"وقد أكرم الله الأمة المحمدية فانبعث لها من مشكاة خير البرية ضياء الرحمة للعالمين. قال تعالى: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُم } (1) .
فمنحهم الله الرحمة في قلوبهم، فتواضعوا لإخوانهم، وآثروهم على أنفسهم، وشهدوا في إخوانهم الكمال، وفي أنفسهم النقص... .
روي أن رجلاً من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - أهديت له رأس شاة مشوية، فقال: إن أخي فلان في حاجة إليها، وأنا أقدِّمه على نفسي لأنه أحوج مني ، فأرسلها لأخيه . فلما وصلت إليه قال: إن جاري فلانٌ في حاجة شديدة أكثر مني؛ فأهداها إليه. فقال الآخر: هكذا.... وما زالت تنتقل من رجلِ لآخر إلى سبعة أشخاص حتى عادت إلى الأول الذي بذلها، وقد تبين أنه أحقُّ بها!!!" (2) .
فانظر إلى مقدار رحمة الأخ بأخيه، كيف يقدم له أعزَّ ما لديه، وهو فرحٌ مسرورٌ لأنه يعلم أنه لا ينال البرَّ حتى ينفق مما يحب (3) .
وأعجب من ذلك: أن الصحابة كانوا في غزوة، فوقع فيها قتلى وجرحى، فقام رجالٌ منهم ليدفنوا الموتى، ويسعفوا الجرحى ؛ فوجدوا بين القتلى رجلاً جريحاً في آخر حياته، يجود بروحه، يحتاج إلى شربة ماء يدفع بها ألم التوجُّع، فأعطوه قليلاً من الماء، فسمع أخاً بجواره يقول: اسقوني . فقال: أسعفوا أخي فهو خير مني!. فذهبوا ليسقوه، فسمع أنيناً لآخر يقول: اسقوني!. فقال: أسعفوا أخي وارحموه فأنا أصبر عنه، فلما أسعفوا الأخير عادوا إلى الأول فوجدوه قد مات، ولحق به الثاني!!" (4)
.
فانظر إلى مقدار شعورهم بالرحمة في آخر رمق الحياة، وقت خروج الروح،وإيثارهم لإخوانهم على أنفسهم." اهـ 4/241
اقتباس:====================== الحاشية ====================
(1) : سورة الفتح – الآية 29.
(2) : أخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر رضي الله عنه قال: أهدي لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة فقال: إن أخي فلانا وعياله أحوج إلى هذا منا فبعث به إليهم، فلم يزل يبعث به واحدا إلى آخر حتى تداولها أهل سبعة أبيات حتى رجعت إلى الأول فنزلت {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} .
(3) : عملاً بقوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ }. سورة آل عمران - الآية 92.
(4) : ومن أفضل صور الجود بالنفس جود الصحابة بأنفسهم في حماية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيح أن أبا طلحة ترس على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتطلع ليرى القوم. فيقول له أبو طلحة: لا تشرف يا رسول الله! لا يصيبونك! نحري دون نحرك ووقى بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم فشلت.
ومن ذلك ما قاله حذيفة العدوي: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي - ومعي شيء من الماء - وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، فإذا أنا به، فقلت له: أسقيك، فأشار برأسه أن نعم، فإذا أنا برجل يقول: آه! آه! فأشار إلي ابن عمي أن انطلق إليه، فاذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك؟ فأشار أن نعم. فسمع آخر يقول: آه! آه! فأشار هشام أن انطلق إليه فجئته فإذا هو قد مات. فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات. فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات.وحكي عن أبي الحسن الأنطاكي: أنه اجتمع عنده نيف وثلاثون رجلا بقرية من قرى الري، ومعهم أرغفة معدودة لا تشبع جميعهم، فكسروا الرغفان وأطفؤوا السراج وجلسوا للطعام؛ فلما رفع فإذا الطعام بحاله لم يأكل منه أحد شيئا؛ إيثارا لصاحبه على نفسه. " اهـ
(يتبع إن شاء الله تعالى.... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات