ذلك آتت الصلاة ثمارها بإذن ربها ، وانقطعت عروق الوسوسة والخطرات عنك في الصلاة .
{ 256 } كن مظلوماً ولا تكن ظالماً ، لأنه من كان مظلوماً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 166 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فبوسعه أن يعفو عمن ظلمه ، أما إذا كنت ظالماً لاقدر الله فأنت لست بضامن أن يعفو عنك من ظلمتَه ، فإذا كنت مظلوماً فلا يخرجنك ظلم الظالم عن طورك وعقلك واستقامتك ، بل اصبر وفوض أمرك إلى الله تعالى ، والله يعينك إن شاء .

عبدالقادر حمود 01-24-2009 06:13 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 257 } عليك ألا تخاف أحداً من خلق الله تعالى ، من عالم الإنس أو من عالم الجن ، وكلما تعلمت مسألة دينية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكتب القوم طّبق ْ على نفسك لأنك مسؤول عن هذا يوم القيامة والله يدافع عن المؤمن الصادق .

{ 258 } الذي تمسك بالإيمان ، وكان صادقاً في سيره وسلوكه في هذا الطريق المبارك الذي جاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يشوش عليه ولا يحزن ، لأن طبيعته البشرية ترقّت وسمت وعلت ، فهو يفوض أمره إلى الله تعالى ، ويتمسك بالكتاب والسنة ، وينظر في سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرى فيه الأسوة الكاملة والقدوة الصالحة . ومن عبد الله تعالى بقلب صادق مع الأخلاص أعانه الله تعالى .

{ 259 } الاسترسال مع الخلق من أجل توجيههم إلى شخصية الداعي يذهب بالدين ، وهو من قلة العقل ، فالداعي لا يلتفت إلى مدح الناس وذمهم ، ولا يسعى إلى محبة الناس له ، ولا إلى حبهم لأن في ذلك حظاً للنفس . فالذي يعتمد على الناس ليس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 167 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أفراد هذا الطريق ، كيف تنظر إلى فلان فتفتخر به ، وينظر إليك فيفتخر بك ، وكلاكما عاجز ؟ .

{ 260 } إذا جاءتك مصائب الدنيا وانصبت عليك فلا تترك ذكر الله وتلاوة القرآن الكريم ، بل ادفع قساوة تلك المصائب ومرارتها بحلاوة ذكرك لله تعالى ، وبمناجاتك لربك تبارك وتعالى ، فهو السميع البصير ، وهذا شأن المؤمن الصادق المخلص الذي يكون على حذر من الدنيا حلوِها ومرِها ، ويكون على حذر من الغفلة عن الله عزوجل .

{ 261 } أنت مؤمن باعتقادك والحمدلله ، ولكن لا بد لك من العمل بمستلزمات هذا الإيمان ، فلا تكن ممن أعرض عن ذكر ربه ، تندم ولا ينفعك الندم ، قال تعالى : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً*قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } سورة طه / 126

{ 262 } المحبة الذاتية علامة الفناء ، والفناء عبارة عن نسيان ما سوى الله تعالى ، فإذا لم يُزِلْ العبد عن ساحة صدره العلوم بالتمام ، ولم يحصل له التحقق بالجهل المطلق ، فإنه لا نصيب
ـــــــــــــــــــــــــــــ ص 168 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
له في الفناء أصلاً ، وهذا الجهل دائمي لا إمكان لزواله لا أنه يحصل أحياناً ويزول أخرى ، ففي عين الجهالة شعور ، وفي عين الحيرة حضور ، وهذا هو موطن حق اليقين . وأحياناً بعد الفناء يجتمع العلم مع البقاء حين ذاك لا يضر العلم مع البقاء ، والله تعالى الموفق للصواب .

عبدالقادر حمود 01-26-2009 03:31 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 263 } كن خليلياً ، فالخليل عليه الصلاة والسلام كان صدّيقاً نبياً ، ودليل صديقيته أنه استجاب لأمر ربه فوضع السكين على حلق ولده ، قس محبتك لربك عزوجل على ذلك فتعرف مدى صِدقك فيها .
{ 264 } أوصيك بتقوى الله تعالى ، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنا فرد من أفراد هذا الطريق ، ولا أريد شيئاً آخر ، والله شهيد على ما أقول، وسيدنا أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أوصى أصحابه أن يدفنوه بعد نهاية المعركة ، وأن يبقى تحت سنابك الخيل طيلة المعركة ، لأنه لا يريد شهرة ولا سمعة رضي الله عنه . – هذه الوصية سمعناها في مكة المكرمة حرسها الله تعالى .
{ 265 } الآخرة والدنيا ككفتي الميزان ، ولا بد من ترجيح كفة الآخرة على كفة الدنيا ، لأن الدنيا فانية ، والآخرة باقية ببقاء الله تعالى ، وهي خير من الأولى ، وترجيح الآخرة على الدنيا لا يكون إلا بالاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم . كيف ترجحون الفاني على الباقي ؟
ـــــــــــــــــــ ص 169 ـــــــــــــــــــــــــــــ
هذا ليس من شأن أصحاب العقول السليمة . علينا أن نتوجه ونوجه الناس إلى الله تعالى ، حتى نرحم في الدنيا والآخرة ، وهذه هي السعادة الأبدية .
{ 266 } الدين ليس فيه مشقة على من تذوق حلاوة العبادة والعبودية لله تعالى ، وأما من لم يتذوق تلك الحلاوة فإن مشقة العبادة تزول بعلم العبد أن الله يراه وهو رقيب عليه .
{ 267 } المؤمن بالصدق صار مؤمناً ، والصدّيق بالصدق صار صدّيقاً ، والكافر والمنافق بالكذب صار كافراً ومنافقاً ، لذلك وجه الله تعالى المؤمنين لأن يكونوا مع الصادقين حتى يكتسبوا من صدقهم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } سورة التوبة / 119


وأعلى مرتبة في المؤمنين بعد النبوة رتبة الصديقين الذين تحروا الصدق في كل أمورهم ، وبالصدق يُكمل المؤمن كل صفات الكمال .
{ 268 } السكر على أربعة أقسام : سكر بالخمر ، وسكر بالدنيا ، وسكر بالهوى ، وسكر بمحبة الله تبارك وتعالى وبمحبة رسوله صلى الله عليه وسلم . أما الأول فمنهي عنه بقوله تبارك وتعالى في سورة المائدة : { يَا أَيُّهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 170 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *
إِِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } سورة المائدة / 91
أما الثاني فنبه الله سبحانه وتعالى عليه بقوله : { فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ } سورة لقمان / 33
أما الثالث فنبه إليه الحق جل وعلا بقوله : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } سورة الجاثية / 23
أما الرابع فأشار إليه الحق جل جلاله بقوله : { وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ } سورة البقرة / 165
فحب الله تعالى يذهل القلب عن الدنيا والنفس ، ويبقى فيه همٌّ واحد هو حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم ، والمحبة تقتضي الطاعة ، وإلا فهو مدّعٍ ، ودعواه باطلة .

عبدالقادر حمود 01-31-2009 09:21 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 

{ 269 } الكثير من الناس يظنون أن الصدق والاستقامة الشرعية هي في الكلام والتشدق فيه فقط ، مع العلم أن آيات القرآن الكريم التي نزلت على سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 171 ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جبرائيل عليه السلام ، كلها متعلقة بالبشر ، من أجل تصحيح العقيدة ، ومن أجل متابعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ومن أجل التمسك بالعبودية ، ومن أجل ترك الهوى والحظوظ النفسانية ، ومن أجل ترك الدنيا وعدم تعلق القلب بها ، ومن أجل الاستقامة ومجاهدة النفس . لو نظرت في القرآن الكريم وفي أفعال البشر لما وجدت تطبيقاً علمياً عند الكثير ، بعضهم اكتفوا بالعلم والقيل والقال ، وتعلقوا بالمادة ، وبعضهم أكل الدنيا بدينه ، وبعضهم باع دينه بدنيا غيره والعياذ بالله .
{ 270 } الكثير من الناس يعرفون الوعظ والكلام ، وأكثر المؤمنين يعرفون الحلال والحرام ، لكنهم لا يعلمون بعلمهم ، لأن التطبيق أصعب من السماعِ والتعليمِ بكثير ، هذا بلاؤنا في هذه الأيام ، ويوم القيامة سوف نُسأل عن العمل لا عن العلم ، نُسأل عن الشريعة ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم . فلابد من ربط الإيمان بالعمل مع مستلزماته ، ولابد من ربط القول مع العمل والمجاهدة ، فمن ربط بينهما تمسك بالشريعة واتبع الرسول صلى الله عليه وسلم وترك الهوى ، ورقى سُلّمَ المعرفة ، وإن لم يكن له نصيب في المعرفة سَلِم على دينه ونجا يوم القيامة بفضل الله وكرمه .
{ 271 } قدْر المرء بمقدار اتباعه للشريعة والسنة النبوية فكلما عظم اتباعه عظم قدره . والاتباع ما قيد بلسان ولا قوم ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــــ ص 172 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عشيرة ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإٍحْسَانٍ } سورة التوبة / 100
فتعاملْ مع الخلق على أساس هذه القاعدة ، وأنزل الناس منازلهم من خلال هذه الآية ، وثمرة هذا الاتباع قوله تعالى : { رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } سورة التوبة / 100
{ 272 } القرآن الكريم مخاطَبٌ به جميع البشر . فسعد به بعضهم بالاتباع ، وشقي البعض الآخر بإعراضهم . فالقسم الأول آمن وقيد نفسه بقيود الشريعة وعمل عملاً صالحاً فكان بذلك سعيداً في الدنيا والآخرة ، والقسم الثاني كفر والعياذ بالله وقيد نفسه بالشهوات واتبع هواه فكان بذلك شقياً . وموانع الإنسان من السعادة أربعة أمور : النفس والشيطان والدنيا والخلق ، وأشد هذه الموانع الخلق ، لأنهم إما أن يمدحوه فيوقعوه بالغرور ، وإما أن يذموه فيقنطوه .


عبدالقادر حمود 01-31-2009 10:07 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 273 } لا بد من معرفة القواعد أولاً ثم العمل بها ثانياً ، وإلا فالحجة قائمة علينا . قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدّ تَثْبِيتًا * وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً
ـــــــــــــــــــــــــــ ص 173 ـــــــــــــــــــــــــــــــ

عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا } سورة النساء / 68
نسأل الله تعالى أن يجعل القرآن العظيم حجة لنا لا علينا إنه على ما يشاء قدير .
{ 274 } على الإنسان أن لا يتبع إلا طريقاً واحداً ، وإلا لعبت به الأهواء ولا يدري لمن يرضي ، وخاصة إذا اتبع من لم يلتزم الشرع الشريف ، بل اتبع هواه وانغمس في الدنيا وسائر الشهوات من جاه ومقام ورياسة وما شاكل ذلك . والله تعالى ضرب لأصحاب العقول مثلاً في القرآن الكريم فقال : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ } سورة الزمر / 29
ليس مثالٌ فوق هذا المثال لمن يعلم ويعقل .
{ 275 } الخروج من الحظوظ مع وجود العلم صعب ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه ، فلابد من الصدق في الطلب ، فمن صدق في طلبه من الله تعالى أن يخرجه من حظوظ نفسه ، دله الله تعالى على وارث من وراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعينه على ذلك .
{ 276 } قَدَرُ الله عزوجل غائب عن مخلوقاته ، وليس هو بيد أحد فلابد من الأخذ بالاسباب مع عدم الاعتماد عليها ، فلعله أن يصادف السببُ القَدَرَ ، انظر ألم يقل الحق تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــ ص 174 ـــــــــــــــــــــــــــــ
{ أَليْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } سورة الزمر / 36 ؟
ومع ذلك ما ترك الأخذ بالسبب ، فالأسباب للأبدان والتوكل للقلوب .
{ 277 } المؤمن إذا انتقل من علم اليقين إلى عين اليقين أو حق اليقين ، وجب عليه أمران :
الأمر الأول : الشجاعة مع حفظ الحرمة .
الأمر الثاني : الصبر والتحمل لأذى الخلق .
هذا الثبات لا يكون إلا لمن دخل دائرة عين اليقين أو حق اليقين ، ومع ذلك ترى أهل هذا المقام يخافون سوء الحساب
{ 278 } لا تقل الحق إلا بعد التمكن ، لأن من قال الحق ثم تردد بعد ذلك فهذا يدل على عدم تمكنه وتثبته ، فإذا تمكنت وتثبت فقل الحق ولا تتردد ولكن في وقته ، لأن الحكمة يجب أن توضع في موضعها ، وإلا يكون تضييعاً لها ، ولابد من تحرير النية قبل قبول الحق لقوله تعالى : { إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } سورة النساء / 1
فكن متمكناً من معرفة الحق قبل مخالطة الناس .

عبدالقادر حمود 02-03-2009 01:37 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 279 } وقوف السالك مع تقصيره يعرقل سيره إلى الله تعالى ، فلابد من اللجوء والتضرع إلى الله عزوجل ، لأن الحفظ من الهوى والدنيا والخلق والشيطان من اصعب الامور على أمثالنا ، لقلة
ــــــــــــــــــــــ ص 175 ـــــــــــــــــــــــــــ
الاستقامة على منهج الصلحاء والأتقياء ، وقلة صحبتهم والتقاء نفائس كلامهم ، كل ذلك مع ضعف القوة اليقينية التي يحفظ القلب بها من الاغيار ، نرجو الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الإنابة ، ويهبنا الغفران ، ويمن علينا بالثبات على الإيمان ، وأن يكرمنا بمحبته ، وأن يأخذ بأيدينا لاتباع سنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ، والتخلق بالأخلاق القرآنية وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
{ 280 } حسن الخاتمة ليس مضموناً لأحد من الخلق ، إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمبشرين بالجنة ، وما عداهم فلا ، وهذا يعني أن الله تعالى قد يجعل الفاسق ولياً ، وقد يخرج العبد من الإيمان إلى الكفر ، قال تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } سورة النحل / 125
نسأل الله حسن الخاتمة ، وليس أحد معصوماً عن الخطأ لذلك ترى الخوف عند العلماء العارفين أكبر وأعظم من خوف عامة الناس ، وحق المؤمن الصادق إن جاءه ملك الموت ، وقال له : أنت في النار ، عليه أن يجتهد في العبادة ولا يدعها ، لأنه ما خلق إلا لها . نسأل الله تعالى أن يرزقنا حلاوة العبودية والتذلل بين يديه .
{ 281 } الإنسان بعلمه القاصر الجزئي يرى الساعة بعيدة ،
ـــــــــــــــــــــــــ ص 176 ـــــــــــــــــــــــــ
ولذلك يغفل عن ربه جل وعلا ، أما في علمه جل وعلا فإن الساعة قريبة ، قال تعالى : { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } سورة الأنبياء /1

فيجب على العاقل ان يتخلى عن علمه الناقص الجزئي إلى علم الله عزوجل الكامل ، ويعتمد على علم الله الكلي لا على علمه الجزئي ، فلو خرجت عن علمك لعلمه لرايت الساعة قريبة كما قال تعالى : { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا } سورة المعارج / 7
{ 282 } المؤمن ليس ماموراً بحب الناس لذاتهم، ولكنه مأمور بحب الخير لهم ، فإذا أبغض واحداً من الخلق فلينظر إلى سبب بغضه له .
1ً ــ إن كان يبغضه لاسقامته ، وعدالته ولقوله الحق ، ولعدم اتباعه أهواء الناس ، فهذا البغض حرام ، ولا يليق بمن آمن بالله واليوم الآخر . فعليه أن يتوب إلى الله ويرجع إلى رشده وصوابه ، وأن يحب الخير لأخيه المؤمن لأن الله تعالى قد ربط بينهما برباط الأخوة الإيمانية فقال : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } سورة الحجرات / 10
2ً ــ وأما إذا كان بغضه له بسبب ارتكابه المخالفات الشرعية ـــ من مخالفة أمر الله ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومخالفة الحقيقة
ــــــــــــــــــــ ص 177 ــــــــــــــــــــــــــــ
والطريقة ـــ فيجب عليه أن يبغض أفعاله المخالفة لا شخصه ، وعليه النصح له لأن الدين النصيحة .
3ً ــ أما إذا كان بغضه له بسبب تعارضه معه لمصلحة دنيوية فهذا البغض حرام ، وهو مضر بالإيمان . عليه أن يرجع إلى الله ويتوب . هذا الامر يجب ان يتنبه إليه المؤمنون جميعاً ، وليس خاصاً بمشرب من المشارب ، ولا بمسلك من المسالك .
{ 283 } الإنسان المؤمن يجب أن يكون له حظ من الوراثة النبوية ، بأن يحب الناس لله عزوجل لا لنفسه فمن لم يخرج عن نفسه فإنه يحب الناس لنفسه فإن قدموا له نفعاً أو دفعوا عنه ضراً أحبهم وإلا فلا ، أما من خرج عن نفسه فإنه يحب الناس لله تعالى ، وعلامة محبته لهم في الله أنه يعينهم

على ترك هواهم وحظوظهم لذلك ترى الناس اليوم أكثرهم يحب بعضهم بعضاً للحظوظ وللشهوات ، وليس لله تعالى ، ولو كان الإنسان عاقلاً لأحب الناس لله وفي الله ، لأنه يعلم حقيقةً أن الكائنات كلها لو سجدت له لا يستفيد شيئاً إذا لم يكن ربه تبارك وتعالى راضياً عنه .

عبدالقادر حمود 02-03-2009 01:48 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 284 } لو اصغيت إلى حديث أكثر الناس عن انفسهم لوجدتهم يقولون نحن سابقون بالخيرات ، ولا يقول واحد من هؤلاء أنا ظالم لنفسي ولغيري ، وهذه مصيبتنا ، لذلك قالوا : من لم يعرف نفسه لم يعرف ربه ، ومعرفة النفس لا تكون إلا بمعرفة المعرف ،
ـــــــــــــــــــــــــ ص 178 ـــــــــــــــــــــــــــ
ومن كان يعرف نفسه أنه ظالم لنفسه وظالم لغيره ثم يقول بلسانه : أنا سابق بالخيرات ، هذا معذب في الدنيا قبل الآخرة إذا لم يعف الله عزوجل عنه .
{ 285 } إذا كان الرجل قوياً في دينه وطريقته ، ولا يخشى عليه تقليد الآخرين ، فهذا لا يضره زيارة أحد من الناس ، أما إذا كان ضعيفاً فإن الزيارات المطلقة قد تشوش عليه ، لأن بعض الناس يتشدقون بالكلام وهذا الزائر قد يتضرر فيقصر في سيره وفي مجاهداته . فإذا كان من القسم الأول فإن قوته تمنع الضرر أن يسري إليه ، وأما الثاني فننصحه بعدم الزيارة حتى لا يتضرر من تشكيك المتشككين . نحن لا نقول زيارة المؤمن لا تجوز ، ولكن نقول المقلد المبتدئ ليس له استقامة كاملة فننصحه بعدم الاختلاط حتى يقوى .
{ 286 } من خالف الدين والشريعة فهو أعمى ، ووقع في بئر نفسه الأمارة بالسوء ، وحاله اشد من حالة أعمى البصر الذي وقع في بئر محفورة ، لأن هذا له اجر الشهيد أما ذاك فقد خسر الدنيا والآخرة ، والعياذ بالله تعالى ، لأنه آثر الحياة الدنيا ، واتبع هواه قال تعالى : { فَأَمَّا مَن طَغَى {37} وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا {38} فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى } سورة النازعات / 39
ـــــــــــــــــــــــــ ص 179 ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ 287 } علماء السوء خدم الشياطين ، ما خرجوا عن دائرة الإيمان ، ولكنهم لم يعملوا بمستلزمات هذا الإيمان ، وهؤلاء بعضهم باع دينه بدنياه ، وبعضهم باع دينه بدنيا غيره ، وهذا شرٌ من الأول والعياذ بالله تعالى . نرجو الله تعالى الحلاص . ولقد رأى الإمام الرباني رحمه الله تعالى الشيطانَ يوماً فقال له الإمام : لم أنت قاعد ؟ قال : عندي خدام يعملون عملي ، قال له : من هم ؟ قال : علماء السوء . فهناك من يهدم الدين باسم الدنيا وهناك من يهدم الدين باسم الدين والعياذ بالله تعالى . وشر الناس من باع دينه بدنيا غيره .
{ 288 } مفتاح الوصول إلى الله تعالى الأخذ بالشريعة ، ومن الأخذ بالشريعة الأخذ بالسنة ، ومن أخذ بهما حاز على الرضا . ومفتاح باب الطريق كثرة الذكر لله تعالى مع الحضور ، والذكر من القرآن الكريم ومن السنة ، فليس لأحد حق الإنكار وليس لأحد حق الترك ، فكل المؤمنين مخاطبون بكثرة الذكر لله تعالى ، فلماذا لا يكثرون الذكر ؟ لابد من المجاهدة ، فالذكر ثقيل على النفوس الامارة بالسوء .

{ 289 } الفتور في العبادات يحصل بسبب ثقلها على النفوس ، والاستسلام لها ، فلابد من المجاهدة والاستغفار عند الفتور لأن خير العمل عائد لنا ، والله عزوجل يريد منا أن نربح الحياة
ـــــــــــــــــــــــــ ص 180 ــــــــــــــــــــ
الدنيا في حسن العمل والإقبال عليه حتى نسعد في الآخرة لقوله في الحديث القدسي : ( يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيراً فلْيَحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه ) رواه مسلم
الله عزوجل لا يربح منا شيئاً إذا جاهدنا نفوسنا وأقبلنا عليه ، فهو يقول في الحديث القدسي : ( ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ) رواه مسلم
والعاقل لا يقبل خسارة الدنيا ، بل يتأثر ولو كانت خسارة قليلة ، ويتأثر إذا فاته ربح ولو كان قليلاً ، فلماذا لا يكون هكذا في دينه ؟ كن حريصاً على التمسك بالشريعة ، وإجراء أحكامها على جوارحك الظاهرة والباطنة ، ولا تكن من الغافلين في دنياك وتحقق بقوله تعالى : { رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } سورة النور / 37
{ 290 } أخرج نفسك من البين ، ولا تنسب الفضائل إلى نفسك لأن الفضائل من الله تعالى ، قال تعالى : { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } سورة النحل / 53
فإذا أخرجت نفسك من البين لا يقوى عليك
ــــــــــــــــــــ ص 181 ـــــــــــــــــــــــــــ
الشيطان ، إلا إذا كان الشيطان مع نفسك عليك وعندها تُصرع والعياذ بالله تعالى ، فأرجع النعمة إلى مصدرها ، وأكثر من ذكر مولاك حتى لا يوسوس لك الشيطان .
{ 291 } حلال الدنيا وإن لم يكن ممنوعاً إلا أن فيه السم ولا يدريه إلا من وقف على حقيقة الدنيا ، فمن وقف على حقيقتها أخذ من حلالها بمقدار الحاجة . أما إذا لم يقف على حقيقتها فهو جاهل ، وقد يلحقه ضرر عظيم من حيث لايدري ، والله تعالى ما جعل لعبد من قلبين في جوفه ، والقلب إذا تعلق بالله ، فإنه لا يتسع لغيره ، قال تعالى : { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } سورة الأحزاب / 4
فالقلب خلق للمحبة ولكونه واحداً فلا يصلح إلا لمحبوب واحد لا شريك له ، فقلبك خلق لمعرفة ومحبة ربك فلا يرضى إلا بمولاك ، فلا تكن ظالماً لقلبك ، فمن اشتغل بالدنيا قلباً وقالباً ثم ادعى حب الله وحب الآخرة فهو كاذب في دعواه ..... آه ... واأسفاه

عبدالقادر حمود 02-03-2009 01:57 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 292 } أفٍ لقلوب تسأل عن رزقها المضمون ، وترتحل من مكان لآخر من أجله ، ولا تبحث عن دينها لتأخذها من التقي النقي . مسلكي في هذه الحياة قديماً ، أني أنتقل من
مكان لآخر ، وأرتحل بين البلاد وأنا أبحث عن الأستاذ التقي النقي ، ووالله ما
ــــــــــــــــــــــــ ص 182 ـــــــــــــــــــــــــ
كان يخطر في بالي مسألة الرزق ، كيف اسأل عن هذه والله تعالى يقول : { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } سورة هود / 6
إن الله تكفل بالأرزاق الدنيوية لكم ، وما تكفل لكم بدخول الجنة ، لا تشتغلوا بالمضمون ، اشتغلوا بالعبودية فإنها سر سعادتكم في الدنيا والآخرة ، ولا تتعلقوا بالدنيا فإنها تذهب بدين الإنسان من حيث لا يشعر . أنتم تحبون التقوى ولكن تعملون لجمع المال . كونوا الرجال الذين مدحهم الله تعالى بقوله : { رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ } سورة النور / 37
تعودوا كثرة الذكر لله تعالى ، حتى إذا صليتم الصلاة المفروضة خرجتم بثمرتها ، وثمرتها أنها تنهاكم عن الفحشاء والمنكر . اللهم أكرمنا بذلك يا أرحم الراحمين .
{ 293 } ارض بما قسم الله لك ، لأن الله تعالى قال : { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } سورة الزخرف / 32
فلا تفرح بكثرة المادة ، ولا تغتر بها لأنها قد تكون بلاء عليك ، لأنه كلما كثر المال عظم الحساب ، ومن نوقش الحساب عذب ، ولا تضجر وتخجل لقلة المادة ، وارض بما اختار لك ربك ، فكلنا تحت القضاء والقدر . نحن نسأل من ربنا جل
ــــــــــــــــــــــ ص 183 ـــــــــــــــــــــــ
. وعلا فإذا أعطانا نفرح مرة واحدة ، وإذا لم نعطَ نفرح عشراً ، لأنه تعالى ما مَنعَ إلا لحكمة ، وربنا جلا جلاله قد تكفل بأرزاقنا ، أفلا نرضى بكفالته ؟ .
{ 294 } صبر العبد عن معصية الله عزوجل ، والصبر على طاعة الله عزوجل يورث الرضا بقضاء الله وقدره ، فلابد من مجاهدة النفس أولاً في ترك المعاصي وهذه هي التخلية ، ثم مجاهدة النفس في فعل الطاعات الموافقة للشرع الشريف
، وهذه هي التحلية . نرجوا الله عزوجل أن يرزقنا الرضا بالقضاء والقدر .
{ 295 } علينا معاشر المؤمنين الشاذليين أن نكون عباداً لله عزوجل ، لأن الله تبارك وتعالى منَّ علينا بفضله وبكرمه وبرحمته أن أخرجنا من العدم إلى الوجود وبدون طلب منا ولا تعلق فيه ، أخرجنا طاهرين مطهرين على فطرة الإسلام ، ومن علينا بأن عفا عنا كل ما صدر من مخالفات قبل سن البلوغ ، فلم يجرِ القلم علينا ، ولم يعذبنا ، ولم يؤاخذنا حتى دخلنا سن التكليف ، وكأن هذه المرحلة مرحلة تدريبية على امتثال الأوامر واجتناب النواهي . انظروا إلى هذه الرحمة التي منَّ الله بها علينا .
فالعجيب في الإنسان بعد هذه النعمة أن ينحرف عن تلك الفطرة الطاهرة بسبب تعلقه بنفسه وشيطانه ، لأن الانحراف بسببهما ، فالإنسان باختياره ينحرف ، وإذا أراد الله بعبده خيراً
ــــــــــــــــــــــــ ص 184 ــــــــــــــــــــــــــــ
فقهه في الدين ، وإذا فقهه فإنه يجد في قلبه تلك الجوهرة من الفطرة الأولى التي فطر الناس عليها ، ثم يوجهه ربه عزوجل ــ بطلب من العبد ــ إلى واحد من المؤمنين الصادقين ليسلم إليه نفسه حتى يوجهه إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوجهه إلى ربه عزوجل ، حتى يتخلص من نفسه الأمارة بالسوء ، ومن شياطين الإنس والجن ، ووضع له طريقة الاستغفار المطهر للذنوب وهو تبارك وتعالى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات .
فإذا صدر من العبد شئ مخالف لأوامر الله عزوجل عليه أن يستغفر ويرجع إلى الله تبارك وتعالى ، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا الطريق المبارك ليس شيئاً خارجاً عن الشريعة ، حاشا لله عزوجل
. بل هو التمسك بالكتاب والسنة أولاً ،
وترك الهوى والمعاصي ثانياً ،
وحفظ حرمة المشايخ والمؤمنين ثالثاً .
والذي يريد أن يكون من أهل هذه الطريق المبارك عليه أن لا يشتغل بالآخرين ، بل يقبل على نفسه بالمجاهدة والمخالفة ليحملها على امتثال أوامر الله عزوجل وعيوب نفسه تكفيه بأن يشتغل بها عن الآخرين إلى آخر حياته . قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ

ــــــــــــــــــــــ ص 185 ـــــــــــــــــــــــــ
أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } سورة المائدة / 105
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) رواه الإمام مالك في الموطأ
وأخيراً أقول :
1ً ــ حافظوا على قراءة الأوراد الصباحية والمسائية ، ولا تتركوها ولو بلغتم المراد ، لأن هذا من جملة المحافظة على العهود .
2ً ــ اذكروا الله ذكراً كثيرا ، وليس هناك أفضل من كلمة التوحيد لأهل الإيمان ، ومن دخل الخلوة عليه أن يذكر الاسم المفرد {الله} ربع ساعة صباحاً ومساءً .
3ً ــ عليكم بتلاوة القرآن الكريم بتدبر ، في كل يوم جزءاً ، وعار عليكم أن لا تقرؤوا كتاب ربكم ، الخير كل الخير في كتاب الله عزوجل ، فهو الكلام الذي لا يعلوه كلام .
4ً ــ عليكم بطاعة المأذون خادم الطريقة وقبول نصيحته .
5ً ــ عليكم بقبول نصيحة الأحباب الصادقين المخلصين في هذا الطريق المبارك .
رعاكم الله عزوجل وحفظكم من شرور أنفسكم بحرمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وببركة أسيادنا رضي الله عنهم ، ووفقنا الله وإياكم لاتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ـــــــــــــــــــــــ ص 186 ـــــــــــــــــــ

عبدالقادر حمود 02-03-2009 02:04 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 296 } علينا معاشر الشاذليين ــ الذين تعلقوا بطريقة الشيخ عبدالقادرعيسى رحمه الله تعالى في حال حياته مع الصدق ، وبقوا على هذه البيعة والعهد ــ ألا ننكر نعمة الله عزوجل علينا ، وبعد ذلك علينا ان نذكره ونشكره ، لأن العبد المنْعَم عليه له جهتان بالحكم الشرعي :
الجهة الأولى : أن يعلم علماً قطعياً أن هذه النعمة جاءت من الله تعالى .
الجهة الثانية : ان يشكر الواسطة ، لأن شكر الواسطة من الدين كما قال ربنا جل وعلا : { اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } سورة لقمان / 14
ومِن شكره بعد انتقاله من الدنيا ، أن نبقى على طريقته ، وندعو له لأن الشيخ رحمه الله تعالى كان السبب والواسطة بيننا وبين ربنا جل وعلا ، وبيننا وبين رسولنا صلى الله عليه وسلم ، حتى فهمنا هذا الطريق المتصل بالسلسلة الذهبية إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهو رحمة الله تعالى على ما نرى في مريديه ، بذل الكثير الكثير في توجيه الرجال والنساء إلى الله تعالى ، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله فعلينا أن لا نكون سبباً لقطع هذا الطريق المبارك ، ولو كانت فروع الطريقة كثيرة ومتصلة ، ولكن نحن شربنا من هذا النبع الصافي بواسطة شيخنا رحمه الله تعالى ، وفهمنا أنه
ـــــــــــــــــــــ ص 187 ــــــــــــــــــــ
مأذون من الله تعالى ، ومن رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن شيخه رحمه الله تعالى ، وبعدها حصل ما حصل . ومعلوم أن الدنيا لا تدوم لأحد من البشر ، ولو دامت لأحد لدامت لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولكن يأتي جيل بعد جيل حتى يميز التابع من غير التابع . لا تنظروا إلى الكثرة ، ولا إلى العدد ، عليكم أن تنظروا إلى النوعية والكيفية التي ترى فيها علامة الصلاح ، وهذه العلامة لا تعرف إلا بالشريعة المحمدية التي جاءت من الله تبارك وتعالى بواسطة سيدنا جبريل عليه الصلاة والسلام ، إلى
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإذا كنا نحن موافقين لآداب أسيادنا رضي الله عنهم لا يضرنا من خالفنا ولا يضر من بعدنا إذا كنا مستقيمين على هذا الطريق المبارك المتصل إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولو لم نكن فهمنا من هذا الطريق المتصل لما استفدنا منه ، لأن هذا الطريق المبارك كما ذكر أسيادنا رضي الله عنه تُجلى به مرآة قلب السالك ويكون مرآة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة ، بعد متابعته قلباً وروحاً .
ومن وزن نفسه وقلبه بميزان الشريعة والسنة يقف على هذه الحقيقة ، ويقف على ما كان في قلبه من الاتباع وعدم الاتباع . ومن حصل منه عدم الاتباع عليه أن يستغفروا ويرجع إلى الله تبارك وتعالى . لكن خادم الطريقة ليس له في هداية العبد شئٌ إلا التوجيه وهو واسطة . وإذا أخذ العبد بالواسطة والتوجيه فإن الله تعالى
ــــــــــــــــــــــ ص 188 ــــــــــــــــــــ
يعينه ، ويعين واسطته قال تعالى : { إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } سورة الأعراف / 196
وتولي الله لعباده مرتب على طلب العبد من الله تعالى ، فإذا طلب العبد الهداية ، فإن الله أكرم من أن يرد ويخيب فرداً من أفراد عباده طلب بالصدق ، كيف لا يعطيه الهداية وهو صادق ؟ هذا محال . ولكن التقصير يوجد في العبد أحياناً وبمقدار زوال الحجاب ، والتخلي عن الأخلاق الذميمة ، ومخالفة النفس الأمارة يكون الوصول ، فإذا وجد التقصير نتدارك ذلك بالتوبة والاستغفار والرجوع . فلا تزكوا أنفسكم لأن الله عليم بكم حيث يقول : { فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى } سورة طه / 7
ربنا جل وعلا ليس محتاجاً إلى تزكية نفوسنا ، إنه ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا .
نرجو الله أن يعفو عن تقصيرنا ، ويوفقنا لعبادته وللعمل بما يرضيه وأن يتقبل منا ذلك بدون نظر إلى تقصيرنا ، لأن
عبادتنا غير لائقة بربنا ونرجو الله أن ينظر إلينا برحمته وبكرمه ببركة سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم - قاله حفظه الله تعالى في المسجد الحرام في مكة المكرمة يوم الأربعاء 4 شعبان 1416 هـــ .

{ 297 } يجب علينا معاشر المؤمنين الشاذليين أن نقدم
ـــــــــــــــــــــــــــ ص 189 ــــــــــــــــــــــــ
النصح لكل مؤمن ، ولا نترك نصحه إذا ارتكب ذنباً من الذنوب لأن المؤاخذة عليه لا علينا ، ننصح ونفوض الأمر إلى الله تعالى ، وليس بوسعنا ولا بوسع واحد من البشر أن يزيل حب الأنا والظهور والأعجاب والتعالي والتمسك بالرأي والعصبية ، من قلب واحد من البشر إذا لم يطلب هذا العبد من ربه جل وعلا ، لأن خلق الهداية في القلب من الله تعالى ، وهذا متوقف على إرادة العبد ، فإذا لم يرد العبد الهداية ولم يصدق في الطلب ، فإن أحداً لا يستطيع أن يجعله من أهل الهداية ، ومهمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التبشير والإنذار والتبليغ والتذكير ، وليس عليه صلى الله عليه وسلم خلق الهداية ، فإذا كان هذا في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن من باب أولى ، فلا تذهب أنفسكم حسرات على المخالفين للشريعة ، وفوِضوا أمرهم إلى الله تعالى .
مسلكنا في هذا الطريق المبارك مسلك نبوي ، ندعوا الناس إلى الشريعة باللطف واللين ، ونترك العنف والفحش ، ندعوهم إلى القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ،ندعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ونصبر على اذى المخالفين بدون مداهنة ، ونستخدم استعدادنا في هداية الناس إلى الله تعالى .
سدد الله خطاكم ووفقكم لمتابعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة الناس إلى الله تعالى . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ـــــــــــــــــــ ص 190 ـــــــــــــــــــــــــ


عبدالقادر حمود 02-05-2009 01:52 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 298 } علينا معاشر المؤمنين الشاذليين أن نكون من الصادقين في أقوالنا وأفعالنا وأحوالنا ، لأن هذا الطريق الشاذلي المبارك من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر حياتنا باقٍ بإذن الله تعالى ، ولا يخلو هذا الطريق من الصادقين ، فإذا اجتمعنا على الصدق فاجتماعنا يكون حجة ، كما كان اجتماع من قبلنا حجة ، المهم أن نكون صادقين فإذا لم يوجد الصدق فينا فهذا الطريق لا يقبلنا . يقول الله تعالى وتقدس : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } سورة التوبة / 119
فمن قصر في محبة الخالق يكون تقصيره بسبب عدم صدقه مع الخالق الرب الرحيم جل سلطانه وتبارك وتعالى وتقدس هذا أولاً ، وثانياً : ميله إلى عالم الأسباب ، وكلما زاد الميل إلى عالم الأسباب ضعف الإيمان . ولم ينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين فضلاً أن يكون في مرتبة حق اليقين ليكون من الصديقين ـــ علماً أنه لا تأثير للأسباب في القدَر عند أهل السنة والجماعة ـــ ولهذين السببين لا يترقى العبد ولا يخرج من طبيعته البشرية التي هي الكثافة الترابية ، ويبقى محروماً من المحبة الذاتية التي وعد بها ربنا جل وعلا ، ومحروماً كذلك من الرضا ، لأن الله تبارك وتعالى جعل ثمرة الصدق الرضا ، فقال تعالى : { قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 191 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } سورة المائدة / 119
وإذا أخرج العبد حب الدنيا من قلبه ، واسودت الدنيا في بصيرته ، وانتقل من بصيرته إلى بصره ، ونور بصيرته بنور عين اليقين فإنه لا يمكن أن يدخل في صدقه ما يشوش عليه محبة ربه عزوجل . فوجب على كل واحد فينا أن يكون حريصاً على بصيرته لأن تجليات الله سبحانه وتعالى لائحة على عبده ما لم يحصل الحجاب ، وذاك الحجاب هو اشتغال العبد بغير الله تعالى .
فكن حريصاً على بصيرتك كما تكون حريصاً على بصرك أن لا يدخل فيه غبار ، فإذا حافظت على بصيرتك يكون ظاهرك منوراً ، وباطنك بمحبة ربك معمَّراً .
اللهم ارحمنا برحمتك الخاصة ، ووجهنا إليك ، واشرح قلوبنا للإسلام المقيد بالشريعة والسنة ، ووفقنا لاتباع حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم . لأنك قلت : { إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } سورة آل عمران / 31
وارزقنا بفضلك مقام الذين اهتدوا فزدتهم هدى ، كما قلت : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ } سورة محمد / 17
وإن لم نكن أهلاً لهذا ، فأنت أهل لذاك أهل التقوى وأهل المغفرة ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 192 ـــــــــــــــــــــــــــــ
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

عبدالقادر حمود 02-09-2009 02:46 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 299 } إلى إخواننا المؤمنين في هذه الطريقة المباركة نقدم هذه الوصايا العشرة سائلين المولى جل وعلا أن يوفقنا للعمل والالتزام بها إنه على كل شئ قدير :
الوصية الأولى : أيها السالك في هذا الطريق الشاذلي اعرف عمن تأخذ دينك ، خذ عن أهل الصدق والاستقامة وحاذر غيرهم ، لأن دينك هو لحمك ودمك ، وكن متبعاً للأحكام الشرعية ، والسنة الشريفة السنية ، في أقوالك وأعمالك وأحوالك ، وتوَّج ذلك بالنية الصادقة التي ترضي الله عزوجل .
الوصية الثانية : أيها السالك إذا كنت حريصاً على أن تترقى في مدارج الكمال يجب يجب عليك أن تبتعد عن لقلقة اللسان ، وأن تلازم الصمت إلا إذا دعتك الحاجة إلى الكلام فتّكلم بمقدار الحاجة مع الحضور التام مع حضرة الله تبارك وتعالى .
الوصية الثالثة : أيها السالك كن صادقاً في محبتك لخادم الطريقة ، فبصدق محبتك لخادم الطريقة تنقل إلى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومنها تنقل إلى محبة الله عزوجل ، والصادق في المحبة متبع لا مبتدع .
الوصية الرابعة : ايها السالك لتعلم أن المريد الصادق قد
ـــــــــــــــــــــــــ ص 193 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يستفيد من شيخه في حالة البعد أكثر من حالة القرب ، لأن القرب قد يكون حجاباً للبعض فيشتغل ببشرية شيخه عن السر الذي أودعه الله تعالى فيه ، فلتتعلق بإيمان شيخك لا بشبحه .
الوصية الخامسة : أيها السالك حبك لشيخك لا يكون مانعاً لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون مانعاً لحب الله تعالى فشيخك يأخذ عن سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ عن الله عزوجل ، وإيمان شيخك متعلق بإيمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإيمان رسول الله صلى الله عليه وسلم متعلق بالله عزوجل .
الوصية السادسة : أيها السالك ضعف الهمة يأتي من عدم المجاهدة ، وقلة ذكر الله تعالى ، وقلة الصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلابد من المجاهدة بكثرة الذكر لله تعالى حتى تقوى الهمة على الاستقامة الشرعية ، فأكثر من ذكر ـــ لاإلــــه إلا الله ــــ.
الوصية السابعة : ايها السالك كن بحالة الطهارة دائماً ، وحافظ على وضوئك ، ولا تنم إلا على طهارة تامة ، وحافظ على صلاة الجماعة في أوقاتها ، وهذا أمر ضروري جداً للسالك الصادق .
الوصية الثامنة : أيها السالك لا تشتغل بالخلق ألا بمقدار الضرورة ، وخاصة بعد حضرة الذكر ، ولا تشرب الماء بعد
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 194 ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحضرة ، وصل ركعتين سنة التوبة بعد الحضرة .
الوصية التاسعة : ايها السالك الصادق المحب اجعل لنفسك ورداً من القرآن الكريم في كل يوم اقرأ جزءاً واحداً مع التفكر والتدبر وحضور القلب ، وبقوة الإيمان على أن هذا الكلام كلام الله تعالى ، وأنه فوق كلام البشر .
الوصية العاشرة : أيها السالك حافظ على صلاة النافلة على الشكل التالي :
أ ـــ صلاة الضحى ثماني ركعات ، ركعتان تقرأ فيهما بعد الفاتحة سورة الكافرون ، وسورة الإخلاص ، وسورة يس في بقية الركعات .
ب ـــ صلاة الأوابين ست ركعات ، ركعتان تقرأ فيهما سورة السجدة ، وركعتان تقرأ فيهما سورة الدخان ، وركعتان تقرأ فيهما سورة الواقعة .
ج ـــ صلاة قيام الليل ثماني ركعات ، كما تصلي صلاة الضحى
د ـــ صلاة التهجد ثماني ركعات ، ركعتان تقرأ فيهما بعد الفاتحة سورة الكافرون والإخلاص ، وركعتان تقرأ فيهما بعد الفاتحة الآيات العشرة من سورة الكهف ، واربع ركعات تقرأ فيهما ما تيسر من سورة الكهف .
وعند الانتهاء من الصلاة تستغفر الله تعالى من الذنوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 195 ــــــــــــــــــــــــــ
والخطرات / 100 / مرة ، ثم تضجع على شقك الأيمن حتى يؤذن الفجر ، ثم تصلي صلاة الفجر مع الجماعة وبعدها تقرأ أورادك وتذكر إلى طلوع الشمس ، ثم تصلي صلاة الضحى .
نرجو الله عزوجل أن يمن علينا وعلى المؤمنين عامة ، وأهل الطريق خاصة . بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن يختم لنا بالخاتمة الحسنى إنه على ما يشاء قدير ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

عبدالقادر حمود 02-27-2009 06:16 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 300 } لاتخرج بدون قرب من الله جل وعلا وبدون واسطة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن الخروج بدون قرب ومعية قد يشوش عليك ولا تجمع كما قال ابن عطاء الله السكندري رحمه الله : ( من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة ) . لأن الطرق والأبواب في جسد الإنسان كلها مفتوحة على الدنيا ، كل باب وطريق يقتضي ما كان مناسباً له . ولكن القرب يغلق هذه الأبواب بشرط أن يكون هذا السفر انتهاؤه متعلقاً بابتدائه . تأمل هذا تجده إن شاء الله تعالى . ولا تكن من الناقدين الذين ينقدون بغير فهم ، وانظر إلى نفسك بأنها مقصرة تجد الفتح إن شاء الله تعالى . نرجو الله تعالى أن تكون عبداً متبعاً موافقاً . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي
ــــــــــــــــــــــ ص 196 ـــــــــــــــــــــ
العظيم . ــ قاله حفظه الله تعالى في المسجد النبوي الشريف 2 شعبان 1416 هــ .
{ 301 } من أراد أن يتعلق بذات الله جل وعلا لابد له من الارتقاء من الأفعال إلى الصفات ، ومن الصفات إلى الذات ، كمن يريد ان يرتقي إلى سطح لابد له من ارتقاء الدرج درجة درجة .
فالدرجة الاولى : التفكر في الافعال ، والارتقاء منها إلى الصفات ، وهذا ما يوجهنا إليه ربنا جل وعلا في قوله : { وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) }سورة البقرة / 164
والتفكر في الافعال للمبتدئ حتى يقوي إيمانه ، ويخرج عن الإيمان التقليدي وينتقل إيمانه من دائرة علم اليقين إلى عين
اليقين ، لأنه قرأ آية الله في كونه ، ومن قرأ آية الله في كونه فإنه يرتقي من الأفعال إلى الصفات . أما من كان إيمانه في دائرة علم اليقين فقط فإنه قد يدخل عليه بعض الشكوك والشبهات ، كمن يقرأ في كتاب ويتشكك فيه ، أما من دخل إيمانه في دائرة عين اليقين فإنه لا يدخل في إيمانه شك ولا شبهة ، كما قال
ـــــــــــــــــــــــ ص 197 ـــــــــــــــــــــــــ
تعالى { كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) } سورة التكاثر /7
إذا حصل التفكر في الأفعال فإنه فإنه يقبل على الارتقاء إلى الصفات ، لان الافعال مرآة للصفات ، فيتعرف على صفات الله بأنه تبارك وتعالى سميع بصير عليم قادر ، فإذا قوي إيمانه بصفات الله جل وعلا فإنه يتقلب في صفات الله جل وعلا كما يتقلب السمك في الماء ، ولا يستغني عنها كما لا يستغني السمك عن الماء ، لأنه إذا خرج من الماء فهو يموت . كذلك العبد إذا ضعف إيمانه في الصفات فإنه يموت ، وموته غفلته عن الله جل وعلا ، أما إذا شعر بقربه وبسمعه وببصره يكون كالسمك في الماء ، فيه حياته . لذلك يوجهنا ربنا تبارك وتعالى للارتقاء إلى الصفات بقوله تبارك وتعالى : { ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } سورة الشورى /11
الدرجة الثانية : هي الارتقاء من الصفات إلى الذات ، ولقد وجه الله سبحانه وتعالى عباده إلى ذلك في سورة الروم فقال : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ .... } إلى قوله تعالى : { .. وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ } سورة الروم /20 -26
صاحب الإيمان الكامل لا يتفكر في الأفعال ولا في الصفات بل يرتقي مباشرة إلى الذات
ـــــــــــــــــــ ص 198 ـــــــــــــــــــــ
القدسية ، لأنه يعلم حق اليقين محو الأفعال في الصفات ، ومحو الصفات في الذات ، هذا المؤمن لا يحتاج إلى أن يرجع إلى الوراء حتى يندرج درجةً درجةً إلى الذات . والفارق كبير من يستدل بالكون والمخلوقات على المكون والخالق ، وبين من يستدل على الكون والمخلوقات بالمكون والخالق . والذي ينتقل من الصفات إلى الذات فإنه ينتقل بدون تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ، قال تعالى : { ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } سورة الشورى / 11
ويكون صاحب هذا المقام عبداً لله مجرداً من كل الحظوظ الدنيوية والآخروية .
نسأل الله أن ينفعنا ، ويلحقنا بأهل هذه المراتب إنه سميع مجيب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

عبدالقادر حمود 03-13-2009 05:42 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
{ 302 } الاستعانة بالخلق لا تغني شيئاً ، إذ كيف يغني اعتماد العاجز على العاجز ؟ فلا ترفع حوائجك إلا لمن لا يشق عليه قضاؤها ، ولا تسأل إلا من لا تنفذ خزائنه ، ولا تعتمد إلا على من لا يعجزه شئ . ينصرك من غير معين ويحفظك من كل جانب ومن غير صاحب ، ويغنيك من غير مال ، فيقلل أعداد الأعداء إذا حماك ويكثَّر عدد المال القليل إذا كفاك .
{ 303 } صاحب الهمة العالية من تعرّى عن الدنيا بنفسه ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 199 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن العقبى بروحه ، وبقلبه ترك مراده لمراد الله تعالى ، وبسره لا يلمح فيه شيئاً من الكون . ومن أراد أن يرقق طبيعته البشرية ويقوى على نفسه والدنيا والخلق فعليه بكثرة الخلوات ، والذكر مع الحضور التام حتى تغلبَ رُوحُه نفسَهُ . والطبيعة البشرية من طبيعة النفس الأمارة بالسوء وهي فرعونية خبيثة ، ولا يصدر عنها إلا ما كان من طبيعتها .
{ 304 } كل ما سوى الله له نهاية ، ومعرفة الله تعالى ليس لها نهاية ، فعلى المؤمن السالك أن يتعلّق بما لا نهاية له ، وألاّ يتعلق بما له نهاية ، وهذا أمر صعب فلا بد فيه من مجاهدة النفس ومخالفة هواها ، وثمرة مجاهدتها ومخالفتها معرفةُ الله تعالى .
{ 305 } من جمع الناس على نفسه بنعم الله عليه يكون خائناً في حق ربه عزوجل ، لأن الله تعالى ماآتاه هذه النعم إلا ليكون خليفة الله في أرضه ، فوجب على العبد أن يعرف أن الله هو مصدر النعم ، وأن يصرفها في طاعة الله ، وأن لا يجمع الناس عليه بل يحولهم إلى الله تعالى ، فمن جمع الناس عليه كان كفرعون وهامان ، أجارنا الله تعالى من ذلك .
{ 306 } الاهتمام يوجب الالتزام ، والالتزام يأتي بالعمل ، فمن ادعى الاهتمام بدون التزام فهو ليس بصادق ، ومن ادعى الالتزام بدون عملٍ فهو ليس بمجاهدٍ لنفسه ، والذي يعين على
ــــــــــــــــــــــــــــــ ص 200 ــــــــــــــــــــــــــــ
العمل بعد الالتزام هو كثرة ذكر الله تعالى ، والذكر هو مجالسة المذكور فمن كان لله ذاكراً كان له مجالساً ، ومن كان ذكره صلاةً على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له صلى الله عليه وسلم مجالساً ، والله تعالى هو المعين ورسوله صلى الله عليه سولم هو الأسوة والقدوة .
{ 307 } من تمسك بالشرع الشريف واتبع النبي صلى الله عليه وسلم وفرغ قلبه من الأغيار ، عندها يملأ قلبه حكمةً وعلماً لدنّياً ، كيف لا يكون هذا وقد أوحى الله إلى النحل ، وهو حيوان صغير وعمله كبير وهو خدمة الإنسان ؟ كيف لا يلهم الله تعالى صاحبَ ذلك القلب ؟ فمن تمسك بهذا النور الساطع من الإيمان المتصل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المتصلِ بالله عزوجل وهو جدير بأن يكون في مرضاة الله تعالى .
{ 308 } من مقتضى الإيمان أن لا يألف صاحبُه كلَّ مخالفٍ وكلَّ من اتخذَ لنفسه حظاً من حظوظه الدنيوية بل يألف من عمل بمقتضى الإيمان ، فإذا كان من أهل التواضع يتواضع له صاحبُ الإيمان ، وأما إن كان من أهل التكبر فإن إيمان المؤمن يأبى عليه أن يذل نفسه أمامه ، لأن التواضع في هذه الحالة ليس لله تعالى بل هو رياء ، والعزةُ غير الكبر ، فالعزة بالله تعالى ودينه ، والكبر بالنفس الأمارةِ بالسوء .
{ 309 } أصحاب الرياضات والمجاهدات كلَّما أمعنوا في
ــــــــــــــــــــــــــــــ ص 201 ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
قهر القوى البدنية ، وتجويع الجسد ، قويت قواهم الروحانية ، وأشرقت أسرارهم بالمعارف الإلهية ، وكلما أمعن الإنسان في الأكل والشربِ وقضاءِ الشهوة الجسدية صار كالبهيمة ، محروماً من أنوار المعرفة .

عبدالقادر حمود 03-15-2009 07:25 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
14 مرفق
http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887155


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887155


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887155


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887155


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887155



http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887155


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887155


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887155


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887155



http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887155


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887155


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887155


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887155


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887155

عبدالقادر حمود 03-15-2009 08:06 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
18 مرفق
http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887502


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887502


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887502


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887502


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887502


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887502


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887502


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887502


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887502


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887502


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887502



http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887502



http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887502


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887502


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887502


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887502


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887502


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887502

عبدالقادر حمود 03-15-2009 08:23 PM

رد: الدًّرَرُِِ البَهِِيّة في الوَصَايَا الجَاميَّة
 
5 مرفق
http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887979


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887979


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887979


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887979


http://www.albwhsn.net/vb/attachment...1&d=1281887979


الساعة الآن 05:08 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى