الموضوع: صيقل الإسلام
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-02-2011
  #35
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: صيقل الإسلام


صيقل الإسلام/المناظرات - ص: 375

المناظرات
وصفة طبية
لقارة شاسعة عظيمة الجانب .. رديئة الطالع
ولدولة مشــهورة عريقة المجد . . سيئة الحظ
ولأمـة عـزيــزة جـليـلة القدر . بلا رائدتأليف:
بديع الزمان سعيد النورسي
ترجمة وتحقيق
إحسان قاسم الصالحى


صيقل الإسلام/المناظرات - ص: 377المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد
فقد أعلن السلطان عبد الحميد الثاني "المشروطية" 1 في 23/ تموز/ 1908م، وهي تعنى تأسيس النظام البرلماني في الدولة العثمانية التي اصبحت بموجبها الوزارة مسؤولة تجاه البرلمان وليس تجاه السلطان، كما ان صلاحية تشريع القوانين غدت من اختصاص البرلمان، واطلقت على اثرها حرية العمل السياسي وحرية الصحافة وغيرها..
كانت وجهات نظر الناس عامة والمثقفين خاصة متباينة حول "المشروطية"، اذ بدأت الفئات المختلفة تفسّر "الحرية" بالشكل الذي يروق لها، فبينما اندفعت فئة في تأييد المشروطية ومناصرتها بشدة بغية جرّها لأغراض سياسية واجتماعية وصولاً الى مآربهم في تقويض الدولة العثمانية، اذا بآخرين يتوجسون خيفة من هذا الانقلاب الذي حدث في نظام الدولة، وفي الوقت نفسه وقف آخرون مبهوتين لايتقدمون خطوة ولا يتأخرون، بينما صفق لها غيرهم من المفتونين بحضارة اوروبا المبهورين ببريقها. . وهكذا اختلفت الآراء. .
أما بديع الزمان سعيد النورسي فقد سلك مسلك الاعتدال، مسترشداً بالنهج الاسلامي السالم من التعصب الذميم الذي يعيق كل تجدد، والمبرأ عن اللهات وراء الغرب وتقليده تقليداً اعمى. فناصر مفهوم "الحرية" و "الشورى" ضمن ماهو واضح في الاسلام. ودافع عن "المشروطية" المحددة بحدود الشرع. فكتب مقالات عديدة في الصحف المحلية آنذاك، وألقى كثيراً من الخطب في الاجتماعات التي عقدت في
_____________________
1 المشروطية: وهي اعلان النظام البرلماني في الدولة العثمانية، وقد أعلن السلطان عبد الحميد المشروطية مرتين، مرة عند بداية حكمة وهي المشروطية الاولى في 19 مارت 1877م. ثم جمدها بعد هزيمة الدولة العثمانية في حربها مع روسيا وبعد أن رأى ان اعداء الدولة العثمانية قد استغلوا البرلمان لتمزيقها وجرّها الى الدمار. ثم عاد بعد أكثر من ثلاثين سنة الى اعلانها مرة اخرى وهي المشروطية الثانية. واستمرت حتى معاهدة موندروس في 30/10/1918م.



صيقل الإسلام/المناظرات - ص: 378
الميادين العامة والجوامع. مبيناً مفهوم الحرية والشورى في ضوء الاسلام. ومحذراً من التعصب المقيت والتقليد المشين، اذ شعر بمحاولات خبيثة تعمل في الخفاء لاستغلال "المشروطية" وتوجيهها لمصلحة مغرضين مناهضين للاسلام. وحينما كان يبذل وسعه في هذا الميدان لم ينسَ السياسيين والمفكرين والصحفيين، فأجرى معهم لقاءات عديدة ناصحاً ومرشداً وموضحاً المنهج الاسلامي الصحيح الذي فيه خير البلاد وصلاح العباد. ولما ادرك انه أفرغ جهده في مركز الخلافة، استانبول توجّه الى شرقي الاناضول سنة 1910م وبدأ بجولة واسعة بين مختلف العشائر الكردية والتركية، وعقد معهم اجتماعات وندوات يجري فيها مناقشات حول امور اجتماعية وسياسية، وبين لهم صلاحية "المشروطية" بالمفهوم الاسلامي. واختار معهم اسلوب الحوار السهل المستساغ والقريب الى الاذهان. على الرغم من انه قد أورد جملاً أشبه مايكون بالشفرات، ولفّع قسماً من العبارات بالتشبيهات والمجازات، ووجه الخطاب احياناً الى الاجيال المقبلة.
كان جلّ اهتمامه منصباً في تحطيم قيود اليأس وكسر أغلال القنوط التي كبّلت الناس، وكان يحاول جهده أن يشعل بصيص الأمل وبريق الرجاء في نفوسهم. فضلاً عن وضعه لهم موازين شرعية ومنطقية لوزن الاحداث المستحدثة، بعقلية متوازنة ايمانية هادئة، بعيدة قدر الامكان عن الانفعالات وردود الفعل.
دوّن الاستاذ النورسي هذه المحاورات بالتركية في رسالة طبعها في مطبعة "ابو الضياء" باستانبول سنة 1913م ونشرها تحت اسم (بديع الزمانك مناظراتي) -مناظرات بديع الزمان- ثم ترجمها الى العربية بنفسه ونشرها تحت عنوان "رجتة العوام" اي الوصفة الطبية للعوام. وجاءت هذه الترجمة مبهمة مغلقة العبارات، فاضطر الاستاذ أن يكتب في مقدمتها "معذرة طويلة الاذيال" جاء فيها قوله:
"ان هذه الرسالة العربية ترجمتُها من التركية، التي ترجمتها من الكردية، التي ارتجلتها لأسئلة الاكراد القرويين. فالمترجَم من المترجَم من المرتجل، من امي (يقصد نفسه) لقرويين، لايتملّس ولايخلص من خشونة في المعنى واللفظ".
ولم تتح للاستاذ النورسي ان يعيد النظر في رسالته هذه الاّ بعد خمس واربعين سنة من تأليفه لها، اذ عصفت اعاصير مدمرة بالامة الاسلامية عامة والتركية خاصة بعد دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الاولى ودخول الاجانب في البلاد ثم


صيقل الإسلام/المناظرات - ص: 379
الحروب الدامية في طردهم منها، حتى انتهى الأمر الى اعلان الجمهورية وإلغاء الخلافة، واعقب ذلك عداءٌ سافرٌ للدين، دام طوال ربع قرن من الزمان بل اكثر. وعانى الاستاذ النورسى في تلك الايام الحالكة أشد الظلم والعنت، اذ ماكان يحل في منفى الاّ وينفى الى غيره ولا يبرأ من محكمة إلاّ ويدخل اخرى وهكذا الى مابعد سنة 1950م حيث تمكن من اعادة النظر في الرسالة فشذبها وعلّق عليها بهوامش وحذف ما يقرب من ثلثها من بداية الرسالة وما كان قاصراً على فترة معينة، أو ما يمكن ان يُساء فهمه. وعندما اريد نشرها في سنة 1959 أعاد المؤلف فيها النظر بدقة وأجرى بعض التنقيحات والتعديلات من حذف واضافة ونحن بدورنا قمنا بترجمة هذه الطبعة المنقحة.
هذا وقد كتب الاستاذ النورسي الى طلابه رسالة خاصة بعثها لهم من منفاه "قسطموني" يبين فيها رأيه في مؤلفات "سعيد القديم" عامة وفي هذه الرسالة خاصة، ثم اعقبها برسالة اخرى بعثها لهم من منفاه "اميرداغ" كلتا الرسالتين ذات اهمية في فهم مضامين مؤلفات سعيد القديم، وقد ألحقنا رسالة قسطموني بهذه المقدمة ونحيل القارئ الكريم الى "الملاحق" ص383 - 387 للاطلاع على الرسالة الاخرى قبل مطالعته مؤلفات سعيد القديم الاجتماعية.
أما عملي في الترجمة والتحقيق، فقد اقتصر على الخطوات الآتية:
1- اعتبار النص التركي الموسوم بـ "
Münazarat " المطبوع بدار سوزلر باستانبول طبعات عديدة جداً والذي اقره المؤلف نفسه هو الاساس .
2- مقابلة هذا النص بالطبعة الاولى من الرسالة المطبوعة في سنة 1913م في مطبعة "ابو الضياء" باستانبول.
3- مقابلته ايضاً بالترجمة العربية التي قام بها المؤلف نفسه، وهي المنشورة ضمن كتاب "الصيقل الاسلامي" المطبوع بمطبعة النور بانقرة سنة 1958م.
4- مقابلته ايضاً بنسخة الترجمة العربية المحفوظة في المكتبة الوطنية بازمير تحت رقم 2262/ 288/ 20 دون ذكر اسم المطبعة وسنة الطبع.
5- الاحتفاظ بالعبارات والفقرات العربية الواردة في النص التركي كما هي


صيقل الإسلام/المناظرات - ص: 380
ووضعها بين قوسين مركنين [ ]. فكل مابين هذين القوسين هو من عبارات المؤلف نفسه.
6- كتابة هوامش لشرح ما كان معروفاً آنذاك ويحتاج اليه القارئ اليوم، سواءً من الاحداث التاريخية أو مواقع جغرافية أو تعابير سياسية.
7- ثم عزوت الآيات الكريمة التي فيها الى مواضعها من السور، وكذا خرّجت الاحاديث الشريفة من مظانها من امهات كتب الحديث الموثوقة.
والله نسأل ان يوفقنا الى حسن القصد وصحة الفهم وصواب القول وسداد العمل. وصلّ اللّهم على سيدنا محمد وعلى آله واصحابه اجمعين.
احسان قاسم الصالحي


صيقل الإسلام/المناظرات - ص: 381
رأى المؤلف في مؤلفاته القديمة

نص الرسالة التي بعثها الاستاذ النورسي لطلابه من منفاه (قسطموني) يبين فيها رأيه في الاسباب الموجبة لتنقيحه "المناظرات" وعدوله عن شئ مما ذكره فيها من آراء.
لقد ألقيت نظرة الى رسالة "المناظرات" وذلك بعد مرور خمس وثلاثين سنة على تأليفها فرأيت فيها وفي امثالها من مؤلفات "سعيد القديم" أخطاءً وهفوات. اذ ألّف تلك الآثار في حالة روحية ولّدها الانقلاب السياسي 1 وأنشأتها مؤثرات خارجية وعوامل محيطة به.
انني استغفر الله بكل حولي وقوتي من تلك التقصيرات راجياً من رحمته تعالى اَن يغفر تلك الخطايا التي ارتكبتها بنية حسنة وبقصد جميل، لدفع اليأس المخيم على المؤمنين.
ان اساسين مهمين يهيمنان على آثار "سعيد القديم" -كهذه الرسالة - والاساسان ذوا حقيقة، ولكن كما تحتاج كشفيات الاولياء الى تأويل، والرؤى الصادقة الى تعبير، فان ما أحس به "سعيد القديم" باحساس مسبق - أي قبل وقوع الأمر - بحاجة كذلك الى تعبير، بل الى تعبير دقيق. الاّ ان إخباره عما توقع حدوثه وبيانه تلكما الحقيقتين بلا تأويل ولا تعبير، ادّى الى ظهور شئ من النقص والقصور وخلاف الواقع فيما أخبر عنه. الأساس الأول: هو ما زفّه من بشرى سارة للمؤمنين بظهور نورٍ في المستقبل. زفّ هذه البشرى ليزيل بها يأسهم ويرفع عنهم القنوط، فلقد أحسّ باحساس مسبق ان "رسائل النور" ستنقذ ايمان كثير من المؤمنين، وستشد أزرهم في زمان عصيب عاصف. الاّ انه نظر الى هذا النور، من خلال الأحداث السياسية التي واكبت الانقلاب وحاول تطبيق ما رآه من نور على واقع الحال من دون تعبير ولا تأويل. فوقع في ظنه ان ذلك النور سيظهر في عالم السياسة وفي مجال القوة وفي ميدان فسيح. فقد أحسّ احساساً صادقاً الاّ انه لم يوفّق في التعبير عن بُشراه توفيقاً كاملاً.

_____________________
1 المقصود اعلان المشروطية.- المترجم.



صيقل الإسلام/المناظرات - ص: 382
الاساس الثاني: لقد أحس "سعيد القديم" ما أحسّه عدد من دهاة السياسة وفطاحل الادباء؛ بان استبداداً مريعاً مقبلٌ على الأمة، فتصدوا له، ولكن هذا الاحساس المسبق كان بحاجة الى تأويل وتعبير، إذ هاجموا ما رأوه من ظل ضعيف 1 لإستبدادات تأتي بعد مدة مديدة وألقت في نفوسهم الرعب. فحسبوا ظل استبدادٍ - ليس له الاّ الاسم - استبداداً أصيلاً، فهاجموه. فالغاية صحيحة الاّ ان الهدف خطأ.
وهكذا فلقد أحسّ "سعيد القديم" أيضاً بمثل هذا الاستبداد المخيف فيما مضى. وفي بعض آثاره توضيحات بالهجوم عليه، وكان يرى ان المشروطية الشرعية وسيلة نجاةٍ من تلك الاستبدادات المرعبة. لذا سعى في تأييدها بالحرية الشرعية والشورى ضمن نطاق احكام القرآن، آملاً ان تدفعا تلك المصيبة.
نعم ! لقد أظهر الزمان ان دولة تسمى داعية الحرية، قد كبّلت بثلاثمائة من موظفيها المستبدين ثلاثمائة مليوناً من الهنود، منذ ثلاثمائة سنة، وسيطرت عليهم كأنهم ثلاثمائة رجل لاغير، حتى لم تتركهم يحركون ساكناً. ونفذت قانونها الجائر عليهم بأقسى صورة من صور الظلم، آخذة آلاف الأبرياء بجريرة مجرم واحد. واعطت لقانونها الجائر هذا اسم العدالة والانضباط. فخدعت العالم ودفعته الى نار الظلم. هذه الدولة غدت مقتدى ذلك الاستبداد القادم في المستقبل.
وفي رسالة "المناظرات" هوامش قصيرة، وملاحظات وردت على صورة طُرف ولطائف، فهي من قبيل الملاطفة مع قسم من طلابه الظرفاء في تأليفه القديم ذاك، اذ قد وضح لهم الامور باسلوب الدرس والارشاد.
ثم ان زبدة هذه الرسالة "المناظرات" وروحها وأساسها، هي ما في خاتمتها من حقيقة اقامة "مدرسة الزهراء"، وماهي الاّ المهد الذي سيشهد ظهور "رسائل النور" في المستقبل. فكان يُساق الى تأسيسها دون ارادة منه. ويتحرى - بحس مسبق - عن تلك الحقيقة النورانية في صورة مادية حتى بدت جهتها المادية أيضاً، اذ منح
_____________________
1 المقصود: ان الاستبداد الذي كان يمارس في عهد السلطان عبدالحميد يعدّ ظلاً ضعيفاً للاستبدادات التي حصلت بعد عهده وبعد سقوط الخلافة. المترجم.



صيقل الإسلام/المناظرات - ص: 383
السلطان رشاد تسع عشرة ألف ليرة ذهبية لتأسيس تلك المدرسة، وارسيت قواعدها فعلاً، الاّ ان اندلاع الحرب العالمية الاولى حال دون اكمال المشروع.
ثم بعد حوالي ست سنوات ذهبتُ الى انقرة، وسعيت في انجاز تلك الحقيقة، وفعلاً وافق مائة وثلاثة وستون نائباً في مجلس الأمة من بين مائتي عضو على تخصيص خمسة عشر ألف ليرة ورقية لبناء مدرستنا، ولكن ياللأسف - ألف ألف مرة - سدّت جميع المدارس الدينية، ولم استطع ان انسجم معهم فتأخر المشروع أيضاً.
بيد ان المولى القدير أسس برحمته الواسعة الخصائص المعنوية لتلك المدرسة وهويتها في "اسبارطة" فاظهر "رسائل النور" للوجود. وسيوفق - ان شاء الله - طلاب النور الى تأسيس الجهة المادية لتلك الحقيقة أيضاً.
ان سعيداً القديم على الرغم من معارضته الشديدة لمنظمة "الاتحاد والترقي" 1 فانه مال الى حكومتها ولاسيما الى الجيش، حيث وقف منهم موقف تقدير واعجاب والتزام وطاعة. وما ذاك الاّ بما كان يحس به من احساس مسبق من ان تلك الجماعات العسكرية والجمعية الملية سيظهر منهم بعد سبع سنوات مليون من الشهداء الذين هم بمرتبة الأولياء. فمال اليهم طوال أربع سنوات دون اختيار منه، وبما يخالف مشربه. ولكن بحلول الحرب العالمية وخضّها لهم أُفرز الدهن المبارك من اللبن فتحول الى مخيض لا قيمة له. فعاد "سعيد الجديد" الى الاستمرار في جهاده وخالف سعيداً القديم.
_____________________
1 جمعية الاتحاد والترقي: وهي جمعية تشكلت سنة 1888م، كان شعارها »الاتحاد، المساواة، والاخوة« نادت بعزل السلطان عبد الحميد واقامة حياة برلمانية في البلاد. اتصل بعض اعضائها بالمحافل الماسونية وبالدول الاجنبية، ونجحت اخيراً في عزل السلطان. وعندما وصلت الى الحكم اسست حكماً دكتاتورياً قاسياً، ثم ورطت الدولة العثمانية في اتون الحرب العالمية الاولى (بجانب المانيا) وبعد ان تمزقت اوصال الدولة العثمانية هرب زعماؤها الى الخارج. المترجم.


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس