الموضوع
:
شيخ الإسلام مصطفى صبري
عرض مشاركة واحدة
05-08-2009
#
1
هيثم السليمان
عضو شرف
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى:
17
شيخ الإسلام مصطفى صبري
:extra144:
شيخ الإسلام مصطفى صبري ... آخر شيوخ الخلافة العثمانيّة
بقلم / أ.د. عمار جيدل
كلية العلوم الإسلامية ، جامعة الجزائر / الجزائر
العلماء في الثقافة الإسلامية ورثة الأنبياء، لهذا يعد عملهم امتداداً لعمل الأنبياء ، فينسجون وفق مسلك الأنبياء في إنقاذ مجتمعاتهم من دركات فساد الاعتقاد والأخلاق والقوانين وسائر الأحوال.
والقيام بتلك الوظيفة على أكمل وجه يقتضي من العلماء استصحاب المعطى الثقافي والحضاري الذي تتحرّك فيه دعوتهم فاعلة ومتفاعلة ، ولعل أصدق أنموذج معبر عن استحضار لتلك المعطيات من الناحية النظرية العمل الجبار الذي أنجزه شيخ الإسلام مصطفى صبري ـ رحمه الله ـ فقد كان بحق رائداً من رواد المقاومة الفكرية في المجتمع العثماني الحديث .
نبذة عن حياته :
فمن هو شيخ الإسلام مصطفى صبري ، وأين نشأ وترعرع وتعلم ، وما الأعمال التي تؤكد ما مِلنا إليه في مدخل المقالة؟..
ولد الشيخ مصطفى صبري من أبوين تُركيَين في تاريخ 12 ربيع الأول 1286 هـ 1869م في الأناضول بمدينة "توقاد" التي ينسب إليها، تتلمذ في بداية تحصيله العلمي على يد والده الأستاذ أحمد التُّوقادي ، وأتمّ دراسته الأولية في مسقط رأسه ، حيث حفظ القرآن الكريم بها ، ثم واصل رحلة التحصيل بمدينة قيسري ، ثم انتقل بعدها إلى الآستانة ونال إجازتي .
انخرط مصطفى صبري ابن الثاني والعشرين ربيعاً في سلك كبار المدرسين بصفة أستاذ محاضر في جامع السلطان محمد الفاتح ـ بعد امتحان التدريس ـ بدرجة مدرس عام سنة 1307هـ/1890م. وقد تخرج على يديه عدد لا يستهان به من الطلبة ، ويذكر أنه سلّم إجازات لخمسين طالباً.
اختير بتاريخ 16 يناير 1900م عضواً في ديوان القلم ( أمانة السر ) واختارته هيئة كبار العلماء المعروفة بالجمعية العلمية رئيساً لصحيفتها الأسبوعية التي كانت تصدرها بعنوان بيان الحق ، ليعيّن بعدها عضواً في دار الحكمة " هيئة كبار العلماء " تولّى بعدها تدريس الحديث الشريف في مدرسة السليمانية .
اختير نائباً عن مدينة توقاد في المشروطية الثانية بتاريخ 1 يناير 1908م ، ثمّ تولى في عهد وزارة الداماد فريد باشا الأول المشيخة الإسلامية سنة 1919م بناء على الإرادة السلطانية ، وظل محتفظاً بمنصبه في الوزارتين المتعاقبتين.
ولما ضاق به حال البلاد بناء على ما تعرّض له من ضغط وتقييد اضطر إلى الهجرة ، سافر إلى مصر سنة 1923م ومنها إلى لبنان ، وبقي على تلك الحال متنقلاً ، فزار مكة ، وعاد إلى مصر سنة 1932 م وهذا بعد الإقامة القصيرة بتركيا.
آثاره العلمية ووقفة مع كتاب " موقف العقل " :
تتوزّع آثاره العلمية على العديد من أنواع التأليف ؛ ففيها الكتاب الجامع ، وفيها الكتاب البسيط ، ومنها أيضاً المقالات المتخصصة ، وقد ألّف باللغتَين العربية والعثمانية ( التركية القديمة ).
وأهم كتبه : {
النكير على منكري النعمة من الخلافة والأمة ، موقف البشر تحت سلطان القدر ، قولي في المرأة ومقارنته بأقوال مقلدة الغرب ، القول الفصل بين الذين يؤمنون بالغيب والذين لا يؤمنون بالغيب ، موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين
}.
تضمن كتاب "
موقف العقل
" زبدة أفكاره وآرائه السياسية والعلمية ، فهو كتاب غني بالمطارحات الفكرية المتنوعة ، حيث تجد المناقشات الفلسفية العالية والكلامية الدقيقة والسياسية في جانبيها النظري والعملي.
والكتاب من عنوانه يدل على أن الغرض الأصلي منه هو الدفاع عن عقيدة الإسلام ، والقيام بهذا العمل فرض عليه الحديث المسهب عن كثير من القضايا ، حيث إنّه :
• كشَف المؤامرات التي تعرّض لها الإسلام من زاويتي التحدي بالسلاح من خلال هجمات الغربيين ، والتحدي الفكري العقدي الذي تقوده قوى الإلحاد والفجور ، فعمل بهذه المطارحات على مجابهة الفريقين .
• بيّن في كتابه قيمة الدليل العقلي مقارنة مع الأدلة التي استند إليها المثقفون الغربيون أو المتغربون ، فبرهن بأنّ الدليل العقلي أيقن من الدليل التجريبي ، ويعد النقاش في هذه المسألة تأريخاً لوجودها في البيئة الإسلامية المعاصرة.
• ناقش أدلة فلاسفة الغربيين على وجود الله ، كما ردّ شبه النافين من الملاحدة ، وهذا الجهد يدل على إحاطته بالفكر والفلسفة الغربيين عامة ، بخلاف ما ذهب إليه بعض الباحثين .
• حارب الشبه المعربة عن الفكر الغربي ( المترجمة ) والتي منها الاستخفاف بالدليل العقلي ، والاستناد الكلي للدليل التجريـبي ، حتى غدا المنهج التجريبي هو المنهج الأصيل والوحيد الممثل للثقافة الإسلامية.
ولقد نشر للشيخ مصطفى صبري مقالات باللغة التركية والعربية في الجرائد اليومية ، كما نشر له مقالات في المجلات العلمية في تلك الفترة ، وتعد هذه المقالات على تنوّعها دفاعاً عن الإسلام وإبرازاً لقوته العلمية ، إنّه حاول إرجاع هيبة الإسلام المفقودة، وذلك ببعث قوّته العلمية والفكرية في ساحة كثر فيها العلماء المعجبون بالغرب وحضارته وفلسفته ، حتى عد المنافح عن دينه وحضارة أمته نشازاً يشار إليه بالبنان .
سمات مؤلفاته :
القراءة الفاحصة لعناوين المؤلفات يبيّن بجلاء أننا أمام شخصية علمية نذرت نفسها لمدافعة الباطل والدفاع عن الحق في العلم والسياسة ، فالعناوين المختارة دالة بنفسها على ملكة المطارحة ، ويؤكد هذا المسلك القراءة الأولية لما كتبه الرجل ، إنّ المصطلحات الموظفة في التعبير عن عناوين الكتب والمقالات تدل بنفسها على العقلية الجدلية التي يتميّز بها.
إنّ كتبه باللغة العربية أكبر من أن نشرحها لدلالتها المباشرة على ما رمنا بيانه في الفقرة السابقة ، انظر معي لفظ "
النكير
" فهو دال بنفسه على الاستنفار والإنذار والتنبيه مع شدّة في اللفظ ، إنّه نكير على منكري النعمة من الخلافة والأمة ، وأعمل مسلك الإنكار نفسه في كتابه "
مسألة ترجمة القرآن
" فقد عرضها كمسألة يراد توجيه الأنظار فيها إلى رأي مرجوح ، فرام من خلال المطارحة الهادئة والهادفة إلى بيان القول الفصل في المسألة ، ونسج على المنوال نفسه في كتابه "
القول الفصل بين الذين يؤمنون بالغيب والذين لا يؤمنون بالغيب
" فحاول الفصل في مسألة كثر فيها الكلام وفق مشارب الآخر ، لهذا ركب فرسه للمدافعة والمرافعة عن الغيب الذي يراد إبعاده خدمة للثقافة الغربية وانسجاماً معها.
وبذلك المنهج كتب كتابه "
قولي في المرأة
" إذ يدل بقية العنوان على الغرض الأصلي من الكتاب " ومقارنته بأقوال مقلدة الغرب " إنّه يرمي إلى إبطال أقوال الغربيين ومقلديهم في مسألة المرأة في الإسلام.
أمّا موسوعته "
موقف العقل والعلم والعالم من ربِّ العالمين وعباده المرسلين
" فهو بيّن من عنوانه " موقف " فهو دفاع عن موقف العقل والعلم والعالم من ربِّ العالمين وعباده المرسلين ضد أولئك الذي نصبوا بينها برازخ لا تتجاوزها ، بينما هم يتضافرون جميعاً ( العقل والعلم والعالم ) في الدلالة على بطلان أقوال المنكرين والملحدين وصحة ما ذهب إليه أهل الإيمان بربِّ العالمين.
وتتأكد النـزعة التي أصبحت في الرجل ملكة أكسبته الاستقلال الفكري فيما قرأناه في تلك المؤلفات ، إذ يصرح بأنّه لا يريد " أن يقول بفكرة إن قال بها كبير أيّاً كان ، ولا يتخلى عنها إن لم يقل بها أو قال ثم رجع عنها " لهذا تراه لا يوجّه اهتمامه إلى تحقيق رأي فلان أو علان ، ويرى ذلك شأن غير الباتّين في الحكم بعقولهم ، فيوازنون درجة المذاهب في الصحة أو الفساد بدرجة مراكز المنتمين إليها.
(1)
وتماشياً مع ما ذكره تراه ينقد الخطأ حيث وجده غير مهتم بمركز القائل ، ينتقد الغزالي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم من العلماء.
أمّا بالنسبة للعلماء المعاصرين فقد ناقش أقوال أكثرهم شهرة كالشيخ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وشلتوت... وبالدرجة نفسها التي ناقش بها فلاسفة الغرب كباركلي وهيوم وكنط... وقد سبب له هذا النقد كثيراً من الحرج والمتاعب ، فقيل له " كيف تنقد هؤلاء الأعلام ؟ " فقال : " إنّ كتابي كتاب مبادئ لا كتاب تراجم ".
(2)
إنها كلمة رائعة يجب أن تكون قانوناً يعمل به في تمحيص الأفكار والآراء بصرف النظر عن أصحابها ومراكزهم.
جهوده العلمية :
المتتبع لعناوين كتب الشيخ مصطفى صبري يدرك أنّ المقصد الأساسي من مؤلفاته هو الدفاع عن الإسلام والعلوم الإسلامية بصفة عامة ، وذلك بصد الهجمات التي تعرّض لها من قبل أبنائه ، وخاصة تلك التي تلبّست بالإلحاد القائم على المبادئ المادية في العلوم ، أو التي قامت على المبادئ القومية في الجانب السياسي ؛ لهذا انصبت جهوده على محاربة العقليات السائدة في الوسط الثقافي والسياسي ، وعلى رأسها محاربة العقلية الآيلة إلى الإلحاد في البيئة الإسلامية المعاصرة.
وأصل هذا الداء - في رأيه- الذي ساق المتعلمين الجدد إلى الشك المنتهي إلى الإلحاد اعتقاد أنه " لا يثبت وجود الله علمياً ؛ لأنّ العلمية ربطت بالثبوت التجريـبي الحسي وفق ما ثبتت به سائر المعارف والعلوم في العلم الحديث ، وهذا لا يَعتدّ بالدليل العقلي لعدم إمكان سلامته من الخطأ ، وبالتالي لا يمكن الوثوق به " فنجم عنه تسرّب أمراض خطيرة إلى بيئتنا الإسلامية ،
لعلّ أهمها:
• عدم الاستناد إلى الأدلة النقلية ، وترتب عليه إنكار مسائل غيبية ثابتة ، واضطرهم هذا إلى التأويل مسايرة للعلم الحديث ، حتى غدا التأويل المتعسّف مسلكاً لدى كثير من أعلام هذا العصر ، وقد كان محمد فريد وجدي أكثرهم غلوا ومسايرة للعلم الوضعي (التجريـبي الحسي ) .
• عدم التعويل على الأدلة العقلية في إثبات واجب الوجود ، وحصرت الأدلة في العلم الحديث المبني أساساً على قاعدتهم المشهورة " كلّ معقول لا يؤيده محسوس لا يعتدّ به "، رغم كون القاعدة مبطلة لنفسها بنفسها لأنها " معقول لا يؤيده محسوس " ، فنجم عن ذلك إهمال المنطق والعلوم التجريدية ، وحصرت الثقة في المحسوس ، وهذا ما يفسر الهجمات التي تعرّض لها علم الكلام.
• الفصل بين الدين والسياسية ؛ وقد خُدم هذا المبدأ بطريقتين اتخذت أولاهما الطريقة المباشرة كالمحاولة التي قام بها الشيخ علي عبد الرازق ؛ وسلكت الثانية طريقاً غير مباشر من خلال إخراج الفقه من دائرة الدين وفق ما ذهب إليه الشيخ محمد مصطفى المراغي ، ويقرب منه قوله بجواز التعبد بالقرآن المترجم .
• ظهور محاولة إنقاذ الدين من العقل وفق ما قام به الفيلسوف الغربي " كنط " حينما أقام دليل العقل العملي على وجود الله ( دليل الأخلاق ) ومبنى هذا الرأي التأسيس للعقيدة المسيحية التي لا تتلاءم والعقل ، لهذا عدت محاولة النسج على منوالها متجاوزة لكل مسلمات العلم ، إذ تختلف الديانة الإسلامية عن الديانة المسيحية المحرّفة في أساسهما العقدي ، فأساس الأولى الفصل بين عالمي العقل والقلب الذي من مهماته العقيدة والإيمان ، بخلاف ما هو عليه الإيمان في الإسلام ، فهو موجّه إلى العقل في اللحظة نفسها التي يتوجّه إلى الوجدان.
وقد رام تحقيق هذه المهمة المستعصية الشيخ فريد وجدي ، فحاول إقامة البرهان على وجود الله تعالى دون الاستناد إلى الدليل العقلي
(3)
وهي محاولة لا يمكن أن تنجح ولا ينبغي لها أن تنجح ، وإن نجحت فإنها من قبيل الغلطة الناجحة ، لأنها متصورة في المسيحية وغير متصورة في الإسلام (4
)
.
فالمسيحي يضطر إلى إهانة عقله ليسلم له دينه ، وكذلك الحال بالنسبة للملحد الغربي والشرقي ، فإنّه يضطر إلى الاستهانة بالدين ليسلم له عقله ، والمسلم بخلاف ذلك تماماً ؛ فالعقل والدين لا يفترقان حتى غدت عند المسلمين قاعدة مشهورة " من لا عقل له لا دين له " .
• تسرّب ضلال الاستخفاف بالعقل ، وتأصّل ذلك بانتشار المذهب التجريبي وبناء العلم عليه بعد الفيلسوف بيكون ، فطبق المذهب التجريبي بطريق الفلسفة الوضعية على العقائد ، وقد زاد الأمر شناعة شيوع تقليد كل ما وفد إلينا من الغرب أو صدّروه إلينا
(5 )
.
وفي ضوء ما سلف حصر الشيخ مهمته فيما يأتي:
• مكافحة الشبهات ومكافحة مروجيها ، والكشف عن المكامن التي يتستر المثيرون لها ، حتى يتزعزع مكان الشبهات ومكانة مثيريها في قلوب الناس كائنين من كانوا ، " فتنهار الشبهات ومروجوها ، وتسلم عقيدة المؤمنين من شرورهم وتساؤلاتهم"
( 6 )
.
• الدفاع عن مركز علم الكلام وإثبات صدقه وصحة استثمار معارفه ، والسعي إلى إثبات أن وجود الله لا يمكن أن يستند إلى الدليل التجريـبي الجزئي الذي فتنهم ، ولا يكون بغير الدليل العقلي ، لأنّ الدليل العقلي أقوى وأيقن من الدليل التجريـبي.
• محاربة اللادينيين بالقضاء على كلّ شكّ يرمون إلى تكريسه بطريق الإلحاد ، وبهذا الصدد عمل على شحذ الهمم وتنبيه العقلاء إلى خطر تسرب العقليات الغربية المناوئة للدين إلى أذهان المثقفين المسلمين ، ويتطلّب هذا الجهد سرد شواهد من كلمات رجال يستدل بأهمية مراكزهم الرسمية والأدبية على أهمية المسألة
(7)
لهذا اضطر إلى تفحّص أقوال وأفكار الفلاسفة الغربيين ، وأيّد رأيه بكثير من أقوالهم وتصريحاتهم .
• حاول بيان المرض العقلي الذي هيمن على العقليات في مصر الحديثة نظراً لخطورته البالغة ، إذ يرجع إليه حسب تقديره سبب هلاكها في الدنيا والآخرة إن بقي الأمر على حاله
(8 )
.
• الدعوة إلى إصلاح الأوضاع العلمية في العالم الإسلامي ، بصفته الطريق الوحيد للنجاح السياسي والاجتماعي في الحاضر والمستقبل .
هيثم السليمان
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى هيثم السليمان
البحث عن كل مشاركات هيثم السليمان