الحقُّ واحد، والخلق واحد
"الحق واحد؛ وإن تعدَّدت أسماؤه وصفاته، والخلق واحد؛ وإن تنوَّعت أجناسه وتطوُّراته، فللحقِّ تعالى حضرات يتجلَّى بها، ولكلِّ حضرة منها أحكام وآداب، وأسرار، يراها أولو الألباب.
ولكلِّ اسم رجال وأفراد،ولهم علوم خاصة من حضرة الجواد.
أما حضرة الذات العلية: فليس لمخلوق فيها قدم، وقد شاء الحقُّ أن يتجلَّى لخلقه، ويتنـزَّل برحمته – وهو الغني الكبير – فيتجلَّى في عزِّ الألوهية، ويظهر في رداء الكبريائية، ويقول: { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي } (1)
.
فحضرة الألوهية: ظهور الحقِّ بالأوصاف الكمالية من عظمةٍ وتقديس، وعلوّ، وغنى مطلق. ولا يصل إلى تلك الحضرة إلا الكُمَّل الذَّاتيو، وتلك الحضرة أدهشت الألباب، وحيَّرت الأرواح، لأن الله يجمع فيها بين الضِّدَّين باقتداره العالي، فيظهر عبد ضعيف أصله العدم، ويظهر مولى كبير شأنه العظم، وتثبت رتبة العبد وهي الشرف العظيم، ويتجلَّى العليُّ الأعلى، البّرُّ الرَّحيم.... .
ومن الحضرات الحقِّيَّة حضرة الربِّ تعالى، وهو يتنـزل على قدر العقول والاستعداد، فيتملى به كل مراد. ولتلك الحضرة تسعة وثمانون إسماً. مظهرها الإنسان، الذي هو كنز الحق ، وصورة الرحمن، فإنسانٌ حيٌّ بحياة الله، بصيرٌ بنور الله، سميع بمدد الله، مريد بمراد الله.
تراه "رحيماً" والرحمة صفة ربه، "حكيماً" والحكمة من سيده، تراه "قوياً" والقوي هو فيَّاض المدد، وهكذا بقية الأسماء التسعة والثمانون التي تجلَّت أسرارها ظاهرة في الإنسان، وبها نال الخلافة في الأكوان، مسخّرة للإنسان، لما تجلَّى فيه من أسرار الربوبية للعيان. قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}(2) .
فما سجدت الملائكة ، وخضعت العوالم، إلا لظهور أسرار الرب فيه، وقد يحصل للولي تصريفٌ في الأكوان بحكم السرِّ الذي فيه (3) ، وتقبل عليه العوالم احتراماً وإجلالاً للظاهر فيه من أنوار باريه." اهـ 140
اقتباس:=================== الحاشية ====================
(1) : سورة طه - الآية 14.
(2) : سورة البقرة - الآية 30.
(3) : وبذلك يصبح من أهل التصريف. و هم أهل الوجاهة عند الله والقبول لديه، واستجابة الدعاء، سواء كان ذلك نطقاً باللسان، أو توجُّهاً بالقلب، أو تحرُّكاً للإرادة، وكنه الهمة، في حدود ما جاء في الحديث القدسي الجليل الآتي، وحديث " من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الشريف:" رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبرَّه" وهذا هو معنى قول ساداتنا الصوفية:" إن لله عباداَ إذا أرادوا أراد".وذلك ترجمة لقوله تعالى: {ادعوني أستجب لكم} . فافهم يا أخي هذا ، فهَّمنا الله وإياك.
لذلك كله لا يرد على كلام الشيخ رضي الله عنه أي خلاف إلا ممن ولع بالخلاف وكان طبعه حب المخالفة لشهوة في نفسه واتباع للشيطان ورسله!، فلكلام الشيخ رضي الله عنه شاهد قوي من حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه سبحانه وتعالى في الحديث القدسي الجليل،( إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) الحديث في صحيح البخاري وغيره. وفيه دليل على أن العبد إذا أخلص الطاعة وصارت أفعاله كلها للّه عزَّ وجلَّ، فلا يسمع إلا للّه، ولا يبصر إلا للّه أي ما شرعه اللّه له، ولا يبطش ولا يمشي إلا في طاعة اللّه عزَّ وجلَّ مستعيناً باللّه في ذلك كله. عند ذلك يكون متحقِّقاً بصفة الفناء في الله تعالى، - ويصير كما مرَّ - من أهل التصريف الذين إذا أرادوا أراد الله إكراماً لهم، وتثبيتاً ، ومعونة. وذلك لتخلُّقهم بأخلاقه سبحانه ، ثم لاتصافهم بمحض عبوديتهم، فأمدَّهم الله بوصفه. وفي بعض روايات الحديث - في غير الصحيح -: "فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي".
فالمراد "بالتصريف" هنا هو تفضل الله تعالى على عبده بإيقاعه تعالى الأمر – كما سبق في علمه القديم – على مراد عبده الظاهر، بما يجيء في دعائه القولي، أو توجّهه القلبي ، أو تحرك إرادته الروحية، وذلك تنفيذاً لترتيب الأسباب والمسببات، على مقتضى ما في اللوح وأم الكتاب. فليس العبد مصرفاً شيئاً من الله تعالى ولكن الله تعالى يتفضَّل فيصرِّف الأشياء كما هي في علمه، على مراد أوليائه وأحبائه ظاهراً فقط، تنفيذاً لسبق إرادته.
لذلك فـ "أهل التصريف" يعنون بهم:" أهل الفضل الإلهي" الذين يكرمهم الله بتحقيق مرادهم الظاهر، وهو مراد الله الحقيقي الباطن فيما يطلبونه من الكونيات، سواء كان الطلب بالقول أو الفعل أو الهمة.
وبمعنى آخر: أن الله تعالى يجعل عبده الصالح نفسه أداةً من أدوات تنفيذ المراد الإلهي الأزلي، الذي قد يظهر في صورة مراد العبد البشري، فيما يراه الناس. والله سبحانه وتعالى أعلم. " اهـ 142
(يتبع إن شاء الله تعالى .... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات