"ومن كاشفه الله بسرِّ قوله: { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } (1) . فهم سرَّ المثل المضروب ، وسكن نور المعرفة في القلوب. فالسماوات والأرض خلقا من العدم وهو ظلام، فالذي نوَّرهما بالوجود هو الله لتهتدي إليه الأنام.
وذوق اللسان: سرى فيه مدد "النور" فانتفع بتمييز الأشياء.
واللَّمْس: أمدَّه بالنور الروحاني، فتباعد عن الضرَّاء.
والشَّم: أفيض عليه سرّ"اللطيف" ففرَّق بين الكريه والطيب.
ولولا ظهور "النور" في الأرض والسموات، لما وصل أحدٌ من المخلوقات، ، فنوره هو الدليل عليه، إذ الأمر منه وإليه، فهو "النور"، والمنور، وهو "الهادي" والمسخر.
ولا تظنَّ أن النور هو النور المحسوس بالبصر، ولكنه نور العلم والفهم والبصيرة، والعبرة ، والمدد الروحاني.
فَرُبَّ أعمى البصر وهو غارقٌ في هذا النور، ورُبَّ بصير وهو غارقٌ في ظلام الجهل مقبور.
فالعارف لا يرى شيئاً في الوجود إلا ويتجلَّى له النور، فيواجه ربه بنور المعرفة، فيصير نوراً على نور.
فمن عرف ذلك نادي:" يا نور!" قال له الحق: لبيك. لك العزُّ في الدنيا ، ويوم النشور، ويكون الاسم الأعظم في حقه هو اسمه تعالى:"النور" (2) ." اهـ
اقتباس:=========================== الحاشية ===============================
(1) : سورة النور - الآية 35.
(2) : وذلك لظهور الاضطرار عند هذه الحالة من العبد، والاضطرار من أعظم أسباب إجابة الدعاء، وأقوى أسباب الحضور، لذا قال سيدي ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه وارضاه:" ما طلب لك شيء مثل الاضطرار ، ولا أسرع بالمواهب إليك مثل الذلة والافتقار". أي ما طلب لك _ أيها المريد _ الحوائج من الله تعالى شيء مثل الاضطرار إليه ؛ إذ به تقع الإجابة لقوله سبحانه :{ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاه }. فقوله طلب مبني للفاعل الذي هو شيء فيكون شبه الاضطرار بشخص طالب . ويحتمل بناؤه للمفعول وشيء نائب فاعل على معنى أن أحسن مطلوب يطلبه العبد الاضطرار ؛ وهو أن لا يتوهم من نفسه حولاً ولا قوة ، ولا يرى لنفسه سبباً من الأسباب يعتمد عليه أو يستند إليه ، بل يكون بمنزلة الغريق في البحر ، أو التائه في التيه القفر ، لا يرى لغياثه إلا مولاه ، ولا يرجو لنجاته من هلكته أحداً سواه .
والذلة والافتقار أمران موجبان لإسراع مواهب الحق تعالى إلى العبد المتصف بهما ، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ } (123) آل عمران . فذلتهم أوجبت عزتهم ونصرتهم ، كما قيل في هذا المعنى :
وإذا تذللت الرقاب تقرباً *** منها إليك فعزها في ذلها
وما ألطف قول بعضهم :
حيث أسلمتني إلى الذال واللا *** م تلقيتني بعين وزاي
وافهم هاهنا قوله صلى الله عليه وسلم : " لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة " .
لو أنك لا تصل إليه إلا بعد فناء مساويك ، ومحو دعاويك ، لم تصل إليه أبداً . ولكن إذا أراد أن يوصلك إليه غطى وصفك بوصفه ونعتك بنعته فوصلك إليه بما منه إليك لا بما منك إليه . أي لو أنك لا تصل إلى الله تعالى _ أيها المريد _ إلا بعد فناء مساويك ؛ أي عيوبك ، ومحو دعاويك التي تدعيها من نسبة الأعمال إلى نفسك ، لم تصل إليه أبداً ؛ لأن المساوي والدعاوي طبعك ، ولو لم يكن إلا إرادتك تحصيل هذا الغرض بنفسك لكان كافياً، فلو تأملت وجدت محاسنك كلها مساوي ، ولو كنت رأس المخلصين ، وأحوالك كلها دعاوي ، ولو كنت أصدق الصادقين . {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} . ولذا قال أبو العباس المرسي : لن يصل الولي إلى الله حتى تنقطع عنه شهوة الوصول إلى الله تعالى ؛ يعني انقطاع أدب لا انقطاع ملل . وقوله : غطى وصفك بوصفه ؛ أي أظهر لك من صفاته السنية ما تغيب به عن صفاتك البشرية ، فتكون في مقام الحب الذي قال في صاحبه : " فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش به، ورجله التي يمشي بها " . وصاحب هذا المقام لا تكون له إرادة مع مولاه ؛ لأنه ما وصل إلى الله إلا بما من الله . {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }." اهـ92
(يتبع إن شاء الله تعالى مع مشاهدة العارفين..... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات