الكِشكِشة :
يبدل أهل الدير كاف المؤنثة المخاطبة ( ﭺ ) شينا ثقيلة أو هو حرف بين الشين والجيم ولفظه كلفظ ( CH ) الإنجليزية في الكلمات التالية ( CHAIR و CHAIN و CHALK ) فعامة الدير وأهلها يقولون للمذكر خُذ كِتَابَك وللمؤنثة المخاطبة خُذِي كتابـﭻ كما يقولون للمذكر المخاطب ( عليك نفسك ) أما المؤنثة المخاطبة فيقولون لها ( عليــﭻ نفسـﭻ ).
وفي عصرنا الحديث كتب بعضهم هذه الجيم و بداخلها ثلاث نقاط بدلا من واحدة ويجري كلام العامة هكذا في كل كاف للمؤنثة المخاطبة يفعلون . أما كاف المخاطب للمذكر فلا يناله أي تبديل . وقـد جاء في الأمثـال الديرية قولهم :
( داري زَمَـانِـج ِ يا عثيرة )طالبين مراعاة الظروف وعدم التصرف بحماقة 0
قد تؤدي للمكاره 0 ( أمثال دير الزور – عبد القادر عياش ) 0-
ويرى علماء اللغة العربية أن الكشكشة ظاهرة معروفة عند القبائل العربية القديمة وأنها إبدال كاف المؤنثة المخاطبة شينا (1 ) أو إلحاق شين بعد كاف المؤنثة المخاطبة سواء كان ذلك في الوقف أو الوصل معا (2)
ومن العرب من يلفظها ((الكاف ) بين الجيم والشين (3 ) أي كما يلفظها أهل الدير والعامة في العراق وحوران وسكان الفرات عامة وأهل جزيرة العرب 0 وتنسب الكشكشة إلى ربيعة ومضر وحمير وأهل الشِّحرِ ( سكان حضر موت ) من قضاعة و مهرة وتنسب لتميم و هوازن وناس من بني أسد (4 ) ... وتنسب إلى بكر وتغلب من ربيعة (5 ) أي أنها تنسب لكل العرب .
ومن شواهد الكشكشة ما جاء في العتابا قولهم :
يَـهَـلْ قـَاعِـد على الَّـد ﭼـَة قـبَـالِـي غـَوِي ويْـحِـن دولابـو جبالي عـَجـَـب خـَـدِّﭺ مـِثـِـلْ وَرد الجـبـالي عـَــذِي ومــا قـَـلّـَـبو غير الهوى
- - 40 -
( تلفظ قاف قبالي جيما.فتنطق: جبالي . الدﭽـة : الدكَّة 0 تلفظ قاف – قاعد – قلبه 0( قلبو) كما يلفظ المصريون الجيم )
(ديوان العتابا ص 246 ) . خدﭺ : خَدّكِ
وفي مقطع آخر :
يـَهَـلأ مَـرّيـــت بالعـُـوُدَه صَـحَـا لي عَــلِيـلْ ويُــوُم شِــفنـاكم صـحـا لـي
جـِـثيـر مـن النـسا مِـثـلِـﭻ صَـحَـا لي و عِشـرَة غِـيـركُـم حارمــه علـــيَّ
إبدال كاف المؤنثة المخاطبة في : ( خدّج ، مثلج ) ﭻ لنطق ( ch ) في كلمة chain الإنجليزية وذلك في العتابا السابق وفي الغناء الشعبي الآتي بعضه :
يَم الثويب الأحمر معجبني طرزه ولونه
قلبي عليـﭻ لاهب نار قلبـﭻ عليَّ شْـلـُونـُـــه
وأيضا :
طولي وطولــﭻ قدرته وبمطرق الحديدي
كل ما تشوفــﭻ عيني يهموم قلبي تزيدي
ويفرد البغدادي في كتابه خزانة الأدب بحثا خاصا عن الكشكشة و ينسبها فيه إلى ناس من تميم وأسد وينقل عن كتاب الكامل للمبرد قول المبرد: ".... بنو عمرو بن تميم إذا ذكرت كاف المؤنثة فوقعت عليها أبدلت منها شينا لقرب الشين من الكاف في المخرج ... فيقول للمرأة ( جعل الله البركة في دارش ) والتي يدرجونها ( يجعلونها ) يدعونها كافا 0" (6)
ويستمر البغدادي في الحديث عن الكشكشة ذاكرا أمثلة لها على هذا النحو .
كما أننا لو رجعنا إلى كتاب سيبويه (7) لوجدنا أن هذا الحرف ( الذي يشبه في صوته ومخرجه صوت ( ,ch,) في الكلمات الإنجليزية chair ) و cheap ) ورمزنا له بـ ( ﭺ ) موجود في العربية لكنّه منطوق وليس بمكتوب. أي أنّ العرب نطقوا به ولم يجعلوا له رسما يعرف به كرسم بقية الحروف ، وهم إن أرادوا كتابته كتبوه كافا ونطقوه غير ذلك وأخرجوا صوته من مخرج بين الجيم والشين .
- 41 -
ويرى أن هذا الحرف (الكاف ) يراد به كاف المؤنثة المخاطبة .فيخصص له بابا في كتابه (الكتاب) وضعه تحت مسمى ( هذا باب الكاف التي هي علامة المضمر ) قال فيه: " اعلم أنها في التأنيث مكسورة وفي المذكر مفتوحة, وذلك قولك " ( رأيتُكِ للمرأة ورأيتُكَ للرجل ) .
ويبين سيبويه القبائل التي تنطق كاف المؤنثة على هذه الصورة فيقول :
" ... فأما ناس كثير من تميم وناس من أسد فإنهم يجعلون مكان الكاف للمؤنث الشين وذلك أنهم أرادوا البيان في الوقف لأنها ساكنة في الوقف فأرادوا أن يفصلوا بين المذكر والمؤنث وأرادوا التحقيق والتوكيد في الفصل لأنهم إذا فصلوا بين المذكر والمؤنث بحرف كان أقوى من أن يفصلوا بحركة . فأرادوا أن يفصلوا بين المذكر والمؤنث ( بهذا الحرف, كما فصلوا بين المذكر والمؤنث ) بالنون حين قالوا:" ذهبوا وذهبن. وانتم وانتن"، وجعلوا مكانها اقرب ما يشبهها من الحروف إليها, لأنها مهموسة, كما أن الكاف مهموسة ولم يجعلوا مكانها مهموسا من الحلق لأنها ليست من حروف الحلق . وذلك قولك ( أنش ذاهبة , وما لش ذاهبة ) تريد أنك ذاهبة , وما لكِ ذاهبة ؟ "000 (8 ) ( أليس هذا القول تسويغا واستحسانا لحسن تخلص العرب من إمكانية التباس الأمر على السامع بين المذكر والمؤنث في الوقف ؟ 0) .... وقوم يلحقون الشين ليبينوا بها الكسرة في الوقف .
وأما صاحب كتاب الجمهرة – ابن دريد – فلم يحدد من تكلمّ بها من العرب لكنه قال : ... هي لغة أقوام كما يراها ابن فارس وذكر بيتا للمجنون يقول فيه : (9 )
فعيناﭺ ِ عيناها وجيدﭺ ِ جيدها سوى عـَنّ َعظم الساق منج ِ دقيق
ويورد فاضل غالب المطلبي في كتابه ( لهجة تميم وأثرها في العربية الموحدة ) قراءة للآية الرابعة والعشرين من سورة مريم قائلا : وقرئ أيضا (( قد جعل ربش ِ تحتش ِسريا * )) ناقلا ذلك عن كتاب الجامع لأحكام القرآن 1/45 . وورد في الحديث ( إئذ ني له فإنه عمـﭻ ِ ) (10 )
وجاء في كتاب ( اللهجة العربية في التراث) ص 361 لأحمد علم الدين الجندي
- 42 -
نقلا عن الأشموني 4/282 . و بها قرأ من قرأ ( إن الله اصطفاﭺ وطهرﭺ ) مريم آية 24 (((( إن الله اصطفاكِ وطهركِ )))) . نقلها من كتاب لهجات العرب لأحمد تيمور المكتبة الثقافية 290 مخطوط .
وأضاف: "... ولتفسير هذه الظاهرة , نرى أن تميما حرصت على إبراز الحركة الأخيرة " .
ولو أن أحدا طلب من أهل الدير كتابة كلمات منتهية بكاف المؤنثة المخاطبة لكتبها الديري كافا . و من ثم لو طلب منه نطقها لنطقها كما تنطق ( h ) في الإنجليزية أي أنّ هذا الحرف منطوق لا مكتوب كما يرى سيبويه وغيره 0
* هناك مسألة حول الكشكشة أهي قلب الكاف أم زيادة شين بعد الكاف ؟ إنّ الاستنتاج هنا هو أنّ اللغويين الأوائل يشيرون إلى كاف صوتها بين الشين والكاف (2) . ولعل هذا يرجع إلى أنّه لم يكن لديهم تسجيل للأصوات أو أنهم احترزوا من كتابة الحروف التي قالوا عنها :" بين بين"، والتي تزيد عن التسعة والعشرين حرفا المكتوبة والمعروف لهم ولنا رسمها ولو أنهم أوجدوا رسوما للحروف التي قالوا عنها بين بين ) لهان الأمر , ولعرفنا الصوت الذي ينطق به كل حرف , ولميزنا الكشكشة من الشنشنة وغيرها من الظواهر اللغوية الأخرى . والشنشنة بما سمع من أصحاب اللهجة الناطقين بها من إبدال كل كاف لا يلتبس المعنى على السامع عند التلفظ بها .
فعلى سبيل المثال , ينطق أهل الدير ( كان = ﭽـان ) الجيم تنطق ( ch ) . لكنهم عندما يصوغون المضارع منها يقولون : ( يكون ) وذلك دفعا للآلتباس 0
أرى أن هذه ليست شيئا يخرجها الناطق بها من مخرج الشين الأصلي، بل هي إخراج الشين من مخرج يقع بين الشين والجيم أو من المخرج الذي يخرجه منها أهل الدير والعراق وحوران والموصل عند نطقهم بهذه الكاف وهي تشبه لفظ ( h ) الإنجليزية أو ( تش , ﭺ ) .
الأدب الجاهلي بين لهجات القبائل واللغة الموحدة د / هاشم طعان ص 153
المصدر السابق ص 153
المصدر السابق ص 153
الأغاني 8 / 41 ذكر نسب جرير وأخباره .
- خزانة الأدب للبغدادي منشورات دار صادر عن نسخة مصورة 4 / 594
- الكتاب لسيبويه 4 / 431- 432
8- المصدر السابق 4 / 199 – 200
9 - الصاحبي لابن فارس ص 24 ودراسات في فقه اللغة ل د / صبحي الصالح ص 61
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات