عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2011
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,200
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: المثنوي العربي النوري - المقدمات والتقديم



المثنوي العربي النوري - ص: 7
ثانياً: قرر المجمع اللغوي المنعقد في القاهرة في دورته الخامسة والثلاثين في شهر شباط 1969 بقبول الرأي القائل:
"ان كلمة "غير" الواقعة بين متضادين تكتسب التعريف من المضاف اليه المعرفة. ويصحّ في هذه الصورة التي تقع بين متضادين، وليست مضافة ان تقترن بـ "ألـ" فتستفيد التعريف"..) اهـ..
***
وربّ سؤال يرد للخاطر:
لماذا ألّف الاستاذ النورسي هذه الرسائل باللغة العربية، والمخاطبون لا يتقنونها، علماً انه كتب "رسائل النور" بالتركية؟.
فالجواب - والله أعلم -:
ان اللغة العربية كانت هي لغة العلم في تلك الفترة (اي الى منتصف العشرينات) وقبل استبدال الحروف العربية، رغم ان المحادثات الجارية بين الناس كانت بالتركية..
ثم ان هذه الرسائل العربية بحد ذاتها: أصول و قواعد، و مناهج، و موازين مستلهمة من نور القران الكريم، خاطب بها الاستاذ النورسي نفسَه أولاً، وألزمها الحجة حتى ارغمها على التسليم، فهي أعلم بلغته و تعابيره. ومما يثبت ما نذهب اليه هو ان الاستاذ النورسي قد صبّ هذه المعاني ووسّع منها وكشف عن دقائقها في الرسائل التي الّفها بالتركية - فيما بعد 1927م - تلك هي رسائل النور التي غدت موضع استفادة العالم و المتعلم و الكبير والصغير. فادّت مهمتها المرجوة في حفظ الايمان تجاه تيار الكفر والطغيان.
أما ما يرد من سؤال حول تسمية الكتاب. اي: لماذا سّماه الاستاذ المؤلف بـ "المثنوي" الذي يعني في الشعر ابيات مثنى مثنى، علماً ان الكتاب ليس ديواناً للشعر؟.
فالجواب: لقد سمّى الاستاذ النورسي هذه الرسائل بـ "الرسائل العربية" او "المجموعة العربية" وقد كُتب على مجلد الطبعة الاولى: "قطرات من فيوضات


المثنوي العربي النوري - ص: 8
الفرقان الحكيم". ولكن لان فعل هذه الرسائل في القلب والعقل والروح والنفس يشبه فعل المثنوي لجلال الدين الرومي المشهور والمتداول بين اوساط الناس ولا سيما في تركيا، وان عمله في تجديد الايمان وترسيخه في القلب وبعثه الروح الخامد في النفوس يشبه "المثنوي الرومي" فقد سماه الاستاذ النورسي بـ "المثنوي". ولأجل تمييزه عن "المثنوي الرومي" الذي كُتب بالفارسية سماه: "المثنوي العربي". ولانه اساسٌ لرسائل النور وغراس لأفكارها ومسائلها أضيف اليه "النوري" فاصبح الكتاب يحمل عنوان : "المثنوي العربي النوري"
ومما يجدر الإشارة اليه ان الكتاب مع أنه جامع لكثير من أساليب البيان وأنماط الإستعارة وانواع التشبيه والجناس والطباق وغيرها من أساليب البلاغة، فان كل قارئ - مهما كان تذوقه البلاغي - يظل مشدوداً مع بلاغة المعنى وجمال المغزى أكثر من انشداده مع بلاغة المبنى وجمال اللفظ؛ اذ ان عمق المعاني وسعة الأفكار ودقة المسائل التي يطرقها تجعل القارئ يقول: حقاً "ان الكلام البليغ هو ما أستفاد منه العقل والوجدان معاً".
هذا ولقد أغنانا الأستاذ نفسه عن تقديم أي كلام حول سبب تأليفه للكتاب وفترة تأليفه له، حيث سجل ذلك في مقدمته البديعة، وفي افادات المرام مستهل كل رسالة.
والله نسأل ان يوفقنا الى حسن القصد وصحة الفهم وصواب القول وسداد العمل.. وصلّ اللهمّ على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
احسان قاسم الصالحي


المثنوي العربي النوري - ص: 9
المدخل
الاستاذ أديب إبراهيم الدباغ
لا جدال في أنّ "النفس البشرية" طاقة عظمى من طاقات البناء والاعمار، ومصدر خصب من مصادر الحق والعدل والخير والجمال في هذا العالم إذا مازكت وصفت وغدت موصولة الاسباب بفاطرها وموجدها، لأن صلتها بالله، واستمساكها بأسباب أنواره، يجعلها موضع نظره، ومَنْ كَان موضع نظر الله تعالى افيضَ عليه من صفات جماله وكماله ما يستطيع بها أن يمحق ظلام الدنيا وشرورها.. وهى - أي النفس - قوة تدميرية عمياء، وطاقة هدم مرعبة، اذا ما نجمت فيها جرثومة التمرد والنزق والجموح، وعصفت بها رياح الهوى الهوج المحركة لنيران رغباتها المجنونة، وشهواتها العارمة، فتحرق هذه النار كل سبب يصلها بالله تعالى، فلا تلبث - بعد ذلك - أن تتنكر لخالقها وبارئها، وتنزع الى عصيانه، وترغب في الانفلات من مسؤوليات الايمان، وتكاليف الاسلام.
و"النورسي" - رحمه الله - إنما يرصد هذه النفس الضالة التي قد غلبت عليها رعونتها، وركبتها حماقتها، فتنشط في البحث عمّن يسليها ويلهيها، وينسيها مَنْ تكون...؟ ولِمَ كانت…؟ وما واجبها...؟ وما مسؤولياتها...؟ ويأسف لها وهي تتصامم عمّن يريد لها الصحو المسؤول، واليقظة البصيرة، ويطلب لها التعلم والمعرفة، ويأخذ بيدها للأرتقاء والسمو، ويشرفها بمعرفة الله ويتوّجها بتاج طاعته، ويلبسها حلل معرفته.. ويرى أنها - إذا زاد ارتكاسها وفاض بها غرورها - قد تتوهم نفسها قطب العالم ومحور الوجود، فتقيس كل شئ بمقاييسها، وتزنه بموازينها، لظنها أنها منبع كل حق، ومصدر كل صواب.. وقد تتمادى في هذا الغرور الاحمق حتى لتنازع "الرّبوبية" سلطانها، وتنسب لنفسها من صفات الألوهيه ما تشاء ويشاء لها الهوى.


المثنوي العربي النوري - ص: 10
وتتفاوت "النفوس" في أسباب تعرضها لمخاطر هدا التورم الخبيث، والانتفاخ المرضي المخيف، فيغدو البعض أشدّ عتواً، وأصعب توعراً، واكثر استعصاءً وتمرداً على حقوق الربوبية، ومستلزمات العبودية من البعض الآخر. وبسبب هذا التورم الذي يتسلل الى مخ النفس، فيشل وعيها، ويفقدها صوابها، ويُعمّي عليها حقيقة حجمها، وتبيان موقعها الصحيح من الله.. وبسبب غياب "العقل الايماني" الذي يبصرها بحقيقتها، ويمنعها من الجموح والشطط، فهي غالباً ما تنساق مع الوهم، فتتخيل استطالة حجمها، وتضخم جرمها، وتحسب الكون قاصراً عن احتوائها، والأرض عاجزةً عن حمل عظمتها.. ومن هنا.. من عدم تحديد مكان "النفس" من الله، ومن تجاوزها حدود وظائفها في هذا العالم تنجم جميع شرور العالم وآثامه، وتنبعث جميع الآمه وأحزانه ومآسيه، ومصداق ذلك ما يحدثنا به التاريخ من مدّعي "الالوهية" و"الربوبية" من الملوك والاباطرة والفراعين، وغيرهم على اختلاف مدّعياتهم الباطلة، وما خلفوه وراءهم من جروح والآم في حياة الشعوب والحضارات.
وخشية من وقوع "النفوس" فريسة هذا التورم البشع المخيف، وحرصاً من "الاسلام" على ان تظل "نفس" المسلم صحيحة تستمتع بالسلامة والعافية، فقد حثّ القرآن على مجاهدة نزق النفس، وحذّر من تمردها وعصيانها لخالقها، واعتبر مجاهدتها واجباً ايمانياً لا يقل أهميةً عن واجب مجاهدة العدو، بل يزيد عليه، لان العدو الذي يريد الشَّر بالبلاد والعباد بيّنٌ ظاهر للعيان بسلاحه وعدّته وعدده، نواجهه ونحن نرى ونسمع، فيجتمع عليه كياننا كله، وتتهافت عليه حواسُنا جميعاً، وتتعاون على قهره طاقاتُنا بأسرها.
أما "النفس العاصية لله" فهي عدو خفي لا نراه ولا نحس بعداوته، لانها تسري في وجودنا كله، وتجري منا مجرى الدم، ولا يجتمع عليه وجودنا كله لانها جزء من هذا الوجود، فضلاً عن أننا لا نعرف متى تهاجمنا ؟ ومن أي ثغرة تتسلل الى مقاتلنا؟ وأي سلاح رهيب من أسلحتها تجربه فينا؟ لذا يتعين علينا أن نبقى حذرين دائمي الحذر، متيقظين دائمي التيقظ، نرصد حركاتها، ونراقب مناوراتها، ونأخذ


المثنوي العربي النوري - ص: 11
منها زمام المبادرة، فنلجمها قبل ان تجمح بنا، ونأخذ بخطامها قبل أن تهيج علينا وتلقي بنا تحت أقدام طغيانها فلا تفلتنا حتى تسحق منا الروح والقلب والعقل.
***
وقد عانى "النورسي" من نفسه الشئ الكثير، فهي نفس جموح، وعرة المراس، صعبة الترويض، عصية على الاقتناع، تأبى ان تسلس له القياد ما لم يأتها على الرأي الذي يراه بالدليل القاطع لكل شك، والبرهان المبدد لكل ريب. لذا فقد كان همه الأعظم إقناعها بالرأي الذي يراه، والفكر الذي يخلص اليه.. فهو في كل ما كتب ولاسيما في "المثنوي" إنما كان يكتب لنفسه بهذا القصد ولهذا الغرض، وكأنّ نفسه - لشدة جموحها ونفورها من الفكر التقليدي - قد آثرت الانفصال عنه، والانسلاخ منه، فصار لها كيان مستقل، وشخصية مناوئة، تقف ازاءه، وترصد فكره، ولا تنفك تحاوره وتلح عليه في الحوار، وتسأله وتلح عليه في السؤال، حتى تضطره للاجابة عليها بحشد هائل من الأدلة والبراهين التي تقنعها وتطمئنها، وتلزمها الحجة والتسليم. وفي معرض وصفه لهذه المعاناة مع نفسه يقول "النورسي":
"ان هذه ثلاثون سنة لي مجادلة مع طاغوتين وهما :(أنا) في الانسان، و(الطبيعة) في العالم" 1.
والمأساة الأخرى التى ظلّتْ تؤرّق "النورسي" طوال حياته، وتنغر في ضميره، انما هي سقوط الملايين من البشر في هذا العصر في حبائل "الطبيعة " وانحباس أرواحهم في اقفاصها، وتعبدّهم - كما يتعبد الوثنيون - لنواميسها وسننها، فنسبوا لهذه النواميس والسنن ما ينسبه المؤمنون الى الله تعالى من صفات الخلق والايجاد والقدرة والعلم والحكمة والقصد والاختيار، وبذلك حجبت "الطبيعة" المخلوقة، بصفاتها الاعتبارية غير الذاتية، الانسان الوثنى عن "الخالق" الحقِ، وامتصت إيمانه، وأنشبت أظفار الجحود الحاد في روحه، وحولت قلبه الخصب الى جفاف كجفاف رمال الصحراء، فاستُثني - بهذا الإنحراف الأخرق عن الله - استثناءً شاذاً من بين التوافق الكوني العظيم الذي تندرج الاشياء جميعاً فيه، وتتآلف معه في وحدة كونية نابضة بالمعرفة والمحبة لله، فاذا به - على الرغم من كل منجزاته الحضارية المبهجة - ينوح
_____________________
1 رسالة "حبة من نواتات ثمرة من ثمرات جنان القرآن"


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس