الاستحضار براق الأخيار
"استحضر قوله تعالى: { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } (1) .
وأنه سبحانه وتعالى محيطٌ بالعالم، أقرب إليك من نفسك، له عظمةٌ تدكُّ الجبال، وله لطفٌ وجمالٌ يدعو إلى الوصال، فاجعل قلبك كأنه ينطق: {الله }. أو أن الاسم الشريف منقوش على القلب ، واستغرق في الذكر ، فالقلب يذكر حضوراً، واللسان يذكر لفظاً، والأذن تسمع اسم حبيبها.
فاستحضر أنك هنا غريب، ولا راحةَ لك إلا في وطنك الأول، وهو وصولك إلى مولاك، فيحصل للقلب جواذب وهيام، ويستديم الجهاد بين العبد وحظه، حتى يكاشفه الله بالحقيقة.
استحضر سعة رحمة الله، وأقبل عليه بالكلية، حتى ينقلك إلى حضرة العبودية، فتكون عنده تعالى ، ويكفيك أنك متى ذكرت الله ذكرك (2)، وهذا هو الشرف العظيم، قال تعالى: { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } ( 3)
.
يعني: ذكر الله للعبد أكبر من الصلاة وهي ذكر العبد لله ." اهـ185
اقتباس:============================ الحاشية ====================
(1) : سورة الحديد - الآية 4.
ويكون الاستحضار بمراقبة العبد نفسه أنه في معية الله تعالى دائماً، وأن الله سبحانه وتعالى يراقبه في كل أحواله، ولا يكون هذا إلا برياضة النفس وتربيتها على يد شيخ تربية عارف بمداخل النفس وأمراض القلوب، يأخذ بيد المريد إلى حضرة ربه بعد ان يخليه من كل خلق ذميم، ويحليه بكل خلق حميد كريم، فتثمر مراقبتنا لله عز وجل الرفق بخلق الله ونتأنى في تحصيل ما نطلبه منه سبحانه، ونحلم على من خالفنا وعصانا وآذانا، وهذا الخلق من أكمل أخلاق الرجال وقليل فاعله، ومن تخلق به ذوقا لم يصر عنده غلظة ولا فظاظة لا على من أمره بالإغلاظ عليهم كالكفار، وكذلك من تخلق به لم يتكدر ممن أبطأ في قضاء في الحاجة أبدا لأن الرسول لم يبطأ بها، وإنما أبطأ بها وقتها المضروب لها في علم الله، وكذلك من تخلق به لا يقابل أحدا آذاه بنظير فعله أبدا، ولو أن جاريته رمت ولده في نار فمات لم يقابلها ولا بكلمة تغيظها، بل ربما أعتقها تماما للحلم. ولا بد لمن يريد أن يتخلَّق بهذا الخلق من سلوك على يد شيخ ناصح يصبر معه على المجاهدة والرياضة حتى يدخله حضرات الأسماء الإلهية، فينصبغ في حضرة الرحيم، والحليم، والصبور، ويصير لا يتكلف لرفق ولا حلم ولا صبر كما لا يتكلف لدخول النفس وخروجه من خياشيمه، ومن لم يسلك فمن لازمه الإخلال بهذا الخلق ويدرك في نفسه مشقة وتعبا. فاسلك يا أخي على يد شيخ إن أردت التخلُّقَ بهذا ، والله يتولى هداك.
(2) : ولهذا شواهد كثيرة من الحديث الشريف؛ منها: قوله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي الجليل: (أنا جليسُ من ذكرني). رواه الديلمي بلا سند عن عائشة مرفوعا، وعند البيهقي في الشعب عن أُبَي بن كعب قال: قال موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام: يا رب أقريب أنت فأناجيك أو بعيد فأناديك؟ فقيل له:" يا موسى أنا جليس من ذكرني".
وعند البيهقي أيضا في موضع آخر أن أبا أسامة قال لمحمد بن النضر: " أما تستوحش من طول الجلوس في البيت؟ فقال: ما لي أستوحش وهو يقول:" أنا جليس من ذكرني". وعن محمد بن نضر الحارثي، أنه قال لأبي الأحوص: أليس تروي أنه قال: " أنا جليس من ذكرني" فما أرجو بمجالسة الناس؟. وعند البيهقي معناه في المرفوع عن أبي هريرة أنه قال سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول إن الله عز وجل قال:" أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه"، ورواه الأوزاعي عن أبي هريرة موقوفا ومرفوعا، والمرفوع أصح، ورواه الحاكم وصححه عن أنس بلفظ قال الله تعالى :"عبدي أنا عند ظنك بي، وأنا معك إذا ذكرتني".
(3) : سورة العنكبوت – آية 45.
(يتبع إن شاء الله تعالى مع: " .... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات