بِتُّ وَالهَمُّ يا لُبَينى ضَجيعي    =   وَجَرَت مُذ نَأَيتِ عَنّي دُموعَي
وَتَنَفَّستُ إِذ ذَكَرتُكِ حَتّى    =   زالَتِ اليَومَ عَن فُؤادي ضُلوعي
أَتَناساكِ كَي يُريغَ فُؤادي     =  ثُمَّ يَشتَدُّ عِندَ ذاكَ وَلَوعي
يا لُبَينى فَدَتكِ نَفسي وَأَهلي   =    هَل لِدَهرٍ مَضى لَنا مِن رِجوعِ
أُحِبُّكِ أَصنافاً مِنَ الحُبِّ لَم أَجِد    =   لَها مَثَلاً في سائِرِ الناسِ يوصَفُ
فَمِنهُنَّ حُبٌّ لِلحَبيبِ وَرَحمَةٌ   =    بِمَعرِفَتي مِنهُ بِما يَتَكَلَّفُ
وَمِنهُنَّ أَلّا يَعرِضَ الدَهرُ ذُكرَها    =   عَلى القَلبِ إِلّا كادَتِ النَفسُ تَتلَفُ
وَحُبٌّ بَدا بِالجِسمِ وَاللَونِ ظاهِرٌ   =    وَحُبٌّ لَدى نَفسي مِنَ الرَوحِ أَلطَفُ
وَحُبٌّ هُوَ الداءُ العَياءُ بِعَينِهِ   =    لَهُ ذِكَرٌ تَعدو عَلَيَّ فَأَدنَفُ
فَلا أَنا مِنهُ مُستَريحٌ فَمَيِّتٌ    =   وَلا هُو عَلى ما قَد حَيَيتُ مُخَفَّفُ
فإِن تَكُ لُبنى قَد أَتى دونَ قَربِها    =   حِجابٌ مَنيعٌ ما إِلَيهِ سَبيلُ
فَإِنَّ نَسيمَ الجَوِّ يَجمَعُ بَينَنا    =   وَنُبصِرُ قَرنَ الشَمسِ حينَ تَزولُ
وَأَرواحُنا بِاللَيلِ في الحَيِّ تَلتَقي    =   وَنَعلَمُ أَنّا بِالنَهارِ نَقيلُ
وَتَجمَعُنا الأَرضُ القَرارُ وَفَوقَنا    =   سَماءٌ نَرى فيها النُجومَ تَجولُ
إِلى أَن يَعودَ الدَهرُ سَلماً وَتَنقَضي    =   تِراتٌ بَغاها عِندَنا وَذُحولُ
وَلَقَد أَرَدتُ الصَبرَ عَنكِ فَعاقَني    =   عَلَقٌ بِقَلبي مِن هَواكِ قَديمُ
يَبقى عَلى حَدَثِ الزَمانِ وَرَيبِهِ   =    وَعَلى جَفائِكِ إِنَّهُ لَكَريمُ
فَصَرَمتِهِ وَصَحَحتِ وَهوَ بِدائِهِ    =   شَتّانَ بَينَ مُصَحَّحٍ وَسَقيمُ
وارَبتِهِ زَمَناً فَعاذَ بِحِلمِهِ   =    إِنَّ المُحِبَّ عَنِ الحَبيبِ حَليمُ
أُريدُ سُلُوّاً عَن لُبَينى وَذِكرِها    =   فَيَأبى فُؤادي المُستَهامُ المُتَيَّمُ
إِذا قُلتُ أَسلوها تَعَرَّضَ ذِكرُها   =    وَعاوَدَني مِن ذاكَ ما اللَهُ أَعلَمُ
صَحا كُلَّ ذي وِدٍّ عَلِمتُ مَكانَهُ    =   سِوايَ فَإِنّي ذاهِبُ العَقلِ مُغرَمُ
وَإِنّي لَمُفنٍ دَمعَ عَينِيَ بِالبُكا    =   حِذارَ الَّذي قَد كانَ أَو هُوَ كائِنُ
وَقالوا غَداً أَو بَعدَ ذاكَ بِلَيلَةٍ     =  فِراقُ حَبيبٍ لَم يَبِن وَهوَ بائِنُ
وَما كُنتُ أَخشى أَن تَكونَ مَنيَّتي   =    بِكَفَّيكِ إِلّا أَنَّ ما حانَ حائِنُ
قَد زارَني طَيفَكُم لَيلاً فَأَرَّقَني    =   فَبُتُّ لِلشَوقِ أُذري الدَمعَ تَهتانا
إِن تَصرِمِ الحَبلَ أَو تُمسي مُفارِقَةً    =   فَالدَهرُ يُحدِثُ لِلإِنسانِ أَلوانا
وَما أَرى مِثلَكُم في الناسِ مِن بَشَرٍ    =   فَقَد رَأَيتُ بِهِ حَيّاً وَنِسوانا
وَإِنّي لَأَهوى النَومَ في غَيرِ حينِهِ    =   لَعَلَّ لِقاءً في المَنامِ يَكونُ
تُحَدِّثُني الأَحلامُ أنّي أَراكُمُ   =    فَيا لَيتَ أَحلامَ المَنامِ يَقينُ
شَهِدتُ بِأَنّي لَم أُحِل عَن مَوَدَّةٍ    =   وَإِنّي بِكُم لَو تَعلَمينَ ضَنينُ
وَإِنَّ فُؤادي لا يَلينُ إِلى هَوى   =    سِواكِ وَإِن قالوا بَلى سَيَلينُ
بَكَيتُ نَعَم بَكَيتُ وَكُلُّ إِلفٍ   =    إِذا بانَت قَرينَتُهُ بَكاها
وَما فارَقتُ لُبنى عَن تَقالٍ    =   وَلَكِن شِقوَةٌ بَلَغَت مَداها