عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2011
  #9
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,200
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق قسطموني

الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 170
من المعلوم ان عشرين شخصاً في عشرين يوماً لا يستطيعون بناء عمارة واحدة في حين يستطيع ان يهدمها شخص واحد في يوم واحد.
لذا فالذي يقوم بالهدم والدمار ينبغي ان يقابَل بعشرين ممن يبنون ويعمرون تلك النواحي، بيد أننا نرى العكس. فالالوف من الهدامين لا يقابلهم الا معمر واحد وهو رسائل النور.
لذا فمقاومة خدام القرآن الكريم وحدهم تلك التخريبات المريعة انما هي عمل خارق جداً. فلو كانت هاتان القوتان المتقابلتان على مستوى واحد من القوة، لكنت ترى في التعمير والبناء - الروحي والاخلاقي - خوارق وفتوحات عظيمة جداً.
ولنضرب مثلاً واحداً فقط:
ان أعظم ركيزة في الحياة الاجتماعية هي: توقير الصغير للكبير ورحمة الكبير للصغير. الا اننا نرى ان هذا الاساس قد تصدع كثيراً. حتى اننا نسمع اخباراً مؤلمة جداً، وحوادث مفجعة جداً تجاه الآباء والامهات، تقع من جراء خراب هذا الاساس الراسخ.
ولكن بفضل الله فان الرسائل القرآنية اينما حلت قاومت الدمار، وحالت دون تهدم هذا الاساس الاجتماعي المتين، بل حاولت تعميره.
فكما يعيث ياجوج وماجوج في الارض الفساد بخراب سد ذي القرنين، فان فساداً أبشع من فساد ياجوج وماجوج قد دبّ في العالم وأحاطه بظلمات الارهاب والفوضى وعمت الحياة والاخلاق مظالم شنيعة وإلحاد شنيع.. فظهر الفساد في البر والبحر، نتيجة تزلزل السد القرآني العظيم، وهو الشريعة المحمدية الغراء.
لذا فان الجهاد المعنوي لطلاب النور ضد هذا التيار الجارف يعدّ - باذن الله - جهاداً عظيم الثواب ، اذ فيه قبس من جهاد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم الذين يثابون بعمل قليل ثواباً عظيماً.
فيا اخوتي الاعزاء:
في مثل هذه الاوقات العصيبة، وامام هذه الاحداث الجسام، فان اعظم قوة لدينا - بعد قوة الاخلاص - هي قوة "الاشتراك في الاعمال الاخروية" اذ يكتب كل


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 171
منكم في دفتر اعمال اخوته حسنات كثيرة مثلما يرسل بلسانه الامداد والعون الى قلعة التقوى وخنادقها.
وان اخاكم الفقير والعاجز هذا "السعيد" الذي اشتدت عليه غارات الهجوم من كل جهة، هو احوج ما يكون الى مساعدتكم في هذه الاشهر الثلاثة المباركة، وفي هذه الايام المشهودة.
ولا استبعد هذا منكم قط، فانتم اهل لهذا السعي، وانتم الابطال الاوفياء المشفقون على حال اخيكم، وانا اطلب منكم هذا الامداد المعنوي بكل جوارحي ومن صميم روحي.
وبدوري سأشرك الطلاب في دعواتي وحسناتي المعنوية، بل ربما ادعو لكم في اليوم اكثر من مئة مرة باسم طلاب النور، بشرط الالتزام بالإيمان والوفاء، وذلك دستور الاشتراك في الاعمال الاخروية.
***

[ترك فضول النفس]
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
لمناسبة مجئ فرقة من الجيش الى هذه الجهات امس قال لي أمين: ان صلة روسيا قد انقطعت عن القفقاس. علماً انني لم اكن اعرف استمرار الروس في الحرب ولم أرغب في معرفته. فقطعتُ عليه الكلام. الاّ ان قلبى اظهر اهتماماً بالموضوع.
وفي هذا اليوم عند ماكنت في الصلاة وفي الاذكار التي أعقبتها، ورد الى القلب معنىً:
ان الصراع الدائر في الكرة الارضية بين التيارات المتحاربة ستميل احداها الى الاسلام والقرآن ورسائل النور والى مسلكنا لا محالة. فينبغى النظر اليه من هذه الزاوية. وعلى الرغم من ان الاسباب الداعية الى عدم النظر اليه - والتي كتبتها في رسالتين سابقتين - كافية للقلب والعقل، الاّ انها لا تشبع النفس المتلهفة للحوادث.
وخطر على القلب في الاذكار نفسها:


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 172
ان سببه المهم هو: تنبّه شعور الانحياز عند النظر اليه، حيث ان نظر المنحاز كليل عن ذنوب من يميل اليه. فيرضى بظلمه بل قد يبتهج ويفرح ويرحّب به. والحال كما ان الرضا بالكفر كفر كذلك الرضا بالظلم ظلم. فلاشك ان في هذا الصراع القائم على الكرة الارضية مظالم ودماراً تبكي من هوله السموات، اذ تضيع وتفنى حقوق كثير من الابرياء والمظلومين، لان دستور المدنية الدنيّة الظالم هو: يُضحّى بالفرد لأجل الجماعة ولا يُنظر الى الحقوق الجزئية من اجل سلامة الأمة. وقد فتح هذا الدستور ميدان مظالم شنيعة لم يُر مثلها حتى في القرون الاولى. بينما العدالة الحقيقية للقرآن المبين انه لايُفدى بحق الفرد لأجل الحفاظ على الجماعة، فالحق حق، لاينظر الى كثيره وقليله.
فهذا هو القانون السماوى والعدالة الحقة، لذا فالذين ينشغلون بحقائق القرآن كطلاب رسائل النور ان لم تكن هناك ضرورة فلا ينظرون الى تلك الامور لإشباع الفضول وحده، دون ان يجنوا فائدة ما. ولا يليق بهم الانشغال فكرياً بمتابعة اعمال ذلك التيار، على أمل ان يخدم الاسلام والقرآن في النتيجة! حيث ان النتيجة لم تحصل. فلا داعي الى تشجيع تخريباتهم الظالمة. وبهذا تبعت النفسُ العقلَ والقلبَ وتركتْ فضولها... نعم هكذا فهمت.
المسألة الثانية:
ان احراز رسائل النور النصر في اسبارطة والغلبة فيها قد فاجأ الزنادقة وأذهلهم، لذا قام بعض هؤلاء الزنادقة المتمردين والمعاندين - ممن يحملون الروح الخبيثة وأفكار ذلك الشخص الذي ولّى ومات - ستراً لهزيمتهم هذه بالهجوم على القرآن وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم من طرف خفي في مؤلّف نشره، واستعمل فيه هذا - المتسمى بالاسلام - كلمات ممجوجة غير لائقة - كالتي وردت في المناظرة مع الشيطان وحزبه - اذ جمع ما قاله امثاله من اليهود والفلاسفة الملحدين والمتمردين في اوروبا وزنادقتها منذ سالف العصور من افتراءات على القرآن والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
ولأجل اسماع المسلمين الساذجين والذين لم يطلعوا على رسائل النور مثل هذه الامور واراءتهم لها، فقد سلك هذا الزنديق بحذلقة وخبث مسلكاً أخفى زندقته إخفاءً دقيقاً بحيث سبق الشيطان في شيطنته. وتألمت كثيراً جداً من هذا، وقد


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 173
وردت في رسالة اخينا صبري: ان الخدع والشباكات التي ينصبها الملحدون العنيدون - تجاه تيار رسائل النور - واهية جداً بل أوهن من بيت العنكبوت. فتلك الأستار الشيطانية التي يتسترون بها ضعيفة لا تقاوم أبداً وستهتك أمام النور وتتمزق.. ان ما كتبه الزنديق العنيد المتمرد والروح الخبيثة للرجل الميت، هو لصالح القومية التركية في الظاهر الاّ انه في الحقيقة قد نشر كتابه هذا للتهوين من الشأن العظيم والمرتبة الرفيعة للقرآن الكريم والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ألا خاب ظنه فلا يمكنه ان يكون كبيت العنكبوت تجاه المعجزات القرآنية والمعجزات الاحمدية بل يذوب ويتلاشى. ولكن يا للاسف وألف أسف وأسف انه يضر ضرراً بالغاً بالذين لم يطلعوا على رسائل النور كما ان الذين اطلعوا عليها قد يدفعهم الفضول فيقولون: تُرى ماذا فيه؟ فيعكرون صفو قلوبهم. وفي الاقل يورث الشكوك والاوهام.
فعلى طلاب رسائل النور الأبطال أن يكونوا متيقظين تجاه هذه الامور ويزيدوا من نشاطهم، اذ الانشغال بالامور الفاسدة فسادٌ أيضاً، لذا اختصر هذه المسألة.
فحذار من الاهتمام به واثارة الفضول لدى الناس. وليعلم انه مؤلَّف تافه سوى مافيه من الاسماء المباركة ومعانى بعض الآيات الكريمة. وافهموا مدى تجاوز هذا الشخص حدّه من المثال الآتي:
مثال: إن نظر أبله الى مجلس بعيد جداً يحضره علماء مدققون متخصصون، يدققون كتاباً ويتلقون الدرس من استاذ قدير.فاذا ما أصدر هذا الابله حكمه منتقداً هذا المجلس وهؤلاء العلماء، فان عمله هذا هذيان ليس الاّ.
اللهم احفظ اهل الايمان وطلاب رسائل النور من امثال هؤلاء. آمين
سعيد النورسي
***

[عاونونا بادعيتكم]
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
انه بعد تغلب ثباتكم العظيم واخلاصكم التام وبعد دفع تلك المصيبة فقد غيّر أهل الدنيا خططهم في المجابهة؛ اذ بدأوا - بمكايد الزنادقة - بتحشيد قواهم المادية


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 174
والمعنوية في هذه المناطق تجاهنا خفية، فهم يتحركون بدقة متناهية ويحاولون بشيطنة خبيثة للاخلال بالتساند والترابط الوثيق الذي هو القوة الحقيقية لطلاب رسائل النور. ففي الوقت الذي أعادوا اليكم الرسائل يحيكون مؤامرات خفية بخبث. وعلى الرغم من أننا نُعدّ شعبة منكم فانهم يحسبوننا كأننا الاصل والمركز، لذا يجرون علينا دسائسهم بشكل مكثف، ولكن الحافظ الحقيقي هو رب العالمين. وباذنه تعالى لن يقدروا على إلحاق أي ضرر كان .. ولكن عاونوننا يا اخوتي بادعيتكم الخالصة في ايام الشهور المباركة ولياليها المباركة.
ولاشئ يُذكر هنا.. ولكن عليكم بالحذر قدر المستطاع...
***

[حوار مع فريق من الشباب]
جاءني - ذات يوم - فريق من الشباب، يتدفقون نضارة وذكاءً، طالبين تنبيهات قوية وارشادات قويمة تقيهم من شرورٍ تتطاير من متطلبات الحياة ومن فتوة الشباب ومن الاهواء المحيطة بهم.
فقلت لهم بمثل ما قلته لأولئك الذين طلبوا العون من رسائل النور:
اعلموا ان ما تتمتعون به من ربيع العمر ونضارة الحياة ذاهب لا محالة، فان لم تلزموا انفسكم بالبقاء ضمن الحدود الشرعية، فسيضيع ذلك الشباب ويذهب هباءً منثوراً، ويجرّ عليكم في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة بلايا ومصائب وآلاماً تفوق كثيراً ملذات الدنيا التي أذاقكم اياها.. ولكن لو صرفتم ربيع عمركم في عفة النفس وفي صون الشرف وفي طاعة ربكم بتربيته على الاسلام، اداءاً لشكر الله تعالى على ما أنعم عليكم من نعمة الفتوة والشباب، فسيبقى ويدوم ذلك العهد معنىً، وسيكون لكم وسيلة للفوز بشباب دائم خالد في الجنة الخالدة.
فالحياة، ان كانت خالية من الايمان، او فَقَد الايمانُ تأثيره فيها لكثرة المعاصي، فانها مع متاعها ولذتها الظاهرية القصيرة جداً تذيق الآلام والاحزان والهموم اضعافَ اضعافَ تلك المتع والملذات، ذلك لأن الانسان - بما مُنح من عقل وفكر -


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 175
ذو علاقة فطرية وثيقة بالماضي والمستقبل فضلاً عما هو عليه من زمان حاضر حتى انه يتمكن من ان يذوق لذائذ تلك الازمنة ويشعر بآلامها، خلافاً للحيوان الذي لا تعكر صفو لذته الحاضرة الاحزانُ الواردة من الماضي ولا المخاوف المتوقعة في المستقبل، حيث لم يمنح الفكر.
ومن هنا فالانسان الذي تردّىفي الضلالة واطبقت عليه الغفلة تفسد متعتُه الحاضرة بما يردُه من احزان من الماضي، وما يرده من اضطرابٍ جراء القلق على المستقبل. فتتكدر حياتُه الحاضرة بالآلام والاوهام، سيما الملذات غير المشروعة، فهي في حكم العسل المسموم تماماً.
اي ان الانسان هو أدنى من الحيوان بمائة مرة من حيث التمتع بملذات الحياة. بل ان حياة ارباب الضلالة والغفلة، بل وجودهم وعالَمهم، ما هو الاّ يومهم الحاضر، حيث ان الازمنة الماضية كلها وما فيها من الكائنات معدومة، ميتة، بسبب ضلالتهم، فترِدهم من هناك حوالك الظلمات..!
أما الازمنة المقبلة فهي ايضاً معدومة بالنسبة اليهم، وذلك لعدم ايمانهم بالغيب. فتملأ الفراقات الابدية - التي لا تنقطع - حياتهم بظلمات قاتمة، ما داموا يملكون العقل وما داموا جاحدين بالبعث والنشور.
ولكن اذا ما اصبح الايمانُ حياةً للحياة، وشعّ فيها من نوره، استنارت الازمنة الماضية واستضاءت الازمنة المقبلة، وتجدان البقاء وتمدان روح المؤمن وقلبه من زاوية الايمان، باذواق معنوية سامية وانوار وجودية باقية، بمثل ما يمدّهما الزمن الحاضر.
هذه الحقيقة موضحة توضيحاً وافياً في "الرجاء السابع" من رسالة "الشيوخ" فليراجع هناك.
هكذا الحياة.. فان كنتم تريدون ان تستمتعوا بالحياة وتلتذوا بها فاحيوا حياتكم بالايمان وزيّنوها باداء الفرائض، وحافظوا عليها باجتناب المعاصي.
أما حقيقة الموت التي تُطلعنا على اهوالها الوفياتُ التي نشاهدها كل يوم، في كل مكان، فسأبينها لكم في مثال، مثلما بينتها لشبان آخرين من امثالكم:
تصوروا ههنا - مثلاً - اعواداً نُصبت امامكم للمشنقة، وبجانبها دائرة توزع جوائز سخية كبرى للمحظوظين.. ونحن الاشخاص العشرة هنا سنُدعى الى هناك


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 176
طوعاً أو كرهاً. ولكن لأن زمان الاستدعاء مخفي عنّا، فنحنُ في كل دقيقة بانتظار مَن يقول لكلٍ منا: تعال.. تسلّم قرار اعدامك، واصعد المشنقة!. أو يقول: تعال خذ بطاقة تربحك ملايين الليرات الذهبية.!
وبينا نحن واقفون منتظرون، اذا بشخصين حضرا لدى الباب. احدهما اِمرأة جميلة لعوب شبه عارية تحمل في يدها قطعة من الحلوى، تقدّمها الينا تبدو أنها شهية، ولكنها مسمومة في حقيقتها.
أما الآخر فهو رجل وقور كيّس - ليس خباً ولا غرّاً - دخل على اثر تلك المرأة وقال: لقد أتيتكم بطلسم عجيب، وجئتكم بدرس بليغ، اذا قرأتم الدرس ولم تأكلوا من تلك الحلوى، تنجون من المشنقة، وتتسلمون - بهذا الطلسم - بطاقة تلك الجائزة الثمينة.. فها انتم اولاء ترون بأم اعينكم ان مَن يأكل تلك الحلوى، يتلوى من آلام البطن حتى يصعد المشنقة.
أما الفائزون ببطاقة الجائزة، فمع انهم محجوبون عنّا، ويبدون انهم يصعدون منصّة المشنقة الاّ ان اكثر من ملايين الشهود يخبرون بأنهم لم يُشنَقوا، وانما اتخذوا اعواد المشنقة سلماً للاجتياز بسهولة ويسر الى دائرة الجوائز.
فهيا انظروا من النوافذ، لتروا كيف ان كبار المسؤولين المشرفين على توزيع تلك الجوائز ينادون بأعلى صوتهم قائلين:
"ان اصحاب ذلك الطلسم العجيب قد فازوا ببطاقة الجوائز.. اعلموا هذا يقيناً كما رأيتم بعين اليقين اولئك الذاهبين الى المشنقة، فلا يساورنكم الشك في هذا، فهو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار".
وهكذا على غرار هذا المثال:
فان متع الشباب وملذاته المحظورة شرعاً كالعسل المسموم.. وغدا الموت لدى الذي فقد بطاقة الإيمان التي تربحه السعادة الأبدية كأنه مشنقة، فينتظر جلاد الأجل الذي يمكن ان يحضر كل لحظة - لخفاء وقته عنا - ليقطع الاعناق دون تمييز بين شاب وشيخ.. فيرديه الى حفرة القبر الذي هو باب لظلمات أبدية كما هو في ظاهره..


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 177
ولكن اذا ما أعرض الشاب عن تلك الملذات المحظورة، الشبيهة بالعسل المسموم وضرب عنها صفحاً، وبادر الى الحصول على ذلك الطلسم القرآني وهو الإيمان واداء الفرائض، فان مائة واربعة وعشرين الفاً من الانبياء عليهم السلام، وما لا يعد ولا يحصى من الأولياء الصالحين والعلماء العاملين يخبرون ويبشّرون بالاتفاق مظهرين آثار ما يخبرون عنه بأن المؤمن سيفوز ببطاقة تكسبه كنوز السعادة الأبدية.
حاصل الكلام: ان الشباب سيذهب حتماً وسيزول لا محالة. فان كان قد انقضى في سبيل الملذات ونشوة الطيش والغرور، فسيورث آلاف البلايا والآلام والمصائب الموجعة سواءً في الدنيا أو الآخرة.
وان كنتم ترومون أن تفهموا بأن أمثال هؤلاء الشباب ستؤول حالُهم في غالب الأمر الى المستشفيات، بسبب تصرفاتهم الطائشة واسرافاتهم وتعرضهم لأمراض نفسية.. أو الى السجون واماكن الاهانة والتحقير، بسبب نزواتهم وغرورهم.. أو الى الملاهي والخمارات بسبب ضيق صدورهم بالآلام والاضطرابات المعنوية والنفسية التي تنتابهم.. نعم.. اِن شئتم أن تتيقنوا من هذه النتائج فأسألوا المستشفيات والسجون والمقابر.. فستسمعون بلاشك من لسان حال المستشفيات الأنات والآهات والحسرات المنبعثة من امراض نجمت من نزوات الشباب واسرافهم في امرهم.. وستسمعون ايضاً من السجون صيحات الأسى واصوات الندم وزفرات الحسرات يطلقها اولئك الشبان الاشقياء الذين انساقوا وراء طيشهم، وغرورهم فتلقوا صفعة التأديب لخروجهم على الاوامر الشرعية، وستعلمون ايضاً ان اكثر ما يعذّب المرء في قبره - ذلك العالم البرزخي الذي لا تهدأ ابوابُه عن الانفتاح والانغلاق لكثرة الداخلين فيه - ما هو الاّ بما كسبت يداه من تصرفات سيئة في سني شبابه، كما هو ثابت بمشاهدات اهل كشف القبور، وشهادة جميع اهل الحقيقة والعلم وتصديقهم.
واسألوا اِن شئتم الشيوخ والمرضى الذين يمثلون غالبية البشرية، فستسمعون ان أكثريتهم المطلقة يقولون:
"وا أسفى على ما فات! لقد ضيعنا ربيع شبابنا في امور تافهة، بل في امور ضارة! فإياكم إياكم ان تعيدوا سيرتنا، وحذار حذار ان تفعلوا مثلنا!".


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 178
ذلك لأن الذي يقاسي سنواتٍ من الغم والهم في الدنيا، والعذاب في البرزخ، ونار سَقَر في الآخرة، لأجل تمتع لا يدوم خمس أو عشر سنوات من عمر الشباب بملذات محظورة.. غيرجدير بالاشفاق، مع أنه في أشد الحالات استدراراً للشفقة والرثاء، لأن الذي يرضى بالضرر وينساق اليه طوعاً، لا يستحق الإشفاق عليه ولا النظر الى حاله بعين الرحمة، وفق القاعدة الحكيمة: "الراضي بالضرر لا يُنظر له".
حفظنا الله واِياكم من فتنة هذا الزمان المغرية ونجانا من شرورها..
آمـين
***

[حقيقة تقطع دابر الاعتراضات]
اخوتي الاعزاء الاوفياء طلاب رسائل النور!
لقد اضطررت الى بيان حقيقة تقطع دابر الاعتراضات التي تضر بالضعفاء من طلاب رسائل النور بمثل اعتراض الشيخ الذي لايخطر على بال.
اكرر مرة اخرى ماقلته لأحدهم:
انه لمن الاسف والعجب والحيرة ان يضيّع اهل الحقيقة القوة الخارقة في الاتفاق، فيُغلبون على أمرهم، بينما يتفق اهل النفاق والضلالة - رغم إختلاف مشاربهم - للحصول على قوة ذات أهمية في الاتفاق. ومع انهم لايتجاوزون عشرة بالمئة الاّ انهم يغلبون التسعين بالمائة من اهل الحقيقة.
وان اكثر ما يثير العجب ويزيد الحيرة هو:
بينما كنا ننتظر العون الكبير والحث العظيم منهم، وهم المكلفون بهذه المعاونة اسلامياً ومسلكاً واداءً للواجب الديني، نجدهم لا يمدون يد المعاونة الينا، بل بدأ الشيخ بالاعتراض بناء على فهم خطأ بما يورث الفتور لدى طلاب رسائل النور مستنداً الى اهمية موقعه الاجتماعي. فاعترض على ايضاحات تخص حقيقة.
اننى لا اعرف أية مسألة قد اُعترض عليها ولأية آية كريمة تخص. ولعلها تخص مسألة من رسالة الاشارات القرآنية المسماة بالشعاع الاول الذي اتخذناه رسالة


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 179
خاصة جداً وسرية. فأخوكم هذا العاجز يبين لذلك الصديق الفاضل القديم ولأهل العلم ولكم كذلك ما يأتي:
ان سعيداً الجديد - بفيض القرآن المبين - يذكر من البراهين المنطقية والحقيقية الكثيرة التي تخص الحقائق الايمانية بحيث لايلجئ علماء الاسلام الى التسليم وحدهم بل حتى أعتى فلاسفة اوروبا العنيدين ايضاً.
انه من شأن القرآن الكريم واعجازه العظيم ومن مقتضى البلاغة المعجزة للسان الغيب، ان ترد فيه رموز وإيماءات لجلب الانظار الى رسائل النور - التي هي معجزته المعنوية في هذا الزمان - بمثل اخبارات الامام علي رضي الله عنه والشيخ الكيلاني قدس سرّه الواردة بطرز اشارى ورمزى حول اهمية رسائل النور وقيمتها.
نعم، ففي سجن اسكي شهر وفي وقت رهيب حيث كنا أحوج ما نكون الى سلوان قدسي خطر على القلب ما يأتي:
انك تبين شهوداً من كلام الاولياء السابقين على أحقية رسائل النور وقبولها بينما بمضمون الآية الكريمة
(ولا رطب ولا يابسٍ الاّ في كتاب مبين) (الانعام: 59). فان صاحب الكلام في هذه المسألة هو القرآن الكريم. فهل يقبل القرآن الكريم ويرضى برسائل النور؟ وكيف ينظر اليها؟
واجهتُ هذا السؤال العجيب، واستمددت من القرآن الكريم، واذا بي اشعر في ظرف ساعة ان رسائل النور فرد داخل ضمن كلية المعنى الاشارى الذي يمثل طبقة واحدة من طبقات التفرعات للمعنى الصريح لثلاث وثلاثين آية كريمة، وعرفت قرينة قوية لدخولها في ذلك المعنى وتخصيصها، فشاهدت قسماً منها بشئ من الوضوح وقسماً آخر مجملاً. فلم تبق في قناعتى اية شبهة وشك ووهم ووسوسة. وانا بدورى دوّنتُ قناعتى القاطعة تلك واعطيتها الى اخوتى الخواص على شرط سريتها على نية الحفاظ على ايمان أهل الايمان برسائل النور. فنحن لانقول في تلك الرسالة: ان المعنى الصريح للآية الكريمة هو هذا، ليقول العلماء: فيه نظر! ولم نقل فيها: ان كلية المعنى الاشارى هي هذه. بل نقول: ان تحت المعنى الصريح للآية الكريمة طبقات متعددة من المعانى، احدى هذه الطبقات هي المعنى الاشاري والرمزي. فهذا المعنى الاشارى ايضاً هو كليّ، له جزئيات في كل عصر. فرسائل النور فردٌ في هذا


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس