فلا تدعوا على الملك ولكن ارجعوا إلى السنة المحمدية وتوبوا إلى الله.
والنقطة الجوهرية التي يحارب فيها العباد سيدهم هي نقطة الملك؛ ولذلك إذا نفخ في الصور وانطوى الخلائق في القبور، ينادي الحقُّ سبحانه وتعالى: { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ }؟ فيجيب نفسه بنفسه:{ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (1) .
وإن العارف بالله تعالى يسمع بآذان روحه هذا النداء فيسلم كل ما يملك الآن لله، وعند ذلك يسمعه الحق "الملك": { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}... .
وإن كل منازع في الملك فهو مخذول مغرور، فما خلقنا لننازع"الملك" في ملكه، وإنما خلقنا لنعرف كرمه ولطفه ووداده وحنانه.
وإن "الملك" معناه : ظهور كلمة "كن" التي ينفعل لسرها الوجود، وما من شخص إلا وأمدَّه الله من سرِّ كلمة"كن" بقدر ما قسم له؛ فالروح التي فيك من سرِّها، ، والسمع والبصر من باهر أمرها، والسكون والحركة من عين إمدادها، وتسخير الأكوان من وسعة فيضها، فسواء صرفك في نفسك وفي الآفاق فاعتبره من الخلاَّق، فارجع إليه الأمانة بانشراح ، فهو الملك المنعم الفتَّاح... .
واعلم أن سرَّ وصول الأولياء أنهم شهدوا أن أرواحهم وأشباحهم وأموالهم وأولادهم مملوكة لله ليس لهم في أنفسهم أو في الآفاق فتيلاً ولا نقيرا، وعند ذلك يظهر لهم تجلي "الملك" وهم العبيد فيمنحهم وافر المزيد (2) .
روي أن بعض العارفين وقف بين يدي الحق في مشهد روحاني، فقال له الحقُّ: ما هو برهانك على حبك لي؟.
فقال: يا سيدي! ها هي روحي أقدِّمها للجناب برضاء وانشراح.
فقال له الحق: إن روحك مني، وما زالت في ملكي، فهات من عندك شيء!.
فقال : يا سيدي! لا أملك شيئاً، لأنك أنت الملك المطلق.
فقال له: الآن تستحقُّ تجلِّي "الملك" فهو الذي منح الحب، وملك القلب، وهو الذي وفَّق وهدى، وإليه المرجع والمصير... .
فإذا قدَّمت له عبادة فاحذر أن تعتقد أنك تملكها، فهو يملكك ويملكها، وبيده القبول والرد، وعنوان القبول: أن تقول له: إنها منك، وإليك، وأنت الغني عني، وعنها (3)." اهـ.4/256
اقتباس:===================== الحاشية =====================
(1) : سورة غافر – الآية 16.
(2) : وما ذلك إلا لأنهم تخلَّقوا بأخلاق "الملك" الذي من جملة أخلاقه : أن يملك نفسه وهواه ، وذلك بأن يتحرر من رقِّ الطمع ويتحلى بحلية الورع، وبأن يكون أيضاً مالكاً للأحوال، غنياً بالله الكبير المتعال. قال بعضهم : من عرف أنه الملك الحق الذي تنتهي إليه الآمال، جعل همته وقفاً عليه فلم يتوجه في أموره إلا إليه، استسلاماً لحكمه، واستغناء به عن غيره، ومن عرف أنه سبحانه المتوحد بالملك، أنف أن يتذلل لمخلوق، لأن المعرفة بمالكه يوجب التجرد والانحياش إليه ، والتعزز به عما سواه، والاكتفاء بما في ملكه وسلطانه.
(3) : وهذا هو حال الكمَّل من العارفين المحقِّقين وعباد الله الصالحين الذين تحلَّوا بأوصاف العبودية المحضة، فإنهم لا يرون أنفسهم شيئاً، ولا لهم من الأعمال شيء، كما قال سيدي ابن عطاء في حكمه الجليلة العجيبة: "إذا أراد أن يظهر فضله عليك ، خلق ونسب إليك" . قال سيدي ابن عجيبة في شرحه لهذه الحكمة:" أي إذا أراد الله سبحانه أن يظهر فضله وإحسانه عليك _ أيها المريد _ خلق العمل الصالح فيك ونسبه إليك على ألسنة العبيد؛ بأن يطلق ألسنتهم بأنك مطيع . فينبغي لك أن تشهد هذا الفضل العظيم ، وتستحي من مولاك الكريم ، لتتأدب بقول سهل بن عبد الله رضي الله عنه : إذا عمل العبد حسنة وقال: يا رب أنت بفضلك استعملت، وأنت أعنت، وأنت سهلت. شكر الله تعالى له ذلك، وقال له: يا عبدي بل أنت أطعت، وأنت تقربت، وإذا نظر إلى نفسه وقال: أنا عملت، وأنا أطعت، وأنا تقربت. أعرض الله تعالى عنه، وقال: يا عبدي، أنا وفقت، وأنا أعنت، وأنا سهلت. وإذا عمل سيئة وقال: يا رب، أنت قدرت، وأنت قضيت، وأنت حكمت. غضب المولى عليه، وقال له: يا عبدي بل أنت أسأت وأنت جهلت، وأنت عصيت. وإذا قال: يا رب، أنا ظلمت، وأنا أسأت، وأنا جهلت. أقبل المولى عليه، وقال: يا عبدي ، أنا قضيت، وأنا قدرت، وقد غفرت وحلمت وسترت." اهـ
(يتبع إن شاء الله تعالى..... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات