الباب الرابع
شرح الأســــــماء الحسنى ودعــــــاؤها
الله جلَّ جلاله
"إنَّ هذا الاسم علمٌ على الذات العليَّة، المنزَّهة عن الحدود، وهو اسم الله الأعظم، الجامع لكل معاني الأسماء الحسنى، ولا يسمَّى به إلا هو - عزَّ وجلّ-.
وإذا قلت: يا الله! تجيبك جميع الأسماء، كأنك قلت: يا رحيم، يا كريم، يا معطي. إلى آخر الأسماء.
فقلبك يستحضر معاني الأسماء ، ولسانك يقول:"الله" فيتجلَّى الحقُّ للذاكر العارف في جلالة وعَظَمة خضعت لها الأعناق بالركوع والسجود. قال تعالى: { وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ }(1) .
ويتجلَّى للذَّاكر بجمالٍ لاح على صفحات الوجود، ويجذب الألباب، ويبهر الأرواح بالشهود، وتتجلى لك الحضرات والإمدادات والجمالات، والجلالات، والآيات ، والبينات، وما فيها تحت سلطان الألوهية.... .
فالعارف بالله يرى نفسه أحقر من الذَّر، لظهور العظمة، وتجلِّي الحضرة العلية، ويرى نفسه أسعد الخلق وأغناهم، لأنه صار عبداً للغني العلي الكبير، فهو العبد الذَّليل لله، العزيز بالله، الفقير لله، الغني بالله، لا ينظر إلى معاني الأسماء من حيث الألفاظ اللغوية، ولكن يتوجَّه إليها من معانهيا النورانية، وآثارها البهية.
وليس للعبد من هذا الاسم حظٌّ إلا التعلُّق به ذكراً وحضوراً واستحضاراً، حتى يتلاشى تحت سواطع الأنوار، فيحصل له الوَلَه، والذُّهول عن الآثار، وعند ذلك يشهد مولى ليس كمثله شيء، وهو أقرب إلينا من كل شيء (2) " اهـ
اقتباس:========================== الحاشية =====================.
(1) : سورة الرعد – الآية 15.
(2) : قال الشيخ زروق رضي الله عنه: كل الأسماء يصح لمعانيها التخلق إلا هذا الاسم فإنه للتعلق ، وكل الأسماء راجعة إليه ، فالمعرفة به معرفة بها ، وهو دال بصيغته على عظمة المسمى به ، ذاتاً ، وصفاتٍ ، وأسماءً ، وما يرجع لذلك من أفعاله . والمعرفة به تفيد الفناء فيه للعارفين ، والتعظيم والإجلال ، والهيبة والأنس للمريدين ، والتقرب به على وفق ذلك من إسقاط الهوى ، ومحبة المولى ، ولا يصح ذلك إلا بقلب مفرد فيه توحيد مجرد ، وذلك يستدعي جميع الأحوال والمقامات والكرامات ، فلذلك لما سئل الجنيد رضي الله عنه: كيف السبيل إلى الانقطاع إلى الله تعالى ؟. قال: بتوبة تزيل الإصرار ، وخوف يزيل التسويف ، ورجاء يبعث على مسالك الأعمال ، وإهانة النفس بقربها من الأجل وبعدها من الأمل . قيل له : بماذا يصل العبد إلى هذا ؟ قال: بقلب مفرد فيه توحيد مجرّد، انتهى.
قال سيدي ابن عجيبة في شرحه لهذا الاسم: " قلت: وقول الشيخ زروق رضي الله عنه : لا يصلح هذا الاسم إلا للتعلق دون التخلق، إنما هو مذهب أهل الظاهر، وأما مذهب أهل التحقيق من أهل الباطن فهو يصلح للتعلق ، والتخلق . والتخلق به: هو الفناء فيه ، والاستهلاك في الحقيقة بحيث يفنى من لم يكن ، ويبقى من لم يزل .
وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : إن لله عباداً محق أفعالهم بأفعاله ، وأوصافهم بأوصافه ، وذاتهم بذاته، وحملهم من أسراره ما تعجز الأولياء عن حمله ، انتهى.
وقال القطب شيخ شيوخنا ، ومادة طريقتنا مولانا عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه ، ونفعنا ببركاته - لما تكلم على المحبة - قال :والمحبة مزج الأوصاف بالأوصاف، والأخلاق بالأخلاق ، والأنوار بالأنوار ، والأسماء بالأسماء، والنعوت بالنعوت ، والأفعال بالأفعال، انتهى .
فتحصل: أن التخلق باسم الجلالة هو : الفناء فيه ، والغيبة عما سواه .
قال الغزالي رضي الله عنه : ينبغي أن يكون حظ العبد من هذا الاسم التألّه، وأعني: أن يكون مستغرق القلب والهمة بالله تعالى ، لا يرى غيره ، ولا يلتفت إلى سواه ، ولا يرجو، ولايخاف إلا إياه ، وكيف لا يكون كذلك وقد فهم من هذا الاسم أنه الموجود الحقيقي الحق ، وكل ما سواه هالك وفان ، وباطل إلا به ، فيرى أولاً نفسه هالكاً ، وباطلاً . كما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: أصدق بيت قالته العرب بيت لبيد:-
ألا كل شيء ما خلا الله باطل *** وكل نعيم لا محالة زائل
وقال بعض من شرح الأسماء : وأما التخلق بهذا الاسم : فاتصاف بكل وصف كمال، بقدر ما يمكن في طور العبد ، وبحسب استعداد الخاصة مثل الأنبياء ، والمجذوبين ، والمحبوبين من الأولياء ، وقد يكون بالمجاهدات البالغة ، والرياضة الشاقة ، وتهذيب الأخلاق ، وتبديل الأوصاف ، وقد يكون بنتائج التجليات، وثمرات المشاهدات ،
ثم قال: وأما التحقق بحقائق هذا الاسم فهو : أن تطلع شمسه من مشرق قلبه ، وتنوّرٌ من العبد سارياً في كليته وسرائره ،شاملاً لظواهره وضمائره ، فيفنى اسمه ورسمه ، ويلطف قلبه وروحه، بل جسمه ، فيبدل الحدوث بالقدم ، والظلمات بالأنوار ، ويعوضه من ليل الحجاب نهار الإبهار ، فيفنى ثم يبقى ، بوجود موجود حقاني ، ويخفى ثم يبقى بوصف كريم رباني، ويكون الحق سمعه ، وبصره ، ويده ، به يسمع ، وبه يبصر، وبه يبطش ، بل يكون بكليته ما لا يصفه الواصفون ، ولا يحيط به العارفون ، انتهى ." اهـ177
(يتبع إن شاء الله تعالى .... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات