" وقد روي أن بعض العارفين كان يقول في دعائه:" إلهي!! إن كنتَ قدَّرتَ عليَّ دخول النار فاجعل جسمي كبيراً حتى يملأ فراغ جهنَّم، وأكون فداءً للأمة الإسلامية". وهذا منتهى الرحمة بالأمة.
وقد روي أن بعض العارفين كان يأخذ تلاميذه ويذهب إلى المقابر ويبحث عن قبور الظالمين ، ويدعو لهم بالرحمة، ويقول: "هؤلاء هم المستحقون للإحسان، الذين نسيَهم الناس، ودعَوا عليهم لسوء فعلهم".
وقد روي في الحديث الصحيح (1) : أن امرأة بغيّاً رأت كلباً على رأس بئر يلهث من العطش، فاخذتها الرحمة عليهن ونزعت خفها، وربطته في خمارها،وملأته ماء، وسقت به الكلب، فعطف عليها العطوف، ورحمها "الرحيم" ، وتاب عليها "التواب" ، وفتح لها الباب بسبب رحمتها للكلب.
وقد روي في حديث آخر : أن الله تعالى أدخل امرأة النار في هرَّةٍ حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي أطلقتها تطلب رزقها حتى ماتت الهرة، فاستحقت المرأة النار لقساوة قلبها ، وعدم خوفها من حساب ربها... (2) .
فكن رحيماً بالحيوانات التي عندك، فلا تحمِّلها ما لا تطيق، ولا تجوِّعها، ولا تعطِّشها، فتُسأل، وكن رحيماً بالخُدَّام ، والعمال فلا تحقرهم، ولا تُهن كرامتهم، ولا تحمِّلهم ما لا يطيقون، وعامل أهلك بالرحمة، وخاطب الناس على قدر عقولهم، واحذر من التشديد في الوعظ فإنه يكسر القلب، ولكن أخبرهم بوسعة الرحمة.
ومن الرحمة أن تتعهَّد أموات المسلمين بالزيارة والدعاء والاستغفار (3) ، فإن الميت مثل الغريق، ينتظر دعوة تنشله.
وخير الرحمات أن ترحم نفسك بأن تجعلها دائماً في ظل الشرع، مقتدياً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن لا خير له في نفسه لا خير له في غيره.
وقد ورد في الأثر:" علامة السعادة أربعة أشياء: حلاوة في اللسان، وبشاشة في الوجه، وكرم في اليدين، ورحمة في القلب".
أسأل الله تعالى أن يحقِّقنا بتلك المعاني، ويذيقنا حلاوة الفضل الصمداني.
الدعــــاء:
" إلهي ... رحمتك بالعوالم دلَّتنا على وسعة الحنان، فاطمأنت قلوبنا بأنك الرحيم بجميع الأكوان، وأنت تحبُّ الرحمة لأنها صفتك، ونحن المستحقون لها لأن عيوبنا كثيرة؛ فانشر علينا رحمتك، لتكون عيوننا بك قريرة، وأوصل أرواحنا بحبيبك الرؤوف الرحيم، ولنستمد من أخلاقه فنكون منه على الصراط المستقيم. وأن تثبِّت في قلوبنا خُلُقَ الرحمة، فإنه أكبر نعمة.
وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما". " اهـ 4/ 246
اقتباس:===================== الحاشية ==================
(1) : روى البخاري ومسلم في صحيحيهما - واللفظ لمسلم - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "أَنّ امْرَأَةً بَغِيّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ. قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ. فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا. فَغُفِرَ لَهَا". وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إذْ رَأَتْهُ بَغِيّن مِنْ بَغَايَا بَنِي إسْرَائِيلَ. فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ، فَسَقَتْهُ إيّاهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ".
(2) : روى البخاري ومسلم وأصحاب السنن - واللفظ هنا لمسلم -: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النّارَ فِي هِرّةٍ رَبَطَتْهَا. فَلاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا. وَلاَ هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ. حَتّىَ مَاتَتْ هَزْلاً".
(3) : ومن ذلك أيضاً قراءة القرآن الكريم على روح الميت فقد أجمع العلماء المعتبرون على جواز ذلك ولا عبرة ولا عبرة ولا عبرة بمن شذَّ وأبى إلا أن يحرم الأموات من الخير كما حرم الأحياء من خير كثير بتبديع وتضليل وإطلاق شهادت الكفر والتشريك على من هب ودب من عباد الله دون خوف من الله ولا خشية منه ، ولا حياء من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكل ذلك بحجة اتباع السلف، والسلف برىء منه ومن أمثاله.
قال في مغني المحتاج في شرح المنهاج 3/70 وما بعدها: حكى القرطبي في التذكرة أنه رؤي في المنام بعد وفاته فسئل عن ذلك فقال كنت أقول ذلك في الدنيا والآن بان لي أن ثواب القراءة يصل إلى الميت. وحكى المصنف في شرح مسلم والأذكار وجها أن ثواب القراءة يصل إلى الميت كمذهب الأئمة الثلاثة واختاره جماعة من الأصحاب منهم ابن الصلاح والمحب الطبري وابن أبي الدم وصاحب الذخائر وابن أبي عصرون وعليه عمل الناس وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن. وقال السبكي: والذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه نفعه إذ ثبت أن الفاتحة لما قصد بها القارىء نفع الملدوغ نفعته وأقره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وما يدريك أنها رقية وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى اهـ "
وقد جوز القاضي حسين الاستئجار على قراءة القرآن عند الميت وقال ابن الصلاح: وينبغي أن يقول: اللهم أوصل ثواب ما قرأنا لفلان فيجعله دعاءه ولا يختلف في ذلك القريب والبعيد. وينبغي الجزم بنفع هذا لأنه إذا نفع الدعاء وجاز بما ليس للداعي فلأن يجوز بماله أولى وهذا لا يختص بالقراءة بل يجري في سائر الأعمال.
وكان الشيخ برهان الدين الفزاري ينكر قولهم اللهم أوصل ثواب ما تلوته إلى فلان خاصة وإلى المسلمين عامة. لأن ما اختص بشخص لا يتصور التعميم فيه كما لو قال خصصتك بهذه الدراهم لا يصح أن يقول وهي عامة للمسلمين قال الزركشي: والظاهر خلاف ما قاله فإن الثواب قد يتفاوت فأعلاه ما خص زيدا وأدناه ما كان عاما والله تعالى يتصرف فيما يعطيه من الثواب بما يشاء. وقد أشار الروياني في أول الحلية إلى هذا فقال صلاة الله تعالى على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاصة وعلى النبيين عامة اهـ ". وأما ثواب القراءة إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنع الشيخ تاج الدين الفزاري منه وعلله بأنه لا يتجرأ على الجناب الرفيع إلا بما أذن فيه ولم يؤذن إلا في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة قال الزركشي ولهذا اختلفوا في جواز الدعاء له بالرحمة وإن كانت بمعنى الصلاة لما في الصلاة من معنى التعظيم بخلاف الرحمة المجردة. وجوزه بعضهم واختاره السبكي واحتج بأن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يعتمر عن النبي صلى الله عليه وسلم عمرا بعد موته من غير وصية.
وحكى الغزالي في الإحياء: عن علي بن الموفق وكان من طبقة الجنيد أنه حج عن النبي صلى الله عليه وسلم حججا وعدها الفقاعي ستين حجة. وعن محمد بن إسحاق السراج النيسابوري أنه ختم عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة آلاف ختمة وضحى عنه مثل ذلك اهـ ". ولكن هؤلاء أئمة مجتهدون فإن مذهب الشافعي أن التضحية عن الغير بغير إذنه لا تجوز كما صرح به المصنف في باب الأضحية وعبارته هناك ولا تضحية عن الغير بغير إذنه ولا عن الميت إذا لم يوص بها. " اهـ
(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الْمَلِكُ جَلَّ جَلالُه ... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات