رد: انتفاع الاموات بما يوهب لهم من الخيرات
واستدل العلماء على قراءة القرآن عند القبر أيضًا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ : « إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ » ثُمَّ قَالَ : « بَلَى ؛ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ ، وَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ » قَالَ : ثُمَّ أَخَذَ عُودًا رَطْبًا فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ ، ثُمَّ غَرَزَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ ، ثُمَّ قَالَ : « لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا » متفق عليه .
قال الخطّابي : " فيه دليل على استحباب تلاوة الكتاب العزيز على القبور ؛ لأنه إذا كان يُرْجَى عن الميت التخفيفُ بتسبيح الشجر ، فتلاوة القرآن العظيم أكبرُ رجاءً وبركة " ا هـ .
وقال القرطبي في " التذكرة " : " وقد استدل بعض علمائنا على قراءة القرآن على القبر بحديث العسيب الرطب الذي شقّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم باثنين ... قالوا : ويُستفاد من هذا غرس الأشجار وقراءة القرآن على القبور ، وإذا خُفِّفَ عنهم بالأشجار فكيف بقراءة الرجل المؤمن القرآن "، قال : " ولهذا استحب العلماء زيارة القبور ؛ لأن القراءة تُحْفَةُ الميت من زائره " ا هـ .
وقال النووي في " شرح مسلم " : " واستحب العلماء قراءة القرآن عند القبر لهذا الحديث ؛ لأنه إذا كان يُرجى التخفيفُ بتسبيح الجريد فتلاوة القرآن أولى ، والله أعلم " ا هـ .
وقد صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الجنازة على القبر غير مرة كما جاء في الصحيحين وغيرهما ، والصلاة مشتملة على قراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذكر والدعاء ، وما جاز كله جاز بعضه .
كما أخذ العلماء وصول ثواب القراءة إلى الميت من جواز الحج عنه ووصول ثوابه إليه ؛ لأن الحج يشتمل على الصلاة ، والصلاة تقرأ فيها الفاتحة وغيرها ، وما وصل كله وصل بعضه ، وهذا المعنى الأخير وإن نازع فيه بعضهم إلا أن أحدًا من العلماء لم يختلف في أن القارئ إذا دعا الله تعالى أن يهب للميت مثل ثواب قراءته فإن ذلك يصل إليه بإذن الله ؛ لأن الكريم إذا سُئِل أعطَى وإذا دُعِيَ أجاب .
وعلى ذلك جرى عمل المسلمين جيلاً بعد جيل وخلفًا عن سلف من غير نكير ، وهذا هو المعتمد عند أصحاب المذاهب المتبوعة ، حتى نقل الحافظ شمس الدين بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي الإجماع على ذلك – كما سبق - ، ونقله أيضًا الشيخ العثماني في كتابه " رحمة الأمة في اختلاف الأئمة " ، ونص عبارته في ذلك:"وأجمعوا على أن الاستغفار والدعاء والصدقة والحج والعتق تنفع الميت ويصل إليه ثوابه ، وقراءة القرآن عند القبر مستحبة " ا هـ .
ومن الآثار في ذلك عن السلف الصالح :
ما أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنَّف " عن الإمام الشعبي رحمه الله قال : " كانَتِ الأنصارُ يقرأون عند الميِّتِ بسورة البقرة " ، وأخرجه الخلاَّل في " القراءة على القبور " بلفظ : " كانت الأنصارُ إذا مات لهم مَيِّتٌ اختلفوا إلى قبره يقرأون عنده القرآن " .
وأخرج الخلاَّل عن إبراهيم النخعي رحمه الله قال : " لا بَأْسَ بقراءةِ القرآنِ في المقابِر " .
وأخرج أيضًا عن الحسن بن الصَّبَّاح الزعفراني قال : سأَلْتُ الشافعيَّ عن القراءة عند القبور ، فقال : " لا بَأْسَ بِهَا " .
وأخرج أيضًا عن عليِّ بن موسى الحداد قال : كنت مع أحمد بن حنبل ومحمد بن قدامة الجوهري في جنازة ، فلما دُفِن الميِّتُ جلس رجلٌ ضريرٌ يقرأ عند القبر ، فقال له أحمد : يا هذا ! إن القراءة عند القبر بدعة ، فلما خرجنا من المقابر قال محمد بن قدامة لأحمد بن حنبل : يا أبا عبد الله ! ما تقول في مُبَشِّرٍ الحَلَبِيّ ؟ قال : ثقة ، قال – يعني أحمد – : كتبتَ عنه شيئًا ؟ قال : نعم ؛ أخبرني مُبَشِّرٌ عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه : أنه أوصى إذا دُفِن أن يُقْرَأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها ، وقال : سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يوصي بذلك . فقال له أحمد : فارجع وقل للرجل يقرأ .
وأخرج أيضًا عن العباس بن محمد الدُّوري أنه سأل يحيى بن معين عن القراءة على القبر ، فحدَّثه بهذا الحديث