العلم كلُّه في العالَم كلِّه
"مهما أوتيت من علم فاعتقد أن فوقك من هو أعلم منك، وما من كائن إلا وفيه معنى سرٍّ من أسماء الله ، لا تناله منه إلا بالتواضع له والاحترام.
فلا تتكبَّر على أي رتبة من رتب الكون، فالظاهر فيها هو "المعطي" تعالى، وقد قال الإمام أبو العزائم:" إن الرجل الذي يتكمَّل بالعلم حتى تنطوي فيه معانيه، وحتى يأخذ دروس الحكمة في النمل والنحل، والحيوانات، وجميع الكائنات، ولا ينظر إلى أنه مكمِّل لغيره، مثل الشمعة تحترق لتضيء على غيرها، والبعض يضيع الأنفاس بدون أن يحصِّل كمالاً لنفسه، لأنه متى رأى نفسه كاملاً مكمِّلاً لغيره اغترَّ وتكبَّر.
إن معاني أسماء الله الحسنى ظهرت أسرارها في العبد ففيه الحياة، والسمع، والبصر. وفيه سرُّ القدرة والإرادة. وفيه الجمال الإلهي (1) ، والحسن الباهي، وجميع الأسماء تعينه في حركته وسكونه، وفي يقظته ونومه.
فإذا عرف ما تجلَّى فيه له من الله، فقد عرف سيِّدَه ومولاه، وانظر إلى هذا المثل ففيه غاية الأمل :
الكون كله مملكة يتصرَّف فيه الربُّ الكبير، وجسمك هذا مملكة تصرَّفت فيها الروح بأمر مقدور له جنود في الأرض والسموات، ولك جنود وهي الجوارح لقضاء الحاجات، ولله عرشٌ عظيم، وقلبك يمثِّل العرش، وهو واسعٌ لأسرار العليم.
فلا تغفل عن شهود أنوار أسمائه فيك وفي الآفاق، واحذر أن تنسبها لنفسك فتقع في الحجاب والنفاق." اهـ 168
اقتباس:====================== الحاشية =======================
(1) : الجمال الإلهي: هو عبارة عن أوصافه العليا وأسمائه الحسنى، هذا على العموم، وأما على الخصوص: فصفة الرحمة وصفة العلم، وصفة اللطف، والنعم، والجود، والرزَّاقية، والخلاَّقيَّة، وصفة النفع، وأمثال ذلك كلها صفات جمال. وثَمَّ صفات مشتركة لها وجه إلى الجمال ووجهٌ إلى الجلال، كاسمه تعالى:"الرب"، فإنه باعتبار التربية والإنشاء : اسم جمال، وباعتبار الربوبية والقدرة: اسم جلال. ومثله اسم: "الله". واسمه " الرحمن" بخلاف اسم " الرحيم"، فإنه اسم جمال وقس على ذلك.
واعلم - رحمني الله وإياك - أن جمال الحق سبحانه وتعالى وإن كان متنوِّعاً فهو نوعان: النوع الأول معنوي، وهو معاني أسماء الله الحسى، والأوصاف العلا، وهذا النوع مختصٌّ بشهود الحقّ إيَّاه.
والنوع الثاني: صوري، هو هذا العالم المطلق المعبّر عنه بالمخلوقات، وعلى تفاريعه وأنواعه، فهو حسن مطلق، إلهي، ظهر في مجال الهيئة، سميت تلك المجالي بالخلق، وهذه التسمية أيضاً من جملة الحسن الإلهي، فالقبيح من العالم كالمليح منه، باعتبار كونه مجلى من مجالي الجمال الإلهي، لا باعتبار تنوُّع الجمال، فإن من الحسن أيضاً إبراز جنس القبيح على قبحه، لحفظ مرتبته في الوجود، كما أن الحسن الإلهي إبراز جنس الحسن على وجه حسنه لحفظ مرتبته من الوجود. وإن القبح في الأشياء إنما هو للاعتبار لا لنفس ذلك الشيء، فلا يوجد في العالم قبحٌ إلا بالاعتبار، فارتفع حكم القبح المطلق من الوجود، فلم يبق إلا الحسن المطلق، ألا ترى إلى قبح المعاصي إنما ظهر باعتبار النهي، وقبح الرائحة المنتنة إنما ثبت باعتبار من لا يلائم طبعه." اهـ
(يتبع إن شاء الله تعالى مع: معرفة الذات الأحدية والأسماء.... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات