"قال بعض العارفين: إن أعظم ذنب هو نسيان الله المنعم المتفضل، كيف تنساه وهو فيَّاض الخير في كل حين؟.
قال تعالى: { وإن تعدُّوا نعمة الله لا تحصوها } (1) .
فأكثر من ذكره ولو رموك بالجنون والبله (2)، فلك الشرف العظيم، فاللوم فيه لذيذ جميل، فلا يقع بصرك على مخلوق إلا وقد ذكرت الله الذي أبدعه وكوَّنه، فالعارف دخل جنة المعرفة (3) ، فاستغنى بها عن الجنة الآجلة، لأنه شاهد أنوار سيِّده.
أهل الله لا يطلبون غيره، ولا يحنُّون إلى سواه، صيَّر الله قلوبهم بيوتاً معمورة بأنواره، وجعلهم كنوز معارفه وأسراره، وجعلهم كعبة للزوَّار، وذخراً للأطهار.
قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( لي مع الله وقت لا يسعني فيه مَلَكٌ مُقَرَّب، ولا نبيٌّ مُرسَل) (4) .
فلا يسع العبد إلا مولاه الواسع." اهـ
اقتباس:=========================== الحاشية ======================
(1) : سورة النمل – الآية رقم 18.
(2) : روى الإمام أحمد وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا: (أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا مجنون). وروى الطبراني والبيهقي مرسلا: ( اذكروا الله ذكرا يقول المنافقون إنكم مراءُون). قال سيدي عبد الوهاب الشعراني في لواقح الأنوار القدسية في العهود والمواثيق المحمدية: وإنما سمى صلى الله عليه وسلم من ينسب الذاكرين إلى الرياء منافقا، لأنه لا ينسبهم إلى الرياء إلا وقد تحقق هو به، فعرفه صلى الله عليه وسلم حاله، وأنه لو لم يكن عنده رياء لحملهم على الإخلاص نظير ما عنده ومن هنا قالوا: لا يصح من الشيطان أن يسلم أبدا لأنه لو أسلم لم يتصور في باطنه كفر يوسوس به الناس، فكان بباطنه الكفر من العالم، لأنه لا واسطة لأحد في الكفر إلا إبليس فافهم. والله أعلم.
(3) : فهناك جنتان: جنة الزخارف: وفيها تقضى الشهوات، وتنال الملذات والمسرات. وجنة المعارف:وهي غاية العارفين ومطلوبهم. فالشوق إلى النظر إلى وجه الكريم الذي هو أرفع درحات النعيم وغاية الأماني لكل قلب سليم ومن منح الشوق انقطعت عنه حاجات الدنيا والآخرة وأولاهم باللّه أشدهم له شوقاً. وقد كان المصطفى صلى اللّه عليه وسلم طويل الفكر دائم الأحزان فهل كان كذلك إلا من شدة شوقه إلى منزله وأقربهم قرباً وأعلمهم به أشدهم حرقة في القلوب، روي عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه كان يخرج إلى طور سيناء فربما ضاق عليه الأمر في الطريق فشق قميصه من شدة الشوق.
قال حجة الإسلام: لو خلق فيك الشوق إلى لقائه والشهوة إلى معرفة جلاله لعلمت أنها أصدق وأقوى من شهوة الأكل والشرب وكذلك كل شيء بل وآثرت جنة المعرفة ورياضتها على الجنة التي فيها قضاء الشهوات المحسوسة وهذه الشهوة خلقت للعارفين ولم تخلق لك كما خلق لك شهوة الجاه ولم تخلق للصبيان وإنما لهم شهوة اللعب وأنت تعجب من عكوفهم عليه وخلوهم عن لذة العلم والرياسة والعارف يعجب منك ومن عكوفك على لذة العلم والرياسة فإن الدنيا بحذافيرها عنده لهو ولعب فلما خلق للكل معرفة الشوق كان التذاذهم بالمعرفة بقدر شهوتهم ويتفاوتون في ذلك ولذلك سأل المصطفى صلى اللّه عليه وسلم من المزيد ولا نسبة لتلك اللذة إلى لذة الشهوات الحسية شتان. ولذلك كان العارف ابن أدهم يقول: لو علم الملوك ما نحن فيه من النعيم لقاتلونا عليه بالسيوف.
(4) : قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل). قال العلامة العجلوني في كشف الخفاء: أن هذه الحديث يذكره ساداتنا الصوفية كثيرا، وهو في رسالة القشيري بلفظ: (لي وقت لا يسعني فيه غير ربي). ويقرب منه ما رواه الترمذي في شمائله وابن راهويه في مسنده عن علي في حديث: " كان صلى الله عليه وسلم إذا أتى منـزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزءاً لله ، وجزءاً لأهله، وجزءً لنفسه ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس". كذا في اللآلئ، وزاد فيها ورواه الخطيب بسند قال فيه الحافظ الدمياطي أنه على رسم الصحيح. وقال القاري بعد إيراده الحديث: قلت: ويؤخذ منه أنه أراد بالملك المقرب جبريل وبالنبي المرسل أخاه الخليل انتهى فليتأمل، ثم قال القاري وفيه إيماء إلى مقام الاستغراق باللقاء المعبر عنه بالسكر والمحو والفناء ، انتهى." اهـ189
(يتبع إن شاء الله تعالى مع "واعلم أيها السالك.... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات