منتدى الإحسان

منتدى الإحسان (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   ركن بلاد الشام (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=22)
-   -   شام ياذا السيف لم يغب (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=645)

نوح 09-01-2008 03:11 PM

شام ياذا السيف لم يغب
 
شام ياذا السيف لم يغب.. بردى روح الشام والشام روح بردى


شام ياذا السيف لم يغب.. بردى روح الشام والشام روح بردى عندما تكتب عن دمشق تشعر بالمهابة والفخار، لأنك على أبواب تاريخ طويل من النضال والكبرياء...

عزيزة السبيني




والحديث عن دمشق كالحديث عن المجد الذي لا يزول..

على شفاه كليهما شيء من لآلئ العز والحضارة والصمود. فأنت تكتب عن أقدم مدينة في العالم. وتقف أمام أعظم الحضارات البشرية التي عرفها التاريخ.. تتطلع الى قاسيون الجبل الذي يحتضنها وفي قلبه أسرار التاريخ والأنبياء والمتصوفة والثوار... وتتابع انسياب المياه العذبة التي تعد أعذب مياه العالم وأكثرها صفاء ونقاوة... وبكثير من الخشوع تنظر الى آثارها وأوابدها وهي تحكي قصة الإنسان الأول.. وتتجول في ربوع غوطتها التي تعتبر من أكبر بساتين الفاكهة في الدنيا رغم الزحف الاسمنتي الذي شهدته في الفترة الأخيرة.. وتمر عبر أبوابها الأثرية التي حفظت بأمانة حكايا الحملات التي غزتها ثم خرجت مدحورة خائبة أمام بسالة سكانها وشجاعتهم وحبهم لمدينتهم. ‏

الحديث عن نبع بردى حديث ذو شجون، ورد ذكره في كتابات المؤرخين وقصائد الشعراء، وهاهو ياقوت الحموي، مؤرخ القرن السادس الميلادي يقول: «ومن خصائص دمشق التي لم أر في بلد آخر مثلها، كثرة الأنهار بها، وجريان الماء في قنواتها؛ فقلّ أن تمرّ بحائط إلا والماء يخرج منه، في أنبوب الى حوض، يشرب منه ويستقي الوارد والصادر.. وما رأيت بها مسجداً ولا مدرسة ولا خانقاه إلا والماء يجري في بركة في صحن هذا المكان». يتدفق نهر بردى من سهل الزبداني ثم يدخل دمشق ليتفرع منها الى سبعة أنهر كانت بمنزلة عروق الحياة للمدينة حيث كستها بخضرة لا مثيل لها وأورقت فيها بساتين صارت الرئة التي تتنفس منها المدينة وتسيّجها بالخضرة والجمال. ‏

اكتسب نهر بردى القداسة منذ العهود التاريخية القديمة، فأقام الرومان ومنذ آلاف السنين فوق النبع الحجرة المقدسة التي لا تزال آثارها باقية الى اليوم وذلك لإبقاء النهر بعيداً عن أي تلوث فقد كانت الحجرة المقدسة مكاناًَ محظوراً يمنع دخوله، فضمنوا بذلك نقاوة النبع وجروا مياهه الى دمشق بوساطة قساطل فخارية مازالت آثارها وفوهاتها باقية عند قرية (بسيمة) في وادي بردى. ‏

بردى ونبع الفيجة ‏

يقع نهر بردى على بعد 40 كم من دمشق ويتجه في مساره من الغرب الى الشرق ويبلغ طوله من منبعه الى مصبه 65 كم، يسير في سهل الزبداني الى ان يمر بواد يسمى باسمه حيث ينضم اليه عند قرية الفيجة نبع عظيم هو نبع الفيجة الذي يزيد في غزارته، ثم يتابع سيره في الوادي، وعلى مشارف دمشق تتفرع عنه ست أقنية هو سابعها وتتجه جميعها نحو الغوطة لتستخدم في أغراض الري، ثم يتابع سيره ليصب في بحيرة العتيبة. ‏

عرف الأقدمون أهمية نبع الفيجة وجودة مواصفات مياهه وعذوبتها فاتخذوه مكاناً للعبادة بدليل وجود المعبد الروماني فوق النبع المعروف باسم (حصن عزتا) ولم يبق من هذا المعبد سوى بقايا جدرانه التي يظهر جزء منها شمال خزان النبع. ‏

بردى والأقنية المتفرعة عنه ‏

تعبر شبكة تمديدات المياه في مدينة دمشق عن تاريخ امتداد المدينة وتوسعها، ويرجح أن امتداد المدينة قد تم بعد أن أصبحت تحت الحكم الآرامي الذي استخدم وسائل الري الحديثة آنذاك، فقد أتى الآراميون من بلاد مابين النهرين الزراعية، فأخذوا يمهدون ضفتي النهر لتوسيع المنطقة المروية باتجاه الصحراء فدفعوا حدود المدينة شيئاً فشيئاً أمام الأراضي المزروعة. وهذا ما يؤكد أن فروع النهر الرئيسةأو بعضاً منها كانت موجودة في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد. وقد ذكر في سفر الملوك من التوراة عن نهري دمشق «أبانة وفرفر» وهما «بانياس وبردى». وبانياس هو أول الأقنية وأقصرها، فقد كانت هذه القناة تمد المعبد والمدينة الأصلية بالمياه. أما القناة الثانية فلا تزال تحمل الاسم الآرامي نفسه (ثورا) وهي قناة (تورا) التي تمتد في كنف الجبل، ولها الأهمية الكبرى في ازدهار الغوطة الزراعي. وبعد توسع دمشق إبان الحكم اليوناني، وتزايد عدد سكانها واكتسابها صفة المدينة تطلب ذلك حفر قناة جديدة تتفرع عن النهر عند دخوله السهل ويحمل قسم منها على أقواس وتعرف اليوم باسم (القنوات) وقد تم شق هذه القناة في بداية القرن الثالث الميلادي وتشير المصادر الى أنها كانت تتصل في العصور القديمة بخزان ضخم تزينه تماثيل آلهة المياه. ثم خلال الحكم الإسلامي تم حفر بقية الأقنية حتى أصبحت ست أقنية سابعها بردى. وعندما تولى الأمويون الحكم في سورية، قام يزيد بن معاوية بشق قناة جديدة في سفح قاسيون لا تزال تحمل اسمه حتى اليوم، وعملت هذه القناة على توسيع المنطقة المزروعة، وإرواء المزارع والمنازل التي أقيمت على ضفافه،و اللوحة الموجودة على الجدار الغربي للجامع الأموي ماهي إلا تجسيد لهذا الواقع. ويقال أنه بعد توسع المدينة خارج السور وامتداد غوطتها تم شق قناة الديراني والمزاوي على الضفة اليمنى للنهر وبعد أن يدخل بردى في دمشق يتفرع الى أقنية أخرى أقل أهمية هي: المليحي، والداعياني والعقرباني، ولكل فرع من هذه الفروع نصيب من مياه بردى يحدده العرف منذ أقدم العصور وتؤكد المصادر في أكثر من مكان أن معظم التشريعات المتعلقة بتوزيع المياه قد صدرت في عهد السلطان التركي سليمان القانوني. ‏

إن قواعد توزيع الماء إن كان في الغوطة أو في المدينة، تعتمد على مبادئ بسيطة وهي إسالة نسبة ثابتة من المياه عبر الأقنية إلى أصحاب الحقوق بشكل لا يدع المجال لعابث أو مستغل أن يعدل هذه النسبة، ونرى هذه القاعدة مطبقة على مأخذ المياه عند تلاقي الفروع بالأصول، وذلك بتثبيت منسوب المأخذ على الأصل بوساطة حجر منحوت مستقر على عرض المأخذ ويسمى هذا الحجر (البسط)، ومع بساطة هذه القواعد فإنها لم تخل من تعقيدات كثيرة في التطبيق... ولا يمكن أن تحدد بالضبط الأسس التي استند إليها في تحديد كميات المياه التي تسيل في الأنهار والسواقي، وفي الغالب، إنها قد تمت بحكم العرف والعادة، وقانون العرف والعادة المرتبط بالري الذي كان يحلُّ محل التشريع، يشكل أحد العوامل الأساسية في حياة دمشق وغوطتها، فهو قوة تفرض نفسها بشكل لا يقبل التغيير والتبديل، فرغبة كل فرد بالحصول على حقه وخوفه من اغتصاب هذا الحق يقوي ويرسخ مكانة العرف لدى المواطنين باستمرار، وهذه الحقوق المتعارف عليها منذ أجيال ترضيهم جميعاً ولايفكر أحد منهم في تغييرها أو تبديلها. ‏


يتبع

نوح 09-01-2008 03:11 PM


توزيع المياه في دمشق ‏

تمَّ تمديد شبكات المياه في دمشق في عهود لم تكن تتوافر فيها الأنابيب المقاومة للضغط وأدوات المياه، ولذا فقد تغلب الفنيون في ذلك الحين على مشكلة ضغط المياه بوساطة كواسر للضغط تسمى (الطوالع)، ولها دور آخر، فهي تأخذ المياه من الشبكات وتوزعها بدورها على مختلف المنشآت بمقادير محددة ومتساوية. ‏

تتألف شبكة المياه من ثلاثة عناصر: 1* المأخذ: وهو عبارة عن ثقب دائري ضمن حجر بازلتي على الأغلب مثبت على أحد طرفي القناة على منسوب ثابت ويحدد هذا المأخذ كمية المياه التي تسيل عبره من القناة الى القساطل. ‏

2* القساطل: وهي عبارة عن قساطل أسطوانية تصنع من الفخار المشوي وهي متداخلة، ويكون قطر أحد طرفي القسطل أكبر من قطر الطرف الآخر لتسهيل التداخل. وكانت تصنع هذه القساطل في حي القساطلية الواقع مابين الشارع المستقيم وحي الشاغور، تمر القساطل على طبقة أساس ويجري تدليك القساطل ببعضها ثم يملأ الفراغ بين كل قسطلين بمادة لزجة تسمى (اللاؤونة) وهي عبارة عن مزيج من الكلس والقطن والزيت، ويبنى حول القساطل غلاف من مونة مؤلفة من الكلس والرماد. وتمتد هذه القساطل من مآخذ المياه الى الموزعات (الطوالع) الموجودة في الأحياء ومن الطوالع الى البيوت. ‏

3* الطالع ( الموزع): الطالع هو جهاز توزيع المياه على أصحابها، وهو عبارة عن بناء مربع تقريباً فوق سطح الأرض بارتفاع مترين تقريباً، تعلو الطالع في أعلاه بركة في وسطها فوهة التغذية، يصب في أسفل هذه الفوهة قسطل يصدر عن قناة أو طالع تخرج منها المياه، وعلى أطراف البركة توجد مجموعة فتحات لتصريف المياه حيث يصب الماء عبر هذه الفتحات في فوهات مستديرة متصلة بقساطل التصريف حيث تصل الى طوالع أخرى أو الى أصحاب الحقوق. يتم بناء الطالع من الآجر وتتخلله الأنابيب الداخلة اليه والصادرة عنه ويغطى بغطاء حديدي لحفظه من العبث والأوساخ، وغالباً مايكون موقع الطالع على مفترق الطرق والحارات أو ملاصقاً لقناة (كما هو الحال في طوالع القنوات) وتتمركز الطوالع الأقل أهمية في جدران المنازل على شكل فتحة يغطيها باب كأبواب الخزائن. والجدير بالذكر أن معظم الطوالع في مدينة دمشق اندثر والباقي منها أصبح مهملاً حيث أصبحت الحاجة اليه معدومة بعد تعميم مياه عين الفيجة. ‏

توزيع المياه بوساطة السبلان ‏

عندما كانت السيول تقذف الأتربة الحمراء في الأنهر خلال فترة الشتاء كانت المياه تحمل معها الرسوبات الى القساطل فتسدها فتصبح المياه عندئذ غير صالحة للشرب بسبب عكارتها، وكان الناس يلجؤون الى ملء أوانيهم من بعض العيون الموجودة حول المدينة (عين الكرش، عين الفيجة، عين الزينبية، عين علي) أو من الآبار المحفورة بالمنازل التي كانوا يستخرجون منها المياه السطحية الملوثة الى أن ارتأى الوالي العثماني ناظم باشا إسالة جزء من مياه الفيجة إلى دمشق بأنابيب محكمة وتوزيعه على مناهل منتشرة في أنحاء المدينة. وقد تمَّ جر المياه في العام (1908) بوساطة أنبوب من الفونت كان يصب في خزانين في المنطقة الشمالية المرتفعة من المدينة. هما، (خزان العفيف وخزان ظبيان) حيث يوزعان المياه على (400) سبيل كانت منتشرة في أنحاء المدينة، وكان الماء يجري فيها بمعدل ساعتين في الصباح والمساء وتكاد تكفي لسد حاجة السكان من مياه الشرب، وظل الأهلون يستعملون مياه الأنهار للأغراض المنزلية حتى عام (1932) حيث اجتمعت نخبة من أبناء الوطن المخلصين انبثقت عنهم لجنة تمكنت من تشكيل جمعية ملاكي المياه بدمشق انبثقت عنها لجنة عين الفيجة التي عملت على تنفيذ مشروع جر مياه عين الفيجة الى دمشق وتوزيعه بوساطة شبكات نظامية، وقد شمل المشروع: إنشاء حوض الحصر على نبع الفيجة. إنشاء قناة جر من نبع الفيجة الى دمشق. إنشاء ثلاثة خزانات (خزان الوالي، خزان الفواخير، خزان قاسيون العالي). وأخيراً تمديد شبكة مياه من الفونت تغطي معظم أحياء المدينة. وقد تمَّ جمع المبالغ اللازمة للمباشرة بالمشروع من المواطنين عن طريق حقوق انتفاع دائم من المياه. ‏

المياه وأثرها على الدمشقيين ‏

إذا تركنا النواحي الفنية لتأسيسات المياه في دمشق القديمة والإبداع في مد الشبكات والأقنية، وابتكار الطوالع ونشر السبلان في الأحياء وإيصال المياه الى المساجد والمدارس والحمامات وغيرها. نجد أن للمياه خصوصية طبعت الدماشقة بعادات وتقاليد بعضها لا يزال سائداً حتى يومنا هذا، ومثالنا على ذلك السيران الشامي، حيث نرى الناس في أوقات العطل يسارعون الى ضفاف بردى في الربوة والمقسم والمنشار والشادروان، يفترشون ضفاف النهر، ويحتلون المساطب والتخوت المقامة على ضفتي النهر، في مقاصف بسيمة وعين الخضراء وعين الفيجة والجديدة والربوة، يقضون أوقاتاً ممتعة، وقد اتخذت كل جماعة ناحية من المكان، حجبت فيه نفسها عن عيون الآخرين، والجميع في هذا السيران في شغل شاغل: هذه تعد السلطة والتبولة، وتلك تقلي المقالي (الباذنجان والبطاطا والبندورة والبصل)، وهذا يوقد النار للشواء وآخر يتبل اللحم بالملح والبهار ويجعله في الأسياخ لشيه. وترى الناس يتزاحمون على عربات القطار الذي يربط دمشق من محطة الحجاز حتى الزبداني ماراً بالربوة ودمر والهامة وبسيمة وعين الخضراء في رحلة ممتعة، والسيرنجية يترصدون ذلك القطار لتحية ركابه وهم على نوافذه يغنون ويمرحون «صفّر.. صفّر.. ياوابور وخذْنا على الزبداني.. ببقين بنعمل فطور والعشا ببلوداني»، بل إن المياه في دمشق قد أثرت تأثيراً هاماً على الفنون الدمشقية، فالماء هو العنصر الأساسي في لوحة الفسيفساء الموجودة في الجامع الأموي كما أن توفر المياه قد أغنى فنوناً دمشقية عديدة منها الغناء على سبيل المثال، فأغنية عطشان ياصبايا من التراث الشعبي المتداول وتقول الأغنية : «عطشان يا صبايا دلوني عالسبيل» وكلمة السبيل تختص بها مدينة دمشق دون غيرها من المدن السورية، وكذلك (الفسقية) الموجودة في البيت الدمشقي، وتعني البحرة الأنيقة في هندستها وألوانها وجمال نافورة المياه في وسطها. ‏

وأيضاً، (الطالع والهارب والسبع) كلمات لا يعرفها إلا الدماشقة لأنها رمز لتأسيسات مائية في مدينتهم. وهناك الكثير من المصطلحات ومظاهر الفن أوجدوها ليعبروا بها عن مياه مدينتهم واعتزازهم بهذه الثروة التي تغنى بها الشعراء ويستحضرنا هنا قول أمير الشعراء أحمد شوقي: ‏

آمنت بالله واستثنيت جنته دمشق روح وجنات وريحان ‏

جرى وصفق يلقانا بها بردى كما تلقاك دون الخلد رضوان ‏

وطرب لها المغنون وكانت فيروز قد شدت لدمشق ونهرها بقولها «قرأت مجدك في قلبي وفي الكتب، وسائليني يا شآم، وشام ياذا السيف لم يغب، ومر بي يا واعداً وعدا». ‏

ونتساءل بكثير من اللوعة والأسى أين بردى الأمس من بردى اليوم؟ أهو إهمال البشر أم بخل الطبيعة أم حتمية التطور؟.. أياً كان الجواب فإن المقارنة محزنة وإننا مدينون الى بردى باحترام لم نعرف حتى الآن كيف نرده، ولن نرده إلا بإزالة التلوث منه.. وأين غوطة الأمس من غوطة اليوم والكتل الإسمنتية تجتاح البساتين الخضراء، وتحل محل جنة الله في أرضه حتى اختل التوازن بين دمشق وغوطتها؟!!.‏


الساعة الآن 09:52 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى